نوفمبر 23, 2024 3:37 ص

د. بلقيس خلف رويح الزيدي

كلية التربية/ الجامعة المستنصرية/ العراق

balqes30000@gmail.com

009647708080226

الملخص    

     تروم الباحثة  دراسة رائية الأُزري الكبير في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام)، والبالغة ثمان وتسعون بيتا، نسلط الضوء فيها على البناء الفني للقصيدة، لذلك قسم البحث على أربعة محاور، إختص الأول لدراسة البناء الخارجي للقصيدة، والثاني لدراسة البناء التركيبي، والثالث لدراسة البناء التصويري، والأخير لدراسة البناء الموسيقي، ويليها خاتمة لأهم النتائج التي توصل إليها البحث.

      وتكمن أهمية البحث في اختيار قصيدة تعود للعصر العثماني، هذا العصر الذي وصف نتاجه الشعري، بالركاكة والبعد عن القيم الفنية التي تجعل النص الشعري نصا مؤثرا في الناص والمتلقي. مما جعل الكثير يصفونه بالعصر المظلم كونه؛ لم ينتج بنى تركيبية تعبر عن مهارة وبراعة الشعراء كما هو الحال في العصور التي سبقت هذا العصر، وهذا الحكم ينقصه التعمق في دراسة النتاج كله، فالمتصفح لدواوين الشعر العثماني يجد شعراء يمتلكون حسا وذائقة في الإختيار وقدرة عالية في التعبير عن ما في دواخلهم، من مشاعر إنسانية جياشة من خلال رسم صور قد تبدوا ذات لغة سهلة لكنها تبتعد عن التقريرية والسطحية، وتعبر عن التجربة التي عاشها منتج النص من خلال الألوان البديعية التي التصقت بالعصر العثماني، تلك الألوان التي لها القدرة على تحسين وجوه الكلام. أما من جهة الموضوع فكان الرثاء الحسيني _والمسمى بالطفيات التي تتحدث عن واقعة الطف الأليمة التي استشهد فيها ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)_ هو من أبرز الموضوعات شيوعا في العصر العثماني عامة، والشاعر حاصة .

الكلمات المفتاحية: (رائية، الكبير، دراسة، بنية، القصيدة) .

Raya Al-Azri Al-Kabeer (d.1211 AH) in the Lament of Imam Al-Hussein (peace be upon him)

A study of the structure of the poem

Dr. Balqis Khalaf Ruwaih Al-Zaidi

College of Education / Al-Mustansiriya University / Iraq

Abstract

        The researcher aims to study the visionary of the great Al-Azri in the Lament of Imam Al-Hussein (peace be upon him), which is ninety-eight houses, in which we shed light on the artistic structure of the poem. Figurative, and the last to study the musical structure, followed by a conclusion of the most important findings of the research.

      The importance of the research lies in choosing a poem that dates back to the Ottoman era, this era whose poetic output was described, with thinness and remoteness from the artistic values ​​that make the poetic text an influential text on both the text and the recipient. Which made many describe it as a dark age being; It did not produce synthetic structures that express the skill and ingenuity of poets as is the case in the eras that preceded this era, and this judgment lacks in-depth study of the whole production, so the browser of Ottoman poetry collections finds poets who have a tasteful sense of choice and an artistic sense that express what is inside them of strong human feelings By drawing pictures that may appear with easy language, but they move away from determinism and superficiality and express the experience that the text producer lived through the ingenious colours that adhered to the Ottoman era, those colours have the ability to improve the faces of speech. As for the subject matter, the Husseini lament, called al-Tafiyat, which talks about the dire incident of Taf in which the son of the Messenger of God (may God’s prayers and peace be upon him and his family) was martyred was one of the most prominent topics common in the Ottoman era in general, and the poet is a Hassa.

حياته

     هو الشيخ كاظم بن الحاج محمد بن الحاج مراد بن الحاج مهدي بن ابراهيم بن عبد الصمد بن علي البغدادي التميمي (القمي عباس بن محمد، 1939م)،  (الشيخ أقا بزرك الطهراني، د.ت)

     ولد في بغداد سنة 1143هـ، ويعود تلقيبه بالأزري نسبة إلى حرفة جده وهي بيع الأزر أو حياكتها، ويعد بيت الأزري من البيوتات المعروفة في بغداد آنذاك بعلميتها وثرائها (شاكر هادي شكر، 1980،).

     فمن علمائها _فضلا عن شاعرنا_ أخوه الشيخ محمد رضا، والآخر الشيخ يوسف الأزري، وهذه الأسرة ترجع إلى قبيلة تميم في العراق.

          وتقطن هذه العائلة الجانب الكرخي من بغداد، وذلك لقول الأزري (شاكر هادي شكر، 1980،):

سلام على تلك المغاني التي بها

  نعمنا وحياها من المزن صيَّب

إذا الكرخ داري والأحبة جيرتي

  وقومي ترضى إن رضيتُ وتغضبُ

           ولم تخبرنا المصادر التي بين أيدينا شيئا عن أخباره أثناء شبابه.

          وقد كان قصير القامة مع سمنة فيه، حليق اللحية مفتول الشاربين، يعتمر الشماغ والعقال (القمي، عباس بن محمد، 1939)، وكان ألثغ بحرف الراء، لقوله (شاكر هادي شكر،، 1980،):

ولم ألغ حرف الراء إلا لأنني

  إذ فهت بالراوي تفوهت بالغاوي

              وكان ايضا سريع الخاطر حاضر النكتة وقاد الذهن.

     وقد درس العلوم العربية والفقه والأصول والتأريخ في النجف الأشرف، فهذا عمر رضا كحالة يقول عنه: ((أديب شاعر مشارك في الحديث والتأريخ والكلام، والتفسير والحكمة)) (كحالة، 1957) .

    وفاته

     كانت وفاة شاعرنا في سنة 1211هـ  (كحالة، 1957) .

شعره

     يعد الشاعر من شعراء العصر العثماني، هذا العصر الذي أنجب نخبة من الشعراء أمثال عبد الباقي الموصلي (ت1156هـ) و السيد نصر الله الحائري(ت1158هـ)، والشيخ محمد علي بشارة النجفي(ت1160هـ) والسيد صادق الفحام النجفي الحلي(ت1204هـ)، والسيد سليمان الكبير (ت1211هـ)، والشيخ محمد رضا الأزري (ت1240هـ).

     وقد حقق ديوانه شاكر هادي شكر،وأشار إلى جودة شعره وانه لا يوجد في عصره من يدانيه في براعته الشعرية، فهو وحده أمّة من الشعراء.

     وأشار الشاعر بنفسه إلى شاعريته بقوله (شاكر هادي شكر،، 1980،):

يا أبا أحمد رويدا رويدا      أنا في الشعر صاحب المعجزات

وقال أيضا (شاكر هادي شكر،، 1980،):

أبى الشعر إلا أن يحل بساحتي فيأكل من زادي ويشرب من شربي

إذا أنا لم أعبأ به عمر ساعة

تـوهَّم هجراني فلاذ إلى جنبي

     والذي يتصفح شعره يجده متِنوع الأغراض، فضلا عن طول نفسه في نظم الشعر. وإلى جانب ديوانه هذا لديه قصيدة تبلغ ألف بيت وتسمى بالقصيدة الأزرية في عقائد الإمامية.

نص القصيدة (شاكر هادي شكر،، 1980،)

هيَ المعاهدُ أبلتها يدُ الغِـيَرِ

وصارمُ الدَّهرِ لا ينفكُ ذا أَثَرٍ

يا سعدُ دعْ عنك دعوى الحبِ ناحيةً

وخلِّـني وسؤالَ الأَرْسُمِ الدُّثُرِ

أيـن الأُلى كان إشراقُ الزمانِ بهم

إشراقَ ناصيةِ الآكامِ بالزُّهُرِ؟

جارَ الزمانُ عليهم غـيرَ مكـترثٍ

وأيُّ حُــرٍّ عليه الدَّهْرُ لم يَجُرِ؟

فكمْ تلاعـبَ بالأمجـادِ حادثُه

كـما تلاعبتِ الغلمانُ بالأُكُرِ؟

لا حبذا فلِكٌ دارتْ دوائِرُهُ

على الكرامِ فلم تَتْرُك ولم تَذَرِ

وإنْ يـــنلْ مــنكَ مقـدارٌ فلا عَجــبٌ

هل ابنُ آدم إلا عُرضَـةُ الخطرِ؟

وكيـف تأمـــنُ من مكرِ الزمانِ يـــدٌ

خــانت بآلِ علـــيٍّ خـيرةِ الخيرِ؟

أفدي القرومَ الأُلى سارتْ ركائِبُهم
ج
والمــوتُ خلفَهُمُ يسري علـى الأَثَرِ

لله مـن في مغاني كربــلاءَ ثوى

وعنــده علـــمُ ما يأتي بهِ القدرُ

إذا الشياطــينُ بارتُهُ انبرتْ شُهُبٌ

ترميــهمُ عن شـهابِ اللهِ بالشَّرَرِ

ما أومضت في الوغى منهم بروقُ ضُبى

إلا وفاضَ ســــــــــــــــــــــــحابُ الهامِ بالمطرِ

يسطـــــو بمثلِ هلالٍ منه بــدرُ دجـــــىً

في جنحِ ليلٍ من الهيـــــــــــــــــــــجاءِ مُعْتَكـَـــــــــــرِ

هُمُ الأُسُودُ ولكـنَّ الوغى أَجَمٌ

ولا مخالبُ غــيرَ البيضِ والسُّــمُرِ

ثاروا فلولا قَـضاءُ اللهِ يُمسِكُــــــهُمْ

لــم يَتركُوا لأبي سفيان منْ أثـرِ

أبدوا وقائعَ تُنسي ذِكرَ غَـيرِهُمُ

والوخـزُّ بالسُّمرِ يُنسي الوخزَ بالإبرِ

غُــرُّ المفارقِ والأخلاقِ قد رَفَلــوا

منَ المحامدِ في أَسنى من الحبَرِ

سلْ كربلا كَمْ حَـوَتْ منهُم هِلالَ دُجىً

كأنَّها فـلكٌ للأنجمِ الزُّهـرِ

لم أنسَ حاميةَ الإسلامِ منفردا

خالـي الظعينـــةِ من حامٍ ومنتـصرِ

يرى قَنا الدِّينِ مِنْ بَعدِ استقامـتِها

مغمـوزةً وعليها صدعُ منكسرِ

فقام يجمعُ شملا غيرَ مجتمعٍ

منـها ويجبر كسـرا غيرَ منجبرِ

لـم أنسه وهو خوَّاضٌ عجاجــــتَها

يشقُّ بالسيفِ منها سَوْرةِ السُّـورِ

كـم طعنةٍ تتلـظى مـنْ أنامِلِهِ

كالبـرقِ يقدحُ من عودِ الحَيا النضرِ

وضربــةٍ تتجلى من بوارِقِهِ

كالشمسِ طالعةٌ من صفحتـي نهرِ
ج
كـأنَّ كلَّ دِلاصٍ منهم بـردٌ

يرمى بجمرٍ من الهندي مستــعرِ

وواحدُ الدَّهرِ قد نابتُــه واحدةٌ
ج
من النوائبِ كـانتْ عِبرةَ العِبَرِ

من آل أحمدَ لم تَتْرُك سوابقُهُ
ج
في كـلِّ آونةٍ فخـرا لِمُفتَـخَرِ

إذا نضا بُــــــردةَ التَّشكيلِ عنـــــه تَجِدْ
ج
لاهوتُ قُدْسٍ تردّى هيكـلَ البشرِ

ما مَسَّــهُ الخطـبُ إلا مسَّ مُخْتَبِرٍ

فـما رأى منه إلا أشرفَ الخـبرِ

وأقبلَ النصرُ يسعى نحـوه عجِــلا

مسعى غُلامٍ إلى مولاهُ مُبتـدرِ

فأصدرَ النصرُ لم يطمعْ بِمَــورِدِهِ

وعاد حيرانُ بين الـوِرْدِ والصَّدرِ

يا نيرا راق مـرآهُ ومِخبرُهُ

فكان للدهرِ ملءَ السَّمعِ والبصرِ

لاقـاك منفردا أقصى جموعِهُمُ

فكنتَ أقدرَ من ليثٍ على حُمُرِ

لـم تـدعُ آجالهُم إلا وكان لها

جـوابُ مُصغٍ لأمرِ السيفِ مُؤتَمَرِ

صالــوا وصلتَ ولكـنْ أين منك هم

النَّقشُ في الرَّملِ غيرُ النَّقشِ في الحَجَرِ

يا من تُساقُ المنايا طـوعَ راحتِـهِ

موقوفةً بين أمريه خذي وذري

لله رُمحكَ إذ ناجـى نفوسهُـمُ

بصادق الطعنِ دون الكـاذبِ الأشرِ

حتى دعتك من الأقدار داعيـةٌ

إلى جِـوارِ عزيزِ الملكِ مقتدرِ

فكنت أسرعَ من لبى لدعوته

حاشاك من فشلٍ عنـها ومن خُوَرِ

وحقَ آبائك الغـرُّ الذيــن هم

على جـباه العُلى أنقَى من الغُــرَرِ

لولا ذمامُ بَنيك الزُّهــر ما اعتصــرتْ

خَمرُ الغــمامِ ولا دارتْ على الزَّهرِ

قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها

كالحمدِ لم تُغنِ عنها سائرُ السور

ما أنصفـتك الظُّبى يا شمسَ دارتِها

إذ قابلتكَ بوجـهٍ غـيرِ مُستترِ

ولا رعتك القنا يا ليثَ غابــتِها

إذ لم تذب لحـياءٍ منكَ أو حذرِ

أين الظُّبى والقنا ممـا خصصت به

لولا سـهامٌ أراشتـها يدُ القدرِ

أما رأى الدَّهرُ إذ وافـاك مقتنصا
ج
بأنَّ طائــرَهُ لــولاك لم يَطُرِ

واصفقـةَ الدِّينِ لم تَنْفُقْ بضاعَتُهُ

في كربــلاءَ ولم يربح سوى الضررِ

وأصبحتْ عرصاتُ الكتبِ دارسةً

كأنـها الشجر الخالي من الثـــمرِ

يا دهــرُ حسبُكَ ما أبدَيتَ مِن غِيـــَرٍ

أين الأسودُ أسودُ الله من مُـــضَرِ؟

أمسى الهدى والندى يستصرخان بهم

والقومُ لم يصبحـوا إلا على سفرِ

شمائِـلٌ إنْ بكتْـهَا كـلُّ مكرمةٍ

فحُقَّ للروض أن يبكـي على المـطرِ

رزء إذا اعتـبرتْهُ الشمسُ فانكسفتْ

فمثلُه العِبرةُ الكبرى لمعتبرِ

وإن بكى القمرُ الأعلى لِمَصرَعِهِ

فما بكى قمرٌ إلا علــى قمرِ

لا دُرَّ دُرُّكِ يــــــا وادي الطفــوفِ أَمَـا

راعيتَ أحمدَ أو أوقـات منتظـرِ؟

كـم من قلائدِ مجدٍ للنبي عَدَا

من آلِ صخرٍ عليها ناقضُ المِــرَرِ

وكيف أنسـى لهم فيها أَصَيْبيَـةً

بباتراتِ الصَّدى مبتـــورةَ العُمُـرِ

ما للمواضـي الظَّـــوامي منهم رويت
ج
فليتَ ريَّ ظماها كانَ من سقرِ

وما على السُّمرِ لو كفت أسنتها

عن أكرمِ الخلقِ من بيضٍ ومن سمرِ

يا ابن النبيين ما للعلم من وطن

إلا لديك وما للحلمِ من وطرِ

إنْ يقتلوك فـلا عن فقدِ معرفـةٍ

الشمسُ معروفةٌ بالعينِ والأثرِ

لـم يطلبوك بثأرٍ أنت صاحبُهُ

ثأر لعمـرك لولا الله لم يثُرِ

ولم يُصبكَ سِوى سهمِ الأُلـى غدروا

كجائرِ البيض لولا الكـفُّ لم يَجُـرِ

يا دهرُ مالك تُقذِي كـلَّ راتقـةٍ

وتنزلُ القمرَ الأعلى إلـى الحُفَرِ؟

جررتَ آلَ علـــيٍّ بالقيودِ فـهل

للقومِ عــندك ذنبٌ غير مغتفر؟

تركـت كـــــــــلَّ أبــيٍّ من أسودِهم

فريسةً بــين ناب الكلبِ والظـفرِ

ما للمكارمِ قد حلـتْ قلائــدُها

فانحطَ مُنـحدرٍ فـي إثرِ مُنحدرِ؟

وما لحاليـة الــوُفَّاِد عاطلةٌ

تبكي على البحرِ لا تبكي على الـدُّررِ

أما تـــرى علمَ الإسلامِ بعدهم

والكفرُ ما بين مطــويٍّ ومنتشرِ

أيُّ المحاجرِ لا تبكي عليك دما

أبكيتَ واللهِ حتى مِحْجَـرِ الحَجَرِ؟

أنظــرْ إلى هادياتِ العلمِ حائــرةً

والصحفُ محشُوّةُ الأحشاءِ بالفكــرِ

وامسـحْ بكفك عينَ الـدِّينِ إنَّ لها

من المدامع ما يلهي عن النظر

لم أنسَ مِنْ عِـــــتْرةِ الهادي جحاجحـةً

يُسقونَ من كدرٍ يُكسونَ من عَـفَرِ

قد غيّــــــــــــــــــــرَ الطعنُّ منهم كــــــــلَّ جارحةٍ

إلا المكارمَ في أمنٍ من الغِيَرِ

هـــــم الأشـاوسُ تمضي كلُّ آونةٍ

وذُكرهم غُرةٌ في جبهةِ السِّيَرِ

مضتْ نفوسٌ وأيمُ اللهِ ما وُجِدتْ

أظفارَ أيدي الرَّدى إلا منَ الظَّفَرِ

أفدي الضراغمَ ملقاةً علــى كُثُبٍ

ومنـظرُ اليأسِ منها قاتلُ النظـرِ

مَنْ ذاكرٌ لبناتِ المصطفى مُقَلاً

قد وكلتـها يدُ الضراءِ بالسهرِ؟

وكيـــــــــــف أسلو لآل الله أفئدةً

يُعارُ منها جناحُ الطائِرِ الذَّعرِ؟

هذي نجائبُ للهادي تُقلِّصُـها

أيدي نجائبَ من بدُوٍ ومن حَضَرِ

وهذه حرماتُ الله تهتكـها
ج
خُـزُرُ الحواجبِ هتكَ النُّوب والخَزَرِ

لهفـي لرأسك والخَطَّارُ يرفعه

قسرا فَيَطرِقُ رأسَ المجدِ والخطرِ

من المعـزي نبي الله في ملأ

كانوا بمنزلـةِ الأرواحِ للصُـوُرِ؟

إن يتركوا حضرةَ السفلى فانَّهمُ

من حضرةِ الملكِ الأَعلى على سُـرَرِ

وإن أبَـــوا لذَّةَ الأُولـى مكدَّرةً

فقد صفتْ لهمُ الأُخرى من الكدرِ

أنَّى تُصاب مرامي الخير بعدهمُ

والقوسُ خاليةٌ من ذلك الوتر

بنــي أمية إن ثارت كلابـكُم
جج
فإنَّ للـثأر ليثا من بني مُضرِ

سيفٌ منَ الله لم تُفْلَلْ مَضَارِبُـهُ
ج
يــبري الذي هو من دين الإله بري

كم حـــرةٍ هتكت فيكم لفاطمــــــةٍ

وكــم دمٍ عندكم للمصطفى هدرِ؟

أيــن المفرُّ بني سفيان من أَسدٍ

لو صاحَ بالفَلَكِ الدَّوارِ لم يَـدُرِ؟

مؤيدُ العزِّ يُستسقى الرَّشـادُ بِــهِ

أنواءَ عزٍّ بلطــفِ الله مُنْهَـمِرِ

وينزِلُ المـلأُ الأعلى لخدمـتِهِ

موصولةٌ زمرُ الأمـلاكِ بالزُّمُـرِ

يا غايــةَ الدِّيـنِ والدُّنيا وبَدءهما
ج
وعصمـةُ النَّفَرِ العاصينَ مِنْ سَقَرِ

ليستْ مُصِيْبَتَكُم هذي التـي وردت
ج
كدراءَ أوَّلُ مشروبٍ لـكُمْ كَدِرِ

لقد صبرتُم علــى أمثالِـها كرماً

والله غيرُ مُضيعٍ أَجرَ مُصْطَـبَرِ

فهاكُــمُ يا غياثَ اللهِ مرثيةً

من عبدِ عبدِكُم المعـروفُ بالأُزري

يرجـو الإغاثةَ منكم يوم محشره

وأنتم خيرُ مذخورٌ لمدَّخَـرِ

سمـيُّ كاظِمكُمْ أهدى لكم مدحا
ج
أصفى من الدُّرِ بل أنقى مِنَ الدُّرَرِ

حُيِّيتُمُ بصلاةِ الله ما حَيِيَتْ

بِذِكرِكُمْ صفحاتُ الصُّحْفِ والزُّبُرِ

المحور الأول:البناء الخارجي للقصيدة (هيكلية القصيدة)

1ـ مطلع القصيدة:

     يعد المطلع جزءا مهما في القصيدة، فهو الباب الذي نلج من خلاله إلى عالم القصيدة، لذلك كان على الشعراء أن يحسنوا ابوابهم، ليجذبوا المتلقي ويجعلوه متلهفا لمعرفة ما يكمن خلف هذه الأبواب.

     وقد أجاد الشاعر في مطلع قصيدته، وذلك من خلال مناسبته لغرض القصيدة، فقد نادى بضرورة ترك التكلم عن معاني الحب والتغزل بالمحبوب، وترك الوقوف على الأطلال، لأن الشاعر في معرض الحديث عن أناس تفردوا بامتلاكهم لناصية الكرم والجود والشجاعة، فيقول:

هيَ المعاهدُ أبلتها يدُ الغِـيَرِ

وصارمُ الدَّهرِ لا ينفكُ ذا أَثَرٍ

يا سعدُ دعْ عنك دعوى الحبِ ناحيةً

وخلِّـني وسؤالَ الأَرْسُمِ الدُّثُرِ

أيـن الأُلى كان إشراقُ الزمانِ بهم

إشراقَ ناصيةِ الآكامِ بالزُّهُرِ؟

جارَ الزمانُ عليهم غـيرَ مكـترثٍ

وأيُّ حُــرٍّ عليه الدَّهْرُ لم يَجُرِ؟

فكمْ تلاعـبَ بالأمجـادِ حادثُه

كـما تلاعبتِ الغلمانُ بالأُكُرِ؟

لا حبذا فلِكٌ دارتْ دوائِرُهُ

على الكرامِ فلم تَتْرُك ولم تَذُرِ

وإنْ يـــنلْ مــنكَ مقـدارٌ فلا عَجــبٌ

هل ابنُ آدم إلا عُرضَـةُ الخطرِ؟

     فهذه المقدمة بمثابة التمهيد للحديث عن مناقب المرثي وهو الإمام الحسين (عليه السلام)، ونلحظ أن الشاعر يؤكد الحديث عن الزمن الذي جار على أشرف خلق الله تعالى.

  2ـ حسن التخلص :

     وبعد أن ذكر ما فعل الزمان بالأحبة، ينتقل الشاعر إلى الجزء الأهم من المقدمة وهو الدخول في عالم الرثاء، إذ كان لابد له من أن يودع مقدمته ببيت يفصل فيه بين الجزأين، والذي يسمى بحسن التخلص، وبما أن الشاعر في معرض نصح الإنسان بأخذ الحيطة والحذر من غدر الزمان، كان لابد له من أن يستشهد بأناس قد طالتهم يد الغدر والخيانة، وهم آل بيت الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فيقول:

8_ وكيـف تأمـــنُ من مكرِ الزمانِ يـــدٌ

خــانت بآلِ علـــيٍّ خـيرةِ الخيرِ؟

3ـ غرض القصيدة

   وبعد هذا البيت يسترسل الشاعر في الحديث عن شجاعة وبسالة آل البيت (عليهم السلام) تارة وحقد بني أمية وشراستهم تارة أخرى، ولولا القدر الذي خطه لهم الله _سبحانه وتعالى_؛ ليكونوا شهداء في عليين، ويكونوا قدوة للناس في العصور كافة، لاستطاعوا ان يغلبوهم في ساحة المعركة ويزيحوا بني امية من الملك ليعتلوه هم، وينشروا العدل والاسلام في أرجاء المعمورة، فيقول:

13ـ يسطـــــو بمثلِ هلالٍ منه بـدرُ دجـىً

في جنحِ ليلٍ من الهيــجاءِ مُعْتَكــَرِ

14ـ هُمُ الأُسُودُ ولكنَّ الوغى أَجَمٌ
ج
ولا مخالبُ غـيرَ البيضِ والسُّــمُرِ

15ـ ثاروا فلولا قَـضاءُ اللهِ يُمسِكُــهُمْ

لـم يَتركُوا لأبي سفيان منْ أثـرِ

    ويستمر في الحديث عن شجاعة الإمام (عليه السلام) والذي ثار بعد أن شاهد الدين الإسلامي ينحرف بأيدي بني أمية، فلم يصبر ولم يتوان عن نصرة الدين، فاخذته الحمية وخاض الحرب بمفرده بعد أن استشهد النفر الذين كانوا معه رضوان الله عليهم أجمعين. إلى أن يصل إلى البيت الثامن والثلاثين الذي يقول فيه:

38_ حـتى دعتك من الأقدار داعيـةٌ

إلى جِـوارِ عزيزِ الملكِ مقتدرِ

     فهذا البيت يعد المدخل الذي دخل الشاعر منه إلى أجواء الحزن والبكاء والعويل، فبعد الحديث عن شجاعة الإمام _عليه السلام_ في ساحة الوغى وكيف كانت المنايا تساق إليه، وتقف بين يديه مطيعة لأمره، يصدم المتلقي بخبر إستشهاده صلوات الله وسلامه عليه، وبعدها يشير إلى سرعة إستجابته _عليه السلام_ إلى أمر الله تعالى فيقول:

39ـ فكنت أســرعَ من لبى لدعوته

حاشــاك من فشلٍ عنــها ومن خُوَرِ

     وبعدأبيات عدة يشير إلى عظم المصيبة التي حلت على الدين الإسلامي بفقد إبن بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونجد هذا المعنى في قوله:

47ـ واصفقـةَ الدِّينِ لم تَنْفُقْ بضاعَتُهُ

في كربـلاءَ ولم يربح ســــوى الضرر

48ـ وأصبحـتْ عرصاتُ الكتبِ دارسةً

كأنـها الشجر الخالي من الثــمر

     ومن ثم يدخل إلى أجواء البكاء والنحيب والعويل على فقدان سيد شباب أهل الجنة _عليه السلام_، ومعاتبة الدهر :

49ـ يا دهـرُ حسبُكَ ما أبدَيتَ مِن غِيــــَرٍ

أين الأســـودُ أسودُ الله من مُـــضرِ؟

50ـ أمسى الهـدى والندى يستصرخان بهم

والقومُ لم يصبحـوا إلا على ســـفر

    ويستمر معاتبا السيوف والرماح؛ لأنها خذلت الإمام _عليه السلام_ ولم تنصره، إلى البيت السادس والسبعين.

    ونلحظ أن الشاعر في هذا الجزء يصيغ الحكم والأمثال كقوله:

16ـ أبدوا وقائعَ تُنسي ذِكرَ غَـيرِهُمُ

والوخــزُّ بالسُّمرِ يُنسي الوخزَ بالإبرِ

وقوله أيضا:

35ـ صالـوا وصلتَ ولكــنْ أين منك هم

النَّقشُ في الرَّملِ غيرُ النَّقشِ في الحَـجَرِ

وقوله:

42ـ قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها

كالحمدِ لم تُغنِ عنها سائرُ السور

    ومن ثم ينتقل إلى ذكر واقعة السبي وهتك حرمات الله _تعالى_، ورفع الرؤوس الشريفة فوق الرماح، إذ يقول:

77ـ مَن ذاكرٍ لبناتِ المصطفى مُقَـلاً

قد وكلتــها يدُ الضراءِ بالسهرِ؟

78ـ وكيـف أسلـو لآل الله أفئــدةً

يُعارُ منــها جناحُ الطائِرِ الذَّعرِ؟

79ـ هذي نجائبُ للهادي تُقلِّصُها

أيدي نجائبَ من بدُوٍ ومن حَضَرِ

80ـ وهذه حرمـاتُ الله تهتكـها

خُـــزُرُ الحواجبِ هتكَ النُّوب والخَزَرِ

81ـ لهفـي لرأسك والخَطَّارُ يرفعه

قسرا فَيَطرِقُ رأسَ المجدِ والخــطرِ

     وبعدها يدخل إلى تعزية الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم):

82ـ من المعـزي نبي الله في ملأ

كانوا بمنزلـةِ الأرواحِ للصُــوُرِ؟

    ويشير إلى المنزلة التي خصها لهم الله تعالى فهم تركوا الدنيا؛ ليكونوا بجوار الله العزيز الكريم، ويذكر ظهور الإمام المهدي (عجل الله_تعالى_ فرجه الشريف):

89ـ أيــن المفرُّ بني سفــيان من أَسدٍ
 
لو صاحَ بالفَلَكِ الـدَّوارِ لم يَـدُرِ؟

90ـ مؤيدُ العزِّ يُستسقى الرَّشادُ بِــهِ
 
أنواءَ عزٍّ بلطـفِ الله مُنْهَــمِرِ

91ـ وينزِلُ الملأُ الأعلـى لخدمـــتِهِ

موصولةٌ زمرُ الأملاكِ بالزُّمُـرِ

ويستمر في التعزية إلى أن يقول:

93ـ ليستْ مُصِيْبَتَكُم هذي التـي وردت

كدراءَ أوَّلُ مشروبٍ لــكُمْ كَـدِرِ

94ـ لقد صبرتُم علـى أمثالِــها كرماً
 
والله غيرُ مُضيعٍ أَجـرَ مُصْطَــبَرِ

    فهذه المصيبة ليست الأولى التي يمتحن فيها آل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) فقبلها كانت مصيبة الزهراء _عليها السلام_، ومصاب الإمام علي عليه السلام.

   وبهذين البيتين يكون الشاعر قد خلص من غرضه الأساس وهو الرثاء.

4ـ الخاتمة

       بما أن الخاتمة هي قاعدة القصيدة وآخر ما يبقى في الأسماع، فلابد أن تكون أبياتها محكمة تشعر السامع بانتهاء القصيدة، ولا يمكن أن نأتي بأبيات تكون أحسن منها، فمثلما كان المطلع مفتاحا للقصيدة، ينبغي أن تكون الخاتمة قفلا لها (القيرواني، 1981م)،  ولابد للشاعر المجيد أن يأتي بخاتمة تناسب الغرض، لذلك اختار شاعرنا موضوعي الفخر بالشاعرية، والدعاء من خلال إرسال التحية والصلاة لآل البيت _عليهم أفضل الصلاة والسلام_ ، وطلب المغفرة والشفاعة إذ يقول:

95ـ فهاكُـمُ يا غياثَ اللهِ مرثيـةً

من عبدِ عبدِكُم المعــروفُ بالأُزري

96ـ يرجــو الإغاثةَ منكم يوم محشره

وأنتم خيرُ مذخــورٌ لمدَّخَـرِ

97ـ سمـيُّ كاظِمكُمْ أهدى لكم مدحا

أصفـى من الدُّرِ بل أنقى مِنَ الــدُّرَرِ

98ـ حُيِّيتُمُ بصلاةِ الله مـا حَيِيَتْ

بِذِكرِكُمْ صفحاتُ الصُّحْفِ والزُّبُرِ

       وهو كبقية الشعراء في هذا الموضوع وفي المديح النبوي، يلجأ الى ذكر لقبه (الأزري) واسمه(كاظم) في خاتمة القصيدة، ليؤكد أنها صادرة منه، وأيضا يشعر المتلقي أن آل البيت عليهم السلام حاضرون يسمعون نظمه الذي حاول فيه نصرهم عليهم الصلاة والسلام، وإيصال مصابهم للناس بصورة مؤثرة .

المحور الثاني: البناء التركيبي للقصيدة:

       يعد التركيب ((العمدة العظمى والقانون الأكبر في حسن المعاني وعظم شأنها وفخامة أمرها))  (يحيى بن حمزة العلوي، 1914م) ، ويقول عبد القاهر الجرجاني في حديثه عن نظرية النظم:((ليس النظم سوى تعليق الكلم بعضها ببعض، وجعل بعضها بسبب من بعض))  (الجرجاني، 1976م) .

      وعندما نتحدث عن التركيب لابد لنا من أن ندرس طبيعة الجمل المستعملة في القصيدة، فالقارئ لهذه القصيدة يجد طغيان الجملة الفعلية على الجملة الإسمية، فقد استعمل أكثر من مئة وخمسة عشر فعلا، من مجموع ثمانية وتسعين بيتا.

     والجمل الفعلية تدل على الحركة، وعدم الثبات أو بمعنى انها تدل على تجدد الحزن والحنين في نفس الشاعر والمتلقي، وهذا واضح من خلود الثورة الحسينية وبقائها في ذاكرة التأريخ من وقت حدوثها إلى وقتنا الراهن.

    أما الجمل الإسمية المستعملة فتدل على الثبوت والإستقرار، وبما أن الشاعر يلح من بداية القصيدة إلى آخرها على تأكيد صفتي الشجاعة والكرم الموجودتين في آل البيت _عليهم أفضل الصلاة والسلام_، فالشاعر أراد إخبار المتلقي بثبوت واستقرار هذه الصفات فيهم لا في غيرهم.

     وإلى جانب الجمل لابد من التركيز على الأساليب الطلبية المستعملة في القصيدة، إذ استعمل الإستفهام والنداء، والأمر، ومما زاد من بلاغة هذه الأساليب استعمالها استعمالا مجازيا، كقوله:

2ـ يــا سعـدُ دعْ عنك دعوى الحبِ ناحـيةً
 
وخلِّـــني وسؤال الأَرْسُمِ الـــدُّثُرِ

3ـ أيـن الأُلـى كان إشراقُ الزمـانِ بهم

إشراقَ ناصـيةِ الآكـامِ بالــزُّهُرِ؟

4ـ جـارَ الزمــانُ عليهم غـــيرَ مكـترثٍ

وأيُّ حُــرٍّ علـيه الدَّهْرُ لم يَجُرِ؟

5ـ فكـمْ تلاعبَ بالأمجـادِ حادثُـــه

كـما تــلاعبتِ الغلمانُ بالأُكُرِ؟

6ـ لا حبذا فَـــلِكٌ دارتْ دوائِـرُهُ

على الكـرامِ فلم تَتْــــرُك ولم تَذُرِ

7ـ وإنْ يــنلْ مــنكَ مقـدارٌ فـلا عَجــبٌ

هل ابنُ آدمَ إلا عُرضَـةُ الخطرِ؟

    نلحظ ان الشاعر أجاد في استعماله لأساليب الطلب المتمثلة بالإستفهام والنداء والأمر، وقد خرج الإستفهام إلى معاني عدة وهي التعظيم كما في البيت رقم (3) والنفي المتمثل في البيت (4) والتكثير كما في البيت رقم (5) والتحسر كما في البيت (7)، أما أسلوبي النداء والأمر فقد خرجا إلى معنى الإلتماس. والإجادة في استعماله لهذه الأساليب تكمن في مجيئها في مقدمة القصيدة، ((من حيث أن الطلب أحد الوسائل اللغوية التي تعتمد على خبرة الشاعر باللغة ومجال استخدام الأساليب؛ لتكون أكثر فائدة في طرح المعاني)) (جبار، 1986م).

     ويقول:

35ـ صالــوا وصلتَ ولكنْ أين منك هم

النَّقشُ في الرَّملِ غيرُ النَّقشِ في الحَـجَرِ

36ـ يا من تُساقُ المنايا طــوعَ راحتِـــهِ

موقوفـةً بين أمريه خذي وذري

    وهنا خرج كل من الاستفهام والنداء والأمر إلى معنى التعظيم.

    وفي قوله:

63ـ يا دهرُ مالك تُقذِي كـلَّ راتقـةٍ

وتنزلُ القمرَ الأعلى إلــى الحُفَرِ؟

64ـ جررتَ آلَ عليٍّ بالقيودِ فـهل

للقومِ عـندك ذنبٌ غير مغتفر؟

    تكمن بلاغة كل من الاستفهام والنداء في هذين البيتين في المعنى المعبر بهما وهو التوبيخ والتقريع.

المحور الثالث: البناء التصويري

     تحدثنا في المحور السابق عن البناء التركيبي لقصيدة الأزري، وفي هذا المحور سندرس الصورة الشعرية التي تتحد كليا مع اللغة والتراكيب فهي : ((الشكل الفني الذي تتخذه الألفاظ والعبارات بعد أن ينظمها الشاعر في سياق بياني خاص؛ ليعبر عن جانب من جوانب التجربة الشعرية الكاملة في القصيدة، مستخدما طاقات اللغة وامكاناتها في الدلالة)) (القط، 1978م) . وتتشكل الصورة الشعرية من وسائل عدة نذكر منها: التشبيه والاستعارة والكناية والتضاد.

    ويعد التشبيه من أهم الوسائل البيانية المستعملة في القصيدة، وكثيرا ما يستعمل التشبيه المرسل المعتمد على ذكر أداة التشبيه، كقوله مبينا شجاعة الإمام عليه السلام في يوم الطف:

23ـ كـم طعنـةٍ تتلـظى منْ أنامِلِهِ

كالبـرقِ يقدحُ من عودِ الحَيا النضرِ

24ـ وضربــةٍ تتجلـى من بوارِقِهِ

كالشمسِ طالعةً من صفحتـي نهرِ

25ـ كـأنَّ كلَّ دِلاصٍ منهم بــردٌ

يرمى بجمرٍ من الهندي مستـعرِ

     رسم الشاعر عن طريق تقنية التشبيه صورة لونية فطعنة وضربة الإمام عليه السلام تشعان كالبرق وكالشمس التي تطلع من صفحتي نهر، وكالجمر الخارج من الهندي وهو أحدُّ السيوف ، فالشاعر اختار اللون المتوهج الذي يشمل اللون الأصفر المحمر وهو لون مرتبط بالشجاعة والانتصار، كذلك هو من الألوان التي تجذب الإنتباه وهذا الاستعمال عمق من دلالة التشبيه .

ويقول:

42ـ قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها

كالحمـدِ لم تُغنِ عنها سائرُ السور

      فالتشبيه التمثيلي في هذا البيت بين مكانة وعظمة الإمام الحسين (عليه السلام) الذي لا يوجد له مثيل في مشارق الأرض ومغاربها يمكن أن ينوب عنه، كسورة الحمد التي لها ما لها من الفضل العظيم ما لا يتواجد في السور الأخرى.

      وإذا ما انتقلنا إلى الإستعارة لوجدناها في مواضع عدة من القصيدة، كقوله:

30_ وأقبلَ النصرُ يسعى نحـوه عجِـلا

مسعى غُلامٍ إلى مولاهُ مُبتــدرِ

31ـ فأصدرَ النصرُ لم يطمعْ بِمَـــورِدِهِ

وعاد حيرانُ بين الـوِرْدِ والصَّـدرِ

     مزج الشاعر فن الإستعارة بفن التشبيه عندما شبه إقبال النصر نحو الإمام (عليه السلام) كإقبال الغلام إلى مولاه؛ للدلالة على سرعة تحقيق النصر، ويزيد الشاعر من بلاغة هذه الاستعارة عندما يشبعها باستعارة مكنية أخرى، عندما يقول (فأصدر النصر) والاستعارة هنا هي استعارة مكنية تشخيصية، إذ نسب إلى النصر أفعال إنسانية كالإقبال والحيرة، ومما زاد من بلاغة هذه الإستعارة استعماله لفن العكس والتبديل، فالشاعر ذكر لفظة أصدر، وبعدها لفظة مورده في صدر البيت، وبعدها عكس ترتيب اللفظتين في عجزه فذكر الورد وبعدها الصدر، لينتج معنى مغايرا للترتيب الأول .

     ويقول أيضا:

50ـ أمسى الهدى والندى يستصرخان بهم

والقومُ لم يصبحـوا إلا على ســـفر

51ـ شمائِـلٌ إنْ بكتْــهَا كـلُّ مكرمةٍ

فحُقَّ للروض أن يبكي على المـطر

     فالشاعر أراد تبيان عظمة المصيبة التي حلت على الأمة الإسلامية، باستشهاد ابن بنت نبيها _صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين_، فلم يجد أبلغ من الإستعارة المكنية للتعبير عن هذه الفاجعة، فقد أضفى إلى صفتي الهدى والندى الصراخ والعويل، وإلى المكارم البكاء، وهي من الصفات الإنسانية، وهذا التعبير يكون أبلغ وأوجع في نفس المتلقي.

    أما في قوله:

56ـ وكيف أنسى لهم فيها أَصَيْبيَـةً

بباتراتِ الصَّدى مبتـــورةَ العُمُرِ

57ـ ما للمواضـي الظَّـوامي منهم رويت

فليتَ ريَّ ظـماها كانَ من سقرِ

    فقد استعمل أسلوبين من أساليب البيان وهما الإستعارة والكناية، فالاستعارة في قوله (باترات الصدى) فالباترات هي السيوف والصدى العطش، وهذه قمة القسوة في التعبير، وبخاصة أنه أعاد هذه الإستعارة في البيت الثاني، أما الكناية فتمثلت في قوله (مبتورة العمر) كناية عن صغر هؤلاء الصبية الذين قتلتهم سيوف العطش.

    وهكذا كانت الاستعارة المكنية أكثر استعمالا في هذه القصيدة من بقية أنواع الاستعارات، وقد أحسن الشاعر في اختياره هذا، لأن الاستعارة المكنية تجعل اللغة الشعرية تتفجر بالدلالات وتجعل الخيال خصبا إلى جانب العمق الشعوري والتأثير النفسي  (الشكري، 2000) .

     وفي قوله:

85ـ أنَّى تُصاب مـرامي الخير بعدهمُ

والقوسُ خاليـةٌ من ذلك الوتر

     استعان الشاعر بفن الكناية في عجز هذا البيت؛ للدلالة على انعدم الخير بعد استشهاد الإمام الحسين _عليه السلام_، وأهل بيته وأصحابه سلام الله عليهم أجمعين.

       وإذا ما استمعنا لقوله:

21ـ فــــــقام يجمعُ شملا غيرَ مجتـمعٍ

منها ويجبر كسـرا غيرَ منجبرِ

          إذ بين مساعي الإمام _عليه السلام_ لتقويم ما اعوج من أمور الدين الإسلامي، فلم يجد أبلغ من أسلوب التضاد المتمثل في (يجمع   غير مجتمع، يجبر غير منجبر)؛ للتعبير عن هذا المعنى.

    وقوله في موضع آخر:

66ـ ما للمكارمِ قد حلـتْ قلائــدُها

فانحطَ مُنحدرٍ فـي إثرِ مُنحدرِ؟

 
67ـ وما لحاليـة الــوُفَّاِد عاطلةً

تبكي على البحرِ لا تبكي على الدُّررِ

  كان لأسلوب التضاد أثره الواضح في التعبير عن انعدام المكارم والشمائل باستشهاد الإمام عليه السلام، فالحالية ضد العاطلة، وتبكي ضد لايبكي.

     وفي قوله:

83ـ إن يتركوا حضرةَ السفلى فانَّهمُ

من حضرةِ الملكِ الأَعلى على سُــــرَرِ

84ـ وإن أبَـــوا لذَّةَ الأُولــى مكدَّرةً

فقـد صفتْ لهمُ الأُخرى من الكدرِ

      إستعمل الأزري فني التضاد في قوله (السفلى والأعلى)، والمقابلة في قوله (الأولى مكدرة والأخرى صفت من الكدر) وقد حمل هذان الأسلوبان نظرة تفاؤلية، لم نجدها في النصين السابقين، فكأن الشاعر أراد تعزية النفس بإحلال أهل البيت (عليهم السلام) بموضع أجمل بكثير من الدنيا ومن فيها، فهم أصبحوا في ضيافة الله _سبحانه وتعالى_.

     ومن النماذج أعلاه نلحظ أن الشاعر أكثر من استعماله لفن التضاد؛ كونه يعمل على إثارة مشاعر تتصل بالصورة العامة للموقف (عيد، د.ت) .

المحور الرابع: البناء الموسيقي

     سنخصص في هذا المحور الحديث عن البناء الايقاعي ودوره في تشكيل الدلالات الخادمة لغرض القصيدة، فالإيقاع وسيلة مهمة يستعملها ((الشعراء للإبانة عن فكرهم وانفعالاتهم)) (النويهي، د.ت).

     ويتشكل الإيقاع من مستويين، الأول خارجي والمتمثل بالوزن والقافية، والداخلي والذي يتكون عادة من استعمال الأساليب البديعية اللفظية.

     الإيقاع الخارجي:

     نظمت هذه القصيدة على بحر البسيط التام، وبحر البسيط من البحور المركبة المتكونة من تفعيلتين الأولى طويلة والمتمثلة بـ(مستفعلن) والأخرى قصيرة وصيغتها (فاعلن). وهو يلائم مختلف الأغراض الشعرية؛ كونه ذا طبيعة متناقضة (النويهي، د.ت)، فهو يجمع مثلما قلنا بين التفعيلة الطويلة التي تنماز ببطئها في النطق، والتفعيلة القصيرة التي تؤدي إلى السرعة في التعبير.

     والسؤال هل الوزن له علاقة بموضوع القصيدة؟

      اختلف النقاد في الإجابة عن هذا السؤال فمنهم من يذهب إلى عدم وجود أي رابط بين الموضوع ووزن القصيدة، ومنهم من أشار إلى تأكيد هذه العلاقة.

    ونحن نقول أن القصيدة بحد ذاتها هي عبارة عن إيحاءات وانفعالات تحتاج إلى وزن يوافقها ويزيد من إنفعالاتها.

     وقد نجح الشاعر في اختيار الوزن المناسب لغرض الرثاء، فكلا التفعيلتين الناظمتين لهذا الوزن لها دلالتها الخاصة، فمستفعلن على وزن اسم فاعل من استفعل أي طلب حصول شيء ما، وتفعيلة فاعلن على وزن إسم فاعل وهو حدوث شيء ما، وبما اننا في موضع الرثاء فالشاعر استبكى عينه في التفعيلة الأولى(أي طلب حدوث فعل البكاء) ومن ثم بكى في التفعيلة الثانية (أخداري، 2005)، ويجدر بنا الإشارة إلى أن معظم القصائد التي قيلت في رثاء الإمام الحسين_عليه السلام_ لدى الشاعر على وزن البسيط.

      والقراءة المتأنية لهذه القصيدة تجعل المتلقي يلحظ بعض التغييرات في نبرات تفعيلات هذا البحر، وهذا التغير ناجم عن طريقة استعمال التفعيلات، فالشاعر لم يستعمل التفعيلات التامة بل زاوج بينها وبين التفعيلات التي طالتها الزحافات والعلل؛ وهذا الأمر شيء طبيعي يلتزم به الشعراء كلهم؛ لأن هذا التنوع يؤدي إلى تخفيف سطوة ترديد التفعيلات ذاتها من أول القصيدة إلى آخرها (راضي، 1968م).

     وعلى الرغم من امتلاك هذا البحر لرصيد لا بأس به من الزحافات والعلل إلا أن شاعرنا إكتفى بزحاف الخبن، وهو حذف الحرف الثاني من تفعيلتي (مستفعلن) فتصبح (متفعلن) وتفعيلة (فاعلن) لتصبح (فعلن)، فضلا عن استعماله في الأعاريض والأضرب؛ وربما كان مرد ذلك إلى كون الخبن((سائغ مستحسن بل هو أجمل جرسا من بقية الزحافات التي تصيب البسيط)) (راضي، 1968م) .

  القافية

     تعد القافية ((شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر)) (القيرواني، 1981م) ، لذلك كان لابد للشاعر ان يختار القافية التي تخدم الغرض مثلما فعل مع الوزن،لذلك فالشاعر استعان بحرف الراء ليكون رويا لقصيدته هذه، وهذا الحرف يحمل صفة التكرار؛ لانه ((صوت لثوي، مجهور، مكرر، فهو ينطق بقرع اللسان قرعات متكررة، فوق مغارز الثنايا بقليل، وهو يجمع بين الشدة والرخاوة، … وقد نطقه العرب مفخما ومرققا)) (بدوي، د.ت).

    وقد اختار الكسرة حركة لها؛ ليؤكد صفة الإنكسار والحزن الجاثمين على صدر كل من الشاعر والمتلقي. وسنفصل الحديث عن دور هذا الحرف في انتاج الدلالة الشعرية عند الحديث عن تكرار الأصوات.

الإيقاع الداخلي:      

     إن كلا من الإيقاع الخارجي والدخلي يكمل بعضهما البعض، إذ إن الوزن والقافية ليسا((كل موسيقى الشعر، فللشعر ألوان من الموسيقى تعرض في حشوه، وشأن موسيقى الإطار تحتضن موسيقى الحشو في الشعر شأن النغمة الواحدة تؤلف فيها الألحان المختلفة في الموسيقى والغناء)) (الطرابلسي، 1981م) ، وقد اعتمد الشاعر على وسائل بلاغية عدة؛ تجمعها صفة واحدة وهي تشكيلها عن طريق التكرار، لذلك سنتناول التكرار من حيث إنه يشمل بعض الأساليب اللفظية المتحققة عن طريق تكرار الكلمات ذات الحروف المتشابهة، كالتجنيس والتصدير، فضلا عن تكرار الصوت والكلمات والعبارات .

التكرار:

     يعد التكرار من الظواهر الفنية التي تثري النص دلاليا من جهة، ومن جهة أخرى تعكس انفعالات منتج النص، فالشاعر يكرر كل ما يجذب عنايته ويثير انتباهه، لذلك عد التكرار تقنية مهمة لتحقيق الموسيقى، وهي ((أقوى وسائل الإيحاء، وأقرب إلى الدلالات اللغوية النفسية في سيولة أنغامها)) (الحمداني، 1989) .

    ونظرة واحدة لهذه القصيدة نجدها  تعج بالتكرار بكل أنواعه، وهي :

1_ تكرار الحرف:

        إن تكرار الحرف لا يقل أهمية عن بقية أنواع التكرارات في التعبير عن الفكرة المراد الإفصاح عنها، والشاعر يستعين بدافع شعوري، ليعزز موسيقى النص في محاولة منه لمحاكاة الحدث الذي يتناوله، أو قد يأتي تكرار الحرف عفويا من دن قصد (خضير، 1982م).

       استعمل الشاعر في رائيته الأصوات ذات صفة الجهر والتي تتمثل في (ب، ج، د، ذ، ر، ز، ع، غ،ل،م، ن) فضلا عن أصوات الحركات الثلاث وهي الفتحة والكسرة والضمة ، إلى جانب أصوات الهمس وهي (ت، ث، ح، خ، س، ش، ص، ط، ف، ق، ك، هـ). لكن نلحظ ان الشاعر بدأ أول حرف من قصيدته بحرف مهموس وهو (الهاء) في قوله: (هي) فكأنه يهمس في أذن المتلقي، فيقول :

  وصارمُ الدَّهرِ لا ينفكُ ذا أَثَرٍ

     إذ كرر حرف الهاء ثلاث مرات، فضلا عن تعاضد التاء والصاد والكاف، مما أحدث ترنيما موسيقيا مموسقا، ترتاح إليه نفس المتلقي وتحمله على متابعة قراءة القصيدة .

         ونلحظ أن قافية الراء قد ألقت بظلالها على كلمات القصيدة، ومثلما قلنا سابقا أن هذا الحرف ينماز بصفة التكرار، وبعضهم من ذهب إلى وصفه (بالإيغال والإلحاح) (البشير، 1990) فالشاعر يلح على إيصال التجربة القاسية التي مر بها الإمام الحسين _عليه السلام_، فضلا عن ان هذا الجرس((بمواصفاته الصوتية لا يصدر إلا عن نفس تصارع في داخلها نقيضان: الثورة المتمردة على الواقع المـأساوي، والمشوبة بإحساس الذات بأنها مقهورة مغلوبة على أمرها)) (البشير، 1990) وهذا ينطبق على القضية التي يتناولها الشاعر. ففي مطلع القصيدة كرر الشاعر هذا الحرف أربع مرات، وكذلك في قوله:

4ـ جــــارَ الزمانُ عليهم غـــيرَ مكترثٍ

وأيُّ حُـرٍّ علـيه الدَّهْرُ لم يَجُرِ؟

     نلحظ أنه كرر حرف الراء ست مرات في هذا البيت.

     وقوله:

93_ ليستْ مُصِيْبَتَكُم هذي التـي وردت
ج
كدراءَ أوَّلُ مشروبٍ لـكُمْ كَدِرِ

94_ لقد صبرتُم علــى أمثالِـها كرماً

والله غيرُ مُضيعٍ أَجرَ مُصْطَـبَرِ

         إذ كرر الراء في هذين البيتين ثماني مرات .

ثانيا: تكرار الكلمة:

     لا شك أن تكرار الكلمة لهو دور كبير في توليد المعاني، وتنامي الأحداث، وهذا أمر ضروي لابد أن يتوافر في هذا النوع من التكرارات، إذ إن ((اللفظ المكرر ينبغي أن يكون وثيق الارتباط بالمعنى العام، واإلا كانت اللفظة متكلفة لا سبيل إلى قبوله)) (الملائكة، 1981م)، وعند دراستنا لهذا النوع من التكرار لابد لنا ان نتطرق إلى فنون بديعية تعتمد على تكرار الكلمة وفق هندسة بنائية تخدم المعنى، وتثري النص بموسيقى تؤثر في نفس المتلقي، لنستمع إليه قائلا:

79ـ هذي نجائبُ للهادي تُقلِّصُـها

أيدي نجائـبَ من بدُوٍ ومن حَضَرِ

80ـ وهذه حرمــاتُ الله تهتكـها

خُــزُرُ الحواجبِ هتكَ النُّوب والخَزَرِ

81ـ لهفي لرأسك والخَطَّارُ يرفعه

قسرا فَيَطرِقُ رأسَ المجدِ والخــطرِ

     فالشاعر كرر لفظة (هذه) مرتين عموديا، فضلا عن استعمال الجناس في قول (خُزُر)، (خَزَر) فالأولى تعني العبوس، والأخرى تعني جيل من الترك. اما البيت الثالث فقد استعان بتكرار الكلمة عن طريق فن التصدير وذلك في ورود لفظة (الخطار) وهو الرمح في صدر البيت، وإعادته في آخر العجز بصورة مغايرة عن طريق الجناس (الخطر).

     وفي قوله:

59ـ يا ابن النبيين ما للعلـم من وطن

إلا لديــك وما للحلمِ من وطرِ

60ـ إنْ يقتلوك فـلا عن فقدِ معرفةٍ

الشمسُ معروفةٌ بالعيـنِ والأثرِ

61ـ لـم يطلبوك بثأرٍ أنت صاحبُهُ

ثأر لعمرك لـولا الله لم يثُرِ

62ـ ولم يُصبكَ سِوى سهمِ الأُلى غدروا

كجائرِ البيض لولا الكـفُّ لم يَجُــرِ

     استعمل الشاعر في البيت الأول الجناس في قوله (العلم و الحلم) و (وطن ووطر)، وهذا النوع من الجناس يسمى بالجناس المضارع؛ لتقارب الأصوات المختلفة بين اللفظتين في النطق.

      وكذلك استعمل الشاعر تكرار كلمة ثأر ثلاث مرات في البيت الثالث فضلا عن تكرار أداة الجزم (لم) والشرط (لولا) وهذه كلها أسهمت في وحدة الأبيات وشد بعضها بالبعض الآخر.

    وكثيرا ما يستعين بتكرار الجناسات الاشتقاقية في نهاية الأبيات، كقوله (خيرة الخير، عبرة العبر، فخرا لمفتخر، سورة السور)، مما يسهم في رفد القافية عمقا موسيقيا موافقا للدلالة المنشودة .

     وفي قوله:

ما أنصفـتك الظُّبى يا شمسَ دارتِها

إذ قابلتكَ بوجـهٍ غـيرِ مُستترِ

ولا رعتك القنا يا ليثَ غابــتِها

إذ لم تذب لحـياءٍ منكَ أو حذرِ

أين الظُّبى والقنا ممـا خصصت به

لولا سـهامٌ أراشتـها يدُ القدرِ

     كرر لفظة القنا في البيت الثاني والثالث، فضلا عن تكرار اداة النداء (يا)، وإلى جانب هذا التكرار، استعان الشاعر بالتكرار الصرفي، إذ تتشابه الكلمات من حيث الوقع الموسيقي الناتج من تشابه الصيغة الصرفية، وهذا النوع يحدث إيقاعا مؤثرا في نفس المتلقي.

     وقد يلجأ إلى تكرار الجملة، كقوله:

53ـ وإن بكى القمرُ الأعلـــى لِمَصرَعِهِ

  فما بكى قمرٌ إلا علــى قمرِ

    إذ كرر الجملة الفعلية (بكى القمر) في شطري البيت، فضلا عن تكرار كلمة القمر، وجعلها في القافية؛ لتكون آخر ما تقرع أذن المتلقي، فيؤكد صفة السمو والعلو المتمثلة في شخص الإمام الحسين (عليه السلام).

الخاتمة

     إن من أبرز النتائج التي توصلنا إليها هي:

1ـ تعد هذه القصيدة من أبرز القصائد التي نظمت في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) سواء في عصر الشاعر، أو في ديوانه؛ وذلك لتناسب أجزاء القصيدة بعضها بالبعض الآخر، فجاءت القصيدة كلها من المقدمة حتى خاتمتها ككلمة واحدة من حيث الجودة في التعبير.

2ـ استعان الشاعر بالجمل الفعلية للتعبير عن سمة التجدد في الحزن والحنين الكامنين في صدر كل من الشاعر والمتلقي. فضلا عن استعانته بأساليب الطلب كالاستفهام والنداء والأمر.

3ـ استعمل الازري التشبيه المرسل والاستعارة المكنية والكناية، والتضاد لرسم معالم صوره الشعرية المعبرة عن غرض القصيدة.

4ـ اختار الأزري بحر البسيط لقصيدته، لأنه يشتمل على مساحات واسعة تجعل الشاعر يفصح عن عواطفه ومعانيه التي تعبر عن مصاب آل البيت عليهم السلام، فضلا عن استعانته بقافية الراء المكسورة لما يمتاز به هذا الروي من قوة وترجيع صوتي يخدم الغرض المنشود

5ـ كذلك أكثر من استعمال حروف الجهر، وقلة استعماله لحروف الهمس؛ لملائمة حروف الجهر لموضوع الحزن وسعي الشاعر إلى الإفصاح عن ألمه الشديد، بصوت مرتفع.

6_ إلى جانب الإيقاع الخارجي استعمل الشاعر أسلوب التكرار وما ينطوي تحته من صور متنوعة والمتمثلة بتكرار الألفاظ، والأدوات النحوية، أو تكرار الكلمات عن طريق التجنيس، أو عن طريق التصدير، وكذلك تكرار الجمل والعبارات والتي اسهمت في الإفصاح عن مكامن الحزن والتوجع.

هوامش البحث

(1) عباس بن محمد القمي، الكنى والألقاب: 2/192، الشيخ أقا بزرك الطهراني ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 9/19.

(2) مقال المرحوم عبد الحسين الأزري نقلا عن شاكر هادي شكر ، الديوان: 17.

(3) شاكر هادي شكر، الديوان: 73.

(4) مقال المرحوم عبد الحسين نقلا عن شاكر هادي شكر،  الديوان: 19.

(5) شاكر هادي شكر، الديوان: 76.

(6) كحالة ، معجم المؤلفين: 8/139.

(7) كحالة ، معجم المؤلفين :8/140.

(8) شاكر هادي شكر، الديوان :34.

(9) شاكر هادي شكر ، الديوان: 50.

(10) ابن رشيق القيرواني، العمدة: 1/239.

(11) يحيى بن حمزة العلوي ، الطراز المتضمن لأساليب البلاغة: 2/228.

(12) عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز: 4.

(13) سامي علي جبار، الجملة الطلبية في شعر أبي تمام، دراسة لغوية أسلوبية: 172.

(14) د. عبد القادر القط، الإتجاه الوجداني في الشعر المعاصر: 435.

(15) مثنى عبد الرسول الشكري، علي بن الجهم دراسة فنية: 85.

(16) رجاء عيد، فلسفة البلاغة بين النظرية والتطبيق: 218.

(17) د. محمد النويهي، الشعر الجاهلي: 1/69.

(18) د. محمد النويهي، الشعر الجاهلي: 1/132.

(19) البكاء أخداري، قصيدة قذى بعينيكن دراسة أسلوبية: 29.

(20)عبد الحميد راضي، شرح تحفة الخليل: 136.

(21) عبد الحميد راضي، شرح تحفة الخليل: 126.

(22) القيرواني، العمدة: 1/152.

(23) عبدة بدوي ، دراسات تطبيقية في الشعر العربي: 113.

(24) عبد الهادي الطرابلسي ، خصائص الأسلوب في شعر الشوقيات: 19.

(25) سالم أحمد الحمداني، مذاهب الأدب الغربي ومظاهرها في الأدب العربي: 246.

(26) عمران خضير، لغة الشعر العراقي المعاصر: 144.

(27) د. بشرى محمد طه البشير، لغة الشعر في القصيدة الأندلسية: 83.

(28) د. بشرى محمد طه البشير، لغة الشعر في القصيدة الأندلسية: 83.

(29) نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر : 231 .

المصادر والمراجع

_ الإتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، د. عبد القادر القط، بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1978م.

_ الجملة الطلبية في شعر أبي تمام، دراسة لغوية وأسلوبية، سامي علي جبار، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة البصرة، 1986م.

_ خصائص الأسلوب في شعر الشوقيات، عبد الهادي الطرابلسي، منشورات الجامعة التونسية، 1981م.

_ دراسات تطبيقية في الشعر العربي، عبدة بدوي، ذات السلاسل للطباعة_ الكويت، د.ت.

_ دلائل الإعجاز، للشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ)، تعليق وشرح محمد عبد المنعم خفاجي، مكتبة القاهرة، ميدان الأزهر_ مصر، 1976م.

_ ديوان الأُزري الكبير، الشيخ كاظم الأُزري التميمي البغدادي (ت1211هـ)، تحقيق وتقديم وتكملة شاكر هادي شكر، ط1، دار التوجيه الإسلامي، بيروت-الكويت، 1980م. 

_ الذريعة إلى تصانيف الشيعة، تأليف محمد محسن نزيل سامراء، الشهير بالشيخ آقا بزرك الطهراني، دار إحياء التراث العربي، بيروت _ لبنان، د.ت.

_ شرح تحفة الخليل في العروض والقافية عبد الحميد راضي، مطبعة العاني، بغداد، 1968م.

_ الشعر الجاهلي منهج في دراسته وتقويمه، د. محمد النويهي، الدار القومية للنشر والتوزيع، القاهرة، د.ت.

_ شعر علي بن الجهم، دراسة فنية، مثنى عبد الرسول الشكري، رسالة ماجستير، كلية التربية، لجامعة المستنصرية، 2000م.

_ الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة العلوي (ت749هـ)، منشورات مؤسسة النصر، مطبعة المقتطف_مصر، 1914م.

_ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط4، دار الجيل للنشر والتوزيع، بيروت_ لبنان، 1972م.

_ فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور، رجاء عيد، ط2، منشأة المعارف بالإسكندرية، (د.ت).

_ قصيدة قذى بعينيك، للخنساء، دراسة أسلوبية، البكاء أخذاري، رسالة ماجستير، الجزائر، 2005.

_ قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، ط6، دار العلم للملايين، 1981م.

_ الكنى والألقاب تأليف عباس بن محمد القمي، مطبعة العرفان، صيدا، 1939م.

_  لغة الشعر العراقي المعاصر، عمران خضير، ط1، الكويت، وكالة المطبوعات، 1982م.

_ لغة الشعر في القصيدة العربية الأندلسية في عصر الطوائف، د. بشرى محمد طه البشير، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1990م.

_مذاهب الأدب الغربي ومظاهرها في الأدب العربي الحديث، سالم أحمد الحمداني، الموصل، مطبعة التعليم العالي، 1989م.

_ معجم المؤلفين،تراجم مصنفي الكتب العربية، عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت_لبنان، 1957.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *