نوفمبر 23, 2024 5:31 ص
علوم التربية

التطور المشترك للغة والمخ من منظور اللسانيات المعرفية العصبية

لتيرنس دبليو ديكون

المتصرفة التربوية محجوبة بوشيت

المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والرياضة

        الصخيرات تمارة – المملكة المغربية

bouchait1981@gmail.com

00212671670943

ملخص:

يقدم مؤلف كتاب “الانسان.. اللغة.. الرمز: التطور المشترك للغة والمخ” رؤية كاشفة جديدة تنفذ الى أعماق آلية العقل وطبيعة مغامرته التطورية نحو الوجود البشري، ويسعى لرصد علاقة تطور الدماغ بتطور اللغة. إنه إسهام غني يجمع ويختبر من خلاله تيرنس دبليو ديكون أهم نتائج البحث العلمي في مجال التطور البيولوجي العصبي، وبذلك يسعى الى دراسة تطور الادراك والمعرفة البشرية، فضلا عن تحقيقه في العمليات البيولوجية العصبية الخلوية الجزئية والتي تتحكم في تطور المقدرات الرمزية والتواصلية في الدماغ البشري.

الكلمات المفتاحية:

المخ –الجسم -بنية –وظيفة -جينات متماثلة –أنواع –التطور المشترك.

The co-evolution of language and brain

From the perspective

of Neurocognitive Linguistics

by Terrence Deacon

Mahjouba Bouchait

Provincial Directorate of the Ministry of National Education of Elskhirat –Temara

Abstract :

The Symbolic Species: The Co-evolution of Language and the Brain, presents supervision which touches deeply on the relationship between the evolution of the human brain and language. Terrence Deacon travelled through human existence, to collect and expire the most important results of research in human evolutionary biology and neuroscience, his purpose was to study the evolution of human cognition. Besides he looks for the responsible processes, that are based on cellular molecular neurobiology, which develops the symbolic and communicational abilities in the human brain.

Keywords : Brain -body -structure- fonction -homeotic genes –interspecies-Co-evolution

مقدمة:

يندرج هذا البحث في سياق ابحاث اللسانيات المعرفية لمقاربة تطور الظاهرة اللغوية عامة، ودراسات العلوم المعرفية العصبية خاصة في علاقتها باللغة والإدراك، ذلك أن تعدد روافدها من طب الأعصاب، والعلوم العرفانية، وعلم النفس المعرفي، والحاسوب، قد أغنى ونوَّع من قضايا تدخل اللسانيات العصبية في دراسة الأليات العصبية في الدماغ البشري المسؤول عن اكتساب وإنتاج اللغة.

ومن المعلوم أن التطور الذي عرفه الطب البيولوجي والعصبي والتشريحي للدماغ، قد شكل دعامة أساسية في طفرة الدراسات اللغوية الحديثة، حيث تجاوزت في منهجها التنظير اللساني البنيوي أو الارتباط السياقي بالظاهرة اللغوية، فأصبحت تتأسس على منظور تجريبي مختبري يستدعي سبل الاستدلال والتحليل للتقرير في بنية ووظيفة الدماغ البشري، ومقدرته في الفهم والإدراك وإنتاج الدلالة.

يبرز الاشكال المركزي حول علاقة السيرورات العصبية على مستوى الجهاز العصبي بالبراديغم الابستمولوجي اللغوي العرفاني، فكيف تطورت اللغة والرمز مع تطور المخ البشري؟ وما هي البنيات الدماغية المسؤولة على التطور اللغوي عند الانسان؟ وكيف استفادت اللسانيات العرفانية من المختبر التجريبي والبحث الأركيولوجي في دراسة كيفية إنتاج اللغة؟

في هذا السياق شكلت نشأة اللغة وتطورها هاجسا علميا ومعرفيا فحاولت دراسات حفرية تقديم بعض الأدلة، للكشف عن نماذج تتجاوز مئات الآلاف من السنين، اذ افترض باحثون أن استعمال اللغة نتج بالأساس عن زيادة حجم المخ وتعقد شبكاته النورونية ما بين مليوني سنة و300 ألف سنة خلت.

لطرح هذه القضية الجوهرية، وبُغية وضع لبنة جديدة في سياق التطور العلمي يطالعنا أستاذ الأنثروبولوجيا البيولوجية واللغويات في جامعة كاليفورنيا-بيركلي، الدكتور تيرنس دبليو. ديكون، بدراسة متميزة عن علاقة اللغة بتكوين الدماغ، أي أنه ربط معطى الدماغ التشريحي العصبي في علاقته بتطور اللغة والتواصل، وهو الأمر الذي تطلب الانفتاح على عدة علوم دقيقة كعلم الأحياء التطوري البشري وكذا علم الأعصاب.

ومن خلال كتابه المتميز والدقيق “الانسان…اللغة… الرمز: التطور المشترك للغة والمخ”، ركز تيرنس ديكون على سؤال أصل نشأة اللغة وتطورها عند الانسان، من خلال النفاذ الى أعماق الذهن وآلية التطور الفيزيولوجي العصبي والتشريحي للمخ.

ونظرا لأهمية دلالة الفكر الرمزي، الذي كانت إرهاصاته الأولى مع التفاعلات الناتجة عن التطور المشترك بين اللغة والمخ، حاول ديكون رصد علاقة حجم المخ البشري بالقدرات اللغوية، حيث يعتبر حجم المخ مركبا معقدا ينطوي على العديد من المتغيرات الأعمق من حيث بنيته ووظيفته.

أهداف الدراسة:

-الكشف عن أصل اللغة والوعي وتطورهما عند البشر.

-التعرف على مدى ارتباط زيادة القدرات الذهنية لدى الانسان بزيادة المكونات الجينية والفيزيولوجية لحجم المخ.

أهمية الدراسة:

يقدم هذا الكتاب رؤية كاشفة جديدة تنفذ الى أعماق آلية العقل وطبيعة مغامرته التطورية نحو الوجود البشري، ويسعى لرصد علاقة تطور الدماغ بتطور اللغة. إنه إسهام غني يجمع من خلاله تيرنس ديكون أهم نتائج البحث العلمي في مجال التطور البيولوجي العصبي، وبذلك يسعى الى دراسة تطور الادراك البشري، فضلا عن تحقيقه في العمليات البيولوجية العصبية الخلوية الجزئية والتي تتحكم في تطور المقدرات الرمزية والتواصلية في الدماغ البشري.

إشكالية الدراسة:

تأسيسا على ما سبق، يتضح أن هذه الدراسة تسعى الى التعرف على مدى ارتباط زيادة القدرات الذهنية لدى الانسان بزيادة المكونات الجينية والفيزيولوجية لحجم المخ. مما تمخض عنه بروز إشكاليتين أساسيتين:

– ما مدى ارتباط زيادة القدرات الذهنية لدى الانسان بزيادة المكونات الجينية والفيزيولوجية لحجم المخ؟

– ما تأثير حجم المخ/الجسم على العمليات والظواهر اللغوية؟

فرضية الدراسة:

انطلق ديكون من فرضية أن المخ الأكبر قادر على امتلاك قدرة حسابية أكبر لمعالجة المعلومات، بمعنى قدرته على معالجة أكبر قدر من المعلومات في الثانية الواحدة، فضلا عن انتاج تمثيلات ذهنية واتصالات أكثر تعقدا من الأمخاخ الأصغر حجما.

منهج الدراسة:

اعتمد ديكون المقاربة التجريبية متوسلا في ذلك منهج المقارنة والاستنباط، كما انطلق من الظاهري والسطحي (حجم المخ والجسم) نحو الباطني والعميق وبالتالي سلك تسلسلا منطقيا لبناء الحجة للوصول الى التعميم.

1- التأطير الاصطلاحي:

  • اللسانيات العرفانية:

ظهرت الارهاصات الأولى للسانيات العرفانية مع صدور كتاب ” الاستعارات التي نحيا بها” لجورج لايكوف ومارك جونسون عام 1980، لكن مع تطور الدرس اللساني في الولايات المتحدة الامريكية في الثمانينات، اهتم عدد من اللسانيين بالبحث في علاقة اللغة بالذهن خاصة مع الصيت الذي لقيته كتابات لايكوف، تالمي، فاكونير، لانقاكر.

يعرف لايكوف العرفانية بأنها:” حقل جديد يجمع ما يعرف عن الذهن في اختصاصات اكاديمية عديدة: علم النفس واللسانيات والأنثروبولوجيا والحاسوبية” (جحفة, 2009). وبهذا يمكن القول إن البؤرة المركزية في هذه الدراسات تصب في دراسة اللغة في ضوء العمليات الذهنية والعرفانية، فالإشكالات الكبرى التي يناقشها الدرس اللساني، تتعلق بسيرورة المعنى في الذهن وببنية ووظيفة القدرات اللغوية، وما يسِم العلاقة بين اللغة والتمثيلات الرمزية والحسابية خاصة بعمليات التذكر، الادراك، الترميز، والمعالجة، كما اهتمت بدراسة اضطرابات الاكتساب والمعالجة اللغوية.

  • اللسانيات العصبية:

يدرس علم اللسانيات العصبية عملية الترميز التي تحدث في الدماغ كقدرة لغوية كامنة لدى الانسان تحدث أثناء الكلام، إنه فرع من اللغويات يتعامل مع ترميز المقدرة اللغوية في الدماغ(عطية,2019,ص145). فبفضل هذا العلم تمكن الباحثون من تعرف كيفية إنتاج وامتلاك اللغة، وتتبع السيرورات المعرفية الذهنية في الدماغ، من خلال الاستفادة من علم التشريح والطب العصبي والذكاء الاصطناعي.

بيد أن نعوم تشومسكي نظر الى هذا العلم من منظور أوسع؛ وهو علم الأحياء. فقد “ولدت المقاربة اللسانية الأحيائية…و-هي- تجسد التغيير الذي أحدثه تشومسكي في توجيه دراسات اللغة الى قضايا داخلية(ذهنية) تتمحور حول القدرة اللسانية التي يوظفها البشر في اكتساب اللغة وإنتاجها وتأويلها” (منصور,2016).

ومن أهم نتائج دراسة علاقة اللغة بالدماغ؛ تمكن الطبيب “توماس ويليس” من وصف دقيق لموقع اللغة في حافة المخ، ليلاحظ طبيب الأعصاب الفرنسي ” بول بروكا” Poul Broca” بعد القيام بعمليات تشريحية، أن إصابة مريض في دماغه أثرت على مجرى الكلام، وبالتالي استنتج أن الباحة المتواجدة في الفص الأمامي في النصف الأيسر هي المسؤولة على إنتاج الكلام. ثم تتوالى الاكتشافات مع الأبحاث العصبية والتشريحية للربط البنيوي بالوظيفي على مستوى الباحات الدماغية قصد فهم وتحليل ومعالجة الأداء اللغوي عند الانسان.

2- علاقة الادراك المعرفي وتنظيم المخ بنشأة اللغة:

يعد البحث في نشأة اللغة من الأساسيات العلمية لفهم تطور اللغة ذاتها، وتحديد تغيرات مسارات الترابطات العصبية الذهنية البشرية عبر الزمن. إذ يمثل البحث في نشأة اللغة عند ديكون ” مدخلا من أهم الأفكار الواعدة ونحن نبحث عن المنطق الذي يربط بين وظائف الإدراك المعرفي وتنظيم المخ” (شوقي,2014,ص32). وهذا ما برهن عليه ديكون عند عرضه للشروط الذهنية للغة والتي تستقرأ من الفروق التشريحية العصبية في بنية المخ، حيث أن الطبيعة الإبداعية للغة البشرية تجعلها تتجاوز وظيفة التواصل الى التميز في شتى المجالات وهذا ما لا يتاح لباقي الكائنات. إذن يعكس تنظيم اللغة في المخ البشري القدرات المعرفة الناتجة عن تفاعلات وصلات عصبية وجينية فضلا عن التكاملات الوظيفية بين الهياكل الدماغية.

إن تطور المخ البشري واللغة البشرية على نحو مشترك على مدى ملايين السنين في بيئة اجتماعية مفكرة ومتفاعلة يرجع الى أهم ما يميز الانسان عن باقي الكائنات؛ وهو التمثيل الرمزي.

فالترميز Symbolization خاصية إنسانية بامتياز، حيث يمتلك البشر القدرة على التعبير اللفظي وغير اللفظي وعلى الاتصال المشفر الذي يحتاج مستويات إدراك أعلى من الاتصال البسيط بين أفراد النوع الواحد من باقي الكائنات. يقول ديريك بيكرتون Derec Bickerton:

“عندما تعبر اللغة عن رغبتنا أو حاجاتنا أو مشاعرنا نراها تفعل ذلك بطريقة أدق بكثير من نظم التواصل الأخرى عند الحيوان. ويبدو ان معظم الحيوانات في المستوى الأول من قدرة التعبير عن القصد…” (كبة,2001,ص7).

ترتبط المعرفة -هنا- ببناء سيرورات ادراكية عرفانية، تمكن الدماغ من القدرة على التمثل والتعرف والتحليل والاستنتاج والتركيب بصورة حاسوبية معلوماتية وفق منظور فيزيولوجي عصبي للغة.

3- علاقة حجم مخ/جسم بتطور الدماغ:

بدأ ديكون تحليله بالحديث عن العلاقة الظاهرية الرابطة بين الأمخاخ والأبدان في شمولها الكلي. ثم حاول الكشف عن التغيرات الداخلية للمخ البشري، وذلك بالاعتماد على مفهومين أساسيين يتمثلان في “القوة العامة الاجمالية” و”القوة الخالصة”:

  • القوة الاجمالية: معيار الاشتغال على المخ في شموليته ← يرتبط بإجمالي الكتلة العضلية (مثلا: بحث المخ في شموله) ← معيار القياس واحد.
  • القوة الخالصة: مقارنة جزء بالكل← قدرة تنبؤية خالصة (مثلا: ممارسة رفع الأثقال: مؤشر قوة خالصة لعضلات بعينها بالقياس الى كتلة الجسم، أو بحث المخ في أجزاء منه)، ← معايير القياس مختلفة ولا حصر لها..

وعليه، يشير ديكون الى صعوبة الفصل بين وظيفة المخ الخالصة والاجمالية، مع إمكانية تناسب حجم المخ مع حجم الجسم ذاته. هذا التناسب يعكس النسبة بين الوظائف المعرفية والبيولوجية للمخ، وبالتالي سيتمتع أصحاب الأمخاخ الكبيرة الموظفة في ميادين فكرية غير بدنية بقطاع أكبر من الأمخاخ غير مشغلة ادراكيا، فضلا عن تمتعهم بطاقة معرفية خالصة عالية المستوى. اذ حسب التصور القائل بالانتخاب الطبيعي في التفكير التطوري، فإن استخدام عضو ما على مدى أجيال يمكن أن يحفز ويؤثر في تطور العضو وتضخمه، وأن يصل مستويات متقدمة بنيةً ووظيفةً على مستوى هذه الأجزاء،” إن كبر الحجم يعني مزيدا من الاستعمال، وصغر الحجم يعني قلة الاستعمال، وتطفر الى الذهن أمثلة واضحة تتمثل في أشكال اجسام الحيوانات، نعرف أن الأقدام الخلفية لحيوان الكانجرو ضخمة وطويلة، وهو ما يعكس انتخابها لأداء حركات ذات شكل خاص، بينما الأطراف الأمامية صغيرة، وهو ما يعكس سوء استخدامها على مدى التطور باعتبارها وسيلة للدعم.” (كبة,2001,ص275-276)

وفي سياق هذه الدراسة، والتي تسعى لمحاولة إثبات أو دحض فرضية علاقة حجم المخ بالنسبة لحجم الجسم، هل حجم مخ الكائن البشري يزداد باطراد مع تناقص في حجم جسمه؟ أم أن حجم المخ ثابت في حين أن حجم الجسم في تناقص عبر مراحل التطور والانتخاب الطبيعي؟

لقد ركز ديكون من خلال هذه الدراسة على جمع الأدلة من دراسات وتجارب وملاحظات علمية، ودراسات أنطولوجية للحفريات والآثار، وذلك بغاية رصد علاقة حجم المخ بحجم الجسم للتأكد من مدى تأثير هذه العلاقة على العمليات والظواهر العقلية، فقد بحث في إشكالية ثنائية المخ والجسم من حيث تحديد كيفية عمل العقل، وكيف يمكن أن تتدخل عوامل خارجية، لا فطرية في تغيير جوهر وبنية ما هو طبيعي وغريزي، الى أي حد قد يوصلنا الوقوف على حقيقة هذه العلاقة الى تطوير آليات اشتغال الدماغ؟ وتجاوز أي إعاقة ذهنية أو جسدية سببها الرئيس هو الفوارق المطردة بين حجمي المخ والجسم؟

سلك ديكون المنهج المقارن، وانطلق ليرسم مناطق الدماغ عند الحيوانات والرئيسات بالضبط لفهم روابطها بالبشر، من خلال مقارنة الاختلافات في أحجام المخ والجسم في سلالة الكلاب المنزلية. ومن البديهي أنه داخل نفس النوع ومن حيث الحجم، الصغيرة لها أمخاخ صغيرة، والكبيرة لها أمخاخ كبيرة، إلا أن دراسة عينات من داخل نفس النوع أشارت لمسارات ذات انحناء منخفض عند مقارنتها بنسب المخ/الجسم فيما بين الأنواع Interspecies، فتبدو الكلاب الصغيرة الحجم كما “كلاب الشيهواوا” مفرطة الدماغية مقارنة بالحجم النمطي للثدييات، وهو أمر يرجع لعامل التربية، الذي يطور القدرات الذهنية للكلاب.

نستنتج مما سلف، إن التربية يمكن أن يكون لها أثر مزدوج بحسب النتيجة المتوخاة منها، فإذا كانت تهدف تنمية الذكاء يكون لها أثر في دماغية مفرطة بالرغم من بنية الجسم الصغيرة. وإذا كانت تهدف الى تكريس اللاذكاء فإن الدماغية تكون منخفضة بالرغم من أن بنية الجسم عملاقة. والخطاطة التالية توضح فكرة تأثير التربية على حجم المخ عند الحيوانات:

والنتيجة هي أن حجم الجسم غير مؤثر في نسبة الذكاء، وان فعل التربية هو العامل الرئيسي في زيادة أو نقص نسبة الدماغية حسب ما إذا كانت تهدف الى الذكاء فهي تزيده، وإذا كانت تهدف الى اللاذكاء فهي تحققه.

ولابد في هذا السياق من الإشارة الى وجود وسائل عديدة لتغيير تلك النسب، فالاستيلاد على سبيل المثال؛ يمكن ادراجه في خانة الانتخاب الاصطناعي، حيث يستهدف الحصول على سمات معينة وتوليفات خاصة بنسب الجسم أو الذكاء (كاستيلاد حيوانات المزارع للحصول على اجمالي ضخم من القوة وإنتاج اللحوم أو إنتاج اللبن..)، رغم صعوبة تحديد أي المتغيرات تابعة وأيها ثابت.

لقد ذهب بعض الباحثين الى أن الرئيسات أذكى من حيث المعدل العام من الثدييات، والبشر أذكى من كل الرئيسات، إذ يعتبر تطور المخ البشري ذروة مسار تطور الرئيسات بحيث بلغ زيادة ثلاث مرات أكثر من الثدييات النمطية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ضخامة نسب أمخاخ الرئيسات بالقياس مع أجسامها هو انعكاس للنمو السريع للمخ أو نقص لنمو الجسم؟

لتحديد أي من هذه المتغيرات هو الأبرز، وأيها هو المتأثر أكثر بسيرورة النمو، قارن ديكون بين أنماط النمو عند كائنات مختلفة، قصد رصد مسارات نمو المخ/ الجسد ودراسة منحنيات ومعدلات كل نوع وفق خصائصه الفريدة في التكيف بدء بالمرحلة الجنينية.

*النموذج التجريبي الأول:

من خلال تتبع النمط الجنيني عند الرئيسات (الشمبانزي، مكاك) وغير الرئيسات (القط، الخنزير)، لوحظ أن أمخاخ وأجسام كل فرد تنمو في اتساق تام وعلى نحو إيسومتري Isometric. مما يفيد أن معدلات النمو متماثلة غالبا في جميع أنحاء الجسم، فضلا عن ملاحظة اطراد نمو الأمخاخ/ أجساد أي يتضاعف بسرعة مرحليا، رغم أن غالبية الأجنة تنمو بمعدل واحد مع وزن متماثل.

يتضح إذن أن أمخاخ الرئيسات لا تنمو أسرع من الثدييات الأخرى لكن أجسامها تنمو أبطأ. بمعنى أن الزيادة الظاهرية في الدماغية عندها، إنما هي نقص في تكوين نسيج البنية.

تقتضي هذه النظرة التقليدية التساؤل عن إمكانية اعتبار الرئيسات نماذج للتحول القزمي العرقي.

وماذا عن موقعنا كبشر؟ بمعنى هل يمكن اعتبار المخ البشري امتدادا منطقيا لمسار الرئيسات؟

للإجابة على هذه التساؤلات عرض الكاتب نموذجا تمثيليا، يوضح منحنى نمو المخ/الجسم للانسان البالغ مقارنة بنوعين من الرئيسات: الشمبانزي وفرد المكاك.

* النموذج التجريبي الثاني:

يلاحظ أن هناك انحرافا عن مسار الرئيسات النمطي، لكن فقط بعد الولادة. بينما يبطئ نمط نمو المخ عند غير البشر الى درجة التباث، وهذا الفارق بين أنماط النمو البشري والقردة يظهر كنتيجة لاجتزاء أي تقصير منحنى النمو في فترة مبكرة، كما في حالة التقزم. ومع ذلك، نحن من بين أضخم الرئيسات لأن نسبة نمو أجسامنا لا تبطئ مباشرة بعد الولادة كما هي في التكوين القزمي.

لقد أقر ديكون في معرض تحليله للفصل موضوع الدراسة أن انشغاله بالاختلافات في النتائج –حجم المخ/الجسم- دفعه الى إغفال الاختلافات في الوسائل، والخلط بين ثلاث عمليات متباينة:

1-القزمية في السلالات الصغيرة من الثدييات.

2-قصر فترة نمو جسم الجنين دون نمو المخ في الرئيسات.

3-طول مدة نمو المخ عند البشر دون امتداد نمو الجسم.

إن النظر الى هذه الاختلافات كانعكاس للمسار التطوري المرحلي، يؤدي الى فرض مبدأ التطابق والتساوي سطحيا بين ظواهر بيولوجية مختلفة، مما يسقط دور النتائج الوظيفية للنمو، وتأثير هذه الاختلافات على تنظيم المخ ووظيفة الإدراك وانتخاب الضغوط التي نتجت عنها.

وعليه، يزداد منهج ديكون في هذه الدراسة بالإتضاح، إذ سيركز على فهم كيفية ظهور هذه الاختلافات، من خلال مجموعة من المناولات العصبية والتشريحية، التي يسعى من خلالها تحقيق هدفين أساييين:

-تحديد الأجزاء التي ستصير بنية المخ وبنية باقي الجسد في مرحلة النمو الجنينية.

-تعرف تكوينات المخ المختلفة المتأثرة بالعامل الجيني للدماغ.

* النموذج التجريبي الثالث:

  • استخدام جينات الذباب لعمل أمخاخ بشرية:

-ذبابة الفاكهة:

ساعدت دراسة ذبابة الفاكهة على تعرف الجينات المسؤولة على خارطة الجسم وطابعها التطوري: إنها الجينات المتجانسة والمتماثلة homeotic genes، سميت كذلك لأنها تشبه في تنضيدها أقساما على نحو متماثل على امتداد محور الجسم (تحكُم وضع الجنين من النطفة الى تشكل وفرز الأعضاء). فضلا عن أن الجينات المتماثلة تحسم في تحديد التنظيم القطاعي في الأجسام النامية للديدان والفقريات والحشرات.

إلا أن فعالية النشوء الجنيني المبكر لا ترتبط فقط بدور هذه الجينات في نمو الأعضاء ومعلمتها بل تتعلق بنشاطها الوظيفي أيضا1.

تعمل الجينات المتجانسة على تشفير منطقة رباط الدنا DNA-Binding 2، بحيث يرتبط جزيئ من البروتين بمواقع أخرى على الكروموسوم لتظهر جينات أخرى، وتستمر المتواليات داخل سلسلة من التغذية المرتدة في مواقع ومراحل مختلفة من نمو الجسم.

*النموذج التجريبي الرابع:

وتشرع الجينات المتجانسة في تشكيلها النمطي داخل الجنين بتنشيط وتشغيل جينات مختلفة داخل الخلايا المنفصلة وبدرجات متباينة لتستمر الانقسامات الفرعية للخلايا المنفصلة بدءا من الرأس نزولا على طول الجسم ووصولا الى توليفات أكثر تعقيدا3.

يعد الفيلسوف والعالم الألماني يوهان ووافجانج فون جيته (القرنيين 18/19) من أوائل القائلين بنظرية تفيد أن التكرار المتوالي لحلقات فقرات الجسم يمكن أن تتكرر في صورة مشفرة في بناء الرأس. ولم تتم البرهنة على ما يبرر هذا التوجه إلا مع علماء وراثة النمو، بعد مرور قرنين.

ويمكن مقارنة هياكل الرأس ببقية الجسم من خلال الوقوف على أثر الجينات المتجانسة من خلال الجدول الآتي:

والنتيجة هي أن حجم الجسم غير مؤثر في نسبة الذكاء، وان فعل التربية هو العامل الرئيسي في زيادة أو نقص نسبة الدماغية حسب ما إذا كانت تهدف الى الذكاء فهي تزيده، وإذا كانت تهدف الى اللاذكاء فهي تحققه.

ولابد في هذا السياق من الإشارة الى وجود وسائل عديدة لتغيير تلك النسب، فالاستيلاد على سبيل المثال؛ يمكن ادراجه في خانة الانتخاب الاصطناعي، حيث يستهدف الحصول على سمات معينة وتوليفات خاصة بنسب الجسم أو الذكاء (كاستيلاد حيوانات المزارع للحصول على اجمالي ضخم من القوة وإنتاج اللحوم أو إنتاج اللبن..)، رغم صعوبة تحديد أي المتغيرات تابعة وأيها ثابت.

لقد ذهب بعض الباحثين الى أن الرئيسات أذكى من حيث المعدل العام من الثدييات، والبشر أذكى من كل الرئيسات، إذ يعتبر تطور المخ البشري ذروة مسار تطور الرئيسات بحيث بلغ زيادة ثلاث مرات أكثر من الثدييات النمطية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ضخامة نسب أمخاخ الرئيسات بالقياس مع أجسامها هو انعكاس للنمو السريع للمخ أو نقص لنمو الجسم؟

لتحديد أي من هذه المتغيرات هو الأبرز، وأيها هو المتأثر أكثر بسيرورة النمو، قارن ديكون بين أنماط النمو عند كائنات مختلفة، قصد رصد مسارات نمو المخ/ الجسد ودراسة منحنيات ومعدلات كل نوع وفق خصائصه الفريدة في التكيف بدء بالمرحلة الجنينية.

*النموذج التجريبي الأول:

من خلال تتبع النمط الجنيني عند الرئيسات (الشمبانزي، مكاك) وغير الرئيسات (القط، الخنزير)، لوحظ أن أمخاخ وأجسام كل فرد تنمو في اتساق تام وعلى نحو إيسومتري Isometric. مما يفيد أن معدلات النمو متماثلة غالبا في جميع أنحاء الجسم، فضلا عن ملاحظة اطراد نمو الأمخاخ/ أجساد أي يتضاعف بسرعة مرحليا، رغم أن غالبية الأجنة تنمو بمعدل واحد مع وزن متماثل.

يتضح إذن أن أمخاخ الرئيسات لا تنمو أسرع من الثدييات الأخرى لكن أجسامها تنمو أبطأ. بمعنى أن الزيادة الظاهرية في الدماغية عندها، إنما هي نقص في تكوين نسيج البنية.

تقتضي هذه النظرة التقليدية التساؤل عن إمكانية اعتبار الرئيسات نماذج للتحول القزمي العرقي.

وماذا عن موقعنا كبشر؟ بمعنى هل يمكن اعتبار المخ البشري امتدادا منطقيا لمسار الرئيسات؟

للإجابة على هذه التساؤلات عرض الكاتب نموذجا تمثيليا، يوضح منحنى نمو المخ/الجسم للانسان البالغ مقارنة بنوعين من الرئيسات: الشمبانزي وفرد المكاك.

 

* النموذج التجريبي الثاني:

يلاحظ أن هناك انحرافا عن مسار الرئيسات النمطي، لكن فقط بعد الولادة. بينما يبطئ نمط نمو المخ عند غير البشر الى درجة التباث، وهذا الفارق بين أنماط النمو البشري والقردة يظهر كنتيجة لاجتزاء أي تقصير منحنى النمو في فترة مبكرة، كما في حالة التقزم. ومع ذلك، نحن من بين أضخم الرئيسات لأن نسبة نمو أجسامنا لا تبطئ مباشرة بعد الولادة كما هي في التكوين القزمي.

لقد أقر ديكون في معرض تحليله للفصل موضوع الدراسة أن انشغاله بالاختلافات في النتائج –حجم المخ/الجسم- دفعه الى إغفال الاختلافات في الوسائل، والخلط بين ثلاث عمليات متباينة:

1-القزمية في السلالات الصغيرة من الثدييات.

2-قصر فترة نمو جسم الجنين دون نمو المخ في الرئيسات.

3-طول مدة نمو المخ عند البشر دون امتداد نمو الجسم.

إن النظر الى هذه الاختلافات كانعكاس للمسار التطوري المرحلي، يؤدي الى فرض مبدأ التطابق والتساوي سطحيا بين ظواهر بيولوجية مختلفة، مما يسقط دور النتائج الوظيفية للنمو، وتأثير هذه الاختلافات على تنظيم المخ ووظيفة الإدراك وانتخاب الضغوط التي نتجت عنها.

وعليه، يزداد منهج ديكون في هذه الدراسة بالإتضاح، إذ سيركز على فهم كيفية ظهور هذه الاختلافات، من خلال مجموعة من المناولات العصبية والتشريحية، التي يسعى من خلالها تحقيق هدفين أساييين:

-تحديد الأجزاء التي ستصير بنية المخ وبنية باقي الجسد في مرحلة النمو الجنينية.

-تعرف تكوينات المخ المختلفة المتأثرة بالعامل الجيني للدماغ.

* النموذج التجريبي الثالث:

  • استخدام جينات الذباب لعمل أمخاخ بشرية:

-ذبابة الفاكهة:

ساعدت دراسة ذبابة الفاكهة على تعرف الجينات المسؤولة على خارطة الجسم وطابعها التطوري: إنها الجينات المتجانسة والمتماثلة homeotic genes، سميت كذلك لأنها تشبه في تنضيدها أقساما على نحو متماثل على امتداد محور الجسم (تحكُم وضع الجنين من النطفة الى تشكل وفرز الأعضاء). فضلا عن أن الجينات المتماثلة تحسم في تحديد التنظيم القطاعي في الأجسام النامية للديدان والفقريات والحشرات.

إلا أن فعالية النشوء الجنيني المبكر لا ترتبط فقط بدور هذه الجينات في نمو الأعضاء ومعلمتها بل تتعلق بنشاطها الوظيفي أيضا1.

تعمل الجينات المتجانسة على تشفير منطقة رباط الدنا DNA-Binding 2، بحيث يرتبط جزيئ من البروتين بمواقع أخرى على الكروموسوم لتظهر جينات أخرى، وتستمر المتواليات داخل سلسلة من التغذية المرتدة في مواقع ومراحل مختلفة من نمو الجسم.

*النموذج التجريبي الرابع:

وتشرع الجينات المتجانسة في تشكيلها النمطي داخل الجنين بتنشيط وتشغيل جينات مختلفة داخل الخلايا المنفصلة وبدرجات متباينة لتستمر الانقسامات الفرعية للخلايا المنفصلة بدءا من الرأس نزولا على طول الجسم ووصولا الى توليفات أكثر تعقيدا3.

يعد الفيلسوف والعالم الألماني يوهان ووافجانج فون جيته (القرنيين 18/19) من أوائل القائلين بنظرية تفيد أن التكرار المتوالي لحلقات فقرات الجسم يمكن أن تتكرر في صورة مشفرة في بناء الرأس. ولم تتم البرهنة على ما يبرر هذا التوجه إلا مع علماء وراثة النمو، بعد مرور قرنين.

ويمكن مقارنة هياكل الرأس ببقية الجسم من خلال الوقوف على أثر الجينات المتجانسة من خلال الجدول الآتي:

والنتيجة هي أن حجم الجسم غير مؤثر في نسبة الذكاء، وان فعل التربية هو العامل الرئيسي في زيادة أو نقص نسبة الدماغية حسب ما إذا كانت تهدف الى الذكاء فهي تزيده، وإذا كانت تهدف الى اللاذكاء فهي تحققه.

ولابد في هذا السياق من الإشارة الى وجود وسائل عديدة لتغيير تلك النسب، فالاستيلاد على سبيل المثال؛ يمكن ادراجه في خانة الانتخاب الاصطناعي، حيث يستهدف الحصول على سمات معينة وتوليفات خاصة بنسب الجسم أو الذكاء (كاستيلاد حيوانات المزارع للحصول على اجمالي ضخم من القوة وإنتاج اللحوم أو إنتاج اللبن..)، رغم صعوبة تحديد أي المتغيرات تابعة وأيها ثابت.

لقد ذهب بعض الباحثين الى أن الرئيسات أذكى من حيث المعدل العام من الثدييات، والبشر أذكى من كل الرئيسات، إذ يعتبر تطور المخ البشري ذروة مسار تطور الرئيسات بحيث بلغ زيادة ثلاث مرات أكثر من الثدييات النمطية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ضخامة نسب أمخاخ الرئيسات بالقياس مع أجسامها هو انعكاس للنمو السريع للمخ أو نقص لنمو الجسم؟

لتحديد أي من هذه المتغيرات هو الأبرز، وأيها هو المتأثر أكثر بسيرورة النمو، قارن ديكون بين أنماط النمو عند كائنات مختلفة، قصد رصد مسارات نمو المخ/ الجسد ودراسة منحنيات ومعدلات كل نوع وفق خصائصه الفريدة في التكيف بدء بالمرحلة الجنينية.

*النموذج التجريبي الأول:

من خلال تتبع النمط الجنيني عند الرئيسات (الشمبانزي، مكاك) وغير الرئيسات (القط، الخنزير)، لوحظ أن أمخاخ وأجسام كل فرد تنمو في اتساق تام وعلى نحو إيسومتري Isometric. مما يفيد أن معدلات النمو متماثلة غالبا في جميع أنحاء الجسم، فضلا عن ملاحظة اطراد نمو الأمخاخ/ أجساد أي يتضاعف بسرعة مرحليا، رغم أن غالبية الأجنة تنمو بمعدل واحد مع وزن متماثل.

يتضح إذن أن أمخاخ الرئيسات لا تنمو أسرع من الثدييات الأخرى لكن أجسامها تنمو أبطأ. بمعنى أن الزيادة الظاهرية في الدماغية عندها، إنما هي نقص في تكوين نسيج البنية.

تقتضي هذه النظرة التقليدية التساؤل عن إمكانية اعتبار الرئيسات نماذج للتحول القزمي العرقي.

وماذا عن موقعنا كبشر؟ بمعنى هل يمكن اعتبار المخ البشري امتدادا منطقيا لمسار الرئيسات؟

للإجابة على هذه التساؤلات عرض الكاتب نموذجا تمثيليا، يوضح منحنى نمو المخ/الجسم للانسان البالغ مقارنة بنوعين من الرئيسات: الشمبانزي وفرد المكاك.

 

* النموذج التجريبي الثاني:

يلاحظ أن هناك انحرافا عن مسار الرئيسات النمطي، لكن فقط بعد الولادة. بينما يبطئ نمط نمو المخ عند غير البشر الى درجة التباث، وهذا الفارق بين أنماط النمو البشري والقردة يظهر كنتيجة لاجتزاء أي تقصير منحنى النمو في فترة مبكرة، كما في حالة التقزم. ومع ذلك، نحن من بين أضخم الرئيسات لأن نسبة نمو أجسامنا لا تبطئ مباشرة بعد الولادة كما هي في التكوين القزمي.

لقد أقر ديكون في معرض تحليله للفصل موضوع الدراسة أن انشغاله بالاختلافات في النتائج –حجم المخ/الجسم- دفعه الى إغفال الاختلافات في الوسائل، والخلط بين ثلاث عمليات متباينة:

1-القزمية في السلالات الصغيرة من الثدييات.

2-قصر فترة نمو جسم الجنين دون نمو المخ في الرئيسات.

3-طول مدة نمو المخ عند البشر دون امتداد نمو الجسم.

إن النظر الى هذه الاختلافات كانعكاس للمسار التطوري المرحلي، يؤدي الى فرض مبدأ التطابق والتساوي سطحيا بين ظواهر بيولوجية مختلفة، مما يسقط دور النتائج الوظيفية للنمو، وتأثير هذه الاختلافات على تنظيم المخ ووظيفة الإدراك وانتخاب الضغوط التي نتجت عنها.

وعليه، يزداد منهج ديكون في هذه الدراسة بالإتضاح، إذ سيركز على فهم كيفية ظهور هذه الاختلافات، من خلال مجموعة من المناولات العصبية والتشريحية، التي يسعى من خلالها تحقيق هدفين أساييين:

-تحديد الأجزاء التي ستصير بنية المخ وبنية باقي الجسد في مرحلة النمو الجنينية.

-تعرف تكوينات المخ المختلفة المتأثرة بالعامل الجيني للدماغ.

* النموذج التجريبي الثالث:

  • استخدام جينات الذباب لعمل أمخاخ بشرية:

-ذبابة الفاكهة:

ساعدت دراسة ذبابة الفاكهة على تعرف الجينات المسؤولة على خارطة الجسم وطابعها التطوري: إنها الجينات المتجانسة والمتماثلة homeotic genes، سميت كذلك لأنها تشبه في تنضيدها أقساما على نحو متماثل على امتداد محور الجسم (تحكُم وضع الجنين من النطفة الى تشكل وفرز الأعضاء). فضلا عن أن الجينات المتماثلة تحسم في تحديد التنظيم القطاعي في الأجسام النامية للديدان والفقريات والحشرات.

إلا أن فعالية النشوء الجنيني المبكر لا ترتبط فقط بدور هذه الجينات في نمو الأعضاء ومعلمتها بل تتعلق بنشاطها الوظيفي أيضا1.

تعمل الجينات المتجانسة على تشفير منطقة رباط الدنا DNA-Binding 2، بحيث يرتبط جزيئ من البروتين بمواقع أخرى على الكروموسوم لتظهر جينات أخرى، وتستمر المتواليات داخل سلسلة من التغذية المرتدة في مواقع ومراحل مختلفة من نمو الجسم.

*النموذج التجريبي الرابع:

وتشرع الجينات المتجانسة في تشكيلها النمطي داخل الجنين بتنشيط وتشغيل جينات مختلفة داخل الخلايا المنفصلة وبدرجات متباينة لتستمر الانقسامات الفرعية للخلايا المنفصلة بدءا من الرأس نزولا على طول الجسم ووصولا الى توليفات أكثر تعقيدا3.

يعد الفيلسوف والعالم الألماني يوهان ووافجانج فون جيته (القرنيين 18/19) من أوائل القائلين بنظرية تفيد أن التكرار المتوالي لحلقات فقرات الجسم يمكن أن تتكرر في صورة مشفرة في بناء الرأس. ولم تتم البرهنة على ما يبرر هذا التوجه إلا مع علماء وراثة النمو، بعد مرور قرنين.

ويمكن مقارنة هياكل الرأس ببقية الجسم من خلال الوقوف على أثر الجينات المتجانسة من خلال الجدول الآتي:

نستنتج إذن أن جينات هوم في الذباب تشكل مجموعة منتظمة في ترتيب تسلسلي على طول الكروموزومة نفسها، ويتطابق هذا الترتيب من الأمام الى الخلف على طول محور الجسم، في شكل قطاعات محددة، بينما تتشكل جينات هوكس في مجموعات مضاعفة، تأخذ في تكوينها شكل قطاعات متداخلة.

إن هذه المقارنة، زادت الأمر تعقيدا وغموضا، مما دفع ديكون للتساؤل: كيف أن جينات هوم وجينات هوكس ينتميان لرابطة الهوميوبوكس، ومع ذلك ينشطان على مستوى كروموزومات الفقريات واللافقاريات بمفارقة تامة؟

ينتج عن هذه المفارقة، استمرار الجين الخاص، الانفلاق بتقسيم الطرف الرأسي للأنبوب العصبي، بالإضافة الى حضور جينات الهوميوبوكس للمخ الأمامي Emx و Otx واللذان يلعبان أدوارا رئيسية في تحديد وتنظيم المخ الأمامي، من المقدمة الى خلف المخ الأوسط، كما قد تظهر بعض هذه الجينات في مناطق من الجسم فتغير أنماط تمظهرها بتغير فترات النمو.

يعتبر اكتشاف جينات التماثل Homeotic genes ثورة في دراسة نمو المخ وتطوره. فهي ترسم الحدود الخلوية للفئات الرئيسية من الأنسال الخليوية ومجالات النمو داخل المخ أثناء نموه. إذ تحدد خارطة نمو الكائن وتقدم معطيات وافية عن تصميم المخ. وتعد تأثيرات جينة التماثل عاملا أساسيا في تغيرات خطة الجسم المميزة للنقلة الى حيوان الرئيسات والنقلة الى البشر. فكيف يمكن إذن لهذه التغيرات في ظهور جينة التماثل أن تؤثر بالنسب العصبية الشاملة؟

*النموذج التجريبي الخامس:

يتحدث ديكون في هذا السياق عن جينة Lim14، ليبرز أن نمو الرأس يحدث في استقلالية عن مسلسل التناسبات الفاعلة في نمو البدن. ثم يقدم ديكون معالجة تجريبية لجنين الضفدع، يستهدف من خلاله مزيدا من البحث عن تناسب المخ والبدن. فلاحظ أن جينة أوتكس2 (Otx2)5 مسؤولة عن تطوير الجزء الأمامي في مقدم المخ بدءا من المخ الأوسط ويمكن من خلال تركيزها أو خفضها من التحكم في حجم المخ والرأس.

تأسيسا على ما سبق، يتبين أن طفرات في النمو ترتبط بالجينات التي تفتقد نسخا نشطة، ولكي تنمو بشكل سوي يمكن تعديلها بنيويا، ويمكن نقل درجات التركز للجينات النشطة داخل قطاعات متداخلة لتعيين حدود بين المناطق المختلفة للخلية. هذا المبدأ تأسست عليه ظاهرة الاستنساخ باعتبارها أداة تطورية محكمة لزيادة مستويات الإظهار، فاستنساخ الجينة التماثلية –كما في عائلات جينات Hox وEmx – يؤدي الى مضاعفة إنتاج غالبية عائلات ذات الصلة.

لكن لازال مجال البحث عن الروابط الجينية التنموية المؤثرة في تحول النسب والتناسب وتوقيت ظهوره لازال حديثا، فقد استشكل على العلماء معرفة مواضع التقسيمات التنموية الطبيعية بطريقة حسابية مضبوطة6. مما يفتح باب التنبؤات عن حيود نمو المخ البشري عن الرئيسات الأخرى ومحاولة ربطها بمعاملات الارتباط الوراثية المحتملة.

*النموذج التجريبي السادس:

تناولت العديد من الدراسات التحليلية الإحصائية منذ قرون العديد من المقارنات بين هياكل المخ البشري ونظيرتها لدى الرئيسات، لكن من المؤسف أنها أغفلت المعلومات الخاصة بأنماط نمو المخ تحليليا، سواء ما تعلق بمجالات النمو الصحيحة أو حتى نوعية وطبيعة التحولات الأساسية أثناء تكون المخ ونموه. ومن بين الاكراهات التي زادت تعقد تفسير المعلومات الكمية عن المخ مما أدى الى تقييمات متناقضة، هو الاصطدام بمشكلتين تحليليتن:

1-الفشل في التحكم في ظواهر الحجم في المقارنات الجزئية والكلية (المخ/الجسم).

2-الفشل في معالجة الأجزاء كقطاعات منفصلة عن بعضها (أجزاء المخ).

ويرتبط هذا التشويش في التحليلات الكمية بنسب التكاثر الخليوي المتباينة على صعيد الهياكل المشتركة، وما يرافقه من عمليات غير انتشارية للتقسيمات الفرعية وتفاعلات النمو بين وظائفها. فتضخم إحداها يكون على حساب أخرى وبالتالي يصعب تقسيمها وفق معاملات تناسب صحيحة، وبالتالي يفشل التمييز بين المقارنات الداخلية وبين المقارنات بين مجالات النمو.

ولتجاوز الاكراهات السابقة، سينهج ديكون منطق مضاهاة التحليلات التشريحية الكمية مع الآثار الانتشارية التي تحدث في سياق التقسيم التماثلي لنمو المخ. ومنه ستتحدد آثار التقسيم الجزئي المحلي أثناء النمو. فالحال هنا أن الأمخاخ تنطلق من نقطة تماثلية ليجري استقراؤها على ضوء عمليات انتشارية كلية شاملة، ثم يتم التنبؤ بالنسب المرتبطة بهياكل المخ المختلفة.

لقد تبث أن نمط نمو المخ/الجسم عند البشري وأنواع القردة واحد في جوهره، لكن الاختلاف يبرز على مستوى المخ. إذ أن أنماط الحيود تظهر عند مقارنة الأقسام الكبرى للمخ كالدماغ الخلفي والدماغ الأوسط. بحيث إن الهياكل عند الرئيسات تتحول لتتموضع داخل أقسام قطاعية متصلة بعضها ببعض في المخ البشري، بمعنى أن البشري يملك نسخة متطورة عن النمط المعتاد عند الرئيسات.

وبالتالي فقياسات أحجام التكوينات تفاوتت بالازدياد من جزء لآخر، رغم حضور الترابطات الوظيفية فيما بينها (مثلا قشرة المخ تمثل ضعف الحجم لمكونات أخرى من المخ الأمامي).

لقد حدث التحول والانحراف عن النمط العام عند الرئيسيات في مرحلة باكرة عند النشوء التكويني العصبي للجنين Neuro embryo genesis، حيث إن أقسام المخ لازالت في شكلها الأولي، والخلايا الجذعية لم تنبثق في صورة الخلايا العصبية المتمايزة، فضلا عن غياب الدبق Glia الذي سيكون قطاعات المخ.7

وبالانتقال الى مرحلة إنتاج الخلايا الجذعية وتفرع التقسيمات ونموها، نلاحظ أن هياكل الأمخاخ البشرية تتباين من حيث الضخامة على مستوى الأنبوب العصبي. والخطاطة التالية توضح ذلك:

نستنتج إذن أن:

– الانحراف التشريحي العصبي البشري يرتبط أساسا بظهور جينات Otx وEmx في مقدم الدماغ الظهري/البطيني، حيث تتموضع المناطق اللغوية.

-تتجمع جينات التماثل داخل كل منطقة مخية في مجالات متمايزة الا أنها تتداخل وتتمدد حسب نشاطها.8

-تتضخم تكوينات مقدم المخ البشري من جهة، وتتضخم الدماغ الظهري نزولا على محور الأنبوب العصبي من جهة أخرى، إذ يرتبط هذا التضخم بتركز جينات التماثل ودرجة نشاطها الوظيفي مما يفسر عدم تناسبية وتماثل نمو أحجام الباحات الدماغية.

في معرض بحثه عن العامل المحدد لحجم المخ وحجم المخ، أشار ديكون الى مفهوم الساعة التنموية.

4- الساعة التنموية:

تخضع الكائنات الحية للساعة لساعة زمنية للنمو، تبدأ من أول انقسام خليوي بعد تخصيب البويضة. فعدد الأقسام الخليوية الأولى هي التي تحدد حجم كل الجسم (كائن صغير أو كبير الحجم)، ونفس المبدأ بالنسبة لآلية تحديد عدد كل عضو ومنطقة في الجسم.

*النموذج التجريبي السابع:

وبهدف تحديد التقسيمات الخليوية اللازمة لبناء جسم حيوان ثديي، قام ديكون بتجارب على الأجنة في مرحلة من المراحل الأولى للتقسيم الخلوي أو ما سمي بالبلاستولا blastula أو الحويصلة الجرثومية. وفيما يلي تلخيص لهذه التجارب:

يتضح من خلال الخطاطة أعلاه، أن التقسيمات الخلوية تبدأ فور اخصاب البويضة، لتستمر الخلايا المشَكِّلة لها في الانقسام في وسط نمو طبيعي، حتى تكتمل معالم الجسم المختلفة لتكوين الشكل السوي للجنين.

لكن، وفي سياق تحديد حجم الجسم من خلال رصد متغير عدد التقسيمات الخلوية عند الثديي، وتأسيسا على قدرة العالم على فصل ومعالجة هذه الخلايا في المختبر مما حسم في قضايا الهندسة الوراثية، قام ديكون بتعليق المجوعة الأولى من الخلايا المستأصلة في مزرعة مغموسة، فاستمر انقسامها بشكل متماثل مما أعاق تباين التكوينات الجنينية.

أما المرحلة الثانية من التجريب، فقد تم وضع المجموعة الثانية من الخلايا في حويصلة جرثومية (بلاستولا)

فانقسمت الى فريقين:

قسمات الفريق الأول، تتجمع لتتباين مع خلاياها وبالتالي تتخذ أي نمط خلوي للجسم المستقبل.

قسمات الفريق الثاني، تنمو وفق تركيبتها البنيوية الأصلية دون أن تتأثر بمتغيرات وسط النمو.

وينتج عن كلتي الحالتين حالة من التمايز، التي تُنشِّط الخلايا من خلالها ساعتها البنيوية حتى يتحدد عدد الانقسامات الخلوية النهائية، ليتوقف الانقسام.

نستنتج أن هناك علاقة تنظيمية بين التمايز الخلوي والانقسام لخلق جنين سوي.

من هنا، وجبت الإشارة الى أن هذه العلاقة تحيل على تفاعل حاصل بين منتجات سيتوبلازم الخلية والجينات داخل النواة9.حيث إن الجينات تتسبب في تغير كمية السيتوبلازم والذي يؤثر بإفرازاته على نشاط الجينة.

*النموذج التجريبي الثامن:

يبدو أن هذا التفاعل الحاصل يؤثر في عدد الانقسامات الخلوية مما يفسر الاختلاف في تشغيل الساعة التنموية في أحجام أجسام مختلفة عند الانسان في البلوغ:

تبطئ الساعة التنموية ببطء معدلات عمليتي الأيض والانتشار الخلوي، مما يسمح بالمزيد من الانقسامات بين مراحل النمو، لتخلق كائنا ضخما.10

يواصل جزء مهم من خلايا مستأصلة لم تتمايز بعد، النمو وفق وثيرة زمنية عادية ينتتج جسما متقزما. 11

ينتقل ديكون للحديث عن الاستقلال الذاتي للساعة التنموية حال اكتمال عدد انقسامات الخلايا. فحجم المخ يرتبط بالنسيج العصبي الذي أظهر حضورا لجينات التماثل حتى قبل أن تنشط مناطق المخ والجسم في الجنين.

لقد أثبت ديكون أن ساعة توقيت النمو أصيلة وجبلية في الخلايا من خلال عرض جملة من الشواهد:

حالة التوأم السيامي Siamese Twins: رغم أن أجسامها متصلة إلا أن أجهزتها العصبية منفصلة.12 وبالتالي لكل منها ساعتها الخاصة.

عملية الزرع التهجيني المتبادل بين الأنواع Xenotransplantation .13

وتلخيصا لما سبق، تختلف الساعة التنموية من نوع لآخر ومن خلية لأخرى في الكائن الفرد، وفق تناغم وتناسق في النمو بين كل منظومات الأعضاء الأخرى. وبالتالي يتماثل نمو الأمخاخ والأجسام بانتظام رياضي في جميع مقاييس الأبعاد، بحيث أن تشكل الأجنة يتم بطريقة واحدة منذ البداية لكن الاختلاف في مواقيت بدء الساعة التنموية للخلايا. ومنه فالساعة التنموية تتبع خطة نمو مشتركة إلا أنها تنتهي في نقاط مختلفة نسقيا.14

 الخاتمة وأهم نتائج الدراسة:

اللغة البشرية عند ديكون سلوك تكيفي مر بنقلة كبيرة مدارها سؤال علاقة التطور الرمزي اللغوي عند البشر بتطور تنظيم وهياكل المخ والجهاز الصوتي، والخطاطة الآتية تقدم تلخيصا مركزا لما ارتبط بثنائية حجم المخ/ حجم الجسم في علاقتها بتطور آليات عمل الدماغ:

يكشف ديكون عن ذخيرة هامة من المعلومات التنموية والمقارنة للتغيرات التي أثرت في تطور المخ وبنية المخ ووظيفة المخ، لتبيان كيفية حدوث الاختلاف البشري في حجم المخ بمقابل أمخاخ باقي الرئيسات، رغم افتقارنا لميكانيزمات تفسير عدم التناسب القطاعي للمخ البشري. لكن ما هو مؤكد أن حجم الدماغ يعتبر عاملا حاسما في تطوير الأداء المعرفي، إذ وجود تركيز في المزيد من الخلايا العصبية بالقشرة المخية، له دور في تفريد الانسان بالقدرات اللغوية والرمزية، إضافة الى أن تعقد التشبيك العصبي بين الخلايا يفضي الى وظائف دماغية متقدمة.

– أمخاخ البشر ليست أمخاخ ضخمة لقردة عليا وإنما هي أمخاخ قردة عليا مضاف إليها تغيرات هامة في النسب والعلاقات بين مكونات المخ.

– تطور القدرات الصوتية نتج عن الانحرافات البنيوية الجذرية بين مقدم المخ البشري أدت الى نشوء قشرة مخ عند مقدم الجبهة “قشرة قبجبهية” مما أحدث تحولات في شبكة الاتصال وأثر في وصلاتها مع باقي المنظومات الأخرى، فضلا على الجهاز الصوتي النوعي البشري.

– لقد فتحت اللسانيات العرفانية العصبية بمعية علوم الأحياء والتشريح والأنثربولوجيا أبواب البحث في الظواهر اللغوية ومقاربتها بأسئلة في ظاهرها قد تبدو مستهلكة إلا أن الحفر فيها بنفس علمي حديث، يفضي الى نتائج تحليلية ومعطيات جينية عصبية عن الشبكة الللغوية والتفاعلات الكهربائية والكيميائية داخل الدماغ البشري.

التوصيات:

-الاهتمام باستثمار نتائج البحث العلمي في اللسانيات العصبية للتدريب وتطوير آليات انتاج اللغة وامتلاكها تجاوزا لصعوبات التعلم الشفهية والقرائية والكتابية.

– السعي الى تطوير آليات السيرورات العرفانية عند ذووي الاضطرابات العصبية النمائية في الادراك، الذاكرة والتواصل.

-كسر محدودية ونمطية التواصل اللغوي من خلال تحفيز الباحات العصبية الدماغية المسؤولة عن اللغة باستراتيجيات عرفانية معززة.

-تطوير المعرفة الإنسانية رهين بالبحث والدراسة العلمية والمختبرية لمسارات تطور المخ والروابط الدماغية البشرية.

الهوامش:

1-أظهرت تجربة نقل إحدى الجينات البشرية المتجانسة والمسؤول عن نمو الرأس والمخ الى أجنة ذباب متغيرة، فصار نموها شاذا لأن مماثلتها عند الذباب أوقفت نشاطها فعوضت الجينة البشرية ذلك الشذوذ جزئيا.

2-“هوميوبوكس” أو “رباط الدنا” وهي المنطقة الأعم للجينات المتحكمة في متتاليات الجينات الأخرى.

3-يمكن تمييز نمطين ظاهريين للجينات المتجانسة:

أ-عند الجنين الفقري: تنتج سلسلة من الخطوط والأشرطة لتكون حلقات وقطاعات الجسم في تكرار موروث عن الأسلاف ويتضمن تماثلات في الفقرات والضلوع والأطراف داخل وحدات قطاعية، تنمو كل وحدة في الاختلاف مع القطاعات الأخرى كما هو الحال بالنسبة الرأس.

ب-عند الجنين اللا فقري: تنتج تقسيمات على شكل حلقات في قطاعات مصفوفة ومتوالية بسيطة.

4- Lim1 الصيغة الأولية للنمط الجيني أمكن تحديدها في الديدان الحلقية، فهي المسؤولة عن بدء تكوين الدماغ. وقد تم اتباث وظيفتها من خلال فشل أجنة الفئران المفتقرة للصيغة النشيطة من Lim1 في تطوير الرؤوس رغم أن تكوينات باقي الجسم طبيعية.

5- تمت التجربة على أجنة الضفادع في طور النمو وفق ثلاث عمليات مختلفة، لتحديد آثار الواقعة على نسب المخ والبدن:

*العملية الأولى← تعديل ظهور نشاط جينة Otx2 ←تشكل هياكل المخ الأمامي بالأنبوب العصبي نمط النمو السوي.

*العملية الثانية← إضافة بروتين Otx2 الى الخلايا الجذعية ←زيادة في حجم الرأس والمخ (بدءا من المخ الأوسط) مع في الجسم ما بعد الجمجمة.

*العملية الثالثة← إضافة حمض الرتين في المحلول← إعاقة ظهور واقتصاره على جزء صغير في مقدم الرأس← نقص كبير في المخ الأوسط والمخ الأمامي.

6-أظهرت تجارب جينات Otx أنها من الجينات النشطة الأولى والمسؤولة عن التمايز الانقسامي، وتعتبر نموذجا للعمليات المؤثرة في النسب والتناسب في مرحلة النمو.

7- قارن ديكون بين المخيخ وقشرة المخ بوصفهما البنيتين الأكثر انحرافا عن أنماط الرئيسات -منبتهما الجانب الظهري للأنبوب العصبي- بالقسم البطني للمخ الأمامي فتوصل الى أن نسبة النمو متغيرة في حين أن العلاقات الداخلية للأقسام العامة بقيت ثابتة نسبيا، مما قد يفسر اتساع نطاق التكافل الوظيفي بين المنطقتين الأمامية والظهرية.

8-يشير السهم الى أن الخلايا الحبيبية للمخ cerbralgranule cells تنشأ في المخ الأوسط وتنتقل الى المخيخ على شكل توليفة من سلالات تمايزت خلال النمو.

9- أجريت تجربة زرع نواة خلية مخصبة ستصبح خلية جلد ضفدع، في بويضة مخصبة تم انتزاع نواتها. فنتج عنها عملية إنتاج جنين كامل (ضفدع كامل).

10- نتيجة تجارب على كائنات قزمية كالضفادع والسلمندر، تم إبطاء ساعتها التنموية من خلال الزيادة في كميات المعلومات الوراثية للدنا مما أرغمها على تكثيف عمليتي التدوين والتضاعف الجيني وتصنيفها.

11- أخدت خلايا فور بداية الانقسام قبل التمايز من بلاستولا إحدى الفقريات، ولولا ذاك الاستئصال لكان جسمه عاديا.

12- أشار هنا الى عملية تكون الأنبوب العصبي من خلال تجربة تهدف مضاعفته في جنين وحيد. من خلال غرس منطقة حث أخرى من جنين في جنين آخر، فينتج عنه تشكل ونمو أنبوب عصبي آخر داخله.

13- تم زرع قطاع الدماغ الأوسط من الأنبوب العصبي المركزي لأجنة طائر الحجل الياباني وغرسه في جنين فروج في حال نموه، وبالنتيجة نما حسب النسب الطبيعية لطائر الحجل.

-في إطار تجربة أخرى، قام ديكون وفريقه بزرع خلايا من أمخاخ خنازير في أمخاخ فئران بالغة، مما نتج عنه نمو الخلايا العصبية وفق معدل نمو الخنزير.

14- يرجح بعض مفكري نظرية التطور أن الشبه بين البشر وأجنة القردة العليا هو انعكاس نوعي عن توقف أو تأخر في النمو البشري. لكن ديكون ذهب الى أن ساعة توقيت نمو أمخاخ البشر امتدت أكثر من باقي الرئيسات الأخرى، رغم عدم تكافؤ المعالم العمة مع الانتشار الخلوي في كل أنحاء الجسم.

قائمة المصادر والمراجع:

بالعربية:

  • تيرنس دبليو ديكون، الانسان.. اللغة.. الرمز: التطور المشترك للغة والمخ، ترجمة شوقي جلال، نشر المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى 2014.
  • جورج لايكوف ومارك جونسون: الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة عبد المجيد جحفة دار توبقال للنشر، سلسلة المعرفة اللسانية، ط 2، 2009.
  • ديريك بيكرتون، اللغة وسلوك الانسان، ترجمة محمد زياد كبة، مكتبة لسان العرب، إدارة النشر العلمي والمطابع 2001.
  • عطية سليمان أحمد، اللسانيات العصبية، اللغة في الدماغ (رمزية، عصبية، عرفانية)، الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي،2019.
  • لايل جنكنز، اللسانيات الأحيائية، استكشاف أحيائية اللغة، ترجمة عبد الرحمان بن حمد منصور، دار جامعة الملك سعود للنشر، الرياض، 2016

بالفرنسية:

  • Terrence w.Deacon, THE SYMBOLIC SPECIES: The Co-evolution of language and the Braine, w.w.Norton and Company Inc,1997.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *