م.م. حنين فائق حسين
الجامعة المستنصرية كلية العلوم السياسي
haneenfaeq1205@uomustansiriyah.edu.iq
009647724042581
م.م. دعاء عبدالحسين رسن
الجامعة المستنصرية كلية العلوم السياسية
duaa.abdulhussein@uomustansiriyah.edu.iq
009647735097324
الملخص
الثورة الرقمية أحدثت تحديات سياسية وقانونية جديدة في عصرنا الحالي. تشمل هذه التحديات حماية البيانات الشخصية والخصوصية على الإنترنت، ومكافحة الجرائم الإلكترونية، وضمان حقوق الملكية الفكرية، وتنظيم التجارة الإلكترونية. تتطلب حل هذه التحديات تعاون الحكومات والمنظمات الدولية والشركات التكنولوجية لوضع قوانين وسياسات تحمي المستخدمين وتعزز الأمان الرقمي، على سبيل المثال، تتطلب حماية البيانات الشخصية والخصوصية على الإنترنت وضع قوانين وسياسات فعالة لمنع انتهاك البيانات واستغلالها. كما يتعين علينا مكافحة الجرائم الإلكترونية وتعزيز الأمن السيبراني لحماية المستخدمين والمؤسسات. بالإضافة إلى ذلك، يجب وضع قوانين تنظم التجارة الإلكترونية وتحمي حقوق الملكية الفكرية على الإنترنت.
الكلمات المفتاحية: الثورة الرقمية، الامن السيبراني، التشريعات الرقمية، التحدي السياسي، الحكومة الالكترونية
Political and Legal Challenges in the Digital Revolution
Hanin Faeq Hussein
Al-Mustansiriya University– College of Political Science
Duaa Abdul Hussein Rasan
Al-Mustansiriya University– College of Political Science
Abstract:
The digital revolution has created new political and legal challenges in our current era. These challenges protect personal data and online privacy, combat electronic harmony, ensure intellectual property rights, and regulate e-commerce. Solving these challenges requires the cooperation of governments, international organizations, and technology companies to develop laws and policies that protect users and enhance digital security. For example, protecting personal data and online privacy requires developing effective laws and policies to prevent data breaches and exploitation. We must also combat cybercrime and enhance cybersecurity to protect users and institutions. In addition, laws must be put In place to regulate e-commerce and protect intellectual property rights on the Internet.
Keywords: Digital revolution, cybersecurity, digital legislation, political challenge, e-government
أهمية البحث:
تكمن أهمية هذا البحث في تسليط الضوء على التحديات السياسية والقانونية التي تفرضها الثورة الرقمية على الدول والمجتمعات. يساعد البحث في فهم تأثير التكنولوجيا على السيادة والأمن والديمقراطية، وكذلك يساهم في تقديم حلول لتحديث الأطر القانونية بما يتناسب مع التطورات الرقمية المستمرة. هذا الفهم يمكن أن يدعم صناع القرار في تبني سياسات وتشريعات أكثر فعالية لحماية الأفراد والمجتمعات في العصر الرقمي.
مشكلة البحث:
مشكلة البحث تتمحور حول كيفية تعامل الدول والمجتمعات مع التحديات السياسية والقانونية الناشئة عن الثورة الرقمية. في ظل التقدم التكنولوجي السريع، تواجه الحكومات تحديات تتعلق بالحفاظ على السيادة الرقمية، الأمن السيبراني، وتأثير التكنولوجيا على العمليات الديمقراطية، بالإضافة إلى الحاجة لتطوير قوانين جديدة لحماية البيانات الشخصية وحقوق الملكية الفكرية ومكافحة الجرائم الإلكترونية. هذا البحث يسعى إلى تحليل هذه التحديات واقتراح حلول عملية لمواجهتها.
منهجية البحث:
في هذه الدراسة، تم استخدام المنهج التحليلي لتحليل وفهم العلاقات والتأثيرات المترتبة على استخدام الثورة الرقمية مجال السياسي والقانوني فضلا عن الأمن السيبراني، إذ يسمح لنا هذا المنهج فحص التفاصيل والأثر العميق لتلك التقنيات على القواعد القانونية الدولية والأمن السيبراني.
هيكلية البحث:
تم تقسيم هذا البحث الى محوريين فضلا عن المقدمة والخاتمة، حيث تناولنا في المحور الاول التحول الرقمي ودوره في السياسة الدولية، وتناولنا في المحور الثاني: الأطر القانونية لمواجهة التحديات التقنية الحديثة.
المقدمة:
تعد الثورة الرقمية أحد أبرز التحولات الجذرية في العصر الحديث، حيث أثرت بشكل كبير على كافة جوانب الحياة السياسية والقانونية. وتتجلى هذه التأثيرات في عدة تحديات تواجه الدول والمجتمعات. من أهم هذه التحديات هي قضايا الخصوصية وحماية البيانات، إذ ان مع انتشار التكنولوجيا الرقمية، أصبحت كميات هائلة من البيانات الشخصية متاحة وجاهزة للاستخدام، مما يثير قضايا حماية الخصوصية وحقوق الأفراد. حيث ان القوانين الحالية غالباً ما تكون غير كافية لمواجهة هذه التحديات المستجدة. بالإضافة إلى ذلك، تزايدت التهديدات الإلكترونية والجرائم السيبرانية بشكل ملحوظ، مما يفرض ضغوطاً على الحكومات والمؤسسات لوضع استراتيجيات فعالة لحماية البنية التحتية الرقمية والمعلومات الحساسة.
من جانب اخر نجد ان التقدم السريع في التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي يتطلب تحديثاً مستمراً للأطر القانونية والتنظيمية لمواكبة التطورات وضمان استخدامها بشكل آمن ومسؤول، وفي ظل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، تبرز قضايا السيادة الرقمية وضرورة حماية البيانات الوطنية وضمان استقلالية الدول في إدارة مواردها الرقمية، و كذلك، يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تعزز المشاركة السياسية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المشاركة الإلكترونية، ولكنها في الوقت ذاته قد تُستخدم لنشر المعلومات المضللة والتلاعب بالرأي العام.
ان جميع هذه التحديات تؤثر على جميع مستويات الحكم وصنع القرار، حيث تتطلب وضع سياسات متكاملة تشمل تحديث التشريعات، وتعزيز التعاون الدولي، وتوفير التعليم والتدريب اللازمين للتكيف مع التطورات التكنولوجية، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تشمل هذه السياسات حماية حقوق الأفراد وضمان حرية التعبير، مع وضع ضوابط فعالة لمنع إساءة استخدام التكنولوجيا في الأنشطة غير المشروعة أو الضارة بالمجتمع. هذه التحديات تتطلب تعاوناً دولياً ووضع سياسات شاملة ومتوازنة تضمن الاستفادة من فوائد الثورة الرقمية مع الحد من مخاطرها وتداعياتها السلبية.
بذلك، يصبح من الضروري أن تتبنى الحكومات والمؤسسات نهجاً استباقياً في التعامل مع التحديات السياسية والقانونية الناجمة عن الثورة الرقمية لضمان مستقبل مستدام وآمن للمجتمعات، ويجب أن تُعزز الجهود البحثية والتطويرية لإيجاد حلول مبتكرة لتلك التحديات، مع التركيز على بناء بنية تحتية رقمية قوية وآمنة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتبادل الخبرات والمعرفة، وتعزيز الابتكار في مجالات التكنولوجيا والسياسات العامة. فقط من خلال مواجهة هذه التحديات بشكل شامل ومتكامل، يمكننا الاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي توفرها الثورة الرقمية وضمان تحقيق فوائدها للجميع.
المحور الأول: التحول الرقمي ودوره في السياسة الدولية
يلعب التحول الرقمي دورًا مهمًا في السياسة الدولية من خلال تأثيره على التواصل ونقل المعلومات بين الدول والمؤسسات الدولية ويمكن للتكنولوجيا الرقمية تسهيل التفاهم وتقديم البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يؤثر على صنع القرارات والعلاقات الدولية.
يمكن تقسيم هذا المحور الى عده جوانب وتتلخص فيما يلي:
اولا: مفهوم التحول الرقمي وعلاقته بالثورة الرقمية
يعد التحول الرقمي عملية تبني واستخدام التكنولوجيا الرقمية لتحسين وتحديث العمليات التجارية، والخدمات، وتجارب العملاء في مختلف القطاعات، و يهدف إلى تعزيز الكفاءة، وزيادة الإنتاجية، وتقديم قيمة مضافة من خلال استخدام التقنيات الرقمية مثل الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، و يتضمن التحول الرقمي تحسين العمليات، وتحليل البيانات، وتكامل الأنظمة، بالإضافة إلى تطوير المهارات والتغيير الثقافي لتعزيز الابتكار داخل المؤسسة، وان فوائد التحول الرقمي تشمل زيادة الكفاءة، وتحسين تجربة العملاء، وتقليل التكاليف، ودفع الابتكار والنمو، وتحسين اتخاذ القرار (اسماعيل، 2018، ص 98)على الرغم من هذه الفوائد، يواجه التحول الرقمي تحديات مثل الأمان السيبراني، وتكييف الثقافة المؤسسية، والتكاليف الأولية، والتكيف مع التشريعات والتنظيمات، بالإضافة الى ذلك نجد ان هنالك علاقه بين التحول الرقمي والثورة الرقمية حيث ان الثورة الرقمية تعد بمثابة تحول شامل ناتج عن التطور السريع في التكنولوجيا الرقمية منذ أواخر القرن العشرين، حيث انتقلت المجتمعات من الأنظمة التناظرية والميكانيكية إلى الأنظمة الرقمية والإلكترونية، هذا التحول أثر بشكل جذري على كيفية تواصل البشر، وإدارة الأعمال، والحصول على المعلومات، مما أدى إلى تغييرات واسعة في جميع جوانب الحياة (دهشان، 2022, ص14)من أبرز ملامح الثورة الرقمية تطور الإنترنت، وانتشار الحوسبة الشخصية، والبيانات الضخمة، والتقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي .
ونجد ان التحول الرقمي يعد عملية مستمرة تعتمد على التكنولوجيا التي وفرتها الثورة الرقمية. يعبر التحول الرقمي عن كيفية تبني المؤسسات والشركات والحكومات للأدوات والتقنيات الرقمية لتحسين وتحديث عملياتها وكذلك يركز التحول الرقمي على استخدام التكنولوجيا لتعزيز الكفاءة، وزيادة الإنتاجية، وتحسين تجربة العملاء، ودفع الابتكار.
لذلك نجد ان العلاقة بين التحول الرقمي والثورة الرقمية تكمن في أن الثورة الرقمية وضعت الأساس للتكنولوجيا الرقمية الحديثة، والتحول الرقمي هو تطبيق واستخدام هذه التقنيات لتحسين الأداء والعمليات في المؤسسات، والثورة الرقمية قدمت التقنيات الجديدة، بينما التحول الرقمي يستخدم هذه التقنيات في السياقات العملية لتحقيق تحسينات ملموسة. باختصار، الثورة الرقمية تمثل الإطار الأكبر للتحولات التكنولوجية الكبرى، في حين أن التحول الرقمي هو العملية التي تطبق من خلالها هذه التقنيات لتحقيق أهداف محددة في المؤسسات والشركات (وآخرون.، 2021، ص 299)
من جانب اخر نجد ان الثورة الرقمية، أحدثت تحولاً جذرياً في الطريقة التي يعيش بها الناس ويتفاعلون مع العالم من حولهم. بفضل التقدم في الحوسبة الشخصية، وانتشار الإنترنت، وظهور الهواتف الذكية، أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. هذه الثورة لم تغير فقط كيفية التواصل بين الناس، بل أثرت أيضًا على الصناعات والاقتصادات بشكل عميق، مما أتاح ظهور خدمات ومنتجات جديدة تعتمد على التكنولوجيا الرقمية.
في هذا السياق نجد ان التحول الرقمي يُعتبر الاستجابة العملية لهذه التغيرات. يمكن النظر إلى التحول الرقمي كخطوة عملية تُترجم فيها التقنيات والابتكارات التي جاءت بها الثورة الرقمية إلى أدوات واستراتيجيات ملموسة تُستخدم لتحسين العمليات التجارية والحكومية والتعليمية والطبية وغيرها.التحول الرقمي يعني دمج هذه التقنيات في صلب العمليات التنظيمية لزيادة الكفاءة، وتقديم خدمات أفضل، وتحقيق ميزة تنافسية (اسماعيل، صفحة 113)
نستنتج مما سبق بأن العلاقة بين التحول الرقمي والثورة الرقمية يمكن تلخيصها في أن الثورة الرقمية هي القوة الدافعة التي جلبت التكنولوجيا الحديثة إلى العالم، بينما التحول الرقمي هو كيفية استخدام هذه التكنولوجيا لتحقيق فوائد ملموسة وتحسينات في الحياة اليومية والعمليات التنظيمية، الثورة الرقمية وضعت الأساس والبنية التحتية، والتحول الرقمي يبني على هذا الأساس ليخلق قيمة حقيقية ويساعد في تكييف المؤسسات والمجتمعات مع العصر الرقمي (الصادق، 2021، ص46)
ثانيا: التأثير على العلاقات الدولية والدبلوماسية
الثورة الرقمية أثرت بشكل كبير على العلاقات الدولية والدبلوماسية بطرق متعددة، محدثة تغييرات جوهرية في كيفية تفاعل الدول مع بعضها البعض وكيفية إدارة السياسات الخارجية. هذه التأثيرات تشمل دورا حاسما للدبلوماسية الرقمية حيث ان انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الدول تستخدم هذه المنصات للتواصل المباشر مع الجماهير العالمية. السفارات والحكومات تنشئ حسابات على تويتر وفيسبوك وغيرها من المنصات للتواصل مع المواطنين الأجانب وترويج سياساتها بشكل مباشر (سيل،، 2021، ص27)هذا النوع من التواصل يعزز الشفافية ويسمح بنقل الرسائل بسرعة وكفاءة أكبر، الدبلوماسية الرقمية هي استخدام التكنولوجيا الرقمية والإنترنت لتعزيز وتنفيذ السياسات الدبلوماسية، والتواصل مع الجماهير العالمية، وإدارة العلاقات الدولية. مع تطور التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الدبلوماسية الرقمية جزءاً أساسياً من العمل الدبلوماسي الحديث وان تأثير الدبلوماسية الرقمية على العلاقات الدولية نجده من خلال ما يلي ;
-التواصل السريع والمباشر
الدبلوماسية الرقمية تمكن الحكومات من التواصل بشكل سريع ومباشر مع الجماهير العالمية. على سبيل المثال، السفارات والوزارات الخارجية تستخدم منصات مثل تويتر وفيسبوك لنشر الأخبار والتصريحات الرسمية، مما يعزز الشفافية ويسمح بنقل الرسائل بسرعة إلى جمهور واسع (دوسكي.، 2020، ص65)
-التفاعل مع الجمهور
تعمل الدبلوماسية الرقمية على اتاحه الفرصة للدول من اجل التفاعل مع المواطنين الأجانب بشكل أكثر فعالية، ويمكن للحكومات الرد على الاستفسارات، وتقديم الدعم القنصلي، ونشر معلومات هامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعزز العلاقات الثنائية ويسهم في بناء صورة إيجابية للدولة (بوعشيبة،، 2019، ص25)
-إدارة الأزمات
نجد للدبلوماسية الرقمية دورا هاما في أوقات الأزمات، حيث تكون أداة حيوية لنشر المعلومات الهامة بسرعة وإدارة التوترات. يمكن استخدام الوسائل الرقمية لنقل رسائل التهدئة، وتقديم المساعدات، والتنسيق مع الجهات الدولية، مما يسهم في إدارة الأزمات بشكل أكثر فعالية.
–الترويج للثقافة والسياسات
ان الدبلوماسية الرقمية تُستخدم أيضاً للترويج للثقافة والسياسات الوطنية. حيث ان الدول تنظم حملات رقمية للتعريف بثقافتها وتراثها، ولترويج سياساتها الخارجية والاقتصادية، مما يساعد في تعزيز الفهم والتعاون الدولي (خلف، 2016،ص32)
-التعاون الدولي
الوسائل الرقمية تسهل التعاون بين الدول في مجالات مختلفة مثل الأمن السيبراني، والصحة العالمية، والبيئة حيث ان المنصات الرقمية تسمح بتبادل المعلومات والخبرات، والتنسيق بين الدول في مواجهة التحديات المشتركة.
-الشفافية والمسائلة
ان استخدام التكنولوجيا الرقمية يعزز الشفافية والمساءلة في الدبلوماسية. حيث ان الجمهور يمكنه متابعة الأنشطة الدبلوماسية والمشاركة في النقاشات عبر الإنترنت، مما يفرض ضغطاً على الحكومات للعمل بشفافية أكبر ومحاسبتها على أدائها (الصالح.، 2004، ص36)
وعلى الرغم من الفوائد العديدة للدبلوماسية الرقمية، نجد انها تواجه تحديات مثل الأخبار المزيفة، والهجمات السيبرانية، وحماية البيانات الشخصية، لذلك تحتاج الحكومات إلى تطوير استراتيجيات لحماية أمنها السيبراني وضمان موثوقية المعلومات المنتشرة عبر الوسائل الرقمية.
ومن الامثلة على ذلك
– حملات التواصل الاجتماعي: استخدام تويتر وفيسبوك لنشر الأخبار والتفاعل مع الجمهور.
– المؤتمرات الافتراضية: تنظيم مؤتمرات واجتماعات عبر الإنترنت لتعزيز التعاون الدولي.
– التطبيقات القنصلية: تطوير تطبيقات هاتفية لتقديم الخدمات القنصلية للمواطنين في الخارج (العال،، 2018،11)
باختصار، الدبلوماسية الرقمية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العلاقات الدولية الحديثة، حيث تتيح للحكومات التواصل بشكل أكثر فعالية، وتعزز الشفافية، وتساهم في إدارة الأزمات والترويج للثقافة والسياسات الوطنية. ولكنها تتطلب أيضاً استراتيجيات متقدمة لمواجهة التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية.
وعليه فأن الثورة الرقمية أعادت تشكيل العلاقات الدولية والدبلوماسية بطرق متعددة، من خلال تعزيز التواصل، وزيادة الشفافية، وتحسين الكفاءة، ولكنها أيضًا جلبت تحديات جديدة تتطلب استجابات مبتكرة وتعاون دولي مستمر (الصالح.، صفحة 56)
ثالثا: تأثير الثورة الرقمية على الاقتصاد العالمي
ان الثورة الرقمية لها دور بارز ومؤثر على الاقتصاد العالمي، حيث أدت إلى تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية في مختلف الصناعات من خلال الابتكار التكنولوجي. فقد أصبحت الروبوتات جزءًا أساسيًا من عمليات التصنيع، مما ساعد في تقليل التكاليف وزيادة الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، نمت صناعات جديدة مثل التكنولوجيا الماليةFinTech) والتجارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى توفير فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي (السيد،، 2019،ص355-359)
يمكن الاشاره في هذا السياق الى التجارة الإلكترونية، فقد سمحت للشركات بالوصول إلى أسواق جديدة عالميًا، حيث يمكن للشركات الصغيرة الآن بيع منتجاتها عبر الإنترنت إلى عملاء في جميع أنحاء العالم. كما ساعدت الرقمنة في تحسين إدارة سلاسل التوريد، مما أدى إلى تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة بفضل استخدام تكنولوجيا مثل إنترنت الأشياء IoT) )في تتبع المنتجات والمواد.
وكذلك عملت الثورة الرقمية على تغيير أنماط العمل بشكل كبير. حيث اصبح العمل عن بعد أكثر شيوعًا، خاصة خلال جائحة كوفيد-19، حيث أصبح العمل من المنزل أمرًا شائعًا، مما قلل من الحاجة إلى مكاتب كبيرة وخفض التكاليف التشغيلية. بالإضافة إلى ذلك، ازدهر الاقتصاد الحر (Gig Economy) بفضل المنصات الرقمية مثل أوبر وUpwork، التي وفرت فرص عمل غير تقليدية للأفراد (خليفي.، 2008،223)
بالاضافه الى ذلك ساعدت التكنولوجيا الرقمية في تحقيق الشمول المالي من خلال توفير الخدمات المالية للأفراد في المناطق النائية والمحرومة. حيث ان الهواتف الذكية والتطبيقات المالية مكنت الناس من الوصول إلى البنوك والخدمات المالية بسهولة أكبر، حيث ان شركات التكنولوجيا المالية قدمت حلولًا مبتكرة مثل الدفع عبر الهواتف المحمولة، القروض الصغيرة، ومنصات الاستثمار، مما زاد من الشمول المالي.
اما في قطاع الخدمات، أدت الثورة الرقمية إلى تحسين وتخصيص الخدمات في مجالات مثل الصحة والتعليم والخدمات المصرفية باستخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. و الخدمات الصحية عبر الإنترنت، التعليم عن بعد، والخدمات المصرفية الرقمية أصبحت شائعة، مما زاد من رضا العملاء وحسن الأداء (العلاق.، 2009، ص176)
من جانب اخر نجد الابتكار وريادة الأعمال أصبحت أكثر سهولة بفضل التكنولوجيا الرقمية التي وفرت الموارد وأتاحت منصات التمويل الجماعي لدعم المشاريع الجديدة،فان منصات التمويل الجماعي مثل Kickstarter وIndiegogo ساعدت في تمويل المشاريع الجديدة، مما سمح للمبتكرين بجمع الأموال من الجمهور لتمويل أفكارهم (السيد.، 2017، ص11)
ومع كل هذه الفوائد، تأتي تحديات أمنية كبيرة. حيث ان التهديدات السيبرانية أصبحت أكثر تعقيدًا، مما يتطلب استثمارات ضخمة في الأمن السيبراني لحماية الاقتصاد الرقمي. حيث ان الحكومات والشركات تستثمر بشكل كبير في الأمن السيبراني لحماية البنية التحتية الرقمية والبيانات الحساسة.
وكذلك نرى ان الثورة الرقمية يمكن أن تعمق الفجوة الاقتصادية بين الدول والمجتمعات إذا لم يتمكن الجميع من الوصول إلى التكنولوجيا بنفس القدر، و هذا يتطلب سياسات وتشريعات حكومية فعالة لتنظيم الاقتصاد الرقمي وضمان المنافسة العادلة وحماية المستهلكين، التنظيم الفعال للاقتصاد الرقمي يتطلب تعاونًا دوليًا، حيث هناك حاجة لاتفاقيات دولية لتنسيق الجهود في مكافحة الجرائم السيبرانية وتنظيم التجارة الرقمية (الصادق،، 2020، ص24-26)
في النهاية، رغم التحديات، الثورة الرقمية تحمل إمكانيات هائلة للنمو الاقتصادي والابتكار. فأن الدول تحتاج إلى الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، و تحسين التعليم والتدريب، وضمان تشريعات وتنظيمات فعالة لتحقيق الفوائد الكاملة .لذلك فأن التعاون الدولي سيكون ضروريًا لتحقيق تنظيم فعال للاقتصاد الرقمي لضمان استفادة الجميع من هذه التحولات.
رابعا: التأثير على المنظمات الدولية
الثورة الرقمية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز فعالية المنظمات الدولية بفضل التحول الرقمي، أصبحت العمليات الإدارية واللوجستية داخل هذه المنظمات أكثر كفاءة وسلاسة، حيث تستخدم البرمجيات المتقدمة لإدارة المشاريع وتتبع التقدم وتحديد الموارد اللازمة، مما يقلل من الوقت والتكاليف المرتبطة بالإجراءات التقليدية (وآخرون.، صفحة 426)
فيما يتعلق بالتواصل، توفر التكنولوجيا الرقمية منصات مثل Zoom وMicrosoft Teams، التي تتيح للموظفين وأعضاء المنظمات التواصل والتعاون بسهولة من أي مكان في العالم. هذا يسهل عقد الاجتماعات الافتراضية وتبادل الأفكار والملفات في الوقت الحقيقي، مما يعزز من التنسيق والعمل المشترك بين الفرق الدولية (علاوةفوزي.، 2022، ص403)
بالاضافه الى ذلك نجد ان جمع البيانات وتحليلها أصبح أسهل وأسرع بفضل التحول الرقمي فأن المنظمات الدولية يمكنها الآن جمع كميات كبيرة من البيانات من مصادر متعددة مثل استبيانات المستفيدين وأجهزة الاستشعار، واستخدام أدوات التحليل المتقدمة لتحليل هذه البيانات بسرعة ودقة. هذا يساعد في اتخاذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة، مثل تحديد المناطق الأكثر احتياجًا للمساعدة الإنسانية، من جانب اخر نجد ان الأنظمة الرقمية تعزز الشفافية والمساءلة من خلال تسجيل وتوثيق جميع العمليات والمعاملات بشكل دقيق حيث ان التقنيات الحديثة تتيح تسجيل وتتبع توزيع المساعدات الإنسانية بشكل شفاف وغير قابل للتلاعب، مما يضمن وصول الموارد إلى المستفيدين المستحقين (كنعان.، 2015، ص37)
من جانب اخر نجد ان التكنولوجيا الرقمية تتيح أيضًا تقديم الخدمات بشكل أسرع وأكثر فعالية فان التواصل مع الجمهور والمستفيدين أصبح أسهل بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، التي تتيح للمنظمات الدولية نشر المعلومات الهامة وزيادة الوعي حول القضايا المختلفة. و يمكن أيضًا استخدام التطبيقات لإرسال تنبيهات وإشعارات للمستفيدين حول المساعدات المتاحة أو الفعاليات القادمة .
بشكل عام، الثورة الرقمية تمكن المنظمات الدولية من العمل بكفاءة وفعالية أكبر، وتقديم خدمات محسنة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات العالمية (كولدري،، 2014، ص168)
خامسا: المشاركة السياسية في ظل التحول الرقمي
اصبحت المشاركة السياسية ذات تأثير كبير في عصر الثورة الرقمية، حيث أصبحت التكنولوجيا أداة رئيسية لتمكين المواطنين وتوسيع نطاق المشاركة في العملية السياسية (اسماعيل، صفحة 270)وبفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل على الأفراد الوصول إلى المعلومات السياسية والتفاعل مع قضايا الشأن العام والمشاركة في النقاشات السياسية.ان هذا التحول الرقمي يحمل في طياته العديد من الفوائد والتحديات التي تؤثر على الديمقراطية والمشاركة السياسية (محمدغازي.، 2023،ص135)
حيث نجد ان من الفوائد الرئيسية للثورة الرقمية في مجال المشاركة السياسية هي تعزيز الشفافية والوصول إلى المعلومات، و يمكن للمواطنين الآن الوصول بسهولة إلى الوثائق الحكومية، ومتابعة جلسات البرلمان مباشرة عبر الإنترنت، والتعرف على سياسات الأحزاب والمرشحين. ان هذا الوصول المفتوح للمعلومات يعزز من قدرة المواطنين على اتخاذ قرارات مستنيرة والمشاركة بفعالية في الحياة السياسية.
كما توفر الثورة الرقمية منصات جديدة للتعبير عن الرأي والتواصل مع المسؤولين المنتخبين. وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك تتيح للمواطنين التواصل المباشر مع السياسيين ونقل مطالبهم وآرائهم بشكل فوري، كذلك تساهم هذه المنصات في تعزيز الحوار بين الحكومات والمواطنين وتشجع على مشاركة أوسع في صنع القرار (الجموسي،، 2023، ص65).
ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة تواجه المشاركة السياسية في عصر الثورة الرقمية. من أبرز هذه التحديات هي انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، والتي يمكن أن تؤثر سلباً على الرأي العام وتخلق حالة من الفوضى والشك. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي منصات التواصل الاجتماعي إلى تعزيز الاستقطاب السياسي وتفاقم الخلافات بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتواجه الدول أيضاً تحديات تتعلق بحماية البيانات والخصوصية، حيث يمكن أن تُستغل البيانات الشخصية للمواطنين لأغراض سياسية، مثل التلاعب بالرأي العام أو استهداف الناخبين بشكل غير مشروع مما يستدعي وضع سياسات وقوانين لحماية البيانات وضمان استخدام التكنولوجيا بشكل أخلاقي ومسؤول.
نستنتج من ذلك، ان المشاركة السياسية في عصر الثورة الرقمية يتطلب توازناً دقيقاً بين الاستفادة من الفوائد الكبيرة التي تقدمها التكنولوجيا وبين مواجهة التحديات والمخاطر المحتملة. ويجب على الحكومات والمجتمعات العمل معاً لتطوير سياسات وأطر قانونية تعزز من المشاركة السياسية وتحمي حقوق المواطنين، مع التركيز على التعليم والتوعية لتعزيز القدرات الرقمية للمواطنين وضمان استخدام التكنولوجيا بشكل آمن وفعال في العملية الديمقراطية.
المحور الثاني: الأطر القانونية لمواجهه التحديات التقنية الحديثة
شهد المجتمع الدولي تحولا جذريا نتيجة “الثورة الرقمية”، ولكن في الوقت نفسه عانى المجتمع العديد من التحديات والمخاطر الأخلاقية والقانونية، فثورة الرقمية، والتي تتميز بزيادة عدد المهام القابلة للتطبيق إلى ماهوأ بعد من القدرات البشرية، سيغير بالتأكيد مفهوم وتطبيق القواعد الدولية، لذا لابد من مراقبة الفوائد العظيمة للذكاء الاصطناعي من خلال نظام عالمي لتنظيم استغلاله وضمان وجود نظام يحترم القيم والأخلاق بطريقة تتفق مع المبادئ والقواعد الدولية، ولا سيما القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن هذه التحديات تتطلب التعاون والتنسيق الكاملين مع جميع الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي على كافة المستويات (اوروان، 2019، ص177).
فالثورة الرقمية حدث جديد في القانون الدولي وسبب ذلك عده تأثيرات سلبية وجذرية، ومن أهمها تأثيرها على قواعد القانون الدولي وكيفية الاعتماد على المبادئ التنظيمية للمجتمع الدولي في ظل هذه التحولاتت، وتزداد التعقيدات بسبب عدم وضوح المسئولية الدولية (المنعم، صفحة 3128)، حيث يتعامل المجتمع الدولي مع كيانات دولية فعلية وليست افتراضية كالذكاء الاصطناعي، وفي ضوء ذلك، ما هو الدور الذي ستلعبه الدول في مواجهة هذه التحولات ؟ هل يمكن أن يتبع الشكل القانوني المفترض لهذه التحولات الشكل التقليدي للالتزامات الدولية من خلال اتفاقيات وصكوك دولية، أم أن هناك أشكال أخرى جديدة تتوافق مع هذه التكنولوجيا؟ وعليه سنتناول في هذا المحور التحديات القانونية المنبثقة عن تبني الثورة الرقمية في مجال العدالة والقانون، والمستقبل الرقمي للقضاء.
أولا: التحديات القانونية المنبثقة عن تبني الثورة الرقمية في مجال العدالة والقانون
في العصر الحالي، تواجه العديد من النظم القانونية تحديات جديدة ناشئة عن تبني تكنولوجيا المعلومات، تأتي هذه التحديات من تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على العدالة والقانون، مما يتطلب مراجعة القوانين واللوائح القائمة لضمان توافقها مع التطورات التكنولوجية الحديثة، يتطلب هذا التحول إلى الرقمنة تكييف الإجراءات القانونية والقضائية، بما في ذلك تأمين البيانات الرقمية وحمايتها، وضمان محاكمات عادلة وشفافة في ظل التكنولوجيا الجديدة. بالتالي، يجب على الأنظمة القانونية والقضائية العمل على مواكبة التطور التكنولوجي وتطبيق أفضل الممارسات لضمان تحقيق العدالة والمساواة في هذا السياق (الصغير، 1992، ص61).
لذلك، يجب تنظيم هذا الأمر في إطار نظام يحترم الأخلاقيات والقيم البشرية، إلى جانب وضع نظام قانوني دولي منظم بالتعاون بين جميع الفاعلين الدوليين على جميع المستويات. فمن المعروف أن التكنولوجيا تتطور بسرعة أكبر من تطور القوانين التي تنظمها.
وعلى المستوى الدولي، نجد أن القوانين الدولية تتقدم ببطء شديد نتيجة لعدة أسباب، بما في ذلك اختلاف المصالح والرؤى بين الدول والجهود المستمرة لإيجاد أرضية مشتركة ترضي جميع الأطراف، وهذا الأمر لا ينجح في كثير من الأحيان. كما أن الاتفاقيات الدولية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للقانون الدولي، قد تستغرق سنوات للتوصل إليها. لذلك، من الضروري حاليًا البحث عن آليات قانونية جديدة تتناسب مع الطبيعة المتطورة لهذه المشكلة (Cross.، 2024)
هذه التحديات تتعلق بحماية البيانات الشخصية وضمان سرية المعلومات القانونية. بالإضافة إلى ذلك، تشمل تحديات تكنولوجيا المعلومات تأثيرها على إجراءات المحاكمات والتحقيقات القانونية، مثل استخدام البينات الرقمية كدليل في المحاكمات وضمان صحة وسلامة تلك البيانات. من المهم وضع سياسات وقوانين تنظم هذه الجوانب لضمان توازن بين الابتكار التكنولوجي وحماية الحقوق القانونية.
لذلك لابد من احداث تغيرات جذرية لكيفية تقديم العدالة وحماية الحقوق، وليست مجرد تحول تقني. تواجه هذه التحولات تحديات قانونية معقدة تتطلب حلولاً مبتكرة ومعلومات قيمة لفهمها والتعامل معها. في هذا السياق، سنستعرض أبرز هذه التحديات مع التركيز على الأبعاد الابتكارية والمعلومات الحاسمة.
- حماية البيانات الشخصية والخصوصية:
شهدت البيانات الشخصية تحولات جذرية بالتوازي مع التطور الذي طرأ على شبكة الإنترنت. ففي الماضي، كانت هذه البيانات تقتصر على معلومات تقليدية مثل اسم الشخص ولقبه وبعض التفاصيل البسيطة كالبريد الإلكتروني (فضل، 2013، ص307)، أما اليوم، وبعد الثورة الهائلة في مجال الإنترنت وتقنيات الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي، فقد توسعت نطاقات البيانات الشخصية لتشمل العديد من المعلومات الإضافية، مثل الصور الشخصية، والصوت، وبعض البيانات الأخرى كالوضع المالي، والأذواق، والعادات، والسلوكيات، وحتى بعض البيانات البيولوجية والحالة الصحية (كامل، 2016، ص7)، ومع هذا التطور في البيانات الشخصية، تطورت أيضًا المفاهيم المتعلقة بها وآليات حمايتها
فيما يتعلق بتعريف البيانات الشخصية في الجانب التشريعي، لم يقدم المشرع العراقي تعريفاً صريحاً للبيانات الشخصية عبر الإنترنت (اللامي، 2021، ص136) ومع ذلك، نص الدستور العراقي لعام 2005 على حماية الحياة الخاصة للأفراد وعدم التدخل فيها، وهو ما يميز هذا الدستور عن سابقيه. تُعتبر البيانات الشخصية جزءاً من الحق في الخصوصية (٢٠٠٥). كما تناول قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 العقوبات المفروضة على من ينتهك حق الأفراد في الخصوصية والتعرف على أسرارهم (الأخرى،)
يجدر بالذكر أنه لا يوجد حتى الآن اتفاقية دولية أو قانون نموذجي شامل يحكم مسائل البيانات الشخصية عبر الحدود. ولهذا، فإن الجهود الدولية لتنسيق هذا المجال تواجه تحديات طويلة وصعبة بسبب تضارب مصالح الدول المختلفة. تعتبر الدول هذه المصالح جزءاً من قيمها الأساسية، وبالتالي لا يمكن المساومة عليها أو التنازل عن بعضها. لذا، تلجأ الدول والمنظمات الدولية إلى التنسيق الإقليمي أو التعاون فيما بينها على أساس قيم متشابهة في حماية البيانات الشخصية.، لذلك تقوم بإبرام بعض الاتفاقيات الإقليمية والدولية، وإصدار مبادئ من قبل منظمات ومؤسسات ذات طابع دولي، وهذه الاتفاقيات والمبادئ غالباً ما تكون لها طبيعة التطبيق المباشر، متجاوزة بذلك عيوب وصعوبات النهج التقليدي (Huang، (2020), p 1283)
و في هذا السياق، أعلن الاتحاد الأوروبي رسمياً عن مجلس حماية البيانات الأوروبي، وأكد أن اللائحة العامة لحماية البيانات الشخصية (GDPR لعام 2016 تنطبق على معالجة البيانات الشخصية من قبل سلطات الصحة العامة وأصحاب العمل لأسباب تتعلق بتحقيق المصلحة العامة وحماية الصحة العامة (Statement by the EDPB Chair)، مما يلغي الحاجة إلى الاعتماد على موافقة الأفراد وبرزت أهمية هذه الإجراءات،بشكل خاص بعد تفشي جائحة كورونا، حيث كشفت الجائحة عن أهمية البيانات الشخصية للمصابين وضرورة عدم الكشف عن تفاصيلها علنًا.
كما تُعد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1953، الركيزة الأولى للتنظيم القانوني داخل الاتحاد الأوروبي، وعليه فإن حماية البيانات الشخصية حظيت باهتمام كبير على المستويين الدولي والإقليمي. وقد تجلى هذا الاهتمام في إصدار العديد من المواثيق الدولية التي تكرس حماية هذا الحق. من أبرز هذه المواثيق اتفاقية (108) لعام 1981، التي تُعد خطوة رئيسية في وضع القواعد المتعلقة بمعالجة البيانات الشخصية لثلاثة أسباب. أولاً، لأنها اتفاقية دولية ملزمة قانوناً. ثانياً، لأنها تربط حماية البيانات بحماية الحقوق الأساسية بشكل عام (حميسي،، ۲۰۱۹، ص ٦۰). ثالثاً، لأنها تعبر عن الارتباط الوثيق بين حماية البيانات والحق في الخصوصية، وضعت اتفاقية (108) (الرابط)مبادئ وشروطاً لمعالجة البيانات الشخصية عبر الحدود، مثل المعالجة القانونية والعادلة، تحديد الأغراض، الامتثال، الشفافية، أمن البيانات، وإدارة المخاطر، باعتبارها أساسيات لأي استخدام للبيانات.
أما اللائحة العامة لحماية البيانات الشخصية (GDPR لعام 2016، فتتضمن شروطاً لمعالجة البيانات الشخصية عبر الحدود. تتطلب هذه الشروط أن تتم معالجة البيانات بطريقة قانونية وشفافة، وأن يتم جمعها لأغراض محددة وصريحة، وألا تتم معالجتها بطرق تتعارض مع تلك الأغراض. كما تسمح بالمعالجة الإضافية لأغراض الأرشفة للمصلحة العامة أو لأغراض البحث العلمي، وفقاً للمادة 89(1)، في الختام تتطلب حماية البيانات الشخصية في العصر الرقمي تحديث القوانين، تبني ممارسات أمنية متقدمة، زيادة الشفافية، تعزيز الوعي العام، وتعاوناً دولياً.
- حماية الابتكار الرقمي: تحديث قوانين الملكية الفكرية:
الثورة الرقمية أدت إلى تغييرات كبيرة في مجال الملكية الفكرية. فقد زادت من صعوبة حماية الحقوق بسبب سهولة نسخ وتوزيع المحتوى الرقمي (بدر،، 2006، ص8)، ولكن في نفس الوقت، أدت إلى تطور أدوات جديدة لحماية هذه الحقوق وإدارتها فهي بذلك ، أحدثت تحديات جديدة في حماية الملكية الفكرية، حيث أصبحت المعلومات والأعمال الإبداعية متاحة بسهولة ويمكن توزيعها بدون إذن. هذا يجعل من الصعب على أصحاب الحقوق مراقبة استخدام ملكيتهم الفكرية وحمايتها. فالتطور التقني في مجال المصنفات وحقوق المؤلف أدى إلى تحويل المصنفات التقليدية إلى مصنفات إلكترونية رقمية عبر خاصية الترميز الرقمي وغير الرقمي. هذا التطور جعل الحياة أكثر سرعة وسهولة، حيث يمكن للأشخاص الوصول إلى المصنفات المطبوعة والمنشورة في قارات مختلفة عن تلك التي يعيشون فيها. هذا يثير التساؤلات حول الأثر المترتب على حقوق المؤلف في ظل هذا التطور، ومدى الحاجة إلى تحديث القوانين لضمان حماية حقوقهم في البيئة الرقمية المتغيرة.
نال موضوع الملكية الفكرية اهتمامًا قانونيًا واسعًا، خاصةً مع تطورها واتساع نطاقها. ازدادت أهميتها في الوقت الحالي بفضل التطور التقني الهائل والثورة المعلوماتية التي حولت العالم بأسره إلى قرية كونية إلكترونية، حيث تنتقل المعلومات بسهولة متجاوزة الحدود الجغرافية والسيادة الوطنية (الزواهرة،، 2013، ص5).
أثرت الثورة المعلوماتية والرقمية بشكل مباشر على الملكية الفكرية، وخصوصًا في مجال حقوق المؤلف. أصبح نشر المصنفات وعرضها وتوزيعها أكثر سهولة وسرعة بفضل التقنيات الحديثة التي أتاحتها التكنولوجيا. وقد أدى ذلك إلى انخفاض تكاليف النشر والتوزيع بشكل ملحوظ مقارنة بالطريقة التقليدية، مما يسهل وصول المصنفات إلى جمهور أوسع وبأسعار أقل (الكريم، 2009، ص19).
من ناحية أخرى، أدى التطور التقني إلى ظهور أدوات جديدة للحماية مثل التشفير والترخيص الإلكتروني، والتي تساعد في تأمين حقوق الملكية الفكرية في البيئة الرقمية. كما ساهمت في تطوير طرق جديدة لإدارة هذه الحقوق وتسجيلها وترخيصها، الثورة الرقمية أيضًا فتحت المجال لظهور أشكال جديدة من الملكية الفكرية مثل البرمجيات وقواعد البيانات والأعمال المشفرة، والتي تتطلب نظام حماية مخصصًا لها.
وتوجد عده اتفاقيات تتولى حماية الملكية الفكرية
- اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية: تعد اتفاقية باريس، التي أُبرمت في عام 1883، واحدة من أولى الاتفاقيات الدولية لحماية الملكية الصناعية. تشمل هذه الاتفاقية حماية البراءات، العلامات التجارية، الرسوم والنماذج الصناعية، والمؤشرات الجغرافية. تهدف إلى توفير حماية قانونية للمبدعين في الدول الأعضاء وتسهيل التعاون الدولي لضمان حقوق الملكية الصناعية على نطاق واسع(عمر، 2021، ص6).
- اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية: أُبرمت هذه الاتفاقية في عام 1886 وتهدف إلى حماية حقوق المؤلفين على أعمالهم الأدبية والفنية مثل الكتب، الموسيقى، واللوحات. تضمن اتفاقية برن حماية حقوق المؤلفين في جميع الدول الأعضاء دون الحاجة لإجراءات تسجيل رسمية، مما يضمن حقوقهم بشكل تلقائي ويعزز من الحماية الدولية للأعمال الإبداعية (١٩٧١)
- اتفاق تريبس: يُعرف أيضًا باتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، وهو جزء من منظمة التجارة العالمية وأُبرم في عام 1994. يهدف هذا الاتفاق إلى توحيد معايير حماية الملكية الفكرية في جميع دول العالم الأعضاء في المنظمة. يغطي اتفاق تريبس مجالات متعددة تشمل براءات الاختراع، حقوق المؤلف، والعلامات التجارية، ويلزم الدول الأعضاء بتطبيق هذه المعايير في قوانينها الوطنية لضمان مستوى متساوي من الحماية القانونية(فريد، 2007، ص58).
تتميز اتفاقية تريبس عن الاتفاقيات السابقة المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية بأنها لم تقتصر على وضع قواعد موضوعية، بل تضمنت أيضًا قواعد إجرائية تهدف إلى إنفاذ حقوق الملكية الفكرية بشكل فعال، شملت هذه القواعد مجموعة من الإجراءات والجزاءات التي يجب على الدول الأعضاء تضمينها في قوانينها الوطنية لضمان حماية فعالة (الشرمان، 2018) وقسمت اتفاقية تريبس دول العالم إلى ثلاث فئات، ورتبت وضعًا قانونيًا مختلفًا لكل فئة من الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية:
– الدول المتقدمة: يجب عليها الامتثال الكامل لمعايير الحماية التي نصت عليها الاتفاقية فورًا.
– الدول النامية: مُنحت فترة انتقالية لتنفيذ معايير الحماية، مما يتيح لها وقتًا إضافيًا لتعديل قوانينها وإجراءاتها لتتوافق مع متطلبات تريبس.
– الدول الأقل نموًا: حصلت على فترة انتقالية أطول من الدول النامية، بالإضافة إلى إمكانية تمديد هذه الفترة بناءً على احتياجاتها التنموية الخاصة
من خلال هذه الترتيبات، تسعى اتفاقية تريبس إلى تحقيق توازن بين حماية حقوق الملكية الفكرية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف الدول الأعضاء، مع مراعاة مستويات التنمية والتحديات المختلفة التي تواجهها كل دولة.
هذه الاتفاقيات تشكل الأساس القانوني لحماية حقوق الملكية الفكرية على الصعيد الدولي، وتساعد في تعزيز الابتكار والإبداع من خلال توفير حماية قانونية قوية للمبدعين والمبتكرين.
وفي ظل التطور التكنولوجي السريع، تواجه قوانين الملكية الفكرية تحديات جديدة لحماية الابتكارات الرقمية. التقنيات مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء تتطلب إطارًا قانونيًا محدثًا يأخذ بعين الاعتبار:
– الحماية القانونية للمصنفات الرقمية: يجب أن تشمل حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة للمصنفات التي تُنشر إلكترونيًا، بما في ذلك البرمجيات، التطبيقات، والأعمال الإبداعية الرقمية مثل الفيديوهات والصور التفاعلية، يُعد تحديث قوانين حقوق الملكية الفكرية ليشمل هذه المصنفات أمرًا حيويًا لضمان حقوق المبدعين في العصر الرقمي.
– التدابير التكنولوجية: يجب توفير حماية قانونية للتدابير التكنولوجية التي تُستخدم لحماية المصنفات الرقمية، مثل إدارة الحقوق الرقمية (DRM) وأنظمة التشفير التي تمنع الوصول غير المصرح به أو النسخ غير القانوني. حماية هذه التدابير تسهم في تعزيز أمان وأصالة المصنفات الرقمية.
– الثقافة حول الملكية الفكرية: يجب زيادة الوعي بأهمية الملكية الفكرية وحقوق المؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة، وذلك من خلال برامج تعليمية وتوعوية تستهدف المبتكرين والمستخدمين على حد سواء. تعزيز الثقافة حول الملكية الفكرية يساعد في تقليل الانتهاكات وتشجيع احترام حقوق المبدعين.
هذه التغييرات ضرورية لضمان حماية حقوق المبتكرين وعدم استغلال ابتكاراتهم في بيئة رقمية متغيرة باستمرار بالتالي، فإن تطوير إطار قانوني حديث يتماشى مع التقدم التكنولوجي يسهم في دعم الابتكار والنمو الاقتصادي المستدام.
ثانيا: المستقبل الرقمي للقضاء: ابتكارات وتحديات
في عالم متسارع التطور التكنولوجي، يمر نظام القضاء بمرحلة حاسمة تتطلب استشراف الابتكارات ومواجهة التحديات بحلول مبتكرة. تسعى التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والتحليلات الضخمة للبيانات، إلى تحديث عمليات القضاء والمحاكمات، مما يعزز من فعالية العدالة ويعمق الشفافية والمساءلة. بشكل عام، تحقيق العدالة السريعة يشكل أولوية رئيسية في معظم دول العالم، خاصة بعد جائحة كوفيد-19 التي دفعت بالحكومات نحو تعزيز خدماتها الحكومية الرقمية، بما في ذلك القضاء. على سبيل المثال، اتجهت العديد من الدول نحو رقمنة إجراءات التقاضي وعقد جلسات المحاكم عن بُعد، وفي هذا السياق، اتخذت مصر خطوات رائدة في مشروع التحول الرقمي لمؤسساتها بما في ذلك القضاء.
التحول الرقمي يهدف إلى تحسين بيئة العمل القضائي من النظام التقليدي المعقد والبطيء إلى نظام رقمي يعتمد على التكنولوجيا الحديثة في تنظيم المنظومة القضائية. هذا التحول ينعكس بشكل إيجابي على تحقيق العدالة السريعة من خلال إجراءات أكثر بساطة وفعالية (البغدادي، 2022، ص150).
بهذا النهج، يمكن أن يلعب التحول الرقمي دورًا محوريًا في تحسين الشفافية والمساءلة في القضاء، بالإضافة إلى تعزيز النظام القضائي بشكل عام وبناء الثقة العامة فيه.وتمثل المنصات القانون الرقمية التي تتجاوز الحدود جسراً بين الدول لتبادل المعلومات القانونية، مما يعزز من قدرة الدول على مواجهة التحديات القانونية المعاصرة كالجريمة العابرة للحدود والإرهاب بشكل أكثر فاعلية (هلال،، 2007، ص7).
مع زيادة أهمية الأمن السيبراني، يتعرض النظام القضائي لتحديات تتمثل في حماية بيانات الأطراف المعنية، ما يستدعي تبني سياسات واجراءات أمنية متقدمة للحفاظ على سرية المعلومات وسلامتها من التهديدات الإلكترونية، وتحقيق التقدم في هذا المجال يتطلب التفكير بعمق في التحديات التشريعية والأخلاقية والتقنية، مع التأكيد على احترام حقوق الإنسان وضمانات العدالة في كل جانب من جوانب التطوير والتنفيذ.
في نهاية المطاف، يأتي البحث والابتكار في سبيل تصميم نظم قضائية مستدامة ومتطورة، تسهم في تحقيق العدالة الشاملة وترسيخ الثقة في النظام القضائي، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، اذ يمكن استخدام التكنولوجيا المحمولة لتعزيز الوصول إلى العدالة، حيث يمكن لتطبيقات العدالة المحمولة تقديم الاستشارات القانونية وتقديم الدعاوى وحتى عقد جلسات محكمة افتراضية، مما يسهل الوصول إلى العدالة للأفراد في المناطق النائية أو الذين يفتقرون إلى الموارد، العدالة الرقمية والوصول إلى العدالة هما موضوعان مترابطان وحيويان في العصر الرقمي الحديث، يشيران إلى استخدام التكنولوجيا لتحسين وتسهيل عملية الوصول إلى العدالة والقضاء.
- العدالة الرقمية والوصول الى العدالة:
العدالة الرقمية تعني استخدام التقنيات الرقمية لتحسين النظام القضائي وجعل الوصول إلى العدالة أكثر سهولة وفعالية تشمل العدالة الرقمية مجموعة متنوعة من الأدوات والتطبيقات مثل الأنظمة الإلكترونية لإدارة القضايا، والمحاكم الإلكترونية، والتوثيق الإلكتروني، وغيرها من الابتكارات التقنية.
اذ تعد المحاكمة العادلة حقًا أساسيًا مكفولاً بموجب الوثائق والصكوك القانونية الدولية. يتضمن هذا الحق ضمانات متعددة للمتهم، مثل افتراض البراءة حتى تثبت إدانته قانونيًا، وحقه في معرفة التهم الموجهة إليه بلغة يفهمها، وحقه في المحاكمة دون تأخير غير مبرر، وحقه في مناقشة شهود الاتهام واستدعاء شهود النفي تحت نفس الشروط (فريجه، 2019 ، ص ٤٤٠).
وأثار استخدام الثورة الرقمية في إصدار القرارات والأحكام القضائية جدلاً كبيراً، خاصة فيما يتعلق بضمان المحاكمة العادلة. من أبرز التحديات:
1- لتحيز في البيانات: يمكن أن يؤدي تغذية الأنظمة ببيانات متحيزة إلى نتائج غير عادلة، سواء كان التحيز مقصودًا أو غير مقصود.
2- الاستنتاجات التجريبية: التجربة العملية في ولاية فيرجينيا الأمريكية أثبتت أن استخدام الخوارزميات أدى إلى زيادة عدد المتهمين المفرج عنهم بانتظار المحاكمة، دون زيادة في معدل تهربهم من المواعيد (Chouldechova، ،p15 2017).
وأثار هذا الاستخدام المخاوف بشأن الامتثال للمواد القانونية، مثل: المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بحق المتهم في محاكمة عادلة والمشاركة الفعالة في المحاكمة (Freedoms)، والمادة 47 من ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية التي تتعلق بحق المساواة في الإجراءات الجنائية وافتراض البراءة (THE EUROPEAN UNION).
وبناء على ماسبق يمثل استخدام التكنولوجيا الرقمية في النظام القضائي تحديًا كبيرًا لضمان المحاكمة العادلة. يجب على الأنظمة القانونية والقضائية العمل على تطوير هذه التكنولوجيا بطريقة تضمن الحفاظ على الحقوق الأساسية للمتهمين، مع مراعاة الجوانب الإنسانية والأخلاقية للنظام القضائي، وعلى المشرع العراقي في مشروع قانون العقوبات العراقي يجب عليه تضمين التكنولوجيا الرقمية (الخوارزمية) في مجال العدالة الجنائية في مشروع قانون العقوبات الجديد، وينبغي أن يكون استخدام التكنولوجيا الرقمية مصحوبًا بالحيطة والحذر والتدقيق العميق، كما يجب أن يتم تغذية البيانات الداخلة لنظام التكنولوجيا الرقمية من قبل العنصر البشري بإشراف دقيق لتحقيق الدقة والحيادية.
فنقترح الاستفادة من التجارب الدولية، مثل التشريع المغربي، لضمان حماية البيانات الشخصية، ويجب أن يشمل التشريع حقوق الأفراد في الموافقة على تجميع بياناتهم الشخصية ومعالجتها، وحق الاعتراض على المعالجة وفق مبررات قانونية ولا ينبغي أن تشمل استخدام التكنولوجيا الرقمية جميع الجرائم، خاصة التي تتطلب الترافع والتحليل البشري مثل جرائم القتل. وتهيئة الجهات العدلية على تبني السياسات الجوهرية للتكنولوجيا وضمان الاستخدام الإيجابي لها مع تطبيق الضمانات القانونية والسماح للأفراد بالنفاذ إلى بياناتهم المتعلقة بالأمن القومي والتحقيقات القضائية تحت مراقبة الهيئة الأمنية المختصة.
وعليه لابد من أن يتم إدخال التكنولوجيا الرقمية في نظام العدالة الجنائية بحذر، مع مراعاة حماية البيانات الشخصية وحقوق الأفراد. ومن مزايا العدالة الرقمية انها تمكن الأفراد من الوصول إلى الخدمات القانونية والقضائية بسهولة عبر الإنترنت، مما يوفر الوقت والجهد. القضاء الرقمي يتميز بالاعتماد على التقنية الرقمية في جميع الإجراءات القضائية، بدءًا من رفع الدعوى وإعلان الخصوم، مرورًا بانعقاد الجلسات، وحتى تنفيذ الأحكام إلكترونيًا، دون الحاجة للملفات الورقية. كما تتميز السجلات الرقمية بسهولة الوصول إلى المستندات الإلكترونية والاطلاع عليها (القرعاوي،، 2016، ص2).
وتعزيز الشفافية في الإجراءات القضائية من خلال إتاحة المعلومات للجمهور، تطبيق القضاء الرقمي يساهم في الحد من انتشار الفساد في القضاء عن طريق تقليل تدخل العنصر البشري في الإجراءات القضائية، مما يقلل فرص التلاعب والإهمال. النظام الرقمي يعزز الشفافية والثقة بين المنظومة القضائية والمتقاضين، حيث يمنع ضياع أو تلف المستندات على عكس النظام التقليدي الذي يشجع بعض ضعاف النفوس على الانحراف (الشرعة، 1990،ص64)، كما تحسن كفاءة العمليات القضائية وتقليل الزمن اللازم لمعالجة القضايا تحقيق الكفاءة والفاعلية في الإدارات القضائية يعني إنجاز القضايا بسرعة للوصول إلى عدالة سريعة. رقمنة القضاء تساهم في تحقيق ذلك من خلال تقليص تداول وتخزين الملفات الورقية في المحاكم، مما يرفع الكفاءة ويمنع فقدان أو تغيير مكان حفظ الملفات. كما تزيد من أمان الملفات الرقمية ضد السرقة أو التزوير باستخدام تقنيات حديثة مثل البلوك تشين. بالإضافة إلى ذلك، تسهل عملية التخزين الإلكتروني للملفات الرجوع إليها بسرعة، مما يحل مشكلات الحفظ والتسجيل والاسترجاع (Nguyen، p. 2.2008،)، وتقلل التكاليف المرتبطة بالإجراءات القضائية التقليدية، من أهم سمات القضاء الرقمي مرونة وسهولة الإجراءات. يساهم في تبسيط إجراءات التقاضي وتذليل العقبات التي تواجه القضاة والمتقاضين، مما يساعد على التغلب على التعقيدات التقليدية. هذا ينعكس على اختصار الوقت والجهد، ويسرع من تحقيق العدالة (Aboelazm، 11-50, 2022).
ومن الأمثلة ناجحة على المستوى الدولي نظام E-Justice في الاتحاد الأوروبي والذي بدأت فرنسا فكرة التقاضي الإلكتروني في عام 2007 باتفاقية بين وزارة العدل والمجلس الوطني لنقابة المحامين لإنشاء شبكة اتصال إلكتروني بين المحاكم والمحامين، مما أتاح للمتقاضين الاطلاع على الملفات وإرسال واستقبال الوثائق إلكترونيًا. تعمل وزارة العدل الفرنسية على تجهيز المحاكم بوسائل الاتصال الحديثة لإجراء المحاكمات بالصوت والصورة. في عام 1999، بدأ القضاء الإداري في تنفيذ التقاضي الإلكتروني عبر نظام “منتيل”، الذي استبدل لاحقًا بالبريد الإلكتروني للتبادل الإلكتروني للمذكرات القانونية بين المحامين (العدوان،، 2020، ص94). يهدف إلى تحسين التعاون القضائي بين الدول الأعضاء من خلال منصات إلكترونية مشتركة.
فضلا عن المحاكم الافتراضية في سنغافورة اذ تعد سنغافورة نموذجًا رائدًا في تطبيق القضاء الرقمي، حيث بدأت في تحديث محاكمها في أوائل التسعينات من خلال اعتماد التكنولوجيا الحديثة لتحسين إدارة القضايا. خلال عقد من الزمن، أصبحت محاكم سنغافورة من بين الأعلى كفاءة في جنوب شرق آسيا. حاليًا، توفر المحاكم جلسات استماع عن بعد، مما يسمح للأطراف بالتقاضي عبر التبادل الرقمي للوثائق القضائية. كما تم تفعيل نظام الهوية الإلكترونية الوطنية، مما يسهل على المواطنين الوصول إلى خدمات الحوكمة الإلكترونية (Radautanu، 2020). حيث يمكن للمدعين والمدعى عليهم التفاعل مع القضاة من خلال جلسات استماع عبر الفيديو.
في الختام، يمكن القول إن العدالة الرقمية هي جزء لا يتجزأ من الجهود المبذولة لتعزيز الوصول إلى العدالة، حيث تعمل على تحويل النظام القضائي ليكون أكثر شمولية وكفاءة وشفافية. تطور التكنولوجيا المستمر يلعب دورًا كبيرًا في تحقيق هذه الأهداف وتسهيل حصول الأفراد على حقوقهم القانونية بشكل عادل وسريع.
- منصات قانونية رقمية عابرة للحدود
في عصر العولمة والتكنولوجيا المتسارعة، أصبحت منصات القانون الرقمية العابرة للحدود ضرورة ملحة لتعزيز التعاون القانوني الدولي وتسهيل الوصول إلى العدالة. تعتمد هذه المنصات على تقنيات حديثة لتقديم خدمات قانونية مبتكرة وشاملة، مما يسهل التعامل مع القضايا القانونية عبر الحدود الجغرافية بكفاءة وسرعة.
منصات القانون الرقمية العابرة للحدود هي أنظمة إلكترونية تعتمد على الإنترنت لتقديم مجموعة كاملة من الخدمات القانونية، بدءًا من الاستشارات القانونية وإعداد الوثائق وصولًا إلى إجراء المحاكمات. تسمح هذه المنصات للمحامين، القضاة، والأطراف المتنازعة بالتواصل والتفاعل بسهولة بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية.
– تسهيل الوصول إلى العدالة: تتيح هذه المنصات للأفراد الحصول على المشورة القانونية ورفع الدعاوى القضائية دون الحاجة للسفر أو الانتقال بين المحاكم المختلفة، مما يوفر الوقت والمال.
– تعزيز التعاون الدولي: تُسهل هذه المنصات تبادل المعلومات والأدلة بين الدول المختلفة، مما يساعد في مكافحة الجريمة العابرة للحدود وتطبيق القانون بشكل أكثر فعالية
– لشفافية والكفاءة: تُحسن هذه المنصات من شفافية الإجراءات القانونية وتزيد من كفاءة العمليات القضائية من خلال تقليل الوقت اللازم لمعالجة القضايا وتسهيل الوصول إلى المعلومات.
– الأمان والسرية: توفر هذه المنصات مستويات عالية من الأمان والسرية باستخدام تقنيات مثل التشفير والبلوك تشين لحماية البيانات القانونية الحساسة.
رغم ذلك توجد هناك تحديات منها مايتعلق بكيفية التعامل مع القوانين المختلفة في دول متعددة تحديًا كبيرًا، حيث تختلف التشريعات والإجراءات القانونية من بلد إلى آخر، فتعتبر حماية البيانات القانونية في العصر الرقمي أمرًا بالغ الأهمية، وتعد الهجمات السيبرانية تهديدًا كبيرًا لسلامة المعلومات القانونية، كما تتطلب هذه المنصات بنية تحتية تكنولوجية متقدمة، مما قد يمثل تحديًا في بعض الدول ذات الإمكانيات المحدودة. فضلا عن ان المحامون والقضاة يحتاجون إلى التدريب على استخدام هذه التقنيات الحديثة والتكيف معها لضمان استخدامها بفعالية.
من أمثلة على منصات قانونية رقمية عابرة للحدود، منصة e-CODEX مبادرة أوروبية تهدف إلى تحسين التعامل القضائي الإلكتروني عبر الحدود داخل الاتحاد الأوروبي. تمثل e-CODEX تقنية تفاعلية متقدمة تهدف إلى توحيد وتبسيط التواصل الإلكتروني بين السلطات القضائية والمحامين والمواطنين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
اذ تعتمد منصة e-CODEX على مجموعة من المعايير والبروتوكولات التقنية التي تمكن التبادل الآمن للمعلومات القانونية والقضائية بين الدول الأعضاء. تشمل هذه المعايير استخدام XML وواجهات البرمجة التطبيقية (APIs) الموحدة لضمان توافق النظم القضائية المختلفة داخل الاتحاد الأوروبي.
ومن بين الأهداف الرئيسية لمنصة e-CODEX تسهيل الوصول إلى العدالة عبر الحدود، وتقليل التأخيرات في الإجراءات القضائية، وتحسين التعاون القضائي بين الدول الأعضاء. كما تساهم المنصة في تقديم خدمات قانونية أكثر فعالية وفعالية، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى المعلومات القانونية والمحاكمات عبر الإنترنت وعبر الحدود بشكل أسرع وأسهل بالنسبة للمواطنين والمحامين على حد سواء.
بشكل عام، تعد منصة e-CODEX مبادرة مهمة لتعزيز التكامل القانوني الأوروبي وتحسين التعامل القضائي عبر الحدود في الاتحاد الأوروبي، مما يسهم في تعزيز الثقة في النظم القضائية الأوروبية وتعزيز حقوق المواطنين في الحصول على عدالة متساوية ومنصفة.
اما منصة LexMachina: توفر هذه المنصة تحليلات قانونية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يساعد المحامين في التعامل مع القضايا القانونية المعقدة من خلال تقديم بيانات وتحليلات متقدمة. تأسست Lex Machina في عام 2010، وأصبحت جزءًا من شركة LexisNexis في عام 2015. تهدف المنصة إلى مساعدة المحامين والشركات القانونية في اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على بيانات تحليلية دقيقة وموثوقة. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، تقوم Lex Machina بتحليل كميات هائلة من البيانات القضائية وتقديم رؤى معمقة حول اتجاهات القضايا ونتائجها. هذا يمكن المحامين من بناء استراتيجيات قانونية فعّالة وتحديد أفضل السبل للتعامل مع الدعاوى.
فضلا عن ذلك، تقدم Lex Machina تقارير مخصصة وإحصاءات تساعد في فهم أداء القضاة والمحاكم، مما يتيح للمحامين توقع مسار القضايا بشكل أفضل. كما توفر المنصة أدوات لمقارنة أداء الشركات القانونية وتحديد نقاط القوة والضعف، مما يعزز من قدرتها على تقديم خدمات قانونية عالية الجودة. تعتبر Lex Machina أداة لا غنى عنها للمحامين الذين يسعون لتحقيق ميزة تنافسية في سوق القانون الحديث. ويمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل البيانات القانونية وتقديم توصيات مبنية على البيانات، مما يحسن من كفاءة وجودة الخدمات القانونية.
تعزز تقنيات البلوكتشين أمان وسرية المعاملات القانونية من خلال توفير سجلات غير قابلة للتعديل ومشفرة. قد تتيح هذه التقنيات تنظيم جلسات محاكمة افتراضية بشكل أكثر تفاعلية، مما يسهم في تحسين تجربة التقاضي عن بعد.
تمثل منصات القانون الرقمية العابرة للحدود تطورًا نوعيًا في كيفية تقديم وتلقي الخدمات القانونية على المستوى الدولي. وعلى الرغم من التحديات، فإن الفوائد الكبيرة التي تقدمها تجعلها جزءًا أساسيًا من مستقبل النظام القضائي العالمي.
لمواجهة التحديات القانونية الدولية والجرائم السيبرانية، يمكن تطوير منصات قانونية رقمية تعبر الحدود تسهل التعاون الفوري بين الأنظمة القضائية في مختلف الدول. تلك المنصات يمكن أن تسهل تبادل المعلومات وتنسيق الجهود لمكافحة الجرائم العابرة للحدود بفعالية أكبر.
وعليه فان تبني الثورة الرقمية في مجال العدالة والقانون يمثل فرصة لإعادة تعريف العدالة بطرق مبتكرة تحقق الشفافية، الكفاءة، والوصول للجميع. ولكن لتحقيق ذلك، يجب مواجهة التحديات القانونية بذكاء وابتكار، مستندين إلى المعلومات القيمة والتقنيات الحديثة لضمان نظام قانوني عادل وفعال في العصر الرقمي.
- الامن السيراني في النظام القانوني:
النقطة الأساسية التي تمثلها التحديات القانونية هي غياب الإطارات التشريعية والتنظيمية الملائمة للتعامل مع النتائج القانونية وغير القانونية للأنشطة في الفضاء السيبراني. يتطلب النشاط الاقتصادي والتجاري وغيره من الأنشطة تحديدًا واضحًا للواجبات والحقوق لضمان حماية مستخدمي التقنيات في الفضاء السيبراني.
فالأمن السيبراني في النظام القانوني هو مجال حديث ومتطور يركز على حماية المعلومات والأنظمة المعلوماتية من التهديدات السيبرانية. هذا المجال يتضمن مجموعة من السياسات والإجراءات والقوانين التي تهدف إلى ضمان سلامة وأمن المعلومات في الفضاء السيبراني.
تضع الدول قوانين لحماية البيانات ومكافحة الجرائم السيبرانية وتنظيم استخدام التكنولوجيا. على سبيل المثال، قانون حماية البيانات العامة (GDPRفي أوروبا وقوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتعمل الدول معًا عبر معاهدات واتفاقيات دولية، مثل اتفاقية بودابست، لتنسيق الجهود في مكافحة الجرائم السيبرانية وتعزيز الأمن السيبراني.
وتأسس هيئات وطنية لتنظيم ومراقبة الأنشطة السيبرانية وضمان الامتثال للقوانين والسياسات ذات الصلة، وتطوير استراتيجيات وطنية للأمن السيبراني تتضمن هذه الاستراتيجيات خططًا للتعامل مع الحوادث السيبرانية، حماية البنية التحتية الحيوية، وتعزيز الوعي العام بأهمية الأمن السيبراني.
وعليه لابد من ان يكون هناك تعاون بين القطاعين العام والخاص ضروري لتبادل المعلومات حول التهديدات السيبرانية وأفضل الممارسات، وتطوير آليات للاستجابة السريعة والفعالة للحوادث السيبرانية من خلال التعاون بين الجهات الحكومية والشركات الخاصة.
فالتطور السريع للتكنولوجيا يصعب على القوانين مواكبة التغيرات السريعة والتحديات الجديدة، والتباين الواضح في القوانين والسياسات بين الدول يعيق التعاون الدولي الفعال. وان حماية خصوصية الأفراد وضمان الأمن الوطني يمثل تحديًا قانونيًا كبيرًا.
عندما تكون الأطر التشريعية غير موجودة، تؤثر الجرائم السيبرانية بشكل سلبي على عمليات البيانات التي تتعلق بحقوق الإنسان الدولية، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة العنف الرقمي وتسبب أضراراً اقتصادية خطيرة. لذا، إدارة مخاطر الأمن السيبراني بشكل منهجي تهدف إلى حماية الأصول المعلوماتية والتقنية والامتثال للسياسات والإجراءات التنظيمية والمتطلبات التشريعية، و نظرًا لطبيعة الفضاء السيبراني العابرة للحدود، يعترف قطاع تنمية الاتصالات بأهمية التعاون الدولي في تعزيز الثقة في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وضمان أمن استخدامها. يجدد القطاع دعمه للدول في وضع تدابير محددة تتعلق بالأمن السيبراني على الصعيدين الوطني والدولي، بهدف التصدي لمخاطر متنوعة تواجه هذا المجال. يهدف ذلك أيضًا إلى تسهيل تبادل أفضل الممارسات عبر الحدود لتعزيز الاستجابة العالمية للتحديات السيبرانية المتزايدة.
يمثل الأمن السيبراني في النظام القانوني جهدًا متكاملًا يجمع بين التشريعات والسياسات والبنية التحتية القانونية والتعاون بين مختلف الجهات. الهدف هو توفير بيئة آمنة وموثوقة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مع التصدي للتحديات والتهديدات التي تواجه الفضاء السيبراني بشكل فعال ومنهجي. من الضروري أن تواصل الدول تطوير قوانينها وسياساتها لمواكبة التطورات التكنولوجية والتصدي للمخاطر السيبرانية الجديدة.
الخاتمة :
من خلال ماتقدم يتبين ان الثورة الرقمية تمثل تحديًا وفرصا على حد سواء للأنظمة السياسية والقانونية العالمية. ومن خلال استعراض المحور الأول الذي تناول الدبلوماسية الرقمية والمشاركة السياسية والتحول الرقمي ودور الاقتصاد الدولي، نجد أن التكنولوجيا الرقمية قد أوجدت مسارات جديدة للتفاعل بين الدول والشعوب. فأنالدبلوماسية الرقمية، على سبيل المثال، أصبحت أداة أساسية في تحقيق التواصل السريع والفعال بين الحكومات، مما يعزز من قدرتها على الاستجابة للأزمات والتفاعل مع القضايا العالمية بمرونة وسرعة غير مسبوقة. إضافة إلى ذلك، فإن التحول الرقمي يساهم في تعزيز المشاركة السياسية من خلال تمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات والمشاركة في النقاشات العامة، مما يزيد من شفافية الحكومات ومساءلتها.
لكن، مع هذه الفرص، تأتي تحديات كبيرة. فالأطر القانونية الحالية قد لا تكون مهيأة بشكل كافٍ لمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة، مما يستدعي إعادة النظر في التشريعات والسياسات لتتناسب مع العصر الرقمي. بالاضافه الى أهمية تطوير قوانين تواكب التغيرات التقنية وتحد من المخاطر المرتبطة بالأمن السيبراني، وحماية البيانات الشخصية، وحقوق الملكية الفكرية. يجب أن تتبنى الدول سياسات شاملة توازن بين تشجيع الابتكار وحماية حقوق الأفراد والمجتمعات.
لذلك نجد ان الثورة التكنولوجية لم تؤثر فقط على الأفراد بل شملت المجالات القانونية أيضًا، حيث أدت إلى نشوء تشريعات جديدة مواكبة لهذا التطور التقني، مع الحفاظ على حقوق الأفراد. حيث يعتبر القانون الشريعة الحاكمة والمنظمة لعلاقات الأفراد في المجتمع، ولهذا كان من الضروري أن يتطور لمواكبة التغيرات التكنولوجية الهائلة.
من جانب اخر نجد ان تفعيل القضاء الرقمي بنجاح، يجب من الضروري توفير التعليم والتدريب المستمر للقضاة والمحامين والموظفين القضائيين على استخدام التقنيات الحديثة وأفضل الممارسات في هذا المجال، بهذه الطريقة، يساهم التحول الرقمي في تعزيز فعالية النظام القضائي، تحسين الوصول إلى العدالة، وضمان حماية الحقوق في العصر الرقمي
في النهاية، يتطلب التعامل مع الثورة الرقمية تعاونًا دوليًا مكثفًا وتنسيقًا بين مختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك الحكومات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني. تبني رؤية مستقبلية مشتركة يمكن أن يسهم في تعزيز الاستفادة من الفرص التي تقدمها التكنولوجيا الرقمية، بينما يحد من التحديات والمخاطر المرتبطة به.
التوصيات:
- تعزيز الدبلوماسية الرقمية حيث يتطلب تعزيز الدبلوماسية الرقمية تكامل الأدوات الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت مع الأدوات التقليدية. ويمكن للحكومات استخدام هذه المنصات للوصول إلى جمهور عالمي بشكل أسرع وأكثر فعالية، مما يعزز التفاهم المتبادل والتعاون. والعمل على إنشاء محتوى استراتيجي حيث يجب على الدول تطوير محتوى استراتيجي يعكس سياساتها وأهدافها بطريقة جذابة وفعالة. ويمكن استخدام الفيديوهات، المقالات، والرسوم البيانية لشرح السياسات وجذب انتباه الجمهور العالمي.
من جانب اخر يجب تدريب الدبلوماسيين على المهارات الرقمية حيث ينبغي أن يتلقى الدبلوماسيون تدريبًا شاملًا على استخدام الأدوات الرقمية وكيفية إدارة الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال. يشمل هذا التدريب كيفية التعامل مع الأزمات عبر الإنترنت والتفاعل مع الجمهور بشكل مباشر.
بالاضافه الى ذلك تطوير برامج تعليمية مخصصة حيث يمكن للدول إنشاء برامج تعليمية مخصصة تتضمن ورش عمل، دورات تدريبية، ومحاكاة سيناريوهات حقيقية لتحسين مهارات الدبلوماسيين في التواصل الرقمي.
- تشجيع المشاركة السياسية الرقمية وذلك من خلال اتباع هذه الخطوات
– نشر المعلومات الحكومية على الإنترنت: يجب على الحكومات نشر جميع المعلومات ذات الصلة على الإنترنت، بما في ذلك القوانين، السياسات، والبيانات المالية. يساعد هذا على تعزيز الشفافية وزيادة ثقة المواطنين في حكوماتهم.
– تطبيقات الحكومة المفتوحة:يمكن تطوير تطبيقات حكومية تتيح للمواطنين الوصول إلى المعلومات والمشاركة في صنع القرار. هذه التطبيقات يجب أن تكون سهلة الاستخدام ومتاحة للجميع.
– منصات المشاركة الإلكترونية: إنشاء منصات إلكترونية تسمح للمواطنين بالمشاركة في النقاشات السياسية والتصويت على القضايا الهامة. يمكن أن تكون هذه المنصات على شكل مواقع ويب أو تطبيقات هاتفية.
– حماية البيانات والخصوصية: لضمان مشاركة المواطنين بشكل آمن، يجب على الحكومات تبني سياسات قوية لحماية البيانات والخصوصية. يتضمن ذلك استخدام تقنيات التشفير وضمان عدم استخدام البيانات الشخصية لأغراض غير مشروعة.
- تحفيز الاقتصاد الدولي الرقمي من خلال العمل على تسهيل العمليات التجارية عبر الإنترنت: وذلك القيام بدعم السياسات التي تسهل التجارة الإلكترونية مثل تخفيف القيود الجمركية وتبسيط الإجراءات التنظيمية يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي. يجب أيضًا توفير منصات إلكترونية آمنة للتبادل التجاري تشجيع الابتكار في التكنولوجيا المالية: تعزيز الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech) من خلال توفير بيئة تنظيمية مرنة وداعمة يمكن أن يسهم في تحسين الخدمات المالية وجعلها أكثر شمولية.الاستثمار في شبكات الإنترنت السريعة:لضمان وصول الجميع إلى الإنترنت بسرعة وكفاءة، يجب على الدول الاستثمار في تطوير شبكات الإنترنت السريعة والموثوقة، خاصة في المناطق النائية بالاضافة الى تعزيز الحوسبة السحابية، حيث يمكن أن يساعد الشركات على تخزين ومعالجة البيانات بفعالية أكبر، مما يعزز الابتكار والنمو الاقتصادي. يجب أيضًا توفير الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة للوصول إلى هذه الحلول.
- تطبيق تكنولوجيا العدالة الرقمية في النظام القضائي العراقي لضمان وصول عادل وسريع للعدالة، مع تحديث القوانين لحماية البيانات الشخصية وتعزيز شفافية الإجراءات القضائية، والاستفادة من الخبرات الدولية لتعزيز الكفاءة والحد من الفساد. تشمل هذه الجهود إصدار قانون خاص بالتطورات الرقمية، تعزيز القدرات التقنية للجهات القضائية، إنشاء مراكز وطنية متخصصة، وتعزيز التعاون الدولي، إضافة إلى تحديث التشريعات الحالية لمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة.
- ضرورة تحديث القوانين واللوائح القائمة في العراق لتكييفها مع التطورات التكنولوجية الحديثة، وضمان حماية البيانات الرقمية وتأمينها، وتعزيز الشفافية والعدالة في المحاكمات. هذا يتطلب تطوير نظام قانوني متطور يحترم الأخلاقيات والقيم البشرية، ويتكيف مع التطورات السريعة للتكنولوجيا. يشمل الخطة أيضًا تطوير منصة قانونية رقمية تعبر الحدود لتعزيز التعاون الدولي القضائي وتحسين الوصول إلى العدالة، مع التركيز على التدريب التقني للمحامين والقضاة لضمان تكامل النظام القانوني مع التطورات الرقمية العالمية.
- ضرورة إصدار قانون عراقي شامل ومحدث لحماية البيانات الشخصية يتوافق مع المعايير الدولية مثل GDPR، يشمل تعريفًا دقيقًا للبيانات الشخصية وآليات فعالة لحمايتها، بالإضافة إلى ضوابط صارمة لمعالجة البيانات، بهدف حماية حقوق الأفراد في الخصوصية وتعزيز الثقة في البيئة الرقمية.كما يتضمن التحديث اللازم لقوانين الملكية الفكرية في العراق لتشمل حماية المصنفات الرقمية واعتماد التدابير التكنولوجية الحديثة مثل إدارة الحقوق الرقمية (DRM) والتشفير، مع زيادة الوعي بأهمية الملكية الفكرية عبر برامج تعليمية وتوعوية. هدف هذه الجهود هو ضمان حقوق المبدعين في البيئة الرقمية، وتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي المستدام.
المصادر باللغة العربية:
أسامة احمد بدر،. (2006، ص8). تدوال المصنفات على شبكة الانترنيت، دار الكتب القانونية، .
أسامة عبد السلام السيد،. (2019،ص355-359). الاقتصاد الرقمي. أبو ضبي: دار جدة للنشر والتوزيع،.
بيتر بي سيل،. (2021، ص27). الكون الرقمي: الثورة العالمية في الاتصالات. المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي سي اي سي،.
تفاقية برن لحماية المصنفات الادبية والفنية لعام ۱۸۸٦ وكافة تعديلاتها الى عام ١٩٧١. (بلا تاريخ).
جبالي أبو هشيمة كامل. (2016، ص7). ، “حماية البيانات الشخصية في البيئة الرقمية”، بحث مقدم إلى مؤتمر العصر الرقمي وإشكالياته القانونية، كلية الحقوق، جامعة أسيوط،.
جميل عبد الباقي الصغير. (1992، ص61). القانون الجنائي وتقنية المعلومات، دار النهضة العربية.
جوهر الجموسي،. (2023، ص65). الافتراضي والثورة: مكانة الإنترنت في نشأة مجتمع مدني عربي. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،.
حازم الشرعة. (1990،ص64). التقاضي الالكتروني والمحاكم الالكترونية، ط١، دار الثقافة للنشر، الأردن ،.
حسام محمد عمر. (2021، ص6). المنافسة غير المشروعة للعلامات التجارية (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير، جامعة القدس ،.
حسين الكعبي، يوسف القرعاوي،. (2016، ص2). مفهوم التقاضي عن بعد ومقتضايته، مجلة المحقق المحلي للعلوم القانونية، عدد١، .
خالد محمدغازي. (2023،ص135). الإعلام الناعم: كيف يتم تشكيل العقول. بيروت: وكالة الصحافة العربية،.
رامي إبراهيم حسن الزواهرة،. (2013، ص5). النشر الرقمي للمصنفات، دار وائل للطباعة والنشر، ، .
رضا حميسي،. ( ۲۰۱۹، ص ٦۰). الضمانات القانونية لحماية البيانات الشخصية في الفضاء الرقمي”، المؤتمر الثالث للقانون والعدالة، جامعة علوم الإسلام، كلية الشريعة والقانون ماليزيا،. بحث منشور على.
رضوان أبو شعيشع السيد. (2017، ص11). الاقتصاد الرقمي. القاهرة: مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع،.
سعد غالب ياسين، وبشير عباس العلاق. (2009، ص176). التجارة الإلكترونية. عمان: دار المناهج للنشر والتوزيع، جامعة زيتونة الأردنية.
سليمان الصالح. (2004، ص36). وسائل الإعلام والدبلوماسية العامة. عمان: دار الفكر للطباعة والنشر.
عادل عبد الصادق. (2021، ص46). الرقمنة والأوبئة: التحديات والفرص في ضوء جائحة كوفيد 19. القاهرة: المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني.
عادل عبد الصادق،. (2020، ص24-26). الاقتصاد الرقمي: تحديات السيادة السيبرانية. القاهرة: المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني،.
عائشة. خيرة ويفي بوعشيبة،. (2019، ص25). الدبلوماسية الرقمية وبناء الصور الذهنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي: دراسة لبعض التجارب العالمية. المجلة الجزائرية للعلوم الإنسانية والاجتماعية،.
عبد الرؤوف محمد اسماعيل. (2018، ص 98). المدينة الذكية استراتيجية دعم التحول الرقمي. القاهرة: دار روابط للنشر ودار الشقري للنشر، جامعة جنوب الوادي.
عبد القادر دندن، وآخرون. (2021، ص 299). العلاقات الدولية في عصر التكنولوجيات الرقمية تحولات عميقة مسارات جديدة. القاهرة: مركز الكتاب الأكاديمي،.
عبد الله عبد الكريم. (2009، ص19). الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية على شبكة الإنترنت، دار الجامعة الجديدة، .
علاوةفوزي. (2022، ص403). الصناعات الثقافية والإعلامية: جدلية التقنية والمجتمع. القاهرة: دار الكتاب للنشر،.
علي عبد الفتاح كنعان. (2015، ص37). الصحافة الإلكترونية في ظل الثورة التكنولوجية. بيروت: دار اليازودي للنشر،.
عماد محمد مرزا دوسكي. (2020، ص65). الدبلوماسية الرقمية: التمكين وإدارة التأثير في السياسة الخارجية. بيروت: دار المكتبات للطباعة والنشر.
كمال منصوري، وعيسى خليفي. (2008،223). اندماج اقتصاديات البلدان العربية في اقتصاد المعرفة: المقومات والعوائق. مجلة اقتصاديات شمال أفريقيا، العدد 4، جامعة بسكرة.
ما هي الاتفاقية (۱۰۸) ، متاح على الرابط.. https://www.wrangu.com/what-is .
ماجد العدوان،. (2020، ص94). التقاضي الإداري الالكتروني في النظام القانوني الأردني، دراسة مقارنة ، مجلة جامعة العين للاعمال والقانون ، ج٣، العدد١، .
محمد فوزي إبراهيم محمد، احمد محمد البغدادي. (2022، ص150). القضاء الرقمي والمحاكم الافتراضية، مجلة بنها للعلوم الإسلامية، العدد١، الجزء الثاني،.
محمد هشام فريجه. (2019 ، ص ٤٤٠). ضمانات الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدوليةالحقوق الإنسان، مجلة الفكر العدد العاشر ، https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/131/9/1/39.
محمد هلال،. (2007، ص7). المحكمة الرقمية، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر، الإسكندرية، .
منى تركي الموسوي، جان سيريل فضل. (2013، ص307). الخصوصية المعلوماتية وأهميتها ومخاطر التقنيات الحديثة عليها”، مركز بحوث السوق وحماية المستهلك، جامعة بغداد، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية،العدد الخاص بمؤتمر الكلية،.
ناصر محمد الشرمان. (2018). ، اتفاقية الترييس وتأثيرها على الصناعات الدوائية ، مجلة جامعة تكريت للحقوق المجلد 04 العدد ص منشور على 182 2016 29 13:56 26/08/2018 على الساعة https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=11657.
زينب ستار جبار كاظم اللامي. (2021، ص136). الحماية المدنية للبيانات الشخصية عبر الانترنت دراسة مقارنة”، جامعة ميسان، كلية القانون، مجلة ميسان للدراسات القانونية المقارنة ، المجلد ۱ ، العددة ، .
نصر أبو الفتوح فريد. (2007، ص58). ، حماية حقوق الملكية الفكرية في الصناعات الدوائية، دار الجلمعة الجديدة، مصر، .
نيك كولدري،. (2014، ص168). شبكات التواصل الاجتماعي والممارسة الإعلامية. القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع.
هارون اوروان. (2019، ص177). التحديات القانونية لصناعة السياحة في العصر الرقمي، المجلة الدولية للقانون، المجلد٢٠١٩، عدد خاص،.
وائل عبد العال،. (2018،11). الدبلوماسية الرقمية ومكانتها في السياسة الخارجية الفلسطينية. فلسطين: منشورات مركز تطوير الإعلام، جامعة بيرزيت.
وليد خلف. (2016،ص32). أثر الدبلوماسية الرقمية في تحسين صورة الدولة. مجلة علاقات لصناعة العلاقات العامة، بيروت، العدد 15.
ياسمين عبد المنعم. (2020، ص3128). التحديات القانونية الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، حالة الأسلحة الالية ذاتية التشغيل، المجلة القانونية.
يحيى ابراهيم دهشان. (2022, ص14). الحماية الجنائية للبيانات في ظل التحول الرقمي. مصر: كلية الحقوق، جامعة الزقازيق،.
ينظر: المادة (۱۷) من الدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥..
ينظر: المادة (٤٣٨) من قانون العقوبات العراقي رقم (۱۱۱) لسنة ١٩٦٩ . وينظر: المادة (۲) القانون رقم (٦) ، لسنة ۲۰۰۸ ، ) تعديل الغرامات الواردة في قانون العقوبات رقم ۱۱۱ ، لسنة ١٩٦٩ المعدل والقوانين الخاصة الأخرى، وينظر المادة (۷) من قانون الأحوال المدنية العراقي.
المصادر بالانكليزية:
Radautanu, V., et al. (2020). From digital transformation: A case for online courts in commercial disputes. European Bank. London, England
Aboelazm, K. (2022). The role of the digital transformation in improving the judicial system in Egyptian Council of State. Journal of Law, BUE, 2(1), 11-50.
Nguyen, L. (2008). A preliminary survey. In 19th Australian Conference on Information Systems (p. 2).
THE EUROPEAN UNION, Official Journal of the EuropeanUnion,C326/391,26.10.2012,article https://eurlex.europa.eu/legalcontent/EN/TXT/PDF/?uri=CELEX:12012P /TXT &fr om-EN
Convention for the Protection of Human Rights and Fundamental Freedoms (European Conventionon human Rights),(hereinafter:ECHR), https://www.echr.coe.int/documents/convention eng.
Chouldechova, A. (2017). Fair prediction with disparate impact: A study of bias in recidivism prediction instruments (Heinz College, Carnegie Mellon University, pp. 5-15). Retrieved from https://www.andrew.cmu.edu/user/achoulde/files/disp