نوفمبر 23, 2024 7:57 ص
الترك

أ.م  هيثم يلدا عبوش

كلية الفنون الجميلة –   جامعة بغداد

haitham.yelda@cofarts.uobaghdad.edu.iq

009647500707422

الملخص:

في خضم الابداع المتواصل لمنجزات الفنان العراقي وسعيه للتميز في اعماله التي تباينت وتنوعت تقنيات الاظهار في طرح التكوين الفني للعمل التشكيلي، وفي غمرة التحولات الشكلية لنظم العلاقات البصرية للعمل الفني  المعاصر. نجده دؤوب على مواصلة وتحديث مسار تقنياته وبتماس مباشر مع  التطور الحاصل على الصعيد التشكيلي، ليوثق الحدث والفكر معا بقالب رؤيته الفنية المعاصرة. فقد شكلت منجزاته أثر بالغ الاهمية في مراحل تحوّل طروحات الفن المحلي والعربي والعالمي، فكان حضور الفنان العراقي فاعل ومؤثر وذو مقدرة ابداعية في تقديم رؤية استندت الى جذوره الحضارية الاصيلة الخالدة وحاضره المتجدد.

فقد شكّل كل من النحت والرسم الركيزة الاساسية للفن العراقي المعاصر منذ بدايات تطور الحركة التشكيلية بالعراق. اذ اجتهد الفنان العراقي بانجازاته حتى تجاوز تخصصه ومارس نوع اخر او اكثر من الفنون التشكيلية بنفس الوقت، والتي جاءت من رغبته في التحول من خامته الاساسية الى التعبير بخامة جديدة وتقنية مغايرة، تحمل في طياتها سمات ودلالات تعكس مفهوم الفنان وفكره وتتباين في معالجاته الشكلية والتنظيمية بالرغم من وجود العلاقات المشتركة فيما بينها، وان لهذه الثنائية في الممارسة الفنية اثر انعكس على نتاج الفنان نفسه وبالتالي حقق صيغ جديدة لنظم متفرده امتاز بها الترك الذي بدى شغوفاً بالبحث والتجريب عن كل ما هو جديد وساعياً الى ترجمة افكاره وفق مفهوم عصره، فهو سباق الى التحول والتغيير في نسق الشكل وتقنيات الاظهار والذي يحول دون دوام طراز معين او تقنية والثبات عليها. ولكونه من الفنانين الرواد والمجددين في مجال الرسم والنحت ولكثرة انجازاته الفنية، فضلاً عن خبرته ومواصلته المستمرة في الانتاج ولفترة طويلة، وبثه لخطاب شكلي تباينت فيه الاساليب والتقنيات والمعالجات التكوينية التي أسست ثيمة وخصوصية للفنان صُيَّرت الى بصمة في الفن.

تضمنت الدراسة، المقدمة المنهجية للمشكلة البحثية التي تنطلق من المعالجة الشكلية والتنظيمية للعلاقات والعناصر المشتركة في المجالين النحت والرسم،والتي كانت للمزاوجة آثر انعكس عند فكر الفنان وعلى نتاجه الفني، فضلاً عن اسلوب تعامله مع سطح اللوحة وفضاء المنحوتة وطريقة توزيعه للعناصر التكوينية، التي تمظهرت باعمال الترك من سنة  (1961-1998) والتي مثلت حدود البحث،لتبيان الهدف من الدراسة، لكشف صيغ نسق التكوين الفني بالمجالين، من خلال تقديملمبحثين: الاول عَرَضَ مفهوم التكوين في الفنون التشكيلية، والثاني ركز على التنوع الجمالي للتنظيم الشكلي، ومن ثم تطبيق هذه المرجعيات المعرفية المؤسسة على اربعة عينات منتخبة للنحت والرسم وفق المنهج الوصفي التحليلي المقارن، التي بينت في نهاية البحث أن نسق التكوين لدى الترك جاء نتيجة عملية تنظيم ممنهج للعناصر البصرية وفق آلية تشكيل للعناصر المشتركة، ليتمخض عنها نسق تتوزع فيه هذه العناصر ليولد مركب، جاء بهيئة تشخيصية في اغلب اعماله المنحوتة والمرسومة، يعالج الجانب الانساني الذي شغل اغلب طروحاته التشكيلية، وميله لاخراج شكلي عفوي  فيه من العمق ما يعكس رغبته في الاختزال والتبسيط على مستوى السطوح للوحة والكتلة  للمنحوتة بشكل متوازن ومحقق لغاياته بالمجالين ومركزاً على الخط والفضاء الذي استند عليه بصورة مباشرة  في اغلب اعماله الفنية، لاخراج التكوين المطلوب وفق المبادىْ الجمالية وبطريقة تقليدية لاتخرج عن سياق اعمال الفن العراقي المعاصر، فلن ياتي بالجديد في اسلوب تعامله مع التكوين ولكن تميز بابراز خصائص جمالية تعبيرية متفردة اخذت نسق فريد في انجازاته المنحوتة والمرسومة.

الكلمات المفتاحية: نسق ، نظم، التكوين، عناصر، شكل.

 

Composition in the Sculptures and Paintings of Ismail Fattah Al Turk

Comparative analysis study))

Asst. Prof. Haitham Yelda Abboush,

College of Fine Arts, University of Baghdad

 

Abstract:

Sculpture and painting have been the mainstay of contemporary Iraqi art since the beginning of the development of the plastic movement in Iraq. The Iraqi artist worked hard with his achievements until he exceeded his rank and practised more than one type of fine art at the same time, which came from his desire to transform from his basic raw material to expressing a new material and technique, bearing in internals’ features and connotations that reflect the artist’s concept and thought and vary in his formal and organizational treatments despite the presence of The common relations among them, and that this duality in artistic practice had an impact that was reflected in the artist’s product and thus achieved new formulas for unique systems that distinguished the Turk, who seemed to be passionate to research and experiment with everything new and sought to translate his ideas according to the concept of his time, as he was In the foreground to transformation and change in The layout of the form and the techniques of display Which prevent the permanence of a particular model or technology and its stability in it. And because he is one of the pioneering artists and innovators in painting and sculpture and because of his many achievements as well as his experience and his continued production for a long time and his broadcast of a formal discourse in which varied methods, techniques, and formative, treatments that founded the character and privacy of the artist turned into an imprint in art.

 The research focused on the systems of the elements of composition in sculpture and painting, and the investigation of the effect of the artist’s practice of the two types in formal and organizational treatments of the relations and visual elements in his works from the year (1961-1998) and seeking to reveal the formulas of the formation format through the establishment that clarifies the concept of composition in the plastic arts and the aesthetic diversity of the formal organization. And the application of these references based on selected samples, the end of the research showed that the composition format was balanced, reduced, and focused on lines and space, by high lighting unique expressive aesthetic characteristics that took a special pattern in its sculpted and painted achievements.

Keywords: system, Composition, form, Echelon, Elements

المقدمة

يسعى الفنان العراقي دائما، الى توثق الحدث والفكر معاً برؤية تشكيلية نابعة من قلب إِرْهاصَات المتراكم الذهني لديه، اذ تنوعت طبيعة معالجته  للخامةبحسب طبيعة الوسيط سواء كان بفن النحت ام الرسم، وبمختلف الصيغ وتقنيات الاظهار التي اختلفت بها طرق تنظيم الشكل.

اذ تجلت على ساحة الفن التشكيلي العراقي المعاصر اعمال فنية، حملت طابع مميز في استخدام التقنية والاسلوب والقدرة على تنظيم عناصر الاظهار الفني، وفق مفهوم ورؤية الفنان وطريقة معالجته للوسيط. فقد استطاع الفنان العراقي ان يمارس نوعين من الفنون التشكيلية (الرسم والنحت) ويبدع في المجالين معاً، على الرغم من ان سمات كل فن يختلف عن الاخر بمزايا وخصائص فنية وتقنية وتعبيرية. ومن هنا تنطلق مشكلة البحث في المعالجة الشكلية والتنظيمية للتكوين والعناصر المشتركة في الفنيين والتي كانت للمزاوجة آثر انعكس عند فكر الفنان وعلى نتاجه الفني. فضلاً عن اسلوب تعامله مع سطح اللوحة وفضاء المنحوتة وطريقة توزيعه للعناصر التكوينية في كلا المجالين.

لا تخلو ساحة الفن التشكيلي العراقي من الفنانين النحاتين الرسامين الذي اختلف كل منهم عن الاخر باسلوبه واتجاه ونشاطه الانتاجي المنحوت والمرسوم. لكن هناك من اجتهد من جيل الستينات على التواصل المستمر، فضلاً عن الخبرة والتجريب في المجالين وكثرة الاعمال المنحوتة والمرسومة، فقد ارتائ الباحث تخصيص بحثه لدراسة اعمال الفنان اسماعيل فتاح الترك، لما في اعماله من خصوصة فريدة في معالجاته لآلية اظهار العناصر البنائية.ولخصوصية التشكيل اثر لمن يمارسه بأتقان وانتظام وبالاخص عندما يمارس نوعين يحتويهما فضاء مختلف.وتركز هدف البحث كشف نسق التكوين لاعمال الفنان المنحوتة والمرسومة (الزيته والمائية والتلصيق والكرافك) المنجزة من سنة (1998-1961) باعتبار سنة (61) هي بداية النحات الترك بعمل اول منحوتة برونزية.اذ كانت لممارسة الترك اثر كبير في اعماله الفنية،ولانه من الفنانين المجددين في المجالينولخبرته ومواصلته المستمرة في الانتاج ولفترة ليست بقصيرة. سلط البحث الضوء على بنائية الوحدات الشكلية للعناصر المرئية للنحت والرسم، والذي يمثل قراءة من زاويه اوسع ضمن مساحة الفن العراقي المعاصر ولحاجة مكتبتنا العربية لمثيل هكذا بحوث تحليلية مقارنة بين مجالين  فنيين مختلفين اثر احدهما على الاخر في المنجز الفني.

مفهوم التكوين في الفن التشكيلي

ان اغلب ما في الوجود من اشياء وتكوينات مادية – طبيعية ام صناعية – خاضعة لترتيب معين وفق سياق خاص، يعطي للاشياء وجودها الفيزيائي التكويني الذي به جملة عناصر الداخلة في طبيعة التكوين والذي له الدور الكبير في تحريك الاشياء والفضاء، وخلق وحدة بنائية كاملة مستمدة خواصها من الطبيعة او من الصناعة لتتقولب في تكوين معين. والطبيعة كانت و لا تزال الملهم الاول لافكار الانسان وابداعاته على مر العصور.

ان التطرق حول موضوعة التكوين في الفن يعني دراسة وكشف العلاقات الناشئة من خلال وحدة ترابط الاجزاء البنائية للهيئة من الخارج للداخل وباختلاف الابعاد التي يتحرك العمل بموجبها، فالمصدرية الحقيقة للتكوين تكمن في وحدة علاقاته، فالتكوين بطبيعة الحال كالفن ” تطور لعلاقات شكلية” (ريد، د.ت، ص55). كونه المركب المتالف من اجزاء توزعت وفق نظام معين لخلق وحدة جمالية للعلاقات بنائيةمتكونة نتيجة تفاعل الكل في بودقته، ولولا هذا النظام لنتجنب فوضى. فالعناصر الشكلية لدى الفنان هي المفردات الاساسية التي يستعين بها ليحقق غاياته، وان اسلوب اخضاعه للعناصر فضلا عن قناعته في مواقعها وارتباطاتها كلا بالاخر قد يحقق غاياته او لا يحقق.

ففي بنية العمل الفني عناصر قد رتبت، كل منها له خصوصيته وضرورته في الكيان فضلا عن علاقته بما عداه، فهي سلسلة تتابعات وتجاورات وترابط يتحكم كل منها بالاخر وليس فيما بينها ما هو غير ضروري او ثانوي او حتى فائض، لان أي تغير في احد هذه العناصر يؤدي الى تغير للمتكون النهائي بحيث ” يكون كل عنصر في العمل الفني ضروريا لقيمته… بحيث لا يكون العمل متضمنا أي عنصر ليس ضروريا على هذاالنحو… ويكون كل ماهو لازم موجودا فيه  ” (ستولينز،1974، ص344).

ان الولوج في عالم التكوين الفني الذي اهتمت به العديد من الدراسات العلمية المعاصرة ومن جوانب تعددت طبيعتها بطبيعة الفن والبحث في ثناياه الذي يعتبر من الاسس المنطقية للغة الفن. فلا بد من عملية تحليلية موجزة لمصطلح التكوين الفني .

في البداية لابد من ان نفرق بين مصطلحين شائعين هما (التكوين والهيئة) لالتباس المعنيين عند الاستخدام. فكما ذكرنا بان التكوين في اللغة هو من الفعل (كون) وهي كلمة مشتقة من الفعل الناقص كان يكون كونا وكيانا وكينونة الشيء: حدث ووجد وصار، وبالفلسفة جاء بمعنى التصيير والخلق وفي الفن بمعنى حصيلة جمع العناصر التشكيلية. اذن هو الكيان المتصيير نتيجة لائتلاف مجموعة من العناصر الحسية لخلق وحدة تنظيمية. اما بالنسبة لمصطلح الهيئة فهي حال الشيء وكيفيته ، فهي  صورة الشيء وحالته الظاهرة. أي انها الظاهرة المرئية بمجملها من حيث الكتلة العامة بدون تفصيل. ولو لاحظنا اصل اللفظ اللاتيني للتكوين (Composition) المتكون من المقطعين : هما(com) الذي يعني (سويا او معا) ( Together  ) والمقطع الثاني (Position) الذي يعني (وضع – Put) لتصبح الكلمة لغويا (Put together) أي وضع الاشياء معا، والمعنى الاصطلاحي للمقطعين (position) (com) هو (Composition) التكوين: الذي هو اساس وضع الاجزاء معا ليحقق الكل (رياض،دت، ص6). وهنا الكل بالنسبة للاجزاء (أي عناصر التكوين) وايضا لمجمل العمل الانشائي المتكون من اكثر من شكل فهو كما جاء بانه :-

عملية وضع اشكال عديدة معا، بحيث تكون في النهاية شيئا واحدا تساهم هذه العناصر مساهمة فعالة في تحقيق عمل ناجح .

وهناك فرق بين مصطلح التكوين ككتلة او مساحة مكونة من عناصر تشكيلية مترابطة ومشخصة حدوديا وبين الهيئة العامة للشكل الغير مشخصة لجزء معين سوى لمجمله، ولانها عدة اجزاء مجتمعة في شكل واحد، حيث ان الشكل هو الصياغة الاساسية للجسم او المادة بينما تمثل الهيئة المفهوم العام للشكل.

فبما ان التكوين هو حصيلة لعميلة تنظيم لعناصر العمل. اذن التنظيم الفني للعناصر المرئية (Visual Elements) بطبيعة الحال هي عملية تشكيل (Formation) لها، التي جمعت في عمل فني وصولا للغاية الجمالية. والغاية الجمالية تنبثق من الاحساس بالجمال والراحة الذي يتولد نتيجة الشعور بالتناسق. وبالتالي ادراك صلة العلاقات الناشئة نتيجة ارتباط الاجزاء بعضها بالاخر والاجزاء بالنسبة للكل وينمو احساسنا بالاشكال بتناسقها او عدمه من خلال القدرة على تذوق الوحدة او التناعم بين مجموعة من العلاقات الشكلية من بين الاشياء التي تدركها حواسنا (ريد، د.ت، ص20). فالغاية الجمالية هي التي يصبوا اليها كل فنان بمختلف اتجاهاته الفنية والفكرية والتقنية.

اذن عملية وضع الاجزاء معا لتحقيق الكل هو ما  يدعى بالتكوين، وفق آلية التشكيل(Formation) ولولا عملية التشكيل لن تكون للاجزاء اية اهمية تذكر سوى انها عناصر اساسية في التكوين. فالتكوين ما هو الا تحصيل لعمليات تشكيل العناصر الفنية (Visual Elements).

وان عمليات الادراك البصري للاشياء خاضعة لعمليات التحليل والتركيب ولكن قبل ذلك نستلم كما هي بمجملها حيث تسمى هذه النظرة للاشياء بالنظرة الاجمالية دون ادراك العناصر منفردة او العلاقات القائمة للعناصر لان النظرة الكلية دائما تسبق النظرة التحليلية، ولا يمكن تميز العلاقات بين الاجزاء ما لم يحتوي ادراكنا اولا الشيء المدرك باكمله. لان ليس معنى للاجزاء منعزلة بعضها عن بعض. بل  يتوقف معناها على موقفها من  سائر الاجزاء وعلى كيفية انتظام الشيء الكلي اجزاءه. فنحن نستلم الكل ومن ثم نقوم بعمليات التحليل التي هي تفكيك للاجزاء بغية تحديد العلاقات ومن ثم تركيبها وفق تغيرات مستحدثة بفعل التحليل. فان عملية ادراكنا للاشياء الحسية هي بطبيعتها عملية تشكيل(زكريا، د.ت، ص346).

وتعتبر نظرية الجشطالت*من اهم النظريات التي درست عملية ادراك الشكل وفق  اولوية الكل على الاجزاء، لان الخصائص التي تعود للكل هي غير الخصائص التابعة للاجزاء والتي يتالف منها الكل. وعند ذكر الجشطالت لابد من التطرق الى النظرية الشكلية، بسبب اهتمامها بالتكوين بالدرجة الاولى وباعتباره المحسوس الذي يمكن ادراكه فضلا عن ارضيته، أي ان التكوين والارضية هما العنصران اللذان يعملان على تباين كل منهما الاخر وبفعل هذا التباين تبرز مقومات التكوين ” فالصورة في أي ادراك هي (التكوين) (الجشطالت) هي الكل الذي يبرز، هي الشيء الذي ندرك، اما الخلفية فهي الارضية غير المتمايزة التي تبرز فيها الصور” (صالح، د.ت، ص23)، وهذا ما اشار اليه (روبرت سكوت جيلام) في كتابه (اسس التصميم) في تعريفه للتكوينبانهنظام شامل (للشكل) والارضية ، حيث عندما نرى تكويناً ما فهناك عنصران رئيسيان مهيمنان في الادراك البصري . هما التكوين والارضية وان ما يجذب انتباهنا هو بالحقيقة التكوين وليس الارضية مع ان للارضية اهمية لا تقل عن التكوين – لولا الارضية لما كان هناك تكوين – لان المناطق البارزة والمضيئة والمعلومة للحواس هي التي تفرض وجودها على المدرك (جيلام، 1968،ص20).

*  الجشطالت Gestolt  لفظ الماني معناه الشكل او الصورة ومعنى الصورة هنا الصورة الخارجية من جهة ، والبنية الباطنية والتنظيم الداخلي من جهة ثانية ، والجشطالنية ( Gestoltism  ) نظرية الاشكال والصور . انظر ، جميل صليبيا ك المعجم الفلسفي ، المصدر السابق ، ص403 .

والنظرية الشكلية تعتبر الشكل هو العنصر الاساس في العملية التشكيلية ، فلا اهمية للموضوع  في العمل الفني، ويعتبر كل من كلايف بل (Cilve Bell) وروجر فراي (Roger Fry) الناقدان الشكليان اللذان حاولا اقناع الجمهور على ان ما يرونه ويعتبرونه فن، ما هو الا افساد للإدراك الجمالي لديهم . لان للشكل اولوية قائمة على عناصر العمل التشكيلي، بحيث ان الفنان عندما يتحرر من قيود التشبيه والموضوع فانه سوف يستغل كل القيم التشكيلية، وفق ارادته الذاتية دون تقيد ، فالفن حسب النزعة الشكلية هو عالم قائم بذاته، وهو ليس مكلفا بترديد الطبيعة وهذا ما نجده في الفن اللاتشخيصي او اللاموضوعي او ما يسمى بالفن التركيبي او البنائي (Constructivism) كما في اعمال الفنان (فلاديمير تاتلين)شكل رقم (1) و(نعوم غابو)شكل رقم (2) في النحت، اما في مجال الرسم فنجد عند اعمال الفنان(بيث موندريان) شكل رقم (3)  قمة اللاتشخيصية وكذلك (جان ارب)شكل رقم (4) ” لا يوجد موضوع (للعمل الفني) بالمعنى الصحيح لكلمة الموضوع … انما هو تشكيل من (العناصر التكوينية) وهي لا تصور اشياء معروفة او اناساً (بل مجرد تركيب لاشكال وخطوط لها قيمة جمالية تعبيرية بذاتها) من هنا كان الفنان يضع لها عناوين مثل  {خطي}(نعوم غابو)، شكل رقم (2) و{حيوان النوتي البحري} (بيث موندريان) ، شكل رقم (3) حيث ان من تلك الاعمال نلاحظ هدف النزعة الشكلية قائم على اساس البنية الداخلية الشكلية للعمل بعيدا عن كل ما هو موضوعي فالعلاقات القائمة بين عناصر العمل هي محور العملية الشكلية لدى الشكلانيين، حيث يقول روجي فراي بان ” اهم ما في أي عمل فني هو بناءه الشكلي ففي التصوير لا نستجيب للون الواحد منعزلا وانما نستجيب للعلاقات القائمة بين جميع الالوان ” (ستولينز، 1974،ص207) وهذا المفهوم ينطبق كذلك على كل الفنون وبالاخص النحت والرسم .

وظائف التكوين الفني :-

ان لنظام التكوين المركب بعناصره وعلاقاته الباعثة الى تعبير جمالي وظائف نستطيع من خلالها ان نتحسسه وينعكس احساسنا عليه بالسلب او بالايجاب، فله ثلاثة وظائف كما حددها (جيروم ستولينز) وهي كالاتي:-

  1. الشكل يضبط ادراك المشاهد ويرشده، ويوجه انتباهه في اتجاه معين، بحيث يكون العمل واضحا مفهوما موحدا في نظره.

قصد جيروم بالشكل في نصه كتكوين وليس كعنصر من عناصر التكوين باعتباره الكل الذي يسترعي انتباه المتلقي ويجذبه ويرشده وان ما يجذب ويرشد هي العناصر المرئية التي  يتكون منها العمل الفني والمجتمعة كمركب بصيغة تكوين نتيجة عمليات تشكيل قام بها الفنان. حيث نجد التكوين  يقوم بتنبيهنا الى عناصر معينة ويجعل المدرك يركز اهتمامه عليها. فالتنظيم لعناصر التكوين يقوم مقام المرشد بتعريفنا الى مناطق نجهلها، وحتى بالنسبة لتلك العناصر التي لا تلعب دور رئيسي في التكوين فلها اهمية في تمهيد الطريق للتكوينات الرئيسية وتؤدي اليها(ستولينز، 1974،ص354). ولو لاحظنا تمثال لـ ميخائيل انجلو (النزول من الصليب) شكل رقم(5) لنجد بان الهيئة تعرض على المتلقي مجسم مخروطي بسيط ليدركه المتلقي لكي يفهم ما  يراه وليتذوقه لانه لا يستطيع  ان يتذوق  بسهولة كل ما لم يفهمه ويجد له مرجع في المتراكم الصوري في ذاكرته. فالتكوين يجذب المشاهد الى مراكز القوى ليشده ويوجه انتباه وهذا يتم بحسب نظرية الجشطالت  (الكل على حساب الجزء). وتلعب مباديء التنظيم اشكلي للعمل الفني دور فن ارشاد الناظر، فعن طريق مبدأ التطور او ما يسمى بالترتيب المندرج يتبين للمتلقي كيف ينبغي ان يتوزع اهتمامه للعمل الفني حتى يستوعبه. وعندما لا تقوم عناصر العمل جميعا في عملية التنظيم وكمرحلة انتقالية او تطغي عناصر اقل اهمية على كلية العمل. يؤدي ذلك الى خللا في التركيب الشكلي للعمل الفني. اذن التكوين الناجح ينبغي ان لا يشتت الناظر ويحيده عن مركزية سائدة تتفاعل كل العناصر مع بعضها الاخر من اجل قيمة اكبر من مجرد تجمعها.

” يقول (ارسطو طاليس) بان الموضوع ذا الحجم الضخم لا يمكن ان يكون جميلا. اذ انه لما كانت العين تعجز عن الاحاطة به كله مرة واحدة ، فان وحدة الكل ومعناه تضيع على المشاهد، كما هي الحال مثلا لو وجد عمل طوله الف ميل “(ستولينز، 1974،ص355-356). وهذا يعني ان هناك شرط ضروري لكي يضبط التكوين ادراكنا ويرشدنا هو ان يكون العمل مستوعب باكمله من قبل ادراكنا البصري لكي نستطيع احاطته وفهمه من خلال الكليات التي تخزن في الذاكرة اولا ليصبح لنا تصور معين حول التكوين.

” يقول (ارسطو طاليس) بان الموضوع ذا الحجم الضخم لا يمكن ان يكون جميلا. اذ انه لما كانت العين تعجز عن الاحاطة به كله مرة واحدة ، فان وحدة الكل ومعناه تضيع على المشاهد، كما هي الحال مثلا لو وجد عمل طوله الف ميل “(ستولينز، 1974،ص355-356). وهذا يعني ان هناك شرط ضروري لكي يضبط التكوين ادراكنا ويرشدنا هو ان يكون العمل مستوعب باكمله من قبل ادراكنا البصري لكي نستطيع احاطته وفهمه من خلال الكليات التي تخزن في الذاكرة اولا ليصبح لنا تصور معين حول التكوين.

2.التكوين يرتب عناصر العمل على نحو من شأنه ابراز قيمتها الحسية والتعبيرية وزيادتها.

يجمع الكل وينسق بين احدهما الاخر بالهيئة التي تنتظم كل مع الاخر لابراز القيمة الكلية  .

3.التنظيم الشكلي له في ذاته قيمة جمالية كاملة .

ان القيمة الجمالية للاشياء تنبعث من الاحساس بالتناسق. وألفن بطبيعته تنظيم لعلاقات ليولد شكلا وهذا بدوره  يجعل من الاشياء والافكار ما هي اعمق من كونها اشياء سطحية وفق سياق معين يوجد فيه، لان الفن بطبيعة الحال عملية تعبير تجسدت نتيجة تصور حسي وتنظيم شكلي وعندما يخلو التعبير من التنظيم الشكلي لا نستطيع ان نسميه عمل فني لانه فقد الطابع التنظيمي(ريد، د.ت، ص41).

والتكوين في الفنون التشكيلية طرز متعددة لكل منها يؤدي وظيفة ضمن موقعه. فقد قامرودروف دراسات عن انماط التكوينات الفنيةوهي كالتالي.

1.التكوينات الانتشارية : Diffuses Composition  :

وهي التي تتنوع فيها العناصر بشكل متجانس ومنظم من دون وجود مركز للاشعاع او تركيز على منطقة معينة تنبثق منها التكوينات، وتسمى بتكوينات الانتشار.

2.التكوينات الايقاعية Sandiness Composition:

وهي التي توجد فيها ايقاع فضائي او ايقاع في توزيع النسب للمساحات مع وجود لنقاط التركيز وهي تنقسم الى ثلاثة انواع :-

أ‌.التكوينات المحورية Axial Composition:- وهي التكوينات التي تنتظم فيها العناصر حول محور مركزي خاص بالشكل الرئيسي او الاساسي.

ب‌.التكوينات المركزية Central Composition:- وهي التي تتجمع فيها العناصر والمكونات وتتعلق بنقطة مركزية للجاذبية وتسمى بالاشعاعية.

ج. التكوينات القطبية polarity Compositions:- وهي التكوينات التي تتميز بوجود تكوينين متقابلين او مجموعتين من التكوينات التي توجد في ما بينها علاقة ديناميكية (الحميد، 1987،ص148).

ادوات التكوين الفني

ان العنصر الرئيس في مجموعة العناصر المرئية (Visual Elements) في بنية التكوين الفني هو الشكل (form) الذي يحدده الخط ويتشكل بفعل مادة حسية ويتميز بملمس ويتصف بلون معين (نتيجة طبيعة الخامة او بفعل صياغات) ويولد فضاء يحويه أذن الشكل هو نتيجة لامتزاج جميع العناصر المرئية في نمطاً معين، ومن هذا نستنتج بان للشكل مقومات وأسس يترتب على بناءه بواسطتها ضمن إطار التكوين العام للمنجز الفني، وهي كالآتي:

1– الخط :

يعتبر الخط من العناصر الرئيسة في تجسيد الشكل ومنحه الوجود المحسوس المحمل بالطاقة التعبيرية والكثير من المعاني التي يستطيع الفنان ان يترجم بواسطته انفعالاته وأحاسيسه بالشكل الذي يجسده الخط . والجدير بالذكر بأن استعمالات الخط ليست بجديدة العهد فهي ظهرت منذ ان حاول الإنسان الحجري القديم الترجمة عن رغباته الغريزية بنزعة مشابه للواقع ، للتعبير عما يراه من أشياء بنزعة حسية لا عقلية ، حيث كانت الوسيلة الأسهل والأكثر اختزالاً في محاكاة الأشكال وبالتالي الأفكار والمعتقدات والرموز، فقد بدأ الفن بالرغبة في رسم خطوط ما زال يبدأ هذه الخطوة عند الطفل،فالخط هو الدليل الذي يرشد حاسة البصر الى مركز الانتباه في الشكل وهو الموجه لحركته وباتجاهات معينة نحو نقطة ما في العمل الفني، سواء كانت هذه النقطة داخل العمل او خارجه او بنقلها الى الأمام او الى الخلف او بالعكس وغيرها من الحالات، لان من وظائفه نقل الحركة وتتبعه. وللخط أهمية في فن النحت لانه الفن “الذي لا يعتبر مجرد كتلة، وانما كتلة ذات خطوط خارجية” (ريد، د.ت، ص64)  فهو يوحي بالكتلة بتحديده لحافاتها الخارجي. وان كل نقطة متحركة في فضاء حقيقي كان او افتراضي يحصر شكل ما، فهو من الأسس الثابتة لتكون الشكل وأيضا قدرته على تكوين الفضاء والإيحاء بالحركات وتقسيم المساحات فيقوم الفنان بواسطته بفصل وتحديد الأشكال الخارجية عن المحيط فهو” من المحددات الأساسية بصفة الأشياء وقيمتها الوظيفية بوصف أول المواد الحسية التي يستخدمها الفنان لاعطاء الأشياء ضربا من التمثيل في إظهار الكيفيات الحسية والجمالية وفق مسارات واتجاهات مركبة من إبراز معالمها ووظائفها” (دوي، 1963،ص168). فكلما كان الخط الخارجي محدد وبارز يثبت قوة الشكل ويعززه.

2– المادة :

لابد للتكوين مادة يتألف منها، كما انه ليس هناك مادة من دون شكل فللمادة صلة وثيقة بالشكل . وقبل ان تكون لها علاقة بالشكل فهي بطبيعتها مادة فيزيائية كانت ام كيميائية تستمد خواصها من الطبيعة او من الصناعة ولهذه الخواص أهمية في التكوين من حيث كونها قيمة جمالية تعبيرية مشحونة بمميزات شكلية من حيث الملمس – الخشونة او النعومة – ومن حيث اللون الذي يستمده من طبيعة مادتها، ومن خلال قابلية الفنان وإمكانيته في التعامل مع المادة الحسية بالصورة التي يتم تطويعها الى شكل ينسجم وطبيعة المادة وأيضاً الموضوع الذي تجسده هذه المادة ” لان المادة الخام لا تكتسب صبغة فنية وتصبح مادة استطيقية، الا بعد ان تكون يد الفنان قد امتدت اليها فتخلق منها ( محسوساً جمالياً ) نشعر حين نكون بازائه انه قد اكتسب ليونة وطواعية بفعل المهارة الفنية (زكريا، د.ت،ص33-34 ). وللمادة أثر كبير على العمل الفني لما فيها من مميزات تعبيرية وشكلية تؤدي الى نجاح العمل او فشله وهذا يعتمد على حسن اختيار المادة المناسبة للموضوع الملائم لها، لانه ليس كل مادة تصلح لأي موضوع معين فتؤدي الى حالة تنافر بين الموضوع وجسده، لانه الخواص المادية والتعبيرية للشكل قد اختلفت الى شكلاً أخر . كما انه لا نستطيع ان نتصور معبد البارثينون من غير الرخام ولا يمكن ان نفكر بمعدن غير الذهب لتاج الملك ، فهذه المادة روحية تصعد من قيمة العمل الفني ، فللشكل المعين مادة معينة يتفق معها دون سواها (زكريا، د.ت،ص36 ).

والمادة هي ليست عبارة عن جزيئيات بلا حياة، ابداً فانها مادة حيوية تعطي للعمل بريقه الخاص وتكنيك الفنان وإمكانياته الفنية يضفي عليها خواص تعمل على تنضيج الشكل والفكرة وبالتالي النجاح في اختيار المادة للشكل والموضوع المعين، فبواسطة الآلات التي يستعملها الفنان يترك خواص جديدة على سطحها تجعل منها شكلاً أخر وتجعل منها حالة منتظمة ولا يقف الفنان عند  حد المحاكاة والأشكال او نقل السمات، وانما في صميمه ترجمة للمعنى من مادة الى أخرى بهذا المعنى تصبح مهمة الفنان هي ايصال المادة الى الغاية التي يريد اظهارها للمتلقي بحالتها الجديدة. وفق علاقات جديدة ركبت لهذا الغرض،وبالتالي يحقق نسق جمالي يتحدد على أساس ارتباط العلاقات المتبادلة مع باقي الأجزاء في العمل وليس بالضرورة ان نلاحظ جميع العناصر المتداخلة في تركيب العمل الفني، لانه هناك عناصر ظاهرة وأخرى مستترة تقوم بالوحدة العضوية لجميع أجزاء العمل الفني، وهنا يلعب دور الفنان في هذا التكنيك ليخلق حالة يظهر لنا الشكل وكأنه خارج من صلب المحتوى المتكون منه، فيترك الفنان جانبا من المادة التي يتعامل معها في حالة غير مكتملة لتبدو وكأنها أرضية للعمل، وبحيث لم تمتد إليها يد الفنان فيبدو الموضوع الجمالي بحضرة قوية عنده وملحة تعرض نفسها على الأنظار( زكريا، د.ت،ص37-38 ). وبالإضافة لذلك فالمادة تعتبر الملهم لخيالات النحات بالذات لهندسة أشكاله الفنية وفق ما يلمسه من الطبيعة ام الصناعة، من خشونة ملمس لحاء الأشجار او نعومة ورق الأزهار او ما شابه ذلك، فهي تمهد له طريق الابتكار والإبداع وهكذا نرى ان ” المادة لا تكتفي بإصدار رد فعل مباشر على الشكل بل أنها هي التي غالبا ما توحي الى الفنان وتقدم له الفكرة وتصبح نتيجة لذلك مصدر الوحي ” (برنلبمي، 1970 ، ص185).

3– الفضاء :

ان القابلية التي تتشكل فيها المادة الى هيئة تتطلب حيز تتواجد فيه وهذا الحيز هو الفضاء ويدخل الفضاء في تركيب العمل الفني، فله تأثير مباشر على مادة العمل فهو كل ما يحيط به من حيز ويكون بصورة متداخلة وملتحمة بين أجزاء العمل وليس بوسع الإنسان ان يدرك الشكل مالم يوجد ذلك الحيز والذي يحوي بداخله شكل العمل فهو يعتبر حيز إدراك ما هو مرئي وبالتالي ادراك الفضاء ويتحقق بواسطة عدة عوامل تجمع من اجل تكوين حيز يجذب المتلقي إليه وبالتالي هو اساس نجاح العمل الفني. فالفضاء يمنح الشكل وجوده وكيانه بالأبعاد الثلاثية والثنائية للشكل ولولاه لاصبح لاوجود له، حيث تتظافر العناصر التشكيلية كوسائل للاحساس الفضاء فضلا عن كونه عنصر غير مادي .

والفضاء في الأعمال الفنية نوعين، فضاء داخلي وفضاء خارجي، الذي يشغل التكوين جزءاً منه فيحتويه ويتداخل فيه، بحيث يتكون لدينا في بعض الأعمال التي فيها فجوات ضمن العمل، فضاءات داخلية، وخير مثال من الأعمال المعاصرة للنحات الإنكليزي (هنري مور) باستثماره عنصر الفضاء في الكثير من أعماله، حيث نجد التزاوج بين الفضاءات الداخلية والخارجية للكتل النحتية ليعكس من خلالها القيمة الجمالية المتولدة من هذه الفضاءات. ولا يمكن التحكم بالشكل دون الإحساس بالفضاء فالفضاء له أبعاد مجردة من كل شيء وباستطاعة الإنسان إدراكه عقلياً وبالصور التي تتفاعل بعض العناصر المادية من مجسمات ومسطحات وخطوط لنشأته وهو واضح جداً في فن العمارة  (جيلام، 1968،ص144).

والفضاء واضح جداً في فن الأبعاد الثلاثية ولكن في فن البعدين فهو عبارة عن وهم يتحقق فضاء بتلاعب الفنان بالأحجام والكتل واستخدام المنظور.

وللفضاء تأثير كبير على نجاح العمل الفني او فشله مهما كان من دقة العمل وبراعته الا ان المحيط الذي سوف يوضع فيه له إيجابياته وسلبياته، ودراسته دراسة وافية قبل الشروع ببناء العمل لانه من ” المستحيل صنع تمثال او مجموعة تماثيل، وكم بالأحرى  حفر نقش، من دون ان يأخذ بعين الاعتبار الموضوع الذي يفترض بالأثر ان يشغله، والمرء لا يبدأ بتنفيذ عمل فني ليبحث من ثم عن مكان ينصبه فيه، بل لا يمكن ولا يجوز تصميم العمل الفني الا من خلال صلاته المستقبلية مع محيط خارجي موجود، ومع تنظيمه وشكله  المكاني ” (هيغل، 1980،ص7)، فلابد من وجود حاله توازن وانسجام ما بين التكوين والفضاء المحيط به، لان الفضاء من العوامل المساعدة لنجاح النتاج الفني.

4– الملمس :

وللمادة في العمل الفني ملمس ولهذا الملمس تأثير مباشر على التكوين وبالتالي يكسبه بعد جمالي ظاهر في مادة المنجز الفني، ولكل مادة سواء كانت طبيعية ام صناعية سماتها ومميزاتها عن غيرها ، وبتدخل الفنان في أسلوب تعامله مع المادة واختياره للملمس المناسب للشكل المعين والمتفق مع المضمون، فانه يقوم بتغير طبيعة الملمس باستعمال تقنيات عديدة ومختلفة يتعامل بها الفنان في مجال اختصاصية سواء في فنون ذي البعدين او الثلاثة الأبعاد، حيث يعالجها بالصيغة التي تتمخض عن سطوح متباينة في نسيجها وبذلك يتحقق لديه سمة جمالية ، فلابد من ان ” يتفق الملمس مع التكوين الأساسي للشيء الذي وضع له “(مايرز، 1966،ص343) ، وكما أسلفنا بان لا يمكن فصل المادة عن الشكل ولا الفضاء عن الشكل، فبالنسبة للمادة والملمس فهما في حالة تلاحم ويحملان نفس طبيعة الخامة المصنوع منها ولها انعكاسات جمالية تعبيرية يحس بها المتلقي فتولد لديه شعوراً بنسيج المادة او ملمسها، فالأشكال الناعمة الملمس تعطينا الإحساس بالسكون والانتظام والرقة وعكسها في الأشكال ذات الملمس الخشن التي تبعث فينا الحيوية والحركة والإثارة، وكما انها تعطينا شعور بقساوة المادة المشكلة، لان ” الغرض من وجود الملمس هو ان تعطي الإحساس المادي الحقيقي للخامات المستعملة ” (مايرز، 1966،ص243-344).

وان للضوء أثر على ملمس العمل الفني، فله تأثير في إبراز معالم التكوين بأكثر وضوح وتجسيم ، وذلك من خلال التجسيمات الناتجة بشكل واضح من أثر الاختلاف الناتج عن الفجوات و البروزات على سطح العمل النحتي وان سقوط الضوء على سطح التمثال يؤدي الى خلق مناطق غامقة وأخرى فاتحة ويزيد من جمالية المنحوتة ، فالمناطق الفاتحة تمثل انعكاس الضوء عليها اما الغامقة فهي التي تتميز بالتقعر وعدم إمكانية عكس الضوء لامتصاصها له وهذا يعتمد على نوع المادة المصنوع منها العمل النحتي فان اختلاف خامات الأعمال من خشب وحجر وبرونز وجبس وفلين وفايبر كلاس، كلها فيها إمكانيات معينة ومتباينة في قدرتها على عكس الضوء وتكوين الظلال، والظل له جمالية وطاقة تعبيرية وهو نتيجة ملمس المادة، فلا يستغني الفنان عن الضوء وإمكانياته ويتوجب دراسة العمل الفني وفق تأثيرات الضوء الذي يعضه ينعكس على سطوح المنحوتة والآخر يمتص من قبلها.

5– اللون :

ان ما يدرك كتكوين في الطبيعة لابد من لون يتلبسه فلا يمكن الفصل بين ما نراه كتكوين في الواقع وبينما، نراه كلون، وذلك لان اللون هو الصفة المميزة للأشياء. واللون في فنون ثنائية الأبعاد هو عنصر رئيسي اما في فنون الثلاثية الأبعاد فهو نتيجة المادة المستخدمة، لأنه يصبح وسيلة لتنمية كل العناصر التشكيلية في فن التصوير فحتى أعمال الكرافك تعتمد على التضاد بين الأبيض والأسود.

واللون بمفهومه العام هو ” انعكاس لأشعة الضوء على شكل الشيء الذي ندركه ” (ريد،1975،ص44).وبما ان كل الأشياء من حولنا لها ألوانها وبريقها الخاص، فهذا يرجع الى أشعة الطيف الشمسية التي مصدرها سواء كان طبيعي ام صناعي، وان العلم يؤكد على ان الأشياء، ليست بملونة وذلك لان الجسم او التكوين الملون يقوم بامتصاص كمية معينة من إشعاعات الطيف الساقطة عليه، ويعكس البعض الآخر وبهذا الإشعاع المنعكس من التكوين يبدو ظاهراً للعيان بلون ، فيكتسب كل شيء لون الإشعاع الذي يعكسه ، ولهذه الطاقة في التكوين الفني أثر في حمل الأحاسيس والمشاعر الإنسانية التي يبثها الفنان بخطابه التشكيلي ليعكس عن مدى انفعاله او غضبه او فرحه الذي يتوخاه في نتاجه ، فيخلق حاله درامية تشد المتلقي عن طريق  خلق درجة انفعالية لهذا اللون. وللون رمزية في اختياره كصفة تكتسبها الأشياء فهي تحمل معنى ودلالات ثابتة الى حد ما، فمثلاً اللون الأحمر يدعونا الى الحذر والحيطة من الخطر او رمز الحب والتفاني واللون الأخضر ينبأ بموعد مجيء الربيع ورمز للحياة والديمومة، واما بالنسبة للأزرق فيدعوا الى السلام وراحة العين والشوق كما في زرقة السماء وما الى ذلك من الألوان، فلهذه الدلالات والرموز أهمية في الفنون التشكيلية ولا يمكن للفنان الإغفال عنها، وان هذه الخاصية للألوان تعود الى أزمنة سحيقة حين كان الإنسان وقتئذ يعبر عن غرائزه في استخدامه لمواد التربة والمواد النباتية والحيوانية في عمل المساحيق الملونة وقد اتخذ منها بمثابة رموز.

وان للألوان تأثيرات سيكولوجية وفسيولوجية تنعكس عند المتلقي، فالأولى تنشأ عن أثر اللون عند المتلقي تنعكس على نفسيته فيظهر شعور بالراحة او عدمها لألواناً معينة دون سواها ولربما يكون سبب هذا الشعور أساسه، اللاشعور، وتكون على أي حال جزءاً من الاستعداد المزاجي لدى كل فرد، فهو يشكل جانباً من سلوك الإنسان، واما بالنسبة للتأثيرات الفسيولوجية فهي تتحدد نتيجة للذبذبة التي تصطدم بالموجات او الأشعة الضوئية على شبكة العين وبذلك يتولد الشعور بالسرور او الضيق (ريد،1975،ص45).وأيضاً هناك تأثيرات بالقيم الشكلية تتعلق بعلم الجمال والتي يستند اليها الفنان التشكيلي بالدرجة الأساسية، ويحاول من خلال علاقاتها مع أجزاء العمل الفني ان ينظم تكوينه. وللون صفات يتميز بها وهي كالآتي :

  1. تدرج الألوان : Hue :ونقصد به الصفة التي تفرق بين لون وآخر ، والخواص التي يحملها لون لا يحملها اللون الآخر وينسب التدرج الى اللون مثل ، الأحمر والأزرق والبرتقالي ، وغيرها .
  2. قيمة اللون : Value : ونقصد به عتامة او استضاءة اللون ، فهي الدرجة التي يظهر بها اللون من الفاتح الى القاتم والدرجة اللونية تتحقق بإضافة اللون الأبيض ليزداد أضاءته او الأسود لتقل .
  3. قوة اللون ونقاوته: Intensity : ونقصد به نقاوة اللون او تشبعه بالضوء فينسب الى درجة الوضوح الضوء ، فبعض الألوان قوية مشبعة وبعضها صعب (ممزوج) فالألوان النقية أكثر صفاءً وبريق من الألوان الممزوجة التي تقترب من الرمادي (عبد الحليم، 1984، ص27) .

وباعتبار اللون  الخاصية الخارجية لجميع الأشكال المحسوسة ..فليس لشئ مادي الا لون معين ملون، واللون جزءاً لا يتجزأ في التكوين فالأشكال …كما أصبحت أساساً للتميز والتفرقة بين العناصر والأشكال المختلفة، فللون القدرة على إبراز الأشكال وإغفال أشكال أخرى بحيث تبدو ثانوية وهذا واضح في الرسم أكثر منه في النحت، بحيث تبدو بعض الأجزاء في حالة ديناميكية. وتقدم الى الأمام وتتميز عن باقي الأجزاء الأخرى للعمل كما فعل (سيزان) عندما شكل كتلة أسطوانية او أي كتلة أخرى مستعينا بمميزات الألوان مثل اللون الأصفر الذي يتجه الى الأمام، واللون الأزرق الذي يتجه الى الخلف. فيتحدد الشكل عن طريق اللون” بوضعه في إمداداته النسبية التي تخلق الإيهام بالشكل ذي الأبعاد الثلاثية “(ريد،1975،ص74).

في فن النحت نجد ان طبيعة لون المادة هي التي تفرض على القطعة النحتية لانه ناتج عن طبيعة الخامة المختارة او ربما نتيجة للتزيين كما نلاحظ ذلك في الأعمال الخشبية. فان لون العمل النحتي هو لون المادة المصنوعة منه مثل الحديد او البرونز او الجبس او الاستايرو بورد. أو اللدائن الصناعية وما إلى ذلك من الخامات التي يتعامل معها النحات، ولا ننسى طبيعة النتاج النحتي المعاصر الذي يتكون من مجموعة أجزاء مترابطة ببعضها من خامات متنوعة، أو بتعمد الفنان بتلوين أجزاء من العمل النحتي حيث يلعب اللون دور مهم في إضفاء جمالية وقيمة تعبيرية على سطوح التكوين، وباستطاعة النحات تلوين المعادن أيضا بتعرضها إلى الحوامض او الحرارة والأكسدة من اجل خلق قيمة ضوئية تضفي على العمل النحتي سمة جمالية وتعبيرية (نوبلر، 1987،ص90). اذن التكوين الفني في الفنون التشكيلية هو ثمرة عناصر رئيسية تعامل وتلاعب بها الفنان بطريقة تعكس قدرته الابداعية في معالجتها التي بواسطتها يعلن ويترجم عن رؤيته الفنية، والتي تدخل ضمن عمليات تشكيل لتحقق تكوين، الذي هو حصيلة تنظيم لهذه العناصر وفق غايات واهداف الفنان وتقنياته الفنية. حيث يستطيع ان يحقق كل ما يتصوره وفق نظام تركيبي بحت لمجمل العناصر المرئية على أسس وقوانين المبادئ الجمالية.

التكوين والعلاقات البنائية

ان التطرق حول موضوع فنيين تشكيليين يؤدي بنا الى دراسة أنظمة كل منهما بالصيغة التي نصل بها الى عوامل وعناصر مشتركة في كل منهما وبصيغ مختلفة وبمبادئ واحدة نسبياً. لان نظام السطح في في فنون ثنائية الابعاد (Tow Dimensional) تختلف تماما عن نظام الفضاء الحقيقي في فنون ثلاثية الابعاد (Three Dimensional)، وذلك بسبب نظام الايهام والافتراض الذي يتحقق على سطح اللوحة بأفتراض وجود عمق او فضاء تتحرك فيه التكوينات. وهو بالحقيقة مجرد من أي فضاء حقيقي لانه عبارة عن تلاعب في الخطوط والكتل والالوان يؤدي الى خلق حالة نشعر ببعد الاشياء وقربها نتيجة كبر وصغر الاشياء، من خلال منظومة تتحكم بهذه الخاصية الاوهو المنظور (prospective) الذي يحقق بُعد لا وجود حقيقي له. وبالتالي يحقق لنا بعد في اللوحة التشكيلية اضافة لوجود بعدي الطول والعرض وهو العمق الافتراضي.

وان ما  يهمنا في بحثنا هو التكوين وحركته في نظام العمق الوهمي (الرسم) والحقيقي (النحت)، وكيفية تولد العلاقات بين عناصر التكوين الواحد والعلاقات المتولدة لكلية العمل، فضلاً عن العلاقات القائمة بين النحت والرسم  والتأثير المتناقل للمجالين بتقنية واسلوب الفنان وهو موضوعدراستنا. وذلك على اساس كون العمل الفني ما هو الا مجموعة علاقات ركبت لتخلق لنا بنية مكونة من تكوين مرئي وفكر موضوعي ليستحيل الى عمل فني خاضع لاسس الجمال ، باعتبار الجمال ” وحدة للعلاقات الشكلية بين الاشياء التي تدركها حوسنا “(ريد،1975،ص37). وان هذه الوحدة التي تدركها حواسنا ما هي الا حصيلة لتركيب بنى نفهمها على اساس كونها شكل محسوس ومضمون – له مدلوله المُؤشر الى موضوع معين – والتي هي نتيجة العلاقات. وهذا التركيب يتم من خلال عملية عقلية يحققها الفنان وفق ضرورات تقنيه فنية فكرية ليولد تكوين منظور اليه من خلال الوحدة(لانجر،1968، ص43). والعلاقات في العمل التشكيلي ما هي الا الحصيلة النهائية لعمليات التشكيل للتكوين الفني بفعل ارتباطات العناصر التعبيرية الشكلية التي امتزجت لتؤلف بتركيبها “المُتكّون “*. حيث توجد فيه علاقات داخلية وهي اساس العمل التشكيلي لانها تضفي على عموم العمل صفة الانتظام الشكلي بعيدا عن صفة العشوائية. وهذا ما يميزه ويرفعه عن كونه مجرد محسوس كباقي المحسوسات لان ” العمل الفني لا يصبح مظهرا حسيا يقبل الادراك، الااذااستحال الى (شكل) او(صورة) بشتى ضروب الفنون الزمكانية فانه لا بد للصورة في كل هذه الحالات من ان تتخذ طابع (الكل) المتسق مع نفسه، القابل للادراك وكانما هي موجود طبيعي له وحدته العضوية، واكتفاؤه الذاتي، وحقيقة الفردية “(زكريا، دت، ص314). وفي المتكوّن توجد ايضا علاقات خارجية تهيمن على كلية العمل التشكيلي.

اذن نحن ازاء علاقتين مهمتين في العمل الفني وهما :-

1.علاقات داخلية : تتولد نتيجة ترابط وتفاعل عناصر التكوين مع بعضها البعض (الجزء مع الجزء) .

  1. علاقات خارجية: تتولد نتيجة للعلاقات الداخلية مع عموم التكوين (الجزء مع الكل).

حيث يجد الباحث في العلاقات الخارجية مصدر لاعطاء الصفة النهائية الكلية لملامح المتكون الذي يخرجه الفنان (وكأنه العمل الفني بعلاقاته الداخلية والخارجية يشبه الى حد ما لهيب الشمعة حيث يتفاعل ويساهم فتيل الشمعة مع  خامة الشمع التي هي مصر الطاقة في بقاء لهيبها مشتعل وهذه باعتبارها علاقات داخلية. وبنفس الوقت لا يدوم لهيب الشمعة ان لم يتوفر اوكسجين ليساعدها على الاحتراق فضلا عن فائدتها للاضائة وهذه هي العلاقات الخارجية) ان  صحت المقارنة والتشبه .

وعن طريق هذه الشبكة من العلاقات البنائية تتحقق للناظر منظومة تكوينية تعينه على تحسس العمل سلبيا ام ايجابيا وفق التنظيم الشكلي للمتكون المنجز.فحالما ندرك العلاقات الناشئة نتيجة ارتباطات هذه العناصر المتألفة للعمل الفني وعلاقاتها المتبادلة نكون قد أدركنا العمل الفني وتذوقناه جماليا.

التنوع الجمالي للتنظيم الشكلي

ان الفن تعبير، وقبل ان يكون تعبير فهو عملية عقلية تتم من خلال تنظيم وتعامل صحيح للمفردات التشكيلية لتحقيق تخطيطات يمكن تنفيذها طبقاً للأسس والمباديء الشكلية. ففي كل عمل فني لابد من منظومة تحكم السياق الداخلي للعمل وفق قوانين وقواعد تضبط حركة العلاقات، لان (المُتكوّن) ما هو الا بناء من العلاقات. وقانون الايدياليزم**(Idealism)  الذي يعني المثالية في الفن ويتعلق بالشكل المثالي (form- Ideal) يفرض على الفنان الالتزام بمباديء التنظيم التي تقرر الطريقة التي تجمع بها العناصر لتوليد تأثير معين، حيث ان هذه المبادئ التي يستعين بها الفنان في تشكيل عناصر التكوين تكسب العمل الفني نوع من الوحدة على تعدد الموضوعات في الاشكال.

إذن تعبر هذه المبادئ المُنظم للوحدات التشكيلية التعبيرية في المُنجز الفني الواجب مراعاتها من قبل الفنان التشكيلي ليحقق عمل ناجح متضمن للشروط والقواعد ويفترض بالفنان الإلمام بها وبإمكانياتها عن طريق الممارسة والتجريب التي تجعل من السهل عليه

*  المُتكّون: يقصد به الباحث، التكوين النهائي المنجز بعلاقاته الداخلية والخارجية فضلا عن علاقته بالمتلقي.

**  وهي المباديء الكلاسيكية التي تشمل ( الايقاع ، الانسجام ، التناسق ، النظام النسق ، التوازن ، التنوع ).

تطبيقها في أعماله، فضلاً عن طبيعته الحسية التي تعودت على أنماط معينة فرضتها عليه الطبيعة وتحسسه لمظاهر التكوين والعلاقات وخزنها بالمتراكم الصوري الذي يسهل عليه القدرة على تطبيق هذه الأسس حسياً دون تفكير مسبق حيث تصبح النماذج مستوعبة في عقلية وتتجاوب يده عفوياً مع هذا النظام. وان لهذه الأسس ارتباطات مشتركة تساهم بعضها او جميعها في تحقيق الصفة النهائية للعمل الفني إذ لا يمكن الاعتماد على إحداها، فهي أيضا لها علاقات متبادلة تعتمد بعضها على الآخر لتحقيق المظهر الذي يبغيه الفنان في عمله. كما في الشكل رقم (6) وهي لوحة للفنان (بيتر بول روبنز) بعنوان (النزول من الصليب)، حيث نجد فيها أكثر من مبدأ متحقق نتيجة التعبير الدرامي للحدث، ونلاحظ الخط المنحني المسيطر على التكوين العام النابع من الجهة اليمنى العليا الى الجهة اليسرى السفلى، فضلا عن التدرج اللوني الذي ميز به جسد السيد المسيح بالإضاءة العالية عن باقي التكوينات. ونلاحظ مبدأ التوازن الذي رتب الفنان الأشخاص من الجانب الأيمن والأيسر بالطريقة التي حوطت السيد المسيح وكذلك نجد مبدأ الإيقاع الظاهر من حركة الأشخاص وأيضا مبدأ التطور للحدث الدرامي التي تنتقل به التكوينات من الحد الأعلى الى الحد الأدنى، فضلاً عن مبدأ الوحدة في التنوع المتحقق باللوحة.

ان الوحدات الشكلية التعبيرية التي يتركب منها التكوين لها خواص جمالية بذاتها ولكنها تزداد تأثيراً وجمالاً عندما تتحد في العمل الفني وتنتظم في وحدة واحدة بواسطة مباديء التنظيم الشكلي التي كما يسميها (جيروم ستولينز) (أنواع التنظيم الشكلي) فهي المباديء الأساسية الواجب تواجدها في تركيب العمل الفني والغرض منها التعبير عن الاستاتيكية او الديناميكية، السلبية او الإيجابية في التكوينات المرتبطة بعضها بالبعض الآخر والتي هي كالآتي :

  1. الوحدة في التنوع . (Unity in variety)
  2. الوحدة العضوية . (Organic Unity)
  3. التوازن / التماثل . (Balance)
  4. السيادة / السيطرة . (Dominance)
  5. الإيقاع / الترديد . (Rhythm)
  6. التطور . (evolution)
  7. الوحدة في التنوع Unity in variety :

يعتبر مبدأ الوحدة في التنوع من أهم أنواع التركيب الشكلي للعمل الفني، حيث ان الوحدة في العمل الفني هو الكيان المسيطر على شتى التفاصيل، أي انها الجشطالت (Gestalt) – الشكل العام – لان الوحدة صفة كليه مسيطرة في عمومها وانها أكثر من مجرد مجموع لتفاصيل لانها تركيب من عناصر مختلفة نشأة نتيجة تفاعل وترابط العناصر التشكيلية وان أي نوع لاحداهما يؤدي الى تأثير العمل، حيث تربط هذه الوحدة أجزاء العمل الفني المختلفة وبدونه يظهر العمل مفككاً، أي وحدته مفقودة ولا يمكن وصفه حينئذ بكونه عمل فني لانه  كل عنصر في العمل الفني ضرورياً لقيمته أي انأي تغير في جزء يؤدي الى تغيير في القيمة الجمالية للموضوع.

ومثلما يجب ان يتصف العمل الفني بالوحدة فلابد من اتصافه بالتعدد وذلك لكسر الملل نتيجة للتكرار، والتنوع يشمل كل انواع الاختلافات التي تظهر بين النوعيات والعناصر الشكلية : كتنوع الخطوط (السميك والرفيع) والفضاء (الداخلي والخارجي) والملمس (الناعم والخشن) وشدة الاضاءة بالنسبة  للمناطق البارزة – التي تعكس الضوء – والمقعرة – التي تمتص الضوء – وهذا بخصوص فن النحت ، ودرجة اللون وقيمته (Value) في فن الرسم … الخ ، وكذلك المواضيع والاساليب المطروحة في العمل الواحد، كما  فعل الفنان الكبير (جواد  سليم) في جدارية (نصب الحرية) التي داخل فيها اكثر من اسلوب فني ومزج بينهم في شخصياته النحتية، ولهذا عد العمل تحت مظلة الواقعية الرمزية، وايضا نجده تنوع بمعالجة المنحوتات بين البارز الواطئ والناتئ والنافر والمجسم .

والتنوع كان ولا زال سمة العصر في الفن الحديث، باستعماله لخامات متنوعة جاهزة الصنع وبتداخل الالوان، وهذا ما يسمى بالفن التجميعي(Assemblage) في مجال النحت اما في الرسم فيسمى بالتلصيق  (Collage).

  1.  الوحدة العضوية Organic Unity

من ضرورات العمل الفني الجيد وحدة عناصره، حيث تتناظر الأجزاء المادية مع المفاهيم التي يطرحها المتكون او المنجز الفني ليولد تكويناً معبراً عن فكرة ما، وعن طريق التكوين نستطيع التعبير من أي فكرة او مضمون وترجمة أحاسيسنا وانفعالاتنا بنمط معين، يتحقق بصيغة خط او كتلة او لون، ولكي يكون معبراً لابد وان يكون عضوياً، أي يتمتع بالحيوية كون عناصرها مثل العناصر الديناميكية في الطبيعة ليس لها وجود بمفردها بعيداً عن المواقف التي تبدو فيها، وحيث توجد تأخذ شكلاً من خلال العلاقات،وان نفس الفن هذه العناصر لو توحدت ووجدت في سياق اخر مختلف لاختلف المفهوم المطروح سابقا، لان دور الوحدة لها جوانب عضوية في اتصالها بكل ما يحيط بها.

والوحدة العضوية التي يتميز بها التكوين هي ليست مجرد عناصر حسية مرتبة معاً بطريقة ما، لان ” إذا ما عزلنا تلك العناصر التي يتكون منها الشكل ، لم يعد للشكل او العمل الفني وجود ، وكل عنصر من عناصر الشكل ليس سوى عامل يساعد في بناء هذا التكوين وإظهاره بوضوح ” وتتغير العلاقات القائمة في كيان العمل نتيجة تغير العناصر لان أي تغير في ارتباطات العناصر الشكلية يؤدي الى تغير في العلاقات القائمة وهذا يؤدي بدوره الى تغير في التكوين. وهو ما أكدت عليه (سوزان لانجر) باعتبار المنجز الفني ( وحدة عضوية – Organic Unity). لان  كل المدركاتتعرض علاقات بين الأجزاء، ولهذا يمكن ان ينظر اليه على انه يمثل كليات أخرى يكون لعناصرها تشابه في العلاقات. وبهذا يكون الفن عموماً عبارة عن صورة معبرة هن جانب من جوانب الحياة. ” وعملية التركيب التي يتكون منها الشكل هي عملية عقلية ، فالوحدة تنشأ على نحو واسع وهي إدراك بالبصيرة النافذة للعلاقات بين عدة عناصر حية يدرك كل منها على حدة “(لانجر،1968، ص44).

3. السيادة Dominance  :

يعتبر مبدأ السيادة أحد الأسس المهمة الذي يضفي على المنجز الفني المركزية في الانتباه، ويقلل التشويش الذي يشتت الانتباه – المؤدي الى التوتر عند المتلقي – حيث يعمل الفنان على سيادة جزء على حساب الكل.ويسمى هذا المبدأ بالسيطرة حيث تتغلب

ناحية من النواحي في المنجز الفني على كيانه وذلك بمختلف الوسائل ، سواء كان بالفضاء اوالملمس كأعمال (هنري مور) تكوين رقم (6) او بالمنظور كلوحة (العشاء الأخير) للفنان الإيطالي (ليوناردو دافنشي)تكوين رقم (7) وفضلاً عن أهمية الموضوع. لانه بهذه الصفة يكون ” التنظيم الشكلي هو تنظيم المركزية (centrality)  “(ستولنز، 1974، ص351).

4. التوازن  Balance  :

وهو من أكثر أنواع التنظيم الشكلي شيوعا، لانه يبعث الشعور بالراحة والاستقرار النفسي تجاه العمل الفني، فهو ” عنصر أساسي في توزيع المساحات والفراغات والكتل والحجوم والأضواء الملونة الصادرة عن ملمسها العام ونسبة ملئها للفراغ او ترك الفراغ السالب الحاصل حولها “( عبو، 1982،ص716)، حيث تتوزع العناصر توزيعا متوازناً في البناء التكويني .

ومبدأ التوازن ينقسم الى نوعين: اما يكون توازن منتظم، حيث تتوزع الكتل بالتماثل ( التقابل ) وهو ما يسمى بالـ (Symmetry) او يكون توازن غير منتظم إذ ليس بالضرورة ان تتشابه العناصر المتقابلة سواء كانت حظاً او كتلة او لوناً … الخ بحيث تكون هذه العناصر مع ذلك منسجمة كل مع الآخر. فالطابع المميز لكل عنصر يلفت أنظارنا الى طابع العنصر المقابل له. فمثلاً اللون الحار إزاء اللون البارد يولد نمطا ممتعا من الوجهة الحسية.

  1. الإيقاع / الترديد Rhythm :

ان مبدأ الإيقاع في العمل الفني له نمطين أساسيين، فاما يكون، تكرار / عود (Recurrence) واما يكون تكرار مع التنوع (Recurrence with variety) حيث يشتمل الأول على ظهور عنصر معين في عدة أماكن مختلفة كالتكوينات الظاهرة في أقواس البناء التي تتشابه فيها الخطوط واما يكون تكرار مع التنوع حيث تظهر فيه العناصر متكررة ومشابهة الى حد ما لتلك التي تظهر في موضع أخر من العمل مع وجود بعض الاختلافات بينها . كما في نفس أقواس البناء – السابقة الذكر – مع اختلاف في أحجام الأقواس حيث تتسم بتكرار متنوع(ستولينز، 1974،ص349-351 )فالإيقاع يولد توتراً من الحركة في التكوين ، فهو من أساسيات نجاح العمل الفني بحيث يعتبر نوع من التوزيع بين السالب والموجب في مليء المساحات ، وان ذلك الإيقاع يتوقف على :

‌أ.        طبيعة تكوين الخط .

‌ب.      طبيعة تكوين اللون .

‌ج.       الفارغ والممتلئ من الأحجام .

‌د.       إيقاع المحركات والنسب الوضعية للأجسام .

‌ه.       الفاتح والغامق في القيم الضوئية ودرجات عطائها .

‌و.       العلاقات بين العناصر وكيفية تقبل إيقاعاتها بالرؤية زمنياً وحسياً يعتمد على النظر .

‌ز.       الترديد والموازنة في التوزيع .

‌ح.       الإيقاع المتناسق او المتضاد في الخط واللون والمساحة .

كل من هذه العوامل تعطينا معرفة جيدة في عنصر الإيقاع الذي يشبه الى حد كبير الإيقاع بالموسيقى بألوانه المتعددة وأنواعه [ النغمة والسكتات ] .فانه حالة من الديناميكية لها تنوعات البسيط والمعقد كالتكرار في لحن موسيقي او قافية شعر او بتغيير الموضع وتحويره او باللون ودرجاته او تضاده او تنوع الأشكال والمواضع كما في ( البانوراما ) .. الخ ” وهو يعتبر من المباديء الجمالية حيث يبدو فيها التابع الحركي في الخطوط الخارجية للأشكال .. إذ يسير متماوجاً بين الارتفاع والانخفاض “( عبو، 1982،ص720).

  1. التطور Evolution :

ويقصد به المراحل الانتقالية في العمل الفني ، أي ان هناك انتقال من أجزاء سابقة الى أجزاء لاحقة ونلاحظ ذلك بوضوح في تطور أحداث الرواية الأدبية ، لان الإبداع في العمل الفني يتم بالكيفية الانتقال التطوري . كما نلاحظ هذا المبدأ في جدارية ( نصب الحرية ) للفنان جواد سليم ، بتسلسل الأجزاء والأحداث وكذلك حيث نتتبع تسلسل درامي ديناميكي ينقلنا من يمين الجدارية – الى اليسار فالتطور هو وحدة عملية تتحكم فيها الأجزاء السابقة في اللاحقة، ويخلق الجميع معاً معنى كلياً، ويسمى أيضاً بمبدأ الترتيب المتدرج او تدرج المرتبة (Hierarchy) .

ولكن أي مبدأ من مباديء التنظيم الشكلي يمكنه من ان يوضح الأهمية والميزة النسبية التي تتميز بها عناصر العمل. وذلك عن طريق سيادتها في المنجز الفني ، ولكن مبدأ التطور هو أوضح الأمثلة لبيان هذه الأهمية ” فعن طريق وضع العناصر حسب ترتيب هذه الأهمية ، يبين للمدرك كيف ينبغي ان يوزع اهتمامه … ولولا هذا المرشد لتشتت الانتباه تماماً، ولما عاد للتجربة عندئذ ذلك العمق والحيوية اللذان يتميز بهما التذوق الجمالي “(ستولنتيز، 1974، ص354-355  ).

فان لهذه المبادئ الأثر الكبير في الطابع الذي يتصف به التكوين الفني بحيث يكون المحصلة النهائية لجميع هذه الخصائص الحسية، فالغرض من التكوين هوتنظيم كل العناصر المرئية التي تكوّن العمل الفني تنظيماً منسقاً يجذب الناظر، ولا يمكن اعتبار هذه المباديء السابقة الذكر هي كل القيم والمظاهر التي يتصف بها التكوين الفني، لتعددها تبعاً لطبيعة التكوينات ذات الخصوصة المختلفة.

منهجية البحث واجراءاته

تكون مجتمع البحث من الاعمال المنحوتة (البارزة والمجسمة) والاعمال المرسومة (الزيتية والمائية والكرافيك والتلصيق) المحصورة فترتها ما بين سنة  ( 1961-1998 ).حيث تم اختيار عينة قصدية توافق هدفالبحث وتساعد في كشف نسق التكوين في بنية العلاقات الفنية للوحدات المرئية بين النحت والرسم بالشكل الذي يسهل عملية التحليل المقارن، والتركيز على انظمة الشكل المتناقل عند الفنان ما بين المجالين النحت والرسم.

اعتمد المنهج الوصفي في تحليلالعينة القصدية، القائم على الملاحظة والمسح للبيانات للتعرف على الظاهرة وتطبيقهافي تحليل النماذج المختارة من خلال وصف ظاهر العمل ومن ثم تحديد أجزاءه. وذلك لان طبيعة هذا المنهج تخدم متطلبات البحث في الكشف عن اهدافه المبتغاة ، فضلا عن اتباع اسلوب الدراسة المقارنة.  واعتمد ما تمخض عنه الإطار النظري من طروحات لموضوعة التكوين الفني اتخذها الباحث كأداة للبحثوتحديد للخصائص الشكلية للعمل الفني ومن  ثم حصرها كل على حدة. ومقارنة الاعمال النحتية و إخراج النتائج وكذلك نفس العملية نتبعها في الاعمال المرسومة، ثم الخروج بالنتائج النهائية لكل مجال والاستناجات لعملية المقارنة.

 

أنموذج رقم (1)

أسم العينة: رجل جالس وجدار

نوع العمل: نحت مجسم وبارز

تاريخ انجاز العمل : 1970م

مادة العمل: برونز

 

أن التركيب لأجزاء العمل النحتي عند (الترك) أخذ مساحة أوسع في أعماله السبعينية, حيث زاوج بين النحت المجسم والبارز في نفس الوقت وهذا ما نلاحظه في بعض أعمالهِ النحتية ومنها هذا العمل الذي  نحن بصدد تحليله.

جاء العمل بصورة عامة متحققاً لغايات الفنان لطرحه لقضية إنسانية (*)معالجاً مشكلة الرجل بكافة حالاته ورغباته الحياتية المرتبطة بالجنس الأخر, من خلال رموز تنوعت بين علامات وإيقونات للدلالة إلى ظواهر إنسانية وصراع التأثيرات الخارجية من المجتمع المحدد بأعراف وتقاليد مؤطره ضمن دائرة البيئة التي تعيق من تحقيق الآمال وتجعل من الرجل حالماً متأملاً بأمورها الشائكة المتراكمة لتجعله يجلس متألماً مشدوداً لكونه يجلس على مقعد لا وجود له, فهو بطبيعة جلسته مستائاً من واقعه وزمنه الصعب. وان العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة التي أخفى هيئتها الفنان ألا من الإشارة المحددة لشكل الثدي دلاله على حضورها الفعال في المنجز، فضلاً عن الصراع الناشب بين عدة مؤثرات خارجية استوطنت ارض الرجل. فالعمل يسلط الضوء على الفكر الباطن للرجل حيال الحياة العاطفية والمرأة التي سيطرت على كيانهِ, والتي يسعى دوماً لأخفاءها وراء ظهرهِ ولكن لامحاله من سيطرتها على فكره وحياتهِ الخاصة.

تخطيط رقم (1)

يتكون العمل من جزأين رئيسين هما الجدار المنقسم إلى مربعات متساوية الإبعاد كثفها الفنان برموز من المجتمع الإنساني وواقعه, والجزء الثاني الذي جاء بهيئة رجل جالس أمام الجدار, حيث جعل الفنان  من القيم الإنسانية المرموز لها بمسندٍ يتكئ عليه الرجل فهي بمثابة نشأة الحياة التي جعلت من الإنسان الطرف الأساس لعدم انهيارها من خلال لصقه أمام الجدار وحمله لها على الزمان حيث يعد كل من الرجل والجدار قاعدة أساسية يستند إلى كل منهما لكي لا ينهار الأخر (وهنا الانهيار من الناحية المضمونيه والشكلية). إذ أن طبيعة موقع الرجل الجالس أمام الجدار جاء في حالة تلاحم في هذا الواقع المتلاحم بتأثيراته, من خلال الحز العميق والسميك الذي حفره الفنان من أعلى رأس الرجل إلى جذعه والممتد على ذراعه ببطئ ويقل عند أسفله بتعرجات وانحناءات كتله المتباينة, والذي جاء متضامناً مع حز الجدار الخلفي الذي هيأ فرصة الاندماج الشكلي والموضوعي بصلب الجدار. فقد عالج خامة الطين بأسلوب إخراجي شيق وجديد حقق ما يبتغيه من تعبير في خشونة وحزوزية الخطوط الموحية لآلام الإنسان وانتكاسه العاطفي التي مثلها بخطوط حادة بطبيعة زواياها والقاسية بمفهومها الاجتماعي الذي خلا من المرونة.

ثلاثة عشر رمزاً وظفها الفنان على مسطح الجدار بتقسيمات هندسية متساوية عالجها بطريقة التحزيز المباشر لخامة الطين والحذف وإضافة بعض الكتل البسيطة والبروز التي اختلفت اتجاهاتها وأفكارها. فقد تشابهت بعضها واختلفت ولكنها لم تخرج عن سياق موضوعيتها المشار أليها, حيث نجد وجوه وملامح لوجوه ونهدي امرأة بهيئتين متباينتين ورمزين لقلبين احدهما مائل بزاوية قائمة وخطان مائلان يشكلان علامة منع أو موقع محظور.

(*)  تعددت أطروحاته في النحت والرسم لموضوعات إنسانية عالج فيها علاقة الرجل بالمرأة من زوايا مختلفة والغوص في إرهاصات العلاقة العاطفية الجياشة.

ومن خلال كل هذه المحدثات التي شكلها الفنان على هيئة تراكمات عاطفية وحزوز وكتل تشكيلية حققت وحدة موضوعية وشكلية بما جاءت من مفردات نحتية مترابطة بعضها بالبعض بالأخر, محققةً علاقات. ومن أولى العلاقات الظاهرة بين الأشكال هي علاقة التراكب مابين الرجل والجدار حيث خفي جزءاً منه عاكساً بعداً جمالياً ووظيفياً في التحامهِ بجانب الجدار مما أوعز إلى فكرة التأمل من بعيد ومراجعة الذات في مجارات الحياة وعلاقاتها الإنسانية وبما يتوافق مع مبادئ المجتمع. كما نلمس علاقة التشابه الشكلي في بعض مفردات العمل التي أتسمت بتعدد أشكالها التي توافقت فيما بينها من ناحية الخط والملمس والفضاء.

حققت التقسيمات الهندسية لعبة تراصف الأشكال داخلها وتحديدها بمسارات أفقية وعمودية اتخذت من ارتباطها وحدة شكليه اختلفت اتجاهاتها وإحجامها وبنت علاقات خطية وملمسيه فضائية… أي شكلية, وان طبيعة سطح المنحوتة المركبة التي جاءت مستوية احياناً ومتحدبه بإبراز كتل نحتية احياناً أخرى فضلاً عن الاستقرار الكتلي للمنحوتة بهيئتها العامة.

على الرغم من انزياح الرجل عن الجدار وتراكبه علية فقد اخذ مركز السيادة في عمومية التكوين ولخلق حالة إبداعية بتلاعبه بالشكل وطريقة أخراج العمل الذي توافقت وحداته بما يتناغم استثماره  لعناصر التكوين وإيقاعية أشكاله وما ولدته من فضاءات داخلية وخارجية ضمن فضاء التكوين العام.

أما بالنسبة لعنصر الحركة فهي فاعلة بما حققه الفنان من تباين ملمسي على سطحي الجدار والرجل الذي اختلف نصفه الأيمن عن ملمس الأيسر بتضاريس عميقة لعب الضوء في انعكاساته على سطوحها دوراً في تحقيق ظلال عكست عن قدرة تعبيرية وجمالية بنفس الوقت.

يعد تكوين المنحوتة مغلقاً بحركة أشكاله الإيقاعية الانتشارية التي تنوع الخط بتوظيفه ما بين الحاد واللين وبأشكال شبه هندسية والحرة التشكيل داخل فضاء المنحوت الداخلي والخارجي والمتحقق من جراء تجميع شكلين فضلاً عن الفضاءات المصغرة

لكل مربع بداخله أشكال. اتجه العمل بأسلوبه نحو التصرف بالشكل والإخراج المبسط  لطبيعة الأشكال حيث يندرج العمل تحت مظلة المدرسة الرمزية التعبيرية وميالاً للحداثة بطريقة تجميعه لمفردات العمل.

أنموذج رقم (2)

أسم العينة: التجريد

نوع العمل: رسم / كولاج

تاريخ انجاز العمل: 1961م

مادة العمل : زيت وورق ملصق على بورد خشب

عُدَّ الفنان  من أصحاب الرؤية الجديدة لما حمّل تكويناتهِ من أبعاد فكرية واسعة الأفق بتقنية معاصرة لأفكار منجزات الفن الحديث, حيث نجد استخدامه لتقنية التلصيق (Collage) في عمله الذي نحن بصدد تحليله آذ جمع ما بين الورق المغضن وخشونة ملمس اللوح الخشبي والألوان الحيادية(*), التي عكست حضور الفنان ومعاصرته للتحولات الفنية خلال فترة العقد الستيني لما فيها من جراءة  طرح الشكل واللاموضوعية في طبيعتها واستعارته لمادة صناعية من الواقع بألوانه وحدوده وملمسه الموظف في كيان اللوحة.

تقشف الفنان في تشكيله لمفردات العمل مقتصراً على تمحور أربعة أشكال غير منتظمة ثلاثة منها متشابه من حيث الشكل والملمس واللون والفضاء, والأخر جاء متراكب على أحداهما ومختلف نسبياً من طبيعة خامتهِ ولونه وحجمه وملمسه, تمركزت الأشكال الأربعة بوسط اللوحة بفضاء رحب يحيطهم, على سطح جاء متشقق بفعل امتصاص لوح الخشب لمادة اللون وظهور حزوز أفقية تعارضت مع اتجاهات الأشكال المتمركزة بوسط اللوحة والتي أعطت للتكوين سمة جمالية وتعبيرية.

(*)  تأثر الفنان (إسماعيل فتاح الترك) بالمدرسة التجريدية والأسلوب التلصيقي الذي كان سائداً في أوربا في فترة الستينات, وهي فترة انجاز العمل والتي تواجد فيها الفنان في ايطاليا للدراسة.

رمّز الفنان إلى القطعة الورقية المتغضنه (curly) والتي هيمنت بلونها وبروزها وتغضنها ومساحتها على عموم التكوين إلى إبراز قضية تطور العصر وهيمنته على الأفكار والتقاليد السائدة التي استنزفت مقدراتها ولم يحسب حسابها, لما حل بالواقع من تحولات وتقدم علمي, حيث جاءت بقطعة من الواقع ليجد لها حيزاً في كيان عملهِ على وفق إرادته للتعبير عن ظاهرة شكلية أو تتعداها إلى قضية العصر. ونجد الشكلين المرسومين بتدرجات لون أحادي فوق طبقة من المعاجين التي أكسبتها تميزاً على سطح اللوح الخشبي ونتجت عنها بعض البروزات الطفيفة التي تدعونا إلى الأعراف والمبادئ من تدرجاتها اللونية الفاتحة والنقاء النسبي المهيمن عليهما والتي نلاحظ  في كونهما ثلاثة أشكال متمحورة غطت قطعة الورق المغضن أحداهما من الجانب الأيمن العلوي ليؤكد غياب أو حجب إحدى القيم التي سادت عليها أمور التطور. ونلاحظ تحقيقه لحالة الشد الحاصل بين الاشكال المتشابه وبين التباين الواضح لقطعة الورق المغضن بينهم. التي اقتربت أكثر للشكل العلوي من الجانب الأيسر. ونلاحظ الإحاطة لاثنين من الاشكال المتمحوره من ذوات اللون الفاتح بظلال انعكست على فضاء العمل من جراء حركة إيهامية حققها الفنان  ليوحي بعمق الشكلين وكذلك بالنسبة للقصاصة الورقية من خلال عملية التراكب الكلي على واحدة من الاشكال المتمحوره فضلاً عن تباين اتجاهاتهم.

أن أولى العلاقات الشكلية المتحققة لمفردات اللوحة هي علاقة التراكب الشكلي الكلي للقصاصة الورقية كما نجد اهتمام الفنان في تحقيق علاقات بين ملمس القصاصة الورقية ـ الملساء بطبيعتها والمغضنة بقصديه الفنان حيث أعطت الإحساس بخشونة ملمسها من خلال الحافات البارزة التي تبينت  من جراء تجعيدها وخشونة ملمس الاشكال الأخرى بأسلوب يختلف عن طبيعة خشونة سطح المواد المضافة على سطح اللوحة فضلاً عن خشونة ملمس اللوح الخشبي, والفضاء المتكون من جراء تقاربهم فضلاً عن اللون الذي اخذ الجانب الثانوي  باللوحة وكأن الفنان يتعامل مع وحدات نحتية. كما جاءت اللوحة غير متوازنة شكلياً بالرغم من تمركز الاشكال بوسط العمل, للثقل البصري المحصور في القطعة الورقية المغضنة التي هيمنت على باقي الاشكال وشدت انتباه المتلقي.

جاء التكوين بصورة عامة بسيطاً ببنائه الشكلي ولكنه غزيراً بما حمّله الفنان من بعد فكري يستطيع المتلقي إسقاط مدلولاته على الاشكال المجردة وتأويلها بحسب ثقافته ورؤيته الفنية.

تحرر الفنان من تمثيل أشكال من الواقع وجعل لعمله خصوصية مرتبطة بأسلوب معالجته للشكل  جاعلاً من العلاقات الشكلية محور اهتمامهِ  وهدفه من البناء الشكلي مستنداً إلى إحساسه بتشكيله لمواقعها  داخل فضاء اللوحة, التي انغلقت بحكم تمحور أشكالها المتحركة على وفق نسق إيقاعي محوري كان للخط أثراً في إبراز هيئة الاشكال غير المنتظمة.

كما أن العمل قد اتسم بخصائص المدرسة التجريدية الرمزية, المحمله بمؤثرات التحول الحاصل بالفن العالم من خلال ميل الفنان للحداثة الظاهرة بعملهِ.

 

أنموذج رقم (3)

أسم العينة:  رجل وديك

النوع: نحت مجسم

تاريخ انجاز العمل: 1998م

مادة العمل: البرونز

القياس: الحجم الطبيعي

يعود الفنان ليُسقط مؤثرات الفن العالمي على منحوته برونزية بحجم اكبر من الطبيعي(*) تعكس عن رغبته في الإشارة إلى عالم الإنسان المليء بالرموز وعلاقته بالحيوان على مر الزمان, حيث  طرح موضوعاً يمثل علاقة الإنسان بالطير ولاسيما الديك الذي يحمل عدة رموز خاصة في البلاد العربية والأجنبية على حدٍ سواء(**).

تكّون العمل من مفردتين (رجل ـ ديك) يستقر الديك بين ذراعي الرجل, وقد جاء بحجم اكبر من طبيعة حجمه الواقعي بالنسبة لحجم الرجل الذي ظهر عارياً واقفاً بسيقان راكزة وقدمين مستقرتين على قاعدة بيضوية الشكل, يتجه رأسه نحو الأمام. وقد ظهر التكوين بأسلوب أخراجي اختزل الشكل وتلاعب بالانعكاس الضوئي من خلال تباين التضاريس الكبيرة لسطوح العمل, معطياً خصوصية لإخراجه بالقصدية الآنية للإحساس الفنان أثناء تعاملهِ ومعالجتهِ لخامة الطين التي أظهرت مطواعيتها العالية في تلاعب الفنان بكتل وملمس وفضاءات المنحوتة. ونلاحظ بعض تفصيلات (رجل ـ ديك) كالأنف وتقعر العين عند الرجل وظهور منقار الطير وسيقانه التي تشكلت بهيئة شبه واقعية فضلاً عن بروزات الذيل.

جانبان رئيسيان ركز عليها الفنان في عملية الإخراج التكويني للعمل الفني, هما: حجم العمل الذي فاق الحجم الطبيعي وملمس العمل الذي غلبت عليه الخشونة مع بعض المساحات الملساء التي جاءت بقصديه من أحساس الفنان بكتله وتوافقها مع أجزاء الكائنين, حيث نجد بعض المناطق من جسم الرجل والديك قد أخذت السطح الناعم لحد اللمعان كما في الجانب الأيسر العلوي للرجل ومنطقة الوجه ـ ذات الملامح المطموسة ـ  وما بين عظم الورك والركبة اليسرى ومنطقه اصغر للجانب الأخر, أما بالنسبة للديك فنجد ذلك في الرأس الذي يمتد للرقبة وعلى الجانب الأيسر للفخذ ومنطقة صغيرة في مقدمة الصدر. حيث دل هذا التمييز في جسد الكائنين على العلاقة الوثيقة التي يتبادلها كلاً من الرجل والديك في امتلاكهما نفس القيم الملمسية المصقولة على نفس مناطق جسميهما التي عكست عن الطاقة التعبيرية والجمالية في الاشتراك ألملمسي المتوافق في أجزاء المفردتين. ونلاحظ اهتمام الفنان بالتشريح وإظهار

(*) فقد حاول الفنان استلهام فكرة احد الفنانين الذين أقدموا على منحوتة برونزية تمثل شخص واقف يحمل ماعز بأسلوب تعبيري واقعي بحجم كبير معروض في العراء وهي للفنان الاسباني (بابلو بيكاسو).

(**)  لما في حيوان الديك من صفات وسمات تميزه عن باقي الطيور الداجنه باعتباره رمز للذكورة والقوة, ولكونه يدخل ضمن لعبة مصارعة الديوك التي يهتم بها بعض من الأفراد في البلدان العربية وبعض البلدان الأسيوية.

بعض السمات المميزة للكائنين مما قرب العمل من الهيئة الواقعية التي استمد منها موضوع العمل. الذي يتعدى موضوعه علاقة الرجل بالديك من الناحية الشعبية الدارجة لكنه يحمل مقومات العمل ذات الرمزية العليا في بث دلالاته إلى المتلقي بهيئة قريبة إلى نظرته للأشياء.

ومن خلال مسك الرجل لحيوان الديك الذي لم تنطبق كتلته على كتلة جسد الرجل فقد ظهرت علاقة تقاطع شكلي مخترق بين ساعد اليد اليسرى للرجل مع الديك حيث اختفت داخله, فضلاً عن كون أسلوب الفنان في تشكيل ذراع الإنسان مقتصراً على تشكيل الساعد ليرتبط مباشرة مع خاصرة الرجل مختزلاً عظم العضد(*) كما هو موضح في المخطط رقم (3، 4)، كما إن كتلة حيوان الديك جاءت متماسة مع جسد الرجل من خلال الفضاء المتحقق من جراء عملية الإمساك فضلاً عن كون يد الرجل اليمنى التي قد تراكبت مع جسد الديك لتظهر تقدمها عليه. وقد أعطى الفنان لمجمل أجزاء عمله التوافق الشكلي من ناحية التباين التضاريسي في ملمس السطح والفضاءات المتحققة التي نتج عنها الوحدة في ترابط الوحدات البنائية وبنفس الوقت التنوع في معالجة السطوح وخلق الفضاءات. جاءت مفردة الرجل المهيمن لمجمل التكوين من خلال الحجم وكون الرجل حاملاً للديك. كما توازن العمل بتوافق هيئة الرجل واستقرار الديك بين ذراعيه, فضلاً عن التدرج في القيمة الملمسية لسطوح.

(*)  سمة شكلية تتكرر في اغلب أعماله المنحوتة والمرسومة وهي ضمن أسلوبية الفنان في الإخراج الشكلي لجسد الإنسان.

أما بالنسبة إلى فعالية عنصر الحركة فقد أعطى الفنان لهيئة الديك حركة في التفاف بسيط للرأس فضلاً عن حالات العلاقات الظاهرة بين الاشكال من زاوية نظر (360 ْ) التي أوحت بحركة الاشكال داخل فضاءات العمل الداخلية والخارجية وأعطت الحيوية للتكوين الذي جاء مغلقاً بحكم انصهار المفردتين داخل هيئة واحدة يسودها الرجل المتوجه نظره نحو الأمام. وقد تحركت أشكال التكوين على وفق إيقاعية مركزية.

ويجدر الإشارة إلى منظومة العلاقات الظاهرة بين الاشكال التي تتحرك بتحرك زاوية النظر التي أتقن الفنان سيطرته على تناسقها في كيان العمل وقد تصرف في الشكل بالتبسيط والاختزال ولكنه اعتمد على أخراج الملامح الرئيسة للجسد الإنساني والحيواني الذي تماسكت أجزاءه وتفاعلت ضمن بودقة التكوين العام. ويعد العمل ضمن اتجاه المدرسة الواقعية التعبيرية الرمزية التي صاغ الفنان عملهِ من جراء تأثيرات فنية شعبية أسقطها على تكوين رجل وديك.

أنموذج رقم (4)

أسم العينة: رجل وديك

نوع العمل: رسم / كرافك

تاريخ انجاز العمل : 1999م

مادة العمل : ألوان طباعيه على ورق

يعود الفنان ليطرح موضوع (رجل وديك) بتشكيل جديد وبتقنية أخرى محاولاً أظهار خصائص شكلية ولونية لم يتمكن من إظهارها بتقنية وخامة النحت، فضلاً عن أهمية الموضوع لدى الفنان من الناحية الرمزية والاجتماعية.

يتكون العمل من مفردتين رجل وديك, كائنان مختلفان في النوع ومتشابهان في الجنس والرمز يستقران في فضاء رحب ومعتم تباينت درجة عتمته من الجانب الأيسر العلوي إلى امتداد الجانب الأيمن المشوب بضربات لون فرشة (اصفر واخضر) تناغمت مع ألوان الديك المتعددة. يتمركزان بوسط اللوحة, يظهر الرجل حاملاً الديك بوساطة ضربة إيحائية استثمرها الفنان وأعطت جمالية للعمل من خلال عملية تراكب الشكلين التي بينت حمله لديك من دون أظهار اذرعيه. يبدو الرجل بملامح شبه ظاهره متجهاً بنظره للأمام عاري في نصفه العلوي حيث ظهر شعر صدره, وبمنكبين عريضين يظهر احدهما ويختفي الأخر خلف رقبة الديك. كما أن في كون ظهور النصف العلوي لجسد الرجل التي تحيل الشكل إلى مثلث مائل كمله من الأسفل شكل الديك الذي ايضاً اخذ الشكل الشبيه بالمثلث حيث أنغلق تكوين العمل بخطوط تراكبهما مع بعض, والتكوين عائم بوسط فضاء اللوحة. كما ونلاحظ الاستطالة المعهودة في رأس الرجلوامتلاء الوجه بزرقة شفافة امتدت الى صدره لتمثل الظلال فضلاً عن خطوط ملامح الوجه التي جاءت بسيطة وعفوية وغير مكتملة تعكس رغبة تعبيرية في ارتجالها بالصيغة الإخراجية المتحققة بعموم العمل. أما عن الديك فجاء بهيئة جانبية (Profile) أخذت خطوطه تتدرج في الانحناء وتكثفت في تكرارها بشكل غير منتظم تشابكت وتقاطعت وعبرت عن هيئة الديك, الذي نلاحظ في جناحه كتل داكنة دائرية الشكل تجمع على امتداد الجناح يغطيها لون احمر شفاف وازرق من الأسفل, فضلاً عن إبراز سيقانه. كما تعددت ألوانه الشفافة ما بين الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر التي تميزت بالنقاء وقد تباينت بشكل ملحوظ من بعضهم ومن اللون الأبيض الذي عكس هيئة الشكلين وتضادهِ مع فضاء اللوحة المعتم.

تميزت اللوحة بتراكم خطي كبير تشكل من خلالها الرجل والديك حيث خلا فضاء العمل من سواهما, مكثفاً الفنان من استثماره للخط اللين في التكوين لإبراز تفاصيل الشكلين. ومحققاً علاقات شكلية ما بينهما جعلت من العمل موحد في طبيعة عناصره, حيث أن من أهم العلاقات الظاهرة بين الشكلين هي علاقة التراكب الشكلي ما بين الديك الذي تقدم عن الرجل في هيئته وتوضح شكله عن الرجل الذي اختفى جزء منه, حيث أوحى ذلك عمق وهمي لفضاء اللوحة فضلاً عن الكتل اللونية الحارة إلى أعطت الإحساس بتقدم الاشكال بالرغم من التسطيح في التشكيل.

ولكون الديك هو الجزء المتقدم على الرجل ولكبر حجمه فقد هيمن على عموم التكوين. أما بالنسبة للموازنة فقد جاء التكوين متوازن بشكل غير منتظم (An Symmetrical Balance) بتموضع الشكلين داخل فضاء اللوحة, وجاءت خطوط وأشكال اللوحة ذات إيقاع حركي غير منتظم في تدرجها وانسيابية امتدادها على سطح العمل وتكرار بعض الكتل اللونية التي أضيفت بعدما انتهى الفنان من تخطيط  العمل ـ هذا واضح من خلال الشفافية التي تميزت بها الألوان ألطباعيه ـ والتي جاءت متناغمة مع طبيعة التكوين والهيئة العامة.

على الرغم من سكونية الشكلين فقد جاء التكوين فعال بالحركة والحيوية التي أسبغتها ليونة وغزارة الخطوط المنحنية التي تموجت وتباينت في اتجاهها, فضلاً عن علاقة التراكب التي أوهمت بحركة الشكلين.

يعد العمل من ضمن اتجاه المدرسة التعبيرية الرمزية التي تحركت أشكالها ضمن التكوينات الإيقاعية المركزية والتي جاءت تأثيراتها فنية بحكم التمثيل الأول للعمل المستمد من عمل الفنان الاسباني (بابلو بيكاسو) بعملهِ ألمسمى (رجل وماعز) تكوين رقم (12), وشعبية من حيث قولبة موضوعية العمل إلى رمز شرقي مستمد من البيئة المحلية للفنان ولكون الديك يرمز إلى الذكورة والقوة, وهذا ما لاحظناهُ في تجسيده لعينة النحت (رجل وديك) عينة رقم (10) والتي أعادت تجسيد الموضوع بصيغة إخراجية وبوسيط آخر عبر عن ما أرادة تمثيلهُ وإظهاره وما لم يستطع تجسيده بالنحت, ميالاً بإخراجه الشكلي نحو التصرف والاختزال الكبير بتفاصيل الهيئة العامة للمفردتين الذي لم يخرج عن نطاق جوهر الشكل الواقعي كما نجد لمسة حداثوية تمتزج بأسلوبية الفنان وطريقة إخراجه الفني للتكوين.

نتائج البحث واستنتاجاته

نتائج عينة النحت:

  1. عالج الترك في اغلب اعمال عينة البحث الجانب الاجتماعي والتي جاءت بهيئة مواجهة للناظر.
  2. هيمن استقرار كتلي في العينة وسيادة السكونية في حركتها.
  3. تعامل الترك مع مختلف احجام النحت سواء كان معرضي ام ميداني.
  4. ثلاث عناصر تلاعب بها الترك بصورة مباشرة ومتكررة في اعماله والتي هي : الخط، الملمس، الفضاء، وبالتالي اخراج شكل ذات استنطاق حيوي بمادة البرونز التي ارتكز عليها الفنان في أنموذجين مجتمع البحث.
  5. جاءت خطوط الترك متباينة ما بين المنحني والمستقيم والمزاوجة بينهما في اغلب اعمال عينة البحث مما عكس عن غايته في التنوع بخصائص الخط الشكلية في اجزاء بنية التكوين الواحد. الذي يعكس عن تجانس الخط في بنية التكوين الفني، والموازنة المتحققة في توظيفة لبنية المنجز.
  6. جاء التكوين وفق التكوينات المغلقة بطبيعة تشكيلهِ للأشكال والمفردات الموظفة في فضاء تكوين العمل من الناحية الشكلية البنائية بحكم توزيعهِ للأشكال داخل فضاء العمل ألا في منحوتة واحدة إذ جاء تكوينها مفتوح وهي (رجل جالس وجدار) أنمذوج رقم (1)، وعكسها (رجل وديك) أنمذوج رقم (3).
  7. ان طبيعة سطوح اعمال الترك متباينة مابين المستوية والمنحنية، بطريقة تشذيبه ومعالجته لخامة الطين التي اسثتمر القدرة التعبيرية لايصال افكاره واحساسة بالوسيط المطواع.
  8. اما من ناحية الملمس فقد اعطى الترك اعماله النحتية خاصية الخشونة والنعومة في طبيعة ملمس مادة البرونز أنمزذج. رقم (1-3) ولما لهذه الخاصية من تاثيرات جمالية وتعبيرية تنعكس على نفسية المتلقي وتعطي له شعور بالحيوية، فضلا عن تاثير الاضاءة.
  9. . جعل الترك من الفضاء اهمية كبرى في كيان اعماله الفنية، فقد وظفه وعالجه بطريقة مختلفة في كل عمل من اعمال عينة البحث وزاوج بين الفضاء الداخلي والخارجي ليعكس عن جمالية العلاقات الكتلية لاجزاء المنحوتة الواحدة.
  10. ظهرت في أعمال الفنان سمات شكلية تتكرر وتتبادل في التجسيد بأنماط تتبع طبيعة الوسيط ولكنها لأتخرج عن كونها علاقات شكلية جاءت متبادلة ما بين ما نحتهُ الفنان وما يرسمهُ, وظهرت بشكل ضخامة في الأجساد الإنسانية وتقليص في حجم الرأس والتسطيح للمنحوتات والخشونة التي تتبعها النعومة النسبية في طيات الأعمال التي رفعت من القيمة التعبيرية للعمل الفني الظاهر من خلال التباين التضاريسي للعمل.

نتائج عينة الرسم  :

  1. هيمن الجانب الانساني في طروحاته المرسومة بما فيها من التجريدية ما يأول به الرمز.
  2. جاءت اعمال الترك المرسومة متنوعة من حيث خامتها واشكالها وتوزيعها للعناصر المرئية على سطح ذو بعدين ، فضلاً عن ممارسة وتجربة الفنان في لفن التلصق(Collage).
  3. ان أنمزذج رقم (2) ( تجريد) جاء باسلوب تجريدي لاتشخيصي (Non Figurative) في اعمال عينة البحث المرسومة. مما يعكس عن ادراك ووعي الفنان في مواصلة وتجديد طرح مشكلة عصره بكل الوسائل والمظاهر والحالات فضلاً عن التجريب المستمر، حيث جعل من طبيعة الخامة الملصقة في بنية العمل التصويريمادة حيوية متفاعلة في كيان التكوين الفني وساهم في ابراز خصائص جديدة على سطح اللوحة التشكيلية.فقد جاءت اشكالها التجريدية بتراص الاشكال الثلاثة المتمحورة حول بعضها، وبطبيعة الخط المحيط للقطعة الملصقة وكانها في حالة اهتزاز وحركة وعدم استقرار.
  4. عبر الترك عن شخصياته التصويرية باسلوب واقعي رمزي تجريدي بطرحه للتكوين، حيث نلاحظ الرمزية في أنمزذج رقم (2) تجريد. اما العينة الاخيرة (رجل وديك أنمزذج رقم 4) فقد جاءت باسلوب الواقعية الرمزية.
  5. جاءت الوان الترك متقشفة وقليلة نسبياً  واحادية كما في عينة رقم (2) تجريد، ونلاحظ تدرج خصائص اللون الواحد ليأخذ مساحة اكبر في توزيعه على سطح اللوحة التصويرية. حيث نجد امكانية توزيعه على وحدة السطح بطريقة متجانسة ومتناظرة سواءً بتنوع الالوان او بتشكيل المساحات والخطوط ومن ثم الاشكال.
  6. جاءت خطوط الترك التصويرية متباينة ما بين الخط المنحني والمستقيم في كل اعمال عينة البحث التصويرية، حيث جعل من الخط المنحني غايته في ابراز قيمة الخط ومصاحبتها لقيمة اخرى اتسمت بالخط المستقيم الذي لازمه في الكثير من اعماله سواء كانت نحتية او تصويرية. ماعدا عينة رقم (2) تجريدي التي اتخذت من المنحني اساساً مبنية عليه .
  7. بصورة عامة جاءت التكوينات المغلقة في اعمال عينة التصوير التي هي أنمزذج رقم (2) تجريد وأنمزذج رقم (4) رجل وديك.
  8. الخشونة المتقصدة في ملمس سطح اللوحة والذي جاء متضامن مع طبيعة ملمس الخامة الملصقة على سطح اللوحة، حيث نلاحظ طريقة توزيع الالوان وتكتلها وتكوينها لحزوز جعلت من ملمسها  الخشن محققا للوحدة في كلية العمل الفني .
  9. جاء تاثير الضوء على اشكال التكوينات واضح وقصدي في بعض مناطقه لابراز الجوانب السلبية والايجابية من التكوين .
  10. اهم العلاقات التصويرية التي تعامل بها الفنان بصورة رئيسية هي ، الخط واللون والفضاء والتي عكست عن فكرته الابداعية لتبيان ملامح التكوين التصويري.

 

الاستنتاجات

  1. تاثر واضح ظهر في اغلب اعمال الترك المنحوتة والمرسومة سواء من موروثه الحضاري وتحولات الفن الحديث.
  2. جاءت اغلب اعمال الترك تشخيصية عاكسة لواقع حياة الانسان ومتعلقة به.
  3. اتخذ الفنان من الشكل غير المنتظم بتبسيطهِ واختزالاتهِ أهمية في تشكيلهِ الفني الذي اتخذ لهُ سمة شكلية تكررت في ضخامة الأجساد البشرية وصغر رؤوسها والتباين التضاريسي الواضح على سطح المنحوتة حصراً والذي ترجمهُ في لوحاتهِ إلى تلاعب بها كطواعية الخطوط السميكة والرفيعة والمتشابكة في كيان العمل الفني
  4. ان نسق العلاقات الشكلية جاء متفاوت في بعض الأعمال ومتوافق في أخرى, حيث تحركة نسق علاقات الأعمال في منحوتته ولوحتهِ (رجل وديك) أنمزذج رقم (4) بتوحيد اغلب فقرات نسق العلاقات ألا في انعدام مبدأ الإيقاع في المنحوتة ومبدأ التدرج في اللوحة. وأما في (رجل جالس وجدار, تجريد) أنمزذج رقم (1)  فقد توافقا ألا في غياب مبدأ التنوع في اللوحة (تجريد) أنمزذج رقم (2). إذ يحاول الفنان التراوح في الاستخدام التنظيمي لمبادئ الشكل لحدٍ معين.
  5. تكرار واضح في طرح لمواضيع انسانية اجتماعية في لوحاته التي حملت طابع مميز في تجسيد المضمون باسلوب لايبتعد كثيراً عن اسلوبه في النحت. حيث اتجه الترك الى اعادة صياغة اعماله النحتية كلياً ام جزئياً الى اعمال مرسومة معبراً عنها بالخطوط والالوان ما لم يستطع تحقيقه وايصاله بتقنية النحت. وهذا ما نلاحظه في اعادة تشكيل عمله البرونزي ( رجل وديك) أنمزذج رقم (3) حيث حوله الى عمل تصويري زيتي ، حمل نفس الخصائص الشكلية العامة للرجل والطائر لاحظ أنمزذج رقم (4) وغيرها من الاعمال التي كرر تشكيله لها والتي ارتبطت اغلبها في علاقة الرجل في المرأة.
  6. رسم الترك لوحاته التشكيلية لا ليقدم (سكيتجات) مشاريع لاعمال نحتية، بل قدم جهداً رؤيوياً لمفهومه للموضوع المطروع بالرسم، وبتقنية وجد فيها ما لم يعهده في النحت من قدرة وطاقة تعبيرية وايصالية للمتلقي، وليس لمجرد التكرار في طرح الموضوع المشكل رسماً ام نحتاً. حيث ان الاستعارات التي كان الفنان يوظفها في احدى تقنياته كانت توسع لديه طاقات تعبيرية وجمالية تظهر باختلاف عناصر التكوين الفني في كلا المجالين.
  7. جاء التكوين نتيجةعملية تنظيم للعناصر المرئية وفق الية تشكيل الفنان لهذه العناصر، ليتمخض عنها نظام تتوزع فيه العناصر لتولد مركب يدعى التكوين.
  8. ان طبيعة النسق الذي يعمل به كل منجز فني يرجع الى توظيف الفنان لنظم العناصر المرئية وعلاقاتها في كل( جشتطالت) متفاعل تعمل جميع خصائصها على توليد هذا النظام.
  9. بصورة عامة لابرز الخصائص الشكلية التي تبينت في اعمال الترك، نجد بانه قد اخذ الخط اهمية كبيرة ظهرت في كلا الفنيين ومتباينة ما بين المستقيم والمنحني في اغلب منجزاته.
  10. جاءت الكتلة في النحت والمساحة في الرسم لاعمال الترك موظفه بشكل متوازن ومحقق لغايات المنجز الشكلية.
  11. اخذ اللون عند الترك مساحة اقل تنوعاً بالنسبة لاعمال عينة البحث المرسومة.
  12. وظف ملمس المنجز بالمجالين بطريقة ملحوظة لاغلب اعماله.
  13. اتخذ من التشخيص التكويني هدف اساسي ظهرت في اغلب اعمال عينة البحث النحتية والتصويرية.
  14. من مقارنتنا لاهم العلاقات الفنية المشتركة لكلا المجالين نجد بان الخط والفضاء والشكل هم المرتكز الذي استند عليه الترك بصورة مباشرة في اغلب اعماله لاخراج التكوين المطلوب .
  15. استعان الترك بالعناصر المرئية والمبادىْ الجمالية بطريقة تقليدية لاتخرج عن سياق الفن العراقي المعاصر، فلن ياتي بالجديد في اسلوب تعامله مع التكوين ولكن اقتصر على ابراز خصائص فنية جمالية وتعبيرية اخذت تميز اعماله الفنية. فضلاً عن ممارسته لفن التلصيق .
  16. عالج التكوين بأختزال وتبسيط يخدم رؤيتة الاخراجية بالمجالين فهي جاءت بدافع تحويلي نحو اشكال تجريدية تعبيرية ورمزية في طرحها لنسق التكوين، وتحقيقا لاسلوب مبتكر تميز به الفنان الترك.

المصادر

  1. برنارد مايرز: الفنون التشكيلية وكيف نتذوقها ، ترجمة : سعد المنصوري وسعد القاضي ، مراجعة وتقديم : سعد محمد مطاب ، مكتبة النهضة المصرية للنشر ، القاهرة ، 1966 .
  2. جان برتليمي: بحث في علم الجمال ، ترجمة : انور خليل ، مؤسسة فرانكلين ، مصر ، 1970 .
  3. جمال الدين بن مكرم الانصاري ابن منظور: لسان العرب ، ج11 ، طبعة مصورة عن طبيعة بولاي ، مصر ، د ت .
  4. جوندوي: الفن خبرة، ترجمة: زكريا ابراهيم، مراجعة: زكي مجيد، دار النهضة للطباعة والنشر، القاهرة ، 1963.
  5. جيروم ستولينز : النقد الفني ، ترجمة : فؤاد زكريا ، مطبعة جامعة عين شمس ، القاهرة ، 1974.
  6. روبرت جيلامسكوت: اسس التصميم، ترجمة: عبد الباقي محمد ابراهيم ومحمد محمود يوسف، مراجعة: عبد العزيز محمد فهيم، تقديم: عبد المنعم هيكل، دار النهضة للطبع والنشر، القاهرة، ط1، 1968.
  7. زكريا ابراهيم: فلسفة الفن في الفكر المعاصر . دار مصر للطباعة – مكتبة مصر للنشر ، د.ت.
  8. سوزان لانجر : فلسفة الفن عند سوزان لانجر ، اعداد : راضي حكيم ، دار الشؤون الثقافية ، وزارة الثقافة ، 1968.
  9. شاكر عبد الحميد : العملية الابداعية في فن التصوير ، 1987.
  10. عبد الفتاح رياض : التكوين في الفنون التشكيلية ، ط1، دار النهضة العربية ، مصر ،دت.
  11. فتح الباب عبد الحليم: التصميم في الفنون التشكيلية، عالم الكتب، 1984.
  12. فرج عبو: علم عناصر الفن ، ج2 ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، جامعة بغداد ، دار لفين للطباعة ، 1982.
  13. فردريك مالنز: الرسم كيف نتذوقه (عناصر التكوين)، ترجمة: هادي الطائي، مراجعة: سلمان الواسطي، ط1، دار الشؤون الثقافية، 1993.
  14. قاسم حسين صالح: الابداع في الفن : وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، جامعة بغداد كلية الفنون ، دار الكتب والنشر.
  15. محمد بن ابي بكرالرازي: مختار الصحاح، المركز الصحي الثقافي والعلوم، 1981.
  16. ناثان نوبلر: حوار الرؤية- مدخل إلى تذوق الفن والتجربة الفنية، ترجمة: فخري خليل، مراجعة: جبر ابراهيم صبرا، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد، 1987م.
  17. هربرت ريد: معنى الفن ، ترجمة سامي خشبة ، مراجعه : مصطفى حبيب ، دار الكتاب العربي ، القاهرة ، د.ت.

18. هيغل: فن النحت ، ترجمة : جورج طرابيشي، دار الطليعة للنشر، بيروت ، ط1، 1980.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *