نوفمبر 23, 2024 3:58 ص

                   الاستاذ الدكتور                                               الاستاذ الدكتور

برزان مُيَّسر حــــامد الحميــــــد                                 عبد الرحمن ابراهيم حمد الغنطوسي

جامعة الموصل- العراق                                              الجامعة العراقية- العراق

dr.barzan_78@yahoo.com                         almosul1978@gmail.com

009647701601393

الملخص

       لقد اهتمّ الإسلام بالنّاحية الاقتصادية كاهتمامه بكلّ نواحي الحياة, ” فاهتمّ بالمال ايجاداً وتنمية واستثماراً وبقاءً, من النّاحيتين الإيجابيّة والسّلبيّة, فاعتبر المال أمانة ثقيلة بيد صاحبه, وألزمه بحفظه, وتثميره, وألزمه السّعي من أجل تحصيله” وما هذا إلّا اعترافاً من الإسلام بأهميّة الاقتصاد, ودفعاً للمسلمين ليهتمّوا ذلك الإهتمام الّذي يضع المسلمين في مكانهم المناسب على السّاحة الدّوليّة, فتكون لهم قوّتهم, واستقلالهم, فلا يخضعون لقوانين الغرب الّذي أدخل إليهم كثيراً من المعاملات الّتي حرّمها الإسلام وقبلها المسلمون في هذا العصر بسبب ضعفهم وتخلّفهم للأسف الشديد. “

       يهدف البحث وفي إطاره النظري الى توضيح العديد من النقاط تتعلق بالأتي: مفهوم المنهج النبوي ومعرفة الاقتصاد الإسلامي وأشكال الاستخدامات فيها، وبيان خلفيات وثوابت الاقتصاد الإسلامي وقياس الأهمية النسبية لاستخدامات الأموال في الاقتصاد الإسلامي وخاصة فيما يتعلق منها بالاستثمار والكشف عن أسباب الركود. وتكمن أهمية وهدف البحث بنهوض العلماء المسلمون ومفكروهم، لإيجاد بديل عملي للنظام المالي والاقتصادي الغربي.

الكلمات المفتاحية: المنهج الاسلامي، اثره، معالجة، الفساد، الاداري، الاقتصادي.

The Islamic approach and its impact in addressing administrative and economic corruption in society

Prof. Dr Barzan Muaser Hamed Al-Hamid

Abdul Rahman Ibrahim Hamad Al-Ghantousi

abstract

    Islam has paid attention to the economic aspect as it is concerned with all aspects of life. “It was concerned with money in finding, development, investment and survival, both positive and negative. He considered money a heavy trust in the hand of its owner, and obliged him to preserve and invest it, and obliged him to strive for its collection.” This is nothing but recognition from Islam. And pushing Muslims to pay attention to that concern that places Muslims in their appropriate place in the international arena, so that they have their strength and independence so that they do not submit to the laws of the West, which introduced them to many of the transactions that Islam prohibited and accepted by Muslims in this era because of their weakness and their backwardness, unfortunately. “

      The research aims, in its theoretical framework, to clarify several points related to the following: the concept of the prophetic approach, knowledge of Islamic economics and the forms of uses in it, stating the backgrounds and constants of Islamic economics and measuring the relative importance of the uses of funds in the Islamic economy, especially about investment and revealing the causes of stagnation. The importance and purpose of the research lie in the rise of Muslim scholars and their thinkers, to find a practical alternative to the Western financial and economic system.

Key words:

the Islamic approach, its impact, treatment, corruption, administrative, and economic.

مقدمة :

      الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وأهل بيته أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :   

       إن السعي لتحقيق المصلحة القومية لأية دولة يعد الهدف الأسمى في اطار حركتها الادارية والاقتصادية كما ان طبيعة المصالح والاهداف قد تفضي الى تدعيم العلاقات الثنائية بين الدول , بما يعزز نموهما وازدهارهما أو قد تقود الى التقاطع بينهما بسبب الاختلاف في رؤية كل من طرفي العلاقة وسلوكها السياسي  بغية ضمان مصالحها القومية , ومن ثم تدفع باتجاه مغاير قد يبلغ مستوى القطيعة بين الطرفين , وإن العالم الإسلامي والغرب يقتضي معرفة كل طرف بلغة محاوِره ، لأن اللسان وسيلة التواصل ، وأداة الفهم والإفهام والمنهج الاسلامي  في تنظيم الادارة وبناء الاقتصاد ، إذا لم يُدرك بمراحله وأبعاده ، ويميّز بين ثوابته ، ومتغيراته ، ومراحله ، وتدرك الظروف والشروط ، التي توفرت لكل مرحلة ، يمكن أن ينقلب إلى معوق ، بسبب سوء الفهم ، ومن ثم سوء التطبيق ، بدل أن يكون دافعاً للنهوض , لذلك فالأمر لا يجوز أن يبقى خاضعاً لرؤية فردية ، تدعي الإحاطة بكل شعب المعرفة ، وإنما لابد له من دراسات متخصصة ، بشعب المعرفة المتنوعة ، شريطة أن تكون متحصنة بالمرجعية الشرعية الكافية ، للتمييز بين ما هو من الوسائل ، وما هو من الأهداف ، وما هو من المبادئ ، وما هو من البرامج ، وما هو من القيم المعيارية ، وما هو من الاجتهاد الخاضع للتقويم ، لتشكيل رؤية جماعية لكل عصر ، بحسب مشكلاته وظروفه ، وإمكاناته ، وقضاياه ، وموقعه من مسيرة النبوة .

      ان الكثير من مشكلاتنا الفكرية والمنهجية والنهضوية والاقتصادية – إن صح التعبير – قد تكون نابعة من وجود متخصصين بشعب المعرفة ، لكنهم يفتقدون المرجعية الشرعية ، أو يفتقدون لمعرفة الوحي بشكل أعم  والمجتمع الإسلامي الأول ، هو مجتمع الأنموذج ، ومعيار الاقتداء العملي ، ليس في مرحلة الكمال والاكتمال فقط ، وإنما في المراحل كلها التي مر بها ، فكل مرحلة تعتبر قدوة وأنموذجاً لما يشابهها ويقابلها من الأحوال التي يعيشها ويتقلب فيها المجتمع المسلم ، فالمجتمع الأول بالنسبة للمسلم ، يشكل المرجعية التطبيقية ، كما أن القيم في الكتاب والسنة ، تشكل المرجعية الشرعية والفكرية ، وقد تحقق له ذلك دون غيره ، بسبب حراسة الوحي ، والرؤية الراشدية ، ولكن لماذا أصبح الطُّغيان والاستبداد السِّياسيّ سمة بارزة من سمات العالم الإسلامي المعاصر وفي كل صفاته الإدارية والاقتصادية , ويتشبثون  بها لأنهم متعطشون إلى التسلط والسيطرة على حياة النَّاس وعقولهم وتفكيرهم بحيث يكون لهم القول الفصل في كل شيء،وكل ذلك نتيجة لعادات وتقاليد قبلية أو إقليمية لا تمت إلى الإسلام بصلة وهو بريء منه؟ لقد اهتمّ الإسلام بالنّاحية الاقتصادية  كاهتمامه بكلّ نواحي الحياة, ” فاهتمّ بالمال ايجاداً وتنمية واستثماراً وبقاء, من النّاحيتين الإيجابيّة والسّلبيّة, فاعتبر المال أمانة ثقيلة بيد صاحبه, وألزمه بحفظه, وتثميره, وألزمه السّعي من أجل تحصيله” وما هذا إلّا اعترافاً من الإسلام بأهميّة الاقتصاد, ودفعاً للمسلمين ليهتمّوا ذلك الإهتمام الّذي يضع المسلمين في مكانهم المناسب على السّاحة الدّوليّة, فتكون لهم قوّتهم, واستقلالهم, فلا يخضعون لقوانين الغرب الّذي أدخل إليهم كثيراً من المعاملات الّتي حرّمها الإسلام وقبلها المسلمون في هذا العصر ـ للأسف  بسبب ضعفهم وتخلّفهم. ” .

      وقد اقتضت طبيعة البحث أن يقسم الى مقدمة وثلاثة مباحث، بينّا في المبحث الأول المنهج الاسلامي والبناء الاقتصادي،  وجاء المبحث الثاني للحديث عن علاج الفساد الإداري من منظور الاسلام والإدارات الحديثة ، اما المبحث الثالث والاخير فقد جاء ليكشف النظام الإداري والاقتصادي في الإسلام، ثم اتبعنا البحث بخاتمة سطرّنا فيه اهم النتائج التي توصلت اليها الدراسة .

أهمية الدراسة :تكمن أهمية الدراسة بنهوض العلماء المسلمون ومفكروهم ، لإيجاد بديل عملي للنظام المالي والاقتصادي الغربي.

أهداف الدراسة : تنبثق اهداف الدراسة وفي اطارها النظري الى توضيح مفهوم المنهج النبوي ومعرفة الاقتصاد الإسلامي وأشكال الاستخدامات فيها، اضافة الى بيان خلفياته وثوابته ، وقياس الأهمية النسبية لاستخدامات الأموال في الاقتصاد الإسلامي وخاصة فيما يتعلق منها بالاستثمار والكشف عن أسباب الركود .

مشكلة الدراسة : عدم ادراكالبعض للقواعد والاسس التي وضعها الاسلام للنشاط الاقتصادي، والتيتصلح لكلّ زمان ومكان, لأنّها عامّة لا تتبدل, ويندرج تحتها كثير من المتغيّرات الّتي تسير ضمن دائرة هذه القواعد العامّة, بما يضمن خير الإنسان في الدّنيا والآخرة .

منهج الدراسة : اعتمدت الدراسة على المنهج الموضوعي المقارن وذلك من خلال الرجوع الى الاحكام والتشريعات الخاصة بالفساد الاداري والاقتصادي واثر الدين الاسلامي في معالجة ذلك، والاستشهاد بالايات القرانية والاحاديث النبوية الشريفة .

المبحث الأول

المنهج الاسلامي  والبناء الاقتصادي

       المنهج  دلالة لنظام مسيرة الحياة في هذه الدنيا ، ويهدف  الى سعادة الإنسان ، وحفظ كرامته ، وحياته الطيبة ، في الدنيا والآخرة ، قال الله سبحانه وتعالى :{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَاكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىا الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }(المائدة:48) ، فالمقصود بالحكم بما أنزل الله ، المنهج الذي شرع الله التزامه ، والحكم الذي شرعه الله هنا ، لا يخص الجانب السياسي ، أو التشريعي ، أو الأخلاقي ، أو الاقتصادي ، أو التربوي ، وإنما يعني ذلك جميعه ، بكل ما يتطلب المنهج من منطلقات وركائز أساسية ، وأهداف مرحلية ، ونهائية واضحة ، ووسائل وأوامر ونواة ، وقيم ومعايير ثابتة ، ليست من وضع الإنسان ، وما يتطلب أيضاً من أنموذج تطبيقي لهذا المنهج ، أشبه ما يكون بوسيلة إيضاح معينة على تنزيل قيم المنهج على الواقع ، وتحويل فكره إلى فعل مجسد في حياة الناس ، أو هو كالمجسمات والنماذج ، والصور ، التي تبين الشكل ، الذي لابد أن تنتهي إليه الوسائل.وهنا نقول : إن الأزمة التي نعاني منها ، ليست أزمة منهج ، وإنما أزمة فهم للمنهج ، وأزمة تعامل مع المنهج .. أزمة تنزيل للمنهج على الواقع ، وتقويمه به ، فالاسلام بمصدريه : الكتاب والسنة ، والسيرة كتنزيل عملي وأنموذج ، هو المنهج ، وأن المعايرة للواقع ، والتحديد للخلل ، إنما يكون في ضوء الكتاب ، والسنة ، والسيرة ، وأن أي معاودة للنهوض ، واستئناف السير ، مرهون بتقويم الواقع ، بمنهج الكتاب ، والسنة ، والسيرة ، فالإسلام هو المنهج ، وهو الصراط ، وهو السبيل ، وهو الحجة ، وهو موثق الاستمساك والتلقي ، والمعايرة ، واكتشاف الخلل ، وتحديد الأزمة ، أو هو بكلمة جامعة : الدين ، الذي يحكم تصرفات الإنسان ، أو يدين له الإنسان بتصرفاته ، ونشاطه ، لأن أي عدول عن هذا ، أو تعديل له – والتعديل هو عدول في الحقيقة ، عن بعض الجوانب ، كما أسلفنا – إنما يعني بالضرورة استدعاء مناهج ونظم معرفية ، ومسالك ومعايير (الآخر) وليس من (آخر) الآن ، سوى المنهج الغربي ، بوسائله ، وأدواته ، ونظامه المعرفي.

       من هنا يتبين لنا ان  الاقتصاد عصب الحياة، وشريانها النابض، ومما لا شك فيه، في إطار الحديث عن أثر المنهج النبوي على المجتمع، يمكن القول أن له تأثيراً واسعاً وواضحاً في مجال البناء الاقتصادي، وذلك  خلال الإعداد المهني وقادة  المستقبل، فللمنهج الاسلامي أثر بارز في البناء الاقتصادي خلال إعداد الكوادر المدربة،وتزويدهم بالعلوم والمعارف اللازمة التي يسدون بها حاجة المجتمع، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي، بدلاً من العالمة الأجنبية التي تقتطع جزءًا من المال وتوجهه إلى بلدانها؛ لذلك كان إعداد جيل المستقبل عملية بالغة الأهمية لنجاح الفرد والاسرة  “ويتوقف بالدرجة الأولى على نوع الإعداد المهني الذي يلقاه الفرد وحسب موقعه ، ومهما تحدثنا عن تطوير العملية التربوية فإن المعلم الجيد له دور في ترسيخ المنهج النبوي لطلابه وهو يمثل شرطاً رئيسياً فيها،إن أحد المناهج الدراسية قد تموت في يد معلم لا يقدر على تدريسها،والمنهج الميت قد تعود إليه الحياة إذا ما وجد معلماً قديراً متفتحاً “وخلال المعلم الكفؤ تظهر الإيجابية بين التعليم والاقتصاد،فلا ينمو الاقتصاد إلا بكوادر بشرية مؤهلة تأهيلاً عالياً،ومدربة،تدريباً سليماً.ويبرز أثر المنهج النبوي خلال العمل، وبذل الجهد في اتقانه، وذلك استجابة لقول سبحانه وتعالى :

{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }(التوبة:105) ،وأيضاً استجابة لقوله عليه الصلاة والسلام:((إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))(السيوطي،د،ت،ج1،ص75) ،وقال أيضاً:((إن الله تعالى يحب العامل إذا عمل أن يحسن عمله)) ،وقال أيضاً:((إن الله يحب العبد المؤمن المحترف))(المصدر نفسه،ج1،ص75). فالعمل مورد مهم من الموارد المالية،ووسيلة فعَّالة لتحسين الدخل وتنمية الاقتصاد،وأيضاً رافد مهم من روافد البناء الاقتصادي للمجتمع؛ لأنها تدفع الفرد والاسرة والمجتمع  للإقبال على الشيء المتقن،والعمل الجيد. فإذا أردنا أن نبيّن الجانب الإعتقاديّ في الإقتصاد, سنجد ثوابت كثيرة قررها الإسلام, وأهمّ هذه الثّوابت :

1-ـ الملك لله, والإنسان مستخلف فيه: يقول تعالى: ” وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ”(الحديد:7), وفي هذا تذكير للإنسان بأنّه لا يملك شيئاً, وإنّما كلّ ما يملك هو لله, فترسخ في ذهنه هذه القاعدة, فلا يمتنع عن تنفيذ أمر الله سبحانه, فهو موّكل من عند الله في ماله, والموّكل ينفّذ أمر من وكّله, وهو يعرف في النّهاية أنّ هذا المال الّذي يجري بين يديه ليس له حتّى وإن استطاع أن يتصرّف به كلّه كما يشاء.

       ولم يختّص هذا الإستخلاف بشخص دون آخر, إنّما هي لجميع النّاس, قال تعالى: ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ” (الانعام :165)، الكون كلّه مسخّر للإنسان: يقول تعالى: ” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً”. فتسخير الكون يعني أنّ كلّ ما فيه للإنسان, ليسعى ويعمل ويحصل على رزقه. يقول تعالى: ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”. فكلّ ما في الدّنيا بين يدي هذا الإنسان, وما عليه إلّا أن يجدّ في سبيل رزقه. وتسخير الكون للإنسان يعطي معنيين كبيرين أ : الكون وما فيه مهيأ ومبذول للإنسان, فإن هو أحسن سبل استخدامه, وأعمل فكره فيه فإنّه لا يستعصي عليه شيء في هذا الكون. ب : الإنسان هو أفضل المخلوقات, ولولا ذلك لما كان كلّ شيء مسخّر له, لذلك لا يليق به أن يعبد شيئاً مما سُخّر له, بل هو سيّد هذا الكون, وجدير به ألّا يعبد إلّا ربّ هذا الكون وخالقه, والّذي سخّر هذا الكون له ، الله جعل تفاوتاً بين النّاس في الرّزق، فهناك غنيّ وفقير, وما ذلك إلّا لحكمة أرادها الله،  فلو تساوى النّاس في الرّزق لما استمرّت الحياة، فالغنيّ يُعطى المال لينظر ماذا يفعل به وكيف ينفقه, والفقير يُحرم منه, ويبقى عنده طموحه الّذي يدفعه إلى العمل والجدّ من أجل كسب المال، يقول تعالى: ” أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ”. وقد جاء في تفسير قوله تعالى: ” لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً”, يعني لو أنّنا سوّينا بينهم في كلّ الأحوال لم يخدم أحد أحداً, ولم يصر أحداً منهم مسخّراً لغيره, وحينئذ يفضي ذلك إلى خراب العالم وفساد حال الدّنيا، ولكنّنا فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضاً, فتسخّر الأغنياء بأموالهم الأجراء والفقراء بالعمل, فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش, فهذا بماله, وهذا بعمله, فيلتئم قوام العالم(القرضاوي،1993،ص77) ، وكما قال الشّاعر :

وَالناسُ بِالناسِ مِن بدوٍ وحاضرةٍ … بَعضٌ لِبَعضٍ وَإِن لَم يَشعُروا خَدَمُ

          ولكنّ هذا التّفاوت لا يعني أنّ الغنيّ مفضّل على الفقير, أو أنّ الغنيّ محبوب من قبل الله بينما الفقير مكروه (الصلابي،2008،ج1،ص340؛الخازن،1328ه،ج4،ص112؛زيدان،2000،ص19), يقول الله تعالى: “وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ”(سبأ،34-39). إن قوة الاقتصاد الإسلامي ووصول الأموال إلى قبضة المسلمين ستكون عاملاً من عوامل قوة الدعوة الإسلامية، وستتحكم المنظومة الإسلامية على الاقتصاد العالمي وستعرض على العالم سوقًا إسلامية ومنظومة شركات إسلامية، وسترتفع رايات المسلمين ومعنوياتهم عندما يرون رجال المال المسلمين الذين ينفقون أموالهم سرا وعلانية ابتغاء مرضاة الله، وينطلق الدعاة في كل مكان مبشرين ومنذرين وخلفهم مؤسسات وشركات تدعمهم وتقف بجانبهم، كل على ثغر، وكل يسعى لتمكين دين الله في الأرض.

       إن الإعداد المالي والقوة الاقتصادية ستكون في خدمة الأمة والدعوة والسياسة والفكر، وستستند حركة التغيير الشاملة من أجل التمكين لدين الله في الأرض،ولابد أن تهتم الحركات الإسلامية بميدان الصناعة والزراعة والعقار والاستيراد والتصدير، وبخاصة في البلاد الحرة التي لا ينال أموالنا فيها ظلم، وفي العالم الكبير الفسيح المتسع للاستثمار، وإنقاذ البشرية وبخاصة المسلمون من مساوئ الأنظمة الوضعية حتى إن علماء الغرب يقولون بذلك، يقول جاك أوستري: إن طريق الانتماء ليس محصوراً في المذهبين المعروفين بل هناك مذهب اقتصادي ثالث راجح هو المذهب الإسلامي، وبذلك يتحرر المسلمون من التبعية الاقتصادية ويبرز للعالم هذا النظام، ومن هنا تأتي أهمية طريق النظام الاقتصادي في الإسلام، وبيان الأحكام الشرعية لمعالجة جميع مشاكل الحياة.

2- استغلال الموارد البشرية والمادية الإسلامية استغلالاً اقتصاديا يؤدي إلى الرفاهية العامة للشعوب الإسلامية مما يساعد المسلمين على قيام الصناعات الثقيلة، وبذلك تتحقق للمسلمين القوة والمنعة التي تحرر أراضيهم المحتلة، كل ذلك وفق برامج تنمية متكاملة، فالإسلام ليس مجرد تراث، بل فيه طريق التنمية السليم، وبذلك لا يبقى العالم الإسلامي مجرد سوق مالي وسلعي للشرق أو الغرب.

3- وجود الاقتصاد الإسلامي يؤدي إلى الوحدة السياسية بين شعوب الإسلام، حيث إن الاقتصاد ينطلق من الشريعة، والشريعة تنادي بوحدة المسلمين، لأن وحدة الاقتصاد تؤدي إلى وحدة السياسة، وهذا ما تسعى إليه دول غير إسلامية مثل دول السوق الأوروبية المشتركة.

4- تحقيق القوة الاقتصادية والسياسية يؤدي إلى عودة الإسلام إلى أيامه الزاهرة ويؤدي بالتالي إلى سيطرة الإسلام على مسرح السياسة والاقتصاد في العالم، وتصبح الأمة الإسلامية خير أمة وأقوى قوة فكرية وحضارية ومادية في العالم.

5- إذا بنى الفكر وبخاصة الفكر الاقتصادي الإسلامي على أساس سليم من العقيدة والأسس التي وضحناها فإن الطريق إلى الاكتشافات والمخترعات الحديثة سيكون مفتوحا، وستوظف المفاهيم إلى واقع حي عملي في معترك الحياة، وبذلك نبعد جميع الأفكار الدخيلة على الأمة الإسلامية من رأسمالية واشتراكية( اوستري،د،ت،ص1000) .

       إن الهيمنة على الاقتصاد وتحكيم شرع الله فيه جهاد عظيم ولها آثار على المجتمعات البشرية من أهمها: المال في الإسلام وسيلة لا غاية: فهو وسيلة للعيش الكريم, ولتلبية الحاجات, ومساعدة النّاس, لذلك ذمّ الإسلام حبّ المال الشّديد والتّعلّق به, قال تعالى: ” وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً”. ولكنّه لم يمنع من التّمتّع به, وإنفاقه بما يرضي الله, يقول تعالى: ” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ”. فالإسلام لم يرد أن يصبح الإنسان عبداً للمال, وبيّن له أنّ هذا المال لن ينفعه يوم القيامة, يقول تعالى: “يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” , وبالتّالي أمر بالعمل لتحصيل المال الّذي ينتفع به في هذه الحياة الدّنيا, يقول تعالى: ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”

      وبما أنّ المال وسيلة, فقد حرّم الإسلام ـ كما قلنا ـ أن تصبح هذه الوسيلة غاية, وأراد من المال أن يكون وسيلة للعيش, وأراد أن يُستخدم, فمنع الإسلام كنز المال, وأمر بإنفاقه, قال تعالى: ” وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”  فالإسلام يريد أن يبقى المال داخلاً ضمن النّشاط الإقتصاديّ ومستخدماً فيه, لا أن يُحبس ويُكنز, مما يؤدّي إلى خروجه عن خلقته الّتي خلقه الله بها(زيدان،2000،ص20)،أو قصور فكري فيكون عليه الوزر والعقاب من الله تعالى.وليست هذه المسؤوليّة فقط أمام الله بل هي مسؤوليّة دنيويّة تحدّدها أخكام الشّريعة. يقول تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”.وفي الإسلام أحكام تشريعيّة تحاسب الفرد على نشاطه الإقتصاديّ, فتمنعه من القيام بأيّ نشاط يضرّ الجماعة, أو يؤدّي إلى افسادها, مثل بيع الخمر أو انتاجها, أو زراعة المخدّرات وغير ذلك من أمثال هذه التّجارات, ومنعه أيضاً من الغشّ والتّزوير, فكان المسلم مسؤولاً عن بضاعته وجودتها, وهناك أحكام كثيرة في هذا الشّأن موزّعة في كتب الفقه. وحمّل الإسلام المسلمين مسؤوليّة القيام بالنّشاطات المختلفة الّتي تؤدّي إلى خير المجتمع, فإذا قام بعضهم بها سقط الإثم عن الباقين, وإذا لم يقم بها أحد أثم الجميع (الخطيب،1975،ص44؛ الصلابي،2008،ج1،ص339؛البغا،1989،ص346). يقول الله تعالى: ” فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ”(التوبة:122). كما أن حاجات العمل المتعددة تحتاج إلى أموال طائلة لتغطيتها، والمطلوب من الحركات الإسلامية أن تعد من رجالها من التجار المسلمين من تظهر على سلوكه أخلاق الإسلام والسنة النبوية ، هي قانون مطرد في التغيير الاجتماعي ، والبناء الحضاري ، وأن الاطراد سمة لازمة لها ، كلما توفرت الظروف والشروط ، وانتفت العوائق ، وأن نهوض المجتمع الإسلامي من سقوطه اليوم ، مرهون باستعادة الأنموذج ، القدوة ، والمنهج في التغيير ، وأن توفير الظروف والشروط التي توفرت لميلاد المجتمع الأول ، أساس لمعاودة الإنتاج ، أدركنا مغزى قولة الإمام مالك رحمه الله : لا يصلح آخر هذه الأمة ، إلا بما صلح به أولها .

      ولعل من الأمور الأساسية التي لابد من التنبه لها ، والتذكير بها هنا ، أن منهج الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم في البناء والتغيير الحضاري ، هو منهج اللبنة والتدرج ، وتحضير المحل ، والأخذ بيد الناس إلى تحقيق المقاصد الإسلامية ، وتقويم سلوكهم بشرع الله ، شيئاً فشيئاً ،حتى وصل بهم ، إلى درجة الاكتمال والكمال ، في بناء المجتمع الأنموذج ، وهذا المنهج لم يقتصر على مرحلة النبوة الخاتمة ، وإنما هو منهج النبوة في التاريخ الإنساني ، ووسيلة الأنبياء جميعاً ، حتى أن النبوة الخاتمة بكل عطائها ، ومقوماتها ، وأهدافها ومنطلقاتها ، لم تخرج عن أن تكون لبنة ، في البناء النبوي الممتد ، مع رحلة الإنسان على الأرض ، وقد ألمح إلى هذا وأكده الرسول صلي الله عليه و سلم بقوله: (مَثَلي ومثُل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى بنياناً ، فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له ، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين ))(صحيح مسلم،2016،حديث رقم 4359).

       وقد يكون من أبرز الخصائص ، التي تجعل المنهج النبوي في التغيير والنهوض والبناء الحضاري ، محلاً للاقتداء والتأسي ، وتجعله أنموذجاً (يحتذى انما هي في واقعيته وتوافقه مع فطرة الإنسان)، وإنه تحقق من خلال تعامله مع السنن الجارية في الكون ، ومن خلال عزمات الإنسان ، بضعفه وقوته ، وتذكره ونسيانه ، وفطرته وغريزته ، ونزوعه إلى الخير ، وانحداره في الشر ، واستيعاب جميع ما يتعرض له من الظروف ، والأحوال ، والقابليات ، من الشدة والرخاء ، والسقوط والنهوض ، والهزيمة والنصر ، ليكون المنهج من ثم دليلاً ومرشداً ، في كيفية التعامل مع الأحوال كلها ، من خلال الاستطاعات المتوفرة ، والظروف المحيطة ، ولم يتحقق من خلال تعامله مع السنن الخارقة ، الخارجة عن طاقة البشر ، التي قد تسهم بالتواكل ، والإلغاء ، وانطفاء الفاعلية ، وتؤدي إلى السلبية ، والإرجاء . واعتمد الزمن ، وسنة الأجل ، كعنصر لازم ، لإنضاج الفعل الحضاري ، وتحكم بالزمن تسخيراً وإنتاجاً ، بعيداً عن النظرة الدهرية والجبرية الزمانية ، التي كانت من مثالب الكفر ، وليس من خصائص الإيمان ، ونستطيع القول: إن المنهج النبوي في التغيير ، والبناء الحضاري ، تحكم بالزمن، وأعاد التعامل مع المسار الحقيقي ، وأكد استدارته كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، وأبطل عبث العابثين بمساره ، ليتحقق الانسجام ، بين السنن الكونية ، والسنن النفسية والاجتماعية ، فلقد قال الرسول صلي الله عليه و سلم في مراحل الاكتمال والكمال للمنهج النبوي ، في خطبة الوداع: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله سموات والأرض … إلخ )، حيث تحقق بالنبوة الخاتمة ، التصويب لوجهة الإنسان ، والقراءة الصحيحة ، لحركة الكون ، وغايات الحياة .

المبحث الثاني

علاج الفساد الإداري من منظور الاسلام والإدارات الحديثة

      جعل الإسلام الحفاظ على الأموال المنتجة باباً من أبواب حفظ المال وقد سبق بذلك القوانين الوضعية التي منها منع ذبح الإناث ومنع صيد الأسماك الصغيرة ومنع الذبح قبل سن معين، وهذه القوانين لها احترامها في المحافظة على المال المنتج الذي إن يكفي القليل في حال استخدامه في حالته هذه، سيكفي الكثير عندما ننتظر نموه وكماله، ولكن يعيب هذه القوانين أنها قوانين أرضية قد لا يطبقها الناس كثيرًا لعدم وجود مرجعية دينية في أذهانهم يتقربون بتنفيذها إلى الله، يطمعون في رضاه إن نفذوا ويخافون من عقابه إن خالفوا وهذا خاص في هذه الجزئية عام في كل القوانين وهنا نتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم المحافظة على الأموال المنتجة فسيد المرسلين (رأى من نفسه جوعاً فخرج فرأى أبا بكر وعمر قال: قوما فقاما معه إلى بعض بيوت الأنصار وسألهما عما أخرجهما فقالا: الجوع يا رسول اللّه فقال: وأنا كذلك والذي نفسي بيده فلم يجدوا الرجل وأخبرت امرأته أنه ذهب يستعذب الماء وأمرتهم بالجلوس ورحبت بهم وأهلت فجاء الرجل ليذبح وفرح بهم قائلاً: من أكرم مني اليوم أضيافاً، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياك والحلوب  ‌فحتى في لحظات جوعه وجوع من حوله لم ينس صلى الله عليه وسلم أن يعلم الأمة أن هذه الحلوب لو ذبحت لخسر بيت من بيوت المسلمين ما يغنيهم من اللبن ومنتجاته التي ستنتهي بذبح هذه الحلوب وهذا ما يجب أن يتعلمه الإنسان في كيفية التعامل مع موارده وكيفية استثمارها والمحافظة عليها، ونجد في الإسلام الحفاظ على الأموال المنتجة باشتراط السن في الأضحية والهدي  والعقيقة   فقد حدد التشريع الإسلامي سنًا معينة لا يجوز أن نقدم أقل منها حتى تزيد وتنمو فتكفي العدد الكبير في الإطعام والصدقة والهدية كذلك لو قدم الناس أي سن في أضاحيهم أو هديهم فمن الممكن أن نصل إلى وقت لا نجد فيه ناتجًا،  فلابد من بناء الفكر وبخاصة الفكر الاقتصادي الإسلامي على أساس سليم من العقيدة والأسس التي وضحناها فإن الطريق إلى الاكتشافات والمخترعات الحديثة سيكون مفتوحا، وستوظف المفاهيم إلى واقع حي عملي في معترك الحياة، وبذلك نبعد جميع الأفكار الدخيلة على الأمة الإسلامية من رأسمالية واشتراكية(محمد،2011،موقع الوكة الالكتروني)، وإن الهيمنة على الاقتصاد وتحكيم شرع الله فيه جهاد عظيم ولها آثار على المجتمعات البشرية من أهمها: المال في الإسلام وسيلة لا غاية: فهو وسيلة للعيش الكريم, ولتلبية الحاجات, ومساعدة النّاس, لذلك ذمّ الإسلام حبّ المال الشّديد والتّعلّق به, قال تعالى: ” وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً”. ولكنّه لم يمنع من التّمتّع به, وإنفاقه بما يرضي الله, يقول تعالى: ” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ”. فالإسلام لم يرد أن يصبح الإنسان عبداً للمال, وبيّن له أنّ هذا المال لن ينفعه يوم القيامة, يقول تعالى: “يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” , وبالتّالي أمر بالعمل لتحصيل المال الّذي ينتفع به في هذه الحياة الدّنيا, يقول تعالى: ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”وبما أنّ المال وسيلة, فقد حرّم الإسلام ـ كما قلنا ـ أن تصبح هذه الوسيلة غاية, وأراد من المال أن يكون وسيلة للعيش, وأراد أن يُستخدم, فمنع الإسلام كنز المال, وأمر بإنفاقه, قال تعالى: ” وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”  فالإسلام يريد أن يبقى المال داخلاً ضمن النّشاط الإقتصاديّ ومستخدماً فيه, لا أن يُحبس ويُكنز, مما يؤدّي إلى خروجه عن خلقته الّتي خلقه الله بها(عتر،1980،ص34؛ زيدان،2000،ص20) ،أو قصور فكري فيكون عليه الوزر والعقاب من الله تعالى .

      وليست هذه المسؤوليّة فقط أمام الله بل هي مسؤوليّة دنيويّة تحدّدها أخكام الشّريعة ، يقول الله تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (التوبة:105)، وفي الإسلام أحكام تشريعيّة تحاسب الفرد على نشاطه الإقتصاديّ, فتمنعه من القيام بأيّ نشاط يضرّ الجماعة, أو يؤدّي إلى افسادها, مثل بيع الخمر أو انتاجها, أو زراعة المخدّرات وغير ذلك من أمثال هذه التّجارات, ومنعه أيضاً من الغشّ والتّزوير, فكان المسلم مسؤولاً عن بضاعته وجودتها, وهناك أحكام كثيرة في هذا الشّأن موزّعة في كتب الفقه.وحمّل الإسلام المسلمين مسؤوليّة القيام بالنّشاطات المختلفة الّتي تؤدّي إلى خير المجتمع, فإذا قام بعضهم بها سقط الإثم عن الباقين, وإذا لم يقم بها أحد أثم الجميع(الخطيب،1975،ص44؛البغا،1989،ص346؛الصلابي،2008،ج1،ص339) ، يقول الله تعالى: ” فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” (التوبة:122). كما أن حاجات العمل المتعددة تحتاج إلى أموال طائلة لتغطيتها، والمطلوب من الحركات الإسلامية أن تعد من رجالها من التجار المسلمين من تظهر على سلوكه أخلاق الإسلام والسنة النبوية ، هي قانون مطرد في التغيير الاجتماعي ، والبناء الحضاري ، وأن الاطراد سمة لازمة لها ، كلما توفرت الظروف والشروط ، وانتفت العوائق ، وأن نهوض المجتمع الإسلامي من سقوطه اليوم ، مرهون باستعادة الأنموذج ، القدوة ، والمنهج في التغيير ، وأن توفير الظروف والشروط التي توفرت لميلاد المجتمع الأول ، أساس لمعاودة الإنتاج ، أدركنا مغزى قولة الإمام مالك رحمه الله : لا يصلح آخر هذه الأمة ، إلا بما صلح به أولها.ولعل من الأمور الأساسية التي لابد من التنبه لها ، والتذكير بها هنا ، أن منهج الرسول القدوة صلي الله عليه و سلم في البناء والتغيير الحضاري ، هو منهج اللبنة والتدرج ، وتحضير المحل ، والأخذ بيد الناس إلى تحقيق المقاصد الإسلامية ، وتقويم سلوكهم بشرع الله ، شيئاً فشيئاً ، حتى وصل بهم ، إلى درجة الاكتمال والكمال ، في بناء المجتمع الأنموذج .. وهذا المنهج لم يقتصر على مرحلة النبوة الخاتمة ، وإنما هو منهج النبوة في التاريخ الإنساني ، ووسيلة الأنبياء جميعاً ، حتى أن النبوة الخاتمة بكل عطائها ، ومقوماتها ، وأهدافها ومنطلقاتها ، لم تخرج عن أن تكون لبنة ، في البناء النبوي الممتد ، مع رحلة الإنسان على الأرض ، وقد ألمح إلى هذا وأكده الرسول صلي الله عليه و سلم بقوله: (مَثَلي ومثُل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى بنياناً ، فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له ، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين )(صحيح مسلم،2016،حديث رقم 4359) .

      وقد يكون من أبرز الخصائص التي تجعل المنهج النبوي في التغيير والنهوض والبناء الحضاري ، محلاً للاقتداء والتأسي ، وتجعله أنموذجاً (يحتذى انما هي في واقعيته وتوافقه مع فطرة الإنسان)، وإنه تحقق من خلال تعامله مع السنن الجارية في الكون ، ومن خلال عزمات الإنسان ، بضعفه وقوته ، وتذكره ونسيانه ، وفطرته وغريزته ، ونزوعه إلى الخير ، وانحداره في الشر ، واستيعاب جميع ما يتعرض له من الظروف ، والأحوال ، والقابليات ، من الشدة والرخاء ، والسقوط والنهوض ، والهزيمة والنصر ، ليكون المنهج من ثم دليلاً ومرشداً ، في كيفية التعامل مع الأحوال كلها ، من خلال الاستطاعات المتوفرة ، والظروف المحيطة ، ولم يتحقق من خلال تعامله مع السنن الخارقة ، الخارجة عن طاقة البشر ، التي قد تسهم بالتواكل ، والإلغاء ، وانطفاء الفاعلية ، وتؤدي إلى السلبية ، والإرجاء ، واعتمد الزمن ، وسنة الأجل ، كعنصر لازم ، لإنضاج الفعل الحضاري ، وتحكم بالزمن تسخيراً وإنتاجاً ، بعيداً عن النظرة الدهرية والجبرية الزمانية ، التي كانت من مثالب الكفر ، وليس من خصائص الإيمان .

       نستطيع القول: إن المنهج النبوي في التغيير ، والبناء الحضاري ، تحكم بالزمن، وأعاد التعامل مع المسار الحقيقي ، وأكد استدارته كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، وأبطل عبث العابثين بمساره ، ليتحقق الانسجام ، بين السنن الكونية ، والسنن النفسية والاجتماعية ، فلقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم في مراحل الاكتمال والكمال للمنهج النبوي ، في خطبة الوداع: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله سموات والأرض … إلخ )، حيث تحقق بالنبوة الخاتمة ، التصويب لوجهة الإنسان ، والقراءة الصحيحة ، لحركة الكون ، وغايات الحياة. والناظر في منهج الرسول صلى الله عليه و سلم يرى أنه لم يعان من الثنائية ، بين هدايات الوحي ، ومدركات العقل .. بين التعامل مع السنن الجارية ، بل واستفراغ الجهد في التعامل معها ، إلى درجة ، قد يظن معها الجاهلون بالمنهج النبوي أن الأمر كله موكول إليها ، ومعتمد عليها ، وبين الالتجاء إلى الله ، والتوكل عليه ، واستفراغ الوسع في الدعاء ، والابتهال ، وانتظار المدد من السماء ، لدرجة قد يظن معها الغافلون عن أبعاد المنهج النبوي ومقاصده ، أن صاحبها لا علاقة له بالتعامل مع السنن والأسبابحتى إننا لنجد في القرآن الكريم ، الذي يمثل اللبنة الأخيرة ، أو المنهج الأخير للنبوة ، الذي انتهت إليه النبوات ، مساحة كبيرة ، لدعوة الأنبياء ، وقصصهم مع أقوامهم ، وكيفيات تعاملهم مع المجتمعات ، وخلاصة التجارب التاريخية ، التي صدقها الوحي ، وتحققت من خلال سنن الحياة الاجتماعية والنفسية ، والتي تشكل رصيداً في بناء مرحلة النبوة الخاتمة، فلابد لنا من إدارة الصراع الداخلي الذي يشعر به الفرد عن طريق ما يلي :

–  تزويد الفرد بالقيم والاهتمام بالتنشئة الاجتماعية السلمية المدعمّة للقيم والمفاهيم الإسلامية في مجال العمل .

–  العمل على تحديد معيار للرواتب يوافق مستوى المعيشة السائد في المجتمع وظروف الغلاء حتى يشعر الفرد بالرضا عما يتقاضاه ولا يشعر بالصراع بين قوى الشر المتمثلة في الرشاوى والتزوير وغيرها وبين قوى الخير النابعة من فطرته القومية التي فطر الله الناس عليها (عتر،1980،ص38؛ معابرة،2011،ص13) .

2. إدارة الذات :

       إن إدارة الذات أمر مهم جدا ً, ويقصد بها ” الطرق والوسائل التي تعين المرء على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه وخلق التوازن في حياته ما بين الواجبات والرغبات والأهداف”(دراكر،2016،ص21). فيجب على الفرد أن يعمل جاهدا في إدارة ذاته ليبعدها عن الشبهات وطريق الحرام محققا بذلك أهدافه بالحلال ومبتعدا عن طريق الحرام .

3. إدارة التغيير :

    يقصد بإدارة التغيير : ” سلسلة من المراحل التي من خلالها يتم الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع الجديد , أي أن التغيير هو تحول من نقطة التوازن الحالية إلى نقطة التوازن المستهدفة ” ( إدارة التغيير والموارد البشرية ، ومن ضمن المتغيرات التي تفرض على المجتمع التغيير : ( درجة المعاناة من قسوة الوضع الحالي – مدى وضوح الفوائد والمزايا التي سيحققها التغيير ) .وبالنسبة لموضوع البحث وهو ( الفساد الإداري) نجد أن درجة المعاناة من قسوة الوضع المعايش بسبب الفساد الإداري يتوجب علينا الاستفادة من إدارة التغيير للانتقال بالوضع إلى نقطة توازن أفضل .

4. إدارة الأزمات :

      لا يعتبر الفساد الإداري أزمة بحد ذاته فقط بل هو مولد لأزمات متعددة داخل المنظمة , ولعلاج الفساد الإداري من منظور ( إدارة الأزمات ) يمكن إتباع الخطوات التالية :

–  تكوين فريق عمل متكامل يعمل بتعاون للقضاء على الفساد الإداري ومسبباته داخل المنظمة

– حل المشكلات المصاحبة للفساد الإداري بتحديد المشكلة وإجراء المشورة ومن ثم اختيار الحل الأنسب من الحلول المتاحة للخروج من الأزمة .

5. الإدارة بالأهداف :

     وهذا المدخل يؤكد على ضرورة العمل الجماعي بروح الفريق , والمشاركة الفعالة والإيجابية بين الرئيس والمرؤوس , ويحقق الرقابة الذاتية من أجل تحقيق الأهداف   .وحيث أنه من أحد أسباب الفساد الإداري غموض الأهداف وعدم وضوحها , وجب على كل منظمة تسعى إلى علاج ظاهرة الفساد الإداري أن تمارس أسلوب الإدارة بالأهداف .

6. إدارة الاتصالات :

      ويعني الاتصال تبادل المعلومات ووجهات النظر والتعبير عن المشاعر والأحاسيس , وفي إدارة الاتصالات يجب تشجيع الأسئلة وتبادل الأفكار المطروحة بين الموظفين وتوجيه النقد للعمل الخاطىء في الوقت المناسب و إيجاد مناخ إيجابي للاتصال يسمح بتقبل أفكار الآخرين  وحيث أنه من أحد مسببات الفساد الإداري هو عدم كفاية الاتصالات بين الرئيس ومرؤوسيه , كان لابد من الاهتمام بإدارة الاتصالات وممارستها بفعالية حتى يستطيع المدير أن يقوم الوضع الخاطىء داخل المنظمة في الوقت المناسب .

7. الإدارة بالمشاركة :

     ويقصد بالإدارة بالمشاركة : ” المشاركة في القدرات والأداء مع الجميع والاعتماد على الإجماع ” , فيجب على كل فرد في المنظمة أن يكون له رأي وصوت مسموع حتى يعتبر نفسه جزء من المنظمة ويتولد في داخله الولاء لها ( الصعوبات في تنفيذ الإدارة بالمشاركة . إن هذا الاتجاه حث عليه الإسلام قبل الإدارات الحديثة , يقول جل وعلا : { فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} .

8. إدارة الجودة :

       تسعى إدارة الجودة إلى التحسين المستمر , والتحسين المستمر الذي تسعى إليه الجودة لا يقتصر فقط على الخدمة أو السلعة , بل يتعداه ليشمل مستوى الكفاءة في الأداء الوظيفي وتنمية العلاقات المبينة على المصارحة والثقة بين العاملين في المنشأة(معابرة،2011،ص15) ، وهذا الاتجاه ليس بجديد على الفكر الإسلامي , يقول تعالى في وصف القرآن : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}(الاسراء:88)  , ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) .فإذا راعت المنظمة الجودة في أدائها على المستوى الذاتي وعلى مستوى المنظمة ابتعدت عن أحد مسببات الفساد الإداري .

9. إدارة الإبداع :

حيث أن أحد مسببات الفساد الإداري هو قتل الرئيس للإبداع لدى المرؤوسين خوفا من ارقيهم وخوفا على منصبه من الضياع , فيمن للمدير الناجح أن يستخدم أسلوب إدارة الإبداع وعدم كبت المواهب داخل الموظفين وإدارتها على الوجه الأكمل بما يخدم مصلحة العمل وليس كبتها لخدمة المصالح الذاتية .

10. الهندرة ( إعادة هندسة العمليات الإدارية ) :

      وتعرّف على أنها : ( إعادة التفكير الأساسي وإعادة التصميم الجذري للعمليات الإدارية لتحقيق تحسينات جوهرية في معايير قياس الأداء الحاسمة مثل التكلفة والجودة والخدمة والسرعة , وهو منهج لتحقيق تطوير جذري في أداء الشركات في وقت قصير نسبيا “( شامبي وهامر ،1993،ص1) .

     ويضيف المقال المنظمات ذات الوضع المتدهور والأداء المتدني هي من أكثر المؤسسات التي تحتاج إلى عملية الهندرة وإعادة هندسة العمليات الإدارية , وهذا الوصف ينطبق على المنظمات التي تعاني من الفساد الإداري .

11. الإدارة بالاتفاق :

     ويقصد بهذا الاتجاه ” مجموعة من التوقعات المشتركة بين إدارة المدرسة والعاملين بها بحث ينظر إليها بعد الاتفاق على أساس أنه عقد نفسي بينهما مع الالتزام به سلوكيا , بحيث يتولد عن هذا الاتفاق ثقة متبادلة بشرط أساسي وهو الإيمان المتبادل بالشخص وبقدراته وإمكاناته واستعداده , ويرى ( أحمد : 310 ) أن الإدارة بالاتفاق تقوم على :

– وضع تصور لمتطلبات العاملين في المنظمة وطرق الوفاء به .

– وضع تصور لمتطلبات المنظمة من العاملين .

– تحديد متطلبات كل فرد داخل المنظمة تجاه الآخرين عن طريق الاتفاقات الفردية والجماعية .

     إن الطريق لعلاج ظاهرة الفساد الإداري يحتاج إلى هذا الأسلوب لتحديد متطلبات العاملين تجاه بعضهم البعض وتجاه المنظمة , ومتطلبات المنظمة من عامليها لتكون الصورة واضحة بعيد عن الغموض وليشعر الفرد بالولاء للمنظمة التي يعمل بها ويبعد عنه الصراعات الداخلية التي يمكن أن يشعر بها نتيجة تصارع قوى الخير والشر داخله .

الإصلاح الإداري للفساد في المجتمع :

      إن الفساد الإداري آفة لا تقل خطورة عن أي آفة مهلكة , وأي آفة لا نتصدى لها ونجتث جذورها فإنها لا تُبقي ولا تذر , وتقتل كل الإمكانيات المتاحة للأمة سواء المادية منها أو القدرات البشرية , وكم من أمة من الأمم أفِل نجمها بل وزالت من الوجود بسبب الترهل الذي سببه تراخيها عن مقارعة تلك الآفة 

      ومن الثابت بأن الفساد الإداري والمالي هو أكبر معوق للتنمية , وقد ازداد الاهتمام بهذا الموضوع لأسباب متعددة , منها : ( انفتاح الدول بعضها على بعض – سرعة انتشار المعلومات – زيادة مشاركة الشعوب في صنع القرار – تأثر مصالح الدول الصناعية والنامية من انتشار هذه الظاهرة ) . 

     وتعريف الإصلاح الإداري على أنه : ” إدخال تعديل في تنظيمات إدارية قائمة , أو استحداث تنظيمات إدارية جديدة وإصدار الأنظمة والقوانين واللوائح اللازمة لذلك ” .وهناك بعض الآليات والسياسات والإجراءات التي يمكن إتباعها لتحقيق الإصلاح للقطاعات التي عانت من الفساد الإداري .

ويذكر  البزار  عدد من الآليات المقترحة وهي :

1. إصلاح النظام المصرفي والسيطرة عليه لمنع سارقي المال العام من الاختباء والتخفي فيه .

2. تكوين مؤسسات رقابية مستقلة تشرف على مراقبة العمل في الهيئات الحكومية والخاصة على حد سواء . الفساد الإداري وعلاجه من منظور إسلامي (ص: 2) الفساد الإداري وعلاجه من منظور إسلامي (ص: 7) .

    وقد يرجع الانحراف الإداري إلى سوء صياغة القوانين واللوائح المنظمة للعمل وذلك نتيجة لغموض مواد القوانين أو تضاربها في بعض الأحيان , الأمر الذي يعطي الموظف فرصة للتهرب من تنفيذ القانون أو الذهاب إلى تفسيره بطريقته الخاصة التي قد تتعارض مع مصالح المواطنين .ومن أثر الفساد الإداري على الإيرادات الحكومية انها تخسر الحكومات مبالغ كبيرة من الإيرادات المستحقة عندما تتم رشوة موظفي الدولة حتى يتجاهلوا جزءا من الإنتاج والدخل والواردات في تقويمهم للضرائب المستحقة على هذه النشاطات الاقتصادية , بالإضافة إلى ذلك تهدر الحكومات كثيرا من مواردها عندما يتم تقديم الدعم إلى فئات غير مستحقة ولكنها تتمكن من الحصول عليه برشوة أو نفوذ أو أي وسيلة أخرى , وهذا المر يؤثر بدوره على الأداء الاقتصادي للدولة .ومن أثر الفساد الإداري على النمو الاقتصادي تشير كثير من الدراسات النظرية والتطبيقية بأن الفساد الإداري والمالي له آثارا سلبية على النمو الاقتصادي , حيث أن خفض معدلات الاستثمار ومن ثم خفض حجم الطلب الكلي سيؤدي إلى تخفيض معدل النمو الاقتصادي أثر الفساد الإداري على مستوى الفقر وتوزيع الدخليؤدي الفساد الإداري إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء, وهذا الأثر يتم عبر عدة طرق أهمها :

  •  تراجع مستويات المعيشة يؤدي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي وهذا الأمر يساعد على تراجع المستويات المعيشية
  • –          قد يتهرب الأغنياء من دفع الضرائب ويمارسون سبلا ملتوية للتهرب كالرشوة , وهذا يساعد على تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء .وخلاصة القول إن الحديث عن الفساد لا يخص مجتمعا بعينه أو دولة بذاتها , وإنما هو ظاهرة عالمية تشكو منها كل الدول , لما له من خطر على الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والأداء الإداري , ومن هنا حازت هذه الظاهرة على اهتمام كل المجتمعات وكل الدول وتعالت النداءات إلى إدانتها والحد من انتشارها ووضع الصيغ الملائمة لذلك .

      كذلك لابد من التخويف من جمع المال من غير حله: والمراد أن العبد إذا يعمل بأصل الإِيمان، وآمن الإِيمان القلبي وقام بفعل ما أُمر به، وانتهى عما نُهيَ عنه، وتوجه لله وحده بالعبادات، فعليه مع ذلك أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء العبادات وأن يتلقى عنه وحده بيان العبادات وكيفياتها وكل ما يحتاج إليه في القيام بما كلف به. وصدق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم هو حقيقة معنى شهادة أن محمداً رسول اللَّه.قال ابن رجب – رحمه اللَّه -: “وتحقيقه بأن محمداً رسول الله، ألا يعبد اللَّه بغير ما شرعه اللَّه على لسان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم”( الحنبلي،1399ه،ص21)، قال اللَّه تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّه كَثِيرًا}(الاحزاب:20)،   ويتمكن صاحب المنهج النبوي من تخويف أفراد المجتمع من الحصول على المال من غير حله أو بطرق غير مشروعة، مثل:السرقة التي حرمها الله في كتابه،وذلك تشريح قطع اليد التي تسرق المال،يقول سبحانه وتعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(المائدة:38)، ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم -:((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده….))(الالباني،1988،ج4،ص133)، فاللعن:الطرد من رحمة الله،وهذه عقوبة لا تترتب إلا على إتيان محرَّم،وهذا التخويف يجعل كثيراً من الذين يفكرون بالسرقة يقلعون عنها أو يحجم منهم،وهذه وسيلة مهمة من وسائل حفظ المال،وبناء الاقتصاد.كما أن لتخويفهم،وتحذيرهم من الغش في البيع آثر كبير في البعد من المال الذي يأتي عن طريق الغش،لقوله عليه الصلاة والسلام:((من غشنا فليس منا))(السيوطي،2012،ج2،ص177) ،وفي الاتجاه نفسه يوعي المجتمع بعدم التعاون من السُرَّاق،وعدم شراء ما يسرق؛لأن شراء السرقة مشاركة في السرقة نفسها، يؤكد هذا قوله-صلى الله عليه وسلم-((من اشترى سرقة وهو يعلم أنها سرقة،فقد اشترك في إثمها وعارها)) (الحاكم،2002،ج2،ص35) ، فإذا لم يجد السارق من يشتري منه ما سرقه:فإنه سيحجم عن السرقة،وبهذا يحفظ المال،وتقل السرقة،ويأمن الناس على أموالهم، فيعملون على استثمارها في وجوه مشروعة مختلفة،وهذا يؤدي إلى نمو الاقتصاد وبنائه بناءاً سليماً قويا؛ذلك أن السرقة”اعتداء على أمن الناس،فإن رّوع بيت بسرقة،فكم من السكان أُفزع،وكم من الجيران أُزعج،وكم من الناس يعيشون في بلبال مستمر،ويتكلفون من المال لتحصين مساكنهم،لحماية أموالهم” (نعناعة،1977،ص106) ،ويقول عالمٌ آخر في هذا السياق”محادثة واحدة في حي أو قرية تزعج الآمنين،يتجهون إلى الحراس يقيمونهم، وإلى المغالق يحكمونها، ومع ذلك يبيتون في ذعر مستمر”( ابن جبر،1396ه،ص42).

      والنظام الاقتصادي الاجتماعي الذي يريد الإسلام أن يقوم عليها المجتمع المسلم؛ وأن تنظم بها حياة الجماعة المسلمة . لابد إن تلتزم  بنظام التكافل والتعاون الممثل في الزكاة المفروضة والصدقات المتروكة للتطوع . وليس النظام الربوي الذي كان سائداً في الجاهلية . ومن ثم يتحدث عن آداب الصدقة . ويلعن الربا ، ويقرر أحكام الدين والتجارة في الدروس الآتية في الكتاب العزيز  . وهي تكون في مجموعها جانباً أساسياً من نظام الاقتصاد الإسلامي والحياة الاجتماعية التي تقوم عليها . ان سياسة الاقتصاد في الإسلام تعطي المسلم حريّة وفرصة يستطيع بها أن يمارس نشاطه الإقتصادي حيث أنّ الإسلام ” يضع النّظام الإقتصاديّ للمجتمع على أساس طبيعي غير متكلّف, تكون فيه فرص الكفاح في متناول الجميع” ولكنّ هذه الحريّة مقيّدة بقيود, وهذه القيود تكون من جانبين :

أ ـ منع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان بأيّ شكل من الأشكال. فالإسلام يمقت الرّبا والإحتكار, وأكل أموال النّاس بالباطل, يقول تعالى: “وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ”. ” إنّ الإسلام لا يبغي مجرّد قيام السّباق الإقتصاديّ في الحياة الإجتماعيّة على أساس تكافؤ الفرص وعدم التّمييز فحسب, ولكنّه يريد ألّا يكون المتسابقون متظالمين متقاطعين, إنّ عليهم أن يكونوا متعاطفين متعاونين” .

ب ـ إشراف الدّولة على النّشاط العام, وتدخّل الّدولة لحماية المصالح العامّة, وحراستها ضمن دائرة الشّريعة السّمحة. وفيما عدا ذلك فالباب مفتوح أمام كلّ مسلم يعمل بحريّته, وفي المجال الّذي يريد. يكره الإسلام البطالة, ويحثّ على العمل الشّريف المنتج, الّذي يغني المسلم عن ذلّ السّؤال, مهما كان هذا العمل بسيطاً(المدودي،د،ت،ص65). ومن أهمّ النّقاط الّتي ترتكز عليها:سياسة الإقتصاد في الإسلام, إنّ الإسلام ليس ديناً يتعلّق بالآخرة فقط, إنّما هو دين اختصّ بالدّنيا والآخرة معاً, بل جعل الدّنيا هي سبيل الآخرة(المصدر نفسه،ص88؛الصدر،د،ت،ص295 وما بعدها؛ زيدان،2000،ص17), قال الله تعالى: “تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ”. وقال جلّ شأنه: ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”(البقرة: من الاية188) نعود إلى القول : بأن المنهج النبوي في التغيير ، والبناء الحضاري ، إذا لم يُدرك بمراحله وأبعاده ، ويميّز بين ثوابته ، ومتغيراته ، ومراحله ، وتدرك الظروف والشروط ، التي توفرت لكل مرحلة ، يمكن أن ينقلب إلى معوق ، بسبب سوء الفهم ، ومن ثم سوء التطبيق ، بدل أن يكون دافعاً للنهوض .. لذلك فالأمر لا يجوز أن يبقى خاضعاً لرؤية فردية ، تدعي الإحاطة بكل شعب المعرفة ، وإنما لابد له من دراسات متخصصة ، بشعب المعرفة المتنوعة ، شريطة أن تكون متحصنة بالمرجعية الشرعية الكافية ، للتمييز بين ما هو من الوسائل ، وما هو من الأهداف ، وما هو من المباديء ، وما هو من البرامج ، وما هو من القيم المعيارية، وما هو من الاجتهاد الخاضع للتقويم ، لتشكيل رؤية جماعية لكل عصر ، بحسب مشكلاته وظروفه ، وإمكاناته ، وقضاياه ، وموقعه من مسيرة النبوة .

      وقد يكون الكثير من مشكلاتنا الفكرية والمنهجية والنهضوية – إن صح التعبير – نابعاً من وجود متخصصين بشعب المعرفة ، لكنهم يفتقدون المرجعية الشرعية ، أو يفتقدون لمعرفة الوحي بشكل أعم سواءاً منهم من تخصصوا في الغرب ، أو تخرجوا على أيديهم في مدارس ومعاهد وجامعات العالم الإسلامي ، المرتهنة للنظام المعرفي الغربي في المرجع ، والمنهج ، والكتاب ، والمدرس ، أو من هم من المتحمسين للقضية الإسلامية ، بعيداً عن أي معرفة أو تخصص.

      والمجتمع الإسلامي الأول ، هو مجتمع الأنموذج ، ومعيار الاقتداء العملي ، ليس في مرحلة الكمال والاكتمال فقط ، وإنما في المراحل كلها التي مر بها ، فكل مرحلة تعتبر قدوة وأنموذجاً لما يشابهها ويقابلها من الأحوال التي يعيشها ويتقلب فيها المجتمع المسلم .. فالمجتمع الأول بالنسبة للمسلم ، يشكل المرجعية التطبيقية .. كما أن القيم في الكتاب والسنة ، تشكل المرجعية الشرعية والفكرية ، وقد تحقق له ذلك دون غيره ، بسبب حراسة الوحي ، والرؤية الراشدية ، بعد توقف الوحي ، المشهود لها من الموحى إليه صلي الله عليه و سلم ، الذي اعتمدها في المرجعية والاقتداء فقال : (… فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وتمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجد )(المباركفوري،1424ه،ج3،ص40؛ اخرجه الامام احمد وابو داؤد وابن ماجة والترمذي وصححه الحاكم). وهذا من  باب الأتباع والمحافظة على السنة وآدابها, ولقد حضّ الإسلام على السّعي والبذل والعمل, ورغّب الإنسان بالتّمتّع بما أحلّ الله له, مع المحافظة على الحدود الّتي وضعها الشّرع. ولم يهتمّ الإسلام بالجانب الأخلاقي ومسألة الثّواب والعقاب فقط, إنّما دعّم هذا الجانب بجانب آخر فيه تشريعات وقوانين تلزم المسلم باتّباعها.

        فالإسلام لم يقتصر “على النّصائح الأخلاقيّة في المجال الإقتصاديّ, بل دعم ذلك وأكمله, فأيّده بقواعد تشريعيّة, تنظّم العلاقات الماليّة, وتحدّد الحقوق, وتفرض الواجبات. كما أنّه تميّز عن الأنظمة الإقتصاديّة الوضعيّة بعدم الإقتصار على الإلزام الخارجي, فإنّه دعم قواعده الإلزاميّة بأسس ودوافع اعتقاديّة ونفسيّة”(القماش،2011،ج9،ص377) .

المبحث الثالث

النظام الاداري  والاقتصادي في الإسلام

       أن النظام الأخلاقي والنظام العملي في الإسلام مترابطان تماماً ، وأن الإنسان في كل تصرفاته مرتبط بعهد الاستخلاف وشرطه ، وأنه مختبر ومبتلى وممتحن في كل نشاط يقوم به في حياته ، ومحاسب عليه في آخرته . فليس هناك نظام أخلاقي وحده ، ونظام عملي وحده ، وإنما هما معا يؤلفان نشاط الإنسان ، وكلاهما عبادة يؤجر عليها إن أحسن ، وإثم يؤاخذ عليه إن أساء . وأن الاقتصاد الإسلامي الناجح لا يقوم بغير أخلاق ، وأن الأخلاق ليست نافلة يمكن الاستغناء عنها ثم تنجح حياة الناس العملية . التعاملات التجارية، وتزوده بالخبرات الميدانية بحيث يقتحم مع إخوانه مجالات التجارة الدولية والأسواق العالمية، ويعمل على توحيد جهود التجار المسلمين وإيجاد شبكات للتعاون المثمر بحيث يقارعون الشركات اليهودية والشيوعية والنصرانية ويبذلون ما في وسعهم من أجل هيمنة الاقتصاد الإسلامي على الأسواق العالمية ويحررون شعوب المسلمين من سيطرة الفكر الرأسمالي الدخيل والشيوعي(القماش،2011،ج9،ص377) .

       إن على التجار المسلمين أن يستوعبوا علم الاقتصاد الإسلامي الذي ينسجم مع تصور الإسلام للكون والإنسان والحياة، والذي في طياته حل لمتطلبات العصر الحديث وبخاصة أن العالم الإسلامي يمتلك من الطاقات البشرية والمادية ما يمكنه من بناء اقتصاد سليم قوي يواجه التيارات الاقتصادية المتصارعة، وينقذ البشرية من الويلات الاقتصادية التي تعيشها.

     وعليهم أن يسعوا إلى أسلمة المؤسسات الاقتصادية بحيث تنسجم مع النظام الإسلامي على جميع المستويات، كما عليهم أن يعمقوا فاعلية المؤسسات الإسلامية حتى يتم تطويرها ويستفاد من أخطائها، وتعالج العوائق التي تحدث في طريقها، ولقد نجحت الحركة الإسلامية في تركيا نجاحا جيدا وأصبحت لها مؤسسات قوية ثابتة ولها تأثير وأداء متميز في الشارع التركي، ولقد استطاعت الحركة الإسلامية في السودان أن تخوض تجارب رائدة في البنوك الإسلامية وفي المؤسسات الاقتصادية وتوظيف فريضة الزكاة لحل مشاكل المسلمين، وكذلك الحركات الإسلامية في اليمن والأردن وماليزيا وأندونيسيا، وأصبح بحمد الله لها بنوك إسلامية ومستشفيات ومؤسسات عملاقة إلا أن الأعداء يضيقون عليها ويحاربونها.

      ولم يميّز الإسلام بين الأعمال, فقد اعتبر كلّ جهد مشروع ـ عضليّاً كان أو عقليّاً ـ هو عمل. “فقد اعتبر الإسلام جميع الأعمال النّافعة من أقلّها شأناً ـ كحفر الأرض ـ إلى أعظمها ـ كرئاسة الدّولة ـ داخلة كلّها تحت عنوان العمل”. فكلّ أفراد المجتمع هم عمّال, يجب عليهم أن يسعوا حتّى يحصلوا على قوتهم. أمّا العاجزون فيجب على القادرين مساعدتهم, فالإسلام يطالب “بقيام نظام دائم واجب في أيّ مجتمع, يضمن العزن والمساعدة للعاجزين, الّذين تعوزهم الوسائل اللازمة للوصول إلى القوت الضّروريّ…كما أنّ الّذين يحتاجون إلى العون كي يتمكّنوا من العمل والإنتاج الإقتصادي لابدّ أن ينالوا بغيتهم عن طريق هذا النّظام فالإسلام يريد أن يعمّ العمل في كلّ أنحاء البلاد الإسلاميّة, ولا يجب أن يجد من يمدّ يده لسؤال النّاس, ولا من يجلس دون عمل إلّا لعذر من عجز( زيدان،2000،ص23) .

       والإنسان حرّ في اختيار عمله, حسب ميوله وإمكاناته, وليس لأحد أن يمنعه من العمل, إلّا في حالات تستطيع فيها الدّولة منعه, وذلك إذا اختار عملاً غير مشروع كالشّعوذة والدّجل والبغاء مثلاً، أو في حالة أن اقتضت المصلحة تغيير بعض الأعمال, وفرض شروط عليها لضمان عدم الإضرار بالآخرين, أو لضمان حاجة الدّولة إلى هذه الأعمال, من باب التّخطيط المستقبلي لنهضة الدّولة وتطوّرها, فيمكن للدّولة أن تطلب شروطاً معيّنة لعمل الطّبيب مثلاً, مثل تدرّبه وحصوله على شهادة معيّنة لضمان عدم إضراره بالنّاس, أو أن تحدّد الدّولة شروط القيام بصناعة ما, وكلّ ذلك من أجل الحفاظ على مصلحة الأمّة والأفراد(المودودي، د،ت،ص23؛ البغا،1989،ص356) والإسلام  يمقت كنز المال, ويريد من هذا المال أن يبقى دائماً دائراً ضمن النّشاط الإقتصاديّ وذلك إمّا بالإنفاق, أو العمل والإستثمار، ولا يجوز أبداً أن يصبح الإنسان حارساً لهذا المال, بل يجب أن يكون المال خادماً للإنسان, ووسيلة لتلبية حاجاته .

     ولقد حثّ الإسلام على الإنفاق والبذل, مهما كانت حالة الإنسان الإقتصاديّة. يقول تعالى: “لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً “, وما ذلك إلّا ليبقى المال في حركة دائمة, هذه الحركة الّتي تؤمّن تكاثره واستعماله .

      ولم تكن أوامر الإسلام بالإنفاق عامّة وغير محدّدة, بل فرض الله الزّكاة, ذلك الرّكن الأساسي من أركان الإسلام, والّذي يؤدّي إلى تعميم المال, وعدم تركّزه في أيدي قليلة. وسنحاول فيما يلي من البحث تفصيل القول في الزّكاة, لما لها من أهميّة في حفظ التّوازن, وزيادة النّشاط الإقتصادي, وحلّ كثير من المشاكل الّتي يتعرّض لها المجتمع المسلم. واعتبر الإسلام أنّ في المال حقّاً, هذا الحقّ هو حقّلله بطاعته وتنفيذ أوامره في استخدام المال الّذي رزقه للإنسان, وحقّ للعباد بمساعدتهم ومساندتهم والقيام بالواجب المترتّب تجاههم(البغا،1989،ص23) .       

     وهكذا فقد رأينا أنّ الإسلام لم يترك النّشاط الإقتصاديّ دون تنظيم أو تخطيط, بل لقد وضع الإسلام قواعد وأسساً تصلح لكلّ زمان ومكان, لأنّها عامّة لا تتبدل, ويندرج تحتها كثير من المتغيّرات الّتي تسير ضمن دائرة هذه القواعد العامّة, بما يضمن خير الإنسان في الدّنيا والآخرة.والزّكاة: الصّلاح. والزّكاة: زكاة المال تطهيره, وقوله تعالى: ” وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا”(2) تطهّرهم بها. وقوله تعالى: ” وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ” (3) أي يصلح.قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  وفي هذا النص نجد الحديث عن تكليف البذل والإنفاق ، ودستور الصدقة والتكافل .

       والإنفاق في سبيل الله هو صنو الجهاد الذي فرضه الله على الأمة المسلمة ، وهو يكلفها النهوض بأمانة الدعوة إليه ، وحماية المؤمنين به ، ودفع الشر والفساد والطغيان ، وتجريده من القوة التي يسطو بها على المؤمنين ، ويفسد بها في الأرض ، ويصد بها عن سبيل الله ، ويحرم البشرية ذلك الخير العظيم الذي يحمله إليها نظام الإسلام ، والذي يعد حرمانها منه جريمة فوق كل جريمة ، واعتداء أشد من الاعتداء على الأرواح والأموال .ولقد تكررت الدعوة إلى الإنفاق في السورة . فالآن يرسم السياق دستور الصدقة في تفصيل وإسهاب ، يرسم هذا الدستور مظللاً بظلال حبيبة أليفة؛ ويبين آدابها النفسية والاجتماعية . الآداب التي تحول الصدقة عملاً تهذيبياً لنفس معطيها؛ وعملاً نافعاً مربحاً لآخذيها؛ وتحوّل المجتمع عن طريقها إلى أسرة يسودها التعاون والتكافل ، والتواد والتراحم؛ وترفع البشرية إلى مستوى كريم : المعطي فيه والآخذ على السواء ،ومع أن التوجيهات التي وردت في هذا الدرس تعد دستوراً دائماً غير مقيد بزمن ولا بملابسات معينة ، إلا أنه لا يفوتنا أن نلمح من ورائه أنه جاء تلبية لحالات واقعة كانت النصوص تواجهها في الجماعة المسلمة يومذاك – كما أنها يمكن أن تواجهها في أي مجتمع مسلم فيما بعد .

       أن التعامل الربوي لا يمكن إلا أن يفسد ضمير الفرد وخلقه ، وشعوره تجاه أخيه في الجماعة ؛ وإلا أن يفسد حياة الجماعة البشرية وتضامنها بما يبثه من روح الشره والطمع والأثرة والمخاتلة والمقامرة بصفة عامة . أما في العصر الحديث فإنه يعد الدافع الأول لتوجيه رأس المال إلى أحط وجوه الاستثمار ، كي يستطيع رأس المال المستدان بالربا أن يربح ربحاً مضموناً ، فيؤدي الفائدة الربوية ويفضل منه شيء للمستدين ، ومن ثم فهو الدافع المباشر لاستثمار المال في الأفلام القذرة والصحافة القذرة والمراقص والملاهي والرقيق الأبيض وسائر الحرف والاتجاهات التي تحطم أخلاق البشرية تحطيماً ، والمال المستدان بالربا ليس همه أن ينشىء أنفع المشروعات للبشرية ؛ بل همه أن ينشىء أكثرها ربحاً . ولو كان الربح إتما يجيء من استثارة أحط الغرائز وأقذر الميول ، وهذا هو المشاهد اليوم في أنحاء الأرض . وسببه الأول هو التعامل الربوي!(القماش،2011،ج1،ص38) .

       إن المقطوع به في الدراسات الاقتصادية : “أنه لا صلة بين سعر الفائدة وربح المدين أو خسارته ، ولا بين سعر الفائدة والتضخم ، بل إن الفائدة من أهم عوامل التضخم” وهذه الفائدة لا تتحدد بنسبة الربح والخسارة بل يتأثر تحديدها بعدة عوامل ، منها : “القوانين التي تضعها الدولة ، والمصالح الشخصية لأصحاب المصارف ، والمؤسسات المالية ، والمضاربون في سوق الأوراق المالية الذين يخلقون تغييرات مفتعلة في السوق ، وحالات الرواج والكساد ، وكمية العرض والطلب” .

      فالفائدة التي تُحدد لا شأن للمقرض خسر ماله أم ربح فيها ، إذن هي لا تخضع لمعيار الربح والخسارة ، وإنما تخضع للقوانين والمصالح الشخصية وغيرها ، فربما تكون نسبة شخص مرتفعة ونسبة الآخر منخفضة ، وهذا تحدده العوامل السابقة.

 وإذا قلنا : إن الأموال كلها تصب في مصرف واحد مثلا ، يضع فلان مبلغا يختلف عن مبلغ الآخر ؛ فهل يميز المصرف مبلغ كل منهما أم أنه لا شأن له بهذا التمييز ؟ الحقيقة أن المصرف توضع لديه المبالغ فيخلطها في مشروع أو في إقراض آخر دون تمييز(طنطاوي،1997،ص139؛الخطيب،1975،ص56) .  

       والحقيقة الخامسة : إن الإسلام نظام متكامل . فهو حين يحرم التعامل الربوي يقيم نظمه كلها على أساس الاستغناء عن الحاجة إليه ؛ وينظم جوانب الحياة الاجتماعية بحيث تنتفي منها الحاجة إلى هذا النوع من التعامل ، بدون مساس بالنمو الاقتصادي والاجتماعي والإنساني المطرد.

       انظر إلى العالم الآن، لقد خلق الله العالم على هيئة من التكامل. فهذا إنسان يتمتع بإمكانات ومواهب، وذاك يتمتع بمواهب وإمكانات أخرى، حتى يحتاج صاحب هذه الإمكانات إلى صاحب تلك الإمكانات فيكتمل الكون، ولو أن كل إنسان كان وحدة متكررة لاستغنى الكل عن الكل. ولو أن الأفراد متساوون في المواهب لما احتاج الناس لبعضهم البعض. لكن المواهب تختلف؛ لأنك إن أجدت فنًّا من فنون الحياة فقد أجاد سواك فنونا أخرى أنت محتاج إليها، فإن احتاجوا إليك فيما أَجَدْت، فقد احتجت إليهم فيما أجادوا، وهكذا يتكامل العالم. وكذلك خلق الله الكون: مناطق حارة، ومناطق باردة، ومناطق بها معادن، ومناطق بها زراعة؛ حتى يضطر العالم إلى أن يتكامل، ويضطر العالم إلى أن يتعايش مع بعضه ولذلك يقول الحق في سورة ” الرحمن “{ وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ }[الرحمن: 10]} وَضَعَهَا { لمن؟. } وَالأَرْضَ { ، أي أرض، وأي أنام؟. الأرض كل الأرض، والأنام كل الأنام، فإن تحددت بحواجز فسدت(الشعراوي،1997، ص277).

       إن منع الإنسان من حرية الانتقال من مكان إلى مكان يفسد حركة الإنسان في الكون، فقد يرغب إنسان في أن ينتقل إلى أرض بكر ليعمرها، فيرفض أهل تلك الأرض، فلو أن الأرض كل الأرض كانت للأنام بحيث إن ضاق العمل في مكان ذهبت إلى مكان آخر، بدون قيود عليك، تلك القيود التي نشأت من السلطات الزمنية التي تحتجز الأماكن لأنفسها، فهذا ما يفسد الكون. فهناك بيئات تشتكي قلة القوت، وبيئات تشتكي قلة الأيدي العاملة لأرض خراب وهي تصلح أن تزرع، فلو أن الأرض كل الأرض للأنام كل الأنام لما حدث عجز .

      ونلاحظ ما يُقال: ازدحام السكان أو الانفجار السكاني، بينما توجد أماكن تتطلب خلقاً! ويوجد خلق تتطلب أماكن، فلماذا هذا الاختلال؟ هذا الاختلال ناشئ من أن السلوك البشري غير منطقي في هذا الكون. والكون الذي نعيش فيه، فيه ارتقاءات عقلية شتّى، وطموحات ابتكارية صعدت إلى الكواكب، وتغزو الفضاء، ووُجِدَت في كل بيت آلات الترفيه، أما كان المنطق يقتضي أن يعيش العالم سعيداً مستريحاً ؟

       كان المنطق يقتضي أن يعيش العالم مستريحاً هادئاً؛ لأنه في كل يوم يبتكر أشياءَ تعطي له أكبر الثمرة بأقل مجهود في أقل زمن، فماذا نريد بعد هذا؟ ولكن هل العالم الذي نعيش فيه منطقي مع هذا الواقع؟ لا، بل نحن نجد أغنى بلاد العالم وأحسنها وفرة اقتصادية هي التي يعاني الناس فيها القلق، وهي التي تمتلئ بالاضطراب، وهي التي ينتشر فيها الشذوذ، وهي التي تشكو من ارتفاع نسبة الجنون بين سكانها.

       إذن فالعالم ليس منطقياً. وهذا التخبط يؤكد ما يقوله الحق: } إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ { إنها حركة هستيرية في الكون تدل على أنه كون غير مستريح، كون غير منسجم مع طموحاته وابتكاراته (المرجع نفسه،ص277) .

     أما كان على هذا الكون بعقلائه أن يبحثوا عن السبب في هذا، وأن يعرفوا لماذا نشقى كل هذا الشقاء وعندنا هذه الطموحات الابتكارية؟ كان يجب أن يبحثوا، فالمصيبة عامة، لا تعم الدول المتخلفة أو النامية فقط، بل هي أيضاً في الدول المتقدمة، كان يجب أن يعقد المفكرون المؤتمرات ليبحثوا هذه المسألة، فإذا ما كانت المسألة عامة تضم كل البلاد متقدمها ومتأخرها وجب أن نبحث عن سبب مشترك، ولا نبحث عن سبب قد يوجد عند قوم ولا يوجد عن قوم آخرين؛ لأننا لو بحثنا لقلنا: يوجد في هذه البيئة. وكذلك هو موجود في كل البيئات، فلا بد أن يوجد القدر المشترك .

      فالأرزاق التي توجد في الكون تنقسم إلى قسمين: رزق أنتفع به مباشرة، ورزق هو سبب لما أنتفع به مباشرة.أنا آكل رغيف الخبز، هذا اسمه رزق مباشر، وأشرب كون الماء، وهو رزق مباشر، واكتسي بالثوب وذلك أيضاً رزق مباشر، وأسكن في البيت وهذا رابعاً رزق مباشر، وأنير المصباح رزق مباشر. ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزق المباشر. فإذا كان عندي جبل من ذهب وأنا جوعان، ماذا أفعل به؟. إذن فرغيف العيش أحسن منه، هذا رزق مباشر، فالنقود أو الذهب أشتري بها هذا وهذا، لكن لا يغنيني عن هذا وهذا.

      وقد جاء وقت أصبح الناس يرون فيه أن المال هو كل شيء حتى صار هدفا وتعلق الناس به.. وفي الحق أنّ المال ليس غاية، ولا ينفع أن يكون غاية بل هو وسيلة. فإن فقد وسيلته وأصبح غاية فلا بد أن يفسد الكون؛ فعلة فساد الكون كله في القدر المشترك الذي هو المال، حيث أصبح المال غاية، ولم يعد وسيلة.

      والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطهر حياة الاقتصاد للناس طهارة تضمن حِلّ ما يطعمون، وما يشربون، وما يكتسون، حتى تصدر أعمالهم عن خليات إيمانية طاهرة مصفاة؛ ذلك أن الشيء الذي يصدر عن خلية إيمانية طاهرة مصفاة لا يمكن أن ينشأ عنه إلا الخير.

       ومن العجيب أن نجد القوم الذين صدروا لنا النظام الربوي بإدارات فاشلة يحاولون الآن جاهدين أن يتخلصوا منه، لا لأنهم ينظرون إلى هذا التخلص على أنه طهارة دينية، ولكن لأنهم يرون أن كل شرور الحياة ناشئة عن هذا الربا. وليست هذه الصيحة حديثة عهد بنا، فقديما أي من عام ألف وتسعمائة وخمسين قام رجل الاقتصاد العالمي ” شاخت ” في ألمانيا وقد رأى اختلال النظام فيها وفي العالم، فوضع تقريره بأن الفساد كله ناشئ من النظام الربوي، وأن هذا النظام يضمن للغني أن يزيد غنى، وما دام هذا النظام قد ضمن للغني أن يزيد غنى، فمن أين يزداد غنى؟ لاشك أنه يزداد غنى من الفقير. إذن فستئول المسألة إلى أن المال سيصبح في يد أقلية في الكون تتحكم في مصائره كلها ولاسيما المصائر الخلقية. لماذا ؟

       لأن الذين يحبون أن يستثمروا المال لا ينظرون إلا إلى النفعية المالية، فهم يديرون المشروعات التي تحقق لهم تلك النفعية. وهناك رجل اقتصاد آخر هو ” كينز ” الذي يتزعم فكرة ” الاقتصاد الحر ” في العالم يقول قولته المشهورة: إن المال لا يؤدي وظيفته في الحياة إلا إذا انخفضت الفائدة إلى درجة الصفر. ومعنى ذلك أنه لا ربا.من الفقير أن يسدد ما أخذه ويزيد عليه. وكانوا يتعللون ويقولون: إن النص القرآني إنما يتكلم عن الربا في الأضعاف المضاعفة، فإذا ما منعنا القيد في الأضعاف المضاعفة لا يكون حراماً!!

   أي أنهم يريدون تبرير إعطاء الفقير مالاً، وأن يرده أضعافاً فقط لا أضعافاً مضاعفة؛ حتى لا يصير ذلك الاسترداد بالزيادة حراماً، ولهؤلاء نقول: إن الذين يقولون ذلك يحاولون أن يتلصصوا على النص القرآني، وكأن الله قد ترك النص ليتلصصوا عليه ويسرقوا منه ما شاءوا دون أن يضع في النص ما يحول دون هذا التلصص، ولو فطنوا إلى أن الله يقول في آخر الأمر:{ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }(البقرة:279) .

      هذا القول الحاسم يوضح أن الله لم يستثن ضعفاً ولا أضعافاً. إذن فقوله الحق:{ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(آل عمران : 130) .

    إن هذا القول الحكيم لم يجئ إلا ليبين الواقع الذي كانوا يعيشونه، ولم يستثن الله ضعفاً أو أضعافاً؛ لأن الحق جعل التوبة تبدأ من أن يأخذ الإنسان رأس ماله فقط، فلا يسمح الله لأحد أن يأخذ نصف الضعف أو الضعف أو الضعفين، ولا يسمح بالأضعاف ولا بالمضاعفات.

       وكانوا يتعللون أن اتفاق الطرفين على أي أمر يعتبر تراضياً ويعتبر عقداً، وقد يكون ذلك صحيحاً إن لم يكن هناك مشرع أعلى من كل الخلق يسيطر على هذا التراضي. فهل كلما تراضى الطرفان على شيء يصير حلالاً ؟

      لو كان الأمر كذلك لكان الزنا حلالاً : لأنهما طرفان قد تراضيا، وكل ذلك لا يتأتى،ـ أي رضاء الطرفين ـ إلا في الأمور التي ليس فيها تشريع صدر عن المشرع الأعلى، وهو الله الحيّ القيوم. إن الله قد فرض أمراً يقضي على التراضي بيني وبينك؛ لأنه هو المسيطر، وهو الذي حكم في الأمر، فلا تراضي بيننا فيما يخالف ما شرع الله أو حكم فيه .                         

       وإذا نظرنا نظرة أخرى فإننا نجد أن التراضي الذي يدعونه مردود عليه، إنه ” تراضٍ ” باطل بالفحص الدقيق والبحث المنطقي، لماذا؟ لأننا نقول إن التراضي إنما ينشأ بين اثنين لا يتعدى أمر ما تراضيا عليه إلى غيرهما، أما إذا كان الأمر قد تعدى من تراضيا عليه إلى غيرهما فالتراضي باطل .

      فهب أن واحداً لا يملك شيئاً، وواحداً آخر يملك ألفا، والذي يملك ألفاً هي ملكه، وأدار بها عملاً من الأعمال، وحين يدير صاحب الألف عملا فالمطلوب له أجر عمله ليعيش من هذا الأجر. أما الذي لا يملك شيئا إذا ما أراد أن يعمل مثلما عمل صاحب الألف، فذهب إلى إنسان وأخذ منه ألفا ليعمل عملا كعمل صاحب الألف، فيشترط من يعطيه هذه الألف من الأموال أن يزيده مائة حين السداد، فيكون المطلوب من الذي اقترض هذه الألف أجر عمله كصاحب الألف الأول ومطلوب منه أيضا أن يزيد على أجره تلك المائة المطلوبة لمن أقرضه بالربا. فمن أين يأتي من اقترض ألفا بهذه المائة الزائدة؟ إن سلعته لو كانت تساوي سلعة الآخر فإنه يخسر. وإن كانت سلعته أقل من سلعة الآخر فإنها تكسد وتبور .

      إذن فلا بد له من الاحتيال النكد، وهذا الاحتيال هو أن يخلع على سلعته وصفا شكليا يساوي به سلعة الآخر، ويعمد إلى إنقاص الجواهر الفعالة في صنعة سلعته، فيسحب منها ما يوازي المائة المطلوب سدادها للمرابي. فن الذي سيدفع ذلك؟ إنه المستهلك .

     إذن فالمستهلك قد أضير بهذا التراضي؛ فهو الذي سيغرم؛ لأنه هو الذي يدفع أخيراً قيمة قرض الرجل المتاجر بالسلعة وقيمة النسبة الربوية التي حددها المرابي. إذن فالعقد بين المقترض والمرابي ـ حتى في عرفهم ـ عقد باطل رغم أن الاثنين ـ المقترض والمرابي ـ قد اعتبرا هذا العقد تراضياً .

      إذن فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يشيع في الناس الرحمة والمودة. وأن يشيع في الناس التعاطف. إنه الحق ـ سبحانه ـ صاحب كل النعمة أراد أن يشيع في الناس أن يعرف كل صاحب نعمة في الدنيا أنه يجب عليه أن تكون نعمته متعدية إلى غيره، فإن رآها المحروم علم أنه مستفيد منها، فإذا كان مستفيداً منها فإنه لن ينظر إليها بحقد، ولا أن ينظر إليها بحسد، ولا يتمنى أن تزول لأن أمرها عائد إليه. ولكن إذا كان السائد هو أن يريد صاحب النعمة في الدنيا أن يأخذ بالاستحواذ على كل عائد نعمته، ولا يراعي حق الله في مهمة النعمة، ولا تتعدى هذه النعمة إلى غيره، فالمحروم عندما يرى ذلك يتمنى أن تزول النعمة عن صاحبها وينظر إليها بحسد. ويشيع الحقد ومعه الضغينة، ويجد الفساد فرصة كاملة للشيوع في المجتمع كله.إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يسيطر على الاقتصاد عناصر ثلاثة:العنصر الأول: الرفد والعطاء الخالص، فيجد الفقير المعدم غنيا يعطيه، لا بقانون الحق المعلوم المفروض في الزكاة، ولكن بقانون الحق غير المعلوم في الصدقة، هذا هو الرفد.العنصر الثاني: يكون بحق الفرض وهو الزكاة.العنصر الثالث: هو بحق القرض وهو المداينة.إذن فأمور ثلاثة هي التي تسيطر على الاقتصاد الإسلامي: إما تطوع بصدقة، وإما أداءٌ لمفروض من زكاة، وإما مداينة بالقرض الحسن، وذلك هو ما يمكن أن ينشأ عليه النظام الاقتصادي في الإسلام. ولننظر إلى قول الحق سبحانه وتعالى حين عرض هذه المسألة وبشّع هيئة الذين يأكلون الربا بأنهم لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه ويصرعه الشيطان من المس.لماذا؟ لأن الحق قال فيهم: } ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا { فهل الكلام في البيع، أو الكلام في الربا؟ إن الكلام في الربا. وكان المنطق يقتضي أن يقول: ” الربا كالبيع ” ، فما الذي جعلهم يعكسون الأمر؟إن النص القرآني هنا يوحي إلى التخبط حتى في القضية التي يريدون أن يحتجوا بها. كأنهم قالوا: ما دمت تريد أن تحرم الربا، فالبيع مثل الربا، وعليك تحريم البيع أيضا.وكان القياس أن يقولوا: ” إنما الربا مثل البيع ” ، لكن الحق سبحانه أراد أن يوضح لنا تخبطهم فجاء على لسانهم: إنما البيع مثل الربا فإن كنتم قد حرمتم الربا فحرموا البيع، وإن كنتم قد حللتم البيع فحللوا الربا. إنهم يريدون قياسا إما بالطرد، وإما بالعكس.فقال الله القول الفصل الحاسم: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَىا}(البقرة:275) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ” لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله “.

       إنها موعظة من الله جاءت، الموعظة إن كانت من غير مستفيد منها، فالمنطق أن تُقبل ـ بضم التاء ـ أما الموعظة التي يُشَك فيها، فهي الموعظة التي تعود على الواعظ بشيء ما. فإذا كانت الموعظة قد جاءت ممن لا يستفيد بهذه الموعظة، فهذه حيثية قبولها } فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَىا { ، ولنر كلمة ” ربه ” حينما تأتي هنا فلنفهم منها أن المقصود بها الحق سبحانه الذي تولى تربيتكم، ومتولي التربية خلقا بإيجاد ما يستبقي الحياة، وإيجاد ما يستبقي النوع، ومحافظة على كل شيء بتسخير كل شيء لك أيها الإنسان، فيجب أن تكون أيها الإنسان مهذبا أمام ربك فلا توقع نفسك في اتهام الرب الخالق في شبهة الاستفادة من تلك الموعظة ـ معاذ الله .

     لماذا؟ لأن الخالق رب، وما دام الخالق رباً فهو المتولي تربيتكم، فإياك أيها الإنسان أن تتأبَّى على عظة المُربّي. } فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَىا فَلَهُ مَا سَلَفَ { ومعنى ذلك أن الأمر لن يكون بأثر رجعي فلا يؤاخذ بما مضى منه؛ لأنه أخذ قبل نزول التحريم؛ تلك هي الرحمة، لماذا؟

    لأنه من الجائز أن يكون المرابي قد رتب حياته ترتيباً على ما كان يناله من ربا قبل التحريم، فإذا كان الأمر كذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يعفو عما قد سلف.إنما قوله: } هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ { يدل على أنه خرج عن دائرة الإيمان. وافهم السابق جيداً لتفهم التذييل اللاحق؛ لأن هنا أمرين: هنا ربا حرمه الله، وأناس يريدون أن يُحلّلوا الربا عندما قالوا: } إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا { ، فإن عدت إلى الربا حاكما بحرمته فأنت مؤمن عاصٍ تدخل النار.إنما إن عدت إلى ما سلف من المناقشة في التحريم، وقلت: البيع مثل الربا، وناقشت في حرمة الربا وأردت أن تحلله كالبيع فقد خرجت عن دين الإسلام. وحين تخرج عن دين الإسلام فلك الخلود في النار( زيدان،2000،ص34) .

        ومن هنا يجب أن نلفت الذين يقولون بالربا وهو فشل اداري ، ونقول لهم: قولوا: إن الربا حرام، ولكننا لا نقدر على أنفسنا حتى نبطله ونتركه، وعليكم أن تجاهدوا أنفسكم على الخروج منه حتى لا تتعرضوا لحرب الله ورسوله، إنهم باعتقادهم أن الربا حرام يكونون عاصين فقط، أما أن يحاولوا تبرير الربا ويحللوه فسيدخلون في دائرة أخرى شر من ذلك، وهي دائرة الكفر والعياذ بالله .

      لأن آدم أقر بالذنب وقال: ” ربنا ظلمنا أنفسنا “. لقد اعترف آدم: حكمك يا رب حكم حق، ولكني ظلمت نفسي. ولكن إبليس عارض في الأمر وقال: } أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً { ، فكأنه رد الأمر على الآمر.

       وبعد ذلك حين بين الله الحكم في الربا، وبين أن من انتهى له ما سلف، فماذا عن الذي يعود؟  وَمَنْ عَادَ{وهي المقابل}  فَأُوْلَـائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ { يريد سبحانه أن يقول: إياكم أن يخدعكم الربا بلفظه، فالألفاظ تخدع البشر؛ لأنكم سميتموه ” ربا ” بالسطحية الناظرة: لأن الربا هو الزيادة، والزكاة تنقص، فالمائة في الربا تكون مائة وعشرة مثلا حسب سعر الفائدة، وفي الزكاة تصبح المائة (97.5)، في الأموال وعروض التجارة، وتختلف عن ذلك في الزروع وغيرها، وفي ظاهر الأمر أن الربا زاد، والزكاة أنقصت، ولكن هذا النقصان وتلك الزيادة هي في اصطلاحاتكم في أعرافكم، والحق سبحانه وتعالى يمحق الزائد، وينمي الناقص؛ فهو سبحانه تعالى يقول} يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ(زيدان،2000،ص33)، وليس من الفقه الحضاري غض النظر عن معطيات الحياة المعاصرة ومستجداتها في نظام التعامل والعلاقات والأنظمة الدولية، والأعراف السائدة، ولكن لا بد من البحث عن البديل المقبول، وتنزيل الوقائع الجديدة على الأصول والنصوص الشرعية، لا تعطيلها أو تجاوزها، فلا يتورط أحد مثلاً بإباحة الربا أو الفوائد المصرفية، وإنما يشجع على تنمية روح التعاون والاستثمار المشترك، ولا داعي لبحث ما يتعلق بالرق والاسترقاق، لأن الإسلام وإن سكت عن تحريمه فقد كان أول من أيقظ الضمير العالمي لإدراك مفاسده وشذوذه وأضراره على الكرامة الإنسانية(الصالح،1432ه،ص33) .

          فالإسلام سمح سهل مرن معتدل متوسط بين الإفراط والتفريط ، وليس الإسلام متشدداً ضيقاً حرجاً، فلا إعنات ولا مشقة ولا إحراج في تعاليم الإسلام وأحكامه كلها، سواء منها أحكام العقائد أو العبادات والمعاملات ونظام الأسرة وجميع التكاليف الشرعية، وكذلك مبادئ الاقتصاد في الكسب والادخار والتوزيع والإنفاق تقوم على التوسط بين الإسراف والتبذير، وبين الشح والبخل والتقصير. والأخلاق والسلوكيات فيه أيضاً وسط ، تتميز بالسماحة والتخفيف واليسر، وترك التنطع والتشدد ، والغلظة والاستكبار، لذا لم يُمدح نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام بمثل ما مدح بصفة الخلق والرحم ومن السنة النبوية الشريفة أحاديث كثيرة ثابتة، منها قوله – صلى الله عليه وسلم: ( بعثت بالحنيفية السمحة )(أخرجه أحمد في مسنده) ، ( إن هذا الدين يُسْر، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا )(أخرجه البخاري والنسائي عن أبي هريرةرضي الله عنه) ، أي اقصدوا السداد من الأمر وهو الصواب، واطلبوا المقاربة وهي القصد في الأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير، وأبشروا بالنجاة وتحقيق الغايات،وربط الجسور المشتركة بين الإسلام بإدارات صحيحة وما سبقه من الأديان كثيرة وغنية، يمكن الانطلاق منها في شرعنا والتحاكم إليها للتوصل إلى ما يبرز سماحة الإسلام وسموه في الدعوة إلى وحدة الصف، والوقوف أمام التيارات الإلحادية أو العلمانية أو المادية أو غيرها من نزعات الفلسفة الوضعية، فيكون الخطاب الديني لهؤلاء أقوى وأنفذ وأحكم. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أحس العالم الإسلامي بحاجة ملحة إلى أهمية دعوة السلام والوسطية وضرورتها التي يدعو الإسلام إلى تحقيقها ونشرها بين الناس بالطريق الصحيح ، واتضحت جليا واقعية الوسطية الإسلامية لمواجهة مجريات الأحداث مما جعل الوسطية الإسلامية من الأساليب الضرورية لحماية الهوية الإسلامية ومواجهة تحديات العصر في الوقت نفسه ، لأنها بديل في حل المشكلات العويصة ، وسطية تشمل الشريعة والمجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة والتربية .وسطية تدعو إلى الالتزام بالمبادئ لا تفريط ولا إفراط .وسطية تدعو إلى نبذ التطرف بكل أشكاله والتمسك بالقيم الأخلاقية والجمالية والادارية ، وسطية تدعو إلى الوحدة والائتلاف وتكوين أمة وسط بغض النظر عن اختلاف الألوان والألسنة وبعد المسافات بهدف سامٍ موحد مشترك .وسطية تقوم على توحيد الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ، وأي انحراف أو غلو هو من باب التطرف .وسطية تقوم على المنهج الإلهي ، والجمع بين المادة والروح ، والقضاء والقدر ، والدنيا والآخرة ، والإنسانية والعلوم ، والفرد والجماعة ، والأسرة والمجتمع ، والحقوق والمسؤولية ، والتوازن فيما بينها بلا إفراط ولا تفريط ، ولا ترجيح جانب من الجوانب دون الآخر.

       وأما العزلة والانفراد أو الانهماك في ملذات الدنيا واتباع الهوى فكل ذلك من التطرف،وسطية تدعو إلى التيسير في أمور الدين ، وإلى التسامح والرفق ، وتحارب التطرف والتشدد بجميع صوره ، وترى الجهل بمبادئ الإسلام وتأويل النصوص بالهوى والاستبداد بالرأي والابتداع والعصبية وسوء الظن بالآخرين والحسد والحقد كلها خروجا وانحرافا عن وسطية الإسلام ، وذاك هو التطرف بعينه،وسطية تنبه الناس أنها ليست تحارب التطرف الديني فحسب ، بل تحارب أيضا التطرف في الأفكار والأمور الأخرى لأن مثل هذا النوع من التطرف قد أحدث كثيراً من المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم الإسلامي ، فعلى سبيل المثال : التغريب هو النوع المثالي من أشكال التطرف ، فكثير من الغربيين أو من دعاة التغريب يعدون مقاومة الثقافات الخليعة وأساليب الحياة الساقطة في العالم الإسلامي انتهاكا بحقوق الإنسان وتدخلا في حرية الآخرين ، وهذه مؤامرة وكيد على الإسلام ، وفي الحقيقة هؤلاء هم المتطرفون أنفسهم ، وفعلهم هذا هو التطرف عينه( الصالح،1432ه،ص35) .

      والأصل في الأثمان عدم التحديد سواء أكانت في بيع حال أو مؤجل فتترك لتأثير العرض والطلب ، إلا أنه ينبغي للناس أن يتراحموا فيما بينهم وأن تسود بينهم السماحة في البيع والشراء ، وألا ينتهزوا الفرص لإدخال بعضهم الضيق في المعاملات على بعض ، قال صلى الله عليه وسلم « رحم الله امرأ سمحا إذا باع وإذا اشترى وسمحاً اذا أقتضى »(صحيح البخاري،2002، برقم 1970؛سنن الترمذي،1988،برقم 1320؛ سنن ابن ماجة،2009، برقم2203؛ مسند احمد ابن حنبل،د،ت، ج3،ص340).

        فإذا انتهز إنسان فرصة الضيق وشدة حاجة أخيه إلى ما بيده وهو لا يجده عند غيره أو يجده ولكن تواطأ من في السوق من التجار على رفع الأسعار طمعاً في زيادة الكسب وغلوا فيه ، حرم على من بيده السلعة أن يبيعها على من اشتدت حاجته إليها بأكثر من ثمن مثلها حالا في البيع الحال وثمن مثله مؤجلا في المؤجل ، وعلى من حضر ذلك أن يساعد على العدل ويمنع من الظلم كل على قدر حاله ، وفي درجته التي تليق به من درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والحال الراهنة وقت البيع والشراء هي التي تحدد ثمن المثل فلكل سوق سعره ولكل وقت سعره ، فمن تعاليم الإسلام التي جاءت في كتاب الله الكريم ، أو في سنة رسوله المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وهي تخاطب أهل الإيمان ، وتطمئنهم بنتيجة ما يعملون ، وتريح نفوسهم بما تقوم به من عمل ، يلمس المستقرئ نظاما متكاملا للناحية المالية ، التي هي محك الأمور ، وسبب المشكلات في المجتمعات في كل عصر .

      وإذا كان أصحاب الأموال في المجتمعات غير الإسلامية – وخاصة اليهود منهم – قد حرصوا على زيادة أموالهم بأساليب الربا ، فإنهم في هذا العصر قد ابتكروا أساليب جديدة من باب أخذ أموال الناس بالباطل ، وأكلها بالإثم ، لأن مبدأهم الحلال ما حل في يدك ، وذلك بابتكار شركات التأمين المتعددة حيث نسمع ونقرأ عن : –

– شركات التأمين على الحياة بأنواعها لمن حياتهم وأعمالهم في الأرض أو البحر أو الجو .

– وشركات التأمين على الممتلكات من سيارات ومتاجر وبيوت ومزارع ومصانع وغيرها(زيدان،2000،ص38) .

      وفي سبيل المحافظة على المال ، والاهتمام بأداء حق الله فيه يقول – صلى الله عليه وسلم – : « ما نقص مال من صدقة ، أو ما نقصت صدقة من مال – وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله » وتحصين المال وحراسته والاطمئنان عليه ، ليست بدفع أقساط لشركات التأمين ، ولكن بالزكاة التي تذهب للفقراء والمحتاجين ، فتحسن عن حالهم وتريح ضمائرهم كما جاء في الأثر : « حصنوا أموالكم بالزكاة »( سنن الترمذي، برقم 2344 ؛ سنن ابن ماجه، برقم4164 ؛ مسند أحمد بن حنبل، ج1،ص30 ) .

         الخاتمة والتوصيات :

    لقد توَّصلت هذه الدراسة بفضل الله تعالى إلى نتائج متعددة،لعل من أهمها :-

  1.  إن العمل بالمنهج الاسلامي لا يتم ولا يؤدي دوره المطلوب إلا من خلال قدوة معد من كل الجوانب الاقتصادية والادارية ، والمهنية، وإن للمنهج النبوي الشريف آثار مهمة على الفرد من حيث البناء الاقتصادي ،والاداري وله آثار واسعة على المجتمع،من حيث:البناء الاجتماعي،و الأمني و الاقتصادي .
  2.  ان من أبرزِ خصالِ  المنهج النبوي أنه يحث رجل الدولة الالتزام بالأمانة والنزاهة في السياسة والاقتصاد ، وخلالهما  يَثِقُ الناسُ بما يحويه من صفات حميدة  ، ويعرفون مدى تأثره بالعلم ، وقد أكد الإسلام على  قيمة العلم والنزاهة  والأمانة وكذلك هذه الصفات حثَّ عليها العلماءُ قديماً وحديثاً، و جاءت بها النصوصُ من القرآن الكريم والنهج النبوي الشريف ، وعلى السالكين في طريق المسؤولية لابد أن يعرفوا إن أمانتهم ونزاهتهم أمام نظر الجميع , لقد أراد الله جل علاه  حفظ نظام هذا العالم أيضاً ليبقى صالحاً للوفاء والحب والأمن  بمراد الله إلى أمدٍ أرادَه ، فشرع للناس شرْعاً ودعا الناس إلى أتباعه والدخول إلى حظيرته ذلك الدخول المسمى بالإيمان وبالإسلام لاشتراط حصولهما في قِوام حقيقة الانضواء تحت هذا الشرع وأجمع أهل العلم على بطلان الخيانة والسرقة , بعثَ الله محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – بهذا المنهج السليم ليعيد  للفرد حقوقه المسلوبة، فمنحه حق الحرية.  
  3. 3-  أن التشريع الإسلامي دين عملي وواقعي يراعي فطرة الناس وأحوالهم واحتياجاتهم من خلال الحفاظ على المال في الإسلام، ان شمولية التشريع الإسلامي هو دين عملي واقعي شامل لجوانب الخير للدين والدنيا يراعي فطرة الناس وأحوالهم واحتياجاتهم , أن المال مال الله وما نحن إلا مستخلفين فيه ومأمورين بجمعه وإنفاقه وفقاً لأوامر الله فيه.  أهمية المال في الإسلام فهو قوام الحياة، وسبيل لعمارة الأرض وفعل الخيرات وتحقيق سعادة الدارين.  لأهمية المال – في الإسلام وتأثير استخدامه على الحياة سلباً وإيجاباً – اشتمل الدين الإسلامي العديد من التشريعات الهادفة للحفاظ عليه منها إخراج حقوق الله في المال، الاعتدال ومحاربة السرف، النهي عن الربا، النهي عن الرشوة وما يتعلق بها، النهي عن السرقة بكافة صورها، تحريم الميسر وما يساويه، عدم تسليم المال لمن لا يحسن التصرف، فيه مشروعية الرهن وكتابة الدَين، المحافظة على الأموال المنتجة، أداء المواريث الأمر بالوقاية والحذر.
  4. إخراج حقوق الله في المال وهي جزء قليل – بينت كتب الفقه شروطه ومقداره ومستحقيه …إلخ – إعلان بحفاظ الله على هذا المال، ويتسبب في محافظة الفقراء والعاجزين عن الكسب عليه لأنهم يعلمون أن لهم فيه حق، بينما منع إخراج حق الله في المال يتسبب في ضياعه وهلاكه وخسارته بمحق بركته من الله وبالتعدي عليه من المحتاجين الذين منعوا من حقهم في هذا المال  .
  5. الاعتدال ومحاربة السرف أحد أهم التشريعات الإسلامية التي أمر بها الإسلام للحفاظ على المال وقد نفذه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحابته، وأوصوا به ولو قدر جمع جملة الفاقد من الأموال التي تنفق في غير ضرورة لكفت وسدت جانب كبير من احتياجات الفقراء والمحتاجين، ولساهمت في حل العديد من المشكلات الاقتصادية في كثير من الدول الفقيرة لذلك وجب على المسلمين الالتزام بالاعتدال في شتى صور حياتهم على مستوى الأفراد، والأسر، والدول لتحقيق السعادة في العاجل والآجل  المعاملات المالية القائمة على الربا وإن كان ظاهرها الزيادة في المال فباطنها هلاكه وخسارته والواقع يؤكد ذلك.
  6. في النهي عن الرشوة حفاظًا لمال الرعية من استغلال الحكام لمناصبهم  في النهي عن السرقة بكافة صورها ضمان الحفاظ لكل صاحب مال على ماله وثمرة عمله. 
  7. حماية المال وعدم الاعتداء عليه واجب حتى من صاحب المال نفسه لذلك شرع الإسلام عدم تسليم المال لمن لا يحسن التصرف فيه.  
  8. البحث عن المتطلبات العاجلة من السمات البشرية والحفاظ على مستلزمات الحياة لأجيال قادمة من السنن الإلهية لذلك سن الإسلام وحث على المحافظة على الأموال المنتجة. 
  9. أثبت الواقع فشل النظم الاقتصادية بجميع صورها واتجاهاتها وأهمية العودة إلى النظام الاقتصادي الإسلامي أن المنهج النبوي نهج الوسطية والاعتدال إن السلام هو الأصل في دعوة الأنبياء ، لذا فإن الإعلام الإسلامي يقوم برسالة تربوية بالغة الأهمية ولا سيما في مرحلة الشباب تتمثل في ضبط الانفعالات وتوجيه الجانب العاطفي للشباب وصولًا إلى تحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي من خلال البرامج الإسلامية التي تعوض الشباب عن ذلك التثقيف العام وتنمية المواهب:تستطيع وسائل الإعلام الإسلامية المشاركة الفعالة في تنمية قدرات الشباب ومواهبهم إضافة إلى تثقيفهم بصورة شاملة الإسلام رفض الرّبا رفضاً باتّاً وألغاه, ومنع التّعامل به تحت أي حجّة, وذلك انسجاماً مع نظام الإسلام ومقاصد الشّريعة, الّتي تحرّم كلّ ما فيه ضرر وظلم للناس. العالم الإسلاميّ يخضع للرّبا الآن, ويبرر ذلك بالمصلحة والخوف من العزلة الإقتصاديّة, ولأنّ العالم كلّه أصبح يتعامل بالرّبا, وكلّ هذه التّبريرات غير مقبولة, فالعالم الإسلاميّ عالم ضعيف يتبع العالم القوي, ولا يريد أن يقف موقفاً صارماً لإلغاء الرّبا.
  10. وختاماً صلاح الأمة لا يكون الاّبعودتها إلى سبيل ربها وبإقامة منهجه في الحياة حتى تروق لهم الحياة.نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده الهداة المهديين، ولا يجعلنا ضالين ولا مضلين، وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهة الكريم، وأن يجعلنا من عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين…

ثبت المصادر والمراجع :

  •  القرآن الكريم

أولاً:- المصادر الاولية :

  • البخاري، محمد بن اسماعيل(2002م)، المسند الصحيح المختصر( صحيح البخاري)،ط1،دار ابن كثير، دمشق- بيروت.
  • التّرمذي, ابو عيسى(1408ه/1988م)، صحيح التّرمذي, مكتب التّربيّة العربي لدول الخليج, الرّياض.
  • الحاكم النيسابوري، محمد بن عبدالله(2002م)، المستدرك على الصحيحين، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ،ط2،

دار الكتب العلمية، بيروت .

  • الحنبلي، ابن رجب(1399ه)،كلمة الاخلاص وتحقيق معناها، تحقيق: ناصر الدين الالباني،ط5، المكتب الأسلامي،د،م .
  • الخازن, ابو الحسن  علاء الدين علي بن محمد(1328ه)، تفسير الخازن لباب التّأويل في معاني التّنزيل, دار الكتب العربيّة الكبرى, القاهرة .
  • ابو داؤد سليمان بن الاشعث ،سنن أبو داود(د،ت), تحقيق : محمّد محي الدّين عبد الحميد, المكتبة العصريّة, ـ صيدا – بيروت .
  • السيوطي، جلال الدين(2-12م)، الجامع الصغير في احاديث البشير، ط6، دار الكتب العلمية، بيروت .
  • الشيباني، ابي عبدالله احمد بن محمد بن حنبل(1411ه/1991م)، مسند أحمد, تحقيق: عبد الله محمّد الدّرويش, دار الفكر, دمشق .
  • المباركوري، ابو العلاء عبد الرحمن (1424ه)،تحفة الاحوذي شرح جامع الترمذي، تحقيق: خالد عبد الغني معروف، دار الكتب العلمية،بيروت .
  •  ابن ماجة، محمد بن يزيد الربعي القزويني(2009م)، سنن ابن ماجة, تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار احياء الكتب العربية، القاهرة .
  • الامام مالك، مالك بن انس(1406ه/1985م)، مؤطأ مالك، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي، دار احياء التراث العربي، القاهرة .
  • الامام مسلم،مسلم بن الحجاج النيسابوري(ت:261ه )،صحيح مسلم،ط2،بيروت، دار الرسالة ناشرون، 1437ه/2016م .

ثانياً :- المراجع الثانوية :

  • اوستري، جاك(د،ت)، الاسلام والتنمية الاقتصادية، ترجمة : نبيل الطويل، دار الفكر، دمشق .
  • البغا ، مصطفى(1409ه/1989م), بحوث في نظام الإسلام, ط3، مطبعة جامعة دمشق, دمشق .
  • ابن جبر، محمد إبراهيم(1396ه) ، الجريمة في الشريعة الاسلامية، مقال في الندوة العلمية المنعقدة ، الرياض .
  • الجمّال، محمّد عبد المنعم(1986م), موسوعة الإقتصاد الإسلامي,ط1، دار الكتاب اللبناني بيروت- لبنان.
  • الخطيب, عبد الكريم(1395ه/1975م)، السّياسة الماليّة في الإسلام, دار المعرفة, بيروت .
  • الراشد، محمد احمد(2008م)، صناعة الحياة، ط1، دار الفكر، دمشق .
  • زيدان، رغداء محمد اديب(2000م)، الربا وبدائله في الاسلام، الرّحيبة، د،م .
  • الشعراوي، محمد متولي(1997م)، تفسير الشعراوي، مطابع اخبار اليوم، د،م .
  • الصالح، محمد بن احمد(1432ه) ، وسطية الإسلام وسماحته ودعوته للحوار، وزارة الاوقاف ، المملكة العربية السعودية .
  • الصدر, محمّد باقر(د،ت)، اقتصادنا, ط14، دار التّعارف للمطبوعات, بيروت.
  • الصلابي، علي محمد(2008م)، فقه النصر والتمكين في القران الكريم،  دار المعرفة، بيروت- لبنان.
  • طنطاوي، محمد سيد(1997م)، معاملات البنوك واحكامها الشرعية، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة .
  • عتر ، نور الدّين(1980), المعاملات المصرفيّة والرّبويّة وعلاجها في الإسلام, ط4، مؤسّسة الرّسالة, بيروت- لبنان.
  • القرضاوي, يوسف(1414ه/1993م) ، الخصائص العامّة للإسلام, ط 8، مؤسسة الرّسالة, عمّان.
  • القماش، عبد الرحمن بن محمد(2011)، جامع لطائف التفسير، الامارت العربية المتحدة .
  • أبو الأعلى المودودي(د،ت), النّظام الإقتصادي في الإسلام, لجنة مسجد جامعة دمشق, قسم النّشر ،دمشق .
  • معابرة، محمد محمود(2011م)، الفساد الاداري وعلاجه في الشريعة الاسلامية،دراسة مقارنة بالقانون الاداري، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمّ-الأردن .
  • محمد، الزهراء علي عباس(1433ه/2012م) ، الحفاظ على المال في التشريع الاسلامي ، مقال منشور ضمن موقع الوكة الالكتروني، تاريخ الاضافة .
  • نعناعة، رمزي(1977م)، تنظيم الاسلام للمجتمع : نظام الاسرة والعقوبات، دار القلم للنشر والتوزيع، الكويت .
  • شامبي وهامر، جيمس ومايكل(1993م)، الهندسة الادارية أو الهندرة: بيان عن ثورة في عالم الاعمال، مجلة خلاصات، السنة الاولى، العددالعشرون، اصدار الشركة العربية للاعلام العلمي(شعاع)، القاهرة.
  • peter  ferdinand drucker: Cloyton m .Christensen,Doniel Golemon(2016)، ترجمة: داؤد سليمان القرنة، مكتبة العبيكان، المملكة العربية السعودية .

2 thoughts on “المنهج الاسلامي وأثره في معالجة الفساد الاداري والاقتصادي في المجتمع

  1. جاء في المقال” وقد اقتضت طبيعة البحث أن يقسم الى مقدمة وثلاثة مباحث، بينّا في المبحث الأول المنهج الاسلامي والبناء الاقتصادي، وجاء المبحث الثاني للحديث عن علاج الفساد الإداري من منظور الاسلام والإدارات الحديثة ، اما المبحث الثالث والاخير فقد جاء ليكشف النظام الإداري والاقتصادي في الإسلام، ثم اتبعنا البحث بخاتمة سطرّنا فيه اهم النتائج التي توصلت اليها الدراسة .”
    خير الكلام ما قل و دل ،نحن في حاجة الى معرف المنهج الاسلامي في بناء اقصاد سلوكي ،يبعد المسلم عن ممارسة اي فساد سواءا مالي او سياسي او اداري او سلوكي،يستعين به لتحقيق الاغتناء السريع الغير الشرعي ، لكن ما هي امكانيات المنهج الاسلامي الاقتصاد السلوكي لمحاربة المنهج السياسي الريعي الذي تصرف عليه مليارات الدولارات ،لصناعة عقليات ريعية و اخرى فاسدة خلقيا ؟ ما هي امكانيات المنهج الاسلامي الاقتصاد السلوكي لمحاربة حلف المناهج السياسية و العسكرية و الاستخباراتية العالمية ،المتشبثة بصناعة الفتن و الصراعات و الحروب الاهلية و الاقليمية و الدولية،لترويج اسلحتها ،و مخابراتها في حماية الانظمة المستبدة، المدرة للربح السريع الوافر الغير السلوكي؟ ما هي امكانيات علماء الدين و الاجتماع الفكرية و النفسية في توعية و اصلاح شخصية الحاكم الوارث السياسي المتشبث بالهيمنة على ثروة الوطن و المواطنين؟ و في توعية و اصلاح شخصيات النخب المسلمة المتشبثة بكعكة المنافع الريعية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *