نوفمبر 22, 2024 6:46 م
images

الباحثة / إيمان الفتوح

 أستاذة بمدرسة أبي القاسم الشابي سلا –المغرب

imftouh@gmail.com

00212661164355

الباحثة / نجوى ادريوش

أستاذة بمدرسة عبد السلام الزهراوي – سلا – المغرب                                        

najouaaram@gmail.com

00212660007246

الملخص

يشكل التعليم رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، ذلك أنه يمكن المتعلمين من مواجهة المشاكل والتحديات المحلية والعالمية، الحالية والمستقبلية مواجهة بناءة وخلاقة مما يساهم في إنشاء مجتمعات أكثر استدامة، فتوافر التعليم للجميع سيؤدي إلى حياة أفضل وأكثر صحة للأطفال، كما سيؤدي إلى المزيد من العدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي، وتعكس مصادقة المغرب على الاتفاقيات الثلاث لقمة الأرض الأولى بريو البرازيلية حول التنوع البيولوجي والتغيرات المناخية ومكافحة التصحر إضافة إلى عدد من الاتفاقيات متعددة الأطراف، حيث انخرط المغرب تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله في سياسة استباقية وطوعية في مجالات التنمية المستدامة، وقد تكرس هذا الاختيار من خلال القيام بإصلاحات واسعة واستراتيجيات وطنية كبرى منها: الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، و برنامج الطاقات المتجددة، والرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2015 – 2030، كما أطلق جلالة الملك ورش تجديد النموذج التنموي الوطني لتعزيز مسيرة التقدم والنماء والاستثمار في الرأسمال البشري و تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.

بالرغم من هذه الجهود المبذولة لتعزيز التربية من أجل التنمية المستدامة إلا أن هناك العديد من التحديات لا تزال قائمة، ومن هذا المنطلق تتحدد الإشكالية المركزية للبحث في السؤال التالي: ما هي التحديات التي تعترض تحقيق أهداف التعليم من أجل التنمية المستدامة؟

 

The challenges of achieving the goals of education on sustainable development in the Moroccan school

Researcher / Iman Al-Fotouh

Professor at Abi Al-Qasim Chebbi School, Salé, Morocco

Researcher / Najwa Adryush

Professor at Abdessalam Zahraoui School – Salé – Morocco

 

Abstract

Education is an essential lever for achieving sustainable development in various social, economic, cultural and environmental fields, as it enables learners to face current and future local and global problems and challenges constructively and creatively, which contributes to the creation of more sustainable societies. The availability of education for all will lead to a better and healthier life for children, and will also lead to more social justice and social stability. Morocco’s ratification of the three agreements of the first Rio Brazilian Earth Summit on biodiversity, climate change and combating desertification, in addition to several multilateral agreements, reflects the kingdom’s commitment to the favour of Education under the wise leadership of His Majesty King Mohammed VI. Morocco has engaged in a proactive and voluntary policy in the field of sustainable development. This choice has been enshrined through the implementation of broad reforms and major national strategies, including, the national strategy for Sustainable Development, the national initiative for Human Development, the renewable energies program and the strategic vision for the reform of the education and training system 2015-2030. His Majesty also launched workshops to renew the national development model to promote progress and development, invest in human capital and reduce social and spatial disparities.

Despite these efforts to promote education for sustainable development, there are still many challenges, and from this point of view, the central problem of the research is determined by the following question: What are the challenges to achieving the goals of education for Sustainable Development?

مقدمة                                                     

مارس الإنسان بأنشطته المتنوعة ضغطا على كوكب الأرض، الذي أصبح مهددا بعد أن أصبح يعاني من تبعات التقدم التكنولوجي والعلمي والصناعي، ونتيجة الاستخدام اللاعقلاني للبيئة ومرافقها، الشيء الذي أدى إلى تغير المناخ وانحسار سريع للتنوع البيولوجي، وتدهور البيئة عن طريق استنفاذ موارد البيئة الطبيعية واستنزافها، مما يهدد بقاء الإنسان واستمراره على المدى البعيد، فكان لزاما التفكير في كيفية التوفيق بين المحافظة على الوضع الاقتصادي، و العيش في بيئة سليمة يسودها العدل والسلام صالحة للأجيال الحاضرة والمستقبلية وبين إعداد مخططات مندمجة يشارك فيها الجميع لترسيخ قيم التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها التي من بينها التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة، لأهميته في تحقيق التنمية المستدامة في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية لقدرته على إطلاق الطاقات الكامنة في الأفراد التي من شأنها أن تحقق أهداف التنمية المستدامة وتصوغ القيم والمفاهيم والاتجاهات والمهارات  التي تجعل الأفراد يتعاملون مع البيئة ويحافظون عليها  ويستفيدون من خيراتها بشكل لا يضر بالأجيال القادمة، وبالتالي إنعاش قيم السلام والتسامح التي تخلق مجتمعا عادلا تسوده المواطنة الإنسانية، وقيم التنوع الثقافي التي تضمن المصلحة العامة للإنسان، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو لغته، وقد أشارت المديرة العامة لليونسكو أندري أزولاي إلى أنه “في وقت تتقاطع فيه التحديات المناخية والصحية والتكنولوجيا باتت إعادة التفكير في التعليم حاسمة أكثر من أي وقت مضى من أجل توجيه المستقبل ويجب علينا أداء ذلك معا إذ أن التعليم في المستقبل يتطلب توفير مساحة أكبر للمشاركة والمساهمة إلى جانب المجتمع التعليمي بأكمله والمجتمع ككل لتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي” (د. ماجد السلمي، 25 يوليوز 2022).

وقد انخرط المغرب في سياسة استباقية وطوعية في مجالات التنمية المستدامة، لتكريس هذا الاختيار وذلك من خلال القيام بإصلاحات واسعة واستراتيجيات وطنية كبرى كاستراتيجية إصلاح منظومة التربية والتكوين 2015-ـ2030 وورش تجديد النموذج الوطني التنموي  لكن رغم ذلك مازالت هناك العديد من التحديات تحول دون الوصول إلى الأهداف المنشودة .

أهمية البحث

تتجلى أهمية البحث في ربط برامج التعليم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ذلك أن هذه البرامج موجهة بالأساس إلى العنصر البشري المسؤول عن تحقيق هذه التنمية، لتأهيله قصد الانخراط في مجالات الحياة المختلفة، بما يعود على المجتمع بالنفع، لذلك فإن البحث يحاول دراسة السبل لوضع برامج التعليم، والطرق لقياس نجاعتها، وتحديد معوقات نجاحها والحلول المقترحة لمواجهتها، وإظهار الجهود المبذولة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة دوليا ووطنيا.

إشكالية البحث

تدور إشكالية البحث حول السؤالين التاليين: ما هي أفضل المناهج الكفيلة بتطوير نظام التعليم نحو تحقيق تنمية مستدامة، على غرار نظم التعليم المتقدمة بالعالم؟ وما دورها في تحديد الحلول الكفيلة بمواجهة التحديات والمشاكل التي تواجه عملية التعليم؟ واعتمدنا للإجابة على هذه الإشكالية المنهج والوصفي التحليلي.

أهداف البحث

يهدف البحث إلى الوقوف على التحديات التي تواجه تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المغرب واقتراح بعض الحلول للمساعدة على تجاوزها مع تحديد معايير نجاعة مناهج التربية والتعليم في تحقيق التنمية المستدامة.

الكلمات المفتاحية                                        

التربية ـ التنمية ـ المعيار ـ التعليم ـ التنمية المستدامة ـ الجودة .

تحديد بعض المفاهيم

  • التربية لغة ربا الشيء: يربو رُبُوًا: زاد ونما(محمد, بن مكرم بن منظور، صفحة 304)،ربّاه تربية: أحسن القيام عليه ووليه حتى يفارق الطفولة(محمد, بن مكرم بن منظور، صفحة 401)، ربَّ يربُّ تعهده ورباه وأدبه، ربا يربو ربوا الولد، نشأ الشيء: زاد وربى تربية، رب الولد: نشأه جعله يربو غذاه ثقفه وهذبه وأدبه ، الشيء نماه زاده (جبران , مسعود، 1992، صفحة 382).

فالتربية لغة بالمعنى الواسع تعني تكوين الفرد وتنشئته عقليا وجسميا و أخلاقيا.

أما اصطلاحا فنجد تعريفات عديدة نذكر منها: “إنها تعني أن نخرج ممن نربيه جميع ضروب الغنى الكامنة فيه ونظهرها بعد خفاء ونفتحها حتى مداها، والمربي الحقيقي هو الذي يساعد الطفل على أن يغدوا إنسانا ذا شأن وشخصية ذات وزن، أي أن يستخرج قواه الذاتية وطاقاته المبدعة الخلاقة حتى أقصى مدى ممكن ” (عبد الله , عبد الدايم، 1984، صفحة 506).

و من هنا نستنتج أن التربية هي عملية تنشئة اجتماعية منهجية ومستمرة، لنقل مجموعة من المعارف والمهارات والقيم من الملقي إلى المتلقي، لإعداده ذهنيا ونفسيا وعقليا، لإنتاج سلوكيات وأفعال تساعد الفرد على العيش والعمل والاندماج وسط المجتمع.

  • التنمية:

التنمية: نمي نماء: الزيادة، نمى: زاد وكثر (محمد بن مكرم بن منظور، صفحة 341)،(جبران , مسعود، 1992، صفحة 821).و منه فإن التنمية في اللغة تعني الزيادة والنماء في كم الأشياء أو نوعيتها أو كيفها، كما أنها الجهد المنظم لتنمية موارد المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بقصد القضاء على التخلف وتوفير الحياة الكريمة لكل فرد من أفراد المجتمع.

وفي قاموس المصطلحات السياسية الاقتصادية والاجتماعية “التنمية بمعناها البيولوجي والأخلاقي يفيد فعل النمو بمعنى الازدياد والتكاثر والتطور.”(سامي ذبيجان آخرون، 1990، صفحة 165).

و عرفتها الأمم المتحدة في عام 1955، أنها العملية المرسومة لتقدم المجتمع جميعه اقتصاديا واجتماعيا مع الاعتماد على مساهمة المجتمعات المحلية ومبادرتها، كما اعتبرتها موضوعا أساسيا وحقا من حقوق الإنسان، وبالتالي ينبغي على الشعوب كافة أن تشارك في عملية التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

و يرى نائل عبد الحافظ العواملة أن “التنمية عملية متكاملة الأبعاد والجوانب تهدف إلى تعزيز قوة المجتمع والمحافظة على بنائه المادي والمعنوي من خلال جهود فردية وجماعية واعية تساعد في الصعود المتواصل والمضطرد على درجات سلم التنمية، إنها عملية الانتقال بالمجتمع من مرحلة لأخرى أكثر تقدما من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية والعلمية والثقافية والتكنولوجية والبيئية، ويعطي مفهوم التنمية اهتماما متوازنا لكافة جوانب التنمية المجتمعية وأبعادها المادية والمعنوية.”(نائل, عبد الحافظ العواملة، 1431ه/2010م، الصفحات 36-37).

  • التعليم:

الجذر ع.ل.م. أثر في الشيء يتميز به. والعلم نقيض الجهل(أحمد بن فارس، 1399هـ/1979م، صفحة 110)،علمت الشيء عرفته وخبرته والعلم نقيض الجهل (محمد بن مكرم بن منظور، صفحة 418)،علم الشيء: عرف وأدرك حقيقته ، علّم التلاميذ درّسهم، العلم: إدراك الشيء ووجدانه بحقيقته المعرفة (جبران , مسعود، 1992، الصفحات 523-562).

في معجم مصطلحات التربية والتعليم نجد أن التعليم هو “نقل المعلومات من المعلم إلى المتعلم بقصد إكسابه ضروبا من المعرفة كإحدى الوسائل في تربيته.” (محمد حمدان، 2007، صفحة 70).

ويمكن إجمال معنى التعليم في أنه مجموعة من المناهج الهادفة إلى نقل المعلومات إلى ذهنية المتعلم، وفق طرق بيداغوجية تكسبه مجموعة من المعارف.

  • التنمية المستدامة

تعني التنمية المستدامة التحديث المستمر لوسائل تقدم المجتمع ومؤسساته بما يلائم تطور الحياة، وذلك بمناهج لا تعرف التوقف عن التغيير نحو الأفضل والإنسان هو هدف التنمية المستدامة وغايتها كما هو وسيلتها أيضا، فهو الذي يضع البرامج وينفذها، فإذا نجحت هذه البرامج عادت بالنفع عليه وعلى من حوله.

أ ـ مقومات التنمية المستدامة

تقوم التنمية المستدامة على مجموعة من العناصر أهمها:

  • وجود إرادة سياسية قوية لدى الدولة، لتدفع بمؤسساتها المختلفة إلى سلوك مناهج التنمية في سائر المجالات .

–  توافر الأطر اللازمة لوضع برامج التنمية ومتابعة تنفيذها وقياس نجاعتها .

– توافر الدعم المالي اللازم للاتفاق على برامج التنمية و تنفيذها.

– قبول أفراد المجتمع ومؤسساته لعملية التنمية من خلال الرضى ببرامجها والمشاركة في التخطيط لها والتعاون على تنفيذها.

ب ـ أهداف التنمية المستدامة

وضعت الأمم المتحدة ضمن خطة القضاء على الفقر، وحماية كوكب الأرض، وضمان السلام للشعوب والازدهار، بحلول 2030م أهدفا تشمل الموضوع البيئي والاجتماعي والاقتصادي، وتقتضي هذه الأهداف تعاون الجميع لاتخاذ خيارات صحيحة لتحسين الحياة بطريقة مستدامة للأجيال القادمة، فلا يمكن لدولة أن تعمل وحدها لتحيق النمو الاجتماعي والاقتصادي في إطار حدودها فقط، بل يجب عليها أن تتعاون مع الدول الأخرى لضمان تحقيق الأهداف والاستدامة للعالم أجمع. وهي عبارة عن سبعة عشر هدفا:

الهدف الأول: القضاء على الفقر بصيغه المختلفة.

الهدف الثاني: توفير الغذاء للجميع والقضاء للجميع.

الهدف الثالث: تمكين الجميع من العيش في صحة جيدة وتحسين مستوى العيش.

الهدف الرابع ضمان جودة التعليم للجميع.

الهدف الخامس: المساواة بين الجنسين على جميع مستويات صنع القرار في الحياة الاقتصادية و العامة.

الهدف السادس: ضمان حصول الجميع على خدمات المياه والصرف الصحي مع تدبير مستدام للموارد المائية.

الهدف السابع: ضمان حصول الجميع على طاقة متجددة وبتكلفة مناسبة.

الهدف الثامن: ضمان التشغيل وتوفير العمل اللائق للجميع .

الهدف التاسع: إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود مع تشجيع التصنيع المستدام والابتكار.

الهدف العاشر: الحد منعدم المساواة بين البلدان وفيما بينها.

الهدف الحادي عشر: إعداد مجتمعات ومدن يسودها الأمن و السلام.

الهدف الثاني عشر: ضمان استهلاك وإنتاج مستدام.

الهدف الثالث عشر: إيجاد حلول ناجعة للتغير المناخي وتوابعه.

الهدف الرابع عشر: المحافظة على مياه البحار والأنهار و ثرواتهما.

الهدف الخامس عشر تعزيز النسق الأيكولوجي واستغلاله بشكل مستدام مع الحفاظ على الغابات ومكافحة التصحر ووقف تدهور الأراضي وتدني التنوع البيولوجي.

الهدف السادس عشر: توفير العدالة للجميع وتعزيز مبدأ المساءلة و المحاسبة.

الهدف السابع عشر: تفعيل وسائل تنفيذ الشراكة لتحقيق التنمية المستدامة.(مدحت أبو النصر وياسمين مدحت، 2017)

أولا أثر إدارة الجودة في التعليم على التنمية المستدامة

التنمية هي تطوير المجتمع، عن طريق الانتقال به من الوضع الذي يعيشه إلى وضع أفضل (مدحت أبو النصر وياسمين مدحت ، 2017، صفحة 79)، ولذلك فإن برامج التنمية أو مناهجها، هي مجموع الطرق والمناهج التي تؤدي إلى نقل المجتمع من درجة في التطور إلى درجة أعلى منها. وإذا كان ذلك يتم بمناهج تضمن التطوير استمرارا في الزمن، سمي تنمية مستدامة أو مستمرة أو متواصلة. و لذلك تتعدد مناحي هذه التنمية، لأنها تشمل كافة المجالات التي تسهم في تقدم المجتمعات، فهناك تنمية طبيعية أو بيئية، وهناك تنمية بشرية، وتنمية اجتماعية، وأخرى اقتصادية، وهناك تنمية صحية، وأخرى سياسية، وأخرى تعليمية. وترتبط هذه المجالات ببعضها ارتباطا وثيقا، لأنها تتعلق بتحسين حياة الإنسان. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مجال تنمية التعليم يهيمن عليها جميعا، لأن أي تنمية لا بد لها من مناهج متينة تحققها، ومن شروط هذه المناهج أن تكون مناهج علمية منظمة، قادرة على صياغة برامج، ورسم أهداف، وتحديد معايير لقياس تحقق تلك الأهداف ونجاعة تلك البرامج.

ونظرا لأن موضوع برامج التعليم في علاقتها بالتنمية هو العنصر البشري، فإن مفهوم تنمية الموارد البشرية قد عرف تطورا ملحوظا في المؤسسات المختلفة بدول العالم، باعتبار هذه الموارد شاملة لمجموع العاملين بالمؤسسات، إلى جانب أفكارهم ومؤهلاتهم العلمية، وخبراتهم ومهاراتهم التي يوظفونها بتوجيه من الخطط والبرامج والمناهج التي تنظم أداء مهامهم وتنفيذهم لأغراض المؤسسة.

وقد آل الاهتمام بالعنصر البشري إلى اعتباره رأسمالا، ورأس المال هو مفهوم ذو أصل اقتصادي، حيث يعني مجموع الأموال التي يضعها صاحبها أساسا لاستثماره في مجال التجارة أو الصناعة أو الخدمات، أو غيرها من المجالات الاقتصادية، لكن هذا المفهوم استعير للتعبير عن القيمة البشرية في مؤسسات الدولة المختلفة أيا كانت طبيعتها، باعتبار أن العنصر البشري كالعنصر المالي، يعد ضروريا لكل تنمية (مدحت ابو النصر وياسمين مدحت محمد، 2017، صفحة 25).

وبذلك لم يعد رأس المال مقتصرا على المال وحده بل صار ينقسم إلى أنواع، فهناك رأس المال بمفهومه الضيق والتقليدي المكون من الأموال النقدية، وهناك رأس المال المادي الشامل للعقارات والآلات والأجهزة المختلفة، وهناك رأس المال البشري المكون من العنصر البشري، وهو بدوره ينقسم إلى رأس مال بشري بمفهومه الضيق المكون من الأفراد العاملين بالمؤسسة، ورأسمال فكري يتكون من الأصول المعنوية غير الملموسة بالمؤسسة، وهي أفكار العاملين بها وابتكاراتهم وخبراتهم التي تستثمرها في تنمية إمكاناتها وتطوير قدرتها على التنافس، لذلك يعد هذا النوع من أهم أنواع رأس المال.

 

 

أـ مفهوم إدارة الجودة في مجال التعليم

مما قوى الدور الجوهري للموارد البشرية باعتبارها هدفا لعملية التعليم، ظهور منهجية إدارة الجودة الشاملة، وذلك منذ الأزمة التي حدثت في الاقتصاد الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اضطر القيمون على الصناعة اليابانية إلى الاستعانة بعالم الإحصاء الأمريكي إدوارد ديمنجDeming Edward  الذي لقب بأب الجودة، لأنه علم المنتجين اليابانيين كيفية تحويل السلع الرخيصة أو الرديئة إلى سلع ذات جودة عالية فاقت جودة السلع الأمريكية، ولما سئل  عن سبب ذلك، أجاب: “إن الفرق يكمن في عملية التنفيذ، أي في تجسيد إدارة الجودة الشاملة وتطبيقاتها (محمد الدريج ، 2007، صفحة 14).

والجودة مصطلح اقتصادي، ظهر في خضم التنافس بين المؤسسات التجارية والصناعية، وذلك بقصد جلب الزبناء، وكسب ثقتهم، والنجاح في ترويج السلع بالأسواق المختلفة، وقد تم تمديد هذا المصطلح إلى قطاع التعليم، وذلك عن طريق اعتباره منتوجا كباقي المنتوجات المؤدية إلى خدمة الأفراد وتقوية معارفهم وتطوير ملكاتهم، وإعدادهم لولوج سوق العمل في قطاعات الدولة المختلفة (الدريج، 2007، صفحة 15).

و بذلك أصبحت الجودة في مجال التربية والتعليم هي السمة المميزة لمرافقهما، والمؤدية إلى نتائج فعالة متمثلة في أفضل طرق التعليم وأكفأ أساليبه، لتحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف.

ب ـ مراحل تطبيق إدارة الجودة الشاملة

يمر تطبيق إدارة الجودة الشاملة عبر مجموعة من المراحل المنتظمة، إذا تظافرت آلت إلى تحقيق نتائج فعالة، ويمكن تحديد هذه المراحل، فيما يلي:

1 ـ دراسة الوضعية الراهنة: ويتم في هذه المرحلة التعرف على وضعية المؤسسات التعليمية، من حيث العناصر المادية والبشرية  والبرامج المتبعة والتشريعات المنظمة، ونتائج التحصيل العلمي عند التلاميذ في هذه الوضعية، ويتم  بلوغ ذلك عن طريق الاستقراء بمختلف وسائله، كإجراء البحوث الميدانية، واستطلاعات الرأي، ومناهج الإحصاء… إلخ.

2 ـ مرحلة التخطيط: وتشمل هذه المرحلة تحديد نقط ضعف مؤسسات التعليم ونقط قوتها، وبناء على ذلك تحدد أهدافها، ومنها تستخلص رسالتها، ثم تُرسم مراحل تحقيق هذه الأهداف، وتوضع المعايير التي تقاس بها المهارات المكتسبة من العملية التعليمية لدى كل متعلم، فيتم قياس نجاح المؤسسة بتحقيق أعلى معدلات الجودة، حسب حجم المعايير التي استجابت لتحقيقها في تنفيذها لمخططها.

3ـ مرحلة الإعداد: وهي مرحلة تهتم بإعداد المنفذين لمخطط المؤسسة التعليمية، بتنمية مهاراتهم وقدرتهم على القيادة والتوجيه، وذلك  عن طريق توفير التدريب اللازم لهم، وتنمية الوعي المشترك لديهم بأنهم كلهم معنيون بإنجاح مخطط المؤسسة، ولا يتم ذلك إلا بنقاش مستفيض يجيب عن كل تساؤل، ويمحو كل اعتراض، ويمنع كل تحفظ (محمد الدريج، 2007، صفحة 23).

4 ـ مرحلة التنفيذ: وهي مرحلة يدخل فيها المخطط خضم الواقع، بتنفيذ بنوده من طرف القيمين على ذلك، على أن يستمر الحوار وتبادل الخبرات أثناء هذا التنفيذ، لاستثمار النجاحات داخل أقسام المؤسسة، وتفادي الهنات التي ظهرت في تنفيذ أجزاء من البرنامج، ودعوة الجميع إلى المشاركة في عمليات تحسين الجودة.

5ـ مرحلة التقييم النهائي: وهي مرحلة يتم فيها التأكد من تطبيق كافة أقسام المؤسسة لإجراءات تحسين الجودة، والتعليمات التي قدمت لذلك، والكشف عن حالات عدم المطابقة، ومعرفة أسبابها، ثم مراجعة الغدارة العليا بشأنها لاتخاذ ما يلزم، من تعديل البرنامج أو زيادة دعمه (محمد الدريج، 2007، صفحة 24).

ج ـ أساليب قياس الجودة في التعليم

تتعدد الأساليب المعتمدة في قياس الجودة في التعليم وأهمها أربعة:

1ـ اعتماد دلالة الموارد أو المدخلات: وتعتمد على قياس الجودة بواسطة طرق الإنفاق، فالمدرسة التي يكون معدل إنفاقها على كل طالب أكثر من غيرها، يجب أن تعد أعلى جودة، لذلك تتنافس المدارس وفق هذا المعيار في زيادة الأبنية الصالحة للتعليم، بتجهيزاتها المختلفة ومعداتها وأطرها ومناهجها وكتبها…إلخ، لأن هذه العناصر كلها تعد مقياسا لجودة ما تقدم من تعليم (محمد الدريج ، 2007، صفحة 19) .

2ـ اعتماد دلالة النتائج أو المخرجات: ويركز هذا الأسلوب على نتائج العملية التعليمية، وعلى ما يكتسبه المتعلم منها، ولا يقف كثيرا عند التكلفة التي بذلت فيها. وتتم معرفة ذلك بعناصر منها نسبة المتجاوزين للمدرسة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، أو المتخرجين من الجامعة، أو الحاصلين على الدكتوراه، كما يعتمد الإنتاج العلمي المتمثل في الكتب والمقالات والدراسات المتسمة بمواصفات جيدة (محمد الدريج، 2007، صفحة 19).

3ـ اعتماد دلالة العمليات: ركز أصحاب هذا الأسلوب على العمليات التعليمية باعتبارها مؤشرا على الجودة، ومن ذلك عدد التلاميذ في الفصل، والمواد محل الدراسة، ومدتها، والمناهج وطرق التدريس إلخ (محمد الدريج، 2007، صفحة 20).

4ـ قياس الجودة بمدخل السمعة: يعتمد هذا الأسلوب على سمعة المؤسسة التعليمية باعتبارها معيارا للجودة، بناء على آراء الخبراء، حيث تعتمد السمعة على رأي العمداء والأساتذة والمسؤولين في المؤسسات التعليمية المختلفة حول تقدير قيمة البرامج التعليمية، باعتبارهم الأقدر من غيرهم على ذلك. غير أن هؤلاء الخبراء قد لا تتوافر لديهم المعلومات الكافية لإصدار الحكم على تلك المناهج، فضلا عن إمكانية تحيزهم، أو اعتمادهم على معايير انتقائية لا تتسم بالشمول (محمد الدريج ، 2007، صفحة 21).

د ـ تحديد الأهداف ومعايير تحقيقها

1 ـ مفهوم المعايير في التعليم

المعيار لغة هو المقياس، ويعني في مجال التعليم مواصفات تتخذ أدوات يقاس بها نجاح العملية التعليمية من خلال تحقيق الأهداف المرسومة لها في المخطط محل التنفيذ، كأن نقول إن معيار اعتبار المتعلم قد اكتسب مهارة كذا هو نجاحه في كذا وكذا. ولا يتم الاكتفاء بتلقين المعلومات، بل لا بد من مراقبة مدى استفادة المتعلم من هذه المعلومات في اكتساب مهارات محددة من خلالها.

ظهر مبدأ العمل بالمعايير في إصلاح التعليم في عدد من الولايات المتحدة الأمريكية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وساد في التسعينات، ثم شاع في كثير من دول العالم.

و قد هدف العمل بالمعايير إلى تسهيل محاسبة القيمين على قطاع التعليم، بالنظر في مدى نجاح برامجهم بناء على مقاييس علمية دقيقة هي التي سميت بالمعايير. لذلك حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تصدير نظام العمل بهذا المبدأ لضمان المحافظة على ريادتها في مجال التعليم وقيادتها للعالم.

وقد صاحب ذلك ظهور هيئات المراقبة والاعتماد، وهي هيئات اختصت بمراقبة البرامج التعليمية والنظر في مدى نجاعتها بناء على نجاح المعايير المعتمدة فيها، وذلك لمنحها الاعتمادات المالية اللازمة أو تجديد الاعتمادات.

و نتيجة لذلك قامت هيئات كالجمعية الدولية للتربيةIEA   ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE بتحديد المهارات الأساسية التي ينبغي أن يكتسبها جميع الأطفال في سن معينة وفي مستويات محددة من التعليم، منطلقة في ذلك من الدراسات التقويمية التي أنجزت في عديد من الدول الغربية.

وقد نظمت انجلترا عام 1988سوقا مدرسية خاصة بإنشاء لوحات تقييم league tables تمكن من تقييم أداءات المدارس، بناء على معايير تمكن أولياء الأمور من اختيار المدارس التي يفضلون تسجيل أولادهم فيها.

ثم وصفت منظمة OCDE واليونسكو والمجموعة الأوروبية مع Eurostat مواصفات ومؤشرات لتقويم السياسات التربوية وتوجيهها، قصدا إلى تحسين جودة التعليم (محمد الدريج، 2007، صفحة 34).

2 ـ الفوائد العلمية للمعايير

للمعايير فوائد علمية كثيرة، نجمل أهمها فيما يلي:

ـ وضوح عملية تقييم برامج التعليم، وذلك لصياغة جدول يضم الأهداف وما يقابلها من معايير، وما نجح المتعلم في اكتسابه من مهارات بناء على تحقق تلك المعايير .

ـ المساعدة على تطوير المخططات و البرامج التعليمية، بتحديد أدوات علمية مضبوطة لقياس نجاحها والعمل على تحسينه باستمرار.

ـ التمكن من مراقبة البرامج التعليمية بطريقة واضحة وعلمية وشفافة، وهو ما يؤدي إلى ثقة الرأي العام في هذه البرامج.

 

ثانيا:  التحديات والمشاكل المواجهة لأهداف التعليم والحلول المقترحة لحلها

أ ـ التحديات التي تعترض تحقيق أهداف التربية على التنمية المستدامة في المدرسة المغربية

وضع المغرب مخططات إصلاحية عدة للنهوض بقطاع التربية والتكوين، لكن أغلبها أبان عن فشله، فمازال القطاع التعليمي بالمغرب يشكو أعطابا، بعضها في الرؤية والأهداف وبعضها بنيوي وبعضها بيداغوجي، فالبرامج الدراسية والمخططات تعاني تخبطات في غياب التدبير العقلاني والتخطيط السليم المبني على ثقافة المشاركة والشفافية والمحاسبة. كما أن التخطيط التربوي  لا يتماشى مع  التنمية، إذ لا توجد  فلسفة تربوية مناسبة لظروف البلاد وخواصها،  بل يتم استنساخ نماذج أجنبية لا علاقة لها بالواقع المغربي، اقتصاديا كان او اجتماعيا أو سياسيا او ثقافيا، ومن التحديات التي تضع النظام التعليمي المغربي في مشاكل عويصة، نذكر ما يلي:

1ـ الحاجات المتجددة لسوق العمل

فرض التطور التقني سرعة قصوى في سير الحياة في جميع مجالاتها، اجتماعية كانت أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، وانعكس ذلك على سوق العمل المرتبط جذريا بكافة المجالات، مما زاد العبء على المدرسة في تأهيل العناصر البشرية اللازمة لولوج  الحياة العملية وسط هذا التطور السريع للحياة، حيث تتجدد المناهج بسرعة تبعا للتطور الاقتصادي والعلمي، وسط التنافس القوي والشرس على مراكز الصدارة في عالم اليوم.

2ـ سرعة التطور التكنولوجي

فرض التطور التكنولوجي فجوة كبرى بين الدول المتقدمة و الدول المتخلفة، فالأولى تستخدم في نظامها ومناهجها التعليمية آليات ومناهج تعتمد في صلبها ثمار التطور التكنولوجي، وكثير من هذه الثمار لا تملكه الدول المتخلفة، لذلك فإنها عندما تنقل المناهج المستخدمة من طرف تلك الدول المتقدمة، تنقلها ناقصة، فلا تحقق بها نتائج تذكر، لأنها لا تستطيع توفير الميزانية اللازمة لإقامة البنيات المادية والهياكل القادرة على استعمال الوسائل التكنولوجية في التعليم.

3ـ سلبيات العولمة

من أهداف العولمة أنها تريد أن تجعل العالم يسير على نظام واحد، وهو نظام توجهه الدول المتقدمة، فهي التي لها القدرة على رسم مناهج التعليم بناء على تخطيطها الرامي إلى سيادة نموذجها على ما عداه بالدول المتخلفة، لذلك فهي تتدخل في الدول الضعيفة لتغيير برامجها التعليمية، وهذا ما حدث عندما تدخلت الولايات المتحدة في دول الشرق الأوسط والدول الإسلامية عموما، لتعديل برامجها التعليمية، بنبذ الإرهاب، والتشجيع على ثقافة السلام من وجهة نظر أمريكية  خالصة، وهو كذلك ما فعلته دول أوروبا من تدخل لتغيير برامج التعليم في دول افريقيا والبحر الأبيض المتوسط، للتربية على المواطنة وتسهيل إدماج رعايا هذه الدول في المجتمعات الأوروبية إذا هاجرت إليها.

4ـ إكراه الالتزام بحقوق الإنسان

لا يشكل الالتزام بحقوق الإنسان في حد ذاته إكراها، لأن هذه الحقوق طبيعية وفطرية، لا ينكرها عاقل، ولكن الإكراه يأتي من حزمة الحقوق التي تفرضها الدول المتقدمة على الدول المتخلفة، والاتفاقيات التي تلزمها بتوقيعها وتضع ذلك شرطا لمنحها القروض والمساعدات المالية المختلفة، فكثير من قواعد هذه الاتفاقيات المستمدة من ثقافة الغرب تصادم تقاليد الشرق وثقافته ومعتقداته، وهو ما يجعل تنزيل هذه القواعد في المجتمعات الشرقية أمرا صعبا، حتى مع الاعتراف المبدئي بها والتوقيع على بنودها، وأهم ما يتعلق بذلك في هذه الاتفاقيات: الشذوذ الجنسي، والأمهات الطبيعيات…وغير ذلك من المبادئ الغريبة عن الثقافة الشرقية.

5ـ عدم الاستقرار السياسي

تحتاج برامج التعليم إلى المدى الزمني اللازم لتنفيذها على أرض الواقع، وذلك بمراقبة مدى تحقق المعايير المرسومة في المخططات التعليمية المختلفة، وهذا يستدعي ثبات مرافق التعليم، عملا بمبدأ استمرار مرافق الدولة حتى مع تغير الحكومات، لكن الملاحظ في الدول النامية، والمغرب واحد منها، أن برامج التعليم تتغير بتغير الحكومات المتعاقبة، وهذا ما يؤثر سلبا على تنفيذ هذه البرامج في الواقع، إذ تنفق فيها ميزانيات باهظة تذهب أدراج الرياح عند كل تغيير حكومي، كما أن ما يوضع من برامج جديدة يكون مؤقتا ومرهونا بدوام الحكومة التي وضعته.

لذلك فإن ما يطبع الدول النامية هو أن المدة التي عاشتها منذ استقلالها وجيزة، بينما برامجها عديدة، ونسبة كبيرة من نتائجها لم تتحقق.

6ـ ضعف الشفافية في إعداد البرامج التعليمية

تعتمد صياغة برامج التعليم والتخطيط لتحقيقها على اختيار العناصر ذات الكفاءة العالية في ذلك، من حيث الدرجة الأكاديمية والخبرة المكتسبة في مجال التعليم والبرمجة له، وهذا يستدعي نهجا ديموقراطيا يعتمد الشفافية في هذا الاختيار، ومواكبة قوى المجتمع لمراحل عمل الهيئات واللجن المختارة، بنشر أنشطتها ونتائج أعمالها عبر وسائل الاتصال المختلفة، ليقع النقاش الهادف حولها بما يغني البرامج ويقوي المخططات، لكن المعمول به في الدول النامية هو غياب معايير اختيار القيمين على وضع برامج التعليم، وعملهم في جو يطبعه الغموض، واكتفائهم باستيراد نماذج أجنبية تعتمدها الإدارات الوصية دون نقاش علمي عام وبناء، وهو ما يعود سلبا على النتائج التي تحققها هذه البرامج، لأنها تعرف نقصا بحكم نشوئها في بيئة أجنبية قبل استيرادها، واقتباسها من طرف هيئات لا تتضمن الكفاءات اللازمة لذلك، وفرضها في غياب نقاش عام وشفاف من قوى المجتمع.

 

ب الحلول والتوصيات المقترحة لمواجهة التحديات التي تعترض تحقيق أهداف التربية على التنمية المستدامة

كثيرة هي الحلول التي يمكن اقتراحها لتجاوز الصعوبات والتحديات التي تعترض طريق العملية التعليمية في تحقيق التنمية المستدامة، وسنذكر أهمها فيما يلي:

1ـ إعطاء الأولوية للتعليم في البرامج الكبرى للدولة

الملاحظ أن التعليم في الدول النامية يذكر كثيرا ، لكنه لم يكتس الصدارة بعد في البرامج العليا للدولة ، كما يكتسيه الأمن مثلا، لذلك ينبغي أن يصير التعليم هو الهدف الأول في برامج الدولة، فتخصص له أعلى نسبة من ميزانيتها، لأن الاستثمار في التعليم يعود عليها بعنصر بشري يشكل أقوى رأسمال تعتمده تنميتها في جميع المجالات، فيجب أن توفر له البنية التحتية اللازمة، وهذه البنية تحتاج إلى أموال وميزانيات كبرى.

2 ـ اعتماد الشفافية والديموقراطية في صياغة برامج التعليم

نظرا لأن التعليم قضية تهم كافة عناصر المجتمع ويظهر أثرها في سائر مؤسساته، يجب أن تعتمد برامجه على الديموقراطية في اختيار القائمين بإنجازها، وعلى الشفافية القصوى في مراحل هذا الإنجاز، فلا يختار لذلك إلا ذوو الكفاءة الأكاديمية الذين راكموا تجربة مهنية عالية في مجال التعليم، وينبغي أن تصاحب عملهم شفافية تمكن شرائح المجتمع من الاطلاع عن كثب على مراحل عملهم عبر وسائل التواصل المختلفة، لأخذ آراء كافة المتخصصين من جهة، والمواطنين الموجهة إليهم من جهة ثانية.

3ـ ترتيب الأوليات في برامج التعليم

يلاحظ في الدول النامية أنها تستورد حزمة من البرامج التعليمية من دول أوروبية، دون ملاءمتها مع ظروف مجتمعاتها وتقاليدها من جهة، ودون التمييز بينها بحسب درجة الأولوية من جهة ثانية، لذلك يجب البدء بالأولى فالأولى في بنود هذه البرامج، وذلك حسب الحاجات المحددة وطنيا، ليتم التركيز مثلا على روح المواطنة، وأهمية مناهج العلم في الحياة، واحترام المرفق العام، واحترام القانون كما يحترم الدين، واحترام البيئة والعمل الجمعوي، والتربية على سماع الرأي الآخر، والتسامح، والتزام الحوار البناء .

4ـ ربط مناهج التعليم بسوق العمل

ينبغي أن تأخذ برامج التعليم سوق العمل وحاجاته بعين الاعتبار، وأن يتم وضع المخططات وتحديد الأهداف بحسب ما يحتاجه هذا السوق، حتى لا تكون المدرسة والجامعة في واد، وسوق العمل في واد آخر.

ويبدو ذلك ممكنا، نظرا للخبرات الأكاديمية الكبيرة التي راكمها المغرب في المجالات العلمية المختلفة، فبدلا من أن يهاجر المغاربة إلى الخارج لدراسة تخصصات معينة، يجب إقامة هذه التخصصات بالمغرب وأخذها بعين الاعتبار في برامج التعليم وما يقام من مدارس ومعاهد وجامعات.

5 ـ العمل على بناء قدرات التربويّين و المعلّمين بيئيا

وذلك للمساهمة في تغيير سلوك التلاميذ من خلال إدماج قضايا البيئة والاستدامة في المنهج والمواقف التدريسيّة في الفصول الدراسيّة، وفي تحويلٍ نوعيّ في بيئة التعلُّم عبر استخدام طرائق تدريس وأساليب تعلُّم تسمح للطلبة بتطوير عمليّات التقصّي، والتقييم، والتفكير الموجَّه نحو العمل البيئي، واستخدام هذه المهارات بعد ذلك في تقييم تأثيرهم الخاصّ على البيئة التي يعيشون فيها؛ بحيث يساعد هذا كلّه الطلبةَ على اتّخاذ قراراتٍ مستنيرة بشأن المسائل المتعلّقة بالبيئة، والعمل بالتالي من خلال المدرسة على حلّ القضايا والمشكلات التي يعاني منها المُجتمع.

 

6ـ التربية على الحس النقدي

ينبغي وضع برامج تربوية تحفز التفكير النقدي والإبداع، والتخلي عن أسلوب التلقين، لأن الحس النقدي هو الكفيل بإعادة هيكلة النظام التعليمي المغربي، على أسس تنافس الأسس المعمول بها في نظام التعليم الأوربي.

7 ـ تجهيز التلاميذ

ويتم ذلك عن طريق إعداد معلمين متميزين ليتمكنوا من مواجهة العالم الاقتصادي الجديد وتحديات الثورة التكنولوجية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

خاتمة

إن تحقيق أهداف التربية على التنمية المستدامة رهين بإصلاح التعليم، وتعزيز جودته عن طريق سن معايير ناجعة للوقوف على مدى نجاح البرامج والمخططات التعليمية، وتقييمها واعتماد استراتيجيات جديدة في بناء المقرارات، بحيث تقوم على الكيف لا الكم، وعلى التعدد والتنوع لا الأحادية، زد على أنه  إذا أردنا تنمية بشرية  فعالة فلا بد من وضع معلم مميز لهذا الغرض فكل الشعوب التي تقدر المعلم وتحترمه تحولت إلى شعوب وثقافات تنموية فالمعلم هو الرأسمال البشري للتنمية المستدامة.

الكتب و المراجع

  • أحمد بن فارس. (1399هـ/1979م). معجم مقاييس اللغة (الإصدار الخامس). دمشق: دار الفكر.
  • أسعد وطفة علي. (2015). التربية من أجل التنمية المستدامة في مرحلة الطفولة، عدد 131. مجلة الطفولة والتنمية.
  • أسمر وضعة علي، و جاسم الشهاب علي . (2003). علم الاجتماع المدرسي بنيوية الظاهرة المدرسية ووظيفتها الاجتماعية (الطبعة الأولى).
  • إميل دوركهايم . (1996). التربية والمجتمع (الإصدار الخامس). ( أسعد وطفة علي ، المترجمون) دمشق: دار معد.
  • سامي ذبيجان ، و آخرون. (1990). قاموس المصطلحات السياسية الاقتصادية والاجتماعية (الإصدار الطبعة الأولى). لندن: رياض الريس.
  • سهام مرداد . (2015). معجم مصطلحات التربية والتعليم.
  • عبد الدايم عبد الله . (1984). التربية عبر التاريخ (الإصدار الخامس). بيروت: دار العلم للملايين..
  • عبد الحافظ العواملة نائل. (1431ه/2010م). إدارة التنمية الأسس النظريات التطبيقات العملية (الطبعة الأولى). دار زهران.
  • علي ابراهيم الخوالدة. التربية من أجل التنمية المستدامة مفهومها،ومكوناتها.
  • عماد الدين عدل . التعليم من أجل التنمية المستدامة التحديات و الفرص و الدروس المستفادة. لشبكة العربية للبيئة والتنمية ”رائد”.
  • الغزالي محمد أبي حامد . (1431هـ/2010م). أيها الولد (الطبعة الرابعة). بيروت: دار البشائر الاسلامية.
  • محمد بن مكرم ابن منظور، و بن مكرم بن منظور محمد. لسان العرب. بيروت: دار صادر.
  • محمد حمدان. (2007). معجم مصطلحات التربية والتعليم (الطبعة الأولى). عمان: دار كنوز المعرفة.
  • محمد غنيم عثمان ، و أبوزقط وماجدة. (2014م/ 1435هـ). التنمية المستدامة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها. عمان: دار صفاء.
  • محمد الدريج،(2007).المعايير في التعليم منشورات سلسلة المعرفة للجميع
  • مدحت أبو نصر، و مدحت محمد ياسمين . (2017). التنمية المستدامة مفهومها أبعادها مؤشراتها . المجموعة العربية للتدريب والنشر.
  • مدحت محمد كاظم القريشي, (2001). التنمية الاقتصادية (نظريات وسياسات موضوعية). عمان: دار وائل للنشر.
  • ماجد السلمي. (25 يوليوز 2022). التعليم وتحقيق التنمية المُستدامَة في العالَم العربيّ.
  • مسعود جبران . (1992). الرائد (الإصدار السابع). بيروت: دار العلم للملايين.
  • الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030. (أكتوبر 2017). الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030.
  • التقرير العالمي لليونسكو من مجتمع المعلومات إلى مجتمع المعرفةا لإطار 5.8.
  • المجلس الدولي للعلوم الاجتماعية.التقرير العالمي لرصد التعليم 2016.
  • المندوبية السامية للتخطيط المديرية الجهوية لسوس ماسة. (غشت 2021). أهداف التنمية المستدامة قراءة منهجية .
  • منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة. (2012-2013). كتاب مرجعي للمعلمين و أصجاب القرار التربية من أجل التنمية المستدامة. منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة.
  • منظمه الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة. ( 2021 ). تقرير اللجنة الدولية لمستقبلي التربية والتعليم وضع تصورات جديدة لمستقبلنا معا عقد اجتماعي جديد للتربية والتعليم. فرنسا.
  • المؤتمر العالمي للتعليم من أجل التنمية المستدامة 2014. إعلان آيشي ناغويا بشان التعليم من أجل التنمية المستدامة اجتماعات الجهات المعنية اليابان. آيشي- اليابان: منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم و الثقافة.
  • اليونسكو. (2002). التقرير العالمي لليونسكو، من مجتمع المعلومات إلى مجتمع المعرفة الإطار 8، 6. اليونسكو.
  • beaudot , A. (s.d.). sociologie de l’école. revue française de pédagogie.
  • United nations sustainable developement. (1992). في ريو دي جانيرو :

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *