م.د. ورقاء عبد السلام عبد الوهاب
كلية الحقوق / جامعة النهرين / العراق
dr.warqaa-abd@law.nahrainunive.edu.iq
96407709229254
الملخص
إن الفقه دُرّة الإسلام، وثروة أمة الإيمان، ولا يعرف قدره إلا أهله، فمن حصل عليه وعمل به فقد أخذ بحظي الدنيا والآخرة.وهويحتوي على قواعد كلية ترد إليه جزئيات كثيرة من مسائل الفقه، ويحتوي على مسائل متناثرة، وبه من دقيق المسائل فلهذه القاعدة فائدة عظيمة لِمَا لها من صلة مباشرة بحياة المجتمع الانساني في ضوء منعه وإزالته لأسباب المحرمات الشرعية . وفي عصرنا الحاضر انتشرت كثير من القضايا والمعاملات التي عمّت بها البلوى وانتشرت الحيلة التي يُقدِم عليها الإنسان قاصدًا التخلَّص من واجب أو ارتكاب محظور لكن الشارع الحكيم جاء ليَسدُّ عليه منافذ الحرام فضلاً عن بيان كيف أنّ وضع طرقاً وقائية تمنع وتسد كل ذريعة أمام ارتكاب المحرمات. فبرزت أهمية البحث لبيان العلاقة بينهما.
الكلمات الإفتتاحية : سد ، الذريعة، الحيلة ، الدليل .
Plug pretexts and their relationship to tricks
(selected models)
Ph. D. Warqaa Abdulsalam Abdulwahhab
College of Law_ AL_Nahrain University / Iraq
Abstract
Jurisprudence is the role of Islam, the wealth of the Nation of Faith, and only its parents are aware of its value. Those who have obtained it and worked with it have taken the luck of the world and the afterwards. It contains holistic rules to which many parts of the questions of jurisprudence are received, contains scattered issues, and it is precise that this rule has a great benefit because it has a direct link to the life of the human community in the light of its prevention and elimination for reasons of legitimate taboos. In today’s time, there have been many cases and transactions that have plagued the wickedness and ploy of man to eliminate a forbidden duty or commission, but the wise street has come to block the outlets of the haram, as well as to show how the establishment of preventive methods prevents and blocks every pretext for the commission of taboos. The importance of research to demonstrate the relationship between them has emerged.
Keywords: dam, pretext, trick, proof.
المقدمة
لما كانت الشريعة الإسلامية هي خاتمة الرسائل السماوية فكان لابد أن يهيء لها الله تعالى القدرة لاستيعاب الحاجات المتجددة للناس على اختلاف الزمان والمكان والتطور الحاصل في جميع مجالات الحياة كونها شريعة الشمول والخلود إلى قيام الساعة،
ولسدّ الذرائع فائدة عظيمة لِمَا لها من صلة مباشرة بحياة المجتمع الانساني ففمن خلاله تمُنع وتُزال الأسباب الموصلة للمحرمات الشرعية ،فالله تعالى ما حرّم محرمًا إلا وقد جعل من الذرائع الموصلة إليه ما يحذر منه الإنسان ، ويُعدُّ هذا أمرًا فطريًا فلا يُحرِّم شيئا ثم يدع الوسائل الموصلة إليه مفتوحة ، فالحفر في الطرقات لا تحفر من غير أن يُنبه إليها بوضع السياج حواليها حتى لا يصل إليها الإنسان . ويتوصل المكلفون بكثير من الأشياء عن طريق الحيل،والفقهاء لا يُعدّون قطاع طرق ولكن هم يظهرون ويبينون حكم الله تعالى فيسدون الطرق التي تفضي الى الحرام وتؤدي بهم إلى المفاسد والمضار ، أمّا ما كان طريقا للحلال أو فيه طاعة لله تعالى فلا تُسدّ هذه الأبواب.وهناك الكثير ممن ضعف إيمانهم لذلك جاءت القوانين الوضعية للحدّ من هذه المحرّمات ، وقد ورد في الأثر عن عثمان رضي الله عنه أنّه قال : ( إنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) (اليفرني . 2001م. ص.467) . وتقول العرب: وزعته عن كذا ، أي: منعته وكففته عن ذلك الشيء.
أهمية البحث :
1-تمثل قاعدة سد الذرائع ربع الشريعة ؛ وذلك لأن المحرمات قسمان: مفاسد وذرائع موصلة إليها، وكذلك القربات نوعان: مصالح وذرائع موصلة إليها فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام ربع الدين.
2-بيان أهمية الاجتهاد والمجتهدين لدفع الأضرار وجلب المصالح ، وذلك للحفاظ على روح الشريعة الإسلامية وغايتها المنشودة من صلاح البشرية كي لا يلحق بالمسلمين أي ضرر أو تفوت عليهم مصلحة عامة، فهي مرنة وصالحة لكل زمان ومكان.
إشكالية البحث : الكلام متداخل ومتشابه بين الذرائع والحيل فهما يلتقيان أحيانا ويفترقان أحيانا فكان لابد من بيان أوجه التشابه والاختلاف وآثار ذلك في المعاملات .
أهداف البحث: إنّ التفريق بين المعنى الإصطلاحي لبعض المفردات التي لها علاقة بسد الذرائع فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. وفي عصرنا الحاضر انتشرت كثير من القضايا والمعاملات التي عمّت بها البلوى وانتشرت الحيلة التي يُقدِم عليها الإنسان قاصدًا التخلَّص من واجب أو ارتكاب محظور لكن الشارع الحكيم جاء ليَسدُّ عليه منافذ الحرام فضلاً عن بيان كيف أنّ وضع طرقاً وقائية تمنع وتسد كل ذريعة أمام ارتكاب المحرمات. فبرزت أهمية البحث لبيان العلاقة بينهما.
منهجية البحث: المنهج المتبع في هذا البحث هو المنهج الوصفي والتحليلي والاستقرائي .
خطة البحث: لقد اقتضت خطة هذا البحث أن يقسم إلى مقدمة ومبحثين وتبع ذلك خاتمة ، تناولت في المبحث الأول توضيح بعض المفاهيم المتعلقة بالقاعدة كتعريف سد الذرائع وأقسامها وحجيتها ثم بيّنت معنى الحيلة وأقسامها وحجيتها وذكرت علاقتهما ببعض المصطلحات ، أما المبحث الثاني فبيّنت نماذج تطبيقية عملية مما انتشرت في عصرنا ثم ختمت البحث ببيان أهم النتائج.
المبحث الأول
التعريف بالمفاهيم المتعلقة بالبحث
أولًا : تعريف سد الذرائع والحيل:
تعريف سدّ الذرائع كمركب إضافي: يقصدّ بــ (السَّدُّ) عند أهل اللغة بأنّه الإغلاق, وهو الحاجز بين الشيئين(ابن منظور .1414ه ، ص. 207) (.أمّا (الذرائع) فهي جمع ذريعة، والمقصود بها هي الوسيلة والسبب الموصِّل إلى الشيء(ابن منظور .1414ه ، ص. 96). وفي الإصطلاح فهي الطريق أو الوسيلة لمفسدة أو لمصلحة سواء أكان بالقول أو بالفعل (زيدان. 2006م ص.244) ، وقد غلب عند الفقهاء استخدام اسم الذريعة على الوسيلة التي تفضي إلى المفسدة لذلك اقترنت الذريعة بالسدّ .ومن ذلك يتبيّن بأنّ الذريعة هي ما يتوصل به من المباح إلى ممنوع، أي : أن يكون الفعل الذي يفعله الإنسان ظاهره الإباحة ولكن لا يقصده هو وإنما يقصد به التوصل إلى ممنوع وراءه سواء كان ذلك في الأقوال أو في الأفعال إذا قصد به توصل إلى مباح.
أمّا تعريف سد الذرائع كمركب علمي : هو (حسم مادة الفساد بقطع وسائله) (ابن جزي. 2003 م، ص.192).
أمّا تعريف الحِيَل في اللغة فهو جمع حيلة ويجمع على حِوَل أيضا ، ويقال: رجل حُوَل: أي مُحْتال شديد الاحتيال والحِيلة بِالكَسرِ هي اسْمُ مِنِ الاحتِيال. (ابن منظور .1414ه ، ص. 196) .فالحيلة: (هي التي تحَوِّل المرء عما يكرهه إلى ما يُحبه) ( الجرجاني . 1983م ، ص.94).
أما في الاصطلاح فالحيلة هي الطريقة الخفية التي يُتوصل بها للحصول على الغرض المطلوب سواء أكان الغرض المقصود جائزا أم محرما (ابن قيم الجوزية . 1423 هـ ، ص.188). ثم غلب في عرف الفقهاء استعمال الحيلة في النوع المحرم والمذموم .
ثانيًا: الألفاظ ذات الصلة بالذريعة :
هناك بعض المصطلحات لها صلة بسد الذرائع منها :
1-الحيلة:
يُقدِم الإنسان على الحيلة بقصد التخلَّص من ارتكاب محظور أو واجب, أما الذريعة فإنّ الشرع يَسدُّ منافذ الحرام على الإنسان حتى وإن لم يكن يقصد ذلك (قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي ص: 151).وقد بيّن ا ابن عاشور ذلك بقوله : ( للذرائع تعلّق قوي بمبحث التحيّل، إلا أن التحيّل يراد به إعمال بعض الناس في خاصّة أحواله للتخلّص من حق شرعي عليه، بصورة هي أيضاً معتبرة شرعاً حتى يظن أنه جار على حكم الشرع. وأما الذرائع فهي ما يفضي إلى فساد سواء قصد الناس به إفضاءه إلى فساد أم لم يقصدوه، وذلك في الأحوال العامة. فحصل الفرق بين الذرائع والحيل من جهتين: جهة العموم والخصوص، وجهة القصد وعدمه) ( ابن عاشور، 2004 ، ص.325).
2- المقدمة ( الزحيلي،2008م ، ص. 175):
كذلك من المصطلحات التي لها صلة بالذرائع هي المقدمة فمقدمة الشيء هي مايتوقف عليه وجود الشيء،فالمقدمة يتوقف حصول المقصود عليها ، في حين أن الملحوظ في الذريعة معنى الإفضاء والتوصيل إلى المقصود بالحكم ولتوضيح ذلك يمكن القول بأنّ أساس الجدار المتوقف عليه يعتبر المقدمة ، أما السلَّم الذي يوصل إلى السطح فهو الذريعة.
3- المصالح المرسلة:
توجد علاقة بين المصالح المرسلة وسدّ الذرائع بل هو من صور المصالح المرسلة وهذا ما بيّنه العالم عبد الكريم زيدان رحمه الله بقوله 🙁 أصل الذرائع يؤكد أصل المصالح،ويوثقه ويشد أزره ؛ لأنه يمنع الأسباب والوسائل المفضية إلى المفاسد ،وهذا وجه أكيد من وجوه المصلحة ، فهو إذن متمم لأصل المصلحة ومكمل لها،بل وقد تعتبر صور سدّ الذرائع من صور المصالح المرسلة ولهذا نرى من أخذ بمبدأ المصلحة وحمل لوائها وهم المالكية ومن تابعهم أخذوا أيضًا بالذرائع فقالوا بسدّها إذا أدت إلى مفسدة ،وبفتحها إذا أدت إلى مصلحة راجحة،ولو كانت الوسيلة بذاتها محرمة) (زيدان. 2006م ص.250) .
4- مقاصد الشريعة
من المصطلحات التي لها علاقة بسد الذرائع مصطلح مقاصد الشريعة ، يقول ابن القيم رحمه الله:) لما كانت المقاصد لا يُتوصَّل إليها إلا بأسباب وطُرُق تُفْضِي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها مُعْتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقُرُبَات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها ؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصودٌ قصدَ الغاياتِ، وهي مقصودة قصد الوسائل ؛ فإذا حَرَّمَ الربُّ تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تُفْضِي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يقرب حِمَاه، ولو أباح الوسائل والذرائع المُفْضِية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراءً للنفوس به) (ابن قيم الجوزية . 1423 هـ ، ص.553 ).
يوجد فرق بين مقاصد الشريعة و مقاصد المكلفين ،فالذرائع هي من مقاصد المكلفين وليست من مقاصد الشريعة لكن مقاصد المكلفين تدرس مع مقاصد الشريعة يشملوهما المقاصد فلذلك مقاصد المكلفين راجعة إلى نيّة المكلف ، أما مقاصد الشريعة فهو ما شرّع الحكم من أجله في الأصل ،وهو حكمة المشروعية وعلة المشروعية أومصلحة المشروعية أو نحو ذلك . ويمكن القول بأن مراعاة سد الذريعة يراعي مقاصد الشريعة أو يحقق ويخدم مقصدًا من مقاصد الشريعة ، فهو وسيلة من الوسائل ككل هذه الأحكام التي لم تشرع لذاتها شروط والموانع والأسباب التي ما شرعت لذاتها إنما شرعت للتوصل بها إلى أمرٍ آخر. (الددو،محمد ابن الحسن .(1443ه ، رمضان) . مفاهيم 5 سد الذرائع2) .
5- الورع :
كذلك يعتبر مصطلح الورع من المصطلحات التي قد يلتبس بسد الذرائع ؛لان الورع هو من باب اتقاء كل ما يؤدي إلى الحرام ولو كان مباحا في ذاته ولكن يمكن القول بأنّ سد الذرائع تدخل في حيز الوجوب والتحريم أما الورع فيدخل في حيز المندوب. (الددو،محمد ابن الحسن .(1443ه ، رمضان) . مفاهيم 5 سد الذرائع1 ) .
ثانيًا:حجية سدّ الذرائع
يُعدُّ هذا الأصل من الأصول المعتمدة للاستنباط لقوله تعالى : {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } ( سورة النساء: آية83) وهذا دليل على ان المجتهد له وسائل للاستنباط لمعرفة الحكم ومن هذه الوسائل سد الذريعة. كذلك قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك” ( البخاري ، 1422، ص.53). وفي هذا الحديث دليل على أن ما يظهر للفقيه حتى وإن كان خطأ في علم الله فهو يتعبد الله به ؛ لأن المجتهد قد بذل جهده وهذا ما أداه إليه عقله و اجتهاده .
وجميع المذاهب الفقهية المعتبرة تعمل به على تفاوتٍ في الأخذ به حتى وإن لم يذكروه في أصولهم أو قد يصرحون أحيانا بإنكاره لكن في فروعهم كثير من المسائل ليس لها دليل إلا سد الذرائع.
المبحث الثاني
نماذج تطبيقية
طلاق المريض مرض الموت.
مرض الموت يقصد به كل مرض يخاف منه الهلاك ويتصل به الموت فعلًا ، أي : هو الموت الذي يقع بسببه غالبًا وليس على وجه الندرة فيبقى مريضًا ويستمربه مرضه إلى الموت وأهل الخبرة والعلم بالطب هم من يقررون ذلك.
الزوجة ترث زوجها المريض مرض الموت بالطلاق الرجعي بالاتفاق ، أما الطلاق البائن لها بقصد حرمانها من الميراث فالزوجة ترث كرد لقصد الزوج السيء في تطليقها أثناء مرضه ، فهو مُتَّهَم في تطليق زوجته اثناء مرضه ليقطع حظَّها من الميراث، مع أن الطلاق في حقه مباح ، ولكن يُعامل بنقيض ماقصده من مقصد فاسد لسد ذريعة هروبه من توريثها, لذلك يحكم لها بالميراث (البرهاني . 1985م .ص.547.) ؛ لأنّ المكلف عَمِدَ إلى استعمال الفعل المسموح به لأجل أن يلحق الضرر بالآخرين فإنه يمنع من ذلك الفعل ، ولا ينظر إلى كون هذا الفعل مأذونًا في أصله أم لا ، وهذا ما بيّنه الشاطبي بقوله: (فلا إشكال في منع القصد إلى الإضرار من حيث هو إضرار, لثبوت الدليل على أن لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (الشاطبي .(د.ت) ، ص.8).
كما إن من مقاصد الشريعة حفظ المال فلا تستقيم الحياة دونه فهو من ضروريات الحياة، فلذلك يجب حفظ مال الزوجة التي طلقت في مرض الموت حتى لا يفوت حقها من الميؤاث ولمنع التحايل الذي يكون مناقض لمقصود الشارع فتصرف الزوج هنا ما هو إلا حيلة للهروب من توريث الزوجة لذلك يحكم بتوريثها. (ابن قيم الجوزية . 1423 هـ ، ص.65 ).
أما إذا كان ذلك الطلاق بطلب منها فعند ذلك لا ترثه.
أما قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المادة 35 فقد جاء فيه بأنّ طلاق المريض مرض الموت لا يقع ، وترثه زوجته. وهذا خلاف المعروف في الفقه الأسلامي، ولا أحد من الفقهاء قال بعدم وقوعه.
منع زراعة وبيع المواد المخدرة
الزراعة والبيع أمران مباحان شرعا ولكن حُرمت زراعة أي نبات ينتج عنه ما يؤثر على العقل وكذلك حُرّم بيع المواد المخدرة التي تؤثر عليه كون حفظ العقل من المقاصد الضرورية للشريعة الإسلامية وأمرت بالحفاظ عليه لذلك حرمت بيع وزراعة المواد المخدرة سدا لذريعة انتشارها بين الناس والذهاب بعقولهم.
وقد أصدر القانون العراقي قانون المخدرات والمؤثرات العقلية برقم (50) لسنة 2017 في قانون العقوبات المادة 27 ثالثا عقوبة بالاعدام أو السجن المؤبد لكل من زرع نبات ينتج عن ذلك النبات مواد مخدرة أو تؤثر على العقل .
كما جاء في المادة 28 بعقوبة السجن المؤبد أو المؤقت مع غرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار ولا تزيد عن ثلاثين مليون دينار لمن باع المواد المخدرة أو التي تؤثر على العقل .
غسيل الأموال
تُعدُّ جريمة غسيل الأموال أو ما تسمى بتبييض الأموال من الجرائم الاقتصادية وتهدف هذه الجريمة إلى اضافة شرعية قانونية للأموال المحرّمة بالتحايل والتلاعب فلا يكون غسيل الأموال إلا بعد جريمة أصلية كزراعة النباتات المخدرة أو التجارة وتهريب الأثار أو الدعارة أو جرائم الإرهاب وتمويلها أو الإختلاس للمال العام أو التهرب الضريبي .فيلاحظ أن غسيل الأموال كله مبني على سد الذرائع ؛ لأن ظاهر التعاملات الإباحة ولكنها حرّمت شرعا لأنها قد تفضي إلى عمليات محرّمة .
وقد أصدر القانون العراقي قانون مكافحة غسل الأموال رقم 39 لسنة 2015 وقد عدّ الشخص مرتكبا للجريمة إذا قام بتحويل الأموال أو نقلها إلى شخص قد علم أنه مرتكب لجريمة غسل الأموال أو اكتسب أموال من شخص يعلم أو كان عليه أن يعلم وقت تلقيها أن هذه الأموال ناتجة عن جريمة.
تداول الأسهم نقدًا ونسيئةً
جاء التحريم لتداول الأسهم نقدا ونسيئة على من قال بذلك وذلك للخوف من أن تتخذ المصارف هذا التداول المتستر بعقد البيع للوصول الى التمويل بالفائدة عن طريق التواطئ بين المموِّل وبين طالب التمويل وصورته أن يبيع الأول الثاني أسهمًا من الأسهم الثَّابتة السعر في السوق، ومتاحة للتَّعامل، فيبيعُها بثمنٍ مؤجَّل؛ وذلك كي يقوم المشتري ببيعها مباشرة بسعرٍ نقديٍّ. وهذه الوسائلَ وإن كانت مباحةً في ظاهرها ، ولكن إذا غلب على الظَّنِّ استعمالُها للأغرض المحرمة فإنها تكون محرمة.( المصلح، خالد بن مصلح . تطبيقات على سد الذرائع في المعاملات المالية المعاصرة ( 2023م ،27 ديسمبر).
بيع ما يعين على معصية
إنّ الشريعة الإسلامية حرّمت كل ما يعين على الإعانة على المعصية ؛ لأنّه يُعدُّ من التعاون على العدوان قال تعالى :{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (سورة المائدة:الآية 2) ومن ذلك بيع السلاح وقت الفتنة ؛ لأنّه يشجع الإقتتال وهذا يؤدي إلى زيادة الضحايا من النساء والشيوخ والأطفال ، وذلك سدًا لذريعة الاقتتال والإعاة على المعصية ، بل تأمر في مثل هذه المواقف اطفاء الفتنة والصلح بين الفئات المقتتلة لقوله تعالى :{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } (سورةالحجرات: الآية 9) ويدخل في هذا المعنى كل ما يعين على المعصية لله تعالى كبيع السلاح للبغاة والكفار وقطاع الطريق أو الإجارة أو المعاوضة. . (ابن قيم الجوزية . 1423 هـ ، ص.64).
منا سبق يتضح إنّ البيع وإن كان في أصله مباح ولكن حُرّم بيع السلاح زمن الفتنة ، لأن بيعه يؤدي إلى أن يقع بين أيدي المسلمين المتناحرين بينهم مما يؤدي إلى سفك الدماء لذلك مُنع هذا البيع لما يحدثه من مفاسد في سفك دماء المسلمين.
بيع العينة
تعرّف العينة : ( هو اتفاق بين طرفين على بيع سلعة صورية بثمن مؤجل بشرط أن يُعيد المشتري بيعها للأول بثمن مُعجل أقل) . (الخليفي . 2023م ، ص. 26) .
وبيع العينة من العقود المركبة تركبت من بيع وقرض وهي من المنهيات المالية في الشريعة الإسلامية ، وهو أن يشتري الشخص سلعة من تاجر آجلاً ثم يقوم ببيعها على نفس التاجر بثمن أقل وهذا فيه تحايل على الربا لأنّ البيع يعدّ وسيلة صورية للتوصل إلى الربا .
جدولة الدين
وهو مقلوب هندسة بيع العِينَة ؛ لأن البيع المُعجّل يتقدم على المؤجل ، ويقصد به شراء السلعة شراءً صوريًا من المَدِين ولكن بثمنٍ مُعَجّل أقل ومن ثُمّ إعادة بيع هذه السلعة له ولكن بِثَمنٍ مؤجل أعلى. (الخليفي . 2023م ، ص. 27) .
فإذا اقترض شخص من البنك ثم عجز عن سداده فعند ذلك يعمل البنك على اعادة الجدولة للدين ويكون ذلك عن طريق شراء سلعة من المَدِين بثمن معجل وهذا الشراء يكون صوريا ويدفع له قيمة السلعة ثم يقول له سددني ما بذمتك من دين لي ثمّ يُعيد له البنك بعد ذلك بيعها له بثمن مؤجل في ذمته بمديونية جديدة . ( عامر ، صلاح . (2023م) دبلوم علم الاقتصاد- علم المال في الإسلام- المحاضرة التاسعة عشرة)
وكل هذه العقود مقصودها التربح من الدّين بطرق التحايل للوصل الى الربا لذلك حرمها الشرع الإسلامي سدا للذريعة.
الخاتمة:
الحمد لله الذي أعانني على إكمال هذا البحث فله الحمد والمِنّة وأهم النتائج التي تم التوصل لها هي:
- يُعدُّ دليل سدّ الذرائع من أدلة الأحكام؛ لأنه أصل يشهد له الكتاب والسنّة أما الذين لم يعتبروه أصلًا من أصول التشريع أخذوا بمقتضاه في بعض اجتهاداتهم ،باعتباره داخلًا في أصل آخر أو قاعدة أخرى
- الذرائع تختلف عن الحيل، فسد الذرائع مطلوب، والحيل محرمة لا تجوز، لأن حقيقتها: تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر، فتجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة؛ لأنّ الشارع قد سد الطريق إلى ذلك المحرم بكل طريقة، والمحتال يريد أن يتوسل إليه.
- العلاقة بين الذرائع والحيّل هو العموم والخصوص الوجهي ، فهما يجتمعان في وجه وينفرد كل منهما عن الآخرفي أوجه أخرى.
- أهمية الفطنة والذكاء والتيقض للمفتي ليتمكن من معرفة حيل الناس ووسائلهم للوصول إلى مبتغاهم وأغراضهم الفاسدة فإن غفلة المفتي تترتب عليها أضرار كبيرة .
- موضوع الذرائع خطير في العلاقات الدولية فيشترط أن يقدر ذلك مجموعة من العلماء المتخصصين في السياسة، ويستعان بالخبراء السياسيين الثقات في تقدير النتائج والمصالح والمفاسد والطرق التي توصل إليها، فإما أن يسدوها وإما أن يبيحوها فما أدى إلى المباح مباح وما أدى إلى الحرام حرام.
التوصيات المقترحة :
1 ـ ممارسة الجهات القضائية دورها في سدّ كل ما يوصل غالبا إلى المحرمات سدّأ للذريعة وذلك عن طريق سنّ القوانين الي تحرم ذلك وتطبيقها ؛لإن ضعفاء الإيمان لا يحركهم ايمانهم لترك المحرمات ولا يصلحه إلا سلطة القضاء والعقوبات هي التي تردعه.
2 ـ استخدام قاعدة سد الذرائع بوجه معتدل كي لا ينتج عن تطبيقها التشدد في الدين فالشريعة الإسلامية مبنية على رفع الحرج واليسر كما إنّها صالحة لكل زمان ومكان.
3- فهم المصطلحات والتفريق بينها باعتماد مضانها من المصادر والمراجع لها الأثر الكبير في التأصيل الشرعي للمسألة الناتج عن التصور الدقيق لها ولا سيما في النوازل الفقهية المعاصرة.
المصادر والمراجع
ابن جزي ، محمد بن أحمد،( 2003 م ) ، تقريب الوصول إلي علم الأصول. (ط.1) . دار الكتب العلمية،.
البرهاني ، محمد هشام ، (1985م ) ، سد الذرائع في الشريعة الإسلامية ،المطبعة العلمية ،دمشق.
البخاري ، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله.(1422هـ).صحيح البخاري (ط.1).(مج.3). دار طوق النجاة.
ابن منظور، جَمَال الدِّيْن مُحَمَّد بن مكرم.( 1414 هـ). لسان العرب(مج.3.8.11.). دار صادر .
لجرجاني ، علي بن محمد بن علي الزين الشريف.(1983م).التعريفات . دار الكتب العلمية .
اليفرني، محمد بن عبد الحق.(2001م). الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب. (مج.1).مكتبة العبيكان.
زيدان . عبد الكريم . ( 2006م ) . الوجيز في أصول الفقه.مؤسسة الرسالة.
ابن قيم الجوزية ، محمد بن أبي بكر بن أيوب. ( 1423 هـ). إعلام الموقعين عن رب العالمين.(مج3.4). دار ابن الجوزي.
الزحيلي ، وهبة . (2008م) . أصول الفقه الإسلامي ، (مج.2 .5). دار الفكر .
ابن عاشور ، محمد الطاهر بن محمد .( 2004 م )، مقاصد الشريعة الإسلامية . (مج.2) .وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
الخليفي ، رياض منصور . (2023م) ، المختصر في علم المال . د.ن.
الشاطبي ، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي ،(د.ت) ، الموافقات في أصول الفقه. ( مج.2) . دارالمعرفة.
مواقع الكترونية :
القره داغي- علي – منتدى العلماء ، قاعدة سدّ الذرائع وتطبيقات العمل بها في المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة ،دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية18-11-2015
مفاهيم 5-الحلقة 27-سد الذرائع 2
https://youtu.be/Iy1ootzcEdo?si=uSGclnOff_ruzXQs
مفاهيم 5-الحلقة 28-سد الذرائع 2
https://youtu.be/RJ4-PPjyf_s?si=74Nd3x5pQMXm-VRI
أربعاء 6 صفر 1437هـ 18-11 لأربعاء 6 صفر 1437هـ 18-11-2015م-2015م
المصلح، خالد بن مصلح . تطبيقات على سد الذرائع في المعاملات المالية المعاصرة ( 2023م ،27 ديسمبر).رب