نوفمبر 22, 2024 7:18 م
1

أ.د. حسين عبدعلي عيسى

كلية القانون/ جامعة السليمانية

Email: husseinissa@hotmail.com

Tel.:+964 7702100958

الملخص:

 يشكل الاختفاء القسري انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان وجريمة ضد الكرامة الإنسانية حظرته المواثيق الدولية ذات الصلة وألزمت بتجريمه والعقاب عليه في التشريعات العقابية الداخلية، ولاسيما منها إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 1992، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، والاتّفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006.

وفي ظل الانتشار المتنامي لحالات الاختفاء القسري في الدول العربية وتصاعد الدعوات الدولية والوطنية لمواجهته فيها وارتباطاً بانضمام أغلبيتها إلى الاتّفاقية الدولية لعام 2006، ومصادقة عدد منهاعلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، بات من البديهي أن تفي هذه الدول بالتزاماتها الدولية النابعة من ذلك، وبضمن ذلك تجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه في تشريعاتها العقابية الداخلية. وقد تحقق ذلك في عدد منها بإصدار تشريعات بهذا الخصوص في حين مازال عدد آخر منها في مرحلة التهيئة لإصدارها. وهذا ما يثير عدداً من التساؤلات عن السياسة الجنائية المتبعة من طرف هذه الدول في التصدي لحالات الاختفاء القسري فيها.

ويعالج هذا البحث مشكلة المواجهة الجزائية لجريمة الاختفاء القسري في التشريعات العقابية ذات الصلة، كما ويبحث في مشروعات القوانين العقابية المتعلقة بذلك. وتستهدف الدراسة تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية في السياسة الجنائية المتبعة في ذلك، والنظر في مدى إيفاء هذه الدول بالتزاماتها الدولية، مع طرح عدد من التوصيات الرامية إلى معالجة الثغرات الرئيسة فيها.

ويقتصر البحث على دراسة التشريعات العقابية ذات الصلة في كل من ليبيا ودولة الإمارات العربية ولبنان ، مع دراسة مشروعات القوانين بهذا الخصوص لكل من المغرب وتونس والعراق.

وتتجلى أهمية البحث في أن دراسة التشريعات العقابية فيما يتعلق بجريمة الاختفاء القسري في هذه الدول تكتسب أهمية نظرية وتطبيقية على حد سواء، إذ لا تخفى الأهمية النظرية لدراسة هذه الجريمة من الناحية القانونية، ولاسيما فيما يتعلق بآليات مواجهتها من قبل الدول الأطراف في الاتّفاقية الدولية لعام 2006. كما تبرز أهميتها التطبيقية انطلاقاً من أهميةمواجهتها جزائياً على صعيد الدول العربية بصفة عامة، وعلى صعيد العراق بصفة خاصة، وذلك لانتشار حالات الاختفاء القسري في هذه الدول، وكذلك ارتباطاً بمدى إيفاء هذه الدول بالتزاماتها الدولية النابعة من انضمامها إلى الاتّفاقية الدولية لعام 2006، ومن بينها تجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه في التشريعات العقابية الوطنية.

وتتصف الدراسة بأنها وصفية تحليلية مقارنة، إذ تستند إلى المنهجين الوصفي والتحليلي في دراسة التشريعات العقابية ومشروعات القوانين ذات الصلة في الدول العربية المذكورة، كما يعتمد البحث على المنهج المقارن من خلال مقارنة مضامينها بالمواثيق الدولية فيما يتعلق بتجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه.

وتتوزع خطة البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة، يعالج المبحث الأول المواجهة الجزائية لجريمة الاختفاء القسري في التشريعات العقابية، ويدرس المبحث الثاني المواجهة الجزائية لجريمة الاختفاء القسري في مشروعات القوانين العقابية. وتتضمن الخاتمة أبرز الاستنتاجات والتوصيات المتوصل إليها.

الكلمات المفتاحية: الاختفاء القسري، الإعلان الدولي لعام 1992، الاتّفاقيةالدولية لعام 2006، النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المواجهة الجزائية في الدول العربية.

 

Criminal confrontation for the crime of enforced disappearance Arab Countries

Prof. Dr. Hussein Abd Ali Issa

College of Law/University of Sulaymaniyah

 

Abstract :

Enforced disappearance constitutes a grave violation of human rights and a crime against human dignity, prohibited by the relevant international conventions and obligated to criminalize and punish it in internal penal legislation, especially the United Nations Declaration for the Protection of All Persons from Enforced Disappearance of 1992, the Statute of the International Criminal Court of 1998, and the International Convention for the Protection of All Persons from Enforced Disappearance in 2006.

In light of the growing spread of enforced disappearances in Arab countries and the escalation of international and national calls to confront them there, and in connection with the majority of them’s accession to the 2006 International Convention, and a number of them ratifying the 1998 Statute of the International Criminal Court, it has become self-evident that these countries will fulfill their international obligations resulting from that. It includes criminalizing enforced disappearance and punishing it in its internal penal legislation. It has been achieved in a number of them by issuing legislation in this regard, while many others are still in the preparation stage for their issuance. It raises several questions about the criminal policy followed by these countries in dealing with cases of enforced disappearance.

This research addresses the problem of the criminal response to the crime of enforced disappearance in the relevant penal legislation and also examines draft penal laws related to that. The study aims to shed light on the positive and negative aspects of criminal policy and to consider the extent to which these countries fulfill their international obligations while presenting several recommendations aimed at addressing the main gaps in it.

The research is limited to studying the relevant penal legislation in Libya, the United Arab Emirates, and Lebanon and the draft laws for Morocco, Tunisia, and Iraq.

The importance of the research is evident in the fact that the study of penal legislation regarding the crime of enforced disappearance in these countries is gaining both theoretical and practical importance, as the theoretical importance of studying this crime from a legal perspective is not hidden, especially about the mechanisms for confronting it by the states parties to the 2006 international convention. Its practical importance also emerges based on the importance of criminal confrontation at the level of the Arab countries in general, and at the level of Iraq in particular, due to the spread of enforced disappearances in these countries, as well as in connection with the extent to which these countries fulfill their international obligations stemming from their accession to the 2006 international convention, and from Among them is the criminalization of enforced disappearance and its punishment in national penal legislation.

The study is characterized as descriptive and comparative analysis, as it is based on both descriptive and analytical approaches in studying penal legislation and relevant draft laws in the aforementioned Arab countries. The research also relies on the comparative approach by comparing their contents with international conventions regarding the criminalization of enforced disappearance and its punishment.

The research plan is divided into an introduction, two sections, and a conclusion. The first section deals with the criminal confrontation to the crime of enforced disappearance in penal legislation, and the second section studies the criminal confrontation to the crime of enforced disappearance in draft penal laws. The conclusion includes the most prominent results and recommendations reached.

Keywords:Enforced disappearance, the 1992 International Declaration, the 2006 International Convention, the Statute of the International Criminal Court, the criminal confrontation in the Arab countries.

 مقدمة

يشكل الاختفاء القسري في الدول العربية ظاهرة أكدت اتساع نطاقها تقاريرالمنظمات الدولية والإقليمية والدولية، وعلى الرغم من انضمام عدد منها إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 والاتّفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 والدعوات التي وجهتهالها منظمة الأمم المتحدة للايفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بتجريم الاختفاء القسري في تشريعاتها العقابية والعمل من خلال ذلك على محاربة الافلات من العقاب بخصوصه فأن عدداً قليلاً لا غير من هذه الدول أوفى بهذه الالتزامات الدولية، وذلك بإصدار تشريعات عقابية تتضمن تجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه، كما هو الحال في ليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة ولبنان. وعلى الصعيد ذاته يسعى المشرع في عدد آخر من الدول العربية إلى وضع مشروعات لقوانين بهذا الخصوص، ومنها المغرب وتونس والعراق، والتي مازالت قيد الدراسة فيها.

أولاً: مشكلة البحث: تنحصر المشكلة التي يعالجها البحث في دراسة المواجهة الجزائية لجريمة الاختفاء القسري في ضوء التشريعات الصادرة في الدول العربية، وكذلك في مشروعات القوانين المطروحة، وكذلك في بيان إيجابياتها وسلبياتها، ومن ثم التوصل إلى التوصيات التي تفيد المشرع العراقي في تحقيق مسعاه في وضع قانون عقابي متكامل من الجوانب كافة لمواجهة حالات الاختفاء القسري في العراق.

ثانياً: أهمية البحث: ترتبط الأهمية النظرية لهذا البحث ارتباطاً بأهمية المشكلة التي يعالجها، فهي دراسة للتشريعات العقابية المتعلقة بمواجهة الاختفاء القسري في عدد من الدول العربية، ولعلها الدراسة النظرية الأولى بهذا الخصوص، كما وأنها تتعلق بدراسة جريمة واسعة الانتشار في هذه الدول مما يكسبها بعداً نظرياً خاصاً على صعيد دراستها ومواجهتها. أما الأهمية التطبيقية للدراسة فتتجلى من خلال إمكانية الإستفادة من نتائجها على الصعيدين العربي والعراقي على حد سواء، وذلك فيما يتعلق بتطوير التشريعات العقابية أو مشروعات القوانين ذات الصلة، وبما يحقق الأغراض المبتغاة منها في مواجهة حالات الاختفاء القسري في الدول العربية محل البحث.

ثالثاً: نطاق البحث: تقتصر الدراسة على البحث في التشريعات العقابية لعدد من الدول العربية التي تجرم الاختفاء القسري، وهي ليبيا ودولة الإمارات العربية ولبنان، وكذلك دراسة مشروعات القوانين بهذا الخصوص في المغرب وتونس والعراق. ومن ثم فأن نطاق البحث سيقتصر على هذه الدول لا غير.

رابعاً: أهداف البحث: يستهدف البحث تحقيق عدد من الأهداف التي ينحصر أبرزها في تسليط الضوء على توجهات المواجهة الجزائية التي اتّبعها المشرع في عدد من الدول العربية لمواجهة الاختفاء القسري سواءً أكان ذلك في التشريعات العقابية الصادرة أم مشروعات القوانين الموضوعة، وبيان الجوانب الإيجابية والسلبية فيها، ومن ثم وضع التوصيات لمعالجة أوجه القصور فيها، والاستفادة مما سوف يتمخض من البحث من نتائج وتوصيات في تطوير المواجهة الجزائية لهذه الجريمة على صعيد العراق على وجه الخصوص.

خامساً: مناهج البحث: اقتضت الدراسة اعتماد عدد من مناهج البحث، إذ جاءت الدراسة في منهجيتها دراسة وصفية تحليلية مقارنة، تقوم على دراسة التشريعات العقابية ومشروعات القوانين المتعلقة بمواجهة الاختفاء القسري في الدول العربية محل البحث على أساس المنهج الوصفي والتحليلي والمقارن.

سادساً: خطة البحث: في ضوء تعلق الدراسة بالبحث في المواجهة الجزائية لحالات الاخنفاء القسري في الدول العربية محل البحث، وارتباطاً بأن الدراسة تقوم على دراسة القوانين الصادرة فيها بهذا الخصوص، وكذلك مشروعات القوانين ذات الصلة، لذلك سنوزع هذا البحث على مبحثين، نتناول بالدراسة فيالمبحث الأول قوانين مواجهة الاختفاء القسري، وفي المبحث الثاني مشروعات القوانين لمواجهة الاختفاء القسري، وعلى الوجه الآتي:

المبحث الأول

قوانين مواجهة الاختفاء القسري

في ضوء انتشار حالات الاختفاء القسري في عدد من الدول العربية ولغرض التصدي لها فقد أصدرت قوانين تضمنت النص على تجريمها والعقاب عليها، وهي:ليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة ولبنان. ولغرض تسليط الضوء عليها سنوزع هذا المبحث على ثلاثة مطالب، نتناول بالبحث في المطلب الأول القانون الليبي رقم (10) لعام 2013 بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز، وفي المطلب الثاني القانون الإماراتي رقم (12) لعام 2017 في شأن الجرائم الدولية، وفيالمطلب الثالث القانون اللبناني رقم (105) لعام 2018 بشأن المفقودين والمختفين قسراً، وعلى الوجه الآتي:

المطلب الأول

القانون الليبي رقم (10) لعام 2013

بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز

صدر القانون الليبي بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز لعام 2013 بناءً على مخرجات المؤتمر الوطني العام الليبي المنعقد في 9/4/ 2013. وتضمن سبع مواد، وجاء مكرساً للعقاب على جرائم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز.

وقد عاقبت المادة الأولى من هذا القانون، التي جاءت تحت عنوان (الإخفاء القسري)، في شقها الأول على هذه الجريمة بنصها: “يعاقب بالسجن كل من اختطف إنساناً أو حجزه أو حبسه أو حرمه على أي وجه من حريته الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع”. وبمقتضى الشق الثاني منها شدد المشرع العقوبة على هذه الجريمة بأن: “تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات إذا ارتّكب الفعل: أ) ضد الأصول أو الفروع أو الزوج، ب) أو ارتّكب ذلك موظف عمومي متعدياً في ذلك حدود السلطات المتعلقة بوظيفته، ج) إذا وقع  الفعل بقصد الحصول على كسب مقابل إطلاق السراح، فإذا حقق الجاني غرضه كانت العقوبة السجن مدة لا تقل عن ثماني سنوات”(القانون الليبي، 2013، المادة الأولى).

وعلى الرغم من أن المشرع الليبي يعاقب في قانون بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز لعام 2013 على الإخفاء القسري في نص المادة الأولى منه، كما تقدم ذكره، الا أن الملاحظ أن قانون العقوبات الليبي لعام 1953 يعاقب أيضاً في نص المادة (428) منه وفي نطاق (الجرائم ضد الحرية الشخصية) على جريمة الخطف بنصها: “1- يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من خطف إنساناً أو حجزه أو حبسه أو حرمه على أي وجه من حريته الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع. 2- وتكون العقوبة مدة لا تزيد على سبع سنوات إذا ارتّكب الفعل: أ) ضد الأصول أو الفروع أو الزوج، ب) أو ارتّكب ذلك موظف عمومي متعدياً في ذلك حدود السلطات المتعلقة بوظيفته، ج) إذا وقع  الفعل بقصد الحصول على كسب مقابل إطلاق السراح، فإذا حقق الجاني غرضه كانت العقوبة السجن مدة لا تزيد عن ثماني سنوات”. ومن ثم فأن المشرع الليبي اعتمد في تجريمه الاختفاء القسري في قانون بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز النص الوارد في المادة (428) من قانون العقوبات لعام 1953، ولكن مع تشديد عقوبة السجن، فهي في جريمة الخطف (السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات)، في حين أنها في جريمة الإخفاء القسري (السجن)، التي يمكن يصل حدها الأقصى إلى خمس عشرة سنة، إذ بينّنت المادة (21) من قانون العقوبات الليبي لعام 1953 مفهوم عقوبة السجن ومدتها بنصها: “عقوبة السجن هي وضع المحكوم عليه في سجن وتشغيله في الأعمال التي تعينها لوائح السجن، ويجب ألّا تقل عقوبة السجن عن ثلاث سنوت وألّا تزيد على خمس عشرة سنة الا في الأحوال التي ينص عليها القانون”. وفي حالة تشديد العقوبة، فالملاحظ أن الظروف المشددة المحددة في الشق الثاني من المادة الأولى من القانون الليبي لعام 2013 والفقرة الثانية من المادة (428) من قانون العقوبات الليبي لعام 1953 وردت متماثلة تماماً، الا أن العقوبة المحددة جاءت مختلفة، فهي في القانون الليبي لعام 2013: السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وفي حالة حصول الجاني على كسب مالي تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن ثماني سنوات. أما في قانون العقوبات لعام 1953 فأن العقوبة هي السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات، وفي حالة حصول الجاني على كسب مالي تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد عن ثماني سنوات. ومن ثم فأن المشرع الليبي شدد العقوبة من خلال استبدال عبارة (لا تزيد) بعبارة (لا يقل)(قانون العقوبات الليبي، 1953، المادة 428).

وتعليقاً على الصياغة القانونية لجريمة (الإخفاء القسري) في القانون الليبي لعام 2013 يلاحظ أن المشرع الليبي لا يحدد العناصر الرئيسة لجريمة الاختفاء القسري في تعريفه لها، إذ تضمنت الاتّفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 تعريفاً أكثر شمولية وعمومية بأنه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”(الاتّفاقية، 2006، المادة الثانية). كما أن مفهوم الاختفاء القسري، في رأي الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، يتوجب أن يقوم على أساس العناصر الثلاثة الآتية: حرمان الشخص من حريته خلافاً لإرادته، وأن الجناة هم ممثلو الدولة أو أشخاص يقومون بذلك بناءً على إذن من الدولة أو بموافقتها، والامتناع عن الإبلاغ عن مصير الضحية أو مكان وجودها(أفضل الممارسات، 2010، الفقرات 21-32).

وعلى وفق المادة الخامسة من قانون بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز لعام 2013 التي وردت تحت عنوان (مسؤولية السياسيين والقادة): “يعاقب بذات العقوبة كل مسؤول سياسي أو تنفيذي أو إداري أو قائد عسكري أو أي شخص قائم بأعمال القائد العسكري إذا ارتكبت الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة قوات تخضع لإمرته وسيطرته أو موظف تابع له في حالة تبين أنه لم يتخذ ما يلزم من تدابير لمنع ارتكابها أو كشفها مع قدرته على ذلك أو حال بأي وجه من الوجوه دون عرضها على السلطات المختصة بالتأديب أو التحقيق أو المحاكمة”. وهذا مما يحسب للمشرع الليبي في تحديده للمسؤولية الجزائية للمسؤولين السياسيين والعسكريين عن جرائم مرؤوسيهم، الا أن مما لا يحسب له عدم معالجته كثيراً من المسائل التي إلزمت بها الصكوك الدولية، فعلى الرغم من أن ليبيا ليست من الدول الموقعة على الاتّفاقية الدولية لعام 2006، الا أن تجريمها الاختفاء القسري في قانون بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز لعام 2013 يتطلب مراعاة عدداً من الجوانب الرئيسة المرتبطة بذلك، وعلى رأسها ما يتعلق بتقادم الجريمة والعقوبة، فجريمة (الإخفاء القسري) تعدّ من الجنايات، إذ يعاقب عليها المشرع الليبي بعقوبة السجن، وهذه العقوبة من العقوبات المحددة للجنايات، إلى جانب عقوبتي الإعدام والسجن المؤبد، في نص المادة (53) من قانون العقوبات الليبي لعام 1953. وعلى وفق المادة (107) من القانون نفسه المتعلقة بسقوط الجريمة بسقوط المدة: “تسقط الجنايات بمضي عشر سنوات من يوم وقوع الجريمة،…، ولا يوقف سريان المدة التي تسقط بها الجريمة لأي سبب كان”، في حين تنص المادة (120) من القانون نفسه المعنونة (سقوط العقوبة بمضي المدة) على أن: “تسقط العقوبة المحكوم بها في جناية بمضي عشرين سنة ميلادية، …” (قانون العقوبات الليبي، 1953، المواد 53، 107، 120). ومن ثم فأن حالات الاختفاء القسري المرتكبة وقت بدء نفاذ قانون بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز لعام 2013 قد باتت الآن على وفق قانون العقوبات  الليبي لعام 1953 في حكم الماضي كونها قد سقطت حال مضي عشر سنوات من يوم وقوعها!

وقد أشارت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تقريرها في 10/12/2023إلى أنها خلال وثقت حلال التسعة أشهر المنصرمة فقط “العشرات من حالات الاعتقال التعسفي والاحتجاز لرجال ونساء وأطفال على أيدي الجهات الأمنية في جميع أنحاء ليبيا”(بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا)، كما أعربت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، وهي البعثة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو 2020 للتحقيق في انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان في ليبيا منذ عام 2016، في تقريرها في 27/3/2023 عن قلقها العميق إزاء تدهور حالة حقوق الإنسان في ليبيا لارتكاب الدولة والقوات الأمنية والمليشيات المسلحة مجموعة واسعة من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وقد وثقت العديد من حالات الاختفاء القسري. ولا يوجد دليل يذكر على اتّخاذ خطوات مجدية للحدّ من هذا المسار المثير للقلق وتقديم سبل الانتصاف إلى الضحايا. وبحسب تقاريرها فأن العدد الرسمي للمحتجزين يصل إلى حوالى (18,523)، في حين ترجح البعثة أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير(تقرير البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا). وبحسب اللجنة الدولية لشؤون المفقودين يقدر عدد المفقودين في ليبيا بين 10,000 و 20,000 شخص(اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، ليبيا).

وهذا ما يشير إلى ضرورة التصدي لحالات الاختفاء القسري في ليبيا من خلال الانضمام إلى الاتّفاقية الدولية لعام 2006، وتجريم الاختفاء القسري في التشريع الليبي بوصفة جريمة مستقلة وكذلك جريمة ضد الإنسانية والعمل على توفير الضمانات الكافية فيه لعدم الإفلات من العقاب.

 

المطلب الثاني

القانون الإماراتيرقم (12) لعام 2017

في شأن الجرائم الدولية

وقعت دولة الإمارات العربية في 27/11/2000 على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 ولم تصادق عليه، ومن أجل الاضطلاع بدور فعال في دعم الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الجرائم الدولية فقد أصدرت المرسوم بقانون اتحادي رقم (12) لعام 2017 في شأن الجرائم الدولية(الكتبي، بن حليلو، النوايسه، 2022، ص3).

ويتضمن القانون الإماراتي رقم (12) لعام 2017 في شأن الجرائم الدولية سبعة فصول تشتمل على (46) مادة تنص على بيان الجرائم المعاقب عليها بموجبه والعقوبات المفروضة على مرتكبيها. إذ حددت المادة الأولى منه الجرائم الدولية التي تختص بها محاكم دولة الإمارات العربية، وهي: جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان. وعاقبت المادتان (2-3) منه على جريمة الإبادة الجماعية والمواد (4-6) على الجرائم ضد الإنسانية والمواد (7-27) على جرائم الحرب والمادة (29) على جريمة العدوان.

وعلى وفق المادة السادسة من القانون يعاقب على جريمة الاختفاء القسري في نطاق الجرائم ضد الإنسانية بنصها: “يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من ارتكب أياً من الأفعال التالية متى ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي، موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم: …6- الاختفاء القسري للأشخاص بإلقاء القبض عليهم أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم منها أو بسكوتها عليه ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة”(القانون الإماراتي، 2017، المادة 6).

ومن ثم فأن نص المادة السادسة من القانون جاء مطابقاً تماماً لنص المادة (7 فقرة/ 2 ط) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 في تعريفها لجريمة الاختفاء القسري،وهذا ما يجسد التزام المشرع الإماراتي بالعقاب على الجرائم الدولية على وفق أحكام المحكمة. وفي ضوء ذلك فأن القانون الإماراتي يعاقب على جريمة الاختفاء القسري بوصفها إحدى الجرائم الدولية وفي نطاق الجرائم ضد الإنسانية، مما يستدعي الالتزام لدى العقاب عليها بعدد من الشروط التي تؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لهذه الجرائم في نطاق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية(مكي، الكمالي، 2022، ص 36-37).

وخلافاً لما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنه: “ليس للمحكمة اختصاص الا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد نفاذ هذا النظام الأساسي” (المادة 11 فقرة 1)، فأن القانون الإماراتي لعام 2017 ينص في المادة (46) منه على أن القانون يعمل به من اليوم التالي لتـأريخ نشره(القانون الإماراتي، 2017، المادة 46)، مما جاء استثناءً من نص المادة (111) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لعام 1971 التي تنص على أن: “تنشر القوانين في الجريدة الرسمية للاتّحاد خلال أسبوعين على الأكثر من تأريخ توقيعها وإصدارها من قبل رئيس الاتّحاد، بعد تصديق المجلس الأعلى عليها. ويعمل بها بعد شهر من تأريخ نشرها في الجريدة المذكورة، ما لم ينص على تأريخ آخر في القانون ذاته”(دستور الإمارات، 1971، المادة 111)، ومن ثم فأن المشرع الإماراتي حدد أن العمل بالقانون الإماراتي لعام 2017 يكون في اليوم التالي لتأريخ نشره، وليس بعد شهر من ذلك.

كما تنص المادة (44) من القانون على استثناء آخر بأن: “تختص محاكم الدولة بالفصل في كل ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى الناشئة من الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون، والمرتكبة من تأريخ نفاذه أو ضد أحد مواطني الدولة”، وهذا ما يعني أن القانون الإماراتي يسري بأثر رجعي على الجرائم الدولية التي تدخل دائرة اختصاصه، ومن بينها جريمة الاختفاء القسري(القانون الإماراتي، 2017، المادة 44). وهذا النص يخالف نص المادة (13) من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي رقم (31) لعام 2021 التي تنص: “يعاقب على الجريمة طبقاً للقانون النافذ وقت ارتكاب الجريمة، والعبرة في تحديده بالوقت الذي تمت فيه أفعال تنفيذها دون النظر إلى وقت تحقق نتيجتها”(قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي ، 2021، المادة 13). كما أن النص الوارد في المادة (44) من القانون يخالف المادة (27) من دستور دولة الإمارات العربية لعام 1971 التي تنص: “يحدد القانون الجرائم والعقوبات. ولا عقوبة على ما تم من فعل أو ترك قبل صدور القانون الذي ينص عليها”(دستور الإمارات، 1971، المادة 27). ومن ثم فأن القانون الإماراتي لعام 2017 يعاقب على الجرائم الدولية، ومن بينها جريمة الاختفاء القسري المرتكبة بعد نفاذه، وكذلك التي ارتُكبت قبل نفاذه.

وعلى وفق الشق الأول من المادة (38) من القانون الإماراتي لعام 2017: “يختص القضاء الإماراتي في عاصمة الدولة بالنظر في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون”(القانون الإماراتي، 2017، المادة 38). ومن ثم فأن اختصاص القضاء الإماراتي بالنظر في الجرائم الدولية جاء تجسيداً لمبدأ التكامل (الظهوري، دقاني، 2022، ص 458-463)، الذي ورد في المادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بنصها على أن تكون ولايتها مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية،فهذا المبدأ يعني “انعقاد الاختصاص للقضاء الوطني أولاً، فإذا لم يباشر هذا الأخير اختصاصه بسبب عدم الرغبة في إجراء المحاكمة أو عدم القدرة عليها يصبح اختصاص المحكمة الجنائية الدولية منعقداً لمحاكمة المتهمين”(الشكري، 2008، ص 128).

ومن ثم فأن الأصل هو أولوية اختصاص القضاء الإماراتي على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، الذي لا ينشأ إلا على النحو الذي تقضي به المادة (17) من نظامها الأساسي في فقرتيها الثانية والثالثة، وذلك في حالة عدم رغبة القضاء الإماراتي في الفصل في موضوع الجرائم أو عدم قدرته على ذلك (النظام الأساسي، 1998، المادة 17، الفقرتان 2، 3).

كما تنص المادة (38) من القانون الإماراتي لعام 2017 في شقها الثاني على أنه استثناءً مما ورد في شقها الأول: “يختص القضاء العسكري وحده دون غيره بنظر الجرائم الواردة في هذا المرسوم بقانون، والتي ترتكب من أو ضد أحد العسكريين أو منتسبي القوات المسلحة، وتلك التي ترتكب في نطاق الأماكن الخاصة للقوات المسلحة أو المنشآت الحيوية أو الهامة التي تكلف القوات المسلحة بتأمينها أو حراستها”(القانون الإماراتي، 2017، المادة 38).

وعلى وفق المادة (42) من القانون الإماراتي لعام 2017 لا تنقضي الدعوى الجزائية، ولا تسقط العقوبة المحكوم بها بمضي المدة في الجرائم المنصوص عليها فيه(القانون الإماراتي، 2017، المادة 42)، وذلك استثناءً من الفقرة الأولى من المادة (21) من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي رقم (38) لعام 2022 التي تنص على أن تنقضي الدعوى الجزائیة بوفاة المتهمأوبصدورحكمباتفيهاأو أمر جزائي نهائي أو بالصلح أو بالتنازل عنهاممنله حق فیه، أو بالعفو الشامل أو إلغاء القانون الذي یعاقب على الفعل”(إجراءات إماراتي، 2021، المادة 21)، وفیما عدا جرائم القصاص والدیة والجنایات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد تنقضي الدعوى الجزائية بمضي عشرين سنة في مواد الجنایات الأخرى، كما تنقضي بمضي خمس سنين في مواد الجنح، وسنة في مواد المخالفات، وكذلك استثناءً من المادة (315) منه، التي تنص: “فیما عدا جرائم الحدود والقصاص والدیة والجنایات المحكوم فيهانهائياًبالإعدامأوالسجنالمؤبدتنقضيالعقوبةالمحكومبهافيموادالجنایاتالأخرىبمضيثلاثینسنةمیلادیة. وتسقط العقوبة المحكوم بهافيجنحةبمضيسبعسنوات،وتسقطالعقوبةالمحكومبهافيمخالفةبمضيسنتین”(إجراءات إماراتي، 2021، المادة 315)وكذلك استثناءً من أي قانون آخر.

وعلى وفق  القانون الإماراتي لعام 2017 لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواءً أكانت في إطار القانون الوطني أم الدولي، دون ممارسة المحكمة المختصة لاختصاصاتها على هذا الشخص (المادة 40 من القانون)، كما لا يعدّ من أسباب الإباحة ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في القانون امتثالاً لأمر صادر من حكومة أو رئيس، عسكرياً كان أم مدنياً، الا إذا كان على شخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني، أو إذا كان الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع أو إذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة، الا أنه لأغراض القانون “تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة الأمر بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية” (المادة 36 من القانون). كما يسأل الرئيس عن الجرائم الدولية المرتكبة من جانب المرؤوسين الخاضعين لسلطته وسيطرته الفعليتين نتيجة لعدم ممارسته سيطرته عليهم ممارسة سليمة (المادة 35 من القانون)(القانون الإماراتي، 2017، المواد40، 36، 35).

واستثناءً من القوانين المعمول بها ينص القانون الإماراتي لعام 2017 على أنه: “لا يجوز الإفراج عن المحكوم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون قبل انقضاء مدة العقوبة التي قضت بها المحكمة المختصة”(القانون الإماراتي، 2017، المادة 43 فقرة 1). وهذا ما يتوافق مع أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المواد (27، 28، 29، 33) منه.

وعلى الرغم من أن المشرع الإماراتي قد حدد العقوبات الجزائية إزاء كل جريمة ينص عليها القانون (المواد 2، 3، 5، 6، 9-29 )، إلا أنه عاد ونص في الفقرة الثانية من المادة (44) منه على أن تطبق المحكمة المختصة على الجرائم التي تدخل دائرة اختصاصها “العقوبات المنصوص عليها في نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية”(القانون الإماراتي، 2017، المادة 44)، مما لا يمكن تطبيقه، كونه سبق أن حدد العقوبات عليها في القانون نفسه، كما أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا يأخذ على وفق المادة (77) منه بعقوبة الإعدام(النظام الأساسي، 1998، المادة 77)التي اعتمدها المشرع الإماراتي في القانون كعقوبة جزائية على جريمة الإبادة الجماعية في المادة الثانية والجرائم ضد الإنسانية في المادة الخامسة وجرائم الحرب في المواد (9، 11، 14، 15، 17-20، 22، 23، 27) وجريمة العدوان في المادة (29)، مما يستوجب منه معالجة ذلك.

وفي ضوء ما تقدم فأن المشرع الإماراتي يعاقب على (جريمة الاختفاء القسري للأشخاص) بوصفها إحدى الجرائم ضد الإنسانية في القانون بشأن الجرائم الدولية لعام 2017، وفي نطاقه نص على كثير من الضمانات التي تكفل تحقيق العقاب عليها، وهذا مما يحسب له. الا أن ما لا يحسب له عدم العقاب على هذه الجريمة بوصفها جريمة جنائية مستقلة في قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي رقم (31) لعام 2021، هذا باستثناء ما تنص عليه المادة (395) منه بنصها على عقوبة السجن المؤقت على من خطف شخصاً أو قبض عليه أو حرمه من حريته بأية وسيلة بغير وجه قانوني، سواءً أكان ذلك بنفسه أو بوساطه غيره”(قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي ، 2021، المادة 395)،مع تشديد العقوبة إلى السجن المؤبد في حالة توافر عدد من الظروف المشددة. الا أنه لا توجد في هذه المادة العقابية أية إشارة إلى جريمة الاختفاء القسري، وإلى ذلك أشار فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في تقريره حول الاختفاء القسري في دولة الإمارات العربية في 20 فبراير 2023 وطالبها بتقنين الاختفاء القسري كجريمة مستقلة، وطالبها كذلك بالمصادقة على الاتّفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006(الفريق العامل، إدعاء عام، 2023).

المطلب الثالث

القانون اللبناني رقم (105) لعام 2018

بشأن المفقودين والمختفين قسراً

شهد لبنان خلال مرحلة الأعمال الحربية (1975-1991) حالات اختطاف واختفاء قسري شملت كثيراً من الأشخاص الذين مازال مصيرهم مجهولاً حتى الآن، والذين يقدر عددهم بحوالى (17) ألف مفقود(مراقبة حقوق الإنسان، التقرير العالمي، 2023). وقد قامت الحكومة اللبنانية بمساعٍ عدة للكشف عن مصائرهم، ومن ذلك إنشاء لجنة للتقصي عن مصير المفقودين والمخطوفين عام 2000، وهيئة تلقي شكاوى أهالي المفقودين عام 2001، والهيئة اللبنانية السورية عام 2005، وذلك من دون أن تترتب على ذلك أية نتائج بهذا الخصوص. ويعدّ القانون رقم (105) الصادر في 30/11/2018 بشأن المفقودين والمختفين قسراً أحد أبرز هذه المساعي.

يتضمن القانون (43) مادة تتوزع على سبعة فصول. وعرفت الفقرة الأولى من المادة الأولى منه (المفقود) بأنه: “هو الشخص الذي يجهل أقرباؤه مكان تواجده بنتيجة نزاع مسلح دولي أو غير دولي أو كارثة أو أي سبب آخر”. وورد في الفقرة الثانية من هذه المادة تعريف (المخفي قسراً) بأنه: “هو المفقود نتيجة الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية الذي يتم على أيدي موظفي الدولة أو مجموعات أو أشخاص، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصيره أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون” (القانون اللبناني، 2017، المادة 1).وهذا التعريف كما يلاحظ مجتزأ من تعريف جريمة الاختفاء القسري الوارد في المادة الثانية من الاتّفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، التي تنص: “لأغراض هذه الاتّفاقية ، يقصد ب‍ ”الاختفاء القسري“ الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”(الاتّفاقية، 2006، المادة 2).

وبيّنت المواد (2، 3، 5) من القانون حقوق أسر الضحايا بنصها على أن للمقربين الحق في معرفة مصير الضحايا وأمكنة وجودهم أو مكان احتجازهم أو اختطافهم وفي معرفة مكان الرفات واستلامها ولهم الحق أيضاً في تحديد أماكن الدفن وجمع الرفات ونبشها وإجراء الكشف عليها والتعرف على هوياتها. كما ولهم الحق في الإطلاع على المعلومات بتقصي آثار الضحايا والتحقيقات المتعلقة بذلك، كما ولهم الحق بالتعويضات المعنوية والمادية المناسبة، وفي حال مرور سنة من حصول الاختفاء القسري يكون لهم الحق في الحصول على المستحقات النقدية بما فيها الرواتب بقرار من المحكمة المختصة(القانون اللبناني، 2017، المواد 2، 3، 5).

ونصت المادة الرابعة من القانون على مبدأ المعاملة دون تمييز الذي يتجسد من خلال ضمان السلطات اللبنانية الحقوق لضحايا الاختفاء القسري، سواءً أكان الضحية عسكرياً أم مدنياً، ودون الأخذ بالاعتبار اللون أو الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين أو المعتقد السياسي أو غير ذلك، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الانتماء إلى أقلية أو المرتبة الاجتماعية أو المادية أو العمر أو الإعاقة الجسدية أو العقلية أو أي وضع تمييزي آخر.(القانون اللبناني، 2017، المادة 4).

ونصت المادة السادسة من القانون على إلزام كل من يمتلك معلومات متصلة بتقفي الآثار بمن فيهم الأشخاص والهيئات والمؤسسات والسلطات والإدارات الإدلاء بها عند الاستماع إليهم من قبل الهيئة أو من قبل اللجنة الخاصة بنبش أماكن الدفن، ولا يحق لأي كان التذرع بالسرية الوظيفية. كما يتوجب على الهيئات والمؤسسات المعنية بمسائل العدل والدفاع والداخلية والشؤون الاجتماعية والصحة وغيرها من الهيئات المسؤولة عن البحث عن المفقودين أو المخفيين قسراً وفقاً لسلطاتها وصلاحياتها أن توفر المعلومات الموجودة لديها للهيئة، وعلى السلطات المختصة أن تتعاون مع الهيئة المسؤولة عن البحث وأعضاء عائلات المفقودين أو المخفيين قسراً، وتقديم المساعدة لتأمين حقوق أفراد وعائلات المفقودين والمخفيين عملاً بأحكام هذا القانون وغيره من القوانين المعمول بها.(القانون اللبناني، 2017، المادة 6).

وقضت المادة السابعة من القانون بإلزام السلطات المختصة بتبادل المعلومات المتعلقة بعملية البحث عن المفقودين أو المخفيين قسراً، وبتحديد مصيرهم وهويتهم وتقديم هذه المعلومات للهيئة. كما يتعين عليها من أجل تحسين عملية البحث عن المفقودين أو المخفيين قسراً، التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة والهيئة والصليب الأحمر اللبناني أو أية هيئة إنسانية أخرى وفقاً لصلاحية كل منهم.(القانون اللبناني، 2017، المادة 7).

وعلى وفق المادة الثامنة من القانون يمكن أن يستفيد من هذا القانون “أفراد الأسر بنتيجة كارثة أو حادثة طبيعية”، وخاصة فيما يتعلق بالمواد (3-5) منه بالنسبة لمعرفة مصير الضحايا ومكان وجودهم والحق في الإطلاع على المعلومات بخصوص التحقيق في ذلك وكذلك التعويضات(القانون اللبناني، 2017، المادة 8).

ونظمت مواد الفصل الثالث من القانون إنشاء (الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفين قسراً)، وهي على وفق المادة التاسعة من القانون هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال الإداري والمالي وتضم وفقاً للمادة العاشرة من القانون عشرة أعضاء متفرغين للعمل فيها من القضاة السابقين والأساتذة الجامعيين والناشطين المدنيين والجمعيات الممثلة لذوي المفقودين والمختفين قسراً وطبيب شرعي. وبيّنت المواد (11-22) من القانون الأحكام المتعلقة بتنظيم هذه الهيئة. وحددت المواد (23-25) من القانون ماليتها وموازنتها، وبيّنت المادة (26) منه مهامها وصلاحياتها التي تتضمن القيام بجميع التحريات المتعلقة بتقفي آثار الضحايا من أجل إطلاق سراحهم أو استعادة رفاتهم وتلقي البلاغات عنهم والحصول على المعلومات بخصوصهم من الأشخاص أو الهيئات المعنية والإشراف على نبش أماكن الدفن واقتراح آليات جبر الضرر وإعلام الرأي العام عن نتائج التحقيقات وإصدار التقارير السنوية عن عملها والتنسيق مع أجهزة الدولة المعنية وإصدار الوثائق لأسر الضحايا ورفع التوصيات إلى السلطات المعنية لإنصاف الضحايا وعائلاتهم، إلى غير ذلك(القانون اللبناني، 2017، المواد 9-26).

وخصص الفصل الرابع من القانون لتنظيم (التنقيب عن أماكن الدفن واستخراج الرفات المدفونة فيها)، وبموجب (المواد 27-31) تعمل (الهيئة) بالتنسيق مع الجهات المختصة على (وضع اليد) على أي مكان تتوافر فيه أدلة على أنه مكان لدفن الضحايا، وتشكل خلال شهر من ذلك لجنة مكونة من خمسة أشخاص بضمنهم ممثل عن أسرة الضحية  للإشراف على نبش المكان والحصول على مختلف المعلومات بهذا الخصوص، وترفع تقريراً شاملاً بعملها. وتعمل (الهيئة) على تسليم الرفات لأسرة الضحية وإعادة دفنها، مع وضع لوحة تذكارية في مكان انتشال الرفات(القانون اللبناني، 2017، المواد 27-31).

وينظم الفصل الخامس من القانون (المواد 32-36) أحكام (تقديم طلبات تقفي الأثر وجمع البيانات ومركزتها وحمايتها). وعلى وفق المادة (32) من القانون يقدم (طلب تقفي الأثر) من طرف أسر الضحايا أو من المقربين، وهم: أحد أفراد أسرته أو من المقربين أو من قبل أشخاص آخرين أو من جهات معنية أخرى في حال استطاعت تقديم (الحد الأدنى من البيانات) بشأن هويته. كما يجوز أن يتعلق الطلب بخصوص غير اللبنانيين على أن يكون مقيماً في لبنان في مدة اختفائه أو أنه اختفى في لبنان. وفي حالة قبول الطلب “تسلم الهيئة ذوي المصلحة إفادة تحمل رقم الملف المتصل بالمفقود أو المخفى قسراً إليها”(القانون اللبناني، 2017، المادة 32).

وتنظم (الهيئة) على وفق المادة (33) من القانون سجلات مركزية تتألف من السجلات الفردية للضحايا التي أُعدت على أساس طلبات تقفي الأثر، كما وتعتمد هذه السجلات على أية قاعدة للبيانات الخاصة بالجمعيات الممثلة لأفراد الأسر أو المنظمات الدولية ذات الصلة. وتعمل (الهيئة) استناداً إلى المادة (34) من القانون على (تجميع المعلومات الرسمية المتصلة بإعلان الغياب أو الوفاة) من خلال الحصول على نسخ من ملفات الدعاوى بهذا الخصوص أمام المحاكم اللبنانية المختصة. وحددت المادتان (35) و(36) من القانون مضمون (السجلات المركزية)، فهو ينحصر في مختلف البيانات المتعلقة بالضحايا وظروف اختفائهم القسري والوثائق المتعلقة بمتابعة قضاياهم، ونصتا على خضوعها للأنظمة والقوانين المرعية الخاصة بحفظ السجلات وقواعد المعلومات الرسمية والمعايير الدولية، والتي لا يجوز إتاحتها لأغراض أخرى غير البحث عن الضحية وعدم جواز استخدامها بما ينتهك حقوق الإنسان والحريات الأساسية والكرامة الإنسانية(القانون اللبناني، 2017، المواد 33-36).

وكُرس الفصل السادس من القانون (المواد 37-40) للأحكام العقابية الخاصة بجريمة الاختفاء القسري، فعلى وفق المادة (37) من القانون: “كل من أقدم بصفته محرضاً أو فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً في جرم الإخفاء القسري، يعاقب بالأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليون ليرة لبنانية حتى عشرين مليون ليرة لبنانية”. وبموجب المادة (38) منه: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى سنتين وبالغرامة من مليون حتى عشرة ملايين ليرة لبنانية:

  • كل من يمنع النفاذ الى المعلومات لفرد من (أفراد الأسر) أو (للهيئة).
  • – كل من يتسبب من دون أي مبرر بعرقلة إتاحة المعلومات المطلوبة لفرد من (أفراد الأسر) أو (للهيئة).
  • كل من يعطي عن قصد معلومات خاطئة تؤدي إلى تضليل عملية تقفي أثر المفقود أو المخفي قسراً أو عرقلتها.
  • كل من يعرّض أي شخص للمسؤولية الجزائية أو للتهديد أو لأي شكل من أشكال الترهيب لمجرد أنه يسأل عن مصير مفقود أو مخفي قسراً أو مكان تواجده.

ولا تنقص هذه العقوبة عن سنة حبس وخمسة ملايين ليرة لبنانية كغرامة في حال إعطاء معلومات خاطئة، أو ثبوت إساءة استعمال هذه المعلومات أو التلاعب بها. وتُخفض هذه العقوبة الى الربع في حال بادر الشخص المعني إلى الإفصاح عن المعلومات التي بحوزته خلال مهلة شهر من تأريخ تقديم شكوى جزائية ضده.

كما شددت المادة (39) من القانون العقوبة بنصها: “في حال تبين أن الفاعل كان عالماً أن الشخص المفقود أو المخفي قسراً لا يزال على قيد الحياة، عوقب بالحبس من سنة حتى ثلاث سنوات وبالغرامة من اثني عشر مليون ليرة لبنانية حتى خمسة عشر مليون ليرة لبنانية”.

وجاءت المادة (40) من القانون مكرسة للحفاظ على أماكن الدفن من العبث بتحديد عقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من اثني عشر مليون ليرة لبنانية إلى خمسة عشر مليون ليرة لبنانية على:

  • كل من عبث بمكان الدفن أو نبشه بقصد تبديد أدلة تحديد هوية المفقودين المدفونين فيه.
  • كل من عرقل عمل الجهات المعنية بتقفي آثار المفقودين في أداء مهمتها في البحث والتنقيب عن أماكن الدفن أو امتنع عن تمكينها من أداء مهمتها(القانون اللبناني، 2017، المواد 37-40).

واختتم القانون بالأحكام الختامية (المادة 41) فيما يخص إنفاذه.

ومن ثم فأن المشرع  اللبناني استهدف من إصدار القانون رقم (105) لعام 2018 تحقيق الأهداف الآتية:

  • اعتماد تعريف قانوني للمفقودين والمخفيين قسراً.
  • الاعتراف بحق العائلات في معرفة مصير أحبائها واستعادة رفاتهم، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
  • الإقرار بحق أفراد العائلات في الحصول على المعلومات والوصول إلى تلك المرتبطة بعمليّات تقفي آثار الأشخاص المفقودين والمخفيين قسراً بالإضافة إلى تلك الخاصّة بجميع التحقيقات غير السرية من الناحية القانونية، ناهيك عن حقّهم في الاستفادة من معاملة محترمة وغير تمييزية فضلاً عن الحصول على تعويضات معنوية ومالية.
  • تشكيل (الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً في لبنان) بوصفها الجهة المسؤولة عن الكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسراً وتحديد أماكن تواجدهم(الصليب الأحمر، ص 8).

وفي ضوء ما تقدم فأن هذا القانون جاء مخصصاً من حيث الأساس من أجل الكشف عن مصائر المفقودين والمختفين قسراً من خلال إنشاء (الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفين قسراً) ووضع الأسس الخاصة للكشف عن مصائر الضحايا ووضع الأحكام الخاصة بحماية المتوفين منهم وتحديد هوياتهم وفق المعايير الدولية، كما وينظم حقوق أسر الضحايا من خلال التعويضات المعنوية والمادية، فهو يشكل إجراءً وقائياً للحد من حالات الاختفاء القسري في لبنان في المستقبل. الا أن هذا القانون على الرغم من أنه جاء تجسيداً للالتزامات الدولية النابعة من انضمام لبنان إلى الاتّفاقية الدولية لعام 2006 كما ورد في أسبابه الموجبة فأنه جرم الاختفاء القسري كجريمة مستقلة فحسب من دون أن ينص على تجريمها بوصفها من الجرائم ضد الإنسانية، كما أنه لا يتضمن كثيراً من الضمانات التي تكفل العقاب على جريمة الاختفاء القسري التي حددتها الاتّفاقية الدولية لعام 2006، مما لا يحسب للمشرع اللبناني.

المبحث الثاني

مشروعات القوانين لمواجهة الاختفاء القسري

لتسليط الضوء على مشروعات القوانين المتعلقة بمواجهة الاختفاء القسري في الدول العربية وقع الاختيار على مشاريع القوانين لكل من الجمهورية التونسية والمملكة المغربية وجمهورية العراق، واستناداً إلى ذلك سنوزع هذا المبحث على ثلاثة مطالب نتناول بالبحث في المطلب الأول مشروع القانون التونسي للاختفاء القسري لعام 2016، وفي المطلب الثاني مشروع القانون المغربي رقم (16/10) بشأن تغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، وفي المطلب الثالث مشروع قانون مكافحة الإخفاء القسري العراقي لعام 2023، وعلى الوجه الآتي:

المطلب الأول

مشروع القانون التونسي للاختفاء القسري لعام 2016

انضّمت الجمهورية التونسية إلى الاتّفاقية الدولية لعام 2006 بمقتضى المرسوم رقم (2) لعام 2011 الصادر في 19فبراير 2011، الا أنها لم تدرج حتى الآن في تشريعاتها الجزائية أحكاماً تنص صراحة على حظر الاختفاء القسري بوصفه جريمة مستقلة.ومن أجل الايفاء بالتزاماتها الدولية النابعة من هذه الاتّفاقية فقد وضعت السلطات المعنية مشروعاً لقانون بخصوص مواجهة الاختفاء القسري هو: مشروع قانون يتعلق بجريمة الاختفاء القسري لعام 2016.

كما إنضمت تونس إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بمقتضى المرسوم رقم (4) لعام 2011 الصادر في 19/2/2011(المرسوم، 2011)، ومن ثم باتت ملزمة بمواءمة تشريعاتها مع أحكامه، ومن ذلك ما يتعلق بالمادة السابعة منه المرتبطة بالجرائم ضد الإنسانية، وبضمنها جريمة الاختفاء القسري(مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، 2016، الفقرتان 13، 16).

وفيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري فأن القانون الأساسي رقم (53) لعام 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر لعام 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمهاأسند صلاحيات تحقيقية واسعة لهيئة الحقيقة والكرامة لكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن بينها الاختفاء القسري إبان نظام الحكم السابق(القانون الأساسي، ،2013، الفصول 4، 8، 38). الا أن هذا القانون لا يتضمن تعريفاً لجريمة الاختفاء القسري، كماأنه لا يشير إلى مواد القانون الجنائي المحلي أو القانون الدولي فيما يتعلق بتفسير مفهوم الاختفاء القسري(اللجنة الدولية للحقوقيين، ب.ت. ص59).

إن مشروع القانون المتعلق بمواجهة الاختفاء القسري في تونس يتضمن (38 فصلاً) توزعت على ثلاثة أبواب. وحدد الفصل الأول من الباب الأول منه الأسباب الموجبة لإصداره بنصه: “يهدف القانون إلى منع حالات الاختفاء القسري ومكافحة إفلات مرتكبي جريمة الاختفاء القسري من العقاب وذلك في إطار الاتّفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية”. كما نص هذا الفصل أيضاً على أنه لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري، وهذا ما يجسد حرفياً نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من الاتّفاقية الدولية لعام 2006(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصل 1).

واحتوى الفصل الثاني من الباب الأولعلى تعريفات لعدد من المصطلحات الواردة فيه، وهي: الاختفاء القسري، الاعتقال، الاحتجاز، الاختطاف، الحرمان من الحرية، الضحية، الذات المعنوية. وعلى وفق الفقرة الأولى من هذا الفصل يُعرف الاختفاء القسري بأنه: “يعدّ اختفاءً قسرياً كل اعتقال أو احتجاز أو اختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي الموظفين العموميين أو أشباههم أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها وذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصل 2). وهذا التعريف يتوافق تماماً مع نص المادة الثانية من الاتّفاقية الدولية لعام 2006، الا أن المشرع التونسي في معرض إشارته إلى الجهة التي تقوم بارتكاب الجريمة حدد الموظفين العموميين (أو أشباههم)،وهذا ما يمكن أن يثير تساؤلات عن المقصود بهم،مما يستلزم شطبها كي يتوافق تعريف الاختفاء القسري مع التعريف الوارد في الاتّفاقية الدولية لعام 2006. كما استخدم المشرع التونسي تعبير (الموافقة المباشرة أو غير المباشرة) وذلك بخلاف الاتّفاقية الدولية لعام 2006 التي اعتمدت تعبير (الموافقة) بصفة عامة، مما يقتضي معالجة ذلك أيضاً(الاتّفاقية، 2006، المادة 2).

وجاء الباب الثاني من مشروع القانون مكرساً لتدابير المسؤولية الجزائية، فعلى وفق الفصل الخامس منه: “يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل موظف عمومي أو شبهه أو شخص أو فرديتصرف بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها بصفة مباشرة أو غير مباشرة يتعمد اعتقال أو احتجاز أو اختطاف أو التعدي على حرية غيره الذاتية بأي شكل من أشكال الحرمان من الحرية ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون”(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصل 5). كما تضمن هذا الفصل النص على أنه: “لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير ارتكاب جريمة الاختفاء القسري”. والنص الأخير جسد بصورة حرفية أحكام الفقرة الثانية من المادة السادسة من الاتّفاقية الدولية لعام 2006. ومن ثم فأن فاعل الجريمة يعاقب بالسجن والغرامة، مع استبعاد عقوبة الإعدام. كما يعاقب هذا الفصل على الشروع في الجريمة بالعقوبة ذاتها المقررة للجريمة(الاتّفاقية، 2006، المادة 2).

وعلى وفق الفصل السادس من مشروع القانون يعاقب الرئيس بالعقوبة ذاتها المقررة للفاعل الأصلي، الذي كان على علم بأن أحد مرؤوسيه ممن يعمل تحت إمرته ورقابته الفعليتين قد ارتكب أو كان على وشك ارتكاب جريمة الاختفاء القسري، أو تعمد إغفال معلومات كانت تدلّ على ذلك بوضوح، أو يمارس مسؤوليته ورقابته الفعليتين على الأنشطة التي ترتبط بها هذه الجريمة، أو لم يتخذ التدابير اللازمة والمعقولة التي كان بوسعه اتّخاذها للحيلولة دون ارتكاب جريمة الاختفاء القسري أو عرض الأمر على السلطات المختصة لأغراض التحقيق والملاحقة(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصل 6).

ويعاقب الفصل السابع الموظف العمومي أو شبهه أو كل شخص أمكنه الإطلاع على حالة اختفاء قسري ولم يبلغ عنها. بنصه: “يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وبخطية من ألفي دينار إلى خمسة آلاف دينار كل موظف عمومي أو شبهه أو كل شخص أمكن له أن يتدخل في حراسة أو معاملة أي فرد محروم من حريته امتنع عن إشعار رؤسائه أو السلط ذات النظر فوراً بما أمكن له الإطلاع عليه من أفعال وما بلغ إليه من معلومات وإرشادات وما توفرت لديه من أسباب جدية وكافية تحمل على الاعتقاد بحدوث حالة اختفاء قسري”(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصل 7).

كما يعاقب الفصل الثامن على إخلال الموظف العمومي أو شبهه بالتزامه في تسجيل حالات الحرمان من الحرية أو تسجيله لمعلومات مع علمه بعدم صحتها بخصوصها(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصل 8).

وكرس القسم الثاني من الباب الثاني للمساءلة الجزائية للأشخاص المعنوية في حالة إثبات مسؤوليتها عن حالات الاختفاء القسري، فبموجب الفصل التاسع تكون العقوبة خطية تساوي خمس مرات الخطية المستوجبة للأشخاص الطبيعية. كما يجوز للمحكمة تعليق نشاطها لمدة أقصاها خمس سنوات أو حلها(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصل 9).

وقضى الفصل العاشر بتشديد العقوبةالجزائية بأن تكون السجن مدة عشرين عاماً وخطية مقدارها عشرون ألف دينار في حالة توافر الظروف المشددة،وهي: إذا صاحب الاختفاء القسري عنف أو تهديد، أو إذا نُفذ باستعمال سلاح أو بواسطة عدة أشخاص، أو إذا كان المعتدى عليه موظفاً أو عضواً في السلك الدبلوماسي أو القنصلي أو فرداً من أفراد عائلتهم، أو إذا كان المعتدى عليه طفلاً سنه دون الثمانية عشر عاماً أو إمرأة حاملاً أو شخصاً ذا إعاقة أو أي شخص آخر قابل للتأثر بشكل خاص، أو إذا وقع الاختفاء القسري بغية دفع فدية أو تنفيذ أمر أو شرط مهما كانت صفة الشخص، أو في صورة انتزاع الأطفال الخاضعين لاختفاء قسري أو الذين يخضع أحد أبويهم أو ممثلهم القانوني لاختفاء قسري، أو الأطفال الذين يولدون أثناء وجود أمهاتهم في الأسر نتيجة لاختفاء قسري، أو في صورة تزوير أو إخفاء أو إتلاف المستندات التي تثبت الهوية الحقيقية للأطفال المشار إليهم.

وتشدد العقوبة بموجب الفصل الحادي عشر إلى السجن (بقية العمر) وبخطية قدرها خمسون ألف دينار: إذا تجاوز الاختفاء القسري الشهر، أو إذا نتج عنه سقوط بدني أو إنجر عنه مرض، أو إذا كان القصد منه تهيئة أو تسهيل ارتكاب جناية أو جنحة وكذلك إذا عمل على تهريب أو ضمان عدم عقاب المعتدين أو مشاركتهم في الجناية أو الجنحة، أو إذا كان القصد تنفيذ أمر أو شرط أو النيل من سلامة الضحية أو الضحايا بدنياً، أو إذا وصفت جريمة الاختفاء القسري بأنها جريمة ضد الإنسانية وتعدّ كذلك متى ارتكبت بنفس الظروف والملابسات المذكورة بالفصل السادس من هذا القانون في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم.

وفي حالة تسبب الاختفاء القسري في موت المجنى عليه، يكون العقاب بمقتضى الفصل الثاني عشر من مشروع القانون (القتل وخطية قدرها مائة ألف دينار)(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصول 10-12).

وتضمن القسم الثالث من الباب الثاني من مشروع القانون حالات الاعفاء من العقوبة الجزائية والتخفيف منها، وحصرها في حالة إبلاغ السلطات المختصة والتمكين من الكشف عن الجريمة وتفادي تنفيذها (الفصل 13)، أو في حالةالتمكن من إعادة الشخص المختفي على قيد الحياة أو الكشف عن ملابسات الجريمة أو تحديد هوية المسؤولين عنها أو القبض عليهم (الفصل 14)، أو في حالة إطلاق سراح الضحية (الفصل 15).

وجاء الباب الثالث من مشروع القانون مكرساً للإجراءات الجزائية التحقيقية والقضائية (الفصول 17-29)، وتسليم المجرمين (الفصول 30-33)، وسقوط العقوبات (الفصل 34)، ومساعدة الضحايا وحمايتهم فيما يتعلق بجبر الضرر والعلاج والحفاظ على سرية المعلومات الشخصية (الفصول 35-38).

وعلى وجه العموم فأن ما يحسب للمشرع التونسي مسعاه إلى تجريم الاختفاء القسري في التشريع الداخلي، الا أنه كما يلاحظ أغفل العقاب على هذه الجريمة بوصفها جريمة ضد الإنسانية، هذا على الرغم من إشارته إليها في الفصل الحادي عشر (فقرة ه) من مشروع القانون في نطاق الظروف المشددة للعقوبة الجزائية بنصها: “إذا وصفت جريمة الاختفاء القسري بأنها جريمة ضد الإنسانية، وتعدّ كذلك متى ارتكبت بنفس الظروف والملابسات المذكورة فيالفصل السادس من هذا القانون في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم”(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصل 11). وهذا النص يجسد أحكام المادة الخامسة من الاتّفاقية الدولية لعام 2006، وكذلك أحكام الفقرتين (1) و (2) من المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998. ونظراً لعدم العقاب في الوقت الراهن في القانون التونسي على الجرائم الدولية، ومن بينها الجرائم ضد الإنسانية،فمن اللازم إلى جانب العقاب على جريمة الاختفاء القسري بوصفها جريمة مستقلة قائمة بحد ذاتها، العقاب كذلك عليها بوصفها جريمة ضد الإنسانية وذلك بما يجسد أحكام المادة الخامسة من الاتّفاقية الدولية لعام 2006.

وعلى الرغم من أن مشروع القانون ينص على سقوط العقاب على هذه الجريمة بالتقادم (الفصل 34)، إلا أن الفصل (29) منه ينص على أنه: “لا يجوز إثارة الدعوى العمومية ضد مرتكبي جرائم الاختفاء القسري، إذا أثبتوا أنه سبق اتصال القضاء بها نهائياً في الخارج، وفي صورة صدور حكم بالعقاب أنه تم قضاء كامل مدة العقاب المحكوم بها أو أن العقاب سقط بمرور الزمن أو شمله العفو”(مشروع القانون التونسي، 2016، الفصلان 34، 29). وهذا النص مقتبس من نص المادة (307 مكرر) من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية رقم (23) لعام 1968، وهذا مما يشير إلى تعارض الفصل (29) مع نص الفصل (34) بخصوص سقوط العقاب(المجلة، 1968، المادة 307 مكرر)، فسقوط العقاب بالتقادم أو لصدور قرارات العفو، التي يتعارض إصدارها في جريمة الاختفاء القسري مع المادة (18) من الإعلان الدولي لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 1998، التي حظرت ذلك، سواءً أكان ذلك على أساس التشريعات الداخلية أم الأجنبية، لا يجب أن يكونا مسوغاً لعدم إثارة الدعوى الجزائية إزاء مرتكبي جرائم الاختفاء القسري(الإعلان الدولي، 1998، المادة 18)، لاسيما وأن مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة الإفلات من العقاب تنص على أن الإجراءات الجزائية أو إدانة الجاني في دولة أخرى لا يجب أن تمنع محاكمته على الفعل المرتكب نفسه وذلك إذا كانت هذه الإجراءات تهدف إلى إعفائه من المسؤولية الجزائية، أو إذا لم تنفذ الاجراءات بشكل مستقل أو حيادي(المجموعة المستوفاة، 2005، المبدأ 26)، مما يستدعي الإشارة إلى ذلك في نص الفصل (29) من مشروع القانون.

كما يلاحظ أيضاً أن الفصل (34) من مشروع القانون الذي ينص على سقوط العقوبات المحكوم بها في جريمة الاختفاءالقسري بمضي ثلاثين عاماً من تأريخ نفاذ العقوبة التي قررتها المحكمة المختصة لا يتناسب كذلك مع المواثيق الدولية بهذا الخصوص كونها تنص على عدم سقوط العقوبات في جريمة الاختفاء القسري(أفضل الممارسات ، 2010، الفقرة 40).

وعلاوة على أهمية الإشارة في القانون الداخلي إلى عدم الاعتداد بحالات التقادم وقرارات العفو في جريمة الاختفاء القسري من الضروري النص فيه أيضاً على أن الصفة الرسمية للجاني، سواءً أكان رئيساً للدولة أو رئيساً للحكومة أو عضواً فيالحكومة أو البرلمان أو ممثلاً منتخباً أو مسؤول حكومي آخر لا يجب أن تعفيه بأي حال من المسؤولية الجزائية أو أن تؤدي إلى تخفيض عقوبته، مما يجسد أحكام المادة (27) من النظام الأساسي للمحكمةالجنائية الدولية لعام 1998 فيما يتعلق بعدم الاعتداد بالصفة الرسمية للجاني في جريمة الاختفاء القسري(النظام الأساسي، 1998، المادة 27).

المطلب الثاني

مشروع القانون المغربي رقم (16/10)

بشأن تغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي

تعدّالمملكة المغربية من أوائل الدول المنضمةإلى الاتّفاقيةالدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، إذ وقعتها في 6 فبراير 2007، وجرت المصادقة عليها في 14 مايو 2013(قانون الإنضمام، 2014)،وتجسيداً لالتزاماتها الدولية فقد نصت في مشروع قانونها رقم (16/10) بشأن تغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي على تجريم الاختفاء القسري في الفرع الثالث من القانون الجنائي المغربي المتعلق بجرائم الموظفين، والمعنون بـ: (شطط الموظفين في استعمال سلطتهم إزاء الأفراد وممارسة التعذيب)، إذ عرّف الفصل (231-9) الاختفاء القسري بنصه: “يقصد بالاختفاء القسري كل اعتقال أو احتجاز أو اختطاف أو أي شكل من الأشكال السالبة للحرية يرتكبه موظفون عموميون أو أشخاص يتصرفون بموافقة الدولة أو إذنها أو بدعم منها، ويتبعه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء الشخص المختفي أو مكان وجوده،مما يحرمه من الحماية التي يكفلها القانون”(مشروع القانون المغربي، الفصل 231-9).

ويجسد هذا النص أحكام دستور المملكة المغربية لعام 2011 بنصه على أن: “الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري من أخطر الجرائم وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات”، وعلى “عدم جواز إلقاء القبض على أي شخص، أو اعتقاله، أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات، وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون”.وعلى أن :”يعاقب القانون على جريمة الإبادة الجماعية وغيرها منالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان”(الدستور المغربي، 2011، الفصل 23)، كما أنه يجسد بشكل كامل نص المادة الثانية من الاتّفاقية الدولية لعام 2006، مما يتوافق مع إيفاء المملكة المغربية بالتزاماتها الدولية الواردة في المادة الرابعة من الاتّفاقية الدولية نفسها بأن: “تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لكي يشكل الاختفاء القسري جريمة في قانونها الجنائي”(الاتّفاقية، 2006، المادة 2)، وهذا مما يحسب للمشرع المغربي كونه يهدف إلى العقاب على جريمة الاختفاء القسري كجريمة مستقلة قائمة بحد ذاتها. الا أن مما لا يحسب له عدم إيفائه بالتزامات النابعة من المادة الثالثة منها، التي تنص على أن: “تتخذ كل دولة طرف التدابير الملاءمة للتحقيق في التصرفات المحددة في المادة 2 التي يقوم بها أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون دون إذن أو دعم أو موافقة من الدولة، ولتقديم المسؤولين إلى المحاكمة”، مما يبقي هؤلاء الجناة بمنأى عن المساءلة الجزائية، ومن ثم افلاتهم من العقاب. وهذا ما يستدعي من المشرع المغربي العقاب كذلك على الاختفاء القسري إذا ارتكبه أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون دون إذن من الدولة أو دعمها أو موافقتها(الاتّفاقية، 2006، المادة 3).

وعلى وفق الفصل نفسه من مشروع القانون: “يعاقب على الاختفاء القسري بالسجن من عشر إلى عشرين سنة وغرامة من (10,000) إلى (20,000) درهم”(مشروع القانون المغربي، الفصل 231-9)، ومن ثم فأن المشرع المغربي يستبعد تطبيق عقوبة الإعدام فيما يتعلق بهذه الجريمة، وربما يكون ذلك مرتبطاً بعدم أخذ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بهذه العقوبة بالنسبة للجرائم الدولية التي تدخل دائرة اختصاصها، هذا علىالرغم من أن عقوبة الإعدام تعدّ من العقوبات الجزائية الأصلية التي ينص عليها القانون الجنائي المغربي رقم (1/591/413) لعام 1962في الفصل (16) منه(القانون الجنائي المغربي، 1962، الفصل 16). ولعل المشرع المغربي انطلق في تحديدهالعقوبات على جريمة الاختفاء القسري من نص الفقرة الأولى من المادة السابعة من الاتّفاقية الدولية لعام 2006 التي تنص على أن: “تفرض كل دولة طرف عقوبات ملاءمة على جريمة الاختفاء القسري تأخذ في الاعتبار شدة جسامة هذه الجريمة”(الاتّفاقية، 2006، المادة 7)، أو المادة (80) من النظام الأساسيللمحكمة الجنائية الدولية التي تنص: “ليس في هذا الباب من النظام الأساسي ما يمنع الدول من توقيع العقوبات المنصوص عليها في قوانينها الوطنية أو يحول دون تطبيق قوانين الدول التي لا تنص على العقوبات المحددة في هذا الباب”(النظام الأساسي، 1998، المادة 80).

وعلى وفق الفصل (231-10) من مشروع القانون تشدد العقوبة الجزائية بفرض عقوبة الحبس من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة وغرامة من (20,000) إلى (200,000) درهم إذا ارتكب الجاني جريمة الاختفاء القسري: ضد موظف عمومي أثناء ممارسته لمهامه أو بمناسبة ممارسته لها، أو ضد شاهد أو ضحية أو طرف مدني بسبب إدلائه بتصريح أو تقديمه لشكاية أو إقامته لدعوى أو للحيلولة دون القيام بذلك، أو من قبل مجموعة من الأشخاص بصفتهم فاعلين أو مشاركين، أو ضد مجموعة من الأشخاص في وقت واحد، أو مع سبق الإصرار أو باستخدام سلاح أو التهديد به، أو للتهديد بارتكاب جريمة ضد الأشخاص أو الممتلكات، أو عن طريق ارتداء بدلة أو شارة نظامية أو مماثلة لما منصوص عليه في الفصل 384 من هذا القانون ولو عن طريق انتحال اسم كاذب أو تقديم أمر بالقاء القبض أو الاعتقال، ملغى أو مزور، أو باستعمال وسيلة من وسائل النقل ذات محرك(مشروع القانون المغربي، الفصل 231-10).

وبموجب الفصل (231-11) من مشروع القانون يعاقب بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة وغرامة من (50,000) إلى (500,000) إذا ارتكب الاختفاء القسري ضد قاصر دون الثامنة عشر، أو ضد شخص يعاني من وضعية صعبة بسبب كبر سنه أو بسبب المرض أو الإعاقة أو نقص بدني أو نفسي على أن تكون هذه الوضعية ظاهرة أو معروفة لدى الفاعل، أو ضد إمرأة حامل سواء كان حملها بيّناً أو معروفاً لدى الفاعل، أو إذا انتزع قاصراً يقلّ سنه عن ثمان عشرة سنة ضحية الاختفاء القسري، أو انتزع قاصراً يكون أبواه أو أحدهما ضحية الاختفاء القسري، أو زور أو أخفى أو أتلف المستندات التي تثبت هوية هؤلاء القاصرين، أو إذا كان الاختفاء القسري قد سبقه أو اقترن به أو تلاه تعذيب أو اعتداء جنسي، أو إذا كان الاختفاء القسري قد نتج عنه وفاة دون نية إحداثها، أو في حالة الاعتياد على ارتكاب أفعال الاختفاء القسري(مشروع القانون المغربي، الفصل 231-11).

وعلى وفق الفصل(231-12) من مشروع القانون يعاقب على عدم الإبلاغ عن جريمة الاختفاء القسري، فبموجبه: “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من (5,000) إلى (50,000) درهم من علم بارتكاب جريمة الاختفاء القسري أو الشروع فيها ولم يشعر بها السلطات القضائية أو الإدارية”. وبموجب الشق الثاني من الفصل نفسه يستثنى من تطبيق الشق الأول منه “أقارب مرتكب جريمة الاختفاء القسري وأصهاره إلى غاية الدرجة الرابعة”. الا أن هذا الاستثناء لا يسري إذا كان ضحية الاختفاء القسري أو محاولة ارتكابها “قاصراً تقل سنه عن ثمان عشرة سنة أو إمرأة حامل أو شخصاً عاجزاً أو معروفاً بضعف قواه العقلية”(مشروع القانون المغربي، الفصل 231-12).

ومن ثم فأن المشرع المغربي شدد العقوبة الجزائية على جريمة الاختفاء القسري في ظل تحقق عدد كبير من الظروف المشددة، سواءً أتعلق ارتكابها بصفة الجاني أم تعدد الجناة فيها أم صفة المجنى عليه فيها أم ظروف ارتكابها، وهذا مما يحسب له، وذلك لكونه كفل بذلك أوجه الحماية الجزائية كافة للمجنى عليه في هذه الجريمة.

كما وينص الفصل (231-13) من مشروع القانون على عدد من الظروف المخففة في حالات إطلاق الجاني سراح المجنى عليه من تلقاء نفسه، ومن ثم يضع بذلك حداّ للاختفاء القسري. وقد اشترط المشرع المغربي أن يكون المجنى عليه بصحة جيدة، كما وربط تخفيف العقوبة بطول مدة الاختفاء القسري، فكلما كانت قصيرة كلما كانت العقوبة أخف(مشروع القانون المغربي، الفصل 231-13).

وعلى وفق الفصل (231-14) من مشروع القانون يعاقب بالعقوبات الآنفة الذكر: “كل من يقدم عن علم محلاً أو أدوات أو وسائل لاعتقال المجنى عليه أو احتجازه أو اختطافه أو نقله”(مشروع القانون المغربي، الفصل 231-14)، وذلك علاوة على حالات المشاركة (الاشتراك) المنصوص عليها في الفصل (129) من القانون الجنائي المغربي لعام 1962(القانون الجنائي المغربي، 1962، الفصل 129).

ومما تقدم يتبيّن أن المشرع المغربي كفل، كما تقدم، أوجه الحماية الجزائية من الجوانب كافة للمجنى عليه، كما أوفى بالتزاماته الدولية بالعقاب على جريمة الاختفاء القسري بوصفها جريمة جنائية مستقلة.

إضافة إلى ذلك، جسد المشرع المغربي التزاماتهالدوليةالنابعة من نص المادة الخامسة من الاتّفاقية الدولية لعام 2006 بالعقاب على جريمة الاختفاء القسري بوصفها إحدى الجرائم ضد الإنسانية في الفصل (448-4) من مشروع القانون في نطاق (الباب السابع مكرر)الذي يحمل عنوان: (جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب)، والذي ينص: “تعتبر أيضاً الأفعال الآتية جرائم ضد الإنسانية ويعاقب عليها بالسجن المؤبد إذا ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم:… 5- الاختفاء القسري للأشخاص بالقبض عليهم أو احتجازهم أو اختطافهم وبذلك بقصد رفض الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لمدة زمنية طويلة”(مشروع القانون المغربي، الفصل 448-4).

وكما يلاحظ فأن هذا النص مقتبس من نص المادة السابعة (فقرة 2/ ط) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 المتعلق بتعريف الاختفاء القسري بوصفه إحدى الجرائم ضد الإنسانية، التي تدخل دائرة اختصاصها(النظام الأساسي، 1998، المادة 7)، الا أنه جاء مخالفاً لمضمونها فيما يتعلق بالسلوك الإجرامي، إذ اقتصر على ذكر السلوك الإجرامي الإيجابي بتجريم مختلف أشكال الحرمان من الحرية، وعدم ذكر السلوك الإجرامي السلبي عاداً إياه هدفاً للسلوك الإجرامي الإيجابي وذلك إلى جانب القصد الخاص المنحصر بأنه “بهدف حرمانهم من حماية القانون لمدة زمنية طويلة”. كما أنالنص في مشروع القانون لا يحدد الجهات التي ترتكب هذهالجريمة، والتي حددها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها: (الدولة أو منظمة سياسية)، هذا على الرغم من أن المشرع المغربي سبق أن أشار في نص الفصل (231-9) من مشروع القانون إلى (الدولة) وحدها، من دون الإشارة إلى الجهات غير التابعة للدولة.

ولكن بالاستناد إلى نص الفصل (448-3) من مشروع القانون: “يعدّ فاعلاً لجريمة ضد الإنسانية …” جاء فاعل الجريمة ضد الإنسانية عاماً ومن دون الإشارة إلى أية صفة تميّزه، مما يعني أن فاعل جريمة الاختفاء القسري انطلاقاً من هذا النص يمكن أن يكون أي شخص، سواءً أكان جهة تابعة للدولة أو غير تابعة لها(مشروع القانون المغربي، الفصل 448-3). الا أن الفصل (132) من القانون الجنائي المغربي لعام 1962 ينص على أن: “كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولاً شخصياً عن الجرائم التي يرتكبها، الجنايات أو الجنح التي يكون مشاركاً في ارتكابها، محاولات الجنايات، محاولاتبعض الجنح ضمن الشروط المقررة في القانون للعقاب عليها، ولا يستثنى من هذا المبدأ الا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك”(القانون الجنائي المغربي، 1962، المادة 132). وهذا ما يعني مسؤولية الأشخاص الطبيعيين لا غير ومن ثم عدم مسؤولية الدولة عنها! وربما لذلك لا يشير المشرع المغربي في مشروع القانون إلى مسؤولية الرئيس عن الاختفاء القسري الذي يرتكبه مرؤوسوه الوارد من ضمن التزامات الدول الأطراف في الاتّفاقية الدولية لعام 2006 في المادة السادسة منها التي تنص: “1-تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لتحميل المسؤولية الجنائية على أقل تقدير:(أ) لكل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها؛(ب) الرئيس الذي: كان على علم بأن أحد مرؤوسيه ممن يعملون تحت إمرته ورقابته الفعليتين قد ارتكب أو كان على وشك ارتكاب جريمة الاختفاء القسري، أو تعمد إغفال معلومات كانت تدلّ على ذلك بوضوح،كان يمارس مسؤوليته ورقابته الفعليتين على الأنشطة التي ترتبط بها جريمة الاختفاء القسري، لم يتخذ كافة التدابير اللازمة والمعقولة التي كان بوسعه اتخاذها للحيلولة دون ارتكاب جريمة الاختفاء القسري أو قمع ارتكابها أو عرض الأمر على السلطات المختصة لأغراض التحقيق والملاحقة،(ج) ليس في الفقرة الفرعية (ب) أعلاه إخلال بالقواعد ذات الصلة التي تنطوي على درجة أعلى من المسؤولية والواجبة التطبيق بموجب القانون الدولي على قائد عسكري أو على أي شخص يقوم فعلاً مقام القائد العسكري.2- لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة الاختفاء القسري”(الاتّفاقية، 2006، المادة 6).

وفيما يخص المسؤولية الجزائية للمرؤوس والرئيس عن فعل الاختفاء القسري، فأن القانون المغربي بصفة عامة لا يتضمن أي نص يبيح الإعفاء من العقاب على هذه الجريمة بذريعة تنفيذالأوامر الصادرة من الرئيس(تقرير المملكة المغربية، 2021، الفقرة 55).ومما يحسب للمشرع المغربي عدم الاعتداد بتقادم الجريمة أو العقوبة فيما يتعلق بالجرائم التي تنص عليها اتّفاقية دولية صادقت عليها المملكة المغربية، فعلى وفق المادة الخامسة من قانون المسطرة الجنائية المغربي رقم (01/22) لعام 1959: “لا تتقادم الدعوى العمومية الناشئة عن الجرائم التي ينص على عدم تقادمها القانون أو اتّفاقية دولية صادقت عليها المملكة المغربية وتم نشرها بالجريدة الرسمية”. كما تنص المادة (653-1) من القانون نفسه على أن: “لا تتقادم العقوبات الصادرة بشأن جرائم ينص على عدم تقادمها القانون أو اتّفاقية دولية صادقت عليها المملكة المغربية ونشرت بالجريدة الرسمية”(المسطرة، 1959، المادتان 5، 653-1)، وهذا ما ينطبق تماماً على جريمة الاختفاء القسري.

وفي الأحوال كافة فأن ما يحسب للمشرع المغربي مسعاه إلى المساءلة الجزائية عن جريمة الاختفاء القسري كجريمة جنائية مستقلة، وكذلك كجريمة ضد الإنسانية، الا أنه يتوجب أن يعالج القصور التشريعي في تجريمه لهما على أساس الملاحظات المشار إليها.

 

المطلب الثالث

مشروع قانون مكافحة الإخفاء القسري العراقي لعام 2023

يعدّ العراق من الدول المصادقة على الاتّفاقية الدولية لعام2006(قانون الانضمام، رقم 17، 2009)، ويعدّ مشروع قانون مكافحة الاختفاء القسري لعام 2023 هو المشروع الثالث ضمن مشروعات القوانين العقابية التي يسعى المشرع العراقي من خلالها إلى الإيفاء بالتزاماته الدولية النابعة من المادة الرابعة من الاتّفاقية الدولية لعام 2006 بتجريم الاختفاء القسري فيالتشريع الداخلي، وذلك بعد مشروع قانون الاختفاء القسري لعام 2018 ومشروع قانون العقوبات العراقي لعام 2021(عيسى، 2023)،ولعل هذا المشروع جاء استجابة لمطلب منظمة الأمم المتحدة الوارد في تقريرها في مارس 2023 فيما يتعلق بضرورة تجريم الاختفاء القسري في التشريع العراقي(اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، 2023، الفقرة 48).

ويتضمن مشروع القانون (21) مادة تتوزع على ثمانية فصول.وجاء الفصل الأول منها متضمناً التعاريف الخاصة بمصطلحات (الإخفاء القسري، الأسرة، الأقارب). وعرفت الفقرة الأولى من المادة الأولى من مشروع القانون جريمة (الإخفاء القسري) بأنها: “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يرتكب من موظفي الدولة أو المكلفين بخدمة عامة أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذنمن الدولة أو بدعمها أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصيره أو مكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون”(مشروع القانون العراقي، 2023، المادة 1).

ومن ثم فأن المشرع العراقي أخذ بمصطلح (الإخفاء القسري) بدلاً من مصطلح (الاختفاء القسري) المعتمد في الوثائق الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها الاتّفاقية الدولية لعام 2006، كما جسد في تعريفه للاختفاء القسري نص المادة الثانية من الاتّفاقية الدولية لعام 2006(الاتّفاقية9، 2006، المادة2)، التي استوجبت توافر العناصر الثلاثة المكونة لهذه الجريمة،والمتقدم ذكرها، والتي تتمثل في: أولاً: وجود أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية سواءً أكانت قانونية في البداية أم لا، وأن تقوم به (ثانياً) عناصر تابعة للدولة أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم أو موافقة من الدولة، وأن يعقبه (ثالثاً) إما رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده(التعليق العام، 1996، الفقرة 55).

كما أشار الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي إلى أهمية النتيجة المترتبة على ذلك، والتي تنحصر في وضع الضحية خارج حماية القانون(أفضل الممارسات، 2010، الفقرات 29-32)،وهذا ما أكدته أيضاً المادة الثانية من الاتّفاقية الدولية لعام 2006. ومن ثم يكون من المجدي بهذا الخصوص توضيح مضمون النتيجة المقصودة من خلال النص في تعريف الاختفاء القسري في مشروع القانون إلى أن ذلك يحرم المجنى عليه من ممارسة الانتصاف والضمانات الإجرائية التي يكفلها القانون، كما أخذ بذلك على سبيل المثال قانون العقوبات الكولومبي لعام 2000 (المادة (165) والفنزويلي لعام 1926 (المادة 180/ أ).

وكُرس الفصل الثاني (المادتان 2، 3) من مشروع القانون لتأسيس (قسم مكافحة الإخفاء القسري)، الذي يرتبط بالمفوضية العليا لحقوق الإنسان ويتولى تلقي البلاغات عن حالات الإخفاء القسري والتحري فيها، وتنظيم سجلات بها وتنظيم التدريب فيها وإطلاع الرأي العام على نتائج التحقيقات فيها، وإصدار التقارير السنوية ونشر الوعي بخصوصها،وتزويد السلطات ببيانات عنها وتقديم المقترحات لإنصاف الضحايا(مشروع القانون العراقي، 2023، المادتان 2، 3).

وجاء الفصل الثالث (المادة 4) من مشروع القانون مكرساً للمسائل المتعلقة بحصول ذوي المصلحة من أسر الضحايا وأقاربهم على المعلومات بخصوص حالات الإخفاء القسري. في حين تناول الفصل الرابع (الإخبار عن الإخفاء القسري) في المادتين (5، 6)، والفصل الخامس (تقفي أثر المخفي قسراً) في المادتين (7، 8)، والفصل السادس (نبش مكان الدفن) في المادة (8).

ونظم الفصل السابع من مشروع القانون بصورة تفصيلية (العقوبات) المترتبة على حالات الإخفاء القسري في المواد (10-19). فعلى وفق المادة العاشرة من مشروع القانون: “يعاقب بالسجن من ارتكب جريمة الإخفاء القسري أو يأمر بارتكابها أو يوصي أو يحاول أو يتواطئ أو يشترك في ارتكابها”. وبموجب المادة نفسها تكون العقوبة الإعدام إذا ارتكبت الجريمة على نطاق واسع أو بشكل ممنهج أو على أكثر من شخص أو إذا أفضى الإخفاء القسري إلى وفاة الشخص المختفي أو كانت الجريمة واقعة على إمرأة حامل أو قاصر أو معوق أو شخص قابل للتأثر بشكل خاص”(مشروع القانون العراقي، 2023، المادة 10).

وقضت المادة (11) من مشروع القانون بعقوبة السجن المؤبدعلى كل من انتزع طفلاً خاضعاً للإخفاء القسري أو يخضع أحد أبويه أو ممثله القانوني لإخفاء قسري”، ونصت المادة (12) منه على أن يعاقب بالسجن كل من زور أو أخفى أو أتلف مستندات تثبت الهوية الحقيقية للأطفال المذكورين في المادة السابقة. ومن ثم فأن المادتين (11) و (12) من مشروع القانون مكرستان لتوفير الحماية الجزائية لأولئك الأطفال الخاضعين للإخفاء القسري أو يخضع أحد والديهم لذلك(مشروع القانون العراقي، 2023، المادتان 10، 11).

وتعاقب المادة (13) من مشروع القانون على عرقلة الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالاختفاء القسري بالسجن لمدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة، سواءً أكان ذلك من خلال منع أفراد أسر الضحايا أو قسم مكافحة الإخفاء القسري من الوصول إلى المعلومات المتعلقة بحالات الإخفاء القسري أم التسبب عمداً في عرقلة وصولها إلى جهة قضائية أو إدارية أو جهة أخرى أو فرد له الحق في الحصول عليها أم إعطاء عمداً معلومات خاطئة تؤدي إلى تضليل عملية تقفي أثر الضحية أو عرقلتها(مشروع القانون العراقي، 2023، المادة 13).

وتعاقب المادة (14) من مشروع القانون بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل موظف امتنع عن تسجيل المعلومات المقدمة إليه بموجب هذا القانون وكان هذا العمل يدخل في واجبه الرسمي أو دوّن معلومات غير صحيحة عن حالة الإخفاء القسري مع علمه بعدم صحتها أو كان يجب أن يعلم بذلك أو امتنع عن تقديم معلومات بخصوص حالة الإخفاء القسري أو قدم معلومات غير صحيحة عنها مع توافر الشروط القانونية لتقديمها. كما تعاقب المادة (15) بالحبس أو بالغرامة كل من عبث بمكان الدفن بقصد إخفاء أدلة تحديد هوية الضحايا أو عرقل عمل الجهات المعنية بتقفي آثار الضحايا والبحث والتنقيب عن أماكن الدفن أو امتنع من تمكيينها من أداء مهامها(مشروع القانون العراقي، 2023، المادتان 14، 15).

وتنص المادة (16) من مشروع القانون على الظروف المخففة للمسؤولية الجزائية عن جريمة الإخفاء القسري والتي تنحصر في: أن يساهم كل من ارتكب جريمة اختفاء قسري بوصفه فاعلاً أو شريكاً في إطلاق سراح المخفى قسرياً أو الإبلاغ عنالجناة وتحديد هوياتهم أو إذا تقدم الجاني قبل ثمان وأربعين ساعة من وقت الإخفاء إلى السلطات المختصة وأبلغها بمكان وجود المخفى قسرياً، مما مكنها من إنقاذه والقبض على الجناة(مشروع القانون العراقي، 2023، المادة 16).

والملاحظ أن المشرع العراقي ينص في نطاق (العقوبات) على عدد من الأحكام العامة المرتبطة بالمساءلة الجزائية عن جريمة الإخفاء القسري، إذ تنص المادة (17) من مشروع القانون على عدم عدّ الإخفاء القسري من الجرائم السياسية، كماتنص المادة (18) منه على سريان أحكام القانون على كل من وجد في جمهورية العراق بعد أن ارتكب فيالخارج بوصفه فاعلاً أو شريكاً جريمة إخفاء قسري، مما يشير إلى أن القانون يمنح المحاكم العراقية صلاحية (الاختصاص الشامل) في جرائم الإخفاء القسري المرتكبة خارج إقليم جمهورية العراق (قانون العقوبات العراقي، 1969، المادة 13)، وهو ما أكده المشرع العراقي في (الأسباب الموجبة) من مشروع القانون بنصه على أن الغرض من القانون إلى جانب أغراض أخرى هو “إدخال هذه الجريمة ضمن الاختصاص الشامل للقضاء العراقي”. كما تقضي المادة (19) فقرة (أولاً) من مشروع القانون بأن جريمة الإخفاء القسري من الجرائم التي تستوجب التسليم لدولة طرف في الاتّفاقية الدولية لعام 2006، وذلك إذا كانت الجريمة واقعة في إقليمها. واستثناءً من ذلك تنص الفقرة (ثانياً) على عدم جواز التسليم إذا كان يخالف أحكام الدستور والقوانين العراقية أو إذا كانت “الغاية من التسليم هي معاقبة الشخص بسبب نوع جنسه أو عرقه أو دينه أو أصله الإثني أو آرائه السياسية أو انتمائه إلى جماعة اجتماعية معينة”، أو لأن تسليمه سيؤدي إلى الإضرار به لأي سبب من الأسباب(مشروع القانون العراقي، 2023، المواد 17-19).

وفي ضوء ما تقدم، فأن مشروع القانون فيما يتعلق بالمواد الجزائية يعرف في الفقرة الأولى من المادة الأولى منه جريمة (الإخفاء القسري)، ويعاقب عليها في المادة العاشرة منه، في حين جاءت المواد (11-16) خاصة بالعقاب على الجرائم المتعلقة بحالات الإخفاء القسري، ومنها ما يخص الأطفال وإعاقة الوصول إلى المعلومات أو إعاقة عملية الكشف عن الجريمة أو الجناة،ومنها ما تناول الأعذار المخففة للمسؤولية الجزائية. والملاحظ أن تعريف الإخفاء القسري في الفقرة الأولى من المادة الأولى من مشروع القانون جاء مماثلاً لنص المادة (422) من مشروع قانون العقوبات العراقي لعام 2021، كما أن العقوبة الجزائية المحددة في كلا المشروعين وردت متماثلة أيضاً، والحال نفسه مقارنة بمشروع قانون مكافحة الاختفاء القسري لعام 2018، فالعقوبة الجزائية في هذه المشاريع الثلاثة جاءت متطابقة.

ويعدّ مشروع القانون محل البحث تراجعاً مقارنة بمشروع قانون مكافحة الاختفاء القسري العراقي لعام 2018، وذلك فيما يتعلق بعدم العقاب فيه على جريمة الاختفاء القسري بوصفها من الجرائم ضد الإنسانية، باستثناء الإشارة فيه في نص المادة العاشرة منه إلى أن تكون العقوبة الإعدام إذا ارتكبت الجريمة على نطاق واسع أو بشكل ممنهج. وارتكاب الجريمة على نطاق واسع أو بشكل ممنهج يشير إلى ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية بوجه عام على وفق المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. الا أن هذا النص لا يدلّ على أن المشرع العراقي في نطاق مشروع القانون يعاقب على جريمة الاختفاء القسري بوصفها من الجرائم ضد الإنسانية على وجه التحديد،بل أن النص يدلّ على الانتظام في ارتكابها أو تكراره ليس الا(مشروع القانون العراقي، 2023، المادة 10). وهذا ما يشير إلى عدم إيفاء المشرع العراقي بالتزاماته الدولية بالعقاب على هذه الجريمة بوصفها جريمة جنائية مستقلة وكذلك جريمة ضد الإنسانية استناداً إلى أحكام الاتّفاقية الدولية لعام 2006.

إضافة إلى ذلك، جاء مشروع القانون خلواً من الإشارة إلى أن جريمة الاختفاء القسري تعدّ جريمة مستمرة وتبقى قائمة حتى تتم معرفة مصير الضحية ومكانها،ولاسيما في حالة وقوع الجريمة قبل أن يتم تجريم الاختفاء القسري بموجب القانون العراقي، وهذا ما أكده الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في تقريره: (التعليق العام لفريق الأمم المتحدة بشأن الاختفاء القسري باعتباره جريمة مستمرة)، وكذلك في تقريره: (أفضل الممارسات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية)(التعليق العام، 2010، الفقرتان 1-2، الهامش 11، أفضل الممارسات، 2010، الفقرتان 33-34).

وارتباطاً بأن المشرع العراقي خصص قانوناً خاصاً لتجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه لذلك كان من المتوجب كذلك أن يعكس فيه عدداً من الأحكام العامة المتعلقة بتجريمه، التي نص عليها في مشروع قانون الاختفاء القسري لعام 2018، وهو ما يحسب له، ومن بينها ما يتعلق بعدم سقوط الجريمة أو العقوبة المفروضة بالتقادم، هذا على الرغم من عدم الاعتداد بالتقادم بوجه عام في القانون الجزائي العراقي، وخاصة في قانون العقوبات العراقي لعام 1969، وكذلك فيما يتعلق بعدم الاعتداد بالحصانات أو قرارات العفو أو الأوامر الصادرة من الرئيس،والتي نص عليها على سبيل المثال في قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لعام 2005، أو ما يتعلق بتسليم المجرمين أو عدم الاعتداد بأية مسوغات لارتكاب الاختفاءالقسري. كما كان يتوجب إضافة عدد آخر من الظروف المشددة للمسؤولية الجزائية، ومن ذلك ما يتعلق بالاعتداء الجنسي أو التسبب في الحمل أو الإجهاض أو العاهات المستديمة أو اقتران الاختفاء القسري بالتعذيب أو غير ذلك، والتي ورد ذكرها في مشروع قانون الاختفاء القسري لعام 2018.

كما نرى أهمية النص في مشروع القانون على توفير الحماية لمقدمي الشكاوى والشهود والأقارب والمدافعين عنهم، مع أهميةالنص على مشاركة الأقارب في التحقيق وإعلامهم بنتائجه،وتزويدهم بإعلان عن غياب الضحية بسبب الاختفاء القسري بهدف تسهيل الوصول إلى أملاكه.

وختاماً نؤكد على أن إعداد مشروع القانون هو مما يحسب للمشرع العراقي، الا أنه كان بإمكانه أن يدرج النصوص التي وضعها لتجريم (الإخفاء القسري) في نطاق نصوص قانون العقوبات العراقي لعام 1969 وذلك من خلال إصدار تعديل عليه، مع إصدار قانون آخر بتأسيس (قسم مكافحة الإخفاء القسري)، وربطه بالمفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية.

الخاتمة

تنحصر أبرز الاستنتاجات والتوصيات المتوصل إليها في خاتمة هذا البحثفيما يأتي:

أولاً: الاستنتاجات:

  • تنوعت الأسباب التي استدعت إقرار القوانين أو مشروعات القوانين لمواجهة الاختفاء القسري في الدول العربية محل البحث، فمنها ما يتعلق بالأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها، ومنها ما كان نتيجة لانضمامها إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، ومنها ما ارتبط بأنها تعدّ من الدول الأطراف في الاتّفاقية الدولية لعام 2006.
  • على الرغم من أن ليبيا ليست من الدول الأطراف في الاتّفاقية الدولية لعام 2006 الا أنها تعاقب على جريمة الاختفاء القسري بموجب قانون بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز لعام 2013. الا أن مما لا يحسب للمشرع الليبي اعتماده في ذلك النصوص الجزائية ذاتها التي على أساسها يعاقب قانون العقوبات الليبي لعام 1953 على جرائم الخطف والحجز والحبس، مع تشديد العقوبة الجزائية عليها، مما يستدعي الانضمام إلى الاتّفاقية الدولية لعام 2006، ومن ثم تجريم الاختفاء القسري في التشريع الداخلي كجريمة مستقلة وجريمة ضد الإنسانية.
  • تعدّ دولة الامارات العربية إحدى الدول الموقعة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، وعلى أساس ذلك أصدرت القانون رقم (12) لعام 2017 في شأن الجرائم الدولية الذي يعاقب على جريمة الاختفاء القسري بوصفها من الجرائم ضد الإنسانية، وهذا مما يحسب للمشرع الإماراتي، الا أن ما لا يحسب له عدم الانضمام حتى الآن إلى الاتّفاقية الدولية لعام 2006، وعدم تجريمه الاختفاء القسري بوصفه جريمة مستقلة في التشريع الداخلي.
  • يعدّ لبنان إحدى الدول الأطراف في الاتّفاقية الدولية لعام 2006، وعلى أساس ذلك أصدر القانون رقم (105) لعام 2018 الذي يعاقب على جريمة الاختفاء القسري بوصفه جريمة مستقلة. الا أن مما لا يحسب للمشرع اللبناني عدم تجريمه حتى الآن جريمة الاختفاء القسري بوصفها إحدى الجرائم ضد الإنسانية.
  • تونس من الدول الموقعة على الاتّفاقية الدولية لعام 2006 وكذلك على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، وعلى الرغم من وضعها لمشروع قانون يتعلق بجريمة الاتفاء القسري لعام 2016، الا أنها لم تفِ بعد بالتزاماتها الدولية بتجريم الاختفاء القسري في تشريعاتها الداخلية، سواءً كجريمة مستقلة أم جريمة ضد الإنسانية.
  • صادقت المغرب على الاتّفاقية الدولية لعام 2006، وعلى أساس ذلك وضعت مشروع القانون رقم (16/10) بشأن تغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، ومما يحسب للمشرع المغربي أنه جرم فيه الاختفاء القسري كجريمة مستقلة وجريمة ضد الإنسانية.
  • يعدّ العراق من الدول الأطراف في الاتّفاقية الدولية لعام 2006، ومما يحسب للمشرع العراقي تعدد مشروعات القوانين المكرسة لتجريم الاختفاء القسري كجريمة جنائية مستقلة، وآخرها مشروع قانون مكافحة الإخفاء القسري لعام 2023. الا أن مما لا يحسب له عدم تجريمه الاختفاء القسري فيها كجريمة ضد الإنسانية.
  • تشترك الدول العربية محل البحث في عدم ايفائها في القوانين الصادرة ومشروعات القوانين بالالتزامات الدولية المحددة في الاتّفاقية الدولية لعام 2006 بتجريم الاختفاء القسري كجريمة مستقلة وجريمة ضد الإنسانية على حد سواء، وعدم مراعاتها لعدد من الأحكام الخاصة بالمساءلة الجزائية عنهما.
  • جرم المشرع في عدد من الدول العربية محل البحث الاختفاء القسري في قوانين عقابية خاصة، كما في ليبيا ولبنان والإمارات والعراق، في حين جرمه في عدد آخر منها، كما في المغرب وتونس،في القوانين العقابية العامة.
  • اشتمل القانون اللبناني وكذلك مشروع القانون العراقي، إضافة إلى تجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه، على كثير من الأحكام الإجرائية، والجزء الغالب منها يخص تأسيس هيئات لمتابعة حالات الاختفاء القسري، مما يشكل تداخلاً في وظائف فروع القانون.

ثانياً: التوصيات:

  • نوصي بأن تعمل الدول العربية التي لم تنضم بعد إلى الاتّفاقية الدولية لعام 2006، ومن ضمنها الدول محل البحث، وخاصة ليبيا ودولة الإمارات العربية، على القيام بذلك، لما له من أهمية على صعيد مواجهة حالات الاختفاء القسري دولياً ومحلياً.
  • نوصي المشرع في الدول محل البحث، ومنها العراق، بأهمية تجريم الاختفاء القسري في التشريع الداخلي بوصفه جريمة جنائية مستقلة وجريمة ضد الإنسانية، وذلك بما يجسد نصوص الاتّفاقية الدولية لعام 2006 والالتزامات الدولية النابعة منها.
  • نوصي المشرع في الدول محل البحث بتجريم الاختفاء القسري في نطاق القوانين العقابية النافذة، وذلك باعتماد النهج الذي أخذ به المشرع المغربي والتونسي بتجريم الاختفاء القسري في القوانين العقابية العامة.
  • نوصي المشرع في الدول محل البحث، وخاصة في لبنان والعراق، باستبعاد التداخل في وظائف القوانين الصادرة، بأن يكون تجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه في التشريعات العقابية، وأن ينظم تأسيس الهيئات الخاصة لمتابعة حالات الاختفاء القسري فيها من خلال إصدار قوانين خاصة بها.
  • نوصي المشرع العراقي لدى صياغته التشريعات العقابية المتعلقة بتجريم الاختفاء القسري كجريمة مستقلة وكجريمة ضد الإنسانية بالاستفادة من التجارب التشريعية بهذا الخصوص في الدول العربية وغيرها.

 

قائمة المصادر

أولاً: الكتب:

  • اللجنة الدولية للحقوقيين، عدالة وهمية، إفلات مستمر من العقاب، جنيف، ب.ت.تأريخ النشر.
  • اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دليل حول القانون رقم (105) المفقودون والمختفون قسراً، أسئلة وأجوبة، ب.ت. دار النشر وتأريخه، بيروت.
  • مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، منظمة الأمن والتعاون في أوربا، رأي حول مشروع القانون المتعلق بجريمة الاختفاء القسري للجمهورية التونسية، وارشو، 2016.

ثانياً: البحوث:

  • الشكري، علي يوسف،(2008)، القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير، دار الثقافة، عمان.
  • الظهوري، فهد أحمد، دقاني، خالد إبراهيم، (2022)، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، جامعة الشارقة، المجلد 19، العدد 2.
  • عيسى، حسين عبدعلي، (2023) ، السياسة الجنائية في مواجهة الاختفاء القسري في العراق، المجلة الأمريكية الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية ، الأكاديمية الأمريكية الدولية للتعليم العالي والتدريب، العدد (15)، يونيو.
  • الكتبي، سعيد علي ، بن حليلو، فيصل ، النوايسه، عبدالاله محمد سالم،(2022)، سريان قانون الجرائم الدولية الإماراتي من حيث الزمان، دراسة مقارنة مع نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، جامعة الشارقة، المجلد 19، العدد (4).
  • مكي، عمر ، الكمالي، محمد محمود، (2022) ، أركان الجرائم الدولية، دراسة تطبيقية حول قانون الجرائم الدولية الإماراتي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ثالثاً: الإعلانات والاتّفاقيات الدولية:

  • إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 1992.
  • النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.
  • الاتّفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006.

رابعاً: الوثائق الدولية:

  • الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، التعليق العام على المادة الرابعة من الاعلان الدولي لعام 1996، 15/1/1996، الوثيقة (E/CN.4L1996/38).
  • الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، التعليق العام على تعريف الاختفاء القسري، الوثيقة (A/HRC/7/2).
  • الفريق العامل المعنيبحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي ، التعليق العام لفريق الأمم المتحدة بشأن الاختفاء القسري باعتباره جريمة مستمرة، 2010، الوثيقة (A/HRC/16/48).
  • لجنة حقوق الإنسان، المجموعة المستوفاة من المبادئ المتعلقة بحماية حقوق الإسنان وتعزيزها من خلال اتّخاذ إجراءات لمكافحة الإفلات من العقاب لعام 2005،الوثيقة (E/CN.4/2005/102/Add.1).
  • الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، (أفضل الممارسات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية)، 2010.
  • تقرير البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، الوثيقة (A/HRC/52/83)، مجلس حقوق الإنسان، الدورة (52)، 27/2-31/3/2023.
  • تقرير المملكة المغربية إلى اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري،12 نوفمبر 2021، الوثيقة (CED/C/MAR/1).
  • اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، تقرير عن زيارة العراق بموجب المادة 33 من الاتفاقية الدولية لعام 2006، 19/4/2023، الوثيقة (CED/C/IRQ/VR/1).
  • الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، إدعاء عام بشأن نمط الاختفاء القسري في دولة الإمارات العربية، 20/2/2023، تأريخ الزيارة 9/12/2023، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/issues/disappearances/allegations/general-allegation-uae-128.pdf

  • تقرير بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تأريخ الزيارة 11/12/2023، متاح على الرابط الألكتروني:

uusimil.unmissions/org/ar/

خامساً: التشريعات القانونية:

  • دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لعام 1971.
  • دستور المملكة المغربية لعام 2011.
  • قانون العقوبات الليبي لعام 1953.
  • قانون المسطرة الجنائية المغربي رقم (01/22) لعام 1959.
  • مجلة الإجراءات الجزائية التونسية رقم (23) لعام 1968.
  • قانون العقوبات العراقي لعام 1969.
  • قانون العقوبات الفنزويلي لعام 1926.
  • قانون العقوبات الكولومبي لعام 2000.
  • قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لعام 2005.
  • القانون رقم (17) لعام 2009 بشأن انضمام العراق إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006.
  • المرسوم رقم (2) لعام 2011 الصادر في 19 فبراير 2011 الخاص بانضمام الجمهورية التونسية إلى الاتّفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006.
  • المرسوم رقم (4) لعام 2011 الصادر في 19/2/2011 الخاص بانضمام الجمهورية التونسية إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
  • القانون الأساسي الليبي رقم (53) لعام 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها .
  • القانون الليبي بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز لعام 2013.
  • قانون انضمام المملكة المغربية إلى الاتّفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، الجريدة الرسمية، العدد (6229) بتاريخ 10 فبراير 2014.
  • القانون الإماراتي رقم (12) لعام 2017 في شأن الجرائم الدولية.
  • القانون اللبناني رقم (105) لعام 2018 بشأن المفقودين والمختفين قسراً.
  • قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي رقم (31) لعام 2021.
  • قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي رقم (31) لعام 2021.
  • قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي رقم (38) لعام 2022.

سادساً: مشروعات القوانين:

  • مشروع القانون المغربي رقم (16/10) بشأن تغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي.
  • مشروع القانون التونسي للاختفاء القسري لعام 2016.
  • مشروع قانون الاختفاء القسري العراقي لعام 2018.
  • مشروع قانون العقوبات العراقي لعام 2021.
  • مشروع قانون مكافحة الإخفاء القسري العراقي لعام 2023.

سابعاً: تقارير المنظمات الدولية:

  • اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، ليبيا، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.icmp.int/ar/news/new-icmp-report-recommends-actions-to-help-libya-account-for-missing-persons/

  • مراقبة حقوق الإنسان، التقرير العالمي، لبنان، فقرة (أرث الحروب والنزاعات السابقة)، 2023، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.hrw.org/ar/world-report/2023/country-chapters/leban

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *