نوفمبر 23, 2024 3:40 ص

د. نعيمة عمر الغزير

أستاذ القانون العام المشارك

قسم القانون/ مدرسة العلوم الإنسانية

الأكاديمية الليبية للدراسات العلياطرابلس/ ليبيا

الملخص:

     الحماية القانونية للبيئة تنمية مستدامة؛ باعتبار أن المجتمع وحده هو المعني بكافة العمليات التي تقع عليها؛ فهو وحده الذي يستفيد أو يعاني من تداعيات استغلال مواردها سواء كان سلبًا وايجابًا.

     ويتأكد هذا الرأي بما ورد في نص المادة الثانية من القانون الليبي رقم 15 لسنة 2003 بشأن حماية وتحسين البيئة  “يهدف هذا القانون إلى تحقيق الرقابة على البيئة بقصد حمايتها وتحسينها, باعتبارها المحيط الذي يعيش فيه الإنسان وجميع الكائنات الحية, بما في ذلك الماء والتربة والغذاء من التلوث, مع إيجاد الطرق المناسبة لقياس التلوث والعمل على صيانة التوازن البيئي للوسط الطبيعي والوقاية من التلوث والأضرار المختلفة الناتجة عنها ومحاربتها والتقليل منها, وتحسين إطار الحياة وظروفها, ووضع الخطط والبرامج العملية من أجل ذلك”.

     كما استهدف المشرع الليبي استدامة البيئة وفق نصوصًا قانونية  تعددت مجالاتها  وتباينت موضوعاتها؛  غير أنها  تتفق بطريقة أو بأخرى في الغاية من تأمين الحماية القانونية للبيئة، وهي تحقيق استدامة موارد هذه البيئة  بتطبيق معايير التنمية المستدامة بشأنها.

   وبالتالي تتأتَ استدامة البيئة من خلال عدة معايير نذكر بعضها لكونها ذات دلالة في التشريع الليبي، وهي:  التنوع البيولوجي، الأرض، المياه العذبة ، الغلاف الجوي، والبحار.

     وتبدو أهمية دراسة هذا الموضوع فيما ذكره تقرير جمعية الأمم المتحدة للبيئة لعام 2016 بأنه “يركز نصف أهداف التنمية المستدامة على البيئة أو يتناول استدامة الموارد الطبيعية. وتتعلق غاية واحدة على الأقل في كل من الأهداف السبعة عشر بالاستدامة البيئية”.

  أهداف البحث:

      تأسيسًا  على ما تقدم فإن من أهداف هذا البحث التأكيد على أن الاهتمام بالتنمية البشرية يجب أن يُفسر من جهة عدم الإضرار بالبيئة الطبيعية لكونه الطريق الأنسب الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من بين المفاهيم القانونية في مسائل الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية؛  وكذلك إثراء الجانب المعرفي بالجهود التشريعية في ليبيا بشأن حماية البيئة، ومدى تحقق معايير التنمية المستدامة ومقاصدها في إطارها. 

إشكالية البحث:

     التنمية المستدامة تمثل مبدًا عامًا في القانون الليبي؛ لذا يمكن لنا صياغة إشكالية البحث في إطار مدى ما تحققه أحكام التشريع الليبي من حماية للبيئة  في ضوء معايير التنمية المستدامة من خلال الإجابة عن بعض التساؤلات نذكر منها: لماذا تعتبر البيئة تنمية مستدامة في التشريع الليبي، وهل تمكن المشرع الليبي من ايجاد إطار قانوني ملائم لتحقيق مقاصد التنمية المستدامة في مجال البيئة يستوفي فيه أوجه الحماية القانونية ليست فقط في مواجهة الأخطار البيئية كالتلوث والتصحر والأضرار التي تلحق بالمياه العذبة وغيرها  إنما أيضًا في مواجهة الصراعات الدامية التي تشهدها ليبيا. 

منهجية البحث:

    تتبعنا بالدراسة وفقًا للمنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي النصوص القانونية التي يستهدف في إطارها المشرع الليبي حماية البيئة لتنمية مستدامة، وتتحدد هذه الأخيرة بحق الإنسان في الاستفادة من الموارد دون المساس بحق الأجيال القادمة.

لذلك يقتضى منهج البحث بعد المقدمة أن تكون هيكلية البحث على النحو الآتي:

المبحث الأول: الإطار التشريعي لحماية البيئة في القانون الليبي نستعرض فيه مفهوم استدامة البيئة أولًا ، ومن ثم نناقش المبادئ التي تنهض بها حماية البيئة في ضوء معايير التنمية المستدامة ثانيًا.

المبحث الثاني: أوجه الحماية القانونية للبيئة في أحكام التشريع الليبي والذي سنناقش فيه تجريم الاعتداء على مكونات البيئة الطبيعية أولًا، ومن ثم نتعرض إلى البحث في آليات حماية البيئة التي تحقق معايير التنمية المستدامة ثانيًا.

الخاتمة، وتتضمن نتائج البحث وتوصياته

الكلمات المفتاحية: التلوث، الضرر، الاستغلال، الموارد، الاعتداء.

Environmental protection in light of sustainable development standards

Upon  the provisions of Libyan law

(Environmental Aspect)

Dr. Naema Omar Alghazir

Associate Professor of Public Law

Law Dept. / School of Human Sciences

Libyan Academy for Graduate Studies

Tripoli, Libya

Determine the research topic and its importance:

 Legal protection of the environment, sustainable development; Considering that society alone is concerned with all the processes that fall upon it He alone benefits or suffers from the negative and positive repercussions of exploiting its resources.

This opinion is confirmed by what is stated in the text of Article 2 of the Libyan Law No. 15 of 2003 regarding the protection and improvement of the environment “This law aims to achieve control over the environment to protect and improve it, as it is the environment in which people live and all living things, including water, soil and food from Pollution, along with finding appropriate methods to measure pollution and work to maintain the ecological balance of the natural environment, prevent pollution and the various damages resulting from it, fight and reduce them, improve the framework and conditions of life, and set practical plans and programs for that.

The Libyan legislator also aimed at environmental sustainability according to legal texts that varied in their fields and varied topics. However, they agree in one way or another on the goal of securing the legal protection of the environment, which is to achieve the sustainability of the resources of this environment by applying the standards of sustainable development thereon.

Hence, environmental sustainability comes through several criteria, some of which we mention because they are significant in Libyan legislation, namely: biodiversity, land, freshwater, the atmosphere, and seas.

The importance of studying this topic appears in what the 2016 United Nations Environment Assembly report stated, “Half of the sustainable development goals focus on the environment or address the sustainability of natural resources. At least one goal in each of the 17 goals is related to environmental sustainability.”

Aims of the  Research :

  Upon the foregoing, one of the objectives of this research is to emphasize that concern for human development must be interpreted in terms of not harming the natural environment as it is the most appropriate way to be taken into consideration among the legal concepts in matters of optimal use of natural resources. As well as enriching the knowledge side of the legislative efforts in Libya regarding environmental protection, and the extent to which sustainable development standards and objectives are achieved within its framework.

Research Problem :

 Sustainable development is a general principle in Libyan law; Therefore, we can formulate the research problem within the framework of the extent to which the provisions of Libyan legislation achieve environmental protection in light of the standards of sustainable development by answering some questions, including Why is the environment considered a sustainable development in Libyan legislation, and whether the Libyan legislator can create an appropriate legal framework to achieve The objectives of sustainable development in the field of the environment meet the legal protections not only in the face of environmental dangers such as pollution, desertification, and damages to fresh water and others but also in the face of the bloody conflicts in Libya.

Research Methodology:

 We followed the study according to the inductive and analytical methodology of the legal texts within which the Libyan legislator aims to protect the environment for sustainable development, and the latter is determined by the human right to benefit from resources without prejudice to the right of future generations.

Therefore, after the introduction, the research approach requires that the research be structured as follows:

The first topic: The legislative framework for environmental protection in Libyan law, in which we review the concept of environmental sustainability first, and then discuss the principles that protect the environment in light of sustainable development standards, secondly.

The second topic: the aspects of legal protection for the environment in the provisions of the Libyan legislation, in which we will discuss the criminalization of assault on components of the natural environment first, and then we will discuss the environmental protection mechanisms that achieve sustainable development standards secondly.

Conclusion, and includes the results of the research and its recommendations

Key words: pollution, harm, exploitation, resources, abuse.

المقدمة

       ما من دلائل تشير إلى أن تعامل الإنسان مع البيئة بالأمر الحديث؛ لذلك يمكن القول أن علاقة الإنسان بالبيئة ازلية؛ ترجع لذلك الإنسان الأول الذي رأي في بعض مظاهرها صفات الالوهية ، لذا ومع تطور نظرة الإنسان للطبيعة؛ اتضحت فكرة أن استغلال البشر لهذه الطبيعة يؤثر على ديمومتها باستنفاد مواردها الذي بدوره يؤدي إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي (الايكولوجي) بين عناصرها ، ولهذا يعُد القانون أداة ذا أهمية في مجال حماية البيئة لغرض استدامتها، وهو ما نص عليه المبدأ 11 من اعلان ريو الصادر عام 1992 بشأن البيئة والتنمية بأن يقع على عاتق الدول الالتزام بإصدار تشريعات فعالة من أجل حماية البيئة، وما دعت إليه جمعية الأمم المتحدة للبيئة في تقريرها (الدورة الثانية ،نيروبي، 23 – 27 أيار/مايو 2016)  بضرورة إرساء قوانين وسياسات ومؤسسات فعالة لتنظيم الأنشطة التي تؤثر على البيئة.

       استنادًا على كل ذلك؛ حظيت حماية البيئة في النظام القانوني الليبي بأهمية بالغة لكونها نظامًا معقدًا وشاملًا يعكس العديد من حقوق الإنسان ذات الدلالة في تحقيق معايير التنمية الاستدامة؛ منها: الرعاية الصحية، والحق في بيئة نظيفة ، المحافظة على النبات ، مقاومة الإضرار بالطبيعة كالآفات الزراعية والاشعاعات الضارة، وغيرها.

    ولكي تحقق هذه الحماية أهدافها الذي يعد أهمها استدامة الموارد البيئية وما يأتي في إطارها من استدامة للرفاهية من خلال تطوير استغلال الموارد الاستغلال الأمثل، والرفع من النمو الاقتصادي ؛ كان لابد من إيجاد قواعد وأحكام ليست قانونية فقط إنما أيضًا فنية وإدارية إضافة إلى الأجهزة والمؤسسات المختصة والوسائل  اللازمة للقيام باشتراطاتها؛ حتى تستوفي مؤشرات معايير التنمية المستدامة في شأن البيئة.

   وتبدو لنا جدوى دراسة هذا الموضوع من حيث أهمية معايير التنمية المستدامة في مجال البيئة التي تتقرر في التنوع البيولوجي والمياه العذبة والأرض والغلاف الجوي والبحار؛ لذا فإن هذا البحث يناقش مدى التزام النظام القانوني البيئي في ليبيا بتحقيق مؤشراتها.

    أما إشكالية الدراسة التي عرضناها في ملخص البحث فقد حددنها في إطار قاعدة واضحة تتمثل في أن استدامة البيئة تُعد مفتاح التنمية المستدامة هذا أولًا، أما ثانيًا الالتزام القانوني بحماية البيئة يضحى غير ذا فاعلية ما لم توضع القواعد القانونية التي تفرض احترامه، لذلك تمت صياغة هذه الإشكالية في إطار السؤال التالي: ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه القانون البيئي في ليبيا والقوانين ذات العلاقة في تأمين متطلبات استدامة البيئة في ضوء معايير التنمية المستدامة بالخصوص.

تأسيسًا على ذلك فإن محاور النقاش التي بنينا عليها هذه الدراسة جاءت على النحو الآتي:

المبحث الأول: الإطار التشريعي لحماية البيئة في القانون الليبي نستعرض فيه مفهوم استدامة البيئة أولًا ، ومن ثم نناقش المبادئ التي تنهض بها حماية البيئة في ضوء معايير التنمية المستدامة ثانيًا. المبحث الثاني: أوجه الحماية القانونية للبيئة في أحكام التشريع الليبي والذي سنناقش فيه تجريم الاعتداء على مكونات البيئة الطبيعية أولًا، ومن ثم نتعرض إلى البحث في آليات حماية البيئة التي تحقق معايير التنمية المستدامة ثانيًا. أما الخاتمة، فقد تضمنت نتائج البحث وتوصياته.

المبحث الأول

الإطار التشريعي لحماية البيئة في القانون الليبي

     يعمل القانون البيئي والاستدامة في اتجاهين على الأقل؛ يؤثر القانون البيئي على الاستدامة من حيث قدرته على دفع الأفراد نحو عمليات الانتاج والاستهلاك المستدام، وأيضًا قد يكون للاستدامة كفكرة ومجموعة من الممارسات تأثير على القانون البيئي لما لها من دور في ايجاد مؤسسات وأجهزة ووسائل قانونية لغرض استيفاء متطلباتها. والدلائل سنناقشها في نطاق مفهوم استدامة البيئة أولاً، ومن ثم التعرض إلى مبادئ هذه الاستدامة في القانون الليبي ثانيًا، وذلك على النحو التالي:

المطلب الأول

مفهوم استدامة البيئة

      وفق أحكام (نص المادة 2 من القانون رقم 15 لسنة 2003 بشأن حماية وتحسين البيئة) تتحقق استدامة البيئة التي تفي بمعايير التنمية المستدامة في شأنها بحماية الماء والتربة والغذاء من التلوث، وصيانة التوازن البيئي للوسط الطبيعي، ومنع التلوث وأضراره، واستغلال الموارد الطبيعية الاستغلال الأمثل،؛ بالإضافة إلى تحسين إطار الحياة وظروفها، وهو ما يتفق مع المفهوم اللغوي للاستدامة Sustainability)‏) باعتبارها تعني ديمومة العيش واستمراريته (https://www.maajim.com/dictionary/ ).

      ولتحديد مفهومها القانوني (استدامة البيئة) في مجال البيئة وجب الإشارة إلى أمرين: أولهما أن التنمية المستدامة ظهرت كتعبير رئيسي عن فكرة الاستدامة Wood & Richardson,2006.P13 ) (، وبالتالي هذه التنمية توفر إطارًا طبيعيًا لأفراد المجتمع ليعيشوا ويزدهروا في وئام الطبيعة بدلاً عما كان سائدًا العيش على حساب الطبيعة.  والأمر الثاني ما من أساسٍ قانوني كافٍ في التشريع الليبي تتحقق في نطاقه مفاهيم استدامة البيئة، على الرغم من وجود عدة نصوص وردت في القانون رقم 15 لسنة 1371 و.ر( 2003) بشأن حماية وتحسين البيئة، ونصوص أخرى جاءت متفرقة في قوانين عدة ، وبذلك نستنتج  أن دورًا رئيسيًا يلعبه مفهوم التنمية المستدامة في تحديد المقصود من استدامة  البيئة.

     ورد في تقرير اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية المعروف بتقرير لجنة برندتلاند (39ص-https://undocs.org/ar/A/42/427)   بأن ما اسمته التنمية المتواصلة (المستدامة) هي تلك التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم، وقد فُسر هذا المفهوم في تقرير اجتماع المفكرين للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة الصادر في عام 2006  تحت عنوان مستقبل الاستدامة بعد إقراره بغموض هذا التعريف بأنه حدد قضيتين رئيسيتين تتمثلان في: ما مشكلة التدهور البيئي التي تصاحب النمو الاقتصادي أولًا، وحاجة المجتمع لهذا الاقتصاد لغرض القضاء على الفقر ثانيًا (ص2-  https://www.iucn.org)  

       ولم نجد مفهوم قانوني أو فقهي للاستدامة يغاير التعريف الوارد في تقرير لجنة برندتلاند.( Elleuch, et al. (2018)) P.1823)  ، وعلى هذا الأساس تبنى المشرع الليبي هذا المفهوم بنص صريح ورد في (الفقرة 10، المادة الأولى، القانون رقم 15 لسنة 2003 بشأن حماية البيئة وتحسينها) بأن الاستدامة تلك التي يتحقق في إطارها احتياجات أجيال الحاضر دون الإضرار بحاجات وقدرات أجيال المستقبل، ولأن هذا المفهوم يوثق الصلة بين الاقتصاد والسلامة البيئية؛ فإنه يمكن لنا تفسير هذا النص بالنظر إلى تطبيق قاعدة- تلبية احتياجات المجتمع – فنجدها تمنح الأولوية للتنمية الاقتصادية على الاستدامة، وذلك ما جعلنا نستنتج من المعنى الضمني لمفهوم الاستدامة البيئية أنها لا تتوافق مع النمو الاقتصادي الكثير الذي لاشك أنه يتحقق على حسابها، إنما بنمو اقتصادي أقل يكون على نحو مستدام ( محمد، 2021   – ص658 وما بعدها)، وهو ما اعترفت به جمعية الأمم المتحدة للبيئة (نيروبي، 2016، UNEP/EA.2/15) في تقريرها المعنون ب (الاستراتيجية المتوسطة الأجل المقترحة للفترة 2018-2021)  بأنه (… سيعوق استنزاف الموارد الطبيعية النمو الاقتصادي على المدى الطويل، وسيفاقم التفاوتات العالمية. وفي الوقت نفسه يمكن أن يؤدي التعدين وقطع الأشجار والصناعات الزراعية واستخراج النفط والغاز بصورة مكثفة إلى ازدياد خطر تدهور البيئة والتلوث، الأمر الذي يمكن أن يسبب توترات في المجتمعات المحلية) ،  وبلادنا ليست بعيدة عن هذه المستجدات التي ادت فعلًا إلى توترات ونزاعات خطيرة، لذلك تبدو الحاجة ملحة إلى ايجاد بيئة مستدامة من خلال آليات تنمية مستدامة تتقرر وفق مستويات متوازنة لكل من المصادر وهي الموارد الطبيعية، ونمو اقتصادي من خلال استغلال هذه الموارد بما لا يؤثر على استنزافها .

    ويختلط في هذا الشأن مفهوم النمو المستدام مع مفهوم التنمية المستدامة رغم أنهما ليس مترادفين https://www.meemapps.com/term/sustainable-growth-rate) (؛ فالنمو يعني الزيادة المادية أو الكمية للموارد الطبيعية؛ بينما التنمية هي التطوير الذي يُقصد به التحسين النوعي الذي  يستهدف رفاه حياة الإنسان من خلال مكافحة الفقر ورفع الظلم والحد من الأمية والجوع والمرض، وهي مؤشرات وغايات ومقاصد اجتمعت في أهداف رؤية 2030 لتنمية مستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي يتضح منها أن نصف أهداف التنمية المستدامة تتناول البيئة أو تتعلق باستدامة الموارد الطبيعية؛ ففي كل هدف من الأهداف السبعة عشر مقصدًا واحدًا على الأقل  يتطلب الاستدامة البيئية؛ بمعنى  ما من مجال يتحقق في إطاره أحد هذه الأهداف إلا بتحقق نجاحٍ في أهدافٍ أخرى ( تقرير جمعية الأمم المتحدة للبيئة، نيروبي، 2016، UNEP/EA.2/15- ص12)، وبذلك تلتقي هذه الأهداف مع الاستدامة البيئية من حيث الغاية المتمثلة في الحماية أو المحافظة بمعنى الصيانة غير المنقوصة للموارد الطبيعية لغرض  دعم حياة أفراد المجتمع.

    من هنا تبدو  الحاجة ملحة للعمل في اتجاه استدامة البيئة لأن تدهور الأنظمة البيئية يتزايد بشكل كبير حتى أصبح من الصعوبة بما كان تعويض ما خسرناه منها، ولأنه لم يعد هناك مجال لا من حيث الوقت ولا من حيث المكان لا يجاد بيئة بديلة نعيش فيها؛ فإن الأمر يستدعي تحسين البيئة، وقد تفطن المشرع الليبي لهذا الأمر حين ربط بين حماية البيئة وتحسينها في القانون رقم 15 لسنة 2003   واختصه قانونًا لحماية وتحسين البيئة لغرض انقاذ البيئة الوحيدة التي لدينا واصلاح ما دمرناه بالفعل.

  تأسيسًا على كل ما تقدم؛ فإن استدامة البيئة مضمون لفكرة يبتغى منها المشرع الليبي دعم الجيل الحالي للأجيال القادمة، وهو ما يجعل لها خصائص لا تتعدى بأي حالٍ إلى سواها؛ نذكر منها:

  • الاستدامة تتطلب المحافظة على الأنظمة البيئية التي تستدام بها حياة البشرية ، وهذه لا تتحقق في حالة الإفراط في استغلال موارد الطبيعة بما يؤدي لإضعاف وتدهور خدمات البيئة لمن يعيش في محيطها.
  • السبب الرئيسي للاستدامة البيئية هو استمرار الحياة البشرية التي تستلزم الغذاء والمأوى و الهواء القابل للتنفس وتلقيح النباتات واستيعاب النفايات وغيرها من الخدمات البيئية التي تدعم حياة الإنسان؛ مما يجعل مفهوم الاستدامة البيئية لا يخرج عن تلك الغاية المتوخاة من تحقيق التنمية المستدامة في نطاقها الذي يستبعد أن يكون النظام البيئي تابع للنظام الاقتصادي (حداد، 2006، ص5)، وبذلك لن تتحقق الاستدامة إلا بالنمو في إطار التنمية، بمعنى إذا اعترفنا بمحدودية الموارد الطبيعية فإن النمو المستدام لا يتحقق إلا عندما يتم الاحتفاظ بمقياس النشاط الاقتصادي ضمن قدرة النظام البيئي الذي يعتمد عليه.  

    وتلقف الفقه هذه الخصائص وتحليلاتها في المواثيق الدولية، وصاغ الهدف من استدامة البيئة تحت مفهوم تحسين نوعية حياة الإنسان ضمن القدرة الاستيعابية للنظم الايكولوجية (الشركسي، ص351).

      والمشرع الليبي استعمل هذا الاصطلاح في نصوصه دونما أن يحدد معنًا فريدًا له؛ إنما اكتفى بإلزام جهات الاختصاص بمقاصد الاستدامة البيئية، وهو بذلك استخدم القانون لحماية واستعادة السلامة البيئية، والحد من النمو الاقتصادي على حسابها عندما جعل المقصود بالاستدامة البيئية يتحدد في مبادئ قانونية واضحة؛ على سبيل المثال: السلامة الأحيائية: (الفقرة 11، المادة الأولى، القانون رقم 15 لسنة 2003) (يقصد بها الإجراءات المتخذة لسلامة البذور والسلالات الحية من أي تغير جيني أو هندسة وراثية قد تؤثر على مستقبل البذور والسلالات الوطنية )، والتوازن البيئي (الفقرة أ ، المادة 3 ، قرار اللجنة الشعبية العامة رقم 255 لسنة 1989 بإنشاء الهيئة العامة للتربة والغابات) “حماية وتنمية استثمار المصادر الطبيعية المتمثلة في التربة والغابات بما يكفل التوازن البيئي” ، حماية المخزون الجوفي الخاص بالمياه من التلوث (المادة 1 ، القانون رقم (9) لسنة 2003 بشأن تقرير حكم في القانون رقم (3) لسنة 1982 بشأن تنظيم استغلال مصادر المياه) ، غابة محمية أو مرعى محمي (المادة 6 ، القانون رقم (5) لسنة 1982، بشأن حماية المراعي والغابات) ” عدم جواز ممارسة أي نوع من الاستغلال أو الاستثمار بأي جه كان سواء بالنسبة إلى ما ينو فوقها من غطاء نباتي أو بالنسبة إلى باطن تربتها ناميًا كان أو جافًا متصلا بالأرض أو بالغطاء النباتي أو منفصلا عنه”، والمحافظة على المصادر الرئيسية للثروة (المادة1، قرار رقم (34) لسنة 2002 بشأن إصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم (22) بتعديل حكم في القانون رقم (15) لسنة 1989 بشأن حماية الحيوانات والأشجار ) ” الحيوانات والأشجار من المصادر الرئيسية للثروة في ليبيا، يجب المحافظة عليها والعناية بها وتحسين أنواعها والعمل على تكاثرها وتنميتها”، ومنع الانقراض (الفقرة 3، المادة54، القانون رقم 15 لسنة 2003 –المشار إليه أعلاه) ” حماية جميع أنواع الحياة النباتية من أشجار فاكهة وغابات ومحاصيل حقلية ونباتات طبية وعطرية وغيرها من النباتات الأخرى وعلى الأخص البرية منها لمنع انقراضها “، والحفاظ على خصوبة التربة (المادة 53، القانون رقم 15 لسنة 2003) ” بإتباع الدورات الزراعية السليمة مع استعمال الأسمدة الكيماوية والعضوية المناسبة حفاظا على خصوبتها”، وأيضًا ما نصت عليه المادة 5 من قانون حماية المراعي والغابات المشار إليه اعلاه؛ إعلان أية غابة محفوظة أو مرعى محفوظ خضوعهما لنظام معين لاستغلال معين من الاستثمار والاستغلال، وورد ب (الفقرة 6، المادة 54، القانون رقم 15 لسنة 2003) “إقامة الأحزمة الخضراء لمنع انجراف التربة والمحافظة على الغطاء النباتي وعدم انتقال البذور بفعل الرياح”.

وتتخذ آليات استدامة البيئة عدة صور تتقرر في:

الصورة الأولى: الاستدامة البيئية تتحقق إذا ما لم تُستغل الموارد الطبيعية، بمعنى أن يتم المحافظة على إجمالي رأس المال الطبيعي سليمًا، و اللجوء إلى البدائل التي توفر الموارد كي تلبي احتياجات المجتمع،  وإن  كان هذا الأسلوب يلاقي ترحيبًا في الدوائر الاقتصادية، ويعد شرطًا ضروريًا لتحقيق الاستدامة إلا أنه غير كافٍ لنشوئها.

الصوة الثانية:  المحافظة على الموارد الطبيعية لغرض استدامتها يمكن تحقيقه باستثمار هذه الموارد وفق آليات تضمن حاجة الأجيال القادمة منها؛ على سبيل المثال الاستنزاف الحالي للنفط  لابد أن يضمن أن تكون الطاقة متاحة للأجيال القادمة على الأقل (ارزقي، 2017) وبذات الكفاءة التي يتمتع بها المستفيد الآن من استهلاك النفط، وهو ما يعني إمكانية تحويل كل أو معظم الموارد الطبيعية إلى صناعات بشرية تكون بدائل لهذه الموارد؛ كي تلبي احتياجات الأجيال القادمة، وهو أمر لا يمكن القبول به في ايجاد بيئة نظيفة متوازنة للحياة.

الصورة الثالثة: هي تلك التي تتحدد فيها أن الاستدامة البيئية تتحقق بشكل مطلق في حالة واحدة هي عدم استغلال أي مورد من الموارد الطبيعية غير المتجددة؛ بمعنى تبقى جميع الموارد الطبيعية في مكانها الطبيعي كما خلقها الله ، أما بالنسبة للموارد الطبيعية المتجددة فإنه يمكن استغلال صافي النمو السنوي  من هذه الموارد، وهو ما يعني استهلاك ما يفيض من مخزون الموارد الطبيعية المتجددة في تلبية احتياجات الجيل الحالي، وهو أمر غير مقبول وإن كانت تعد استدامة قوية في مجال البيئة. 

 وبهذا فإن الاستدامة في مجال البيئة تنهض بالمحافظة على ما يعرف برأس المال الطبيعي،  أو على الأقل مستويات غير متناقصة منه الذي يمثله مخزون الموارد الطبيعية المقدم من البيئة؛ مثل: التربة والهواء والماء والغابات والأراضي الرطبة؛ فبوجود كل هذا المخزون يتوافر المفيد من السلع والخدمات سواء للجيل الحالي أو للأجيال القادمة.    

   وهكذا؛ وبعد تتبع جهود التنظيم البيئي في ليبيا نستنتج ما يأتي:

  • الاستدامة البيئية مفهوم واضح إلى حد ما في التشريع الليبي، غير أن هناك الكثير من الغموض بشأن تفاصيل كيفية تطبيقه.
  • الاستدامة البيئية عائد مستمر من الموارد الطبيعية؛  والأنظمة التكنولوجية غير كافية لتعويض ما نفقده من هذه الموارد؛ إذ قد يكون التدهور لا رجعة فيه.
  • تستند الاستدامة البيئية إلى استنتاج مفاده أن الموارد التي توجد من صنع الإنسان هي مكمل لمعظم رأس المال الطبيعي، وليس بديلا له، وبالتالي لا سبيل إلى مفهوم موثوق للاستدامة البيئية يستبعد موارد الطبيعة ببدائل من الصناعات البشرية؛ بمعنى استخدام مكملات لتغذية التربة لا يمكن قبوله باعتباره بديلًا للعوامل الحيوية في التربة.
  • حماية البيئة هدف الغاية منه تحقيق التنمية المستدامة سواء كان في مكافحة التلوث، أو في استغلال الموارد الطبيعية.

    وهكذا نتبين أن الاستدامة البيئية قاعدة قانونية ملزمة في التشريع الليبي؛ تعني المحافظة على الأصول البيئية أو على الأقل عدم استنزافها، والدلالة على ذلك ما يتبناه هذا التشريع من مبادئ في هذا الشأن، وهو ما سنناقشه في المطلب الثاني 

المطلب الثاني

مبادئ الاستدامة البيئية في القانون الليبي

     تحقق المبادئ التي يعمل من خلالها التشريع الليبي لتحقيق استدامة البيئة هدفين؛ الأول منهما يتمثل في ضمان الاستفادة من الموارد البيئية بشكل متساوٍ، والهدف الثاني يتقرر في أن هذه المبادئ تعتبر آلية لمعالجة أي اعتداء على البيئة ومصادرها، وبناءً على ذلك نناقش هذه المبادئ على النحو التالي:

أولًا: محافظة الإنسان على البيئة:

      من البديهي أن يكون للإنسان دور  في استدامة البيئة بالنظر إلى سلوكه في مواجهتها؛ فنشاط الإنسان يضع ضغطًا على الوظائف الطبيعية للبيئة مما يستصعب معه قدرة النظم الايكولوجية على تعويض الضرر عن التدهور البيئي المتسبب به فعل الإنسان، وهو ما يستنفذ حقوق الأجيال القادمة من خدمات ما توفره البيئة للحياة.

     ويستند هذا المبدأ في القانون الليبي على ما ورد بنص المادة الثانية من القانون رقم 15 لسنة 2003 بشأن حماية وتحسين البيئة؛  بأن البيئة هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان (  سلامة،   ص23؛ لذلك كل إنسان ملزم قانونيًا وأخلاقيًا بالعمل على تحسين البيئة، وتنمية مواردها، وحمايتها من عوامل التلوث، والتدهور الذي يلحق بها؛ فالمعادلة وفق هذا المبدأ تتمثل في حق كل شخص أن يحيا في بيئة نظيفة صحية ومتوازنة ؛ ويقع على عاتقه واجب الحفاظ على البيئة وصيانتها ( ساطي، 2016).

     وآليات تنفيذ هذا المبدأ وردت في عدة قوانين نذكر منها: نص المادة الثالثة من القانون رقم 15 لسنة 2003 بشأن حماية البيئة وتحسينها بأنه يقع على عاتق الأفراد بذل كافة الجهود “لوقف ظاهرة التلوث بمختلف مسبباته والمساهمة في الحد من انتشاره”، ويُلزم (كل شخص بالمحافظة على المياه وعدم الإسراف في استعمالها” (نص المادة الأولى من القانون رقم 3 لسنة 1982 بشأن تنظيم استغلال مصادر المياه)،  وأن النظافة العامة مسئولية الجميع (المادة 2، القانون رقم 13 لسنة 1984 بشأن الأحكام الخاصة بالنظافة العامة)، وغيرها من الالتزامات التي يلقيها المشرع الليبي على عاتق الإنسان في شأن المحافظة على سلامة البيئية وعدم استنزافها كما في حال حرق الغابات أو قطع الأشجار، والمساهمة في كنس وتنظيف جزء الشارع أو الرصيف الذي يطل عليه مكان سكنه أو عمله الخاص.

    نضيف إلى ما تقدم أنه في بعض الأحيان تشجيع من الدولة على مساهمة الإنسان في عدم استنزاف الموارد الطبيعية، يُلزم القانون الليبي الدولة بتحمل ما يُلزم من تكاليف؛ من أمثلة ذلك ما نصت عليه الفقرة أ من المادة 14 من قانون تنظيم استغلال المياه المشار إليه؛ بأن الدولة تتحمل التكاليف المترتبة على “كل من يقوم بأعمال تنمية مصادر المياه” 

   وبالتالي يستلزم مشاركة الإنسان في الحفاظ على البيئة؛ فهم تأثير البيئة ومصادرها على حياة الإنسان،  وخلق الظروف لزيادة الوعي بسلوك الإنسان المسبب في أضرار للبيئة، إضافة إلى تعميم ما يعرف بالتربية البيئية في المناهج التعليمية، ولتحقيق كل ذلك أناط القانون الليبي بالهيئة العامة للبيئة بأنه من اختصاصاتها اعتماد برامج وآليات “للتعريف بالبيئة وقواعد وأسس حمايتها من التلوث وكيفية إزالة أسبابه في حالة وجوده” (نص الفقرة 5، المادة2، الهيكل التنظيمي للهيئة العامة للبيئة الصادر بقرار رقم 23 لسنة 2021)    

ثانيًا: مكافحة التلوث:

      منع التلوث قضية رئيسية لاستدامة البيئة ، والتلوث كما يقرره أحكام نص الفقرة 3 من المادة الأول من القانون رقم 15 لسنة 2003  المشار إليه هو ” حدوث أية حالة أو ظرف ينشأ عنه تعرض صحة الإنسان أو سلامة البيئة للخطر نتيجة لتلوث الهواء أو مياه البحر أو المصادر المائية أو التربة أو اختلال توازن الكائنات الحية, بما في ذلك الضوضاء والضجيج والاهتزازات والروائح الكريهة, وأية ملوثات أخرى تكون ناتجة عن الأنشطة والأعمال التي يمارسها الشخص الطبيعي أو المعنوي”.

        رأس المال الطبيعي نادر الآن ففي وقتًا ما بالنسبة للاستخدام البشري كان رأس المال الطبيعي لا حصر له ، وللمحافظة على هذا المعنى التقليدي فإن متطلبات الاستدامة البيئية هي جهد يتضاعف يومًا بعد  يوم  من خلال التوفيق بين طرفي المعادلة التي تتقرر في تدبير الدخل والحد من التطوير؛ من هنا ينشأ التباين في تطبيق مفهوم التنمية المستدامة في شأن كل مورد من موارد الطبيعة؛ ويتأكد ذلك فيما ورد بنص المادة الأولى من القانون رقم (9) لسنة 2003 بشأن تقرير حكم في القانون رقم (3) لسنة 1982 في شأن تنظيم استغلال مصادر المياه بأنه ” ترفع جميع القيود المفروضة على حفر آبار المياه المنصوص عليها (سابقًا) وعلى من يقوم بعمليات الحفر الالتزام بالمواصفات الفنية …… حماية للمخزون الجوفي من التلوث”

    مكافحة التلوث في إطار الاستدامة البيئة يقصد به وجوب تحديد الافتراضات لتلوث البيئة، وذلك باتخاذ تدابير وإجراءات للحد من انتاج النفايات واستخدام المواد السامة لمنع تلوث التربة والهواء والماء، وإعادة تدوير الموارد، والتوازن بين الناحية التكنولوجية والاقتصادية  ( سلامة، ص21).

   من هنا يتبين لنا أن أفضل طريقة للتعامل مع الملوثات هي منعها أن تنشأ في المقام الأول، ولا شك أن منع التلوث يقلل من الملوثات التي تنشأ لأسباب كثيرة لا يمكن حصرها فقد تكون بسبب الصناعة أو الزراعة أو الاستهلاك ، والتقليل من التلوث يؤدي إلى تقليل حجم آثاره على الصحة.

   ولأن التلوث ينتج من النفايات (علام، ص98) فقد اختص المشرع الليبي ذوي الاختصاص بمكافحة التلوث في عدة قوانين غير تلك الواردة في القانون رقم 15 لسنة 2003 بشأن حماية وتحسين البيئة المشار إليه نذكر منها: قانون النظافة العامة، وقانون الغابات والمراعي، وقانون الحكم المحلي، وقانون استغلال الثروة البحرية ، وقانون المناجم والمحاجر، وغيرها.

     بناءً عليه؛  فإن هذه القوانين وغيرها من النصوص الواردة في أحكام القانون الليبي في تشريعات مختلفة غير كافية لمنع التلوث ما لم تُدعَم باستراتيجيات واضحة وذات قدرة وفاعلية بشأن التحكم في التلوث يُعمل من خلالها، ومن هذه الاستراتيجيات تلك التي نورد بعضها أدناه:

  •  تطوير معرفة كيفية انتاج النفايات وكيف يمكن تقليلها هو الخطوة الأولى في تقليص النفايات وحماية بيئتنا، ويمكن تحقيق ذلك بإجراء الأبحاث العلمية والدراسات المتخصصة في شأنها وبالتعاون مع مؤسسات دولية، والوقوف على آليات تقليص النفايات خاصة تلك ذات الخطورة العالية.
  • ابتكار طرق وأساليب لتقليل النفايات، فقد عهد القانون الليبي لإدارة الوقاية والصحة البيئية التابعة للهيئة العامة للبيئة أنه يقع على عاتقها  اقتراح آليات وأساليب للتخلص مما تم رصده من مصادر المخلفات والنفايات ( الفقرة 4، المادة 16، الهيكل التنظيمي للهيئة العامة للبيئة المشار إليه)
  • ايجاد كفاءات جديدة ، ولذلك مُنح الاختصاص للهيئة العامة للبيئة بمواكبة التطور العلمي والتقني في مجال حماية البيئة وتأهيل الأطر الفنية في هذا المجال (الفقرة 3، المادة 6، قانون حماية وتحسين البيئة)
  • القيام بإجراءات متطورة وأكثر قيمة في شأن تلوث أو ضرر كل مورد ، من أمثلتها: اقتراح إنشاء المناطق المحمية لحماية وصون التنوع الإحيائي في بيئاته المختلفة (الفقرة 12)، القيام بتسجيل جميع المواد الكيمياوية تلك التي ينتج عنها تلوث للبيئة (الفقرة 8)، وغيرها من الإجراءات التي تأتي في إطار اختصاص الهيئة العامة للبيئة تلك الواردة بنص المادة الأولى من الهيكل التنظيمي للهيئة المشار إليه
  • الوقاية من التلوث، وهو عنصر أساسي للاستدامة البيئية وتعددت صوره في القانون الليبي التي نذكر منها (الفقرة 6 من المادة الثانية من الهيكل التنظيمي للهيئة العامة للبيئة) بأنه من اختصاص الهيئة “مراقبة مصادر المياه وحمايتها من التلوث”.

ثالثًا: استغلال الموارد الاستغلال الأمثل:  

مبدأ استغلال الموارد الاستغلال الأمثل  في ضوء معايير التمية لمستدامة؛ يقصد به أن الرعاية لمزيد من التنمية البشرية لا يعني

الإضرار بالبيئة الطبيعية؛ لكونه الأسلوب الملائم الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من بين كافة النظريات التي تناقش كيفية الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية (الغزير، ص122).

ويتخذ المشرع الليبي من قاعدة استغلال الموارد الطبيعية الاستغلال الامثل:

– أساسًا لتحقيق التنمية المستدامة من خلال ما جاء بنص (م2 قانون حماية وتحسين البيئة المشار إليه) بأن غاية هذا الاستغلال هي الاستفادة من الموارد الطبيعية.

– هدف يتعلق بالأمن القومي، لكونه لا يحقق الرفاهية لأفراد المجتمع فقط إنما يحقق أيضًا الاستقرار والنمو الاقتصادي؛ والدلالة على ذلك الاختصاص الذي منحه المشرع الليبي لديوان المحاسبة بموجب نص الفقرة 2 من المادة 3 من القانون رقم 19 لسنة 2013 بشأن ديوان المحاسبة بأن المشروعات والأجهزة والمصالح التي منحتها الحكومة امتياز استغلال مورد للثروة الطبيعية؛ ناهيك عن الاختصاص المعقود له في نص المادة 17 من اللائحة التنفيذية رقم 27 لسنة 2015 لذات القانون بأن له ” التحقق من حسن استغلال الموارد الطبيعية والثروة النفطية بشكل خاص مع مواءمة الاستدامة والمحافظة على البيئة، ومن أن الحكومة قد راعت مصالح المجتمع والأجيال القادمة وأن الاستغلال لا يؤثر سلبًا على تلك الموارد في الدولة وإنها قد راعت استغلال البدائل المتاحة كالطاقة الشمسية والرياح والرمال ومياه البحر كبديل اقتصادي للاستخدامات الجارية”.

– رقابة الدولة على أوجه استغلال الموارد الطبيعية التي تستوجب أن يكون هذا الاستغلال على النحو الأمثل، والدلالة على ذلك نص الفقرة ج من المادة 3 من قرار مجلس الوزراء (اللجنة الشعبية العامة سابقًا) بشأن التنظيم الصناعي بخصوص توطين المشروعات الصناعية التي يشترط في شأن إقامة هذه المشاريع على المستثمر أن يحافظ علي “الأراضي الزراعية وعدم قطع الأشجار قدر الإمكان وحماية البيئة من التلوث”. وأيضًا تمنح اللائحة التنفيذية للقانون رقم 3 لسنة 1982 بشأن تنظيم استغلال المياه للجهة المختصة الحق في طلب إلغاء الترخيص إذا كان “الانتفاع بالمياه لا يتمشى مع الاستغلال الأمثل للمصدر المائي” ، ونصت الفقرة ب من المادة 19 من ذات اللائحة المشار إليها بشأن تنظيم استغلال المياه على أنه يشترط على المرخص له ألا يسئ استعمال المياه أو تلويثها أو تبدديها.

وهكذا نتبين علاقة القانون البيئي باستغلال الموارد الطبيعية وثيقة الصلة لخطورة النتائج المترتبة على عدم الالتزام بقاعدة استغلال الموارد على النحو الأمثل؛ ففي غياب هذه القاعدة قد يؤدي الاستغلال إلى التدهور البيئي بما يعرض للخطر فرص الأجيال القادمة في تلبية احتياجاتهم.   

أخيرًا لكي يتحقق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الذي يفي بمتطلبات الاستدامة البيئية يتوجب الالتزام بما يلي:

  1. تعزيز وتجديد مخزون الموارد الطبيعية :

    تشجيع نمو الموارد الطبيعية لا يتحقق إلا عن طريق تقليل مستوى الاستغلال الحالي منها؛ الحد من صيد الاسماك في فترة معينة وعدم قطع أشجار الغابات والتسبب بالحرائق لها لا شك يؤثر بشكل مباشر على تجديد هذه الموارد على المدى الطويل. فالمراعي العامة التي حددها أحكام القانون رقم 5 لسنة 1982 وتنمية وتحسين أو تسييج الغابات والمراعي يكون بقصد المحافظة على غطائها النباتي (نص البند ج من ف 2 من المادة الاولى قانون الغابات والمراعي. واستخدام الأراضي استخداما رشيدا وفقا للظروف المحلية يحقق “تحسين التربة وزيادة الحياة النباتية لمنع تصلب التربة وزيادة مكوناتها القلوية والتصحر وفقد المياه”(نص المادة 53 من قانون حماية وتحسين البيئة المشار إليه) ومن أساليب تنظيم الرعي وحماية المناطق الرعوية تقليل الاعتماد على الأعلاف الجاهزة في تغذية الحيوانات بقصد إعطاء الفرصة للغطاء النباتي للنمو والتكاثر” (المادة 54 من قانون حماية وتحسين البيئة المشار إليه)، وغيرها من الآليات التي تحقق ضمانات الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية.

  • تخفيف الضغط على مخزون الموارد الطبيعية:

    ويتحقق هذا الأمر في حالة ما يكون هناك استثمار في مشاريع بديلة تساهم في تخفيف الضغط على المخزون الطبيعي https://www.ifc.org/wps/wcm/connect/؛ مثال ذلك التوسع في الزراعة لتخفيف الضغط على الغابات الطبيعية، ومنع صناعات تزيد من نسبة التلوث في أوقات معينة، لا شك أنه يوفر المزيد من الوقت الذي يمكن أن تتجدد فيه قدرات النظام البيئي؛ مثال ذلك: ما يقرره القانون الليبي في شأن الانتفاع بالمراعي العامة، والذي يحدده وفق شروط وضوابط أهمها يُلزم ذوي الاختصاص بعدم منح ترخيص في شأن استغلال هذه المراعي إلا “بمراعاة طاقات المراعي ودرجة احتمالها حسب المناطق” (المادة 10، قانون حماية المراعي والغابات). بالإضافة إلى ما أختص به ديوان المحاسبة في سبيل تحقيق رقابة الأداء التي يتقرر أحد وجوهها في التحقق من حسن استغلال الموارد الطبيعية والنفط واللجوء للبدائل من أجل استدامتها (الفقرة1، المادة 17، سبق الإشارة إليه)

  • تحسين الكفاءة المستخدمة في دعم وتجديد الموارد الطبيعية:

    زيادة كفاءة طرق استغلال واستخدام الموارد الطبيعية، ومنتجاتها؛ لغرض تطوير وتنمية النباتات لزيادة الإنتاج وتوفير أسهل وأرخص السبل لإكثارها مثل تحسينات طرق حصادها أو استخراجها، واستخدام الحرارة الشمسية ومضخات الرياح  واستخدام السماد بدلا من الأسمدة الكيمياوية من خلال تنظيم تداول وبيع المواد والمبيدات الكيماوية، وإعادة تدوير المنتجات لتحسينها لا شك أنه يزيد من توسيع دائرة الحياة، والتوازن البيئي، وإعادة بناء مخزونات الموارد الطبيعية. ومقاومة الآفات الزراعية للإقلال من استعمال المواد الكيماوية حرصا على الصحة العامة، وهو ما ورد ب  (نص الفقرتين 4، 5، المادة 53، قانون حماية وتحسين البيئة).وكذلك  “البذور والسلالات المحورة جينياً والمعالجة بالهندسة الوراثية “خطر بيئي يضر بمستقبل التنوع الحيوي النباتي والحيواني” (المادة 58 من ذات القانون).

    وعليه، أن النصوص المشار اليها والصادرة من المشرع الليبي في شأن استغلال الموارد الطبيعية الاستغلال الأمثل تعكس  أمرًا غاية في الأهمية، وهو أن استخدام البيئة بكثرة  يؤدي إلى نضوب الموارد الطبيعية وتدهورها، لذلك أضحى من الضروري اللجوء إلى الاستثمار لا استيفاء حاجات الإنسان منها؛ على سبيل المثال الزراعة في حجرات بلاستيكية، ومصائد الأسماك الصناعية تعد بدائل للموارد الطبيعية، وإن كان هذا الأمر يحقق تنمية اقتصادية إلا أنه يقدم فئة هجينة تجمع بين رأس المال الطبيعي والصناعي (Rolando, 1990)

نستنتج من العرض السابق لمبادئ الاستدامة في أحكام القانون الليبي أن الاستدامة ليست برنامج عمل فقط إنما أيضًا التزام أخلاقي.

المبحث الثاني

أوجه الحماية القانونية للبيئة في أحكام التشريع الليبي

    لا معنى للنصوص القانونية ما لم تحدد آليات وطرق ووسائل يتحقق  في إطارها ما تستلزمه مشروعية الإجراءات التي تستهدف حماية البيئة لغرض المحافظة عليها واستدامتها.

المطلب الأول

تجريم الاعتداء على الموارد الطبيعية

     أول أوجه الحماية القانونية للبيئة؛ تجريم الاعتداء على الموارد الطبيعية لما لهذه الموارد من أهمية في استدامة العيش ضمن مكونات

البيئة، ومصطلح الموارد الطبيعية يشمل كافة المخزون الطبيعي منها في الدولة؛ وآليات حمايتها تسري في مواجهة كافة النظم التكنولوجية والاقتصادية، وأيضًا الظروف الاجتماعية التي قد تسبب ضررًا لها.

     ولأنه من الصعوبة معرفة معلومات دقيقة عن احتياطات الموارد الطبيعية؛ إذ ما من  اتفاق محلي أو دولي يحدد العدد والكمية من هذا المخزون الطبيعي حتى نستطيع الوثوق بأن هذه الموارد مستدامة للأجيال القادمة، فكل الذي نعرفه في هذا الصدد مدى الضرورة والحاجة التي تستدعي المحافظة عليها والعمل على استدامتها، وملخص هذا الرأي ورد بقرار الجمعية العامة رقم (1/70 /RES /A – تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030 الصادر في عام 2015) ” كفالة الحياة الدائمة للأرض ومواردها الطبيعية؛  وأقرت أن ذلك يتحقق بحفظ المحيطات والبحار وموارد مياه الشرب وكذلك الغابات والجبال والأراضي الجافة واستخدامها استخدامًا مستدامًا وحماية التنوع البيولوجي والنظم الايكولوجية والحياة البرية”

     وهكذا في إطار تحديد مفهوم البيئة المستدامة نتفق على المحافظة على التنوع البيولوجي (علام،ص100)، وهو مطلب كل دول العالم ووكالات التنمية؛ إلا أنه ليس محوريا في تضمين هذا المفهوم العدد أو المقدار الذي يجب أن يُحفظ وكيف نميز بين الأنواع والأصناف المفيدة وغير المفيدة ، وإذا ما تساءلنا عن ذلك؛ فما من إجابة إلا بقدر ماهي محققة الوجود اليوم، حيث لا يمكننا بأي حال الاحتفاظ بالكل إلا أنه من الواجب أن نكون محافظين للغاية.

  وتملك ليبيا ثروة ضخمة من الموارد الطبيعية؛ لذا فإن المشكلة التي يستوجب إدراجها في نطاق مقاصد حماية البيئة وآلياتها هي مواجهة نضوب وتدهور والنقص الذي يعتري هذه الموارد؛ فلأسف هذا التدهور كثيرًا  ما يكون لا رجعة فيه، وحتى التعويض عن الأضرار البيئية لا يكون مفيدًا في كثير من الحالات.

    وتنقسم الموارد الطبيعية إلى موارد متجددة  تلك التي يجب أن يكون معدل استهلاكها في إطار قدرة النظام البيئي الذي يولدها، وأخرى غير متجددة كتلك التي ينبغي تحديد معدلات نضوبها  مع معدل تطوير البدائل المتجددة من خلال الاختراع والاستثمار البشري؛  وفقا لقاعدة  حسابية تتقرر في إطار وجوب تخصيص عائدات استغلال الموارد غير المتجددة للبحث والسعي عن بدائل مستدامة، وأيًا كان الحال في التفرقة بينهما فإن الأمر بالنسبة لكليهما  في حالة التدهور والنقصان قد يكون يحتاج إلى أمدٍ طويل إن لم يكن استحالة تجددها.

   والموارد الطبيعية تستخدم في التصنيع والعمليات الانتاجية لغرض تلبية الاحتياجات للحياة البشرية مع تزايد طلبات هذا الاستهلاك؛ لذلك الاستهلاك المباشر لهذه الموارد ناهيك عن الأضرار التي تلحق بكثيرٍ منها؛ لاشك إنه يؤثر على البيئة مؤديًا إلى تدهورها نتيجة سوء سلوك الإنسان تجاه الطبيعة التي يعيش فيها، وبالتالي يؤثر على استدامتها، ويستنتج من هذا القول الاستخدام الجيد والسيء في الحالتين يؤدي إلى استنزاف وتناقص ونضوب موارد الطبيعة.

وبالتالي نظرًا لخطورة النتائج التي تترتب على الاعتداء على الموارد الطبيعية، فإن المشرع الليبي حرص على تجريم كافة صور هذا الاعتداء ، وتوقيع العقوبة ليس فقط على الاعتداء العمدي إنما أيضًا في حالة الاعتداء الناشئ عن إهمال أو عدم حيطة.

والنصوص التي توفر الحماية للبيئة ومواردها الطبيعية لا توجد فقط في قانون حماية وتحسين البيئة (المشار إليه)، والقوانين ذات العلاقة بالبيئة؛ إنما لها أساس أيضًا في قانون العقوبات رغم أنه لم يستخدم اصطلاح بيئة في نصوصه؛ والتي نذكر منها:

تقضي المادة 7 بأن “كل من تسبب في انتشار مرض من أمراض النبات أو الحيوان الخطرة على الاقتصاد الزراعي أو على الثروة الحيوانية الوطنية”؛ يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وفي حالة ما كان  “انتشار الآفة ناشئًا عن خطأ المتسبب، كانت العقوبة إما الحبس أو الغرامة التي لا تقل عن مائة دينار.

وتجرم المادة 299 كل من يضرم النار في ملكه بنية الضرر بملك الغير، وكل من أفسد بحيث أتلف أو أعطب إحدى المنشآت المعدة لجمع المياه أو تصريفها أو ما يقام لدرء خطر المياه وغور الأرض أو صيرها غير صالحة ونتج عن كل فعل من هذه الأفعال خطر أو كارثة، وتكون العقوبة الحبس بما لا يقل عن ستة أشهر، وفي حالة تحقق حريق أو كارثة أخرى يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات. وتشدد العقوبة بما لا يتجاوز النصف في حالة ما كان الاعتداء على الغابات أو الأحراش أو المحـاجر أو المناجم أو الترع أو منشآت توزيع المياه أو ما إلى ذلك مما يعد لجمع المياه، أو تصريفها (المادة 300).

 وتعاقب المادة 305 بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات كل من قام بنشر جراثيم ضارة كانت سببًا في حدوث وباء.

 بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره جُرمت أيضًا صور الاعتداء على الموارد الطبيعية في جملة من النصوص التشريعية التي تختص بموضوعات مختلفة ذات علاقة بالبيئة من بينها على سبيل المثال، قانون رقم 2 لسنة 1971م بشأن المناجم والمحاجر، والذي يقضي بموجب نص المادة 44  بسريان عقوبة السرقة أو الشروع فيها مع المصادرة، -في الأحوال التي يتطلبها القانون-  على “كل من استخرج أو شرع في استخراج مواد معدنية أو مواد حجرية من المناجم أو المحاجر دون ترخيص أو عقد استثمار”. والقانون رقم (14) لسنة 1989 بشأن تنظيم استغلال الثروة البحرية  بموجب نص المادة 24 منه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبعقوبة مالية لا تقل عن خمسة آلاف ولا تزيد على عشرة آلاف دينار وكذلك بالمصادرة كل من استخدم “المفرقعات أو المواد السامة أو المخدرات أو المواد الضارة بالصحة العامة أو نمو أو تكاثر الأحياء البحرية أو بأية وسيلة أخرى تضر بالكائنات البحرية دون تمييز” في صيد الكائنات البحرية أو تسبب في ضرر “للأعشاب والنباتات البحرية التي تلجأ إليها الأحياء البحرية لوضع البيض”

     ويعتبر في حكم الاعتداء على الموارد الطبيعية الامتناع عن المساهمة في الحفاظ على المورد الطبيعي، والدلالة على ذلك العقوبة التي توقع على كل من يرفض ودون مبرر قوي القيام بما يطلب إليه من أعمال من خلال التكليف الصادر إليه بالمساهمة في مكافحة حرائق شبت في غابة أو مرعى عام، إذ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر وبغراة مالية لا تقل عن 50 دينارًا ولا تزيد عن 250 دينارًا أو بإحدى هاتين العقوبتين (الفقرة 3، المادة 23 ، قانون  حماية المراعي والغابات)

   ومن أوجه حماية البيئة من الاعتداء يجرم المشرع الليبي في نص (المادة 65، قانون حماية وتحسين البيئة) مخالفة النظام الخاص بحجم الأسماك التي يتم اصطيادها، وتكون العقوبة مالية لا تقل عن ألف دينار ولا تتجاوز خمسة آلاف دينار؛ مع العلم أن القانون الليبي يحرم “صيد أنواع من الأسماك والمحار والأصداف لأجل معين أو بصفة دائمة ” (المادة 19 من ذات القانون)

وتطبيقًا لمعاهدة لندن الصادرة 1954  بشأن منع السفن من القاء الزيت في البحر حدد القانون رقم 8 لسنة 1973 عقوبة مالية  على كل من يخالف أحكامه ” لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تجاوز ثلاثة آلاف دينار”.

بناءً عليه ومن جملة النصوص العقابية الواردة في التشريع الليبي لغرض حفظ الموارد الطبيعية نؤكد أنه يصعب حصرها لكونها كثيرة ومتعددة الدلالات والغايات، وكل ما يمكننا تأكيده في هذا الصدد أن المشرع الليبي يقصد من هذه الحماية تقييد استخدامها وتنظيم كيفية التعامل مع هذه الموارد؛ باعتبار أن هناك حدودًا لنموها أو بمعنى أدق حدودًا لقدرات المصادر البيئية.

المطلب الثاني

آليات حماية البيئة

    الضرر البيئي محتمل وليس متيقن الوقوع لذلك يتعامل معه المشرع الليبي بإجراءات احترازية أو وقائية ويعاقب كل من يتجاوز أحكامها. 

       حدد نص (ف ب المادة 1، قانون حماية وتحسين البيئة) آليات مواجهة الضرر البيئي في “كافة التدابير التي تهدف لمنع حدوث التلوث أو الحد منه إلى أقل معدلاته”، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية انقسمت آليات حماية البيئة في التشريع الليبي إلى وسائل إدارية وأخرى سلطات ضبطية يمثلها جهات رقابية تملك الاختصاص ليس في تجريم الاعتداء على البيئة فقط إنما أيضًا في المحافظة عليها لغرض استدامتها، لذا سنناقش الوسائل القسرية التي تتخذها الإدارة لحماية البيئة، ومن ثم نتعرض بالدراسة للأجهزة والهيئات المعنية بحماية البيئة، وكل ذلك على النحو الآتي:.

أولًا: وسائل وإجراءات وقائية:

    وهي إجراءات وقائية وردت في قانون حماية وتحسين البيئة، وتشريعات أخرى ذات علاقة بالبيئة:

  1. الحظر:

   يفسر الحظر في القاعدة القانونية بأنه المنع من ممارسة النشاط البيئي؛ غير أن الأمر لا يؤخذ على إطلاقه في هذا الاتجاه إذ قد يكون الحظر جزئيًا أو مطلقًا؛ باعتبار أن التدبير الإداري الذي تتخذه سلطات الضبط الإداري يجب أن يتناسب بدقة ويتوافق مع مخاطر تهديد  النظام العام المتمثل في الضرر البيئي؛ بمعنى أن قانونية التدبير الضبطي تفسر من جهة تكافؤه مع خطر الضرر البيئي، وهذا هو السبب الذي يدعو رئيس البلدية أن يتخذ بموجب اختصاصه المحافظة على الصحة العامة بفرض اتخاذ التدابير الملاءمة على القائمين بالأنشطة الصناعية التي تحقق متطلبات البيئة النظيفة والمتوازنة. وبذلك يمكن لسلطات الضبط الإداري دائمًا اتخاذ إجراءات صارمة ومبررة في شأن المحافظة على الصحة العامة. (المادة 9، اللائحة التنفيذية للقانون رقم (59) لسنة 2012م. بشأن نظام الإدارة المحلية)، كما منح المشرع الليبي للإدارة سلطة مراقبة التوازن البيئي (المادة 14 من ذات اللائحة).

    وبذلك يمكن للسلطات المحلية اللجوء للحظر بحيث يكون عامًا إذا كان هو الإجراء الوحيد الذي يضع حدًا للضرر البيئي بحيث يكون قادرًا على مواجهة مخاطر البيئة كالقيام بأعمال من شأنها أن تحقق شروط نص قانوني يتحقق في إطارها الإخلال بضوابط الصحة العامة (أحمد، ص7) .

في حين يعد الحظر نسبيًا إذا ما اتخذت سلطات الضبط الإداري تدابير وقائية في شأن نشاط قد يسبب ضررًا على البيئة خاصة في تلك المستدامة منها ويتقرر في إطار هذه التدابير حصول صاحب النشاط على ترخيص وفقًا للاشتراطات القانونية؛ جاء بنص المادة 1 من قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (80) لسنة 2010  بشأن حيازة المصادر المشعة والأجهزة الباعثة للإشعاعات بأنه ” يحظر حيازة أو استخدام أو استيراد أو تصدير المصادر المشعة أو أي أجهزة ينبعث منها إشعاعات مؤينة دون الحصول على الترخيص المسبق”.

أوجه الحظر جاءت متعددة الغايات والأهداف في التشريع؛ نذكر منها :

  • نصوص تتضمن بشكل أساسي حظر سلوك معين ، من أمثلتها حظر الصيد في المراسي والموانئ والممرات الملاحية (المادة 3، قانون رقم (14) لسنة 1989 بشأن تنظيم استغلال الثروة البحرية)
  • حظر النشاط الذي يقع على الأراضي الزراعية، وما ينبت فيها مهما تعدد وتنوع، ويكون سببًا في الضرر بهذه الأراضي ينتج عنه على سبيل المثال “إتلاف للتربة أو إفساد لمعدن الأرض أو انقاص خصبتها أو إتلاف الأشجار والمغروسات أو قطعها أو تخريب منابع المياه” أو الإضرار بوسائل ضخ وحمل هذه المياه ( المادة 2 من القانون رقم قانون رقم (15) لسنة 1992 بشأن حماية الأراضي الزراعية)
  • حظر ما يلوث مصادر موارد المياه سواء بتصريف الفضلات صلبة أو بإلقاء أية مخلفات أخرى (المادة 6، القانون رقــم 3  لسنة 1982) 
  • يحظر  استعمال أي مادة ضارة كتلك التي تؤثر على نمو وتكاثر الأحياء البحرية وتصيب الصحة العامة (المادة 18 ، قانون حماية وتحسين البيئة)
  • لحماية المياه الإقليمية الليبية يحظر المشرع الليبي على أيًا من الوحدات البحرية كالسفن وغيرها  إلقاء الأتربة أو الحجارة أو القاذورات أو أي مخلفات من الوقود أو سواه (المادتين 21 ، 22 من ذات القانون)

    وبذلك يأخذ المشرع الليبي في نطاق حظر السلوك الذي يهدد استدامة البيئة بمبدأ الوقاية خير من العلاج، وبهذا هو تشريع وقائي يقصد به تجنب وقوع الضرر بمنع سببه، ونجاح هذا الأمر نسبي لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال ايقاف وقوع الضرر أو منعه كليًا؛ فتحويل “الغابات إلى مزارع ماشية يؤدي لنضوب التنوع البيولوجي، واستثمار في مجال الطاقة والتبريد وهو رأس مال من صنع الإنسان بديلا عن الهواء أو الجو الصحي يزداد به التلوث” (أحمد، ص36) 

  • الترخيص:

    المفهوم العام للترخيص هو أذن مسبق من جهة الإدارة لممارسة نشاط معين، ولا يسمح قانونًا القيام به بدون الحصول على هذا الترخيص .

     وقد وردت وجوب الحصول على ترخيص قبل اتيان أعمال وأنشطة من شأنها قد تسبب أضرار بيئية تؤثر على استدامتها في عدة قوانين ليست تلك الخاصة بالبيئة فقط إنما أيضًا في قوانين وتشريعات أخرى تختص بالثروة السمكية والغابات والثروة الحيوانية والبذور؛ وعلى سبيل المثال:  

    والترخيص استثناء عن الحظر؛ فبموجب الترخيص تحدد الجهة المختصة الشروط والضوابط الواجب الالتزام بها للمحافظة على البيئة، ومن خلاله أيضًا يمكن للجهات المختصة التحكم في أسباب تلوث البيئة أو الإضرار بها عن طريق ما يعرف بإجراءات الرقابة والتفتيش.

    وتجدر الإشارة إلى أن الترخيص لا يقصد به الإباحة عند حصول ذوي الشأن عليه؛ إذ يقيده المشرع الليبي بقيود يستهدف منها استدامة البيئة بحسن استغلال مواردها من جهة ومكافحة ما يطرأ عليها من ملوثات من جهة أخرى؛ فالترخيص بقصد الانتفاع بالمصدر المائي يكون في نطاق عدم الإضرار بهذا المصدر (المادة 11، قانون تنظيم استغلال المياه).

كما إن الترخيص باستعمال المياه العذبة لحقن آبار النفط لا يسمح به إلا في حالات الضرورة؛ ولابد من البحث عن بديل مائي أخر لهذه المياه يكون غير صالح للشرب أو الزراعة (الفقرة ب، المادة 7، قانون حماية وتحسين البيئة)

  • الإخطار:

     إجراء احترازي يقصد به الحماية من الضرر البيئي المتوقع ، وتتحقق هذه الحماية في حالة التبليغ عن النشاط المزمع القيام به في نطاق البيئة، وينص التشريع الليبي في نصوص متفرقة منه على وجوب إبلاغ الجهات المختصة بالتصرف قبل اتيانه، وهو تدبير وقائي من جهة مبدأ الحيطة كأحد مبادئ البيئة؛ لكون الأصل في الأشياء الإباحة؛ بمعنى لا يشترط موافقة الجهة المختصة على النشاط  إنما يشترط فقط إخطارها بالفعل. كما هو الحال فيما يستلزمه نص المادة 13 المعدل بنص المادة 4 من قانون حماية المراعي والغابات من ضرورة لإبلاغ الجهة المختصة ممن يبتغي إحراق أية نباتات نامية أو ساقطة أو جافة في حدود أرضه قبل موعد هذا احراق بأسبوعين.

ولا شك أن البعض يفسره ترخيص ضمني في حالة لم تعترض الإدارة عن هذه التصرفات أما إذا طلبت استيفاء شروط معينة فذلك هو ما يعد ترخيص للنشاط   

  • الإلزام:

    من الاساليب التي يتبناها المشرع الليبي في شأن حماية البيئة إلزام الأفراد والجهات بالقيام بأعمال محددة، وهو ما يفسره البعض بأنه حظر آتيان العمل السلبي (أحمد، 8)، والامتناع عن القيام بها لاشك أنه يعد مخالفة تستوجب الجزاء،  وهناك كثير من الالتزامات التي يفرضها القانون الليبي على ذوي الشأن  لأجل حماية البيئة واستدامتها نذكر منها على سبيل المثال:

  • يلزم قانون حماية وتحسين البيئة ذوي الاختصاص في شأن التخطيط العمراني اتخاذ وسائل و آليات من شأنها تحافظ على توازن البيئة (المادة 5، قانون حماية البيئة)،
  • ويلزم قانون تنظيم استغلال المياه المختصين بدراسة مصادر تلوث المياه وكيفية السبيل لإزالة الملوثات ومكافحتها، وتحديد السبل لمعالجة الملوث منها. (المادة 6 )
  • كما يمنح قانون تنظيم استغلال المياه الحق لكل شخص في استغلال مياه البحيرات والأدية والينابيع في الشرب وسقي الحيوانات ويلزمه ألا يكون فيما يقوم به أي ضرر على الأرض أو على المياه ومصادرها (الفقرة أ، المادة 5 قانون تنظيم استغلال المياه) .
  • يلزم المستثمر بالمحافظة على البيئة والصحة العامة، ومنع التلوث في مناطق الاستكشاف والبحث والاستغلال ومناطق المحاجر وفقا لاعتبارات السلامة العامة (مادة (55)، قرار رقم (233) لسنة 2008 بشأن إصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم (2) لسنة 1971 بشأن المناجم والمحاجر.
  • على الجهة المختصة اتخاذ تدابير حددها القانون ” إذا ظهرت دلائل على أن مخزونا مائيا أو منطقة مائية تعانى من انخفاض أو تدهور في نوعية الماء أو كميته” (المادة 9، قانون تنظيم استغلال المياه)
  • لمكافحة التلوث بالزيت يُلزم المشرع الليبي ذوي الاختصاص بتجهيز الموانئ النفطية “بالتسهيلات المناسبة لاستقبال ومعالجة النفايات ومزيج الزيوت ومياه الصابورة التي يراد التخلص منها” (المادة 28، قانون حماية وتحسين البيئة).
  • كما يكلف العاملين على السفن وطائرات الخطوط الليبية “بتبليغ جهة الاختصاص بدون تأخير بوجود غطاء من الزيوت أو المحروقات عائم على البحر ويمكن أن يشكل تهديدا خطيرا للسواحل الليبية، وكذلك في حالة وقوع حادث سبب أو يمكن أن يسبب تلوثا بواسطة الزيوت والمحروقات” (المادة 25، قانون حماية وتحسين البيئة)

ثانيًا/ الرقابة المتخصصة في شأن حماية البيئة واستدامة الموارد الطبيعية:

عَهِدَ القانون الليبي لعديد من المؤسسات المتخصصة بتأمين حماية ناجعة للبيئة بقصد استدامة مواردها الطبيعية؛ وهي: الهيئة العامة للبيئة، وإدارة شؤون الإصحاح البيئي، وديوان المحاسبة؛ ونناقش استراتيجيات كلا منهما في هذا الشأن على النحو التالي:

  1. الهيئة العامة للبيئة:

   أنشئت الهيئة العامة للبيئة بقرار مجلس الوزراء رقم 341 لسنة 2012 كمؤسسة متخصصة تُعنى بمكافحة التلوث البيئي من خلال التدخل المباشر والهادف في معالجة التلوث بأنواعه؛ إذ منحها المشرع الاختصاص في تنظيم العديد من العمليات التي تشكل أساس القانون البيئي؛ منها: تحديد آليات للتخطيط البيئي، وحفظ الموارد الطبيعية ، وتقييم الأثر البيئي ومخاطر التلوث ومكافحته، وترخيص النفايات.

ولأن النظام البيئي الذي يحقق استدامة البيئة مرهق ومكلف للغاية فقد أضحت الحاجة ملحة لوجود خبراء ومختصين مع الاعتماد على التقنيات التي تتطور يومًا بعد يوم. لذلك التقصي عن بيئة مستدامة أمرًا ما عاد ممكنًا فقط إنما أصبح أمرًا مرغوبًا فيه ذا أهمية بالغة تتطلب الدقة والخصوصية؛ لذلك يقع على عاتق الهيئة العامة للبيئة مسؤوليات تتطلب استراتيجيات ذات أثر في حماية وتحسين البيئة في ليبيا لغرض استدامتها؛ نذكر منها:

  • زيادة وعي الفرد بأهمية المحافظة على البيئة، مما يعزز انتشار فكرة المسؤولية تجاه البيئة التي نعيش فيها.
  • مواكبة التطورات العلمية بشأن التقنيات والتكنولوجيا الصالحة للقيام بمهامها لغرض تحديد المشكلات وبيان الأولويات.
  • التحول في مكافحة التلوث من العلاج إلى الوقاية، والدلالة على ذلك ما اختص به القانون الليبي إدارة الوقاية والصحة البيئية كإدارة متخصصة في الهيكل التنظيمي للهيئة؛ بأن يقع على عاتقها القيام بعدة مهام في هذا الاتجاه منها: تنفيذ التشريعات والقوانين الخاصة بالاشتراطات البيئية، ومنح الأذونات في شأن استيراد وبيع ونقل واستعمال وتصنيع المواد الكيماوية والمبيدات، واقتراح آليات لمواجهة المخلفات والنفايات.
  • التنظيم القانوني للبيئة وفق التشريع الليبي يؤكد أن المحافظة على البيئة يحقق ليس النمو الاقتصادي المستدام فقط إنما يعزز الرفاه والازدهار والعيش في وئام مع الطبيعة من خلال المحافظة على الموارد الحية، والنظم البيئية من كل ما يعرف بالتلوث البيئي، وما يسببه الإنسان من ضرر للبيئة، وإنشاء واستغلال المحميات لغرض حماية التنوع الإحيائي.  

       ونتبين الدلالة على ذلك فيما ورد باختصاصات الهيئة العامة للبيئة في هذا الصدد الصادرة بموجب القانون رقم 15 لسنة 2003 بشأن حماية وتحسين البيئة، ووفقًا لقرار المجلس الرئاسي رقم 23 لسنة 2021 بخصوص الهيكل التنظيمي للهيئة العامة للبيئة؛ من أن لها  القيام بالمهام الآتية:

  • تقييم الأخطار والآثار المحتملة لاستخدام البذور والسلالات المحسنة جينيًا قبل دخولها ليبيا
  • حماية البذور والسلالات الوطنية
  • مراقبة وحماية مصادر المياه من التلوث.
  • الإشراف على إصحاح البيئة

    نستنتج من جملة هذه الاختصاصات أنه؛ يتوافر المزيد  من الآليات والضمانات القانونية للإطار الاستراتيجي للاستدامة، فيما تعتمده هذه الهيئة من خطط بيئية، وما لها من صلاحيات واسعة في علاقاتها مع الهيئات والمنظمات المتخصصة خاصة تلك المنبثقة عن المواثيق الدولية التي اعتمدتها ليبيا، والتي نذكر من بينها: بروتوكول قرطاجنة الذي دخل حيز النفاذ في سبتمبر 2003م، واتفاقية التنوع البيولوجي؛ وهي وثيقة رئيسية بشأن التنمية المستدامة (1992)، واتفاقية كيوتو (1992)، وغيرها (https://ar.wikipedia.org/wik).

  • إدارة شؤون الإصحاح البيئي:

   الاستدامة لا تتعلق فقط بحماية البيئة إنما أيضًا بصحتنا كمجتمع؛ وذلك في ضمان عدم معاناة أي فرد من أفراد المجتمع، أو أي نمط من أنماط النظام الأيكولوجي على وجه الأرض، ولهذا يُعد منع التلوث قضية أساسية للاستدامة البيئية .

      وبمراعاة  تلك الاعتبارات صاغ المشرع الليبي فكرة الاصحاح البيئي في أحكامه التي يمكن من خلالها ” التحكم في كل العوامل البيئية التي لها تأثير مباشر أو غير مباشر على سلامة الإنسان البدنية أو النفسية أو الاجتماعية ” (الفقرة 2، المادة الأولى، قانون حماية وتحسين البيئة ).

       وبالتالي الرقابة على سلامة البيئة وفق الاختصاصات المنوطة بإدارة شؤون الإصحاح البيئي تلك الواردة بنص المادة 9 من قرار (رقم (55) لسنة 2012 باعتماد الهيكل التنظيمي واختصاصات وزارة الحكم المحلي وتنظيم جهازها الإداري) لا شك أنها تتحقق بها مؤشرات التنمية المستدامة) ((Andersson, Dickin, Rosemarin(2016؛ إذ توفر أهداف التنمية المستدامة في رؤية 2030 خطة واسعة لدور الإصحاح البيئي منها: تحسين الأمن الغذائي (الهدف2)، الصحة الجيدة والرفاه (الهدف 3)، والمياه النظيفة والنظافة الصحية (الهدف6)، ومدن ومجتمعات محلية مستدامة (الهدف11) ، الاستهلاك والانتاج المستدامان (الهدف12).

   تأسيسًا على ما تقدم فإن الإصحاح البيئي هو أحد الفرص للتحفيز للاستدامة من منظور استعادة الموارد الطبيعية التي يمكن تعزيزها بالطرق التالية:

  • ينبغي حماية البيئة والموارد الطبيعية بوسائل وأساليب تتبناها المجتمعات المحلية بهدف المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة.
  • تطوير طرق وأساليب الأنظمة المحلية في توفير الخدمات الصحية واحتياجات المجتمع مع مراعاة جوانب الاستدامة.
  • لا ينبغي الاعتماد على التكنولوجيا في التخلص من النفايات، ولكن بدلًا من ذلك يمكن التركيز على إدارة الموارد، وهو ما قد يخفض المخاطر على صحة الإنسان من خلال معالجة النفايات باتخاذ تدابير أخرى تكون  غير تقنية.
  • غاية التنمية المستدامة تحسين جودة المياه وحماية التربة والغطاء النباتي عن طريق الحد من تصريف الفضلات فيها.
  • تعزيز ودعم  آليات الاصحاح البيئي تتطلب إرادة سياسية وموارد مخصصة بما في ذلك المالية والبشرية والقدرة التقنية في ايجاد الحلول الناجعة لمشكلة القمامة ومكافحة التلوث المسببة له.
  • ديوان المحاسبة:

   سبق الإشارة إلى أن استدامة البيئة هدف يتعلق بالأمن القومي في التشريع الليبي، ومن أهم الاستدلالات على هذا الرأي ما أسنده المشرع الليبي من اختصاصات لديوان المحاسبة في هذا الشأن كتلك الواردة في نص الفقرة 4 من المادة 25 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 19 لسنة 2003 بأن “يتولى الديوان بصفة دورية مراجعة المشروعات المنفذة والتي تم استلامها للتأكد من  مراعاة قوانين ومتطلبات سلامة البيئة ونظافتها والسلامة العامة “.

   ودون تكرار للنصوص التي يعمل ديوان المحاسبة بمقتضاها في اتجاه استدامة البيئة والتنمية المستدامة نؤكد بأن ديوان المحاسبة سلطة من السلطات العليا في الدولة التي تستهدف باختصاصها المحافظة على الموارد الطبيعية واستدامتها، والتحدي الهائل في إدارة اقتصاد الدولة يتمثل في ضمان الطعام والخدمات والمصالح لحوالي 7 مليون نسمة وهي الكثافة السكانية للشعب الليبي يتوقف على عدم الإضرار بالبيئة والموارد الطبيعية التي يعتمد عليها الجميع.

      لذلك الرقابة المنوطة بالديوان في هذا الصدد يقصد منها الرقابة على استدامة الموارد الطبيعية وترسيخ قاعدة  عدم الأفراط في الاعتماد على هذه الموارد خاصة النفط والغاز لتلبية احتياجات الجيل الحالي، واللجوء إلى أساليب أخرى من شأنها قد تؤثر بشكل مباشر على الظروف ‏ الاقتصادية وما يستتبعها من ضوابط تحقق الرفاه والرخاء في بلادنا .

وتجدر الإشارة إلى  أن أي استهلاك يستند إلى المخزون الطبيعي وهو ما يعرف برأس المال الطبيعي؛ لا يعد دخلًا، ويجب عدم احتسابه على هذا النحو، ووفق هذا الاعتبار تُلزم النصوص القانونية السابق الإشارة إليها في مواضع متقدمة من هذا البحث ديوان المحاسبة؛ علاج استهلاك رأس المال الطبيعي  كإيراد في ليبيا، وتعزيز أنماط أخرى من الدخل تعتمد مصادر بديلة؛ إذ أن استهلاك النفط والغاز يعني تصفية هذه الموارد أو سحب الاستثمار منها في حالة نضوبها وتدهورها.

     وهكذا نتبين من الآليات القانونية في التشريع الليبي بشأن حماية وتحسين البيئة أنها تهدف إلى تحقيق بيئة نظيفة صحية متوازنة، وهو مفهوم يأتي في إطار المقصود باستدامة البيئة بمعناها الواسع.

الخاتمة

 نخلص مما تقدم أن الاستدامة البيئية في أحكام القانون الليبي تعتبر قاعدة قانونية ملزمة، نتبين منها حرص المشرع الليبي على إيجاد قواعد وإجراءات قانونية تحقق البيئة الصحية المتوازنة، مما يعزز الضمانات القانونية التي يتحقق من خلالها حماية وتحسين البيئة، وقد نتجت عن هذه الدراسة جملة من النتائج نوردها على النحو التالي:

  1. مفهوم الاستدامة في التشريع الليبي يستنبط من النصوص القانونية التي تُقيد استخدام الموارد الطبيعية.
  2. الاستبدال في الموارد الطبيعية هو الاستثناء وليس القاعدة، بمعنى لا وجود لموارد من صنع الإنسان تضاهي ما خلقه الله
  3. يتبنى المشرع الليبي الإجراءات الوقائية مما يجعله تشريع وقائي يستهدف من خلال أحكامه تجنب وقوع الضرر بمنع أسبابه
  4. التعزيز المؤسسي شرط ضروري لتأمين فاعلية النصوص القانونية وتنفيذها.
  5. الحاجة إلى تشريعات وطنية والتقصي عن ضماناتها هو الخيار الأفضل في تحديد آليات تحقيق التمية المستدامة في إطار البيئة.

أما التوصيات نجملها فيما يأتي:

  1. حتى تتحقق مشاركة الإنسان في المحافظة على البيئة في صورتها المثالية يتوجب على المشرع الليبي اصدار تشريع يمنح فيه الحق لغير ذي مصلحة رفع دعوى أمام القضاء مطالبًا فيها برفع الضرر الواقع على البيئة.
  2. ايجاد محاكم متخصصة للنظر في الدعاوي المتعلقة بالبيئة الغرض منها تحقيق الحماية الأمثل للبيئة، وذلك بوجود القاضي المتخصص ذا الدراية والمعرفة الكاملة بمشكلات البيئة والخطر المتحقق على المستدام منها. 
  3.  التشديد في العقوبة المالية، ومنح القاضي الاختصاص التقديري في تحديد قيمة التعويض عن الضرر بالبيئة ؛ لما في ذلك من أثر في مكافحة التلوث بتقييد أسبابه .
  4.  كل من يعتدي على البيئة بقصد أو بغير قصد لا يمكن له الافلات من العقاب، وهذا لا يتحقق إلا إذا قام المشرع بتضمين القانون الجنائي صور الجرائم التي تقع على البيئة وربطها بعقوبات محددة؛ حتى يتسنى للجهات المختصة ملاحقة المجرمين الذين تسببوا في الضرر للموارد الطبيعية خاصة تلك غير المتجددة. 
  5. الاستدامة تتطلب قوانين جديدة تواكب التطورات العلمية في مجال البيئة، أو إجراء تعديلات على القوانين القائمة حتى تتحقق متطلبات التنمية المستدامة في ليبيا على النحو الأمثل.

المراجع

اللغة العربية:

الكتب:

حداد، ريمون (2006). نظرية التنمية المستدامة، بيروت: برنامج دعم الأبحاث في الجامعة اللبنانية.

علام عبدالرحمن حسين علي ، الحماية الجنائية لحق الإنسان في بيئة ملائمة. القاهرة: مكتبة نهضة الشرق.

الأبحاث العلمية:

أحمد، عبد الفضيل محمد ، المسؤولية المدنية والجنائية عن تلويث البيئة، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية والشرعية، (العدد 36)

أرزقي، رابح (2017)، على البلدان المنتجة للنفط التركيز على كيفية تنويع اقتصاداتها مجلة التمويل والتنمية ، المجلد 54 (العدد 4)  

بوذراع، ياسين (2018). السياحة البيئية بين الأهمية الاقتصادية والاجتماعية وتحدي المحافظة على بيئة مستدام. مجلة العلوم الانسانية (العدد49)، الجزائر.

ساطي، رمضان سالم (2016).التشريعات البيئية الليبية والمخلفات الطبية، مقال منشور على الرابط  https://medicalwaste.org.ly

سلامة، أحمد عبد الكريم سلامة، البيئة وحقوق الإنسان في القوانين الوطنية والمواثيق الدولية. مجلة البحوث القانونية والاقتصادية والشرعية (العدد36)

سلامة، أحمد عبدالكريم ، مبادئ حماية البيئة في القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية والشرعية)

الغزير، نعيمة وأحمد، فائزة.(2020). (ضمانات سيادة القانون لتحقيق التنمية المستدامة في التشريع الليبي)[بحث مقدم]. المؤتمر الدولي العلمي الرابع لكلية الاقتصاد والتجارة “الأهداف العالمية للتنمية المستدامة –الدول النامية بين تداعيات الواقع وتحديات المستقبل” جامعة المرقب (الخمس/ ليبيا)

محمد محمود الشركسي، الحماية الجنائية للبيئة في التشريع الليبي، مجلة وادي النيل للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ISSN: 2536 – 9555

محمد، جيهان سيد (2021) ، دور الاقتصاد غير الرسمي في تحقيق التنمية. المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة ، المجلد 51 (العدد 1). كلية الاقتصاد والتجارة جامعة عين شمس.

اللغة الإنجليزية:

Andersson, K. & Dickin, S. & Rosemarin (2016). Towards Sustainable sanitation: challenges and Opportunities in Urban Areas. Journals Sustainable. Issue 12/ 103390/su8121289

Elleuch, B.,& Bouhamed, F. & Elloussaief, M. &Jaghbir, M.(2018)   Environmental sustainability and pollution prevention. https://link.springer.com

Environmental Law for Sustainability. Oxford, UK: Hart Publishing, ISBN: 1841135445

Wood, S.& Richardson, B.(2006)  Environmental Law for Sustainability.

اللغة الفرنسية:

Marin Léon Rolando. (1990). Nature conservation from a sustainable development perspective: the case of Costa Rica. Master’s thesis, the University of Quebec at Chicoutimi.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *