أكتوبر 28, 2024 6:19 م
11

أ. د. وفاء كاظم سليم

القسم: التربية الإسلامية ، الكلية التربية الاساسية

الجامعة المستنصرية ، بغداد ، العراق

Wafaa.kadem@uomustansiriyah.edu.iq

009647707787750

الملخص

هناك إسهامات عديدة في الوقت الحاضر قد سلطت الضوء على فكرة التنمية المستدامة فنظمت المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية، واجريت الدراسات والبحوث المحلية والدولية وصنفتها بانها فكرة مبتكرة، بل ويعتقد البعض ان هذا الفكر عصري غربي دخيل على الاسلام لاوجود له في القرآن الكريم، والباحث في هذا الموضوع يجد إن معظم الآيات القرآنية تدعو إلى الحفاظ على البيئة مواردها وحمايتها، وعمارة الأرض، واستخلاف الإنسان فيها ليقوم بمهمة الاعمار وفق الشريعة الالهية، ويهدف البحث الحالي الى الكشف عن التنمية المستدامة في الأمثال القرآنية. واتبعت الباحثة المنهج الاستقرائي الموضوعي لبعض الأمثال القرآنية والتنمية المستدامة، ويشمل البحث اربعة مباحث رئيسة: المبحث الاول تناول التعريف بالبحث، إذ ركز على مشكلة البحث وأهميته والهدف منه، كذلك تحديد المصطلحات، أما المبحث الثاني فقد تضمن خلفية نظرية وعرض بعض الدراسات السابقة التي تناولت التنمية المستدامة، وجاء في المبحث الثالث التنمية المستدامة والامثال القرآنية، أما المبحث الرابع فتضمن أهم الاستنتاجات والتوصيات والمقترحات، وبعدها قائمة المصادر والمراجع. ومن ثم الاستنتاجات التي توصل إليها البحث هي أن القرآن الكريم زاخر بالأمثال القرآنية التي تدعو إلى التنمية المستدامة، ومنها المحافظة على البيئة الطبيعية ومواردها ومصادرها للأجيال القادمة، فهي من أجّل العبادات التي كلف بها الإنسان ويتقرب بها إلى الباري عز وجل، ومن التوصيات التي جاء بها البحث الحالي هي تضمين مفهوم التنمية المستدامة في المناهج والمقررات الدراسية في المراحل الدراسية، ومن المقترحات هو إجراء دراسة مماثلة للدراسية الحالية تتعلق بالتنمية المستدامة والآيات الكونية.

الكلمات المفتاحية: التنمية، المستدامة، الامثال، القرآنية، الإنسان

 

Using Quranic proverbs in sustainable development

  1. Dr.. Wafaa Kazem Salim

Department: Islamic Education, College of Basic Education,

Al-Mustansiriya University, Baghdad, Iraq

Abstract

   There are many contributions at the present time that have shed light on the idea of ​​sustainable development. Conferences, seminars, and discussion groups were organized, and local and international studies and research were conducted, classifying it as an innovative idea. Some even believe that this modern, Western thought is alien to Islam and does not exist in the Holy Qur’an. The researcher on this topic It is found that most of the Qur’anic verses call for preserving and protecting the environment and its resources, rebuilding the earth, and appointing humans as successors in it to carry out the task of reconstruction in accordance with divine law. The current research aims to reveal sustainable development in Quranic proverbs. The researcher followed the objective inductive approach to some Qur’anic proverbs and sustainable development. The research includes four main sections: The first section: dealt with the definition of the research, as it focused on the research problem, which is: (the relationship of sustainable development to Qur’anic proverbs), its importance and purpose, as well as defining the terminology. The second section included a theoretical background and presented some previous studies that dealt with development. Sustainable development. The third section was entitled Sustainable Development and Qur’anic Proverbs, The fourth section includes the most important conclusions, recommendations and proposals, followed by a list of sources and references. One of the main conclusions that the research reached is that the Holy Qur’an is replete with Quranic proverbs that call for sustainable development, including the preservation of the natural environment and its resources and resources for future generations. They are among the most important acts of worship that man has been entrusted with and to draw closer to the Creator, the Almighty, and among the recommendations that the research came up with. Incorporating the concept of sustainable development into curricula and curricula at the academic levels. One of the proposals is to conduct a study similar to the current study related to sustainable development and universal verses.

Keywords: development, sustainable, proverbs, Quranic, human

المبحث الاول

التعريف بالبحث

أولاً : مشكلة البحث

القرآن الكريم كتاب معجز للبشرية لم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا احصاها، وفيه تحدي لقمّم العلم والتطور والتقدم، ولأقصى درجات الحضارة رقيّاً، فيلحظ أن مفهوم التنمية المستدامة جديدة من حيث التسمية فقط، ونجدها متطابقة مع مفهوم ( الاستخلاف، والاستعمار، والتسخير) ، كما أشارت الآيات القرآنية، قال سبحانه في كتابة المجيد:(هو انشاكم من الارض واستعمركم فيها)(سورة هود، الآية/٦١)، ولم يكتف الاسلام بالحث على التنمية، بل جعلها مرتبطة بالحياة الاخروية أيضاً، قال تعالى:(ثم جعلناكم خلائف في الارض ممن بعدهم لننظر كيف تعملون)(سورة يونس، الآية/ ١٤)، وبعد العناية الالهية التي جعلها سبحانه وتعالى في مكنون الارض، جاء الإنسان بما أعطاه الله سبحانه من عقل فغير في هذا المكنون ، لتحقيق الراحة والرفاهية لنفسه وأخّل بالتوازن البيئي، مما نتج العديد من المشاكل منها التلوث البيئي وافسادها، وقد غفل هذا الإنسان في جَرْيه وراء تحقيق غاياته المادية وتحقيق مكاسبه عن أن هناك أجيالاً ستأتي من بعده تريد أن تستفيد مثله من موارد البيئة الطبيعية ومصادرها. ومن المعلوم أن القرآن الكريم كتاب الله الخالد لكل زمان ومكان، ولم يغفل عن شيء أبداً، فقد راعى هذه الأجيال القادمة، فقد دعا سبحانه وتعالى إلى ابقاء تلك الموارد والثروات خلفاً لهم، ومن هنا جاءت فكرة مضمون البحث الحالي بطرح السؤال الآتي: (ما علاقة التنمية المستدامة بالأمثال القرآنية)؟.

 

ثانياً : أهمية البحث والحاجة إليه :

خلق الله سبحانه الارض بما فيها من النعم والخيرات وفق نظام دقيق ونواميس لا طاقة لكائن من كان عليها، قال سبحانه في كتابة المجيد (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (سورة القمر ،الآية/٤٩)، وقد سخر الله سبحانه الأرض بما فيها من مخلوقات لخدمة الإنسان لكي يستعين بها في حياته وفي عمارة الارض، وذلك مصداقاً لقولة سبحانه (الم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الارض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) (سورة لقمان، الآية/٢٠)، وقال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (سورة الاسراء، الآية/٧٠). وإن كل ما يحيط بالإنسان من الأحياء والجمادات والغيبيات بصورة تجعلها- اي البيئة- حاضنة لكل العلاقات الفعّالة بين هذه المكونات، وهي في التصور الإسلامي مجال الخلافة ومحله، تجلية لقولة سبحانه وتعالى (إني جاعل في الارض خليفة) (سورة البقرة ،الآية/٣٠)، فهي إذن تمثل مدار الدعائم  الحياتية المسخرة للإنسان (ساسي،٢٠١٨م، ص192). ولكي يتمكن الإنسان من الانتفاع من هذه النعم فأنه لابد أن يحافظ عليها ويحول دون هدرها أو تدميرها، وقد أصبح هذا جزءاً من الثقافة في شخصية الفرد والجماعة في المجتمع الاسلامي، لذلك يمكن القول إن أبعاد التنمية المستدامة في الثقافة الإسلامية قد تجسدت دلالاتها في نصوص صريحة وردت في القرآن الكريم، وفي البحث الحالي نبين الأمثال القرانية في التنمية المستدامة.

واشتمل الدين الإسلامي الحنيف على فيض من الأمثال القرانية التي تعكس بشكل مباشر وغير مباشر دلالات الاستدامة بإبعادها المختلفة ،وتلك الأمثال القرانية من أفضل الوسائل لغرس القيم والأفكار وتغيير السلوك  والاعتبار ،كما ويعيد الفرد المسلم نفسه بالتفكير والإمعان في دلائل قدرته عز وجل وادامتها في الارض، وتسخيرها لخدمة البشر(غنيم وماجدة،٢٠١٤م، ص٩١).

واستقراءً مما سبق تستطيع الباحثة تحديد أهميه البحث على النحو الآتي:-

1-الكشف عن التنمية المستدامة في الأمثال القرآنية ، فأصبح موضوع التنمية المستدامة يشغل حيزاً كبيراً في الوقت الحاضر.

2-ربط فكر التنمية المستدامة بمصدر التشريع الإسلامي الأول لاستكشاف أهم المبادئ والمرتكزات لتطبيق وتجسيد هذه الفكرة من خلال الأمثال القرآنية وما تسنه من الحقائق والإعجاز تتأسس على مبدأ الحفاظ على حق الحياة للأجيال حاضراً ومستقبلاً.

3-لا توجد دراسة في العراق على حد العلم والاطلاع قد تناولت التنمية المستدامة في الأمثال القرانية .

4-تزويد الباحثين المهتمين بالتنمية المستدامة والمكتبات بالمعلومات الاساسية المختصة بهذا الموضوع.

 

ثالثاً : هدف البحثيهدف البحث الحالي إلى:(الكشف عن التنمية المستدامة في الامثال القرآنية).

رابعاً: منهج البحث: اعتمد البحث على المنهج  الاستقرائي الموضوعي من خلال تتبع الامثال القرآنية الدالة على التنمية المستدامة في القرآن الكريم ، ويمتاز هذا النوع من المناهج المتبع في بحثنا هو اعطاء النظرة القرآنية الوافية عن ابعاد التنمية المستدامة ومحدداتها ومتطلبات تحقيقها.

خامساً : تحديد المصطلحات :

1التنمية:

التنمية في اللغة: مشتق من نما، والنماء بمعنى الزيادة والكثرة والارتفاع وأنميتُ الشيء ونمَّيته: جعلته نامياً والأشياء كلها على وجه الأرض نامية، فالنامي مثل النبات والشجر ( الازهري،2001م،15/374) (ابن منظور،1414هـ،14/49).

 التنمية في الاصطلاح: وردت تعاريف مختلفة للتنمية في الاصطلاح تبعاً للمضمون الذي ركز عليه، واخترنا المناسب منها:

عرفت أنها🙁 عملية تغير محددة كماً ونوعاً) (غنيم وماجدة،٢٠١٤م، ص22).

وعرفت أيضاً أنها:(عملية تخطيط شاملة تهدف الى احداث تغير في نواحي الحياة كافة) (العكيلي، 2021م، ص376).

المستدامة في اللغة: : مأخوذة من دام ، واستدامة الشيء أي طلب دوامه واستمراريته، واستدام بمعنى دام (الزبيدي، (ب- ت)، 32/180).

2- التنمية المستدامة في الاصطلاح: هناك تعريفات عديدة للتنمية المستدامة في الاصطلاح ، نذكر منها:

عرفت أنها:(عملية تفي باحتياجات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال القادمة بما يؤثر في قدراتها على الوفاء باحتياجاتها (عمر وفيحاء، 1434هـ، ص143).

وعرفت أيضاً أنها:(تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها) (سالم، 2019م، ص3).

3-الامثال:

المثل في اللغة: يدل على مناظرة الشيء بالشيء، وهذا مثل هذا، أي: نظيره، والمِثْل والمثال في معنى واحد، والمَثَلُ: كشبه وشبه. والمَثَلُ المضروب مأخوذ من هذا، والجمع امثال (ابن فارس، 1979م، 5/296).

الامثال القرآنية في الاصطلاح: وردت تعاريف عديدة للأمثال القرآنية في الاصطلاح، نذكر منها:

عرفت أنها:(ابراز المعنى في صورة حسية روعة وجمالاً) (القطان،(ب-ت)، ص274).

وعرفت أيضاً أنها🙁 ابراز المعنى في صورة رائعة موجزة لها وقعها في النفس سواء كانت تشبيهاً أو قولاً مرسلاً) (البغا ومحيي، 1998م، ص197).

 

المبحث الثاني

خلفية نظرية وعرض الدراسات السابقة ومؤشراتها

أولاً : الخلفية النظرية:  ( أهمية التنمية المستدامة في القرآن الكريم وغاياتها وأهدافها وأبعادها ):

 

1- أهمية التنمية المستدامة وغاياتها: إن مفهوم التنمية المستدامة في الإسلام أكثر شمولاً، بل إنه أكثر إلزاماً من المفهوم المناظر الذي تم تبنيه في أجندة القرن الحادي والعشرين المنبثقة عن (مؤتمر قمة ريو أو ما تسمى قمة الارض التي نظمته الأمم المتحدة بريو دي جانيرو بالبرازيل من أجل البيئة والتقدم، وكانت بتاريخ 3-14 يونيو سنة 1992م) (غنيم وماجدة،٢٠١٤م، ص26) ، فالنظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والاخلاقية، لأن هذه الضوابط هي التي تحول دون أية تجاوزات تفقد التنمية المستدامة مبررات استمراريتها، وفي الوقت نفسه فإن النظرة الاسلامية الشاملة للتنمية المستدامة تعنى بالنواحي المادية، جنباً الى جنب النواحي الروحية والخلقية، فلا تقتصر التنمية المستدامة على الأنشطة المرتبطة بالحياة الدنيا، ومستلزماتها وحدها، وإنما تمتد الى الحياة الآخرة، بشكل يضمن تحقيق التوافق بين الحياتين ويجعل صلاحية الاولى جسر عبور الى النعيم في الحياة الأخروية التي هي الحياة الحقيقية المستمرة من دون انقطاع ومنغصات، وهكذا  فإن مهمة التنمية المستدامة في المنظور القرآني هي توافر المتطلبات البشرية حالياً ومستقبلاً سواءً أكانت مادية أو روحية، بما في ذلك حق الإنسان في كل عصر ومصر في أن يكون له نصيب من التنمية المستدامة في النظم والأفكار الأخرى ،لأنه يعتمد على مبدأ التوازن والاعتدال في تحقيق متطلبات الجنس البشري بشكل يتفق مع طبيعة الخلقة لهذا الكائن (زغدود واخرين ،٢٠١٩ م،ص٧).

     إذن مفهوم التنمية المستدامة في القرآن الكريم يزاوج بين المتطلبات المادية والروحية، وليس مقتصراً على المادة فقط ،فالإنسان في هذه الحياة يحتاج الى استدامة مادية وروحية وثقافية واجتماعية، وسنحاول الاشارة إلى الشواهد الواردة في القران الكريم (الامثال القرانية ) لمفهوم الاستدامة (زغدود واخرين ،٢٠١٩م،ص11).

والتنمية المستدامة نابعة من مفاهيم التنمية بشكل عام ،التي تسعى إلى تحسين نوعيه حياة الإنسان مع مراعاة حماية البيئة والحفاظ على الموارد، وحسن استغلالها وذلك لأن بعض إجراءات التنمية تستنزف الموارد الطبيعية، مما يؤدي الى فشل العملية نفسها، سواء بشيوع التلوث البيئي، لهذا يعد جوهر التنمية المستدامة هو التفكير في المستقبل وفي مصير الاجيال القادمة (جمعية،٢٠١٧م،ص١٧٢).

إن الرؤية الإسلامية للتنمية المستدامة تعمل على ربط الإنسان بشكل عام والمسلم بشكل خاص برسالته في الحياة، وهي رسالة عظيمة أساسها عمران الأرض، ونشر الخير، وتحقيق الاستحلاف الرباني للإنسان على الارض، وهذا يعني ألا يكون هدف التنمية إشباع الحاجات ثم توافر الكماليات ونيل رضا المواطن الفرد، وإنما غرس القيم العليا في النفس البشرية، والنهوض بها لغايات كبرى، ومن هنا فإن المفهوم الإسلامي للتنمية يعني تحقيق رسالة الاسلام وغاياته، وأن يربط المسلم بحقيقة وجوده على الأرض وعمرانها واستغلال الموارد التي منحها له، وتربية ذاته على القيم العليا، وكذلك واجبه الانساني نحو الشعوب الأخرى ونحو التعامل مع البيئة تعاملاً رشيداً (جمعة، 2017م، ص192).

يشير سيد قطب في تفسيره: إن عمل الكائن الانساني هو الخلافة في الأرض ، وتقتضي الواناً من النشاط الحيوي  في عمارة الأرض ، والتعرف إلى قواها وطاقاتها وذخائرها ومكنوناتها ، وتحقق إرادة الله سبحانه وتعالى في استعمالها وتنميتها وترقية الحياة فيها ، كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله تعالى في الأرض لتحقيق المنهج الرباني  الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام ، كما ويعيش الإنسان في هذه الأرض شاعرا أنه هنا للقيام بوظيفة من الباري عز وجل ، جاء لينهض بها فترة، طاعة لله سبحانه وتعالى وعبادة له لا ارب له هو فيها  ، ولا غاية له من ورائها ، إلا الطاعة ، والجزاء الذي يجده في نفسه من الطمأنينة والرضا عن وضعه وعمله اينما يكون ( سيد قطب،1412هـ، 6/3386).

  ونختم القول : إن غايات التنمية المستدامة في المنظور القرآني تتجه نحو تحقيق العبادة لله وحده، وعمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة، ومن صلاح في العقل والعمل، وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع (الريسوني، 1992م، ص6).

 

2- أهداف التنمية المستدامة: إن أهداف التنمية المستدامة في الفرآن الكريم هي أهداف شاملة ومتنوعة تشمل نواحي الحياة جميعاً دون استثناء ، وهي مستلزمات العيش الكريم والازدهار، وتكوين حضارة عريقة وعظيمة طابعها العدل والانصاف والاخلاق ،  وعماد هذه التنمية هو الإنسان، فالإنسان وفقاً لهذا المنهج هو الهدف الاسمى والاهم في هذا الوجود،  فهو بحق الوسيلة الرئيسة لعملية التنمية ، وهو في الوقت نفسه غايتها ، لكي يستطيع أن يستمر في القيام بتبعة العبادة التي تشمل اعمال الإنسان جميعاً ، وعلى رأسها اعمار الأرض وفقاً لشرع الله سبحانه وتعالى (جمعة ،٢٠١٧م،ص١٨٨) ، وعليه فان عملية التنمية تتصف وفقاً لهذا المنهج بالاستمرارية أو الاستدامة النابعة من استمرارية الإنسان في عبادة الخالق سبحانه تعالى مصداقاً لقوله (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) (سورة الذريات ، الآية /٥٦)، والتنمية المستدامة كفيلة لسعادة الإنسان وخدمته ، وحفظ كل ما يؤول إلى الحياة الكريمة التي ارادها الله سبحانه وتعالى للإنسان (جمعة ،٢٠١٨م،ص189). وفي قوله تعالى (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) (سورة الانعام، الآية/162)، إن البناء على المقاصد التي ذكرناها توجه تصرفات المكلف كلها عبادات سواء كانت من قبيل العبادات ، وهذا ربط نابع من رسالة المسلم  في الدنيا ، وأنها مرتبطة بخلافته على الأرض ، ومن هنا يكون إثباته على انشطته وسعيه في الأرض ايضاً ، فإن ربط سعي المسلم وأنشطته بغايات الشريعة ومقاصدها يمنعها من الزيع ، ويقوّم طريقها ، ويحدد غاياتها كلما ضلت سبلها، وهذه بحد ذاتها تمثل الهدف الاسمى من التنمية المستدامة كما اردها الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد.

 

3-ابعاد التنمية المستدامة: ينطلق مفهوم التنمية المستدامة من مبدأ تسخير الكون للإنسان ليعمر الأرض وفق مبادئ الحكمة الالهية بما يحقق الخلافة في الأرض مع الحفاظ على حسن اداء الأمانة فيها ، وهو مفهوم شامل لنواحي التعمير في الحياة كافة ، والنتيجة فهو يقوم على بعدين اساسين يضمنان تنمية مستدامة في الدارين الدنيا والآخرة هما:-

 

البعد الاول : البعد المعنوي الانساني : يركز هذا البعد على بناء الإنسان وتنميته ذاتياً ،وذلك بتربيته دينياً وروحياً وخلقياً وقيمياً ، ليقوم بالتكليف المنوط به في عبادة الله عز وجل ونشر القيم و الاخلاق التي هي جوهر الدين الحنيف ، فإذا أهمل هذا البعد في مشروعات التنمية ، فإن ذلك يؤدي الى الانهيار الحضاري ، والانحلال الاخلاقي ، وتفشي الامراض والاضطرابات النفسية (سبقاق، ٢٠١٨م،ص١). فالأعمار المعنوي للنفوس هو الأساس الذي يبنى عليه إعمار الأرض ، ولا يمكن أن نؤسس لحضارة إنسانية إلا بإعمار وتزكية الجانب الخلقي والانساني فيها وليس العمارة الحسية فقط ، قال تعالى في كتابة المجيد : (اولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا اشد منهم قوة واثاروا الأرض وعمروها اكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون) (سورة الروم، الآية /٩).

   وتضيف الباحثة: وبما أن الإنسان هو أساس التنمية المستدامة ، فقد أعلت الآيات القرآنية قيمة الإنسان واهتمت به، وبتنمية قدراته بوصفه خليفة الله سبحانه وتعالى في الأرض دون غيره من سائر المخلوقات ، مصداقاً لقولة تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الارض) (سورة الانعام ،الاية/١٦٥)، وقال تعالى: (ويجعلكم خلفاء الارض) (سورة النمل، الآية/٦٢).

 

البعد الثاني: البعد المادي التعميري: يتمثل هذا البعد بتعمير الأرض في المجالات المختلفة ، واستغلال كل الإمكانات المادية وفق مبدأ الخلافة بما يكفل الحياة الطيبة للإنسان التي هي وسط بين العوز والترف ، مع الحفاظ على ما سخر له بما يوافق مبدأ الأمانة التي حملها ، وتحقيق حد الكفاية لأفراد المجتمع ، وتتمثل عمارة الأرض في الإسلام في كل الوسائل التي يمكن من خلال إحداث انواع التسمية المختلفة سواء أكانت اقتصادية (صناعية ، زراعية) أم اجتماعية أم صحية أم روحية …الخ؟ كما أن عمارة الأرض تمثل الهدف الرئيس للتنمية المستدامة ، فضلاً عن كونها غاية دينية ومقصداً شرعياً (سبقاق،2018 م،ص3). فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لكي يضطلع بثلاث مهام رئيسة هي:

الاولى: عبادة الله سبحانه ، كما جاء في قوله تعالى: (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)(سورة الذاريات، الآية/56).

الثانية: الخلافة في الأرض ، قال تعالى: (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة)(سورة البقرة ،الآية/30).

الثالثة: عمارة الأرض ،وهذا ما جاء في قوله تعالى (هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها)(سورة هود، الآية/61).

ومن الملاحظ أن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين هذه المهام الثلاث ، والمولى سبحانه وتعالى عندما طلب من الإنسان أن يعمر الأرض لم يتركه تائهاً بل وفر أهم المقومات إليه ، وتتمثل في أمرين هما:-

الاول: القدرة العقلية والجسدية التي تجعله قادراً على الاستفادة من هذه الثروات وهذه الامكانات.

الثاني: الإمكانات والوسائل التي يتمكن بها من عمارة الأرض (الاصفهاني،٢٠٠٧م،ص٧٢).

وهناك من الباحثين والمؤلفين مَنْ قسم ابعاد التنمية المستدامة في القران الكريم إلى ثلاثة ابعاد هي:

اولاً: البعد البيئي : إن البيئة تمثل الكون بشكل عام، ولقد أشار القرآن الكريم الى البيئة بقوله سبحانه وتعالى:(له ما في السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى) (سورة طه، الآية/6)، بينت هذه الآية بوضوح البيئة الطبيعية الظاهرة وهي السماوات والأرض وما بينهما من نباتات ، وحيوانات ، ومياه ، وهواء ، وجبال ، وارض وسماء وغير ذلك ، وتضمنت الآية أيضاً المكونات الموجودة في باطن الأرض سواء كانت مكونات جيولوجية أو خامات معدنية (عافية، 1994م، ص60)، وثروات طبيعية يمكن استخراجها واستثمارها اقتصادياً أو مياهاً جوفية يمكن استخراجها ، لأغراض الزراعة والاستيطان (رزق،2006م،ص50)، بمعنى أن البيئة في القرآن الكريم تعني جملة الاشياء التي تحيط بالإنسان ابتداءً بالأرض وانتهاءً بالسماء ، وما بينهما من العوامل والمؤثرات المختلفة ، ولابد من استغلالها أحسن استغلال للحصول منها على أفضل انتفاع ، فهذا كله لا يكون له وللأجيال فحسب ، بل قد يكون لأناس غيره وأجيال بعده.

ثانياً: البعد الاقتصادي: أهتم الإسلام بالجانب الاقتصادي في حياة البشر اهتماماً كبيراً ، لأنه يمتد أثره عبر الاجيال القادمة ، فقد دعا سبحانه وتعالى إلى العمل والكسب في الأرض والانتاج ، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة بوضوح ، قال عز وجل:(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)(سورة الملك، الآية/15)، والقرآن الكريم في معظم آياته دفع الفرد المسلم إلى مواصلة العمل وعدم التوقف ، بل زيادة الانتاج والتمتع بالطيبات بمجرد الفراغ من العبادة الواجبة على المسلمين ، قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) (سورة الجمعة، الآية/10). أي: فإذا فرغتم من أداء الصلاة وأقمتموها على أتم وجه وأكمله، فانتشروا في الأرض، وامشوا في مناكبها، لأداء أعمالكم التي كنتم قد تركتموها عند النداء للصلاة، ولغرض تحصيل المعيشة، وطلب الربح واكتساب المال والرزق من فضل الله سبحانه ، ومن فيض الانعام التي  جعلها سبحانه وتعالى منافع للبشر (طنطاوي،1998م،14/387).

ونختم القول: أن الشريعة الإسلامية دعت إلى العمل المتواصل والانتاج، لغرض تحقيق التنمية المستدامة في البعد الاقتصادي، والعمل قائم على استثمار حقيقي للأفراد والمجتمع لإنشاء المشاريع التنموية، ولا يتصور أن تتم عمارة الأرض إلا من خلال اقتصاد، لتغطية حاجات الاجيال في الحاضر والمستقبل.

ثالثاً: البعد الاجتماعي:  لقد أهتم الدين الاسلامي اهتماماً كبيراً بالبيئة الاجتماعية للفرد المسلم ، والرقي بها وتطويرها في مجالات الحياة العديدة منها إشباع الحاجات الاساسية لكل إنسان ، وتوافر متطلبات العيش فيها مع بقية المجتمعات بكرامة ، وتقوم ببناء العلاقات والاواصر الاجتماعية القوية دون النظر إلى كثرة المال أو النوع أو الجنس أو اللون ، وتلك العلاقات لابد من أن تقوم على المحبة والالفة بين الافراد ، والغاية يستفيد منها الجيل الحاضر والقادم، ولهذا البعد في التنمية المستدامة له أسس وشواهد كثيرة قائمة على المحبة والتعاون وصلة الارحام والتكافل الاجتماعي بكل صوره ، واشراك افراده في البذل المجتمعي والعطاء والتفاعل المشترك بينهم ، واستشعار المسؤولية الذاتية والمجتمعية لاستمرار عجلة الحياة (العقل، 2021م، ص914).

ونختم القول: جاء الاسلام ينظم حياة الافراد والمجتمعات ، وينميها التنمية السليمة واللائقة بحياة البشر وبما يضمن استدامتها للأجيال الحاضرة واللاحقة ، ويتضح ذلك اهتمامه بالفرد والاسرة والمجتمع ، فالإسلام حريص كل الحرص على تربية الفرد وتنميته وتهذيبه بما يضمن الحصول على الفرد المتوازن المنتج في مجالات الحياة الاجتماعية ، ويعمل على ايضاً تقوية الروابط بين افراده.

4- الإطار الفكري للتنمية المستدامة ومبادئها من منظور قرآني: لقد نادى الاسلام بالتنمية المستدامة قبل الف وأربعمائة عام ، وهو لا يعزل التنمية المستدامة عن الضوابط الدينية والمبادئ الاخلاقية التي تضبط السلوكيات وتحول من دون وقوع التعدي والتجاوز التي تفقد استمرارية التنمية ومبادئها ( العقل ،٢٠٢١م،ص ٩١٣).

   لقد وهب الله سبحانه وتعالى للبشر عدداً لا يحصى من القوى والقدرات العقلية والذهنية ، فهم يملكون العقل والحكمة اللازمة لتحقيق التوازن في هذا الكون ، ويعتمد نجاحهم في الحياة على الاستعمال الامثل لهذه القدرات ،كما منح سبحانه وتعالى الوسائل والموارد اللازمة لجعل قدرتهم العقلية الطبيعية قادرة تحقيق وظائفها ،والنتيجة تمكينهم من الوفاء باحتياجاتهم ،وتحقيق المنفعة العامة أو ما يشار إليه بعمارة الكون ، فضلاً عن ذلك إن تلك الموارد التي منحها سبحانه وتعالى للبشر تكفي لتلبية الاحتياجات للجميع  ، وتحقيق الرفاة لهم إذا ما تم استعمالها بكفاءة وإنصاف ، فالإنسان حر في الاختيار بين الاستعمالات البديلة لتلك الموارد ، ولم تمنح مهمه الخلافة لفرد واحد فهناك الملايين من البشر غيره وهم خلفاء مثله ايضاً ، وواحد من الاختبارات  الحقيقية لكل فرد هي قدرته على استعمال الموارد التي وهبها الله سبحانه وتعالى له بطريقة فعّالة ومنصفة تضمن الرفاهية والعيش الكريم للجميع (الجيوسي ،٢٠١٣م،ص٥٣).

ولابد في هذا الموضوع الاشارة الى مبادئ التنمية المستدامة في الاسلام ،و سنذكرها بإيجاز على النحو الآتي:-

* مبدأ الشراكة التربوية في عملية التنمية المستدامة: وهنا يتم هذ المبدأ من خلال شراكة فعالة بين افراد المجتمع بشتى اطيافه، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) (سورة المائدة، الآية /٢). يأمرنا القرآن الكريم بالتعاون على كل ما ينفع الامة في دينها ودنياها ، ولا شك أن هذا مبدأ اجتماعي خيّر ، فالأمم تكاثرت أفرادها وتشعبت اتجاهاتها ، وتعددت مصالحها ، أصبح لا يؤثر فيها مجهود الفرد مهما كان قوياً، بل لابد من تعاون غيره وتسانده معه (الحجازي،1413هـ ، ص473).

* مبدأ التربية للحفاظ على البيئة: نلحظ أن موقف الإسلام المحافظة على البيئة ومواردها هو موقف إيجابي ، فكما يقوم على الحماية ومنع الفساد ، وهذا ما اكده النص القرآني: (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) (سورة القصص، الآية/٧٧). وكما نجد موقفه يقوم على البناء والتعمير والتنمية ، إذ أمر بإحياء الموات وعمارة الأرض ، وغاية الاسلام من المحافظة على البيئة وعمارتها ، وذلك تحقيق مصلحة العباد كافة (السايح واحمد،2004م،ص76).

* مبدأ الاعتدال التربوي والتوسط في الانفاق: وهذا يكون بالتربية على التوسط في كل شيء ، وعدم أخذ ما فوق الحاجة ، أي استعمال الموارد الطبيعية بدون افراط أو تفريط جاء في قوله تعالى: (والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) (سورة الفرقان، الآية/٦٧)، لم يخلق الله سبحانه وتعالى الاشياء عبثاً ، وإنما خلقت وفق ميزان وتناسق، ففي قولة تعالى: (وكل شيء عنده بمقدار) (سورة الرعد، الآية/٨).

* مبدأ التربية على تحقيق التكامل الاجتماعي: هذا المبدأ يسعى الى تحقيق التنمية المستدامة ، فالإسلام اولى الاهتمامات لمساعدة المحتاجين والفقراء عن طريق الزكاة والصدقات ، وتلمس حاجات الآخرين ، قال تعالى: (فالذين آمنوا منكم وانفقوا لهم أجر كبير) (سورة الحديد، الآية/٧). وهذا المبدأ الذي تميز به الدين الاسلامي عن بقية النظم والشرائع والديانات ، فالفقراء والمحتاجون إن لم يتم التضامن معهم فسيشكلون عبئاً وضغطاً على المجتمع الإسلامي في استعمال الموارد الطبيعية ومصادرها (العقل، 2021م، ص912).

* مبدأ التربية على الشورى: لقد اكد الدين الإسلامي على هذا المبدأ في تشريعاته ونظمه ، قال تعالى: (والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم) (سورة الشورى، الآية/38). فالشورى تضمن استمرارية التنمية المستدامة من خلال تنمية الأفكار مع الخبراء وأهل الاختصاص في شتى مجالات الحياة.

* مبدأ الجودة وتحسين العمل التنموي: من المعلوم إن معظم فئات المجتمع الإسلامي تتربى على الاتقان والجودة في العمل والانتاج (العقل، 2021م، ص912).

ثانياً: عرض الدراسات السابقة ومؤشراتها :

  • دراسة جمعة (2010م):-

هدفت الدراسة إلى: (رؤية مقترحة لتوظيف المنهج التربوي الاسلامي لدعم أسس التنمية المستدامة داخل مؤسسات اعداد المعلم بمصر)، مكان الدراسة في القاهرة ، واتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي ، وتوصل الباحث إلى استنتاجات عديدة منها:

  • لا زالت جهود التنمية المستدامة في عالمنا العربي الاسلامي في حاجة إلى دعم وتطوير واصلاح لمسايرة العالمية.
  • مؤشرات الخلل والفساد والامية والتدهور البيئي لا زالت تمثل أهم المعوقات التي تحول دون نجاح جهود التنمية الشاملة.
  • مؤشرات الرفاهية في عالمنا العربي هي مؤشرات وهمية تخص الصفوة دون غيرهم وتتركز في الدول العربية المنتجة للنفط إن كانت هي الأخرى في حاجة إلى اعادة النظر في مسيرتها التنموية.
  • دراسة سالم (2019م):-

هدفت الدراسة إلى: (إدارة الاستدامة والتنمية المستدامة في القرآن الكريم)، مكان الدراسة في دبي ، واتبع الباحث المنهج الاستقرائي التحليلي ، وتوصل الباحث إلى استنتاجات عديدة منها:

  • القرآن الكريم والسنة النبوية زاخراة بالنصوص التي تدعو إلى إدارة الاستدامة والتنمية المستدامة وتحث المجتمع الاسلامي عليهما.
  • إن تطبيق إدارة الاستدامة والتنمية المستدامة من الامور الواجبة في الاسلام.
  • يجب النظر إلى عمارة الأرض والمحافظة على مواردها الطبيعية للأجيال القادمة على أنها نوع من العبادة التي كلف بها الإنسان ويتقرب إلى الله سبحانه بها.
  • دراسة العقل (2021م):-

     هدفت الدراسة إلى: (ابعاد التنمية المستدامة ومصادرها وتطبيقاتها في ضوء التربية الإسلامية)، مكان الدراسة في  السعودية ، واتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي ، وتوصل الباحث إلى استنتاجات عديدة منها:

  • ضرورة تضمين متطلبات التنمية المستدامة بمقررات التعليم بالمراحل التعليمية المختلفة حسب طبيعة كل مرحلة ، والخصائص العمرية والعقلية لطلابها بما يضمن تعزيز الوعي بالتنمية المستدامة لدى هؤلاء الطلاب.
  • اهتمام الجهات المسؤولة بالاستفادة من المنظور التربوي الإسلامي للتنمية المستدامة وكيفية تحقيق ابعادها.
  • الاستفادة من الخبرات المتقدمة في مجال التنمية المستدامة ، بما يتوافق مع ثقافة المجتمع وإمكاناته عن طريق استقدام الخبراء في ذلك وابعاد البعثات وتبادل الخبرات.
  • دراسة الراوي (2022م):-

هدفت الدراسة إلى: (التنمية المستدامة في القرآن الكريم ودورها في البناء الإنساني)، مكان الدراسة في  العراق ، واتبع الباحث المنهج الموضوعي في دراسته ، وتوصل الباحث إلى استنتاجات عديدة منها:

  • من مستلزمات البناء الانساني هو الاهتمام بالتنمية المستدامة ، ولاسيما التنمية المستدامة النابعة من القرآن الكريم وهي كفيلة لسعادة الإنسان وخدمته.
  • الايمان وطاعة الله سبحانه هي سبب من اسباب الامن ورفع البلاء واستدامة المدن والبلدان ، والكفر والذنوب والمعاصي هي سبب من اسباب الخوف ونزول البلاء والهلاك
  • اهداف التنمية المستدامة هي اهداف شاملة أي شملت جميع نواحي الحياة دون استثناء وهي من مستلزمات العيش الكريم والازدهار وتكوين حضارة عريقة عظيمة.
  • المؤشرات المستنبطة من الدراسات السابقة والدراسة الحالية: عند استشراف الدراسات السابقة والدراسة الحالية ظهرت بعض الملاحظات الآتية:-
  • كانت الدراسات السابقة متفقة في اهدافها التي تعرفت التنمية المستدامة ومصادرها وابعادها ، وهذا ما يتفق والدراسة الحالية.
  • اختلفت امكان اجراء الدراسات السابقة ، كانت دراسة جمعة (2010م) في القاهرة ، أما دراسة سالم (2019م) فقد اجريت في دبي ، في حين اجريت دراسة العقل (2021م) في السعودية ، واما دراسة الراوي (2022م) فأجريت في العراق وهذا ما يتفق والدراسة الحالية.
  • اختلفت الدراسات السابقة في منهجية البحث التي اتبعتها ، ففي دراسة جمعة (2010م) ودراسة العقل (2021م) اتبعت المنهج الوصفي التحليلي، أما دراسة سالم (2019م) فقد اتبعت المنهج الاستقرائي التحليلي، في حين دراسة الراوي (2022م) اتبعت المنهج الموضوعي ، والدراسة الحالية أتبعت المنهج الاستقرائي الموضوعي.
  • اتفقت الدراسات السابقة في نتائجها ان القرآن الكريم والسنة النبوية زاخرتان بالنصوص التي تدعو إلى عمارة الأرض والمحافظة على مواردها الطبيعية للأجيال الحاضرة والقادمة ، وهذا ما يتفق والدراسة الحالية.

  

المبحث الثالث

الأمثال القرآنية الدالة على التنمية المستدامة

   ضرب المثل معناه إيقاع شيء كبير ، أو يدل على شيء خفي ، ليقرب المعنويات إلى وسائل الإدراكات الأولى ، وهي مدركات الحس من سمع وبصر وبقية وسائل الادراك ، وحين تأتي المعاني التي تناسب الطموح العقلي ، فالإنسان يتجاوز مرحلة الحس إلى المعلومات المعنوية ، فيقربها الحق سبحانه بأن يضرب الامثال التي توصل المعنى المطلوب للمسلم إيصاله ( الشعراوي،(ب- ت)، 12/7504)، وفي هذا المبحث سنتحدث عن بعض الامثال القرآنية التي دلت تحديداً على التنمية المستدامة لكون ذلك هدف البحث الحالي.

اولاً: آيات الجزاء الاوفى للعمل الصالح المستدام:

       إن الدستور لا يبدأ بالفرض والتكليف إنما يبدأ بالفرض والتأليف…إنه يستجيش المشاعر والانفعالات الحية في الكيان الإنساني كله…إنه يعرض صورة من صور الحياة النابضة النامية المعطية الواهبة: صورة الزرع .هبة الأرض أو هبة الله سبحانه وتعالى الزرع الذي يعطي أضعاف ما يأخذه، ويهب غلاته مضاعفة بالقياس إلى بذوره . يعرض هذه الصورة الموحية مثلاً للذين ينفقون الاموال في سبيل الله تعالى ، وهذا ما جاء في قوله تعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفقُونَ أَمْوالَهمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَ نْبتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ، فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) (سورة البقرة ، الآية/261) ، إن المعنى الذهني هنا للتعبير ينتهي إلى عملية حسابية تضاعف الحبة الواحدة إلى سبعمائة حبة ! أما المشهد الحي الذي يعرضه التعبير فهو أوسع من هذا وأجمل وأكثر استجاشة للمشاعر ،و تأثيراً في الضمائر .إنه مشهد الحياة النامية . مشهد الطبيعة الحية .مشهد الزراعة الواهبة .ثم مشهد العجيبة في عالم النبات: العود الذي يحمل سبع سنابل . والسنبلة التي تحوي مائة حبة ! وفي موكب الحياة النامية الواهبة يتجه بالضمير البشري إلى البذل والعطاء إنه لا يعطي بل يأخذ وإنه لا ينقص بل يزاد . وتمضي موجة العطاء والنماء في طريقها .تضاعف المشاعر التي استجاشها مشهد الزرع والحصيلة . إن الله سبحانه يضاعف لمن يشاء . يضاعف بلا عدة ولا حساب . يضاعف من رزقه الذي لا يعلم أحد حدوده ومن رحمته التي لا يعرف أحد مداها(سيد قطب، 1412ه، 1/306).

أشار ابن كثير في تفسيره: هذه المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة . فأن فيه اشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله سبحانه وتعالى لأصحابها ، كما ينمي الزرع لمن بذره في الارض الطيبة (ابن كثير، 1419ه ، ص530). وفي قوله تعالى:(كمثل حبة انبتت)، اسناد الإنبات إلى الحبة ، مع أن المنبت في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى ، وذلك لأنها سبب لوجود تلك السنابل المليئة بالحبات ، ولأنها هي الأصل لما تولد عنها ، ثم قال سبحانه:(والله يضاعف لمن يشاء) أي: والله تعالى يضاعف الثواب والجزاء أضعافاً كثيرة لمن يشاء من عباده ، فيعطى بعضهم سبعمائة ضعف ، ويعطى بعضهم أكثر من ذلك ، لأن الصدقة يختلف ثوابها باختلاف حال المتصدق ، فمتى خرجت منه بنية خالصة ، وقلب سليم ، ونفس صافية ، ومن مال حلال ، ووضعت في موضعها المناسب ، متى كانت كذلك ليس له حساب معدود (طنطاوي، 1998م، 1/603). وإذا كانت الأرض وهي المخلوقة من الله سبحانه وتعالى تهبنا أضعاف أضعاف ما أعطيتها ..فكيف بالخالق ؟.. وكم يضاعف لك من الثواب في الطاعة ؟.هذا هو السبب في أن الحق تبارك وتعالى يقول: (أولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون) (سورة البقرة، الآية/5) ، حتى يلفتنا بمادة الفلاحة ، وهي شيء موجود نراه ونشهده كل يوم . وكما أن التكليف يأخذ منا أشياء ليضاعفها لنا ، كذلك الأرض أخذت منا حبة ولم تعطنا مثل ما أخذت ، بل أعطتنا بالحبة سبعمائة حبة .وهكذا نستطيع أن نصل بشيء مشهود يُفصِّل لنا شيئاً غيبياً (الشعراوي،(ب- ت)، 1/136). وفي موضع أخر يقول المفسر الشعراوي في تفسيره: إن الله سبحانه وتعالى ينسب المال للبشر المتحركين ، لأنهم أخذوا هذه الأموال بحركتهم ، وهذا ما جاء به قوله تعالى: ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (سورة النور ، الآية/33)، أي إن المال كله مال الله سبحانه وقد أخذه الإنسان بالحركة ، فاحترم الله تعالى هذه الحركة ، واحترم الله تعالى في الإنسان قانون النفعية ، فجعل المال المتبقي من حركتك ملكاً لك أيها الإنسان ، لكن إن أراد الله تعالى هذا المال فسيأخذه ، ومن فضل الله سبحانه على الإنسان أنه حين يطلب من الإنسان بعضاً من المال المتبقي من حركته فهو يطلبه كقرض ، ويرده مضاعفاً بعد ذلك . إذن فالإنفاق في سبيل الله سبحانه تعالى يرده مضاعفاً ، وإن الأرض الصماء بعناصرها تعطيك لنا أئذا ما أخذت كيلة القمح من مخزنك لتبذرها في الأرض أيقال: إنك أنقصت مخزنك بمقدار كيلة القمح ؟ لا ، لأنك ستزرع بها ، وأنت تنتظركم ستأتي من حبوب ، وهذه أرض صماء مخلوقة لله سبحانه وتعالى ، فإذا كان المخلوق لله سبحانه وتعالى قد استطاع أن يعطيك بالحبة سبعمائة ، ألا يعطيك الذي خلق هذه الأرض أضعاف ذلك؟. أنه كثير العطاء الدائم (الشعراوي،(ب-ت)، 2/1147).

ومن آياته أنه سبحانه وتعالى أنه قد جعل جزاء المتقين في النعيم الدائم ، قال تعالى:(مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار اكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) (سورة الرعد، الآية/35)، أي: المراد بالمثل هنا: الصفة العجيبة  . أي : صفة الجنة التي وعد الله سبحانه وتعالى المتقين الذين وقوا أنفسهم بالإيمان والصلاح والابتعاد عن كل الوان الشرك ، فهم في مأمن من العذاب ، بل لهم الأمن الجنة التي وعدوها:(مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار اكلها دائم وظلها) ، فهو المتاع والاسترواح ، ومشهد الظل الدائم لا ينسخ ولا يزول ، والثمر الدائم مشهد تطمئن له النفس وتستريح ، إذ شاء أهلها يفجرونها تفجيرا ، ويوجهونها حيث أرادوا ، ما يؤكل فيها من المطاعم والمشارب دائم مستمر لا ينقطع(سيد قطب،1412ه ، 4/2064) (طنطاوي،1998م ، 7/489) . وفي موضع آخر قال سبحانه وتعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها انهار من ماء غير آسن وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من حمر لذة للشاربين وانهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم) (سورة محمد ، الآية/15) ،  أي: أن الله سبحانه وتعالى عبر عن المؤمنين بالمتقين إيذاناً بان الايمان والعمل الصالح من باب التقوى الذي يعني فعل الواجبات بأسرها وترك السيئات عن آخرها ، ووصف الجنة العجيب هنا ، أي مثل الجنة الموعودة للمؤمنين وصفتها العجيبة الشأن فيما يتلى وقوله فيها أي في الجنة الموعودة إلى آخره مفسر له أنهار غير متغير الطعم واللون والرائحة بخلاف ماء الدنيا ، فإنه يتغير بطول المكث في منافعه واوانيه مع أنه مختلف الطعوم مع اتحاد الأرض ببساطتها وشدة اتصالها ، وقد يكون متغيراً بريح منتنة من أصل خلقته أو من عارض عرض له من منبعه أو مجراه، والجنة الموعودة للمتقين مع ما فيها من فنون الانهار من كل الثمرات على وجه لا حاجة معه من قلة ولا انقطاع فهو دائم ومستمر ( أبو الفداء ، (ب – ت ) ، 8/506) .

    وأمر الله سبحانه وتعالى إلى المسابقة في مغفرته وجنته ، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة ، من التوبة النصوح ، والاستغفار النافع ، والبعد عن الذنوب ومظانها ، والمسابقة إلى رضوان الله تعالى بالعمل الصالح (السعدي ، 2000م، ص848) ، وأدوا ما كلفتم به من أوامر الشريعة واتركوا نواهيها ، والحرص على ما يرضى الله سبحانه على الدوام ، يدخلكم ربكم بما قدمتم لأنفسكم جنة سعتها كسعة السموات والأرض ، وبيّن المستحقين لها وهم الذين اعترفوا بوحدانية الله سبحانه وصدقوا رسله ، ثم أعد الله سبحانه لهم هو من فضله ورحمته ومنته عليهم (المراغي، 1946م، 27/176) ، وهذا ما جاء في قوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (سورة الحديد ، الآية/21).

 

ثانياً: قدرة الله سبحانه على إدامة النعمة وعلى زوالها:

     والحق سبحانه يضرب لنا المَثل للحياة الدنيا ، وهي الحياة التي من لَدُن خَلْق الله سبحانه وتعالى للإنسان ، ذلك أنه كانت هناك أجناس قبل الإنسان ، وهو سبحانه هنا يُوضِّح لنا بالمثَل ما يخص الحياة من لحظة خَلْق آدم إلى أن تقوم الساعة ، وهو يطويها تلك الحياة الطويلة العريضة التي تستغرق أعمال أجيال ، ويعطيها لنا في صورة مَثَلٍ موجز ، فيقول لنا سبحانه في كتابه المجيد:(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا) (سورة الكهف، الآية/ 45) ، في هذا النص القرآني بيان للمثل الذي شبه الله تعالى به الحياة الدنيا ، أي: مثلها في ازدهارها ثم في زوال هذا الازدهار ، كهيئة أو كصفة ماء أنزلناه بقدرتنا من السماء في الوقت الذي نريد إنزاله فيه ، وهنا اشارة الى كثرة الماء النازل من السماء ، والى السبب الاساس في ظهور هذا النبات ، وفي بلوغ قوته ونضارته ، وبعدها يصير هذا النبات يابساً بعد اخضراره وشدته وحسنه (طنطاوي،1998م، 8/525) ، ويطوي الحق سبحانه وتعالى الحياة كلها في هذا المثل من ماء ينزل ونبات ينمو لينضج ثم تذروه الرياح (الشعراوي،(ب- ت)، 12/7504). وفي موضع آخر يشير المفسر الشعراوي لهذا النص إلى: فهل الحياة الدنيا كالماء ؟ لا، ولكن قصة الحياة كلها تشبه القصة التي يضربها الحق كمثل الماء حين ينزل يختلط بالأرض ،وبعد ذلك تهتز ،فتعطى نباتاً والنبات ينتج الزهر الجميل ، وبعد ذلك ينتهي إلى هشيم ،هكذا هي الدنيا في زخرفتها ؛ فالبداية مزهرة ، فيها نضارة وخضرة وبهجة ، ونهاية مؤلمة ومدمرة. إذن فالحق سبحانه ينقل لنا معنى الحياة الدنيا ويشبهها بالأزهار والنبات ونهايته أن يصبح هشيما تذروه الرياح ، وهو ما يقوله في موضع آخر من القرآن الكريم ، قال تعالى: (فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس كذلك نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُ) (سورة يونس ، الآية/24)، وعندما نمعن النظر في قوله الحق:(مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا انفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) (سورة آل عمران، الآية/117) ، نجد في هذه الآية (مشبهاً) و (مشبهاً به) المشبه : هم القوم الذي ينفقون أموالهم بغير نية الله سبحانه وتعالى ، أي كافرون بالله سبحانه، والمُشَبَّه به : هو الزرع الذي أصابته الريح وفيها الصر والنتيجة أنه لا جدوى هنا  ،ولا هناك. ولماذا تصيب الريح حرث القوم ظلموا أنفسهم ،وهل لا تصيب الريح. حرث قوم لم يظلموا أنفسهم ؟ (الشعراوي ،(ب- ت)، ٣/١٧٠١) ، لقد جزاهم الباري عز وجل بظلمهم ، ولكن ألا نرى رجلا لم يظلم نفسه وتصيب زراعته كارثة ؟ إننا نرى ذلك في الحياة ، والرجل الذي لم يظلم نفسه وتصيب زراعته كارثة ، ويصبر على كارثته ، يأخذ الجزاء والثواب من الله سبحانه ، ولعل الله سبحانه قد أهلك بها مالا كانت الغفلة قد أدخلته في ماله من طريق غير مشروع. هكذا تكون الكارثة بالنسبة للمؤمن لها ثواب وجزاء ، أو تكون تطهيراً للمال ، أما الذي ينفق على غير نية الله سبحانه  فهو كافر فلا ثواب له (الشعراوي ،(ب- ت)، ٣/١٧٠١).

وهناك مشهد في القرآن الكريم يتمثل فيه نهاية المن والأذى ،كيف يمحق آثار الصدقة محقاً في وقت لا يملك صاحبها قوة ولاعوناً ، ولا يستطيع لذلك المحق رداً . تمثيل لهذه النهاية البائسة في صورة موحية عنيفة الإيحاء .كل ما فيها عاصف بعد أمن ورخاء ، قال تعالى :(أيود احدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الانهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) (سورة البقرة، الآية/266) ، هذه الصدقة في أصلها وفي آثارها تمثل في عالم المحسوسات (جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الانهار له فيها من كل الثمرات)، إنها ظليلة وارفة مخصبة مثمرة ، وكذلك الصدقة في طبيعتها وفي آثارها ، كذلك هي في الحياة المعطي وفي الحياة الآخذ وفي حياة الجماعة الإنسانية ، كذلك هي ذات روح وظل ، وذات خير وبركة ،وذات غذاء وري ، وذات زكاة ونماء! فمن ذا الذي يود أن تكون له هذه الجنة أو الحسنة ، ثم يرسل عليها المن والأذى يمحقها محقاً ،كما يمحق الجنة الإعصار فيه نار ؟ ومتى ؟ في أشد ساعاته عجزاً عن إنقاذها ، وحاجة إلى ظلها ونعمائها ! (وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) . وهكذا يقوم المشهد الحي الشاخص ، بما فيه أول الأمر من رضى ورفه ومتعة وما فيه من نضارة وروح وجمال ، ثم بما يعصف به عصفاً من إعصار فيه نار ، ويضم إليها ما يحبطها كرياء وايذاء في الحسرة والأسف (البيضاوي،1418ه،1/159) ، ويقوم هذا المشهد العجيب بالإيحاء الشعوري الرهيب الذي لايدع مجالاً للتردد في الاختيار قبل أن تذهب فرصة الاختيار ،وقبل أن يصيب الجنة الوارفة الظليلة المثمرة إعصار فيه نار ! وبعد فإن التنافس الدقيق الجميل الملحوظ في تركيب كل مشهد على حدة ، وفي طريقة عرضه وتنسيقه. هذا التناسق لا يقف عند المشاهد فرادى . بل إنه ليمد رواقه فيشمل المشاهد متجمعة من بدئها في هذا الدرس إلى منتهاها ، إنها تعرض في محيط متجانس، محيط زراعي حبة أنبتت سبع سنابل ، صفوان عليه تراب فأصابه وابل ، جنة بربوة آتت أكلها ضعفين ، جنة من نخيل وأعناب ، حتى الوابل والطل والإعصار التي تكمل محيط الزراعة لم يخل منها محيط العرض الفني المثير. وهي حقيقة الصلة بين النفس البشرية والتربية الأرضية .حقيقة الأصل الواحد ، وحقيقة الطبيعة الواحدة ، وحقيقة الحياة النابتة في النفس وفي التربة على السواء ، وحقيقة المحق الذي يصيب هذه الحياة في النفس وفي التربة على السواء ، إنه القرآن الكريم كلمة جميلة من لدن حكيم خبير(سيد قطب،1412ه، 1/303).

 

 

ثالثاً: موازنة بين الشاكر والكافر لنِعم الله سبحانه:

تدوم النعم بالشكر لله سبحانه وتعالى ، وبالكفر والجحود تزول النعم ، وتتبدل الاحوال ، ففي قصه الرجلين والجنتين انموذجان صريحان للنفس المغترة بزينة الحياة الدنيا وزخارفها ، والنفس المعتزة بربها ودينها ، فتأمل مصير كل منهما ، واعتبر بهما ما ظاهره نعمة وعطاء قد يكون سبب الفتنة والبلاء ، فلنحذر أن تصرفنا النعم عن شكر المنعم واخلاص الطاعة له ( الخطيب،(ب- ت) ،8/636). ما أشد ظلمك أيها الانسان ! يمنّ الله سبحانه عليك بالنعم الكثيرة ، فتقابلها بالجحود والكنود ؟! أفلا تقابلها بالشكر ليديمها عليك وتنعم ببركتها ؟! المؤمن إذا مَنّ الله سبحانه عليه بنعمة تواضع للخلق ونفعهم بها ، وغير المؤمن يؤذي الناس بنعمته ويتكبر عليهم بها ، ويحسب هذه النعمة خالدة لاتفنى فلن تخذله القوة ولا الجاه . وصاحبه أنموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه الذاكر لربه يرى النعمة دليلاً على المنعم ، موجبة لحمده وذكره ، لا لجحوده وكفره ، وتبدأ القصة بمشهد الجنتين في ازدهار وفخامة، قال تعالى:(واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا، كلتا الجنتين أتت اُكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً، وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا ، ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه ابداً، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لاجدن خيراً منها منقلباً، قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً، لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي احدا) (سورة الكهف، الآيات 32-38) . فهما جنتان في أعدل بقعة ، تربتها خصبة ، وماؤها كثير ، وكان ثمرهما كثيراً مستوفياً: (كلتا الجنتين أتت اُكلها ولم تظلم منه شيئاً) ، أي لم ينقص شيء مما ينبغي أن تعطيه الأرض الطيبة من ثمرات ما يغرس فيها ( الخطيب،(ب- ت) ،8/614) ، وها هو ذا صاحب الجنتين تمتلئ نفسه بهما ، ويزدهيه النظر إليهما ،فيحس بالزهو ، ويتعالى على صاحبة الفقير(فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا) .ثم يخطو بصاحبه إلى إحدى الجنتين .وملء نفسه البطر ، وملء جنبه الغرور وقد نسي الله سبحانه ، ونسي أن يشكره على ما أعطاه وظن أن هذه الجنان المثمرة لن تبيد أبداً ، أنكر قيام الساعة أصلاً ، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار ! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد أن يكون جنانه ملحوظا في الآخرة! (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه ابداً، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لاجدن خيراً منها منقلباً)! إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء ، أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظ! فأما صاحبه الفقير الذي لا مال له ولا نفر ، ولا جنة عنده ولا ثمر ، فإنه معتز بما هو أبقى وأعلى ، معتز بعقيدته وإيمانه معتز بالله الذي تعنو له الجباه فهو يجبه صاحبه المتبطر المغرور منكرا عليه بطره وكبره ، يذكره بمنشئه المهين من ماء وطين ، ويوجهه الى الأدب الواجب في حق المنعم ، وينذره عاقبة البطر والكبر، ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً ، لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي احدا)، وهكذا تنتفض عزة الايمان في النفس المؤمنة، فلا تبالي المال والنفر ، ولا تداري الغنى والبطر، ولا تتلعثم في الحق ولا تجامل فيه الاصحاب ، وهكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال ، وأن ما عند الله خير من اعراض الحياة ، وأن فضل الله سبحانه عظيم وهو يطمع في فضل الله سبحانه ، وان نقمة الله سبحانه جبارة وانها وشيكة ان تصيب الغافلين المتبطرين (سيد قطب، 1412ه، 4/2272).

وهناك مثل قرآني رائع آخر أشار إليه القرآن الكريم في قولة تعالى:(وَلَوْ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِالله إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ..أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلبَاً) (سورة الكهف، الآية/٣٩)، وفي هذا العرض يكشف المؤمن لصاحبه الموقف الذي كان جديراً به أن يقفه ، حين دخل جنّتيه ، ورأى فيهما ما رأى من بديع صنع الله سبحانه، وروعة قدرته ، فيقول :(ما شاءَ اللهُ) أي: هذا ما شاءه الله سبحانه وقدّره لي ولو شاء غير هذا لكان.. فسبحانه له الحمد والشكران ..وليس لي من هذا الذي بين يدى شيء ، فأنا العاجز الضعيف ، الذي لا يملك من أمره شيئا (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)، فما لم يكن للإنسان عون من الله سبحانه ، فهو الضائع المخذول . ثم إذ لم يكن من (الكافر) أن يقول هذا القول ، ولم تحدثه نفسه بشيء منه ، لوّح له صاحبه بهذا النذير الشديد، وقرعة بتلك القارعة المزلزلة : فقال له: انظر إلىّ (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ)، فذلك ليس بالذي تعجز عنه قدرة الله سبحانه ، فهو يملك الناس ويملك ما بأيدي النّاس ، وبسلطان قدرته ، وبتقدير حكمته ، يبدّل أحوال الناس كيف يشاء ، فيفقر ويغنى ، ويذلّ ويعزّ ، ويضع ويرفع ، فإذا كنت كما تراني الآن أقلّ منك مالاً وولداً ، فغير بعيد على الله سبحانه أن أصبح أو أمسى ، فإذا أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفراً ، وليس الأمر واقفاً عند هذا ، بل إنه من الممكن أن يقع في يدىّ من المال والبنين أكثر مما معك ، ثم إن هذا الذي معك يفرّ من بين يديك فتتلفت فلا تجد منه شيئاً (السعدي،٢٠٠٠م،ص٤٧٧) (الخطيب(ب- ت)،٨/٦١٤).

وطبيعة المؤمن أن يكون حريصاً على هداية غيره ، لذلك بعد أن أوضح إيمانه بالله تعالى أراد أن يُعِلَم صاحبه كيف يكون مؤمناً ، ولا يكمل إيمان المؤمن حتى يحب ما يحب لنفسه ، ومن العقل للمؤمن أيضاً أن يحاول أن يهدي الكافر ، لأن المؤمن صحح سلوكه بالنسبة للآخرين ، ومن الخير للمؤمن أيضاً أن يصحح سلوك الكافر بالإيمان ، لذلك من الخير بدل أن تدعو على عدوك أن تدعو له بالهداية ، لأن الدعاء عليه سيزيد من الشقاء به ، وها هو يدعو صاحبه ، فيقول سبحانه:(ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً) ، يريد أن يُعلمه سبيل الإيمان في استقبال النعمة ، بأن يردّ النعم إلى المنعم ، لأن النعمة التي يتقلب فيها الإنسان لا فضل له فيها ، فكلها موهوبة من الباري عز وجل ، فهذه الحدائق والبساتين كيف آتت اُكلها ؟ إنها الأرض التي خلقها الله سبحانه وتعالى للبشر ، وعند حرثها بآلة من الخشب أو الحديد ، وهو موهوب من الله سبحانه وتعالى لا دخل للبشر فيه ، والقوة التي أعانت البشر على العمل موهوبة للبشر أيضاً يمكن أن تسلب في أي وقت ، فيصير البشر ضعيفاً لا يقدر على شيء ، إذن حينما تنظر إلى كل هذه المسائل تجدها منتهية إلى العطاء الاعلى من الله سبحانه وتعالى (الشعراوي ، 14/8911) ، لذلك يُعلّمنا الحق سبحانه وتعالى الأدب في دوام نعمته بقوله: (أفرايتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) (سورة الواقعة ، الآيتان/63-64).

 

رابعاً: ادامة الخلق الطيب:

ومن القيم المثلى التي وردت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ومنها في الامثال القرآنية ، القيم التي تتحدث عن الخلق الطيب وادامة هذا الخلق بين المسلمين والبشر بعامة حتى تصبح هذه القيمة صفة لازمة مستديمة يتصف بها الانسان ، فقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً يأسر العقول لما فيه من تصوير رائع ودقة محكمة ثابت ضارب بجذوره في الأرض ، وهذا ما اشارت إليه الآية الكريمة:( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) (سورة ابراهيم ، الآيات/24-27)، فالكلمة الطيبة صدقة آثارها ممتدة إلى يوم القيامة ، وهناك اشجار طول جذرها حوالي ثلاثون متراً تحت الأرض هكذا كلمة ثابتة وفرعها في السماء فهذه الكلمة لها جذور عميقة متعلقة بمنهج الله سبحانه متعلقة بوجود الإنسان في الدنيا والآخرة ، تنطلق هذه الكلمة الطيبة من مبادئ وقيم وصلة بالله سبحانه وتعالى.

ويرى المفسرون أن الله سبحانه وتعالى قد شبه الكلمة الطيبة وهي كلمة الإخلاص (لا إله إلا الله) ، لا تكون في كلمة التوحيد زيادة ولا نقصان ، ولكن يكون لها مدد وهو التوفيق للطاعة في الأوقات كشجرة طيبة وهي النخلة ، كما أنه ليس في الثمار شيء أحلى وأطيب من الرطب ، فكذلك ليس في الكلام شيء أطيب من كلمة الإخلاص ، ثم وصف سبحانه وتعالى أن النخلة رأسها في الهواء فكذلك الإخلاص يثبت في قلب المؤمن ، كما تثبت النخلة في الأرض ، فإذا تكلم المؤمن بالإخلاص ، فإنها تصعد في السماء ، كما أن النخلة رأسها في السماء ، وكما أن النخلة لها فضل على سائر الشجر في الطول واللون والطيب والحسن ، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام ، فهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن يقول: (أصلها ثابت) ، يعني:  أن المعرفة في قلب المؤمن ثابتة كالشجرة الثابتة في الأرض ، بل هي أثبت في الشجرة في الأرض ، لأن الشجرة تقطع ومعرفة العارف لا يقدر أحد أن يخرجها من قلبه ، إلا المعرف الذي عرفه ، وترفع أعمال المؤمن المصدق إلى السماء ، لأن الأعمال لا تقبل بغير إيمان ، فالإيمان أصل ، والأعمال فرع الإيمان ، فترفع أعماله وتقبل منه ، وشبه سبحانه وتعالى الكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة وهي كلمة الشرك والمعاصي والذنوب ، وهذه الثمرة الخبيثة لا عروق تمسكها في الأرض ولا ثمرة صالحة تنتجها ، ليس لها ثبوت نافع في القلب ، ولا تثمر إلا كل قول خبيث يستضر به صاحبه ولا ينتفع ، فلا يصعد إلى الله سبحانه منه عمل صالح ولا ينفع نفسه ، ولا ينتفع به غيره (السمرقندي، 1993م،2/241) (السعدي،٢٠٠٠م،ص٤25) (الثعلبي، 2002م، 5/311) (الماوردي،(ب- ت)، 3/131).

ويشير سيد قطب في تفسيره إلى: ان المثل بعد تناسقه مع جو السورة وجو القصة أبعد من هذا آفاقاً ، وأعرض مساحة ، وأعمق حقيقة ، إن الكلمة الطيبة كلمة الحق كالشجرة الطيبة ، ثابتة مثمرة لا تزعزعها الأعاصير ، ولا تعصف بها رياح الباطل ولا تقوى عليها معاول الطغيان والظلم ، فهي مثمرة لا ينقطع ثمرها ، لأن بذورها تنبت في النفوس المتكاثرة آناً بعد آن ، والكلمة الخبيثة وهي كلمة الباطل كالشجرة الخبيثة قد تهيج وتتعالى وتتشابك ، ويخيل إلى بعض الناس أنها أضخم من الشجرة الطيبة وأقوى ، ولكنها تظل نافشة هشة ، وتظل جذورها في التربة قريبة كأنها على وجه الأرض، وما هي إلا مدة حتى تجتث من فوق الأرض ، فلا قرار لها ولا بقاء . ليس هذا وذلك مجرد مثل يضرب ، ولا مجرد عزاء للطيبين وتشجيع ، إنما هو الواقع في الحياة ، ولو أبطأ تحققه في بعض الأحيان (سيد قطب، 1412ه، 4/2098). وأكثر الشجر الطيب طيباً هو ما كثر خيره ، واتصل عطاؤه وقلّ الجهد المبذول في تنميته ، وإن أكثر الكلم الطيب طيباً هو ما كثر خيره ، واتصل عطاؤه وقل الجهد المبذول في تحصيله وفهمه ، والكلمة مهما تكن طيبة محملة بكريم المعاني ، وجميل الصفات لا تعطى شيئاً من ذات نفسها ، إلا إذا صادفت النفس الطيبة التي تقبلها ، والمشاعر الكريمة النبيلة التي تهشّ لها ، وتتجاوب معها ، أما إذا صادفت نفساً كزّة ووردت على مشاعر سقيمة ، فإنها لا تؤثر أثراً ، ولا تندّ بشيء من طيبها وحسنها ، وكذلك الكلمة الخبيثة لا تبيض وتفرخ حتى تلتقي بالنفس الخبيثة ، وتخالط المشاعر الفاسدة! (الخطيب(ب- ت)،7/175).

المبحث الرابع

الاستنتاجات التوصيات المقترحات

اولاً: استنتاجات البحث: في ضوء نتائج البحث الحالي واجراءاته توصلت الباحثة إلى الاستنتاجات الآتية :

1-أن القرآن الكريم زاخر بالأمثال القرآنية التي تدعو إلى المحافظة على البيئة الطبيعية ومواردها ومصادرها للأجيال القادمة ، وهذه الدعوة هي تنمية مستدامة على وفق مفهوم هذا المصطلح الحديث.

2-الأمثال القرآنية من أفضل الوسائل لغرس القيم والأفكار والتفكر في دلائل قدرة الله تعالى وعظمته ، وهذا التفكير يقود إلى إعمار الأرض وإصلاح الإنسان بصورة دائمة.

3-التنمية المستدامة تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بتلبية احتياجات الاجيال القادمة لكنها تمهد لعالم أفضل مستقبلاً لأن عملها مستمر والأمثال القرآنية لا تقف عند حدود بل لها صفة الديمومة والاعتبار.

4-نظرة الإسلام إلى الحياة هي نظرة شمولية واسعة تشمل كل جوانب الحياة المادية والروحية والأخروية ، فالتنمية المستدامة هنا لا تقتصر على الجانب المادي الدنيوي بل تشمل التوازن أيضاً بين الحياتين فعمل الحياة الاولى يمتد ثمره إلى الحياة الثانية.

5-التنمية المستدامة في الأمثال القرآنية لا تستنزف الموارد البشرية بحجة تحسين حياة الإنسان ثم تترك خلفها التلوث البيئي ونضوب الموارد بل تحرص على ضمان مصير الأجيال القادمة.

6-الرؤية الإسلامية للتنمية المستدامة لا تقتصر على اشباع الحاجات بل تتعدى ذلك إلى اصلاح النفس وترسيخ الرسالة الإسلامية فيها وغرس المثل والقيم والخلق الإسلامي القويم فيها.

7-التربية المستدامة في الأمثال القرآنية مرتبطة بالعبادة وكل الأمثال القرآنية هي للاعتبار وتقويم البشر نحو السلوك الصحيح الأمثل لتنقية الإنسان وارتباطه بالخالق ومراقبة نفسه على الدوام لتحقيق العبادة الحقة التي يريدها الله تعالى له (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)(سورة النازعات، الآية/56)، فالهدف هو العبادة وإغناء الروح بها ،وضمان المكانة اللائقة في حياة الأخرة ، وهذه التربية الروحية المستدامة هي أهم خصيصة تميزها عن التربية المستدامة ذات الاطار المادي الصرف الذي يبتعد عن الروح.

 

ثانياً: توصيات البحث: هناك توصيات عديدة في البحث الحالي تذكر الباحثة بعضاً منها على النحو الآتي:

تضمين مفهوم التنمية المستدامة في المناهج والمقررات الدراسية في المراحل الدراسية.

استثمار الاعلام واجهزته المتنوعة في التوعية بمجال التنمية المستدامة.

توجيه المعنين بالتعليم على إيصال فكرة التنمية المستدامة بدقة إلى الطلبة ودوام إظهار جدواها بالأمثلة الواقعية من واقعهم ومن تاريخهم.

عقد محاضرات وندوات باستمرار على الصعيد الاجتماعي لتبصير المجتمع بجدوى التنمية المستدامة وارتباطها بالتطور في الحياة ، وما تعود به من بناء حضاري للبلد.

التعاون الايجابي بين المؤسسات المختلفة لدعم التنمية المستدامة وتطويرها أينما كانت.. في المدارس والجامعات والمصانع والمؤسسات…الخ.

ثالثاً: مقترحات البحث:  من المقترحات التي توصلت اليها الباحثة في البحث الحالي:

1-إجراء دراسة مماثلة للدراسة الحالية تتعلق بالتنمية المستدامة والآيات الكونية.

2- إجراء دراسة مماثلة للدراسة الحالية تتعلق بالتنمية المستدامة والاحاديث النبوية الشريفة.

3- إجراء دراسة مماثلة للدراسة الحالية تتعلق بالتنمية المستدامة وحماية البيئة من منظور اسلامي.

4- إجراء دراسة مماثلة للدراسة الحالية تتعلق بالتنمية المستدامة والقصص القرآنية.

المصادر والمراجع

  • ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس (1979م)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، القاهرة.
  • ابن منظور، ابو الفضل محمد بن مكرم (1414هـ)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط
  • ابن كثير، ابو الفداء اسماعيل بن عمر(1419ه)، تفسير القرآن الكريم ، تحقيق محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط
  • أبو الفداء ، اسماعيل حقي بن مصطفى ، روح البيان، دار الفكر، بيروت.
  • الازهري، أبو منصور محمد بن احمد (2001م)، تهذيب اللغة، تحقيق محمد عوض مركب، دار إحياء التراث العربي، بيروت ،ط
  • الاصفهاني، ابو القاسم الحسين بن محمد (2007م)، الذريعة إلى مكارم الشريعة، تحقيق أبو زيد العجمي، دار السلام، القاهرة.
  • البغا، مصطفى ديب ومحيي الدين ديب مستو (1998)، الواضح في علوم القرآن، دار الكلم الطيب، دمشق،ط
  • البيضاوي، أبو سعيد عبد الله بن عمر (1418ه) ، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت،ط
  • الثعلبي ، أحمد بن محمد (2002م)، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تحقيق أبو محمد بن عاشور، دار احياء التراث، بيروت، ط
  • جمعة، محمد حسن أحمد (2010م)، رؤية مقترحة لتوظيف المنهج التربوي الاسلامي لدعم أسس التنمية المستدامة داخل مؤسسات اعداد المعلم بمصر (بحث منشور)، المؤتمر العلمي الأول لاستشراف التعليم بمصر، جامعة المنصورة ، كلية التربية ومركز الدراسات المعرفية، القاهرة.
  • جمعة، مصطفى عطية (2017م)، الاسلام والتنمية المستدامة تأصيل في ضوء الفقه وأصوله، دار الشمس للنشر، القاهرة.
  • الحجازي، محمد محمود (1413هـ)، التفسير الواضح، دار الجيل الجديد، بيروت، ط
  • الخطيب، عبد الكريم يونس (ب- ت)، التفسير القرآني للقرآن ، دار الفكر العربي، القاهرة.
  • الراوي، قتيبة فوزي حسام (2022م)، التنمية المستدامة في القرآن الكريم ودورها في البناء الإنساني (بحث منشور)، المؤتمر الدولي الثالث للعلوم الانسانية، جامعة الفلوجة، العراق.
  • رزق، خليل سعيد (2006م)، الاسلام والبيئة، دار الهادي للطباعة، بيروت،ط
  • الريسوني، أجمد (1992م)، نظرية المقاصد عند الامام الشاطبي، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، القاهرة، ط
  • الزبيدي، أبو الفيض محمد بن محمد (ب- ت)، تاج العروس من جواهر القاموس ، دار الهداية.
  • زغدود، سهيل وآخرين (2019م)،التنمية المستدامة من خلال القرآن والسنة ومبادئ تطبيقها في الاقتصاد الإسلامي (بحث منشور)، المجلة الدولية للتخطيط والتنمية المستدامة، المجلد6، العدد1،الرابط الالكتروني :

https://portal.arid.my/ar-LY/Publications

  • ساسي، فراس (2018م)، التنمية المستدامة في السنة النبوية، المعهد العالي للحضارة الإسلامية، جامعة الزيتونة، تونس.
  • سالم، مأمون يوسف، (2019م)، إدارة الاستدامة والتنمية في القرآن الكريم (بحث منشور)، مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، قطر، المجلد 3، العدد
  • السايح، احمد عبد الرحيم واحمد عبده عوض(2004م)، قضايا البيئة من منظور إسلامي، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، ط
  • سبقاق، فطيمة (2018م)، ابعاد التنمية المستدامة في المنظور القرآني(مقال منشور) بتاريخ 30/3/2018م، الرابط الالكتروني https://www.alukah.net/culture
  • السعدي، عبد الرحمن بن ناصر بن عبدالله (2000م)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان،  تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق ، مؤسسة الرسالة ، ط
  • السمرقندي، أبو الليث نصر بن محمد (1993م) ، بحر العلوم ، تحقيق علي محمد معوض وآخرين ، دار الكتب العلمية ، بيروت، ط
  • سيد قطب، إبراهيم حسين الشاربي (1412ه)، في ظلال القرآن، دار الشروق، بيروت، ط
  • الشعراوي، محمد متولي (ب-ت)، تفسير الشعراوي الخواطر، مطابع أخبار اليوم، القاهرة.
  • طنطاوي، محمد سيد(1998م)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، دار النهضة للطباعة، القاهرة.
  • عافية، محمد سميح (1994م)، القرآن وعلوم الأرض، الزهراء للإعلام العربي، ط
  • العقل، عقل عبد العزيز (2021م)، أبعاد التنمية المستدامة ومصادرها وتطبيقاتها في ضوء التربية الاسلامية(بحث منشور)، المجلة التربوية ،كلية التربية جامعة سوهاج، المجلد 2، العدد
  • العكيلي، محمد حبيب (2021م)، جغرافية الزراعة، دار دجلة للنشر، العراق.
  • عمر، سعاد جعفر وفيحاء نايف المومني (1434هـ)، البيئة والتربية البيئية، مكتبة الرشد، السعودية، ط
  • غنيم، عثمان محمد وماجدة أبو زنط (2014م)، التنمية المستدامة فلسفتها وأساليب تخطيطها وادوات قياسها، دار صفاء للنشر، عمان، ط
  • القطان، مناع خليل (ب- ت)، مباحث في علوم القرآن، مكتبة وهبة، القاهرة، ط
  • الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد (ب-ت)، النكت والعيون، تحقيق السيد ابن عبد الموجود بن عبد الرحيم ، دار الكتب العلمية، بيروت.
  • المراغي، أحمد بن مصطفى (1946م)، تفسير المراغي، مطبعة مصطفى البابي، القاهرة، ط تفسير المراغي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *