نوفمبر 22, 2024 11:38 م
2

الباحث / د. فائز عزيز علي

جامعة فان يوزيونجويل معهد العلوم الإجتماعية

قسم العلوم الإسلامية الأساسية- وان- تركيا

faezazizali@yahoo.com

00905373513905

الملخص

في هذا المقال الذي أقدمه هو نموذجا في تأملات الاعجاز الغيبي في القرآن الكريم بين الماضي والحاضربالادلةالاياتالقرانية واقوال العلماء القدامي والمحدثين، خصوصا علماء هذا العصر الذين تأملوا وتدبروا وسعوا وجاهدوا في هذا المجال لاجل إيصال رسالة الرباني الى تحديات هذا العصر عند تطور التكنلوجيا وعصر السرعة في كل المجالات، وهذا النموذج هو إشارة واضحة ودليل قاطع على تجدد كتاب الله تعالى وتطوره في كل وقت وحين مهما تطور عصر التكنولوجيا وتغير الزمان وكثرت الفرق الالحادية، ويتبن لنا أن القران هو جزء لا يتجزأ في حياة الإنسان الى يوم مماته، ويتبين من خلال هذا المقال إعجاز القرآن التاريخي الذي ظهر من خلال الآيات القرآنية المذكورة في هذا المقال، مما يثبت بتجدد أوجه إعجاز القرآن عبر العصور الماضي وتحدى المستقبل، ويبين أن آيات الله تعالى لا تنقضي ولا تنتهي عند حد أو زمن معين، كما يدعيه بعض ما يسمى بالمثقفين والمفكرين، ولما كان هدف هذا المقال المتواضع وقصده هو إثبات أمر الإعجاز في آيات الإعجاز الغيبي في القران الكريم ، ومن وجوه الإعجاز للقرآن التي ذكرها العلماء الإعجاز بما فيه من أنباء الغيب، ويقصدون كل ما كان غائباً عن النبي -ﷺ- ولم يشهد حوادثه، ولم يحضر وقتها ولم يكن على علم بتفصيلاتها، فيدخل في الغيب بهذا المفهوم كل ما جاء في القرآن عن بداية نشأة الكون، وما وقع منذ خلق آدم عليه السلام، إلى بعثة رسول الله -ﷺ- وهذا من مهمات الأمور وعجائب السير، وكذلك يشمل كل ما غاب عن النبي -ﷺ- في زمنه من الحوادث والواقعات التي كانت تحدث ويأتي خبره عنها بطريق الوحي، كإخبار الله تعالى له بما يمكروه ويكايده المنافقون وما يخططه اليهود لإدائه أو قتله، ويشمل أيضاً ما تضمنه من الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، ونتكلم عنه بالتفصيل ان شاء الله

الكلمات المفتاحية: تأملات، الاعجاز، الغيب، القران، الحاضر، الماضي

Reflections on the unseen miracle in the Holy Quran

Between the past and the present

D.r. Faez Aziz Ali Ali, PhD in Islamic Law

Graduate of Van YüzüncüYıl University, Institute of Social Science

Department of Basic Islamic Sciences – Van – Turkey

 

 

Abstract                                      

This research presents a model in the verses of the miracles of the unseen in the Holy Qur’an, which is a clear reference and conclusive evidence of the renewal of the Book of Allah Almighty at all times, no matter how the development of the era and the change of time. And it is shown to us that the Qur’an is an integral part of human life until the day of his death. Therefore, it is clear through this research the miracle of the historical Qur’an, which appeared through the Qur’anic verses mentioned, that proves the renewal of the miraculous aspects of the Qur’an through the ages. It clarifies that the verses of Allah Almighty do not expire and do not end at a certain limit or time, as claimed by some so-called intellectuals and thinkers.

The goal of this research and its intention is to prove the matter of miracles in the verses of the unseen in the Holy Qur’an, and even the miracles of the Qur’an mentioned by scholars, including the news of the unseen, and they meant everything that was absent from the Prophet – may God’s peace and blessings be upon him – and did not witness his accidents, and did not attend at the time and was not aware of its details, so he enters into the unseen. In this sense, everything that was mentioned in the Qur’an about the beginning of the emergence of the universe, and what happened since the creation of Adam (peace be upon him), to the mission of the Messenger of Allah (may Allah’s peace and blessings be upon him) and this is one of the tasks and the wonders of walking, as well as includes all that the Prophet  (may Allah’s peace and blessings be upon him) missed in his time from the accidents and incidents that used to occur and his news about them comes by revelation, such as Allah Almighty telling him what they hate and what the hypocrites are plotting and what the Jews plan to perform or kill. It also includes news about beings in the future, and we write about it in detail if God wills

Keywords: Yansımalar, miraculous, unseen, Quran, press ,Past.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل الكتاب الكريم نوراً وهدى للعالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين والآخرين وإمام الأولياء المتقين، سيد ولد عدنان، وسبيل النجاة الوحيد لبني الإنسان، أما بعد:

فإن الله تعالى قد أنزل هذا القرآن دستوراً وهداية للناس وبين سبحانه في هذا الكتاب كل ما يخص أمر الإنسان مما يقربه إلى ربه، ويحسن له حياته مصداقاً لقوله تعالى: )وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ(،وقوله سبحانه: )إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ(.

أدرك المسلمون هذه الحقيقة ووعوها حق الوعي، فكانوا مثلاً للإنسانية في الخير والهداية والرشاد، وكان المفسرون في كل قرن من قرون الإسلام يفسرون القرآن الكريم بحسب ما عندهم من معطيات في الحياة، وما لدى المفسر من مكنون العلم. وبذا يتفاوت كل مفسر عن الآخر بحسب هذه المعطيات.

وإنما يكون المفسر بارعاً إذا استطاع أن يعالج المشكلات التي عاصرها من خلال القرآن، وأوجد للناس منهاجاً قرآنيا ميسراً يستطيعون من خلاله تعديل سلوكيات حياتهم وحياة الناس في مجتمعهم، إتباعاً لهدي القرآن الكريم، وتطبيقاً لسنة رسول الله الكريم -ﷺ-.

والتعاون هذا أمر محمود إذ قد أطلعنا على ثقافات ومعطيات مختلفة ومتعددة، كان منها مفاتيح كثيرة لتعديل سلوكيات مختلفة ومتعددة عبر العصور مما جعل المفسرين يصيرون قدوات ونماذج لمن جاء بعدهم، وهكذا سرى أمر التفسير في نشر هداية القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد عبر القرون، وهذا لا يعني أن التفسير وقف عند حد، أو ثبت عند زمن لا يتعداه، بل هو متجدد تجدد عطاء القرآن الكريم، الذي جعله الله تعالى دستوراً للناس، كل الناس، في كل زمان وكل مكان.

مشكلة البحث:

وفي هذا البحث الذي أقدمه أنموذج في تأملات الاعجاز الغيبي في القرآن الكريم بين الماضي والحاضر يدل دلالة واضحة على تجدد عطاء القرآن في كل حين، وقد توخيت في هذا الأنموذج ما يكون مبيناً لحل مشكلة من المشكلات المعاصرة التي يكابد الناس شرها مكابدة شديدة، وأظهرت من خلال هذا إعجاز القرآن التاريخي الذي برز من خلال الآيات المدروسة في هذا البحث، مما يقطع بتجدد وجوه إعجاز القرآن عبر العصور، ويبين أن آيات الله تعالى لا تنقضي عند حد. ولما كان جوهر هذا البحث هو إثبات أمر الإعجاز في آيات الإسراء فقد اقتضت طبيعة هذا البحث أن يكون في.

هدف البحث:

من وجوه الإعجاز للقرآن التي ذكرها العلماء: الإعجاز بما فيه من أنباء الغيب، ويقصدون كل ما كان غائباً عن النبي -ﷺ- ولم يشهد حوادث واقعاته، ولم يحضر وقتها ولم يكن على علم بتفصيلاتها، فيدخل في الغيب بهذا المفهوم كل ما ورد في القرآن عن بداية نشأة الكون، وما وقع منذ خلق آدم عليه السلام، إلى مبعث رسول الله -ﷺ- من عظيمات الأمور ومهمات السير،وكذلك يشمل كل ما غاب عن النبي -ﷺ- في وقته من الحوادث التي كانت تحدث ويخبر عنها بطريق الوحي. كإخبار الله تعالى له بما يكيده اليهود والمنافقون، ويشمل أيضاً ما تضمنه من الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، وقد يبدو من أول وهلة أن جزءاً من هذه الموضوعات عبارة عن جوانب تاريخية يتناقلها.

1.مفهوم الاعجاز والغيب وأهم مجالاته

لاعجاز لغة:

مشتقة من الإعجاز تقول: أعجزت فلانا وعجزته وعاجزته إعجازا، أي: جعلته عاجزا، والإعجاز: الفوت والسبق،(الرازي، 1/200).

الاعجاز اصطلاحا:

بأنها أمر خارق للعادة يؤيد الله بها أنبياءه لإظهار صدقهم، وتكون كما لو قال تعالى: “صدق عبدي فيما بلغ عني”، ولا يشترط أن تكون استجابة لتحدي المعاندين،(عبد الفتاح إبراهيم سلامة، 164).

 

تعريف الغيب لغة:

كما قال ابن فارس: “الغين والياء والباء: أصل صحيح يدل على تستر الشيء عن العيون، ثم يقاس؛ من ذلك الغيب: ما غاب مما لا يعلمه إلا الله، ويقال: غابت الشمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا، وغاب الرجل عن بلده، وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها، ووقعنا في غيبة وغيابة، أي هبطة من الأرض يغاب فيها، قال الله تعالى على لسان قائل من إخوة يوسف في قصة يوسف عليه السلام: )وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ (، (سورة يوسف 10)، والغابة: الأجمة، والجمع: غابات وغاب، وسميت غابة لأنه يغاب فيها، والغيبة: الوقيعة في الناس من هذا؛ لأنها لا تقال إلا في غيبة، (ابي الحسين احمد بن فارس، 4/403).تعريف الغيب اصطلاحا:

الغيب وهو كل ما غاب عن العيون سواء كان محصلا في القلوب أو غير محصل وغاب عني الأمرغيبا وغيابا، (إبن منظور، 5/3322).

الغيب شرعا:

هو ما سوى الشهادة، والخلق كله منقسم إلى عالمين، عالم غيبي مستور، وعالم مشهود محس.

والغيب منه ما هو مطلق، ومنه ما هو نسبي، ومنه ما مضى، ومنه ما لم يقع بعد، ولكنه سيقع في الدنيا، ومنه ما هو من أمر الآخرة، ولهذا وصف الله جل ذكره نفسه بأنه )عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال(، (سورة الرعد،9)، فالإيمان بالله: إيمان بالغيب، والإيمان بالملائكة بالنسبة لعامة الناس: إيمان بالغيب، وبالنسبة للأنبياء والمرسلين الذين شاهدوا جبريل عليه السلام، وشاهدوا غيره من الملائكة، إيمان بالشهادة، ويقاس على الأنبياء في هذا من ورد به النص: كمريم عليها السلام، حين رأت جبريل، وتمثل لها بشرا سويا، والإيمان بالمعجزات بالنسبة لمن شاهدوها: إيمان بشيء شاهدوه، وبالنسبة لغيرهم: إيمان بالغيب، والإيمان بالجن، والجنة، والنار، والميزان، والحور العين، والولدان المخلدين، وبالخزنة، والزبانية، وحملة العرش، وأنواع النعيم الأخروي، وصنوف العذاب في جهنم؛ كل هذا من الإيمان بالغيب، (عبدالفتاح إبراهيم سلامة، 163).

وأخبار الرسل مع أقوامهم هي لمن بعدهم من أحاديث الغيب، كما قال جل ذكره خطابا للنبي -ﷺ- بعد ما قص عليه من أنباء نوح -u-: )تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين(، (سورة هود، 49).

1.2. موقف علماء القدامى من الاعجاز الغيبي

اشار أحد وجوه الإعجاز القرآني وأشهرها، وهو إخبار القرآن الكريم عن الأمور الغيبية التي لا يمكن الاطلاع عليها وتستحيل العقول عن التنبؤ بها، كما لا يمكن كشفها بالفكر والحسابات المادية.  وقد عد العلماء الإعجاز الغيبي أحد أهم وجوه الإعجاز، فأطالوا الحديث عنه، وممن بحث في هذا الأمر:

يقول الباقلاني في الإعجاز الغيبي:

وذلك مما لا يقدر عليه البشر ولا سبيل لهم إليه، فمن ذلك ما وعد الله تعالى نبيه ﷺ، أنه سيظهر دينه على الأديان، (الباقلاني، 1/33)، بقوله عز وجل:)هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(، (سورة الصف، 10)، ففعل ذلك.

 

 يقول الطوسي في وجه الإعجاز الغيبي:

فإن قال قائل: من أي وجه تضمن الإعجاز؟ قيل له: من جهة الإخبار بما يكون في مستقبل الأوقات مما لا سبيل إلى علمه إلا بوحي الله إلى من يشاء من العباد، فوافق المخبر بما تقدم به الخبر، وفي ذلك أكبر الفائدة وأوضح الدلالة(أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي، 10/402).

ويقول الرماني:

“من الملاحظ أن الرماني قد عده أوجه الاعجاز السبعة التي ذكرها، وتحديدا الإخبار بلأمور المستقبلية حيث يقول:وأما الأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلية فإنه لما كان لايجوز أن تقع على الاتفاق دل على أنها من عند علام الغيوب”(الرماني، 1976، /15).

ثم ساق بعد ذلك أمثلة على غيبيات أخبر بها القران ثم وقعت، فدل من كلامه أن اوجه الاعجاز في الاخبار الغيبية هو موافقة الأحداث لما ورد في القران الكريم، فقد توالت الأحداث المصدقة والمؤكدة لما جاء في القران الكريم، وهذا بلاشك لا مجال لبشر أو مخلوق أن يخبر مثل ما أخبر به القران الكريم ويتحقق كل ما حدث به.(المرجع الالكتروني للمعلوماتية، 2021-02-1).

ويقول السيوطي:

في معرض تعداده لوجوه الاعجاز: الرابع من أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الدائرة مما كان لايعلم منه القصة الواحدة ال الفذ من احبار أهل الكتاب الذي قضى عمره في تعلم ذلك، ويورده -ﷺ- على وجهة يأتي به على نصه وهو أمي لايقرا ولا يكتب،(السيوطي، 1974، 21).

وجوه الإعجاز عند السيد الخوئي:

هو التنبؤ بالغيب، والذي ثبتت صحته فيما بعد، وهي أخبار لا يمكن للبشر الحصول عليها إلا عن طريق الوحي والنبوة، يقول تعالى:)وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ(،(سورة الانفال، 7)،فقد وقعت معركة بدر خلافا لرغبة المسلمين، فانتصروا انتصارا كبيرا، فهذه الاية تتحدث عن هذه المعركة عندما وعد الله المؤمنين بالنصر مع قلة عددهم، (أبو القاسم الخوئي، 68).

2.1. من إعجاز القران عن المغيبات

ذكر القران الكريم في موارد متعددة أخبارا غيبية بعضها مرتبط بالحوادث الماضية، وبعضها مرتبط بزمان نزول النص القراني، وبيان حال الأفراد، والبعض الآخر يخبر عن المستقبل، وكما يلي:

أولا: غيب الماضي:

ونقصد به إنباء القران عن أخبار الماضين وقصص السابقين، كقصة ادم -u- وقصة نوح -u- وقصة إبراهيم -u- وغيرهم من الأنبياء (عليهم السلام)،وذكر تلك القصص يدل على أن القران كلام الله وليس كلام رسوله -ﷺ-.

فذكر القران الكريم قصة ادم أبي البشر وخروجه من الجنة، وقصة ابني ادم: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(، (سورة المائدة، 27)، وكيف سولت لقابيل نفسه قتل أخيه هابيل، وقصة النبي نوح -u- وطوفانه، وهود -u- وقومه عاد، وصالح -u- وقومه ثمود، وقتلهم الناقة التي أكرمهم الله تعالى بها، وإبراهيم -u- وقصة بنائه الكعبة، وإسماعيل -u- وتسليمه لأمر الله تعالى، ولوط -u- وقومه بالمؤتَفكات، وذي القَرنَين وفتوحاته، ويعقوب-u وصبره، ويوسُف-u- واستقامته، وأيوب -u-وابتلائه، وموسى وهارون-u- وتيه بني إسرائيل، ومريم وعيسى-u- والحواريين، (الزركشي، 1957 2/95-96).

وكان القران الكريم كثيرا ما ينفي معرفة الرسول الأكرم ﷺ الشخصية بتلك الحوادث، بل ينسبها إلى الله تعالى، قال تعالى: )وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا(، (سورة القصص 45)،)وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ(، (سورة القصص 44)،)وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(، (سورة القصص 46)،)ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ(، ( سورة ال عمران 44).

وتخطى القران في إعجازه الإخبار المحض الذي أذعن له أهل الكتاب إلى بيان التحريف الذي وقع في التوراة والإنجيل، وتحدى أهل الكتاب أن يكذبوه إن استطاعوا، فقال في سورة مريم: )ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ(، (سورة مريم 44) ثم تحدى الجاحدين على لسان نبيه ـ بالمباهلة، فنكصوا ولم يباهلوا، وصالحوا رسول الله -ﷺ-على أن يدفعوا له الجِزية،ويدخل في الإعجاز الغيبي، كل ما أخبر عنه القرن الكريم من حوادث ماضية لم يشهدها النبي -ﷺ- وكذا ما تحدث عنه القران منذ نشأة الكون، وما وقع منذ خلق ادم -u- إلى مبعث رسول الله -ﷺ-، (عبدالحي الفرماوي 25).

ثانيا: الإخبارعن الحاضر:

ويراد به إخبار القران عن عوالم الغيب الموجودة وقت نزوله، وهي على قسمين:

الأول: كلام القرآن عن عوالم الغيب الموجودة والتي لم يرها الناس بأبصارهم ولم يتعاطوا معها بحواسهم، الحديث عن أسماء الله وصفاته وأفعاله، والحديث عن الملائكة والجن، ومشاهد الاحتضار والموت، والبعث والنشور والحساب، والجنة والنار وغيرها.

الثاني: كشف القران لأسرار ومكائد المنافقين الذين كانوا يكيدون في الخفاء للإسلام وأهله، وينسجون المؤامرات للقضاء عليه، فكانت الآيات القرانية تكشف مكائدهم وتظهر ما يبطنون من النفاق والمكر، ومن ذلك قوله تعالى: )وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ* أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(، (سورة التوبة 107).

فنزلت في مجموعة من المنافقين قاموا ببناء مسجد في المدينة المنورة للوصول إلى أهدافهم الخبيثة والباطلة، والذي سميَ فيما بعد بـ “مسجد ضرار”، فقد أشارت الاية إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر الرسول -ﷺ-بنوايا المنافقين، فما كان من النبي -ﷺ-إلا أن أمر بهدم المسجد، وهكذا سقطت أقنعة النفاق، (أحمد بن محمد بن عماد الدين، 1/291).

ومن ذلك أيضا ما جاء في قوله تعالى: )وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله(، (سورة المجادلة 8)، فالآية تشير إلى أحد الدسائس اليهودية، فقد تامروا واتفقوا أن يسلموا على النبي -ﷺ- بتحية خبيثة خلاف المعهود، فكانوا يقولون “السام عليك(، أي الموت لك فأطلع الله رسوله-ﷺ- على ذلك فكشفت أستارهم، ومن ذلك أيضا ما أخبر به الله تعالى نبيه الكريم في قوم تآمروا على اغتيال النبي -ﷺ-في طريق عودته من تبوك، فكشف القرآن الكريم خبث نواياهم وحقدهم الدفين على الرسول-ﷺ-، (ابي علي فضل بن حسن الطبرسي، 9/375).

ثالثا: الإخبار عن المستقبل:

لم يكتف القران الكريم بإخبار الرسول -ﷺ- بقصص الأنبياء السالفين الذين لم يشهد زمانهم، حين قص عليه قصصهم، بل أخبر القران الكريم عن كثير من الوقائع قبل وقوعها، وتمت كما ذكر، وبالكيفية التي وضحها.

ومن المعلوم أن علم الحوادث والوقائع في مستقبل الأيام لا يعلمه إلا الله، وقد أعلن الرسول-ﷺ-أنه لا يعلم شيئا من الغيب علما ذاتيا، ولكنه يعلم الغيب الذي يعلمه الله إياه، قال تعالى: )قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(، (سورة الأعراف 188)، ومع هذه الحقيقة فقد ورد في القران الكريم ايات صريحة تتحدث عن أخبار مستقبلية،(صلاح عبد الفتاح الخالدي، 1996، 357).

ونجد القران الكريم تحدث عن المستقبل بعدة مراحل، وهي:

2.المرحلة المعاصرة

والغرض منها إثبات أن القران قطعي الصدور من عند الله تعالى، ولتطمئن به قلوب المؤمنين وتهتدي به نفوس المشركين لكي يعلموا أنه الحق من عند الله تعالى،(أنواع الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم: 27).

1.2. المرحلة المستقبلية البعيدة

لكي يعرف كل عصر من العصور التي ستأتي أن هذا هو كتاب الله الحقّ، وإذا كان الحديث عما سيحدث بعد مئات السنين والافها، فإن من الواضح أنه فوق طاقة البشر المحدودة، ومما يدل على وجه الإعجاز فيها: أنها وقعت كما أخبر عنها القران، فمن ذلك:(أنواع الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم: 27).

1ـ إخبار القرآن عن مستقبل الإسلام:

حيث جزمت اياتقرانية بانتصار الإسلام والتمكين له، وكان ذلك في ايات نزلت في مكة حال ضعف الإسلام والمسلمين، ثم تحققت وعود تلك الايات، ومن ذلك: قوله تعالى: )أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ* أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ* سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ(، (سورة القمر 43)، أراد بالجمع: قريش، وجزم بأنهم سوف يهزمون عند مواجهة المسلمين، وقد كان ذلك في غزوة بدر، (الطباطبائي، 1997، 7/256).

2ـ إخبار القران بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين:

هو يزيل عن قلوب المؤمنين الحزن الذي لحقها بسبب هزيمة الروم وانتصار الفرس، وكانت دولة الفرس الكافرة قد هزمت الروم الموحدين فيعد المؤمنين بكلام محفوظ متعبد بتلاوته لن يجرؤ ولن يستطيع أحد أن يغير فيه، قال تعالى: )غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(، (سورة الروم، 1-4).

فكذب الكفار هذه النبوءة، وراهن أحدهم أحد الصحابة أن له عشرة من الإبل إن ظهرت الروم على فارس، وأن يدفع الصحابي للكافر عشرة من الإبل إن ظهرت فارس على الروم، فجاء الصحابي إلى النبي -ﷺ-وأخبره، فأمره -ﷺ-أن يخاطره على مائة رأس من الإبل إلى مدة تسع سنين، ثم غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن بعد سبع سنين من نزول الايات، فأخذ الصحابي الرهن فتصدق به بأمر النبي -ﷺ-(الطبري، 2000، 20/73).

3ـ النبوءة بموت أبي لهب كافرا:

يقول تعالى: )تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ(، (سورة المسد، 1-5)، وهو ينبئ بأن أبا لهب عمّ الرسول -ﷺ- سيموت كافرًا فيُعذَّب في النار، ولقد أسلم كثير من المشركين الذين حاربوا الإسلام بكلّ قواهم عند تحقق تلك النبوءة، فكيف أمكن التنبؤ بأن أبا لهب لن يسلم ولو نفاقا وحقنا لدمه، وأنه سيموت على كفره، (الرازي، 2000، 32/351.).

4ـ إنباء القران بفتح مكة:

أنزل الله تعالى: )لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ(، (سورة الفتح، 27)، وقد عاد المسلمون من صلح الحديبية بعد أن حيل بينهم وبين حجهم ونسكهم، فكان الحزن يعلو وجوههم، فلما نزلت: قال رسول الله -ﷺ- لقد أُنزلت على اية هي أحب إلى من الدنيا وما فيها كلها.

قال جابر بن عبد الله الأنصاري: “ما كنا نعلم فتح مكة إلا يوم الحديبية”.

وقال قتادة: نزلت هذه الاية عند مرجع النبي-ﷺ-من الحديبية، بشر في ذلك الوقت بفتح مكة، ولقد وعد الله تعالى المؤمنين بدخول المسجد الحرام امنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون. فدخل المسلمون مكة عام الفتح وطافوا وقصروا رؤوسهم امنين لا يخشون غير الله تعالى، (ابن الجوزي، زاد المسير، 419).

2.2. موقف العلماء المحدثين من الاعجاز الغيبي

أولا: مصطفى صادق الرافعي:

يعتبر ماجاء في القران من أحداث تاريخية ومستقبلية وجها معجزا، لكنه لم يفصل في ذلك لأن غرض كتابه بلاغي ولغوي، غن كان تطرق الى مسأة خلق الإنسان باعتبارها من المسائل الغيبية التي وقع بها الاعجاز.

ويلخص تصوره لإعجاز القران فيقول: فالقران معجز في تاريخه دون سائر الكتب معجز في أثره الإنساني، معجز كذلك في حقائقه، (الرافعي، 22).

ثانيا: محمد رشيد رضا:

يرى صاحب المنار”أن الاخبار عن الغيب من أبرز وجوه الاعجاز إذا قد عنون له بعنوان اعجاز القران بما فيه من علم الغيب”،

قال في الوجه الثالث: اشتماله على الاخبار بالغيب من ماض، كقصص الرسل مع اقوامهم، وقد تقدم بعض الكلام فيه، ومن حاضر في عصر تنزيله، ثم يسوق الايات التي ورد فيها هذا الوجه ويكمل فيقول فهذه الاخبار الكثيرة بالغيب دليل واضح على النبوة نبينا وكون القران من عند الله تعالى، اذلايعلم الغيب غيره سبحانه، ولايمكن معارضتها بما يصح بالمصادفة أو القرائن أحيانا من اقوال الكهان والعرافين والمنجمين، (محمد رشيد بن علي رضا، 1990/ 23).

ثالثا: يقول دراز رحمه الله في ثنايا رده على من يزعمون أن القران الكريم انما هو ايحاءا ذاتيا من نفس محمد -ﷺ-، ذلك شأن مافي القران من الانباء التاريخية، لاجدال في أن سبيلها النقل لا العقل، وأنها تجئ من خارج لا من داخلها، ويظهر من كلامه أنه يعتبر الاخبار التاريخية داخلة ضمن الاعجاز، فهو يرى أن مدار الاعجاز في الجانب الغيبي أمية الرسول عليه السلام، ثم مجئ القران بهذا الكم من الخبار والتفاصيل الدقيقة، (محمد عبد الله دراز، 1985/ 23).

هل وقع التحدي بالاعجاز الغيبي:

التحدي لغة:

ياتي بمعنى المبارزة والمنازعة والمباراة، تحديث فلانا إذا رأيته في فعل ونازعته الغلبة، وتحداه باراه ونازعه الغلبة، وهي الحديا في هذا الامر اي أبرز لي فيه، (زين الدين أبو عبد الله، مختار الصحاح،1/68).

فالتحدي في الاصطلاح: هو طلب الاتيان بالمثل على سبيل المانزعة والغلبة، (الخالدي، التحدي بالقران الكريم،9.).

وفي البداية يجب التفريق بين ماهو المعجز وبين معجز وقع به التحدي، فحين القول إن الأخبار الغيبية هي معجزة قد وقع بها التحدي، يتحتم من ذلك ان الله عزوجل طلب منهم الإتيان بمثل تلك الأخبار الغيببة التي جاء بها القران الكريم، فان لم ياتوا بها فقد بان ضعفهم وانتهت حجتهم، وكذلك الأمر يستلزم أن من جاء بمثل هذه الاخبار قد صحت معارضته للقران الكريم، (محسن سميح الخالدي، 9).

وبعد النظر في مسألة واقوال العلماء، ثم النظر في شروط التحدي والوجه الراجح فيه والحد له، تبين أن الاعجاز الغيبي هو المعجز لكنه لم يقع به التحدي للأدلة التالية، (محسن سميح الخالدي، 10).

اولا: أن الراجح في القدر الذي تحدى الله به الناس، هو ان يأتو بسورة كاملة كسور القران، ومن المسَلم فيه أن الاخبار الغيبية ليست موجودة في كافة سور القران الكريم، ويتحتم من هذا أن السور التي ليس فيها أخبار غيبية أنها غير معجزة، وقد تطرق له الإمام الخطابي كذلك في رسالتهن إذ يقول بعد إثباته أن الاخبار الغيبية وجه من وجوه الاعجاز، (عضد الدين الإيجي، 1979، 3/397).

قلت ولا يشك في أن هذا وما اشبهه من اخباره نوع من أنواع اعجازه، ولكنه ليس بلأمر الموجود في كل سورة من القران، وقد جعل سبحانه في صفة كل سورة أن يكون معجزة بنفسها الايقدر أحد من الخلق ان يأتي بمثلها، (الخطابي، 1976، 1/24.).

فلابد للوجه المعجز الذي وقع به التحدي أن يكون موجودا في كافة السور، ولا شك أن هذا الوجه هو نظم القران الكريم وما يتبعه من فصاحة وبالغة، وهو الرأي الذي رجحه جماعة من أهل العلم، يقول غبن عطية الذي عليه الجمهور والحذاق وهو الصحيح في نفسه ان التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة الفاظه، (ابن عطية،1993، 1/48).

ثانيا: إن العرب في زمن تنزيل القران الكريم، لم يكونوا مطالبين بلإتيان بمثل هذه الخبار التي لم تقع ضمن دائرة التحدي، فالتحدي يجب أن يكون بمثل ما يتقنه المتحدي، والأخبار الغيبية أبعد ما تكون من قدرة العرب، فهم أمة أمية لا كتاب لهم ولا علم لهم إلا ما ندر مما أخذه بعضهم من احبار اليهود، وبعض الاساطير من كتب السابقة كما كان يفعل النضر بن الحارث، (ابن ابي حاتم، 2000، 12/536).

ويرى في ذلك الشأن الاستاذ محمود شاكر: أنه إذا صح أن قليل القران وكثيره سواء في هذا الوجه (أي النظم والبيان) ثبت ان مافي القران جملة من حقائق الاخبار عن الامم السالفة، ومن أباء الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب الدلالات على ما لم يعرفه البشر من أسرار الكون إلا بعد القرون المتطاولة من تنزيله، كل ذلك بعزل عن الذي طولب العرب، (مالك بن نبي، 1987/ 320).

ثالثا:إن وجه التحدي يجب أن يصل الى الحد لا لبس فيه، وان لا يختلف عليه اثنان و أن يظهر جليا التفاوت فيه بين ما عند الله تعالى وبين ماعند البشر، فيمكن ان يقال: ان ماجاء في الكتب السابقة، على الرغم من الفارق بينها وبين ماجاء به القران من اخبار غاية في الدقة وجمالا في الاسلوب، يمكن ان يقال أنها معارضات للقران الكريم، وكذلك ما يجئ به الكهان وامثالهم، (مالك بن نبي، 1987/ 320).

ولهذا فقد منع بعض العلماء من ان تكون الاخبار الغيبية في القران الكريم وجها من وجوه الإعجاز، وفي هذا يقول هذا يقول شاكر محمود: ان مافي القران من مكنون الغيب من دقائق ومن دقائق التشريع ومن عجائب ايات الله في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدى المفضي الى الاعجاز، وان كان ما فيه من ذلك كله يعد دليلا على انه من عند الله تعالى، ولكنه لا يدل على ان نظمه وبيانه مباين لنظم كلام البشر وبيانهم، وانه بهذه المباينة كلام رب العالمين لا كلام بشر مثلهم، (عمر أبو الليل، 2014، 26،).

رابعا: ان الخبار المستقبلية لايمكن أن تكون وجها وقع به التحدي، فهي في عين المتحدي ليست سوى اخبار تحتمل الصدق والكذب، لايمكن ان تعتبر إعجازا الا بعد وقوعها وهذا ما لفت له الشريف المرتضى، فكيف يتحدى الله تعالى الناس بشئ لم يقفوا على برهانه، بل إن مشركي مكة اعتبروا ماجاء به القران من اخبار عن نصر الروم ثغرة وفرجة لهم ليتمكنوا من الدين ويثبتوا “الكذب النبي” حاشاه عليه أفضل الصلاة والسلام، وما جرى بينهم وبين ابي بكر من تحد يوم انزلت سورة الروم، (مالك بن نبي، 1987/ 320).

ويتبين مما سبق أن الاخبار الغيبية وجه معجز لكنه لم يقع به التحدي، ولا يفهم من ذلك أن البشر يمكن لهم أن يأتوا بمثل أخباره، فهي بلاشك دليل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ودليل على أن القران من لدن عليم حكيم، ولا يمكن أن يأتي مخلوق ويجئ بمثل ماجاء به القران الكريم، ولكنها لم يتحدى بها.

خاتمة

القرآن الكريم هو الصورة الوحيدة من كلام رب العالمين المحفوظة بين أيدي الناس اليوم بنفس لغة وحيها اللغةالعربية، ولذلك فهو معجز فى كل أمر من أموره، لأنه لابد وأن يكون مغايرا لكلام البشر، فهو معجز فى بيانه ونظمه، لأنه ليس بالشعر ولا بالنثر، ولكنه نمط من العربية فريد، وصياغة متميزة، لم يدركها فصحاء العرب وبلغاؤهم وهم فى قمة من قمم الفصاحة والبلاغة وحسن البيان، وعجزوا عن الإتيان بشىء من مثله.

وبما أن القرآن الكريم هو بيان من الله تعالى فلابد وأن يكون كل ما فيه حقا مطلقا، حديثه عن العقيدة، وهي غيب مطلق، وعن العبادة، وهي أوامر إلهية محضة، وعن كل من الأخلاق والمعاملات،وهي ضوابط للسلوك، والتاريخ يؤكد لنا أن الإنسان كان عاجزا دوما عن وضع ضوابط فىأى من هذه القضايا لنفسه بنفسه.

وكذلك إشارات القرآن الحكيم إلى الكون ومكوناته وبعض أشيائه وظواهره، لأنه كلام الخالق، ومن أدرى بالخلق من خالقه، واستعراضه لسير أعداد من الأنبياء السابقين، والأمم البائدة التى لم يدون لنا التاريخ شيئا عنها، والاكتشافات الأثرية المتتابعة تثبت صدق القرآن الكريم فى جميع ما أورد.

والقرآن الكريم هو أيضا معجز فى دستوره التربوى الفريد، وفى خطابه إلى النفس الإنسانية وارتقائه بها فى معارج الله العليا إلى ما لا يمكن لأي خطاب آخر أن يصل، وفى إنبائه بعدد من الغيوب التى تحققت من قبل ولا تزال تتحقق، وفى تحديه للإنس والجن مجتمعين أن يأتوا بسورة من مثله دون أن يتمكن عاقل من التقدم ليقول، نعم لقد استطعت أن أكتب سورة من مثل سور القرآن الكريم

 

المصادر والمراجع

زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي، مختار الصحاح، ت، يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، بيروت، ط5.

عبد الفتاح إبراهيم سلامة، المعجزات والغيبيات بين بصائر التنزيل ودياجير الإنكار والتأويل، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط2.

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ت، عبد السلام محمد هارون،اتحاد الكتاب العرب،2002.

ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، ت، عبد الله علي الكبير، دار المعارف، القاهرة.

عبد الفتاح إبراهيم سلامة، المعجزات والغيبيات بين بصائر التنزيل ودياجير الإنكار والتأويل.

الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب، إعجاز القرآن للباقلاني، ت، السيد أحمد صقر، دار المعارف.

أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي، أبو العباس، شهاب الدين، التبيان في تفسير القرآن، ت، ضاحي عبد الباقي محمد، دار الغرب الاسلامي، بيروت، ط1.

الرماني، علي بن عيسى بن علي بن عبد الله، أبو الحسن، النكت في اعجاز القران، ت، محمد خلف الله، دار المعارف، مصر، 1976، ط3.

السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطين الاتقان في علوم القران، محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974.

أبو القاسم الخوئي، السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي، البيان في تفسير القرآن، مؤسسة العلمي للمطبوعات، ط1.

أنواع الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم، عبد الحي الفرماوي.

أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي أبو العباس، شهاب الدين، التبيان في تفسير القرآن، ضاحي عبد الباقي محمد، دار الغرب الاسلامي، ط5.

ابي علي فضل بن حسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، دار المعرفة.

صلاح عبد الفتاح الخالدي، التفسير والتأويل في القرآن، دار النفائس، الاردن،

محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الاعلمي، بيروت، ط1.

الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، جامع البيان في تأويل القرآن، ت، أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 2000.

الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 2000.

الرافعي، مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر، اعجاز القران والبلاغة النبوية، دار الكتاب العربي، بيروت، ط5.

محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين، تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

دراز، محمد عبد الله دراز، النبأ العظيم نظرات جديدة في القران الكريم، دار الثقافة ـ الدوحة، 1985.

محسن سميح الخالدي، التحدي بالقران الكريم، رئيس قسم اصول الدين، جامعة النجاح.

عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، كتاب المواقف، ت، عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1979.

الخطابي، أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، بيان الاعجاز القران، ت، محمد خلف الله، دار المعارف، مصر، ط3، 1976.

ابن عطية، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ت، عبد السلام عبد الشافي محمد، دار النشر، لبنان، ط1، 1993.

ابن ابي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، تفسير القرآن العظيم، ت، أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز، ط3، 2000.

مالك بن نبي، الظاهرة القرانية، اعداد، محمود شاكر، محمد عبد الله دراز، دار الفكر، دمشق، ط4، 1987،

الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، الجامع الصحيح سنن الترمذي، ت، أحمد محمد شاكر، دار احياء التراث العربي، بيروت.

عمر ابو الليل، عمر محمد راجح، الاعجاز الغيبي في القران الكريم دراسة تحليلية نقدية، رسالة ماجستير في الاصول الدين، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2014.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *