أ م د محمد خضير عباس الجيلاوي
كلية الطوسي الجامعة – قسم علوم القرآن الكريم – النجف الأشرف – العراق
Mohammed.KH@altoosi.edu.iq
009647801579876
الملخص
إنَّ موضوع القيم كان وما يزال يشكل اهتمام الكثير من الباحثين والدارسين، لا سيما في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية نظراً لما تؤديه منظومة القيم من دور رئيس في تنظيم المجتمع وبنائه بشكل عام. وإنّ المنظومة القيمية في فكر الإمام علي بن أبي طالب هي منظومة متكاملة في الأخلاق والدين والسياسة والإدارة، وهي رافد مهم لبناء المجتمع وذلك عن طريق الأُسس والمعايير التي جاء بها في خلافته، وهي ليست مجرّد معركة تاريخية حصلت يمرّ عليها الباحثون والمؤرّخون مرور الكرام، بقدر ما هي إصلاح المنظومة الإدارية في كافة جوانبها، عن طريق إرساء القواعد الأخلاقية الإسلامية فيه؛ إذ أثبتت الدراسات الإدارية المستفيضة الأثر الواضح للإمام علي بن أبي طالب في تكوين هذه القيم للدولة في كافة جوانبها. ولا يخفى أنَّ أكثر المشاكلات التي تعانيها أنظمة الحُكم الإدارية في العالم ترجع إِلى سوء انتخاب الوزراء والأمراء والموظفين قصوراً أو تقصيراً، وإِلى فساد المسؤولين أو عدم كفايتهم. ولقد استلم علي بن أبي طالب الخلافة فوجد الأوضاع متردّية بشكل عام، وعلى أثر ذلك وضع خطّة إصلاحية شاملة، ركّز فيها على الشؤون الإدارية.
الكلمات المفتاحية: الإصلاحات، المنظومة القيمية، الإدارة، الفِكر، علي بن أبي طالب (ع).
Reforming the administrative value system in the thought of Ali bin Abi Talib (peace be upon him))
Assist. Prof. dr.Mohammad Khudhair Abbas Al- Jailawi
. Al-Tusi University College – Department of Holy Quran Sciences
Al-Najaf Al-Ashraf
Abstract
The issue of values has been and continues to be of interest to many researchers and scholars, especially in the field of humanities and social sciences, given the key role the value system plays in organizing and building society in general. And the value system in the thought of the Commander of the Faithful (peace be upon him) is an integrated system in morals, religion, politics and administration, and it is an important tributary to building society through the foundations and criteria that (peace be upon him) came up with in his caliphate, and it is not just a historical battle that happened that researchers and historians pass through. Honourable mention, as far as it is the reform of the admi strative system in all its aspects, through the establishment of Islamic moral rules in it; Extensive administrative studies have proven the clear impact of Imam Ali (peace be upon him) in the formation of these values for the state in all its aspects.
Keywords: Correction, value system, Administration, thought, Ali bin Abi Talib (peace be upon him).
المقدمة:
جاءت الخلافة للإمام علي بن أبي طالب حين أجمعت الأمة على انتخابه، بعد أنْ غرقت بفتن وانحرافات عميقة. فوضع الإمام خطة إصلاح شاملة، وكانت من أولويات الخطة، الجانب الإداري.
إنَّ من القضايا التي نعتقد بها، أنَّ النظم الإدارية تشكل جانباً مهمّاً من جوانب النظم الإسلامية. سواءاً كان ذلك في مجال الحُكم، أم المال، أو القضاء، أو الجانب العسكري أو الجوانب المتصلة الأخرى. ويمكن أنْ نسمي الإصلاح الذي قام به أمير المؤمنين استراتيجية وجود الإسلام. فكان منهجه منهجاً إدارياً فريداً.
سبب اختيار الموضوع: إنَّ الفساد الإداري المستشري في البلاد قد جعلني اختار هذا الموضوع لما له أهمية في إصلاح أمور البلاد والعباد والقضاء على الفساد الاداري، وسوء التصرف بعائدات الدولة.
أهداف البحث: هدف الدراسة التعرف إلى المنظومة القيمية الإدارية عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكيفية معالجته وإصلاحه للفساد الإداري الذي كان موجوداً قبل خلافته وفي خلافته.
أهمية البحث: تسليط الضوء على البرنامج الإصلاحي الدقيق والمدروس للإمام علي؛ وذلك لإعادة المجتمع الإسلامي إلى سيرة النبيّ (ص) ومنهجه، من نقطة العدالة الاجتماعيّة ومفصل الإصلاح الإداري. وقد ظلَّ الإمام وفياً لهذا النهج حتى آخر لحظات حياته؛ إذ لم يتراجع في أحلك الأوضاع السياسيّة التي مرَّت، ولم يتوانَ في بذل أقصى جهوده من أجل استكمال هذا المشروع.
مشكلة البحث: التعرف على أهمية معرفة المنظومة القيمية الإدارية ؟ وما أثر الإدارة في حل مشكلات الدولة ؟ وما الأثر الذي تتركه الإصلاحات الإدارية ؟.
أسئلة البحث: ما المقصود بالفساد الإداري ؟ وما الهدف من إصلاحه ؟ وما طرق مكافحته ؟ وما الإجراءات المتخذة بحق المفسدين ؟ هذه الأسئلة سوف يكون الإجابة عنها في أثناء البحث.
الدراسات السابقة: تأتي هذه الدراسة الحالية مكملة للجهود التي بينتها الدراسات السابقة. وفي هذا البحث سوف أوضح بيان أهمّ أُصول حركة الإصلاح العلوي، وأبرز مرتكزاتها في مضمار الإصلاح الإداري وذلك عن طريق الاستناد إلى النصوص الحديثيّة والتاريخيّة.
حدود البحث: ستتناول هذه الدراسة الإصلاحات القيمية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في مدة خلافته وما واجهته من مشاكل من الولاة والعمال وسوء استخدامهم للسلطة.
منهجية البحث: سوف يتبع الباحث المنهج التاريخي والوصف التحليلي. وقد اتحفتنا كتب التاريخ وكتب شروح نهج البلاغة بالمعلومات القيمة وكان لها الأثر البالغ في اغناء البحث.
واقتضت دراسة البحث تقسيمه على ثلاثة مباحث، وتمهيد قد بينت فيه التعريف بمفردات البحث: (القِيَمُ، الفِكْر، عِلمُ الإدارة)، من أجل إعطاء صورة واضحة عن عنوان موضوع البحث.
فالمبحث الأول: كتبت فيه عن سياسة الإمام علي الإدارية مع الولاة والعمال، وبينت فيه كيف يتم اختيار الولاة على أسس مهنية، وعزل من هو لا يستحق هذا المنصب الإداري المهم، ومعاقبة من يسئ منهم.
والمبحث الثاني: تكلمت فيه عن توجيهات الإمام علي في الانضباط الإداري. فكان يلزم العاملين معه على الالتزام بالانضباط الإداري في ممارسة العمل، وأنْ يبذلوا جهدهم لإنجاز كلّ واجب في وقته المحدّد. وقد وجه ولاته وعماله في ذلك بنصوص عدة قد بعث بها إليهم في هذا المجال.
والمبحث الثالث: تحدثت فيه عن المفاهيم الإدارية عند الإمام علي التي تضمنت محاور عدة منها: المساواة بين الناس، وتأكيد العنصر الإنساني، وعامل الخبرة والعلم، والعلاقة بين الرئيس والمرؤوس، ومكافحة الجمود.
وختمت البحث بخاتمة أوجزت فيها إلى أهم ما توصلت فيها من نتائج.
التمهيد: مفهوم مصطلح: (القِيَمُ، الفِكْرُ، عِلمُ الإدارة):
القِيَمُ لغةً: قال صاحب لسان العرب: القِيَمُ: الاسْتِقامةُ. وقد فسر على وجهين: قيل هو الاسْتقامة على الطاعة، وقيل: هو ترك الشِّرك … أَقمْتُ الشيء وقَوَّمْته فَقامَ بمعنى اسْتقام، قال: والاسْتِقامة اعتدال الشيء واسْتِواؤه. واسْتَقامَ فلان بفلان أي مدَحه وأَثنى عليه (ابن منظور، 1388هـ، 12/498). ومادة (قَوَمَ) استعملت في اللغة لعدة معانٍ مختلفة، منها قيمة الشيء وثمنه، والاستقامة، والاعتدال، ونظام الأمر والثبات والاستمرار، ولعل أقرب هذه المعاني لموضوع بحثنا، هو الثبات والدوام والاستمرار.
القِيَمُ اصطلاحاً: عُرّفت القيم في اصطلاح العلماء: أنها مجموعة من الصفات النبيلة التي جُبل عليها الإنسان، وفُطر عليها، أو اكتسبها بفعل الاحتكاك الاجتماعي مع من حوله؛ فتشكّل على إثرها قيمه الخاصة، والتعبير عن القيم لا يكون بالكلمات فقط، وإنّما صاحب القيم التي لا تتجزأ هو من يُوافق فعله قوله. ويُعرّفها البعض بأنها: مجموعةٌ من الأخلاق الكريمة التي أمرت الشريعة الإسلامية الإنسان بتحرّيها؛ حتى تنعكس على سلوكه مع نفسه ومع غيره. وقال محمد جواد مغنية: نحن نؤمن بأنَّ مصدر القيم هي المصلحة، ولكنها المصلحة المنبثقة من طبيعة الإنسان بما هو إنسان، لا بما هو طبقة من الطبقات، وفئة من الفئات، وليس من شك أنَّ هذه المصلحة تتفق مع الإنسانية والمثل العليا؛ بل هي هي، ولذا سميت قيماً إنسانية، لا طبقية. وعليه يكون لها واقع ثابت بثبوت الإنسان نفسه (مغنية، 1427هـ، 3/80).
الفِكْر لغةً: جاء في كتاب معجم مقاييس اللغة: فكَرَ؛ الفاء والكاف والراء: تردّد القلب في الشيء، يقال: تفكَّر، إذا رَدَّدَ قلبه. معتبراً، ورجل فِكِّيرٌ: كثير الفكر (ابن فارس، 1414هـ، 4/446). وذكر في كتاب المخصص، الفكرة: إعمال الخاطر في الشّيء والجمع فِكَرٌ وهو الفكر (ابن سيده، 1404هـ، 75). ويقول صاحب لسان العرب: الفَكْر والفِكْر: إعمال الخاطر في الشيء (ابن منظور، 5/65).
الفِكْر اصطلاحاً: معنى الفكر: التحقيق والبحث في موضوع من الموضوعات للحصول على نتيجة معينة. فكما أنَّ المراد من الفكر الرياضي مثلاً، هو الفكر الذي يعطي النتيجة لنظرية رياضية معينة، أو يحل مسألة رياضية. فكذلك الفكر في مثل هذه الموضوعات للوصول إلى توضيح نتيجة معينة. والفكر هو الوسيلة التي يستخدمها الإنسان في المجالات العلميّة والأدبيّة المختلفة، وعن طريق الفكر يتحقّق الإبداع والتطوّر والتنمية، ولولا الفكر الإنساني وما نتج عنه من الحصيلة المعرفية المتراكمة عبر القرون الطويلة الماضية، لما وصلت البشريّة إلى ما وصلت إليه الآن في زماننا من تقدّم وتطوّر، ففي زماننا قد تنامى الفكر وثارت المعرفة بشكل كبير. والفكر الإسلامي يعني: الحُكم على الواقع من وجهة نظر الإسلام.
وورد الفكر عند الراغب الأصفهاني فقال: الْفِكْرَةُ: قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتَّفَكُّرُ: جولان تلك القوّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أنْ يحصل له صورة في القلب (الراغب الأصفهاني، 1404هـ، 384). وقيل الفكر: ترتيب أمور للتوصل إلى مجهول (السيستاني، 1414هـ، 313). وقد وردت مادة (فكر) في القرآن الكريم في نحوِ عشْرين موضعاً (عبد الباقي، 1401هـ، 525).
مصطلح الإدارة: إنَّ كلمة الإدارة لم ترد في أي آية من آيات القرآن الكريم، وقد جاء في القرآن الكريم كلمة (تُدِيرُونَهَا) في الآية الكريمة: )أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ( (البقرة، 282). كما جاءت كلمة (تَدُورُ) في الآية الكريمة: )يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ( (الأحزاب، 19). واللفظ الذي استخدمه المسلمون للدلالة على معنى (الإدارة) هو لفظ (التدبير)، وقد ورد لفظُ التدبير في آياتٍ كثيرة، منها: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ( (السجدة، 5). وقد ورد في كتاب المعجم المفهرس مجموعة من الآيات القرآنية فيها مشتقات الفعل الثلاثي: (دار) تحت مادة: (دور) (عبد الباقي، 264). وعن طريق مراجعة كتب فهارس الحديث تبينّ أنَّ الكلمة لم ترد في أيّ حديث من أحاديث رسول الله (ص) (عبد الباقي، 1962م، 2/157).
وجاء في معجمات اللغة كلمة: (دور) ومشتقاتها، ولكنها لم تذكر كلمة: (إدارة)، فذكروا كلمات قريبة منها ولم يذكروها بلفظها. والمستشرق رينهارت دوزي فقد ذكر كلمة: (أدار)، وقال: (أدار السياسة)، أي دبر أمورها وساس الرعية، وكذلك: (أدار)، بمعنى جهد في العمل (رينهارت دوزي، 1981م، 4/434)، وهذا يؤكد أنها حديثة الاستعمال بلفظها؛ ولذلك فقد عرفها علماء الإدارة المحدثون بقولهم: الإدارة تتكون من جميع العمليات التي تستهدف تنفيذ السياسة العامة (الطماوي، 1965م، 21). إنَّ هذا التعريف يشمل مختلف الميادين المدنية، والاقتصادية، والعسكرية، والقضائية، وغيرها (كرمي، 1427هـ، 28). وقال الشيخ محمد السند: إنَّ الإمامة تعني الإدارة والتدبير، وتعترف البشرية أنّ نظام الإدارة والتدبير من أعقد النظم، وتطوّر مدنيّة أيّ شعب رهين بفعالية ونشاط ورقي النظام الإداري، والشغل الشاغل للدول تطوير الإدارة، والإدارة تعني القيادة والتدبير، ولفظ الإدارة كمصطلح جديد يرادف مفهوم الإمامة في المصطلح الديني (السند، 1428هـ، 373).
علم الإدارة: إنَّ العلم الإداري في بعض جوانبه وأفكاره، قديم في التاريخ البشري، ولكنه حقق تقدماً ملحوظاً في جوانبه الفكرية، والتطبيقية على يد خليفة المسلمين علي بن أبي طالب؛ فاستطاع الإمام بحنكته، أنْ يقدم لعلم الإدارة وبكل أنواعه مفاهيم عديدة وجديدة في عصره. وإنَّ استخراج ما في خطب الإمام ورسائله وحِكمه ووصاياه التي تحتوي على كم كبير من المفاهيم والرؤى الإدارية ودراستها فسوف تعطي لهذا العلم الشيء الكثير. ولعل التجربة العملية للإمام علي في علم الإدارة تكمن بالدرجة الأولى في: (علم الإدارة العامة)، متجلياً ذلك في مواقفه، وعدد من رسائله الى ولاته وعماله وموظفيه في الأمصار الإسلامية، ولا سيما عهده الكبير الى والي مصر.
إنَّ كثيراً من أقوال وحِكم الإمام علي تندرج في إعادة صياغة الإنسان فكراً وسلوكاً ليكون قادراً على إدارة طاقاته ومواهبه بصورة ناجحة وذكية حتى يتخطى الدنيا بنجاح، ويحرز الآخرة بجدارة. وكل قائد لا يستطيع أن يقوم بالإدارة الصحيحة، فلا يكتب له النجاح في مسيرته القيادية، حتى لو كان يملك كاريزما خاصة به، وكذلك لو حظي بمحبة الناس وطاعتهم له. ونستطيع أنْ نقول: إنَّ أفضل القادة في العالم هم من يكونون أفضل الإداريين. ولكن ليس بالضرورة أنْ يكون كل مدير ناجح وممتاز في عمله أنْ يكون قائداً. ونرى تقدم القيادة على الإدارة من الناحية المنطقية؛ لأنَّ القائد يملك الإمكانيات والقدرات البشرية المطيعة له، وبعد ذلك يوظف القائد كل هذه المزايا بشكل سليم لتحقيق الأهداف، وهذا التوظيف السليم هو الإدارة الناجحة. ونحن نرى في الأنبياء والرسل والأئمة، ولا سيما نبينا ورسولنا العظيم محمد (ص) وكذلك الإمام علي تحديداً، أرقى القادة الإداريين الناجحين وأفضلهم الذين عرفهم التاريخ البشري؛ لأنَّ قدراتهم على قيادة الشعوب أو المجاميع البشرية الواسعة، قائمة على مجموعة من الصفات الأخلاقية، وإنَّ نجاحهم في تحقيق هذه النتائج اعتمدت على قدراتهم الإدارية فضلاً عن التسديد الإلهي لهم. ومن ثمَّ نستطيع القول: إنَّ السبب الرئيس في التفوق لدى المجموعات البشرية، مؤسسات كانت، أم تنظيمات، أم دول، يكمن في نجاحها الإداري. ويرى اثنان من أساتذة الجامعات الأمريكية الكبار (ريتشارد، 7)، أنَّ السبب الرئيس لتفوق اليابان، يكمن في مهارتها الإدارية، فليس في الشعب الياباني شيء يميزهم به على الشعوب القريبة منهم سوى قدراتهم الإدارية. وإلا فلا تختلف ثروات اليابان عنها في دول الصين، أو في فيتنام، أو كوريا (العلوي، 5).
ويرى أمير المؤمنين السبُل التي تؤدي إلى تقوية النظم بصورة عامة والنظم الإدارية بصورة خاصة في وسائل عدة منها:
الوسيلة الأولى: العدل: لا يختص العدل بالنظام الإداري فحسب؛ بلْ يشمل كل الأنظمة، حتى لو كان على مبدءٍ آخر غير الإسلام. وقد ورد عن الإمام علي: (العدل أفضل السياستين) (الآمدي، 1366هـ، 233)، و(اعدل تحكم) (الواسطي، 1418هـ، 17)، و(حسن العدل نظام البريّة) (الآمدي، 304)، وقصة الإمام علي مع أخيه عقيل ما هي إلا دليل قاطع على عدالة الإمام، وتقديمه مبدأ العدل والمساواة بين الجميع على عامل القربى.
الوسيلة الثانية: الحُلم: هو الهدوء عند الانفعال، وعدم الانفعال عند الغضب من قواعد الإدارة الناجحة؛ بلْ هو من قواعد التنظيم بصورة عامة؛ لأنَّ التنظيم يقوم على الأشخاص، فكان لابدَّ مِن وجود علاقات طيبة بين هؤلاء الأشخاص. ومِن أهم أُسس هذه العلاقة، سيادة الحِكمة في العلاقات، وعدم حدوث ردود فعل انفعالية أثناء العمل، والتي تعود إليها أهم عوامل المشكلات التنظيمات الإدارية. قال أمير المؤمنين: (الحُلم نظام أمر المؤمن) (الريشهري،1421هـ، 1/686).
الوسيلة الثالثة: التعاون بين الأفراد: إنَّ روح التعاون والإحسان إلى الآخرين في المجتمع، ومواساة الإخوان، والكرم … هي صفات تعبر عن الروح الجماعية، وعن الضمور للروح الفردية التي تهدد التنظيمات الإدارية. ولنتأمل في هذه النصوص التي يعبر عنها هذا المفهوم في أقوال أمير المؤمنين: (نظام الدين خصلتان، إنصافك من نفسك ومواساة إخوانك) (الواسطي، 498). (نظام المروءة حسن الأُخوة) (الريشهري، 4/2881). (نظام الكرم مولاة الإحسان ومواساة الإخوان) (الواسطي، 499).
الوسيلة الرابعة: التواضع: التواضع قيمة اجتماعية لا تقوم للمجتمع أية فائدة من دونها، وإذا أردنا أنْ نتعرف على هذه القيمة الأخلاقية، لنتصور المجتمع وقد أصبح فيه جماعة مِن المتكبرين، كيف يكون حاله ؟ إنَّ التكبر من عوامل تشتت وتمزّق المجتمع، والمجتمعات التي يكون فيها مظاهر التكبر هي عرضة للانهيار أكثر مِن باقي المجتمعات الأُخرى. فالتواضع هو الحل لإيقاف حالات التداعي، والانهيار في المجتمعات البشرية، وقد حث الدين الإسلامي على صفة التواضع لصيانة المجتمع مِن الانهيار، والحفاظ عليه مِن هاوية السقوط السريع. وهنا أقرّ أمير المؤمنين قاعدة في منتهى الدقة للحفاظ على الحيوية في المجتمع هي: (بخفض الجناح تنتظم الأُمور) (الآمدي، 165).
الوسيلة الخامسة: الأمانة: عندما يكون شعور عند كل فرد في التنظيم الإداري أو أيّ تنظيم اجتماعي آخر، وبأنه أمين على مصالح الجميع، فإنَّ التزامه نحو الجميع ومصالحهم سيكون متيناً للغاية. وقد أقام الإسلام نظامه الإداري على مبدأ الأمانة، وقد خاطب الله سبحانه وتعالى المجتمعات بكافة افرادها الذين يتحملون المسؤولية الاجتماعية قائلاً لهم: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ( (النساء، 58). فالنظام الإداري الذي يطمح إليه الإسلام هو النظام القائم على الأمانة، الذي يجعل مِن كُل فردٍ أميناً على مصالح الأُمة أميناً على ممتلكاتها، أميناً على قيمها ومثلها، أميناً على أسرارها وأفكارها (القزويني، 2).
وعلى النسق القرآني استعار أمير المؤمنين فكرة الآية الكريمة حول الأمانة فذكر في إحدى خطبه: (فَرَضَ اَللَّهُ اَلْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ اَلشِّرْكِ…وَالأمانَةُ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ) (علي بن أبي طالب، 1387هـ، 512).
المبحث الأول: سياسة الإمام علي بن أبي طالب الإدارية مع الولاة والعمال
الوالي: هو كل من ولي أمر قوم فهو راعيهم، وهم رعيته (الرازي، 1406هـ، 1/104).
والوالي: تعني الحاكم الإداري لإحدى الولايات الإسلامية. وحُكام الولايات كانوا يطلقون عليهم أول الأمر بالعمال. ويدل هذا الاسم على أنَّ صاحبه لم يكن باستطاعته التصرف المطلق في شؤون ولاية البلدان. وكان العامل في بداية صدر الإسلام يقوم بجمع الصدقات أو الجزية. وبمرور الزمن ونتيجة التطورات فقد توسعت صلاحياته وسلطاته، فأطلق عليه اسم: الوالي، ثمَّ لقب بالأمير. وقد وضع الفقهاء الأسس النظرية للإمارة على البلدان وحددوا أنواعها واختصاصاتها من الوجهة الشرعية. فقال الماوردي (ت 405هـ) في الأحكام السلطانية في أنواع الأمارة واختصاصاتها: وَإِذَا قَلَّدَ الْخَلِيفَةُ أَمِيرًا عَلَى إقْلِيمٍ أَوْ بَلَدٍ كَانَتْ إمَارَتُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ (الماوردي، 28). ويرجع نظام الولاية (الإمارة) إلى عصور ما قبل الإسلام، أيام قيام الممالك العربية في جنوب الجزيرة العربية في اليمن وحضرموت وعُمان، فكان ملوك سبأ، ومعين، وحمير يبعثون الولاة لحُكم الولايات التابعة لهم، وكان هؤلاء الولاة يختارون من الأسرة المالكة، وكانت صلاحياتهم تتحدد في إدارة أمور الولاية المختلفة وفي حماية الأمن وقيادة الجيوش، وقد ظل هذا النظام قائماً حتى سقوط هذه الممالك؛ إذْ حل النظام القبلي محله، وساد الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام. ولما جاء رسول الله (ص) إلى مكة لم يستطع أنْ يعمل نظاماً إدارياً؛ وذلك لعدم إمكانية قيام دولة في مكة، وعندما هاجر إلى المدينة المنورة استطاع بتأسيس حكومة فيها، فأصبحت بيده السلطتين السياسية والدينية، وبعد التنظيم الذي قام به لإدارة الدولة الجديدة وإقرار الأمن توجه إلى التوسع في نشر الإسلام خارج المدينة، فبعث المبعوثين من الشخصيات المعروفة إلى القبائل المختلفة للجزيرة العربية في الحجاز واليمن، وذلك لتبيان مبادئ ومفاهيم الإسلام، ولم يكن لهذه الشخصيات سلطات إدارية وسياسية، إنما كانت أعمالهم محصورة بالدرجة الأساس في نشر الإسلام، وتعليم الناس مبادئ الإسلام، وجمع الزكاة، والصدقات، والإمارة على الصلاة (حسن إبراهيم، 1382هـ، 152). وحرص الخلفاء الراشدون في الدولة العربية الإسلامية على اختيار ولاة الأقاليم ممن يثقون بهم من أهل الكفاية والعدل بوصفهم ممثلي الخليفة، ونوابه في حكم المسلمين، ورعاية شؤونهم الدينية والدنيوية (السبكي، 1367هـ، 21)، فتنفيذ القانون والإشراف على شؤون الإدارة في الأمصار أصبح من مهام الوالي، على الرغم من اختلاف مدى الصلاحيات التي يحظى بها الوالي خلال العهود الإسلامية، وإنه كان دوماً مسؤولاً تجاه الخليفة ويعمل باسمه ويخضع لرقابته (العلي، 1389ه، 93).
الإمارة وسيلة من وسائل الإصلاح: لا يخفى أنَّ أكثر المشكلات التي تعانيها أنظمة الحٌكم الإدارية في العالم ترجع إِلى سوء انتخاب الوزراء، والأمراء، والعمّال، قصوراً أو تقصيراً، وإِلى فساد المسؤولين أو عدم كفايتهم، فيوجب ذلك تشتت الأمور وعدم انسجام الملك وبغضاء الأمّة المنتهية إِلى ثورتها أحياناً. والعقل والشرع يحكمان بشروط ومواصفات توجد في الولاة والوزراء والعمّال تجب رعايتها وإِعمال الدقّة في تحقيقها، ويكون إِهمالها خيانة للإسلام والأمّة. وعمدتها العقل الوافي، والإيمان، والتخصص، والتجربة، والقدرة على التصميم، والعمل، والوثاقة، والأمانة، وأنْ لا يكون من أهل الحرص والطمع (المنتظري، 1408هـ، 2/115). ويرى الإمام أنَّ الإمارة وسيلة من وسائل الإصلاح، ولا يجوز أنْ تمنح إلا للمتحرّجين في دينهم، والذين لا يخضعون للرغبات والأهواء، ويجب أنْ تُستغلّ لتحقيق ما ينفع الناس، فلا يجوز أنْ تمنح مُحاباة (القرشي، 1395هـ، 1/421). ويقول الإمام في رسالته التي بعثها لقاضيه رفاعة بن شدّاد: (اعلم يا رفاعة أنّ هذه الإمارة أمانة؛ فمن جعلها خيانةً فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، ومن استعمل خائناً فإنَّ محمّداً بريء منه في الدنيا والآخرة) (القاضي النعمان، 1383ه، 2/531).
اختيار الإمام علي للولاة والعمال: استلم الإمام علي الخلافة وقد ركّز فيها على الشؤون الإدارية للولاة والعمال. وكان ميّالاً بحزم إلى الخاصّية التنظيمية والإدارية، لا سيما الأُمور ذات الصلة بالحُكم؛ ففي فلسفة الإمام كانت واحدة من حِكَم القرآن الكريم إيجاد التنظيم والنَّظم في المجتمع؛ إذْ يقول في وصفه: (ألَا إِنَّ فِيه عِلْمَ مَا يَأْتِي، والْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، ودَوَاءَ دَائِكُمْ ونَظْمَ مَا بَينَكُمْ) (ابن أبي الحديد، 1378هـ، 9/217).
فلم يستعمل الإمام علي من الولاة أحداً مُحاباة، وإنما استعمل خيار المسلمين على أسس موضوعية جديدة لا تعتمد على الحسابات الفئوية والشخصية، أمثال: محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عباس، ومالك الأشتر، وسهل بن حنيف، ونظرائهم من الذين وجدت فيهم الخبرة التامة في شؤون الإدارة والحُكم. فأرسل بدلاً من عبد اللَّه بن عامر إلى البصرة عثمان بن حنيف. وبدلاً من أبي موسى الأشعري إلى الكوفة عمارة بن شهاب. وبدلاً من يعلى بن منبه إلى اليمن عبد اللَّه بن عباس. وبدلاً من عبد اللَّه بن سعد إلى مصر قيس بن سعد. وبدلاً من معاوية بن أبي سفيان إلى الشام سهل بن حنيف (الطبري، 3/462). فكان الإمام يختار ولاته وعماله على البلدان من ذوي المعرفة ومن أهل البصائر الذين يحظون بالمعرفة والوعي والصلابة في العقيدة ليكونوا إلى جانب عملهم الإداري معلمين ورجال رسالة، وكان يوجههم نحو هذه المهمة التعليمية والتوجيهية. ومن ذلك ما كتب به إلى قثم بن العباس عامله على مكة، فقال: (فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله، واجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ، فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ، وعَلِّمِ الْجَاهِلَ وذَاكِرِ الْعَالِمَ، ولَا يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ، ولَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُكَ) (علي بن أبي طالب، 457).
يبين الإمام لقثم ما يجب على الوالي من مهام إدارية، (فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ): حج بهم على كتاب اللَّه تعالى وسنّة نبيّه، وتعليم الحاج المناسك وما يجب عليه فعله وتركه، (وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله): التي عاقب جلَّ وعلا فيها الأمم السابقة على البغي والفساد، وتخويفهم بذلك لعلهم يتقون، (واجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ): واجلس لهم صباحاً ومساءً، لتستمع إلى ما يقولون في مشاكلهم، وتسعى في معالجتها وحلها بجهدك ومقدرتك، (فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ): وأجب عما يسألونك عنه من حلال اللَّه تعالى وحرامه، (وعَلِّمِ الْجَاهِلَ): وأجلس للتدريس في حلقة من الطلبة، تعلمهم أصول الدين وفروعه، (وذَاكِرِ الْعَالِمَ): وتدارس مع الْعَالِمَ المسائل الدينية، وشؤون البلاد ومصالحها، (ولَا يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ… إلخ): فعلى الوالي مخالطة الناس، ومقابلتهم وجهاً لوجه، والاستماع إليهم، وسماعهم مباشرة بلا واسطة أحد كما كان يفعل الأنبياء والمرسلين. وبلا حاجب وغلق الأبواب (مغنية، 4/173).
شروط تولية الوظائف للولاة والموظفين: في رؤى الإمام ينبغي انتخاب العاملين في الجهاز الإداري على أسس الاستحقاق، وليس أسس المحسوبيّة والمنسوبيّة، فالرجل المناسب في المكان المناسب. وفي هذا المجال ينبغي أنْ تُراعى في عمليّة الاختيار ما يحظى به هؤلاء من تأهيل أخلاقي، وأصالة أسرية، وما يتحلّون به من كفاءة وتخصّص. ولا يجوز للمدراء في النظام الإسلامي أنْ يوزّعوا المناصب على أساس الصلات الأسرية والعلاقات السياسيّة. ولا يحقّ أنْ يلي أمور الناس المحروم من الأصالة الأسرية، ولا أنْ تناط المسؤوليّة بسيّء الأخلاق، أو أنْ يُعهد بشؤون المجتمع لمن يفتقر إلى الكفاءة والتخصّص ويفتقد للحيويّة اللازمة (الريشهري، 24). فأقام الإمام نظاماً إدارياً محكماً، حدّد فيه الوظائف وأوضح طرق تعيين الموظفين، وبيَّن واجباتهم وحقوقهم، وأقام عليهم تفتيشاً دقيقاً، ووضع أسس الثواب والعقاب، والمسؤولية الإدارية بشكل عام.
إنَّ الوالي يقوم مقام الخليفة، ويشترط أمير المؤمنين في العمال شروطاً متعددة ومشددة، وذلك لخطورة هذا المركز والسلطة التي يحظى بها، فيقول أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر: (ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، ولَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ والْخِيَانَةِ، وتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ والْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ والْقَدَمِ فِي الإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ… وتَحَفَّظْ مِنَ الأَعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَه إِلَى خِيَانَةٍ، اجْتَمَعَتْ بِهَا َلَيْه عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ… وتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَه… ولْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ، أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ) (علي بن أبي طالب، 435). إنَّ حسن اختيار العمال والموظفين يسد الطريق أمام المشكلات التي قد تطرأ نتيجة ضعف هؤلاء أو عدم انسجام أحدهم مع الجو العام. وقد حدد أمير المؤمنين السياسة العامة للتعامل مع الولاة وبشروط منها:
- عند تولية أحد يكون بالامتحان (اخْتِبَاراً)، ولا يولي أحد مُحَابَاةً، ولا أَثرَةً ولا إنعاماً عليه.
2- أنْ يكون من أهل التَّجْرِبَةِ والْحَيَاءِ، ومِنْ أَهْلِ الْبيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، ومن أهل السابقة في الإسلام.
- يجب التَحَفَّظْ مِنَ (الموظفين)، أي من خيانة أعوان الولاة، وعقوبة كل من تجتمع عليه أخبار المفتشين بما فعل.
4- تفقد أمر الضرائب (الْخَرَاجِ) والرفق بالرعية في الجباية مما يصلح أهله؛ لأنه مهم بالنسبة لحياة الناس.
5- يجب العمل على تفضيل عِمَارَةِ الأَرْضِ على جباية الْخَرَاجِ.
هذه الشروط المتعددة لم تكن موجودة بجانب الكفاءة اللازمة في ممارسة العمل دون غيرها؛ بلْ لابد من ملاحظة العامل من النواحي النفسية والاجتماعية كذلك، حتى لا يأخذه الطموح ولا تتغير نواياه وأغراضه، ولابد من ملاحظة سلوكه الاجتماعي وقدرته على التكيف في المحيط الاجتماعي الجديد، عند ذلك تبدأ مسؤولية الوالي: (ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأَرْزَاقَ، فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ، وغِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ) (ابن أبي الحديد، 17/69). عندما تجتمع تلك الخصال في فرد من الأفراد، ثمَّ يقابل بالمكافأة الجيدة، فإنَّ ذلك مدعاة له؛ لأنَّ يستقيم في عمله ويواصل جهده لترقية الولاية أو المؤسسة. وفي مكان آخر يقول الإمام: (وافْسَحْ لَه فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَه، وتَقِلُّ مَعَه حَاجَتُه إِلَى النَّاسِ، وأَعْطِه مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيه غَيْرُه مِنْ خَاصَّتِكَ) (علي بن أبي طالب، 435).
الوالي هو الأب قبل أنْ يكون صاحب سلطة في الدولة، وهو يتعامل مع عماله وموظفيه على أنهم أبناؤه، فمثلما يتحتمل الأب تربية أبنائه، كذلك يجب تحمل مسؤولية إعداد كبار موظفي الدولة. يقول أمير المؤمنين لمالك بن الأشتر: (ثُمَّ تفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا) (ابن ميثم، 1404هـ، 5/151).
يجب أنْ يكون تعامل المسؤول مع موظفيه معاملة الوالد لولده يرعاهم، ويعفو عنهم عندما يسيئون، وعندما يعاقبهم فعقوبته هي تربية لهم. أما فيما يتعلق بالكُتّاب، فقد قال الإمام لمالك: (ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، واخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وأَسْرَارَكَ، بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوه صَالِحِ الأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تبْطِرُه الْكَرَامَةُ، فيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلإٍ) (علي بن أبي طالب، 437).
الكُتّاب في عهد الإمام علي هم أفراد الجهاز الإداري لحكومته، والطريقة التي أقرها تمثّلت بالشروط الآتية:
1- عدم جمع السلطات الإدارية الواسعة في شخص واحد.
2- اختبار هؤلاء عند توليتهم وتكون التولية للصالحين أولاً.
3- أنْ يكون هؤلاء الكُتاب حسن الأثر في عامة الناس.
4- أنْ يكون معروفاً للناس بالأمانة والقيام بصونها.
5- إنَّ سوء إدارة الكتّاب، مسؤول عنهم من وضعهم في تلك المناصب (الشمري، 3).
عزل الولاة غير الصالحين: قام الإمام عليّ من بداية حُكمه بتنفيذ برنامجه الإصلاحي، فعزل الولاة والعمال غير الصالحين لتولي الولاية، الذين أخذوا مناصبهم من ضمن معادلة المحسوبية، واستأثروا بامتيازات وثروات من الأموال، فقام الإمام باسترداد تلك الأموال من أيدي الحائزين عليها بطرق مشبوهة، ولم يقبل بالتغاضي عن ذلك؛ بلْ أجاب عن ذلك على المعترضين بقوله: (وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، ومُلِكَ بِهِ الإمَاءُ لَرَدَدْتُهُ، فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً، ومَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ) (علي بن أبي طالب، 57). ويقول المؤرخون: أنّه لمّا بويع أمير المؤمنين بلغه أنَّ معاوية قد توقّف عن إظهار البيعة له، وقال: إنْ أقرّني على بلاد الشام، وأعمالي التي ولّانيها عثمان بن عفان بايعته، فجاء المغيرة بن شعبة إلى أمير المؤمنين، فقال له: يا أمير المؤمنين إنَّ معاوية من قد ولّاه الشام من كان قبلك، فولِّه أنت كيما تتّسق عرى الأمور، ثمَّ اعزله إنْ بدا لك. فقال أمير المؤمنين: (أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه)، قال: لا. قال: (لا يسألني الله عزَّ وجلَّ عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبداً)، )وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً( (الكهف، 51) . (لكن أبعث إليه، وأدعوه إلى ما في يدي من الحقّ، فإنْ أجاب فرجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، وإنْ أبى حاكمته إلى الله) (الطوسي، 1414هـ، 87). كان بإمكان أمير المؤمنين أنْ يُبقي معاوية بن أبي سفيان في منصبه، وله في ذلك عذر؛ لأنَّ الظروف السياسية المحيطة به لا تسمح له بعزل هذا الوالي العنيد، الذي أقامه من تولى قبله من الخلفاء السابقين، وبسط له الملك والولاية، وهو يحكم مدينة من أكبر الأقاليم الإسلامية وأغناها، وهي بلاد الشام، وقد قام بالهيمنة عليها وعلى جميع أهلها بشكل يتعذّر عليه إزاحته. ولكن أمير المؤمنين لا يوافق بأنصاف الحلول، وإنْ حقّقت له إنجازاً سياسياً مؤقّتاً، لأنَّ مجرّد الموافقة على بقاء معاوية في الحكم ولو لمدة وجيزة، فيعنى ذلك منح معاوية مشروعيّة البقاء، والسكوت عن ما قام به من الفساد الإداري الذي كرّسه. ولعل أمير المؤمنين، إذا أمضى على هذه السياسة الفاسدة مؤقّتاً أنْ يطول به العهد لينقضه بعد ذلك، ولعله لا يطول به الأمر لهذه المرحلة الأخرى، أو لا يقوى على ذلك. فيكون قد أمضاه باختياره، ولم يتمكّن بعد ذلك من نقضه، وهو ما لا يريده أمير المؤمنين أبداً وبأي ثمن. وهذا هو معنى كلامه للمغيرة بن شعبة الذي نصحه بإبقاء معاوية بن أبي سفيان بصورة مؤقّتة.
إبعاد الطامعين من الولاة: كان الإمام علي إذا شعر من أحد العمال أو الولاة أنَّ له ميلاً أو هوى في الإمارة فلا يرشحه لها؛ لأنه يتخذ الحُكم وسيلة لتحقيق أطماعه. ولما أعلن الزبير وطلحة عن رغبتهما المُلحّة في الولاية امتنع الإمام عن إجابتهما، واستدعى عبد الله بن عباس فقال له: (بلغك قول الرجلين – يعني طلحة والزبير-)، قال عبد الله: نعم أرى أنهما أحبا الولاية، فول البصرة الزبير، وول طلحة الكوفة. فأنكر عليه الإمام رأيه، وقال له: (ويحك!! إنَّ العراقين بهما الرجال والأموال، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان، ولو كنت مستعملاً أحداً لضره ونفعه، لاستعملت معاوية على الشام، ولولا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي) (ابن قتيبة، 1413هـ، 1/51). ومن أجل هذه النقاط الحساسة التي ذكرت، امتنع الإمام أنْ يوليهما على العراقين – البصرة والكوفة -؛ لأنَّ الإمارة وسائر المناصب الأخرى في جهاز الدولة، لا يجوز عنده أنْ تمنح إلا للذوات الزكية الصالحة التي تعمل لصالح الأمة، ولا تتخذ الحُكم مغنماً وسلماً للثراء، وسائر المنافع الشخصية الأخرى (القرشي، 1/421).
مراقبة الولاة والعمال: من جملة إصلاحات الإمام علي الإدارية، فقد قام بالرقابة والمتابعة على الولاة والعمال، وقام باستخدام أسلوب الحزم مع أي مخالفةٍ أو انحرافٍ من هؤلاء. فكان الإمام يتفقّد شؤون ولاته وموظفيه، ويرسل من العيون من يتحرى أعمالهم، وإنْ رأى تقصيراً أو خيانةً في واجبات أحدٍ منهم فيقوم بعزله، وينزل به أقصى العقوبات (القرشي، 1/419). لا شك في أنَّ القائد أو أي مسؤول أو أي مدير ناجح يراقب كل كبيرة وصغيرة، ولا يغيب عن خاطره شيء، ولا حدث من الأحداث التي تدور في المكان الذي هو مسؤول عنه. وقد كان هذا حال أمير المؤمنين، فكان يوصي عماله وولاته أنْ يتابعوا كل ما يجري من صغيرة وكبيرة في أرجاء البلاد. وقد كتب لأحد عماله، فيقول له: (وابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ والْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأُمُورِهِمْ، حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأَمَانَةِ والرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ، وتَحَفَّظْ مِنَ الأَعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَه إِلَى خِيَانَةٍ، اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْه عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ، اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْه الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِه، وأَخَذْتَه بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِه، ثُمَّ نَصَبْتَه بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ ووَسَمْتَه بِالْخِيَانَةِ، وقَلَّدْتَه عَارَ التُّهَمَةِ) (علي بن أبي طالب، 436).
وكذلك فقد تحرّى أمير المؤمنين عن كل بادرة تصدر من عماله، وقد بلغه أنَّ أحد عماله على البصرة قد دُعي إلى وليمة من أحد وجهاء أهلها، فكتب إليه أمير المؤمنين يلومه على تلك الدعوة. وقد جاء في تلك الرسالة، وهي إلى سهل بن حنيف: (أَمَّا بَعْدُ: يَا ابْنَ حُنَيْفٍ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الأَلْوَانُ وتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، ومَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وغَنِيهُمْ مَدْعُوٌّ، فَانْظُرْ إِلَى مَا تقْضَمُه مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ) (ابن ميثم، 5/99).
عزل الولاة والعمال الخونة: قام الإمام بعزل من تثبت خيانته من الولاة والعمّال ومحاسبة كل من تثبت إدانته. وهذه نماذج للحملة الشاملة التي قام بها الإمام لتطهير الدولة من العناصر الفاسدة، فهذه سودة بنت عمارة، تصف صرامة الإمام مع عمّاله وولاته الذين ثبتت خيانتهم؛ إذْ تقول وهي تخاطب معاوية بن أبي سفيان لتقارن بين ظلمه وجوره، وعدالة الإمام: جئته في رجل كان قد ولّاه صَدقاتنا، فجار علينا، فصادفته يريد الصلاة، فلمّا رآني انفتل، ثمَّ أقبل عليّ بوجه طلق، ورفق ورحمة، وقال: (لك حاجة) ؟ فقلت: نعم، فأخبرته بالأمر فبكى، ثمَّ قال: (اللهم أنت شاهد أنّي لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقّك). وأخرج من جيبه قطعة جلد، وقد كتب فيها: )بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( (الأعراف، 85)، (إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يُقدم عليك من يقبضه، والسلام). ودفع إليّ الرقعة، فجئت بها إلى صاحبه فانصرف عنّا معزولاً (ابن الصباغ، 1422هـ، 604).
وقيل من كتاب له إلى عامله عبد الله بن عباس، فقال: (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي … فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ، والْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ، وهَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ وشَغَرَتْ، قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ، وخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ، فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ ولَا الأَمَانَةَ أَدَّيْتَ … فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ، وعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ واخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ، الْمَصُونَةِ لأَرَامِلِهِمْ وأَيْتَامِهِمُ … أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الأَلْبَابِ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وطَعَاماً، وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وتَشْرَبُ حَرَاماً، وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ وتَنْكِحُ النِّسَاءَ، مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الأَمْوَالَ، وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ، فَاتَّقِ اللَّهً وارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ … ووَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ولَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا) (ابن ميثم، 5/89).
في هذا الكتاب يؤكد الإمام علي أنَّ المحاباة غير موجودة ومرفوضة في قاموسه حتى مع ابنيه الحسن والحسين، مع علمه بأنَّ الحسن والحسين، أجل وأعلى من يظلما أحداً، أو يغتصبا مالاً لأحد، وهما سيدا شباب أهل الجنة. فلم يحابي الإمام يوماً من الأيام مع أقرب الناس إليه، فكانت سياسته في معالجة الفساد المالي والإداري في واحدة من أروع، وأدق، وأشد السياسات التي اتبعها خليفة من الخلفاء في عصر من العصور أو عهد من العهود.
فمتى يتعلم قادتنا السياسيون في الوقت الحالي الدروس البليغة من التاريخ ومن تجارب الأمم ؟ لأنهم كإسلاميين، يكررون دائماً مقولات عن أمير المؤمنين ويؤكدون على زهده وحرصه الكبير على أموال المسلمين وهم يسرقون !!! إنَّ ملاحقة المفسدين وعدم التهاون معهم يؤدّي من غير شكّ إلى الحياة الطيّبة التي يُظلّلها القانون والعدل، وهذا الرفض العلوي للشفعاء الذين يحاولون التوسّط للمقصرين والمذنبين، يؤسّس لثقافة إدارية يريدها الإسلام، ولسيادة قانون يخضع له الجميع. فليس من العدل أنْ تُطبّق مبادئ القانون كلها وبحذافيرها على الفقراء ويُستثنى منها الأقرباء والأغنياء وأصحاب النفوذ. وقد كتب السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه “ابن عباس وأموال البصرة” ورد الشبهات حول ابن عباس في الكتاب الذي مرَّ.
وكتب الإمام علي إلى أحد عماله الذين قاموا بخيانة الأمانة فقال له: (أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ، إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَه فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ، وعَصَيْتَ إِمَامَكَ وأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ، وأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ، واعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللَّه أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ والسَّلَامُ) (علي بن أبي طالب، 412). إنَّ ما سبق ذكره من مبادئ إدارية طبقها الإمام علي هي قليل من كثير؛ وقد كان لاختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسع رقعه الدولة أثر كبير في تطبيق المبادئ الإدارية الجديدة والتشدد في تطبيقها؛ لكي تستقيم أمور الدولة وتستقر وينعم الناس بخيرات وثروات البلاد.
معاقبة الخونة من الولاة والعمال: بلغ الإمام أنَّ ابن هرمة كان على سوق الأهواز وقد خان، فكتب الإمام إلى قاضيه على الأهواز رفاعة بن شداد البجلي: (إذا قَرَأتَ كِتابي فَنَحِّ ابنَ هَرْمَةَ عنِ السُّوقِ، وأوْقِفْهُ للنّاسِ واسْجُنْهُ ونادِ علَيهِ، واكتُبْ إلى أهلِ عَمَلِكَ تُعْلِمهُم رَأيي فيه، ولا تَأخُذْكَ فيهِ غَفلَةٌ ولا تَفريطٌ فتَهْلِكَ عندَ الله، وأعزِلَكَ أخْبَثَ عَزْلَةٍ، واُعيذُكَ باللّه ِمِن ذلكَ، فإذا كانَ يَومُ الجُمُعةِ فأخْرِجْهُ مِن السِّجنِ واضْرِبْهُ خَمسةً وثلاثينَ سَوْطاً، وطُفْ بهِ في الأسْواقِ، فمَنْ أتى علَيهِ بشاهِدٍ فحَلِّفْهُ مَع شاهِدِهِ، وادْفَعْ إلَيهِ مِن مَكْسَبِهِ ما شَهِدَ بهِ علَيهِ، و مُرْ بهِ إلى السِّجنِ مُهاناً مَقْبوحاً مَنْبوحاً، واحزِمْ رِجلَيهِ بحِزامٍ و أخْرِجْهُ وَقتَ الصّلاةِ، و لا تَحُلْ بَيْنَهُ وبينَ مَن يَأتيهِ بمَطْعَمٍ أو مَشْرَبٍ أو مَلْبَسٍ أو مَفْرَشٍ، و لا تَدَعْ أحَداً يَدخُلُ إلَيهِ مِمّنْ يُلَقِّنُهُ اللَّدَدَ، و يُرَجّيهِ الخُلوص) (القاضي النعمان، 2/532). إنها الصرامة في العدل التي تحسم كل من توسوس له نفسه في خيانة الأمة، وتقضي على جانب مهم في تعاطي الرشوة، ولا تدع أي فرصة للسرقة من الشعب؛ لأنَّ الإمام قد تحرى كل بادرة تصدر من ولاته وعماله فعاقب من يخون منهم الأمانة. فكانت عقوبة الحبس لابن هرمة وعزله فضلاً عن ضربه.
ومن كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدي، وخان في بعض ما ولاه من أعماله، قال (أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ، وظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَه، وتَسْلُكُ سَبِيلَه، فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً، ولَا تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَاداً، تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ، وتَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ، ولَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً، لَجَمَلُ أَهْلِكَ وشِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ، ومَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِه ثَغْرٌ، أَوْ يُنْفَذَ بِه أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَه قَدْرٌ، أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ، فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي) (علي بن أبي طالب، 461). ثبت عند الإمام خيانة المنذر العبدي لأموال المسلمين وصرفها في شهواته وعشيرته. فذكره سبب غروره وهو قياسه في الصلاح على أبيه الجارود العبدي في أنّه يتبع ما كان عليه من الهدى. ثمّ ذكر له ما كان من فوارق مع أبيه من وجوه عدة: انقياده لهواه في كلّ ما يقوده إليه. وإعراضه عمّا يعتدّ به لآخرته من صالح الأعمال. وكونه يعمر دنياه بما يستلزم خراب آخرته من تناول الحرام. وكونه يصل عشيرته بما يقطع دينه من ذلك (ابن ميثم، 5/227).
منع العمال من أخذ الهدية: شرَّع النظام العلوي مبدأ منع العاملين أخذ الهدايا من الناس، فضلاً على حرمة أخذ الرشوة، وذلك من أجل القضاء على الفساد الإداري. قال أمير المؤمنين من (أخذ هدية كان غلولاً، وإنْ أخذ رشوة فهو مشرك) (الصدوق، 1368ش، 261).
الفساد يوصف بأنه: استغلال السلطة من أجل المكاسب والمنافع الخاصة. وروي أنّ علياً استعمل رجلاً يقال له: ضبيعة بن زهير من بني أسد، فلمّا قضى عمله أتى إلى أمير المؤمنين بجراب فيه مال، فقال له: إنَّ قوماً كانوا يهدون لي فاجتمع منه مال وها هو ذا، فإنْ كان حلالاً أكلته، وإنْ كان غير ذلك فقد أتيتك به؛ فقال له أمير المؤمنين: (لو أمسكته لكان غلولاً – خيانةً -). فقبضه منه أمير المؤمنين وجعله في بيت المال (ابن حيان، 1/59).
يريد الإمام بهذه الإجراءات الشديدة أنْ يحصّن الموظّفين في دولته من خطر الهدايا، لأنها مقدّمة للانحراف والفساد؛ لأنَّ الغني وصاحب النفوذ وحده من يقوم بتقديم الهدايا والعطايا وإقامة الولائم للمسؤولين، ومن أجل ذلك فله غرض في تقديم هذه الهدايا، فهم يريدون من عملهم هذا شراء ضمائر الموظفين واستغلال مواقعهم في دوائر الدولة.
وهناك عوامل عدة تحصن الموظف الكبير من سقوطه في أخذ الرشوة أو شرائه بالمال منها:
1- بذل المبلغ الواسع له الذي يكفل بسد جميع متطلباته حتى يشعر بالغنى.
2- توفير المنزلة المرموقة له حتى يشعر بالطمأنينة والأمن على وظيفته، وهذا ما يطلق عليه بالأمن الوظيفي.
3- معاقبة أخذ الهدية من الموظفين لإنجاز عمل ما وهو من وظيفته؛ لأنها تعد رشوة.
منع تلبية الولائم للولاة: بلغ الإمام علي أنَّ واليه على البصرة قد دعوه قوم من أهلها إلى وليمة، فكتب إليه أمير المؤمنين يلومه على ذلك، وقد ورد في رسالته: (أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الأَلْوَانُ وتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، ومَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ، فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُه مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَه عَلَيْكَ عِلْمُه فَالْفِظْه، ومَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِه فَنَلْ مِنْه… فَاتَّقِ اللَّه يَا ابْنَ حُنَيْفٍ ولْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ، لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ) (علي بن أبي طالب، 420). على الرغم من أنَّ الإنسانية قد مرت بها كثير من تجارب إلا إنها مهما بلغت بها من إبداع ورقي في أنظمة الحُكم والإدارة، فإنها لم تستطع أنْ تقيم مثل هذا النظام الإداري الذي أقامه الإمام، فهو يدعو الموظف إلى رفض كل دعوة يتم توجيهها إليه؛ وذلك خوفاً من تركه للحق واستجابته لدعوى الخيانة والغرور من المستغلين.
المبحث الثاني: توجيهات الإمام علي بن أبي طالب في الانضباط الإداري
كان الإمام علي يحثّ العاملين معه على الدوام أنَّ لا يغفلوا عن خاصّية الانضباط الإداري في ممارسة العمل، وأنْ يبذلوا جهدهم لإنجاز كلّ واجب في وقته المحدّد. ويركز الإمام على أنَّ من لوازم الحؤول دون الفساد الإداري، أنْ يحظى العاملون في النطاق الحكومي والوظائف العامة بحدٍّ كاف من الحقوق الماليّة تؤمن لهم الحياة الكريمة، لكي تتوافر الأرضيّة المناسبة لإصلاح هؤلاء، ولا يطمعوا بالمال العامّ، ومن ثَمّ تنتفي في حياتهم دوافع الاتّجاه صوب الفساد والخيانة، ومن خرج عن الطريق الصحيح من العاملين فيجب عزله ومحاسبته.
الالتزام بالقانون: كانت سياسة الإمام الإدارية هي الالتزام بالقانون تجاه المتخلّفين عنه مهما كان المخالف منصبه ومهما امتلك من أموال أو كان يحظى بحصانة عشائرية. ولنتأمّل في هذه الحادثة الواقعة التي يرسمها لنا الإمام محمد الباقر عن سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في تطبيق قوانين الدولة. قال الإمام الباقر: (أخذ علي رجلاً من بني أسد في حدّ، فاجتمع قومه ليكلّموه فيه، وطلبوا إلى الحسن أنْ يصحبهم، فقال: ائتوه فهو أعلى بكم عيناً، فدخلوا عليه وسألوه، فقال: لا تسألوني شيئاً أملك إلّا أعطيتكم، فخرجوا يرون أنّهم قد أنجحوا، فسألهم الحسن، فقالوا: أتينا خير مأتيّ. وحكوا له قوله، فقال: ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فاصنعوه، فأخرجه علي فَحَدّه، ثمَّ قال: هذا والله لستُ أملكه) (ابن شهرا شوب، 1376هـ، 1/408).
كذلك أقام الإمام الحدّ على شاعره؛ لأنه شرب الخمر، وهو يعلم أنَّ عاقبة ذلك سوف يغضب الشاعر ويلتحق بمعسكر معاديه. وقد دخل أقارب الذين كانوا من المقرّبين على أمير المؤمنين وهم في فورة الاعتراض والغضب، فكان جوابه: (وهل هو إلّا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدّاً كان كفّارته) (الثقفي، 2/539)، إنَّ الله تعالى يقول: )وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى( (المائدة، 8).
الضبط الإداري: في كتاب لأمير المؤمنين إلى الأشعت بن قيس يبين هذا المفهوم، قال الإمام للأشعث: (وإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ ولَكِنَّه فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ، وأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ) (ابن أبي الحديد، 14/33). عدّ الإمام علي العمل الإداري في هذا الكتاب أمانة، ويجب على كل مسؤول أنْ يُرجع هذه الأمانة كما هي، وكذلك يجب المحافظة عليها، وهو مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى على أدائها، وهو مسؤول أمام من فوقه – رئيسه – وذلك اعترافاً بأهمية التسلسل الإداري، وهذا العامل مهم؛ لأنه من عوامل الضبط الإداري الذي يمنع مظاهر الانحراف والتسيب (الشجاع، 6).
نظام الرقابة: نهى الإمام علي بشدّة عن ممارسة التجسّس والتدخّل بالأُمور الشخصيّة للمجتمع في أثناء عهده السياسي، بيدَ أنّه مع ذلك كان يرى من الضروري فرض رقابة على العاملين في النظام الإسلامي، وممارسة ذلك عبر جهاز رقابي خاص، وعن طريق موظّفين سريّين (عيون)، لئلاّ يتوانى هؤلاء في أداء وظائفهم، أو يتعدّوا على حقوق الناس بالاتّكاء على ما لديهم من سلطة. وإنَّ عهود الإمام واللوائح التي أصدرها بهذا الشأن، وما بعث به من رسائل للولاة المتخلّفين مثل الأشعث بن قيس، وزياد بن أبيه، وقدامة بن عجلان، ومصقلة بن هبيرة، والمنذر بن الجارود، كلّها تحكي تأسيس الإمام لجهاز رقابي إداري مقتدر كان ينهض بمهمّة مراقبة العاملين معه في عهده السياسي. وبلغ المخبرون السرّيّون والعاملون في جهاز الرقابة الخاصّ في حكومة الإمام، حدّاً من العدالة والوثاقة؛ إذْ تحوّلت كتبهم وما يُدلون به من أخبار إلى قاعدة تستند عليها سياسة التحفيز الإداري للعاملين؛ إذْ يُشَجَّع المحسنون، ويُعْزَل الخونة والفاسدون بعد إثبات جرمهم مباشرة، وينزل بهم من العقوبة ما يكون عبرة للآخرين، وعِظة لمن اتّعظ (الريشهري، 25). وفي كتاب من الإمام إلى كعب بن مالك يحثه على مراقبة عماله: (أمّا بعد: فاستخلف على عملك، واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمرّ بأرض كورة السواد، فتسأل عن عمّالي، وتنظر في سيرتهم فيما بين دجلة والعُذيب) (اليعقوبي، 2/204). هكذا كان يتابع الإمام علي ولاته وعمّاله حتى يشعرهم بأنَّ هناك عيون تراقبهم في المواقع التي يديرونها؛ لأنه الرقابة المستمرّة سوف تمنع من الانحلال والفساد الإداري.
نظام التفتيش: كان الإمام علي أول من أوجد نظام التفتيش (محمد مهدي شمس الدين، 43)، فقد كتب إلى ولاته: (وإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الأُمَّةِ) (علي بن أبي طالب، 383). فليس الولاة أعضاء في شركة مساهمة هدفها أنْ تستغل الأمة وإنما هم كما كان يكتب إليهم: (خزَّانُ الرَّعِيَّةِ، ووُكَلَاءُ الأُمَّةِ، وسُفَرَاءُ الأَئِمَّةِ) (ابن أبي الحديد، 17/19).
ومن تعليمات الإمام علي في الانضباط الإداري:
أولاً: الحزم: من الصفات الإدارية والقيادية المهمة والناجحة. ومعناه حسب قول أمير المؤمنين: (النَظَرُ فِي العَواقِب، وَمُشاوَرَةُ ذَوِي العِقُول) (الواسطي، 21). من الأمور المهمة لحسن الإدارة الحزم بكل أبعاده، والحزم، لفظ يشتمل على معرفة الأشياء، ومعرفة الأمور، والنظر في العواقب، وسرعة الإدراك، وانتهاز الفرص، والانتقال من المقدمات الى النتائج. ومن ثمَّ فإنَّ معنى الحزم في المفهوم الإداري الحديث هو التخطيط العام في علم الإدارة، ويبتدأ من وضع الأهداف والتصورات، وتخطيط للعمل، ومن ثمَّ كيف الوصول الى النتائج، لذا فإنَّ حديث أمير المؤمنين يؤكد أنَّ الحزم هو النظر في عواقب الأمور، أي: محاولة التعرّف على نتائج الأعمال، ومن ثمَّ وضع كل التصورات المستقبلية التي هي جزء رئيس من التخطيط، وإنَّ مشاورة أهل العقول وأصحاب الاختصاص غايتها الحصول على معلومات مفيدة في الزمن المخطط له من أصحاب الخبرة والكفاءة.
ثانياً: التَّدْبِير: جاء في أقوال أمير المؤمنين مصطلح التدبير، والذي يرد في كثير من حِكَمهِ ومواعظه، فهو يفيد التخطيط، وقد ورد في قوله: (التَّدْبِيرُ قَبْلَ الْعَمَلِ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَم) (ابن شعبة، 1404هـ، 90). من الطبيعي أنَّ في مرحلة ما قبل العمل هناك تفكير وتخطيط، ولهذا عبر أمير المؤمنين عن هذه العملية العقلية المهمة بذكره: (لا عَقْلَ كالتَّدبيرِ) (الصدوق، 526). والتي يُفاد منها في القدرة على التخطيط قبل أي عمل، والتفكير في اثناء ذلك للوصول إلى نتائج سليمة. وإنَّ التخطيط للعمل يعزز من فرص النجاح، فأي مشروع يقوم على تصورات مسبقة يصبح سهل الإنجاز. وقد ثبت أنَّ التخطيط الجيد يشكل نسبة الخمسين في المائة من انجاز العمل. قال الإمام علي: (الظَّفَرُ بِالْحَزْمِ والْحَزْمُ بِإِجَالَةِ الرَّأْيِ، والرَّأْيُ بِتَحْصِينِ الأَسْرَارِ) (علي بن أبي طالب، 477). وَإجَالَةِ الرَّأْيِ: في قول الإمام هو تقليب الرأي، وكذلك التفكير الممعن فيه، وأهم من ذلك كله هو مشاورة أصحاب الخبرة؛ لأنه من مهمات آلياتها الاجتماعات (العلوي، 6).
ثالثاً: العناية بالزمن: يعد هذا الجانب من المقومات الإدارية الناجحة، فتقدير الشخص إلى عنصر الزمن والالتزام به في غاية الأهمية، وقد أولى الإسلام لهذا العنصر عناية خاصة، فقد حثّ على استغلاله بأفضل وسيلة، وأقسم القرآن الكريم بالزمن، ويشار الى ذلك في أحد معاني كلمة (العصر)، ) وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ( (العصر، 1-2)، ويُعد الاعتناء بعنصر الزمن، أحد أهم أسباب النجاح والتقدم، وإنَّ إهماله سوف يسبب التخلف والفشل. ولو لاحظنا أسباب تخلف بعض دول العالم الثالث، ومنها دول العالم الإسلامي بالتحديد، لوجدنا أنَّ أحد أسباب تخلفها إضاعة الوقت من عامة الناس، وكذلك اضاعته من موظفي دوائر الدولة، ووقت المؤسسات، فأصبحت زمنية إنتاج العامل في الدولة قد تصل الى معدل أقل من ساعة انتاجية. لكن الإسلام أولى أهمية للزمن وبلغ من شدة الاهتمام به أنْ عدّ كل يوم منه بمثابة حجة جديدة على كل إنسان، يستطيع عن طريقه، أنْ يحصد أعلى درجات الإفادة منه، يقول الإمام: (إنَّ عمرك وقتك الذي أنت فيه) (الواسطي، 142). وقال أيضاً: (احْذَرُوا ضِيَاعَ الْأَعْمَارِ فِيمَا لَا يَبْقَى لَكُمْ فَفَائِتُهَا لَا يَعُودُ ) (الآمدي، 73). وقال أيضاً: (إنَّ ماضي عمرك أجل وآتيه أمل والوقت عمل) (هادي النجفي، 1423هـ، 308).
رابعاً: الاهتمام بالنظام: في العلوم الإدارية هناك أركان أساسية، منهما: التنظيم، والتشكيل. أي نضع هيكل تنظيمي لإدارة مؤسسة ما، والتشكيل يراد منه وضع أشخاص مناسبين في الهيكل التنظيمي. ويُعد الاهتمام بالنظم من الأمور الأساس في النجاح والتقدم؛ لأنَّ التخبط والفوضى لا تؤدي إلى نتائج متقدمة، وحتى لو نجح أحد الأفراد على أساس الفرص، لكنه مع الاستمرار بعمله سوف يفشل إذا لم يكن عمله يستند إلى روح النظام. والإسلام قد أولى موضوع النظام أهمية كبرى. وقد ذمت آيات قرآنية عديدة الحالة غير المنتظمة في حياة الأفراد، القائمة على الهوى والتخبط. قال تعالى: )أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ( (الفرقان، 43)، وقال تعالى: )وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً( (الكهف، 28). وقال الإمام علي في هذا الصدد: (أوصِيكُمَا … بِتَقْوَى اللَّه ونَظْمِ أَمْرِكُمْ) (علي بن أبي طالب، 421). في وصية الإمام للمسلمين وأبنائه قبل وفاته، نلحظ أنَّه عدّ تنظيم وترتيب الأمور من القضايا الأساسية الثانية بعد تقوى الله عزَّ وجلَّ. وهذه دلالة واضحة على أهمية النظام في استمرار المسيرة. وقد اهتم أمير المؤمنين كثيراً بمسألة النظام، عن طريق اهتماماته بوضع الكثير من مناهج العمل القيادي والإداري لعماله وولاته وموظفيه في الأمصار الإسلامية. ومن ذلك عهده الى ولاته مالك الأشتر النخعي، ومحمد بن أبي بكر.
خامساً: العقل الجمعي (المشاركة في صنع القرار): هناك أساليب عدة في الحياة، تنعكس على الإدارة، منها:
النوع الأول: العمل الفردي: ويقصد به أنْ يسيطر شخص الفرد على العمل، بصورة يصبح الشخص، سواءً كان رئيس دولة أم صاحب مؤسسة أو شركة أو أي صاحب مشروع آخر هو الذي يسيطر على النظام والعمل بكامله، وترى بصمات هذا الفرد واضحة في كل شيء. وتصبح المؤسسة الإدارية بكاملها تنطلق منه، وتنتهي إليه، فهو المحور في كل الأشياء. وهذا ما يُعرف بالإدارة المركزية المطلقة، ومن الأمثلة على ذلك الأنظمة المستبدة الديكتاتورية، التي تصبح فيها قيادة الدولة بشخص رجل قوي. وهذا المثال قد عبر عنه في القرآن الكريم على لسان فرعون: )مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ( (غافر، 29). ومن أبرز مخاطر هذه التوجهات المركزية في الأنظمة أنه تنتهي بانتهاء الشخص؛ لأنَّ هذا الشخص هو المحور الأول والأخير.
النوع الثاني: القائم على العقل الجمعي، وروح المؤسسة، ووجود الثقة المتبادلة بين أطراف العمل، وتحكيم مبدأ التفويض. وهو أما أنْ يكون مؤسسو العمل جمعاً من الأفراد، كحال التنظيمات والجمعيات، أو مؤسسة شخص واحد، ولكنه يقوم بالعمل بروح المؤسسة والفريق الواحد، وترى في ذلك العمل الحالة اللامركزية. إنَّ هذا النوع من العمل أقوى ثباتاً في الإدارة، وأكثر صواباً من النوع الأول؛ إذْ يستند العمل الإداري فيه الى روح الفريق الواحد والقائم على التشاور، والتعاون، والتنسيق فيما بينهم. وإنَّ مثل هذه العملية الإدارية هي الأقرب الى الصواب، ومنها قول أمير المؤمنين: (لَا ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ) (المجلسي، 1403هـ، 72/104). ويعد أمير المؤمنين وجود العقل الجمعي عاملاً الى التفوق والصواب؛ إذْ يقول: (مَنْ شَاوَرَ ذَوِي اَلْأَلْبَابِ دُلَّ عَلَى اَلصَّوَابِ) (المفيد، 1414هـ، 1/300). وإذا قرئنا نصوص أخرى عن أمير المؤمنين تحث فيها على المشاورة لوجدنا أنَّ الغاية الرئيسة منها هو إيجاد مقدار من المشاركة في اتخاذ القرار، وأنَّ لا ينفرد رجل واحد في اتخاذ القرار. فـالشراكة في الرأي تؤدي إلى الصواب؛ لأنه يتم عن طريقها مشاركة جمع من العقول، فضلاً عن ذلك إضافة آراء ذوي التجربة والخبرة، يقول أمير المؤمنين: (مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِه هَلَكَ، ومَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا) (علي بن أبي طالب، 500). فالنجاح في مشاورة الآخرين. ولم يحدد أمير المؤمنين أسلوب هذه المشاورة؛ بلْ وضع قاعدة عامة، وذكر لنا فوائد من تطبيق هذه القاعدة، ولم يستثن أمير المؤمنين ميداناً من الميادين عن المشورة، وهذا يعنى أنها ضرورية لكل عمل إداري يقوم به الإنسان، وتشتد الضرورة عندما يكون هذا العمل منوطاً بمجموعة من الرجال وليس فرداً واحداً.
سادساً: التحفيز: عدّ بعض المفكرين الإداريين هذا الجانب من مقومات الإدارة الناجحة. وقد أولى المسلمون موضوع التحفيز اهتماماً كبيراً. ونرى أنَّ القرآن الكريم يمدح هذا الحافز ويوضح الثواب الآخروي له ويبشر العاملين به، وفي سيرة أمير المؤمنين نراه كان شديد الاهتمام بهذا الجانب الإداري المهم. فنرى في كثير من خطبه الحثّ الشديد على القيام بالأمور العامة المفترضة على الأمة الإسلامية. وكان يتخذ أسلوب امتداح الشخص عندما يقوم بعمل كبير، ويفتخر بهذا العمل أمام الآخرين. ونرى أنَّ أمير المؤمنين يخاطب مالكاً الأشتر في وصيته إليه، بإيضاح أمرٍ ضروري في جانب التحفيز، فيقول له: (ولَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإِحْسَانِ فِي الإِحْسَانِ، وتَدْرِيباً لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَى الإِسَاءَةِ، وأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَه) (علي بن أبي طالب، 431). امتاز الفكر الإداري عند أمير المؤمنين بتماسكه ومتانته واستناده إلى القواعد المنطقية الرصينة، وهذا الفكر امتاز بخصائص قد لا يظفر بها المفكرين الإداريين. فهو فكرٌ إنساني؛ لأنه كان ينظر إلى علم الإدارة بنظرة إنسانية لا يراها غيره، فالذي يعمل في أُفق علم الإدارة هو الإنسان وليس الآلة، وأنَّ نظرة أمير المؤمنين إلى المؤسسة الإدارية؛ فإنّها مجتمع مصغّر تتضامن فيه كل المقومات الاجتماعية، وأنَّ نظرته إلى الإدارة؛ أنها جهاز منظم وليس خليطاً مِن الفوضى، وإنّ لهذا الجهاز هدفاً سامياً، فالتنظيم لم يوجد عبثاً؛ بلْ مِن أجل تحقيق أهداف كبيرة في الحياة. استناداً إلى هذه الرؤية الشمولية عند أمير المؤمنين فالإدارة هي كيانٌ حيّ ينبض بالحياة وهي متصفة بصفة إنسانية وصفة جماعية وصفة هدفية وصفة التنظيمية (القزويني، 6).
سابعاً: التوجيه: يعد من الأركان الإدارية الناجحة. ففي أثناء مسير العمل الإداري للدولة، أو للشركة أو للمؤسسة تظهر بعض الأمور الخافية، سواء كانت إيجابية أم سلبية. ولا بد من الإداري الناجح أنْ يتابع كافة تطورات العمل، والتأكد من سيره وفقاً للخطة التي قام بوضعها، ومن ثمَّ تأكيده على الإيجابيات، وحل المشكلات والمعوقات التي ظهرت في سير العمل. وإذا لاحظنا سيرة أمير المؤمنين، سوف نلحظ أنَّ هذا البعد الإداري كان مهم لديه، فكان مهتماً بتوجيه المسلمين، وإرشادهم للطرق السليمة في طاعة الله عزَّ وجلَّ؛ بلْ حتى في الأمور الحياتية الأخرى التي تقوم على الحِكمة وفهم الآخر. وما هذا السيل الكبير من مواعظه وحِكمه وخطبه إلا دلالة على أهمية هذا التوجيه لديه (العلوي، 8).
المبحث الثالث: المفاهيم الإدارية عند الإمام علي بن أبي طالب
هنالك مفاهيم إدارية عدة وضعها الإمام علي للالتزام بها من أجل الرقي بالنظام الإداري، منها:
المساواة بين الناس: ألزم الإمام عُمّاله وَوُلاته بتطبيق المساواة بين جميع الناس على اختلاف أديانهم وقوميّاتهم. وقال في حق الولاة وحقوق الرعية على الولاة: (حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي، فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّه سُبْحَانَه لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لأُلْفَتِهِمْ وعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ، ولَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ، فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّه، وأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، واعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وجَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ) (علي بن أبي طالب، 333). ويقول في بعض رسائله إلى عماله: (واخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ والإِشَارَةِ والتَّحِيَّةِ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ، ولَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ) (ابن شعبة، 177). يوصي الإمام عماله في كيفية معاملتهم للرعية المطيعين، وذلك بمراعاة أربعة أمور:
1- التواضع لهم وخفض الجناح تجاههم لحفظ حرمتهم وعدم إظهار الكبرياء في وجوههم كما أمر اللَّه نبيّه (ص) في السلوك مع المؤمنين، قال تعالى: )وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ( (الحجر، 88).
2- التواصل مع الناس بالبشاشة والفرح للدلالة على مودّتهم ولتحكيم الرابطة الأخوية معهم.
3- الاستيناس بهم والتلطف معهم ليطمئنوا برحمة الحكومة ويخلصوا لها ايمانهم بها.
4- المواساة بينهم ورفع التبعيض فينسلكون في نظم الأخوّة الاسلامية كمالاً، ولا يطمع الوجهاء وأرباب الثروة وأصحاب النفوذ في سوء الإفادة من الحاكم في الظلم على الضعفاء، ولا ييئس الضعفاء من عدل الحاكم والشكاية عن الظالم (الخوئي، 1403هـ، 20/ 128).
تأكيد العنصر الإنساني: كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى أحد عماله: (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وقَسْوَةً، واحْتِقَاراً وجَفْوَةً، ونَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلًا لأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ، ولَا أَنْ يُقْصَوْا ويُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ، فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُه بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ، ودَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ والرَّأْفَةِ، وامْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ والإِدْنَاءِ، والإِبْعَادِ والإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّه) (علي بن أبي طالب، 376). يدل كلام أمير المؤمنين على أنَّ نفراً من رؤساء المشركين كان بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق شكوا إلى الإمام غلظة عامله وقسوته، فكتب اليه الإمام أنْ لا يسيء إليهم لمكان العهد، ولا يدنيهم منه لمكان الشرك، ويسلك معهم منهجاً وسطاً، ومعنى هذا أنْ يدعهم وشأنهم.
على المسؤول ملاحظة الأوضاع النفسية لمرؤوسيه، ويجب عليه وضع استراتيجيته الإدارية على ضوء هذا الواقع، وعليه أنْ يوازن بين كل من ضرورات التنظيم والضبط، مع الضرورات الواقعية التي تفرزها الحالات النفسية والإنسانية، فمن الخطأ أنْ تقوم النظرية الإدارية التنظيمية على قواعد ثابتة وصارمة لا تراعي الجانب الإنساني، ولا تراعي تأثيرات الظروف (الشجاع، 2).
جانب الخبرة والعلم: في هذا المجال يؤكد الإمام علي أهمية أنْ يكون الرئيس صاحب خبرة وعلم، فإذا كان يملك هذه الصفات فله حق الطاعة، قال: (عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لَا تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِه) (علي بن أبي طالب، 499). وإذا كان المسؤول جاهلاً لا يملك هذه الصفات فلا طاعة للجاهل، وسبب ذلك يأخذهم إلى الهلاك، يقول أمير المؤمنين: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ) (ابن ميثم، 5/335). فالجاهل غير العارف بالأمور سوف ينتهي أمره إلى معصية الخالق جلَّ وعلا بأمر مخالف.
إنَّ مرافقة أهل الخبرات فهم ذوو تجارب، وهم مصدر المعرفة الواقعية. ومن البديهي أنْ يفيد المتعلم من ذوي التجارب أكثر ممن يتلقى العلوم النظرية، وقد أفاد اليابانيون من هذه التجربة عندما قاموا بتحويل معاملهم إلى جامعات يفيد منها العامل الحديث، فهو يتلقى خبرة وتجربة ممن سبقه، والذي سبقه ممن سبقه وهكذا. وقد ذكرت هذه القاعدة على لسان الإمام علي: (خَيرُ مَن شاوَرتَ ذَوُو النُّهى والعِلمِ، وأُولُو التَّجارِبِ والحَزمِ) (الواسطي، 238).
العلاقة بين الرئيس والمرؤوس: هذه العلاقة لا يرسمها التسلسل التنظيمي والتدرج؛ بلْ ترسمها المصلحة المشتركة بين الرئيس وبين المرؤوسين، يقول أمير المؤمنين لواليه مالك الأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن: (ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا، مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْه كُتَّابُكَ، ومِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ، بِمَا تَحْرَجُ بِه صُدُورُ أَعْوَانِكَ) (علي بن أبي طالب، 440). نحن هنا أمام حالة في غاية الأهمية؛ إذ أُلغي فيها التسلسل الوظيفي، فإذا لا يستطيع الوالي أو المسؤول القيام بمهمة ما فإنه ينتدب ممن يثق بهم لذلك، فيقول الإمام: (وتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ، مِمَّنْ تَقْتَحِمُه الْعُيُونُ وتَحْقِرُه الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ والتَّوَاضُعِ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ) (ابن شعبة، 141). ويعد هذا تجاوزاً واضحاً على الإدارة البيروقراطية، التي ترى أنَّ كل الأشياء يجب يكون ضمن تسلسل إداري، ولا يحق لأحد بإلغائه، ومن يُلغِ هذا التسلسل يُعد متجاوزاً للتنظيم الإداري. وقد بين الإمام علي أضرار الالتزام غير المسؤول بالتسلسل الإداري، فقال: (فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأُمُورِ، والِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَه، فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ويَعْظُمُ الصَّغِيرُ، ويَقْبُحُ الْحَسَنُ ويَحْسُنُ الْقَبِيحُ، ويُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ) (علي بن أبي طالب، 441). هذه مضار التسلسل الإداري والتقيد به، فتباطؤ حل أمور الناس بين هذه السلسلة وانتقالها من المسؤول الأول إلى المسؤول الثاني، ومنه إلى المسؤول ثالث، فالمسؤول الرابع فالخامس ثمَّ تصل إلى الناس العاديين. إنَّ هذه السلسلة الطويلة والتي تسري بعيداً عن المسؤول الأعلى للسلطة قد تتغير فيها الأحوال وتنقلب رأساً على عقب، فيمسي الصغير كبيراً، والحسن قبيحاً والقبيح حسناً، والحق باطلاً، وهذا ما كان يقوله الإمام علي. وهو ما تعانيه التنظيمات البيروقراطية؛ لأنه يعتمد فيها على سلسلة تنتقل عن طريقها المسائل والقضايا، فتنحرف عن مراميها وأهدافها، والعلاج الذي يقدمه الإمام علي هو ألا يحتجب المسؤول عن رعيته، فاحتجابه سوف يسبب تغيير في قراراته أو تطبيقها في أحسن الأحوال تطبيقاً بعيداً متحجراً عن الأهداف التي يطمح من أجلها، ومهمة المسؤول ليست محصورة في لقاء المرؤوسين؛ بلْ يجب عليه أنْ يهيئ الأجواء المناسبة التي تجعل المرؤوس باستطاعته من طرح مشاكله بأمن وطمأنينة من دون خوف؛ فالغاية منها ليس المقابلات الفجة؛ بلْ الهدف أنْ يكون اللقاء ذو فائدة، فلابد من تهيئة أجواء مناسبة لهذه الاجتماعات، يقول الإمام في ذلك: (واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيه شَخْصَكَ، وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَوَاضَعُ فِيه لِلَّه الَّذِي خَلَقَكَ، وتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ) (ابن أبي الحديد، 17/87). ويبعث الإمام إلى قثم بن العباس برسالة، قال فيها: (ولَا يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ، ولَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُكَ) (علي بن أبي طالب، 457).
مكافحة الجمود: توجد قسم من النظريات في الإدارة واللوائح التنظيمية تتسبب بالجمود، وإضاعةً للوقت والحقوق والجهود، وأنَّ كثيراً من معاملات الناس لا يفكر بإنجازها أصلاً؛ لأنها تستغرق كثيراً من الوقت حتى يتم إقرارها عبر التسلسل الإداري، من هنا وردت دعوة الإمام علي: (مَنْ أَطَاعَ التَّوَانِيَ ضَيَّعَ الْحُقُوقَ) (ابن ميثم، 5/361).
الخاتمة:
لخلص البحث إلى ما يأتي:
- إنَّ مصطلح (الإدارة) لم يعرف قبل الإسلام ولا في صدر الإسلام؛ لأنه لم ترد هذه العبارة في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو في المعجمات اللغوية أو في الشعر العربي، وهذا يؤكد من أنها جديدة في الاستعمال بلفظها، وإنْ كانت موجودة في معناها.
- عندما تسلم أمير المؤمنين الخلافة شرع في تطبيق المنهج الإصلاحي للأمة، على الرغم من معرفته بالعراقيل الهائلة والعوائق الضخمة التي ستواجهه. وقد ارتكز برنامجه الإصلاحي في العدالة بين الناس، والرعاية الكبيرة لجميع أصناف الناس، والمحاسبة الدقيقة لكل المخالفين.
- ومما سبق تبين لنا أنَّ الإدارة عند أمير المؤمنين ليست فعلاً ميكانيكياً؛ بلْ مجموعة خصال وصفات تمتزج فيما بينهما للحصول على القائد والمدير والعامل الناجح والإدارة الناجحة، وهذه الصفات هي صفات التنظيم الجيد، فلا إدارة من دون نظام وتنظيم، وإذا حلَّ نقص في تنظيم الأمور حلّت محله الفوضى والاضطرابات.
- كانت السياسة الإدارية التي اتبعها أمير المؤمنين تنطلق من ثوابت لا يتحملها سواه، وأهم هذه الثوابت، سياسته العادلة في تطبيق برنامجه الإصلاحي على كافة الأصعدة. وقد تميّزت سياسته الإدارية العادلة بعدم المداهنة مع الباطلين وعدم قبوله بأنصاف الحلول، وقد تجلّى ذلك في عزله للولاة والعمّال غير مؤهلين. وكذلك فقد وضع جهة رقابية، واستخدم نظاماً حازماً مع أي مخالف أو منحرف.
المصادر والمراجع:
- خير ما نبتدئ به القرآن الكريم.
المصادر:
- الآمدي، أبو الفتح عبد الواحد بن محمد، (1366هـ)، غرر الحِكم ودرر الكلم، مؤسسة التبليغ الإسلامي، قم.
- الثقفي، إبراهيم بن محمد الكوفي، (د ت)، الغارات، جـ 2، تحقيق جلال الدين الحسيني، مطبعة بهمن، إيران.
- ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني المعتزلي، (1378هـ)، شرح نهج البلاغة، جـ 9،جـ 14،جـ 19، تحقيـق محمد أبو الفضل، دار إحياء الكتب، بيروت.
- ابن حيان، محمد بن خلف بن حيان (وكيع)، (د ت)، أخبار القضاة، جـ 1، عالم الكتب، بيروت.
- الرازي، أبو بكر شمس الدين محمد بن أبي بكر، (1406هـ)، مختار الصحاح، جـ 1، مكتبة لبان، بيروت.
- الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، (1404هـ)، المفردات في غريب القرآن، الطبعة الثانية، إيران.
- السبكي، أبو نصر تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، (1367هـ)، معيد النعم ومبيد النقم، تحقيق محمد النجار، دار الكتاب العربي، القاهرة.
- ابن سِيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل (د ت)، المخصص، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- ابن شعبة الحراني، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين الحلبي، (1404هـ)، تحف العقول عن آل الرسول (تحفة العقول)، تحقيق علي أكبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.
- ابن شهرا شوب، أبو عبد الله مشير الدين محمد بن علي، (1376هـ)، مناقب آل أبي طالب، جـ 1، تحقيق لجنة من أساتذة النجف، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.
- ابن الصباغ، عليّ بن محمّد أحمد المالكي المكي، (1422هـ)، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، حققه ووثّق أصوله وعلّق عليه سامي الغريري، دار الحديث، مطبعة سرور، قم.
- الصدوق، الشيخ أبو جعفر محمد بن علي، (1368ش)، ثواب الأعمال وعقب الأعمال، مطبعة أمير، قم.
- الصدوق، الشيخ أبو جعفر محمد بن علي، (1403هـ)، الخصال، تحقيق علي أكبر غفاري، الناشر جماعة المدرسين، قم.
- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (د ت)، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، مكتبة خياط، بيروت.
- الطوسي، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن، (1414هـ)، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، دار الثقافة للطباعة، قم.
- علي بن أبي طالب (ع)، الإمام أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، (1387هـ)، نهج البلاغة، مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ضبط نصّه وابتكر فهارسه العلميّة وحققه صبحي الصالح، الطبعة الأولى، بيروت.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، (1414هـ)، معجم مقاييس اللغة، جـ 4، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، قـم.
- القاضي النعمان المغربي، النعمان بن محمد التميمي، (1383هـ)، دعائم الإسلام، جـ 2، تحقيق آصف بن علي أصغر، دار المعارف، القاهرة.
- ابن قتيبة، أبو حنيفة أحمد بن داوود الدينوري، (1413هـ)، الامامة والسياسة، جـ 1، تحقيق علي شيري، الناشر: انتشارات الشريف الرضي، قم.
- الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، (د ت)، الأحكام السلطانية والولايات الدينية جمع بين المسائل الشرعية والسياسية، المطبعة المحمدية، مصر.
- المجلسي، محمد باقر، (1403هـ)، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة، جـ 72، مؤسسة الوفاء، بيروت.
- المفيد، الشيخ أبو محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، (1414هـ)، الإرشاد في معرفــة حجج الله العباد، جـ 1، تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، مطبعة دار المفـيد، قم.
- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، (1388هـ)، لسان العرب، جـ 5، جـ 12، دار صادر، بيروت.
- ابن ميثم، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (1404هـ)، شرح نهج البلاغة، جـ 5، عنى بتصحيحه عدّة من الأفاضل وقُوبِلَ بعِدَّة نُسَخ مَوثوقٌ بها، الناشر مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم.
- الواسطي، الشيخ كافي الدين أبي الحسن علي بن محمد الليثي، (1418هـ)، عيون الحِكم والمواعظ، تحقيق حسين الحسيني، دار الحديث، قم.
- اليعقوبي، أحمد بن يعقوب بن واضح (د ت)، تاريخ اليعقوبي، جـ 2، دار صادر، بيروت.
المـراجـع:
- حسن إبراهيم، حسن، (1382هـ)، النظم الإسلامية، مكتبة النهضة، مصر.
- الخوئي، العلامة المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي، (1403هـ)، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، جـ 20، تحقيق السيد إبراهيم الميانجي، منشورات دار الهجرة، قم.
- الريشهري، محمد، (1421هـ)، موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنّة والتاريخ بمساعدة محمّد كاظم الطباطبائي ومحمود الطباطبائي، جـ 1، دار الحديث، قم.
- الريشهري، محمد، (1416هـ)، ميزان الحكمة، دار الحديث، قم.
- السند، الشيخ محمد، (1428هـ )، بحوث معاصرة في الساحة الدولية، مطبعة ستارة، قم.
- السيستاني، السيد علي الحسيني، (1414هـ)، الرافد في علم الأصول، محاضرات السيد علي الحسيني السيستاني، بقلم السيد منير السيد عدنان القطيفي، مطبعة مهر، قم.
- الطماوي، سليمان محمد، (1965م)، مبادئ علم الإدارة العامة، دار الفكر العربي، بيروت.
- عبد الباقي، محمد فؤاد، (1962م)، المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، جـ 2، مطبعة بريل، ليدن.
- عبد الباقي، محمد فؤاد، (1401هـ)، المعجم المفهرس لألفاظ القران الكريم، دار الفكر، بيروت.
- العلي، صالح أحمد، (1389هـ)، التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري، دار الطليعة للطبع والنشر، بيروت.
- القرشي، الشيخ باقر شريف، (1395هـ)، حياة الإمام الحسين (ع) دراسة وتحليل، مطبعة الآداب، النجف.
- القزويني، السيد محسن باقر، (د ت)، خصائص الإدارة عند الإمام علي (ع)، المكتبة الشاملة.
- كرمي، أحمد عجاج، (1427هـ)، الإدارة في عصر الرسول (ص)، دار السلام، القاهرة.
- محمد مهدي، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، (1392هـ)، دراسات في نهج البلاغة، دار الزهراء، بيروت.
- مغنية، محمد جواد، (1427هـ)، في ظلال نهج البلاغة، جـ 3، جـ 4، الطبعة الأولى، مطبعة ستارة، قم.
- المنتظري، الشيخ المحقق المنتظري، (1408هـ)، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، جـ 2، مطبعة مكتب الإعلام، قم.
- هادي النجفي، الشيخ هادي النجفي، (1423هـ)، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، جـ 7، دار إحياء التراث، بيروت.
المراجع الأجنبية:
- ريتشارد تانر باسكال وانطوني ج. آثوس، (د ت)، فن الإدارة اليابانية، الطبعة الأولى، دار الحمراء، بيروت.
- رينهارت دوزي، (1981م)، تكملة المعاجم العربية، ترجمة محمد النعيمي، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد.
شبكة المعلومات (الانترنيت):
- الشجاع، أحمد، مبادئ وثوابت سياسة الخليفة علي بن أبي طالب. http://www.awda dawa.com
- الشمري، علي، دولة الإمام علي (ع). https://annabaa.org/nba
- العلوي، السيد جعفر، من نفائس الإمام علي (ع) في علم الإدارة. http://www.alhodamag.com/index