نوفمبر 23, 2024 3:51 ص
111

د. عماد فاضل فيصل

المديرية العامة لتربية محافطة الديوانية في جمهورية العراق – اعدادية الشامية المهنية المختلطة

Imadfadhil099@gmail.com

009647813992551

الملخص

تناولت هذه الدراسة دور الراي العام الامريكي في سياسة الشؤون الخارجية طبقا للتفكيرالاستراتيجي المعاصر من خلال مبحثين خصص المبحث الاول كاطار مفاهيمي عن ابعاد الراي العام الامريكي وفقا للتفكير الاستراتيجي المعاصر, وكان ذلك بثلاثة مطالب , درس المطلب الاول ماهية الراي العام من خلال دراسة مفهومه وتاريخه واهم خصائصه,كذلك دراسة انواعه واهم العوامل المؤثرة فيه,فضلا عن البحث اساليب تغييره وطرق قياسه, بينما بحث المطلب الثاني في الجدلية التاريخية لتشكيل الراي العام الامريكي   من خلال دراسة عدد من المقاربات النطرية ومنها مقاربة بوابة الحلم الامريكي المشرعة امام الجميع باعتبارها منارة للحرية ودنينا للمال والاعمال, كذلك مقاربة تقدمية الطبيعة البشرية التي تكسبها قابلية السير نحو الكمال, فضلا عن مقاربة تطبيق القيم الامريكية في الشؤون الخارجية, وبحث المطلب الثالث في دينامية الراي العام الامريكي من خلال دراسة التحولات والانقسامات فيه والاستقطاب الحزبي فضلا عن هيكليته الديناميكية.

ودرس المبحث الثاني تداعيات ازمة الملف النووي الايراني على الراي العام الامريكي كنموذج للتفكير الاستراتيجي المعاصر حيث يعتبر معظم الباحثين والمختصين ان خلو منطقة الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل على راس اولويات استراتيجية الشؤون الخارجية الامريكية المعاصرة باعتبارها اهم الدعامات في النظام الدولي احادي القطبية بعد الحرب الباردة لضمان مصالحها وامن حلفائها  وبالخصوص امن اسرائيل رغم امتلاكها غير المعلن للسلاح النووي , وكان ذلك من خلال مبحثين تناول المبحث الاول الجذور التاريخية للبرنامج النووي الايراني وتحوله الى ازمة دولية ودراسة نشوء الازمة وتصاعدها   وتفجرها عندما اعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرا في 30 اغسطس من العام 2012 يتضمن قيام ايران بتجارب على اسلحة نووية فضلا عن تثبيت اجزاء كبيرة من اجهزة الطرد المركزي في منشاة فورد المبنية تحت الارض , وبحث المطلب الثاني الاستقطاب الحزبي والراي العام في التفكير الاستراتيجي المعاصر من خلال دراسة تسوية الازمة في عهد الرئيس الديمقراطي باراك اوباما واستيطانها في وقتنا الحاضر, واختتمت الدراسة بعدد من التوصيات التي كان من اهمها مساهمة رجوع الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي الموقع بين ايران و مجموعة 5+1 في تعزيز السلم والامن الدوليين.

الكلمات المفتاحية : التفكير الاستراتيجي , الراي العام , استراتيجية الشؤون الخارجية , الملف النووي الايراني , مستويات  التحليل , جولات التفاوض.

 

American public opinion and contemporary strategic thinking in foreign affairs / the Iranian nuclear file as a model.

Dr.  Emad Fadel Faisal

The General Directorate of Education in Al-Diwaniyah Governorate in the Republic of Iraq / Al-Shamiya Mixed Vocational Preparatory School

 

Summary

This study dealt with the role of American public opinion in foreign affairs policy according to contemporary strategic thinking through two sections.  Also, a study of its types and the most important factors affecting it, as well as research methods for changing it and ways to measure it, while the second requirement examined the historical dialectic of forming American public opinion by studying several rhetorical approaches, including the approach of the American Dream Gate, which is open to everyone as a beacon of freedom and a religion of money and business.  As well as the progressive approach of human nature, which gives it the ability to walk towards perfection, as well as the approach of applying American values in foreign affairs, and an examination of the third demand in the dynamism of American public opinion through the study of transformations and divisions in it, partisan polarization, as well as its dynamic structure.

 The second topic studied the repercussions of the Iranian nuclear crisis on American public opinion as a model for contemporary strategic thinking. Most researchers and specialists consider that the Middle East region is free of weapons of mass destruction at the top of the priorities of the contemporary American foreign affairs strategy as the most important pillars in the unipolar international system after the Cold War to ensure  Its interests and the security of its allies, especially the security of Israel, despite its undeclared possession of nuclear weapons, and this was through two sections.  Iran experimented with nuclear weapons, as well as installing large parts of centrifuges in the underground Ford facility, and the second demand discussed partisan polarization and public opinion in contemporary strategic thinking by studying the settlement of the crisis in the era of Democratic President Barack Obama and its settlement in the present time, and the study concluded Several recommendations, the most important of which was the contribution of A  To the United States to the nuclear agreement signed between Iran and the P5+1 group in strengthening international peace and security.

Keywords:

 Strategic thinking, public opinion, foreign affairs strategy, the Iranian nuclear file, levels of analysis, and negotiation rounds.

 

المقدمة

يندرج هذا الموضوع ضمن حقل الثقافة السياسية في الولايات المتحدة الامريكية على افتراضين اساسيين الاول هو  نضوج العناصر التاسيسية لتشكيل الراي العام المحليباعتبار ان الامريكين امةولدت من فكرة كما يعتقد ثيودور وايت وليس من الجغرافيا, اما الثاني فهو دور العقيدة السياسية لدى صناع القرار في قراراتهم الاستراتيجية في الشؤون الخارجية بالانسجام مع قواعدهم الانتخابية المنتمية اصلا الى افكار الاباء المؤسسين رغم اختلافاتهم الجوهرية , ويمكن ان يكون هناك افتراض نسبي لدور الخبراء الاستراتجيين في صياغة افكارهم في مراكز التفكير الاستراتيجي ومؤسسات البحث العلمي بمختلف الولايات الامريكية وتقديمها للراي العام والنخبة, وهي من متطلبات العمل البيروقراطي الذي تحكمه المصالح العليا للدولة والمجتمع.

ومنذ عقد الستينات من القرن العشرين تبلور اجماع نسبي في الراي العام الامريكي في مناهضة الشيوعية وتاييد استراتيجية الاحتواء وكان امرا حيويا ومادة غنية في صياغات التفكير الاستراتيجي في الشؤون الخارجية, ربما يكون ذلك بسبب خيبة الامل الامريكية تجاه سياسات الاتحاد السوفياتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بفترة قليلة والتي دفعتها الى تغيير تحالفها معه اثناء فترة الحرب والشروع  باعادة تاهيل المانيا الغربية واليابان بغية التفكير الاستراتيجي بانهم حلفاء المستقبل, الا ان الالام التي خلفتها حرب فيتنام زعزت الراي العام المحلي وقللت من اهتمامته باستراتيجية الشؤون الخارجية كعامل مؤثر في حسم الانتخابات الامريكية حتى بات عرفا انتخابيا بان برامج السياسات الداخلية هي الفيصل في توجيه الراي العام وحصد النتائج.

وبعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي وما تلاه من انتصار لحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة وحسم الصراع بين الصرب والالبان في اقليم كوسوفو وهزيمة الزعيم الصربي سلوفدان ميلسوفتش انصب التفكير الاستراتيجي الاميركي بتوجيه الراي العام العالمي والمحلي نحو العراق وايران وكوريا الشمالية باعتبارها محور الشرالذي يهدد الامن والسلم الدوليين  حتى جائت احداث 11 سبتمبر وخطر تنظيم القاعدة الذي بات عدوانه امرا واقعا يضرب الولايات المتحدة في العمق فاعاد الحيوية الى دور الراي العام الامريكي في سياسة الشؤون الخارجية, وبعد الانتصار العسكري السريع للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في افغانستان والعراق وما تلاه من التعثر الامني هناك, تقدم الملف النووي الايراني على راس اولويات التفكير الاستراتيجي الامريكي في الشؤون الخارجية باعتباره تهديدا حقيقيا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الاوسط وبالخصوص امن اسرائيل , ولابد من مواجهته بجميع الخيرات الاستراتيجة على ان يحظى ذلك بحماس شعبي يدعم صناع القرار واصحابه.

اهمية البحث

تعود اهمية هذه الدراسة الى تفاعل ازمة الملف النووي الايراني  بين الولايات المتحدة وايران بما ينعكس على استقرار الاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية العالمية وخاصة في منطقة الشرق الاوسط والعراق.

اشكالية البحث

تتبلور اشكالية هذه الدراسة في الاجابة على السؤال التالي؟ ماهو دور الراي العام الامريكي في استراتيجية الشؤون الخارجية على ضوء التفكير الاستراتيجي المعاصر, وما هو تاثيره على صناع القرار في ادارة ازمة المللف النووي الايراني؟

اهم الدراسات السابقة في الموضوع

 

اطلع الباحث على عدد من الدراسات والدوريات التي تناولت الموضوع  وادرجت في فهرست المصادر, وكان من اهمها مولف دوغلاس ستيفنسون الحياة والمؤسسات الامريكية, ومولف تيري ديبل استراتيجية الشؤون الخارجية, ومولف محجوب الزويري مفاوضات الملف النووي من جنيف الى فينا , ومولف عطا محمد زهرة البرنامج النووي الايراني.

منهج البحث

اعتمد الباحث منهج تحليل النظم والمنهج المقارن بالاضافة الى المنهج التاريخي.

خطة البحث

قسمت الدراسة الى مبحثين كان الاول منها اطارا مفاهيميا عن اصول وتحولات وانقسامات الراي العام الامريكي في الشؤون الخارجية, اما المبحث الثاني فتناول تداعيات ازمة الملف النووي الايراني على الراي العام الامريكي في التفكير الاستراتيجي المعاصر,  واختتمت الدراسة بعدد من التوصياتl

المبحث الاول

ابعادالراي العام الامريكي طبقا للتفكير الاستراتيجي في الشؤون الخارجية

تحكم المجتمع الامريكي نسبيا مجموعة من المبادى التاسيسية في استراتيجية الشؤون الخارجية تنقسم بين الواقعية والمثالية منذ جدلات هاملتون وجيفرسون في تسعينيات القرن الثامن عشر الى الحملات الانتخابية المتناظرة بين الجمهوريين والديمقراطيين في وقتنا الحاضر, وللخوض في مضامينها ودراسة اليات توجيه واستثمار الراي العام الاميركي من اجل تحقيقها لابد من البحث في المطالب التالية.

 

المطلب الاول \ ماهية الراي العام

يمكن معرفة ماهية الراي العام من خلال دراسة مفهومهوخصائصه العامة,فضلا عن دراسة انواعه  والعوامل المؤثرة في تكوينه واساليب تغييره وطرق قياسه.

 

اولا \ مفهوم الراي العام وتاريخه واهم خصائصه

الراي العام اصطلاحا هو ميل الجماعة ونزوعها, اواعتقاد الجماعة باتجاه موقفها وهو من نتاجات العقل الانساني حسب ما اجمع عليه معظم المختصين والباحثين, وقد استخدم هذا المصطلح لاول مرةفي القرن الثامن عشرعلى هامش الثورة الفرنسية وبلسان جاك نيكر وهو وزير خارجية فرنسا في حكومة لويس السادس عشر, اما موضوعه فهو القضية الجدلية التي تحاكي مصلحة او مصير تلك الجماعة على اختلاف ابعادها سواء كانت جماعة محلية او اقليمية او دولية او انسانية,ويكتمل موضوع الراي العام بوجود عنصر الجماعة وعنصر القضية الجدلية بوجود الموقف الذي يمثل الاكثرية وتخضع له الاقلية , وموضوع الراي العام قديم قدم المجتمعات البشرية كظاهرة اجتماعية اطلقت عليها مسميات تاريخية متعددة مثل راي الرعية- راي العامة- راي السواد الاعظم  – الشان العام– راي الجمهور- صوت الشعب- راي الاغلبية- الاتفاق العام- الارادة الشعبية-  الخ, ومن الجدير بالذكر ان اول كتاب متخصص في مادة الراي العام صدر عام 1840 للكاتب جورج كورنويل لويس( الفياض, 2002 , 8-11 ).

وعليه يمكن ان نحصر اهم الخصائص الكلية لمصطلح وموضوع الراي العام قبل ان نحدد تعريفا عاما له, فبعد ان ذكرنا خصائص الجماعية والجدلية والتاريخية, هناك خاصية التنويعية المعيارية التي تشمل انواع متعددة للراي العام يمكن تصنيفها بمعايير معينة, والخاصية التغييرية التي لاتعرف الثبات بحكم ارتباطها بالجماعة الانسانية الخاضعة للتاثير بحسب الظروف المباشرة وغير المباشرة, كذلك الخاصية الاتصالية باعتبار موضوع الراي العام يرتبط وجودا ونوعا بالاتصال ووسائله المتنوعة, فضلا عن الخاصية القياسية عندما يدخل موضوع الراي العام ضمن دائرة الموضوعات الانسانية التي لايمكن التبؤ بها الا من خلال التجريد بالقياس وثبوت العوامل الاخرى.(  المحمود واخرون, 2007 ,5-7).

وهناك عديد من التعريفات المختلفة للراي العام حسب ماتضمنته من اهمية وترتيب جميع او بعض خصائصه, فقد عرفه كينج بحكم الجماعة بعد المداولة بقضية معتبرة, بينما عرفه دوب بانه ميول المجتمع ازاء قضية تهم جماعات متعددة, في حين عرفه ستيوارت ميل بانه جميع ما يريده المجتمع               اولايريده,وحصر كي تعريف الراي العام بحكمة الحكومة بالخضوع الى اراء تعتنقها جماعات مختلفة من المجتمع  (Egan, 2005 ,6 ) , بينما عرفه مختار التهامي بانه راي الاغلبية الواعية لقضية جدلية تمس الصالح العام بصورة مباشرة, في حين ذهب احمد بدر الى تعريف الراي العام بانه راي الاغلبية في المسائل المختلف عليها بما يؤثر على سياسة اصحاب القرار , وعرفه عامر حسن فياض بانه راي الجماعة حول قضية جدلية تخص مصالح المجتمع اومصيره ( الفياض, 2003 ,9-10 ) , ويمكن ان نعرف الراي العام بانه معيارميل الاغلبية الاجتماعية ازاء قضية جدلية محلية او دولية يحكمها  الاختلاف الثقافي والتاثير الاعلامي.

ثانيا \ انواع الراي العام والعوامل المؤثرة في تكوينه

يمكن ادراك الراي العام على اساس عدد من المعايير المختلفة, فمن خلال المعيار المكاني هناك راي عام مناطقي او محلي , وهناك راي عام اقليمي ودولي, بينما نجد من خلال المعيار الزمني ان هناك راي عام مؤقت مرتبط باحداث يومية او ازمات دولية محدودة, وراي عام مستمرمحكوم باصول عقائدية اوعرفية اوصراعات تاريخية,في حين ندرك من خلال المعيار السيكولوجي ان هناك راي عام متاثر بوسائل الاعلام وراي عام نابه يوثر على وسائل الاعلام ويقودها عندما يجمع بين العقل والعاطفة, اما من خلال المعيار السوسيولوجي نجد ان هناك راي عام مثقف او متعلم او واعي وهو الراي الذي نلتمس فيه اولوية عنصر العقل على عنصر الحماس او العاطفة, وراي عام تابعومنقاد الى العقل الجمعي متاثرا بشكل كبير بوسائل الاعلام والاتصال بحماس وعاطفة , ومن اهم العوامل المؤثرة في تشكيل الراي العام هي الثقافة المجتمعية وطبيعة الاحداث ووسائل الاتصال, فضلا عن الزعامات الديينية والاجتماعية وقادة الراي والقيادات السياسية( روجر, 1984 ,87 ).

ثالثا \ اساليب تغيير الراي العام وطرق قياسه

لما كانت التغييرية احد خصائص الراي العام فان هناك اساليب مختلفة لهذا التغيير لكنها مرتبطة بوسائل الاتصال ومن اهمها الملاحقة والتكرار في توجيه اسماع وابصار وعقول الناس نحو القضية ذات الصلة على قاعدة الوزير النازي غوبلز, وهناك اسلوب الاثارة العاطفية بمخاطبة عواطف الجمهور باثارة الغضب والحقد والود في احيان كثيرة, كذلك اسلوب تحويل انتباه الجمهور الى مواضيع ثانوية بعيدة عن القضية المعنية, وهناك اسلوب عرض الحقائق الدامغة لتغيير اتجاهات الراي العام المظلل حيث يقدم هذا الاسلوب احترام عقلية الانسان وحقوقه الاساسية, اما طرق قياس واستطلاع الراي العام باعتباره ظاهرة قياسية فيمكن تلخيصها اكاديميا من خلال خمسة مراحل هي : مرحلة فهم الاطر العامة مثل الاطار الاجتماعي او الاقتصادي او السياسي, ومرحلة اختيار العينة موضع الاستطلاع والقياس, ومرحلة المعالجة الاحصائية, ومرحلة تفسير نتائج الاستطلاع والقياس اعتمادا على اداة الاستبيان في الدراسة ( شومان, 2016, 2018).

المطلب الثاني \ الجدلية التاريخية وتشكيلالراي العام الامريكي في الشؤون الخارجية

يعتقد العديد من الباحثين والمختصين ان الجدل التاريخي بين الواقعية والمثالية في تفكير الاباء المؤسسين منذالمراحل الاولى لكتابة الدستور الامريكي عام 1787هي اصل تشكيل الراي العام الامريكي في الشؤون الخارجية حيث امتد انقسام الراي العام في المجتمع الامريكي بعد الاستقلال منذ الجدالات بين جيفرسون وهاملتون في نهاية القرن الثامن عشر الى المناضرات الانتخابية المعاصرة بين الديمقراطيين والجمهورين ( بول سيبري, 1978 , 856- 866), ويمكن ادراك هذا التاصيل من خلال المقاربات التالية:

اولا \ بوابة الحلم الامريكي المشرعة امام الجميع باعتبارها منارة الحرية ودنيا المال والاعمال في عالم يسوده الطغيان والجوع يعطيها فرصة جذب الموارد البشرية المتميزة بالعلم والطموج والفكر الخلاق الذي يعززقيم القومية الامريكية التي لاتخضع لعوامل الجغرفيا والتاريخ او العرق والدين وانما تحكما المبادئ اليبرالية والديمقراطية نحو عالم الفضيلة المثالي, وعليه فان الانفتاح على جميع الامم والشعوب والدول بغية الدفاع عن حقوق الانسان وقيم الحرية والعدالة والديقراطية هو روح الدستور الامريكي كما يعبر عن ذلك ثيودور وايت عندما يقول ان امريكا امة ولدت من فكرة وليس من الجغرافيا( ستيفنسون, 2001 , 45 ), بينما يعتقد الواقعيون ان الرعاع والبربر عند البوابة الامريكية يمثل خطرا محدقا بمستقبل الدولة والمجتمع, وان المبالغة في التساهل التشريعي والانفتاح على الاخرين واجتذابهم رايا ساذجا وسط هذه القوى من الشر, وانه يهدد القيم العليا للديقراطية الامريكية( رايش, 1987 , 8-13 ).

ثانيا \ تقدمية الطبيعة البشرية تكسبها قابلية السير نحو الكمال رغم اخطائها المتعددة  حسب مايعتقده المثاليون, فالفضيلة متجذرة فطريا في الانسان وامكانية رعايتها بالقوانين المفعمة بحقوق التعايش والتسامح يخلق مجتمعا مثاليا ضمن دولة فاضلة خارج عقد التاريخ وجبروت الاثنية والاعراق والاديان بروحية الفرد المنتصر بقيم الحرية والطموح والعدالة, وان اقناع الشعب بالتمسك بمبادئه الانسانية الهادئة  حسب راي فرانك تاننباوم يعطي تعريفا واضحا للديمقراطيين المثاليين( تنناوم, 1995 , 1-3), وبالعكس من ذلك يذهب الواقعيون الى وصف الطبيعة البشرية بانها ثابتة وعدوانية مانفكت في سعيها الى السلطة  والنفعية , وبغياب القوانين الصارمة التي يجب ان تحكمها بمزيج من الصراع والفوضى( جبلونسكي,1998 ,25).

ثالثا \ يعتقد المثاليون ان تطبيق القيم الامريكية في سياسة الشؤون الخارجية على اساس الوثوق بالراي العام في التعبير عن هذه القيم في الحرية والعدالة وحقوق الانسان والامن الجماعي المشترك الذي يعزز الاعتماد المتبادل بين الدول ويكرس الامن والسلم العالمي ,وهو السبيل لادارة الازمات الدولية حتى حين يتعلق الامر بالصراع الحاد من اجل تحقيق المصالح العليا . وان كبح شهوة العدوان وحب التسلط من قبل بعض الدول يجب ان يكون من خلال تعظيم المؤسسات الدولية التي تبيح سيادة القانون( والت, 1998 , 30-29 ) , بينما يميل الواقعيون الى الخشية من الشغف الشعبي في الدفاع عن المصالح العليا, وان السياسة الخارجية معرفة تخصيصية لدى النخبة حيث لايمتلك معظم المواطنون المعرفة والمرونة والتقدم في مجال سياسة الشؤون الخارجية الواسع والمتغير والمعقد بقضايا الامن القومي البعيدة عن تقدير الجمهور( جي لويس. 2002 , 10).

المطلب الثالث \ دينامية الراي العام الامريكي في التفكير الاستراتيجي المعاصر

تشكل الراي العام الامريكي في الشؤون الخارجية ولايزال بدينامية تشبه الى حد كبير حركة البندول في التنقل بين الواقعية والمثالية حتى يكاد ان يتصور المراقب انهما يعملان معا, وربما يكون تعميم والتر راسل ميد هو الانجع في تحديد هذه الدينامية من خلال المقاربات الدقيقة التي ربط من خلالها بين جدلية الواقعية والمثالية وبين الزعماء الذين جسدوها على ارض الواقع باعتبارهم الاباء المؤسسين كما اسلفنا وهم جيفرسون وويلسون وهاملتون وجاكسون, الا ان دينامية و طبيعة هذه الحركة وحيويتها في الادارات المتعاقبة رغم الصراعات والحروب الاهلية فضلا عن الحروب العالمية تؤشر الى هيكلية مستدامة في الراي العام رغم الاستقطاب الحزبي والتحولات والانقسامات, ويمكن ادراك هذه الدينامية من خلال التفصيل في ذلك.

اولا \ التحولات والانقسامات

تقوم مراكز التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة على افتراضات منهجية في تكييف الراي العام حسب المعتقدات السياسية لجماعات الراي , ومن ثم تعكف هذه المراكزفي تقييم ردود افعال اعضاء الكونكرس الامريكي ازاء قضايا الراي العام الاميركي في الشؤون الخارجية لادراك سلوك صناع القرار في الادارات الامريكية المعاصرة, فمنذ بداية الحرب الباردة في نهايات النصف الاول من القرن العشرين تكيف الراي العام الامريكي في مناهضة الشيوعية من خلال مدرستين, اطلق على المدرسة الاولى جماعة الامميين المحافظين او جماعة الحرب الباردة حيث تستند الى الفكر الواقعي وتنظر الى العلاقات الدولية بين المحور الشرقي والمحور الغربي بالمعادلة الصفرية المستندة الى القوة الغاشمة, وتعتبر الاتحاد السيوفياتي تهديد توسعي لايمكن مواجهته الا من خلال القوة العسكرية التي تتفوق عليه, بينما تعتقد المدرسة الثانية التي تكنى بجماعة الامميون الليبراليون او جماعة مابعد الحرب الباردة بان المكائد الدبلوماسية كفيلة باحتواء المارد السوفياتي من خلال تطويع المشاكل الاجتماعية في استراتيجية المواجهة لكبح التهديد السوفياتي فضلا عن عدم التفريط بالقوة العسكرية الرادعة,الا ان صدمة الهزيمة في فيتنام وخيبة الامل في اهتمام الراي العام في الشؤون الخارجيةوتعاظم وتيرة السجالات بين الجماعتين اظهر جماعة وسطية اطلق عليها جماعة انصاف الانعزاليين او اللااميين ,الا ان تفكك الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة حدث تحول ملحوظ في الراي العام بعد انقسام واضح وعودة الى الاستقطاب الجدلي بين الواقعية والمثالية وبانت الهوة الواسعة بين المحافظين والليبراليين وكان يحكمها الاستقطاب الحزبي بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي ( هولستا, 2004 , 153).

ثانيا \ الاستقطاب الحزبي

لم يكن الاستقطاب الحزبي اولوية في التفكير الاستراتيجي الامريكي في عقد الخمسينات وبداية الستينات من القرن العشرين حيث كانت الاحزاب الامريكية المهيمنة تمثل خيمة واسعة للتنوع الذي يرعى السياسات المحلية, الا ان حرب فيتنام شكلت وعلى نحو تدريجي تجانسا سياسيا, وتطرفا عقائديا متوزع جغرافيا كان له تداعيات عميقة في تاثر الراي العام من الخطاب والتوجيه الحزبي تجاه سياسة الشؤون الخارجية, وقد قيدت الدراسات الاسترتيجة الامريكية العلاقات التبادلية بين الهوية الحزبية والايديولوجية المحلية, فبينما كان الحزب الديمقراطي على مدى عقود طويلة مرتبط بالحركة العمالية الامريكية محتضننا للمحرومين ليبراليا في القضايا الاجتماعية والااقتصادية حتى صنف حزب اليسار العقائدي الذي تركزت قوته في الشمال والشمال الشرقي المتحضر والساحل الغربي , بينما كان الحزب الجمهوري دوما حزب رجال الاعمال والتجارة والتمويل ويصنف بانه الحزب اليميني في الغرب الاوسط والجنوب الريفي والسلاسل الغربية( ديبل, 2009 , 190-200).

ويعتقد كثير من الباحثين ان الاستقطاب بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي يضع صناع القرار الاستراتيجي في الشؤون الخارجية امام تحديات كبيرة حين يقسم الراي العام المستقطب الذي ينعكس بدوره الى الكونغرس حيث يواجه اي رئيس درجة من التوتر ازاء مقتضيات ادارة الحزب الذي ينتمي اليه ومقتضيات ادراة البلاد في الشؤون الخارجية التي تحتاج الى تاييد اكبر بعيدا عن سياسات الوسط التي لايمكن ان توفر الانسجام بين الغايات والوسائل الاستراتيجية وبالخصوص في مجال ادارة الازمات الدولية ذات الصلة بالمصالح العليا للبلاد, ولا تنتهي عملية الاستقطاب الحزبي عند هذا الحد فقدى فرضت المهام التي تتخذها الاحزاب كشعارات تركز على السياسات الداخلية اكثر من سياسة الشؤون الخارجية تكون قد دخلت في تصنيف جماعة اشباه الانعزاليين لتواجه تحدي الاستقطاب داخل الحزب الواحد الذي يكون في احيانا كثيرة حيويا عند مراكز التفكير الاستراتيجي لدينامية الراي العام في الشؤون الخارجية( كيلي, 2005 , 66-72).

ثالثا \ الهيكلية الديناميكية

رغم التحولات والانقسامات والاستقطابات في الراي العام الامريكي في الشؤون الخارجية يوكد العديد من الباحثين المعاصرين ان هناك دينامية تهيكل الراي العام من تحت السطح بعزوم متقاطعة تفرض توازن ديناميكي مستقر, فعلى سبيل المثال يقول البروفسور في جامعة يالنتهام بروس روسيت  ان تقلب وتغير امزجة الجمهور في الديمقراطيات الحديثة ازاء قضايا السياسات الخارجية هو تشويه لحقيقة استقراره في المسائل الاستراتيجية المتعلقة بمصالح الامن القومي سواء على مستوى الافراد او جماعات الراي ( روسيت, 1990 , 115 ), ويذكر محلل الراي العام في السياسة الخارجية يوجين ويتكوف في نفس المضوع من ان هناك تطور بنيوي وايديولوجي يصعب موازنته في مواقف الامريكيين ازاء استراتيجية الشؤون الخارجية في القضايا الرئيسية رغم عدم الاستقرار العام وعدم الاهتمام واسع الانتشار( ويكتوف, 1990 , 14 ).

ويمكن ادراك حقيقة هذا التوازن الديناميكي حسب راي ويتكوف اذا حددنا اربع فئات من العزوم البنيوية القائمة على اساس اعتقادي او عرفي , اولا فئة الامميون الذين يحبذون تدخل الولايات المتحدة المصحوب بالاستراتيجية القسرية بوسائل تصالحية تدمج بين الامن والعدالة وهو اجماع ما قبل مرحلة حرب فيتنام, و الثانية هي فئة الانعزاليين الذين يعارضون اي دور امريكي على الساحة الدولية, اما الثالثة فهي فئة المتكيفين الذين يويدون التدخل التعاوني بوسائل اقتصادية او سوسيولوجية, والرابعة فئة المتشددين الذين يحبذون التدخل بالقوة العسكرية الحاسمة, وحسب البيانات التي افرزتها دراسة ويتكوف خلال اربع سنوات من مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجة فان ثلاثة ارباع العامة من الجمهور تذهب الى فئة الامميين وهو مايعطي تفسير علمي لمحور هذه الدينامية الذي يفرض تعجيل عالي للاستقرار المتوازن لهيكلية الراي العام الاميركي في الشؤون الخارجية رغم وجود واهمية وحيوية الفئات الاخرى ومحاولاتها ونشاطها في عرقلة استراتيجيات الشؤون الخارجية وبالخصوص  عند اصطفافاتهم المعقدة  (  ويتكوف, 1990 , 27 ).

ومما يوكد هذه الافتراضات هو تكوين الراي العام الامريكي بعد احداث 11 سبتمبر حيث حفزت هذه الاحداث الجمهور كما لم تحفزه اي احداث من قبل بهذا المستوى عندما تحالف الانعزاليون والامميون والمتكيفون والمتشددون دعما للحرب في افغانستان والعراق, وهو مايعبر بشكل واضح بان طبيعة الاحداث هي التي تحكم هذه الفئات المختلفة ثقافيا وبنيويا وايديولوجيا  بحيث ترى بعينين احدهما فوق السطح والاخرى من تحته عندما تطغى احداهما على الاخرى بحيث يتلاشى التباين الايديولوجي والعرفي ازاء القضايا الرئيسية التي تهدد المصالح العليا للدولة والمجتمع  ,وممكن ان يعطينا ذلك افضل تعريف لدينامية الراي العام الامريكي في الشؤون الخارجية.

المبحث الثاني

تداعيات الملف النووي الايراني على الراي العام الامريكي في التفكير الاستراتيجي المعاصر

يضع معظم الباحثين والمختصينخلو منطقة الشرق الاوسط من اسلحلة الدمار الشامل على راس اولويات الاستراتيجية الامريكية المعاصرة باعتبارها من اهم الدعامات في النظام الدولي احادي القطبية بعد الحرب الباردة لضمان امن حلفائها وبالخصوص امن اسرائيل رغم امتلاكها غير المعلن لهذه الاسلحة , فضلا عن الحفاظ على التوازن النووي بين الهند وباكستان وعدم السماح بازدياد الدول التي تمتلك برامج نووية وان كانت برامج سلمية, وبعد الاطاحة بنظام صدام حسين على اساس هذه الذريعة وشروع ايران بتطوير برنامجها النووي باتت تداعيات ذلك الملف مهيمنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي باعتبارها ازمة دولية لها انعكاساتها على الادارات الامريكية المتعاقبة من جهة وعلى الراي العام الامريكي من جهة اخرى, وللبحث في هذه التداعيات لابد من دراسة ماياتي :

المطلب الاول \ الجذور التاريخية للبرنامج النووي الايرانيوتحوله الى ازمة دولية

رغم ان الجهود الايرانية في امتلاك الطاقة النووية تعود الى العام  1957 حين وقع الشاه الايراني محمد رضا بهلوي مع الادارة الامريكية انذك اتفاقا بهذا الشان الا ان دخول اول مفاعل للابحاث النووية حيز الخدمة كان في العام 1968 وهو نفس العام الذي انظمت فيه ايران الى معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية,  وفي العام 1973 وقعت ايران اتفاقية نووية مع الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا الغربية فضلا عن جنوب افريقيا وناميبيا لتباشر شركة المانية في انشاء اول محطة نووية في العام 1974 ( رسل, 2008 , 4-9 ).

وبعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران بقيادة رجل الدين الشيعي روح الله الخميني عام 1979 الغى النظام الايراني الجديد صفقة بناء المحطة النووية بعد ان علقت الولايات المتحدة جميع الاتفاقيات المبرمة مع ايران وايقاف جميع اشكال التعاون معها عقب ازمة الرهائن الامريكين, فضلا عن الفتوى التي اصدرها اية الله الخميني بتحرم انتاج واستخدام اسلحة الدمار الشامل , واستمر تعطيل البرنامج النووي طيلة اربع سنوات حتى مارس عام 1984 عندما هاجم النطام العراقي السابق مفاعل بوشهر ابان الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن العشرين الذي برر استئناف البرنامج النووي بشعور تعاظم التهديد العراقي واهمية تعزيز القوة الايرانية الرادعة , وتولى البحث عن سبل احياء الاتفاق مع الالمان لاعادة تاهيل منشاة بوشهر النووية( الزهرة, 2015, 17 -23 ). وتعزز هذا السعي بعد تسلم علي خامنئي منصب الولي الفقيه بعد وفاة الخميني في الرابع من يونيو عام 1989 ( العكلة, 20011 , 411 -413 ), وبات في الافق بوادر ازمة دولية حول هذا البرنامج بين الولايات المتحدة وحافائها الغربيون من جهة وايران من جهة اخرى , ويمكن دراسة تداعيات هذه الازمة من خلال مايلي:

اولا \ نشوء الازمة

بدات المخاوف الغربية والامريكية من التسارع في وتيرة تطوير البرنامج النووي الايرني منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين فحرصت الولايات المتحدة وبريطانيا بالخصوص الى عرقلة حصول ايران على تكنولوجيا متقدمة تمكنها من ذلك, فعلى سبيل المثال صادق الرئيس الامريكي بيل كلنتون على قانون من الكونكرس يفرض حظرا جديدا على ايران لطموحاتها في تطوير برنامجها النووي وفي نفس التاريخ ضغطت الولايات المتحدة في العام 1996على الصين واوكرانيا ودول اخرى لايقاف بيعها  ايران وسائل تكنولوجية ذات استعمال مزدوج بين الاغراض العسكرية والمدنية, وفي نفس العام استولى مفتشو الجمارك البريطانية على شحنة توريد الفولاذ المستعمل في صناعة اجهزة الطرد المركزي التي كانت متجهة الى جامعة الشريف التكنولوجية في ايران ( الاناضول, PAF, 2015 ).

ودخل البرنامج النووي الايراني مرحلة دقيقة في العام 2002 بعد حصول الولايات المتحدة على معلومات تؤكد تخصيب اليورانيوم في مفاعل نتانز فضلا عن تصنيع الماء الثقيل في مجمع اراك, واكد تلك المعلومات اعلان ايران بشكل رسمي بعد عدة اشهر عن اجرائها 113 تجربة لتحويل اليورانيوم الخام تظمنت انتاج اليورانيوم المشع وسعيها السير في تطوير دورة وقود نووية محلية ضمن حقها في امتلاك الطاقة النووية للاغراض السلمية( الشمري, 2001 , 37),  وعلى اثر ذلك طالب رئيس الوكالة الدولية   للطاقة الذرية الحكومة الايرانية عن كشف كافة انشطتها النووية وايقاف تخصيب اليورانيوم والتوقيع على بروتوكول اضافي يسمح بموجبه لمفتشي الوكالة بالتفتيش الاستثنائي على المنشات النووية الايرانية بعد تقارير للوكالة عن اكتشاف اثار مشعة بدرجة عالية ماخوذة من مفاعلات ايرانية مما يعني اخلال ايران بالتزاماتها في معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية, وقدد حدد ريئس الحكومة الايرانية وقتها هاشمي رفسنجاني شروط للتوقيع على هذا البروتوكول من اهمها احتترام السييادة الوطنية والقيم الاسلامية ( عبد الهادي, 2011 , 34 ).

ثانيا \ تصاعد الازمة

استمرت ايران بتشغيل برنامجها النووي بسرعة فائقة قبل دخولها في مفاوضات عام 2004  مع الترويكا الاوربية وهي كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا وتعهداتها بوقف كافة انشطتها النووية طيلة فترة المفاوضات كبادرة حسن نية تقدمها حكومة الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي الذي استهل فترته الرئاسية بزيارة العربية السعودية وصرح هناك في بيان مشترك مع الملك فهد عن خلو البرنامج النووي الايراني عن اي طموحات عسكرية ( المطيري, 2011 , 38 ), وبعد وصول الرئيس المحافظ المتشدد محمود احمدي نجاد الى رئاسة الحكومة الايرانية بعد فوزه بانتخابات عام 2005 اعلن ان بلاده سوف تستانف تخصيب اليورانيوم غير مهتم للتهديدات الغربية بفرض عقوبات قاسية على ايران, وقام بوضع حجر الاساس لمفاعل اراك للماء الثقيل وطلبت حكومته من الوكالة الدولية للطاقة الذرية برفع الاختام عن ثلاثة مواقع نووية من ضمنها موقع ناتانز, كما رفض نجاد الاقتراح الروسي بتخصيب اليورانيوم في روسيا واعلن في ابريل من العام 2006 عن امتالاك بلاده للتقنية النووية التي تمكنها من السير قدما في برنامجا السلمي للدخول الى النادي النووي, وحينها دخلت المفاوضات مع الترويكا الاوربية نفقا مسدودا( العكلة, 2012 , 266 ), وتصاعدت الازمة بشكل ملحوظ عندما اصدر مجلس الامن ثلاث حزم من العقوبات يمنع بموجبها تزويد ايران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وانتاج الصواريخ الباليستية , وتضمنت هذه الحزم في قرارات مجلس الامن التي تحمل الارقام ( 1737 , 1741 , 1835 ).

وفي عام 2007  كشف رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية عن التخطيط لانتاج 50 الف من اجهزة الطرد المركزي من طرازبي 1 و بي 2  , وفي عام 2009 اعلنت ايران عن تركيب 8308 جاز طرد مركزي من الجيل الجديد كما اعلنت عن دخول مفاعل بوشهر مراحل التشغيل التجربي بستة الاف جهاز طرد مركزي ( الشرق الاوسط, 2010), وبعد شهر ابريل من العام نفسه انضمت روسيا والصين واعقبتهما الولايات المتحدة الى الترويكا الاوربية في جولة ثانية من المفاوضات, وفي سبتمبر من نفس العام تعثرت المفاوضات عندما اعلن مسؤولون امريكيون وبريطانيون وفرنسينيون عبر وسائل الاعلام عن قيام ايران ببناء مفاعل نووي تحت الارض دون علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( الشرق الاوسظ, 2009 ).

واستمر تصاعد الازمة ففي فبراير عام 2010  كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن توصلها لدلائل شاملة حول سعي ايران لامتلاك رؤوس نووية, فرضت على اثرها الاممالمتحدة على ايران حزم من العقوبات العسكرية والتجارية والمالية ( AEA, 2010), ورفض الرئيس الامريكي حينها التهديدات الاسرائيلية بقصف المنشات الايرانية النووية بصواريخ عالية الدقة ومخترقة للتحصينات رغم تداول وسائل اعلام دولية عن قيام اسرائيل بدعم امريكي بهجمات سيبرانية على مفاعل ناتانز واعطاب عديد من اجهزة الطرد المركزي فيه ( الاناضول, 2010 ), وفي نوفمبر من نفس العام تعرض عالمان نوويان ايرانيان لهجومين منفصلين بدراجات نارية قتل احدهما واصيب الثاني, واتهمت ايران الولايات المتحدة واسرائيل في ذلك ( الشرق الوسط, 2011),

استمر التصعيد الدراماتيكي في الازمة خلال الاعوام 2010 -2011- 2012  حتى شهر سبتمبرمن عام 2013  رغم بعض المحولات للوساطة مثل جهود الحكومة العراقية , والوساطة التركية البرازيلية في مايو عام 2010 والمحادثات التي جرت في اسطنبول في يونيو عام 2011 , فقد اعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقارير متلاحقة عن ازدياد في اجهزة الطرد المركزي وانشطة تخصيب اليورانيوم ( الاناضول, 2011), وبعد اعلان ايران في مارس 2012 عن انتاج ثلاثة اللاف جهاز طرد مركزي في منشاة ناتانز بدات في ايار من العام نفسه جولة جديدة من المحادثات مع مجموعة دول 5+1 في بغداد والتي لم تسفر عن اي نتائج تذكر( بي. بي.سي, 2012 , 5), وبحلول شهر مايو من نفس العام اعلنت ايران عن تمكنها من انتاج مايزيد عن ستة اطنان من غاز فلوريد اليورانيوم المخصب بدرجة ثلاث ونصف بالمئة ( اميلي , 2013 , 15 ), وعلى اثر ذلك باشر الاتحاد الاوربي بتنفيذ حضر على ىشراء  النفط الايراني ( بي.بي.سي, 2012 , 1 ), فيما اعلنت ايران عن تجارب صاروخية في مضيق هرمز في سعي لاعاقة حركة ناقلات النفط هناك ( الجزيرة, 2015, 4) , ورد الاتحاد الاوربي عى ذلك بتوسيع قائمة العقوبات لتشمل قطاعات مصرفية ومالية فضلا عن قطاع المعادن والغاز الطبيعي ( بي.بي.سي, 2012 , 7).

ونشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرا في 30 اغسطس عام 2012 تضمن قيام ايران بتجارب على اسلحة نووية فضلا عن تثبيت اجزاء كبيرة من اجهزة الطرد المركزي في منشاة فورد المبنية تحت الارض ( الامم المتحدة, 2013 , 8), ومع بداية العام 2013 اعلنت وكالة الطاقة الذرية الايرانية عن تحديدها 16 موقعا لبناء محطات نووية بعد اكتشافها عن موقع جديد يحتوي على فلزات اليورانيوم , وكان ذلك بالتزامن مع عدم حدوث اية تقدم في جولة من المفاوضات مع مجموعة 5+1 في كازاخستان( الخريشي, 2014 , 36-37 ), وفي 14 مارس من العام 2014 صرح الرئيس الامريكي حينها باراك اوباما لقناة اسرائيلية عن استحالة امتلاك ايران لاسلحة نووية قبل عام من هذا التاريخ ( الاناضول, 2015 , 6 ),في حين قال نتنياهو في 12 ابريل من نفس العام من انه عازم على الدفاع عن بلاده وفق حساباته الخاصة وبما يمتلكه من معلومات خطيرة وقدرات كافية وحساسية عالية غير التي تملكها واشنطن بما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني ( الجزيرة, 2015 , 9 ).

المطلب الثاني \ الاستقطاب الحزبي والراي العام بين تسوية الازمة واستيطانها في التفكير الاستراتيجي

رغم المنحى التصعيدي  للازمة الا ان هناك معطيات استراتيجية باعثة للوصول الى تسوية سياسية في نهاية المطاف بين اطراف الازمة عن طريق المفاوضات كبديل واقعي عن الحل العسكري ( المنيسي, 2005 , 64 ), وبعيدا عن هذه المعطيات بما يخص الجانب الايراني ,او الترويكا الاوربية ,او روسيا والصين لانها خارج موضوع البحث , اما في الجانب الامريكي من الازمة  فيمكن ان ندرس احد هذه المعطيات الجدلية موضوع البحث وهو دور الاستقطاب الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين على الراي العام في التفكير الاستراتيجي للتاثير على صناع القرار في تسوية الازمة او استيطانها وفق المصلح العليا للدولة والمجتمع.

اولا \ تسوية الازمة

يعتبر التاسع عشر من سبتمبر من العام 2014 تاريخ مميز في العلاقات الدبلوماية بين الولايات المتحدة وجمهورية ايران الاسلامية عندما اعرب الرئيس الامريكي حينها باراك اوباما في رسالة وجهها الى الرئيس الايراني الاصلاحي حسن روحاني بعد انتخابه قبل حوالي الثلاثة اشهر عن استعداد بلاده لتقديم مرونة فيما يخص العقوبات الاقتصادية المفروضة على الاقتصاد الايراني مقابل كشف ايران عن برنامجها النووي وتعاونها مع المجتمع الدولي في هذا الملف ( الجزيرة, 2014 , 9 ), وبعد رد معتدل من قبل الرئيس روحاني في كلمة القاها بتاريخ 25 \9\2014 من على منبر الامم المتحدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم  المتحدة ( الامم المتحدة, 2014 ,9 ) , حدث بعد هذا التاريخ بثلاثة ايام اول اتصال مباشر بين الولايات المتحدة وايران منذ العام 1979 عندما اعلن اوباما عن تبادله وجهات النظر مع روحاني في اتصال هاتفي ( الجزيرة , 2014 , 9 ).

وعلى اثر ذلك استانفت مجددا في جنيف المفاوضات بين ايران ومجموعة دول 5+1 بتاريخ 14 اكتوبر من العام نفسه ( فرانس بريس, 2014 , 10 ) , واعلنت اطراف الازمة نيتها عن عقد جولة جديدة من المفاوضات في نوفمبر من نفس العام ( بي.بي.سي, 2014 ,10 ), كما اعلنت ايران في 11اكتوبرعن سماحها لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من زيارة مفاعل اراك لانتاج الماء الثقيل ( الشرق الاوسط, 2014 , 11 ), وبعد اعلان ايران هذا بثلاثة ايام طلب الرئيس اوباما من الكونكرس دعم الجهود الرامية للتوصل الى اتفاق مع ايران حول برنامجها النووي ( فرانس بريس, 2014 , 11),  وفي الخامس والعشرين من نوفمبر وقعت ايران مع مجموعة دول العمل 5+1 اتفاق يقضي بموجبه تجميد مؤقت لانشطة ايران النووية ومتدته ستة اشهر للتوصل الى اتفاق نهائي, ويتضمن هذا الاتفاق المؤقت افراج الدول الغربية عن جزء حسابات ايران المجمدة واعادة تحويلها( رويتر, 2014 , 11), ودخل هذا الاتفاق في العشرين من ديسمبر من نفس العام حيز التنفيذ ( الاناضول, 2015 , 7 ).

وفي منتصف يناير من العام 2015 انطلقت جولة جديدة من المفاوضات في جنيف بين اطراف الازمة( الجزيرة, 2015 , 1 ) , اعقبتها جولة جديدة من المفاوضات في العاصمة النمساوية فينا بعد ثلاثة ايام ( رويتر, 1015 ,1), وفي السابع عشر من مارس من نفس العام بدات جولة جديدة من المفاوضات في مدينة لوزان الفرنسية( فرانس بريس, 2015 , 3 ), وشهدت هذه المفاوضات تعليقا موقتا لمدة ثلاثة ايام حيث استانفت يوم الخامس والعشرون من مارس ( رويتر, 2015 , 3) , وفي الثاني من ابريل من نفس العام اعلن طرفا الازمة عن التوصل لاتفاق حول الخطوط الرئيسية لصياغة مسودة الاتفاق المزمع توقيعه في الثلاثين من يونيو من العام نفسه( الجزيرة , 2015 ,4), وفعلا توجت هذه الجولات من المفاوضات التي وصفت في مراحلها الاخيرة بالماراثونية بتوقيع الاتفاق النهائي بين ايران ومجموعة دول 5+1 يوم الرابع عشر من يوليو عام 2015 حول البرنامج النووي الايراني بتعهدات متبادلة وباشراف المنظمة الدولية لتدخل فيها الازمة مرحلة التسوية( وكالة الاناضول, 2015 ,7), ويمكن تحليل دور الاستقطاب الحزبي والراي العام الامريكي في هذه المرحلة المفصلية من ازمة الملف النووي  الايراني من خلال ثلاث مستويات من التحليل.

1 – التفكير الاستراتيجي والراي العام على مستوى الدولة

من خلال تتبع مسار البحث يمكن ادراك ان مرحلة تسوية ازمة البرنامج النووي الايراني تبلورت اثناء ادارة الرئيس الديمقراطي باراك اوباما للبيت الابيض على اساس المتبنيات الفكرية الليبرالية والنظرية البيروقراطية للحزب الديقراطي في ادارة الازمات الدولية فضلا عن الوعود الانتخابية التي روجت لها حملة الرئيس اوباما في تصفير الازمات الدولية وتغيير جذري في سياسة الشؤون الخارجية كبديل استراتيجي للتخبط والفشل في ادارة الحزب الجمهوري للازمات الدولية متمثلة بادارة الرئيس جورج بوش الابن لازمة محاربة الارهاب وبالخصوص استراتيجية القوة الغاشمة في احتلال الفغانستان والعراق بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر, فهل كان فوز الديمقراطيين في انتخابات 2008 هو استقطاب حزبي معتاد؟ ام هو استمالة للراي العام بهذا الموضوع بثبوت العوامل الاخرى !, وماهو دور مراكز التفكير الاستراتيجي في ذلك؟

وللاجابة عن هذه الاسئلة يجب ملاحظة مايلي : اولا \ ان تغير الموقف الامريكي الحاسم تجاه تسوية الازمة جاء في فترة الولاية الثانية للرئيس اوباما وبعد تغيير الحكومة الايرانية المحافظة بقيادة احمدي نجاد ووصول الرئيس الاصلاحي حسن روحاني , وهذا يفسر لنا بشكل واضح ان فوز اوباما لولايتين كان استقطابا حزبيا معتادا في الثنائية الحزبية الامريكية ولم يكن استمالة للراي العام, ثانيا \ انصب دورمراكز البحوث والتفكير الاسترتيجي في الولايات المتحدة الامريكية بعد ترنح القوات الامريكية في المستنقع العراقي بعد فترة وجيزة من احتلاله ودور ايران وسوريا في دعم وتوجيه المقاومة العراقية والجماعات الارهابية في استهداف الجيش الامريكي وتكبيده خسائر فادحة في الارواح والمعدات, انصب دور هذه المراكز باعتبارها مؤسسات وطنية الى ترجيح النظرية البنائية في استراتيجية الشؤون الخارجية على النظرية الواقعية, وكون النطرية البنائية لها اصول ليبرالية في عقيدة الاباء الموسسين الداحضين لنظرية القوة ( منغنست, 2013, 208-217 )جاءت متبنيات هذه المركز لتعزيز الاستقطاب الحزبي لصالح الديمقراطيين وترجيح النخب واللوبيات في استمالة الراي العام وحسم تغيير استراتيجية القوة واستبدالها باستراتيجية تعزز الوسائل الدبلوماسية والفعل الاجتماعي في التاثير على الخصوم في ادراة الازمات الدولية.

وانتج هذا المستوى من التفكير الاستراتيجي تحييد الاستقطاب الحزبي بصورة نسبية واستمالة الراي العام الاميركي لصالح متبنيات الحزب الديمقراطي في استراتيجية الشؤون الخارجية في الشرق الاوسط وانتفاضات (الربيع العربي) وبالخصوص في ادارة ازمة الملف النووي الايراني , وبان ذلك واضحا منذ الانتخابات النصفية في ادارة اوباما الاولى, ودعم الكونكرس الامريكي لاستراتيجية اوباما بهذا الخوصوص والتي عمدت الى وسائل مختلفة في ادارة ازمة المللف النووي الايراني وكان ابرزها القوة الناعمة التي تضمنتها الاستراتيجيات الامريكية في الادارات الديمقراطية المتعاقبة في التعامل مع الاتحاد السوفياتي ابان الحرب الباردة ( الحسين, 2016 , 7).

2 – التفكير الاستراتيجي والراي العام على مستوى الفرد

من الملاحظ ان مسار ازمة الملف النووي الايراني تغير بصورة عامة في عهد اوباما بغض النظر عن التوقيتات الزمنية الحاكمة, حيث انهى عهده الجدل الاستراتيجي في مراكز التفكير بخصوص سياسة الشؤزن الخارجية حيث كان هذا الجدل مستمرا حول مسارات العمل في توجيه الراي العام ازاء استراتيجية الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن وفريقه من المحافظين الجدد المعروفة بمكافحة الارهاب التي جمعت من فكر الاباء المؤسسين الواقعية والمثالية في بودقة واحدة مع التحديث في الوسائل لتشمل التعددية ودور اكبر للمؤسسات على حساب الايديلوجية الفردية , الا انها ظللت محتفظة بتلك الاحادية المصرة على اقناع الراي العام بنواياها واهدافها على المستوى البعيد, فهي جمعت بين مبدا ويلسون المثالي في نشر الديمقراطية وميول جاكسون في استخدام القوة العسكرية والهجوم بها لقمع التهديد من مصدره ( فيلاوس, 2004 , 72 ).

وقد حسمت شخصية باراك اوباما الليبرالية المعتدلة الاكاديمية الجدل في مركز التفكير الاستراتيجي نحو عقيدة ويلسون باعتبار القانون الدولي والمؤسسات الدولية هي محور النظام الدولي لتوجيه الراي العام المحلي والعالمي ذات الصلة بمناطق الصراع والازمات الدولية , وتشترط هذه الاسترتيجية  دعم الراي العام الامريكي لها بشيء من المجازفة في مستويات النجاح حين تفترض وتراهن بمستوى عال رغبة الشعوب في الشرق الاوسط ومنها الشعوب الايرانية في الحرية والرفاه الاجتماعي .ولابد من انتفاضها لتقوض الحكومات الرايديكالية الداعمة للارهاب نحو حكومات اكثر اعتدالا وواقعية بالانسجام مع مصالحم الخاصة, وهي محاكاة للداخل الايراني في الفعل الجتماعي للتغير الذي ينعكس بدوره على مسار المفاوضات بين اطراف ازمة الملف النووي ( الياسين, 2016 ,3 ),والتي تعود على الشعب الامريكي بالمصلحة عندما تتمكن الدولة من اعادة تخصيص الموارد بطريقة اكثر فاعلية,وكان خطابا ناجعا رجح استمالة الراي العام الاميركي لشخص اوباما ومن ورائه للحزب الديمقراطي  في التوصل الى اتفاق مقنع بين ايران ومجموعة العمل المشترك وتسوية ازمة الملف النووي الايراني .

3 – التفكيرالاستراتيجي والراي العام على مستوى النظام الدولي

اختلفت الظروف الدولية ذات الصلة بازمة الملف النووي الايراني بعد تسلم ادارة اوباما لملف الازمة حين تجاوز مسار التفاوض دول الترويكا الاوربية ليشمل روسيا والصين والولايات المتحدة , حيث اخذت المفاوضات مرحلة جديدة تقوم على قاعدة تجزئة موضوعات التفاوض بعد فشل مفاوضات السلة الواحدة , وجاء هذا التحول بناء على رغبة ايرانية وموافقة امريكية, وكانت هذه الموافقة الامريكية احد المصابيح في مسار الازمة المظلم ( كلارسون, 2013 , a ), فضلا عن ادراك الولايات المتحدة عن خطورة تحالف روسيا والصين مع ايران , كذلك صعوبة استهداف المنشات النووية الايرانية في هذه المرحلة الاستثنائية التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط بسيطرة الجماعات الارهابية على مساحات شاسعة من سوريا والعراق وانسجام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بقتال هذه الجماعات مع مجاميع قتالية مدعومة من الحرس الثوري الايراني, مما فرض اولويات مختلفة في مركز التفكير الاستراتيجي حول ترجيح التوصل الى تسوية مع ايران بخصوص برنامجها النووي كخيار يساعد على درء الاخطار المحتملة للتهديد الذي يمثله تنظيم داعش الارهابي على مصالح الولايات المتحدة في الخارج فضلا عن الداخل الامريكي , وبما يشجع الراي العام الامريكي على قبول فكرة توقيع اتفاق تسوية ازمة الملف النووي الايراني , رغم مايمنح الحزب الجمهوري فرصة العودة للاستقطاب الحزبي والتاثير على الراي العام بمساعدة اللوبيات الاسرائيلة في خطورة هذا الاتفاق الذي يعطي ايران فرصة لتكريس سياساتها الرايديكالية والعدائية لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها ( الفريضي, 2013 , 11).

ثانيا \ استيطان الازمة

انسحب الرئيس الامريكي الاسبق دولاند ترامب من الاتفاق النووي في مايو عام 2018 بعد وعود انتخابية في حملته الانتخابية بخطاب شعبوي  استطاع من خلاله باستمالة الراي العام بشكل ملحوظ رغم الاستقطاب الحزبي الديمقراطي ورغم النقد الاوربي والاممي الذي انعكس على التفكير الاسترايجي الامريكي بمعظم مراكزه المستقلة , واستبدل ذلك بعقوبات اقتصادية وضغوظ دبلوماسية وعسكرية على ايران عرفت بالضغوط القصوى لتعود ازمة الملف النووي الايراني الى الظهور على واقع الاحداث الدولية, وافضت استرتيجية ترامب الى نقيض اهدافها فدفعت ايران الى احياء برنامجها النووي منذ عام 2019  حتى باتت قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل الى 60 بالمئة( ابو هنية, 2022 ,1).

وباتت ازمة البرنامج النووي الايراني ازمة مستوطنة في العلاقات الدولية رغم عودة الديمقراطيين الى البيت الابيض بفوز الرئيس الحالي للولايات المتحدة جو بايدن الذي كان نائبا لاوباماعند توقيع الاتفاق في عام 2015 ووعوده اثناء حملته الانتخابية بالرجوع الى الاتفاق ونقده خروج ترامب من الاتفاق , وحال فوزه في الانتخابات دخلت ادارته في جولات من المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الايراني عن طريق دول الترويكا الاوربية وبعض دول الخليج  وهي دولة عمان ودولة قطر ,وبثبات الموقف الاسرائيلي بمعارضته للاتفاق الذي يعتبره تهديدا وجوديا يمكن ان نحصر اسباب استيطان الازمة  من خلال تتبع مسار المفاوضات الجديدة غيرالمباشرة بين الولايات المتحدة وايرن على احياء الاتفاقوالتي سرعان ما تم تعليقها عندما اقتربت الانتخابات النصفية للكونكرس والذى يمثل الديمقراطيون فيه اغلبية بسيطة يسعون على الاقل في المحافظة عليها, وهو مايبرهن ارتباط صانع القرار الامريكي بالراي العام المحلي الموجه بمراكز التفكير الاسترتيجي التي توثر بشكل كبير على نسبة الاستقطاب الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين, ويوكد بشكل لايقبل الشك بان الراي العام الامريكي في الشؤون الخارجية هو احد اهم العوامل الحاكمة في حسم نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية.

الخاتمة

انتهت هذه الدراسة بنتيجة تؤكد وجود مجموعة من المبادىء التاسيسية تحكم الراي العام الامريكي في الشؤون الخارجية تصوغها مراكز التفكير الاستراتيجي لمحاكاة واقع الاحداث للتاثير على صناع القرار رغم ان استراتيجية الشؤزن الخارجية توضع للتاثير في البيئة الدولية الا ان طبيعة النظام السياسي والافكار الاجتماعية والجماعات المحلية تجعلها متجذرة في بيئتها الداخلية تحاكي الراي العام للتفاعل مع الاحداث والازمات الدولية بخصائص معينة تفرض عليه صيغة سياسية يمكن ان توحد ارائهم او تفرقها لكنها تمنح تلك القرارارت طابع مؤسساتي يمنعهم من المغالاة في التدخل الخارجي او الانعزالية.

التوصيات

1 – التاكيد على دور مراكز التفكير الاستراتيجي في توجيه الراي العام لدعم صناعة القرار في سياسة الشؤون الخارجية.

2 – عودة الولايات المتحدة الامريكية الى الاتفاق النووي بين جمهورية ايران الاسلامية ومجموعة دول 5+1 لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة يساهم في تعزيز الامن والسلم الدوليين.

3 – الاشارة الى دور النظريات الاجتماعية في حقل العلاقات الدولية.

قائمة المصادر

1 –المصادر باللغة العربية

  • عامر حسن الفياض ، مقدمة منهجية في الرأي العام وحقوق الإنسان ،عمان ،دار زهروان 2002
  • سليم كاطع علي ، دور الرأي العام في سياسية الخارجية الأمريكية ،مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ،جامعة بغداد ،المركز الديمقراطي ،26 يونيو 2017
  • محمد بسيوني ،لماد يفضل الرأي العام الأمريكي سياسة خارجية متحفظة ، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، الاثنين 11 مارس 2019
  • مروة محمد عبد الوهاب المعتصم بكر ،دور الرأي العام في صنع السياسة العامة بالولايات المتحدة: مراجعة إدارة ترامب بجائحة كورونا ، مصر ،جامعة اسيوط
  • فاطمة الزهراء عبد الفتاح ، اثر الاخبار الزائفة على إبعاد الثقة المجتمعية ، السياسية مجلة الديمقراطية ، العدد ١١
  • دوغلاس ك ، سائقون ، الحياة والمؤسسات الأمريكية ، ترجمة امل سعيد ، عمان الدار الاهلية للنشر والتوزيع ، ٢٠٠٩
  •  تيري ل . ديبل، استراتيجية الشؤون الخارجية ، ترجمة وليد شحادة ، بيروت ،لبنان ، دار الكتاب العربي ، ٢٠٠٩
  •  ريتشاد ، رسل ، البرنامج النووي الإيراني والانعكاسات الأمنية على الدولة الامارات العربيه المتحده ومنطقة الخليج العربي ، ترجمة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ابو ظبي ٢٠٠٨
  • عطا محمد عبد الزهرة ، البرنامج النووي الإيراني ، بيروت ، مركز الزيتون للدراسات والاستشارات ، ٢٠١٥
  • وسام الدين العلكة ، دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الرقابة على استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ، أطروحة دكتوراه ، جامعة دمشق ، كليه الحقوق، قسم العلوم السياسية ، ٢٠١١
  •  وكالة الأناضول ، AFP ، الملف النووي الايراني من عام ١٩٥٧ وحتى عام ٢٠١٥ ، رابط .www.tarkress.com
  •  حمدان مجزع الشمري ، الملف النووي الايراني الى اين ، موقع مجلس الامة ، الكويت ، تشرين الثاني ، ٢٠٠١
  •  رائد حسين عبد الهادي ، البرنامج النووي الإيراني وانعكاساته على القومي الإسرائيلي، رسالة ماجستير، جامعة الازهر ، غزة ، ٢٠١١
  •  عبدالله فالح المطيري، أمن الخليج العربي، التحري الايراني، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، قسم العلوم السياسية، عمان، ٢٠١١
  •  وسام الدين العلكة، دورة الوقود النووي إلايراني، والهواجس الغربية، دراسة بحثية، موقع دار بابل للدراسات والإعلام، ٢٠١٢ رابط   http://www.arbabl.net / show derasat.php?!d=260
  • ندين نصير الخربيشي ، اثر المشروع النووي الإيراني على السياسية الخارجية الإسرائيلية ، رسالة ماجستير ، جامعة اليرموك ، كلية العلوم السياسية ، 2014
  • احمد منيسي ، ازمة البرنامج النووي الإيراني – سيناريوهات متعددة للمستقبل ، موقع البيئة ، مختارات إيرانية ، العدد ٦ ، ٢٠٠٥
  • الجزيرة ، التسلسل الزمني المفاوضات الملف النووي الايراني ٦/٤/٢٠١٥
  •  ايمن عبد الكريم حسين ، القوة الناعمة وتوضيفها في استراتيجية الأمريكية الشاملة تجاه الشرق الأوسط ، مقالة بحثية ٢٨/٧/٢٠١٦
  •  كارين.أ. منخنست وايفان.م. اريخون مبادئ العلاقات الدولية ، ترجمة حسام الدين خضور ، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع ، دمشق ، سوريا ، ٢٠١٣ .
  • عمار حميد ياسين ، درااسةمقارنة بين توضيف القوة الصلبة والناعمة ، نماذج مختارة ، بغداد ، كلية العلوم السياسية ، جامعة بغداد ١٠/٣/٢٠١٦
  • باتريك كلاريون ، الازمة النووية الإيرانية ، مفكرة ، موقع معهد واشنطن ٢٠١٣
  •  نور الدين الفريضي ، اتفاق جنيف يكبح جماع البرنامج النووي الإيراني الحياة ٢٦/١١/٢٠١٣
  •  حسن ابو هنية ، الاتفاق النووي الإيراني وصراع الهيمنة في الشرق الأوسط ٩/١/٢٠٢٢ ، رابط m.arabi21.com/stoln//

 2- المصادر باللغة الانجليزية

  1. Mark Hannah , u.s.foreih policy and American public opinion “,Earasia Group foundation, February 2019
  2. Bourdieu pierre , opinion pobiqu , nexiste, in : questions de sociologie , Paris, Minuit, 1984
  3. Mucchielli Roger , opinion chameleon d’ opinion, pail, ess.1988
  4. egan, patrik, ( September 2005) , policy preferences and conjeressio all represent ation , the relacionship , between
  5. Public opinion and policy making in today conqress, working Paper .
  6. Paul seabury realism and Ldealism, in Alexamder America foreign policy. Vol 3 (New York: charles sons ,1918 )
  7. reich , tales of a new america ( New York : random honsi , 1981
  8. Frank tannenbaym , the American tradition, in forign policy ( nor man , ok: university of Oklahoma . Press , 1955 ).
  9. David jahlomsky , times arrow times cycle , : mataphors for apariol of transition , parameters ( winter, 1997 ,98)
  10. Walt, international relations: one world, money theories. Stephen walt , in tern ationa relations one world, money theories foreign policy 110( spring, 1998) .
  11. Ropertjallussi , nwclecture, Aajust 10 , 2002 .
  12. Holsti , public opinion and American for eiqn policy, erv . Ed . ( annarbor , ml: university of Michigan prass , 200 ) .
  13. Donald r . Kelley, dividend power: the presidency , con gress , and from ation of America for eign policy, ( tayetteville , Ak : university of Arkansas press , 2005 ) .
  14. Russett , controling the sword , the democratic of antional security ( cambridge , ma : harard university press , 1990 ) .
  15. Eugene r. Wittkopf , faces of international, chapter 6 ,( durham , nc:duke university press, 1990) .
  16. Janes follows Blindinti Baghdad, Dtlanticmontnly ( sanuary / February 2004 ) , p12

المواقع الإلكترونية  

  • http:// www. Un . Olg / sc / committees //1737 /resolutions . Shtml.

 

  • http:// www. Aawsat . Com/ details / asp? Section = @article=55623@/ ssueno = 11325 # , Uu k39 sih. .
  • صحيفة  الشرق  الأوسط، الوكالة الدولية للطاقة توكل لندن
  • Emily B , landau , facing iran’ s militalg , http : // www. An ss. Org : 17person / b / 1andaaemily / 15p1 / 6/5/2013.

فرينس بربيس.   https://www.france24.com/ar/

  • http:// www. Un .org / artbic/ news / tostory – acp .
  • http: // www. Algazeera. Net / encyclopedia. Issyes

/ الجزيرة   مركز أنباء الامم المتحده ، الوكالة الدولية للطاقة  الأمم المتحده

https://www.swissinfo.ch/ara/reuters

  • http://wwww. Bainah. Net/ index ? Function = tem @ id= 9296@ lang.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *