نوفمبر 22, 2024 6:32 م
download (7)

الباحث / م. ازر عبد الكاظم اسماعيل السلطاني

مديرية تربية بابل

azar.k1232@yahoo.com

009647801705931

الملخص

عاش رسول الله (ص) يتيما وهو في عمر مبكر يكاد لا يتجاوز الست سنوات بعد ان فقد اباه عبد الله ، ومن ثم امه امنة بنت وهب ، فقرر جده عبد المطلب بأن يتولى رعايته وتربيته ، وهب الله عبد المطلب أمير قريش حينها شرفًا لم يعطه لغيره. وقد انعكست حكمته في رخاء قريش ، فكان يطعم الجميع – بما في ذلك الحيوانات والطيور – وهو يرفض عبادة الأصنام وسنن سنناَ نزل القرآن بأكثرها ، ,وثنى عليه رسول الله (ص) قائلا:  سيبعث الله جدي عبد المطلب بهيبة الأنبياء والملوك. ، وكان عبد المطلب يثني على النبي(ص) ويقبل رأسة ويقول له: أن لأبني هذا شأناً”، وبعد وفاة عبد المطلب تولى رعايته عمه ابو طالب ، فشب رسول الله (ص) معه فكان يحفظهُ ، ويحبهُ حباً شديداً لا يحبهُ لولدهِ ، ولا ينام حتى ينام إلى جنبهِ ، ولا يخرج  حتى يخرج معهُ ،حتى بلغ (ص) ، فكان أفضل رجال قومهِ مروءة، وأصدقهم حديثا وأمانة ، حتى سماهُ قومهُ (الصادق الأمين)، فقرر عمهُ ابي طالب ان يخرجه معه الى الشام للتجارة فتعلم التجارة واتقنها ، وما زال ابو طالب يرعاه حتى بعثه الله نبيا وهاديا، فامن به وصدقه ودافع عنه ضد قريش ، وحلفائها عندما اعلنوا مقاطعة المسلمين في مكة ، وحصارهم اقتصاديا في شعب ابي طالب ، وكتبوا بذلك كتابا وعلقوه في الكعبة ، ولما طال الحصار على المسلمين والذي استمر ثلاث سنوات كان ابو طالب قد انفق جميع ما يملك على المسلمين في ايام الحصار الى ان توفي وهو في شعب ابي طالب وتوفيت بعده خديجة زوجة رسول الله(ص) فحزن رسول الله لفقده حزنا شديدا وسمي ذلك العام بعام الحزن

الكلمات المفتاحية: رسول الله (ص)، رعاية، عبد المطلب، كفالة، ابو طالب

 

The Messenger of God (may God bless him and his family) between the sponsorship of Abdul Muttalib and the sponsorship of Abu Talib

researcher: Azar Abdul-Kadhim Ismail Al-Sultani

Babylon Education Directorate

 

Abstract

The Messenger of God (may God’s prayers and peace be upon him and his family) lived as an orphan at an early age, almost not more than six years, after he lost his father Abdullah, and then his mother, Amina bint Wahb. Honor was what he did not give to anyone, and the Quraysh had wisdom in their money, and he used to feed people, even birds, and beasts, and he refused to worship idols, and God Almighty united, and our Sunnahs were revealed in the Qur’an with the most of them, and the Messenger of God (may God bless him and his family) said in his right: “God My grandfather Abd al-Muttalib will send one nation in the form of prophets and the guise of kings.” Abd al-Muttalib would wipe his back, kiss his head and mouth, and say, “This is my son’s business.” After Abd al-Muttalib’s death, his uncle Abu Talib took care of him. He and his family) were with him, and he used to protect him, and he loved him very much, and he did not love him for his son, and he did not sleep until he fell asleep next to him, and he did not go out until he came out with him until he reached (may God bless him and his family), and he was the best man of his people in chivalry, the best of them in the neighbourhood, the most memorable of them, and the most truthful of them in speech. Amanah, until his people called him Al-Sadiq Al-Amin, so his uncle Abu Talib decided to take him with him to Syria for trade, so he learned the trade and mastered it. And Abu Talib continued to take care of him until God sent him as a prophet and guide, so he believed in him and believed in him and defended him against the Quraysh and their allies when they announced the boycott of Muslims in Mecca and their economic siege in the people of Abu Talib, and they wrote a book about that and hung it in the Kaaba, and when the siege on Muslims was prolonged, which lasted three years Abu Talib had spent all of his possessions on Muslims during the days of the siege until he died while he was in the people of Abu Talib, and after him, Khadija, the wife of the Messenger of God (may God bless him and his family) died, so the Messenger of God grieved for his loss, and that year was called the Year of Grief                                                     .

 Keywords: The Messenger of God (PBUH), sponsorship, Abdul Muttalib, guarantee, Abu Talib

 

مقدمة البحث:

لم يبقى لرسول الله (ص) بعد ان اصبح يتيما بفقد والديه وهو في سن مبكر الا العناية الالهية له والتي جعلته في رعاية اعظم شخصية في بني هاشم الا وهو جده عبد المطلب لما يتمتع به هذا الرجل من مكانة اجتماعية وسياسية واقتصادية في شبه الجزيرة العربية فاحتضن رسول الله(صلى الله عليه واله) ورباه ورعاه افضل رعاية ، ولقد شهد بذلك القران الكريم في قوله تعالى (الم يجدك يتيما فأوى) ، ثم تولى رعاية وكفالة رسول الله(ص) بعد عبد المطلب عمه ابو طالب فكان خير كافل وخير نصير له وشب في حجره ونشأ في بيته ولما بعث (ص) كان ابو طالب وابنه علي (ع) اول من امن به ولما توفي سمي رسول الله (ص) ذلك العام بعام الحزن ، ولاجل ذلك فقد كتبت بحثي هذا والموسوم (رسول الله (ص) بين رعاية  جده عبد المطلب وكفالة عمه ابو طالب ) وقسمته الى مقدمة ومبحثان ونتائج فاما المبحث الاول فكان بعنوان رسول الله (ص) في رعاية جده عبد المطلب واما المبحث الثاني فكان بعنوان رسول الله(ص) في كفالة عمه ابو طالب واختتمت البحث ببعض النتائج والمصادر ومن الله التوفيق

مشكلة البحث:

رفع وبيان الشبهات التي رافقت شخصية عبد المطلب جد رسول الله (ص) وكذلك الشبهات التي حامت حول شخصية عم رسول الله صلى الله عليه واله ومحاولة اثبات ايمانهم بقضية ودعوة رسول الله (ص) ورعايتهم له قبل وبعد البعثة

اهمية البحث:

عاش رسول الله (ص) يتيما وهو في سن مبكر بعد ان فقد والديه الا ان العناية الالهية له جعلته في رعاية اعظم شخصية في بني هاشم الا وهو جده عبد المطلب لما يتمتع به هذا الرجل من مكانة اجتماعية وسياسية واقتصادية في شبه الجزيرة العربية فاحتضن رسول الله(ص) ورباه ورعاه افضل رعاية ، ولقد شهد بذلك القران الكريم في قوله تعالى (الم يجدك يتيما فأوى) ، ثم تولى رعاية وكفالة رسول الله(ص) عمه ابو طالب بعد جده عبد المطلب فكان خير كافل وخير نصير له وشب في حجره ونشأ في بيته ولما بعث (ص) كان ابو طالب وابنه علي (ع) اول من امنا به ولما توفي سمي رسول الله (ص) ذلك العام بعام الحزن ، ولاجل تسليط الضوء على تلك العناية التي تلاقاها رسول الله (ص) من هاتين الشخصيتين العظيمتين والمهمتين في حياة رسول الله (ص) فقد شرعت في كتابة بحثي هذا والموسوم رسول الله (ص)بين رعاية جده عبد المطلب وكفالة عمه ابو طالب

اهداف البحث:

يهدف البحث الى بيان مكانة ودور عبد المطلب في رعاية رسول الله (ص) بعد وفاة والديه في سن مبكر اضافة الى بيان دور عم رسول الله (ص) ابو طالب في كفالة وتربية رسول الله (ص) والايمان بدعوته والدفاع عنه ضد الاعداء وتحمله في سبيل ذلك الاذى حتى وفاته

حدود البحث:

اما حدود البحث من الناحية الزمانية فهو يتناول الفترة الممتدة من حياة رسول الله (ص) التي سبقت بعثته الى ايام الدعوة العلنية في مكة وايام الحصار الذي فرضته قريش وحلفائها قبل هجرة الرسول (ص) وكذلك من الناحية المكانية يتناول مكة المكرمة وما يجاورها وهي موطن رسول الله (ص) وعشيرته

فروض البحث:

الفرضية الرئيسية : ما هو الدور الحقيقي الذي لعبه كل من عبد المطلب وابو طالب في حفظ ورعاية وكفالة ومؤازرة  رسول الله صلى الله عليه واله قبل وبعد بعثته ؟

الفرضية الثانوية الاولى : ما هو الدور الحقيقي لعبد المطلب في تربية ورعاية رسول الله (ص) ؟

الفرضية الثانوية الثانية : ما هو الدور الحقيقي لأبي طالب في كفالة وحماية رسول الله (ص) حتى وفاته ؟

منهج البحث:

اتبعت في كتابتي لهذا البحث المنهج التاريخي التحليلي والقائم على نقد وتحليل الرواية التاريخية من حيث العناصر المكونة لها كالسند ومطابقة المعلومات الواردة فيها مع الروايات الاخرى وظروف وتاريخ كتابة الرواية كمحاولة للوصول الى الحقيقة التاريخية وكذلك استخدمت المصادر التاريخية المهمة في التاريخ الاسلامي على اساس القدم وعلاقتها بموضوع البحث

الدراسات السابقة

لم اطلع على دراسة سابقة تحمل نفس العنوان الا ان هناك دراسات لها صلة غير مباشرة من اهما :

1ـ دراسة للمدرس الدكتور : ظافر عبد النافع: عبد المطلب جد رسول الله(ص) دراسة في سيرته ونشاطاته العامة ، مجلة ابحاث كلية التربية الاساسية, 2012, المجلد 12, العدد 1.

2ـ  دراسة للباحث : الاستاذ المساعد الدكتور : على صالح رسن : عبد المطلب بن هاشم دراسة في اسمه ونسبه وولادته ونشأته وصفاته، جامعة البصرة كلية التربية قسم التاريخ، مجلة دراسات تاريخية, 2012, المجلد 1, العدد 13.

3ـ  دراسة للباحث : راضي حسين الحسيني:  حقيقة إيمان أبي طالب دراسة مقارنة بين المدرستين ، مجلة كلية التربية للبنات للعلوم الانسانية, 2020, المجلد 1, العدد 27.

لقد تناول الباحثون بعض المشتركات مع بحثنا وخاصة سيرة عبد المطلب الذي استطاع ان يكون زعيماً لقريش اضافة الى ذكر اسماءه،  وكذلك  حقيقية ايمان ابو طالب  وموقفه من الدعوة الاسلامية ،  واعتمد الباحثون المنهج التاريخي والاستقرائي في تتبع الاخبار والمعلومات المتعلقة بالبحث ، واعتمدت الدراسات السابقة على المصادر الاولية التاريخية  اضافة الى المصادر الادبية في كتابة البحث.

الا ان الدراسة لم تتطرق الى الرعاية الخاصة لرسول الله(ص) وتنقله في الاهتمام والتربية بين جده عبد المطلب وعمه ابو طالب ولذا جاءت هذه الدراسة لتأكد على هذا الجانب في  الرعاية الفائقة التي ابداها جده وعمه ، واعتمدنا على المصادر الاولية التاريخية في كتابة البحث ، وتبنى الباحث المنهج الاستقرائي في كتابة البحث والاستعانة بالمنهج التحليلي في الوقوف على بعض الاحداث وتحليل نصوصها التاريخية .

المبحث الاول: رسول الله (ص) في رعاية جدهُ عبد المطلب:

اولا : عبد المطلب اسمه ونسبه

هو)) : عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان(((ابن سعد ، محمد بن منيع   ، د.ت، ج1، ص55 ). وقد وردت له عدة تسميات مختلفة اوردتها المصادر التاريخية منها:

1ـ شيبة الحمد او شيبة: والشيبة في اللغة :  مشتقة من الشيب في قولهم شاب شيبة حسنة وشيباً حسناً واحسب ان اشتقاق الشيب من اختلاط السواد بالبياض من قولهم شيب الشئ بالشي اشوبه شوباً اذا خلطه (ابن دريد ، ابي بكر محمد ، د.ت، ج1، ص12.)، وسمى شيبة لأنه ولد وفى رأسه شعرة بيضاء(ابن عنبة ، أحمد بن علي الحسيني ، 1961،ص23).

ومما يؤكد هذه التسمية انه  ذهب به رجل من بني الحارث بن عبد مناف وهو يقاتل مع غلمان وكان أكثرهم جاذبية ، فكان يضربه أشد الضربات. أنا شيبة بن هاشم. قال: أنا ابن سيد البطحاء بن عبد مناف. فقال الله يبارك فيك ويجعل الكثير منا مثلك.  (ابن عنبة ، أحمد بن علي ، 1961 ، المصدر السابق ، ص23.)

ويقى هذا الاسم مصاحباً له وقد اشار لها في مناسبات كثيرة منها عندما صبغ شعره بالسواد قالت : له زوجته نتيله بنت خباب ” يا شيبة الحمد ما احسن هذا الخضاب ”  (ابن حبيب ، محمد البغدادي  ، د.ت ، ص112).

2ـ قيل اسمه عامر( المجلسي ، محمد باقر  ، 1404ه،  ج15، ص405 ) . ونقل ذلك السهلي عن ابن قتيبة (السهلي ، ابو القاسم عبد الرحمن د.ت ، ج1 ، ص44.) ونفى ابن حجر هذه التسمية(ابن حجر، احمد بن علي ، د.ت ، ج7، ص124 ) وكذلك نفاه ابن عنبه واثبت اسم شيبة(ابن عنبة ، أحمد بن علي الحسيني ، 1961،  المصدر السابق ، ص23 )

3ـ عبد المطلب : وهو الاسم الغالب  والتسمية الشائعة والغالبة على بقية الاسماء ، ولهذه التسمية قصة طويله وردت بان عبد المطلب عاش بين اخواله فمر احد رجال قومه ورآه يلعب مع الصبيان فعرفه واخبر عمه المطلب، فاردفه على راحلته وكان في حالة رثة وكلما سأله الناس قال هذا عبدي فأشيع ان هذا عبد المطلب (الطبري ، محمد بن جرير،   1968، ج2، ص247 )

ثانياً : رعايته لرسول الله(ص)

في ذلك الوقت ، كان عبد المطلب أمير قريش كرمه الله ما لم يهب غيره ، حكمته قريش في أموالهم، أطعم الناس في الجبال من الطيور والحيوانات، رفض عبادة الأصنام، وحد الله تعالى. ، وسنن سنناَ نزل القرآن بأكثرها ،وقال أبو طالب في ذلك:

“ونطعم حتى تأكل الطير فضلنا     إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد” (اليعقوبي، احمد بن ابي يعقوب  ،1964م، ج2،ص7)

وروى الصدوق  (الصدوق، محمد بن علي  ،1403هـ، ص312 )بسنده عن الصادق ( ع ) :  ان النبي (ص) قال لعلي ( ع ) : أعطى الله لعبد المطلب ممارسة  سنن الإسلام لمدة خمس سنوات في الجاهلية ثم اقرها  الله له في الإسلام : حرم أزواج الآباء على الأبناء  وأنزل الله عز وجل ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) (النساء : 22) اكتشف كنزًا وأخرج خُمسه ليعطي صدقة، وأنزل الله عز وجل  ” واعلموا ان ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ” ))(الأنفال : 41) ،  ولما حفر بئر زمزم أطلق عليها اسم سقاية الحاج  ، وأنزل الله عز وجل ” أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر “)) (التوبة : 19)،  إضافة إلى ذلك ، أجرى عبد المطلب سبع أشواط في قريش لعدم وجود عدد للطواف بها. وقد أقام الله هذه الأعمال في الإسلام يا علي ، لأن عبد المطلب لم يكن يقسم بالسهام ولا يعبد الأصنام ولا يشرب من اللحم المقتول على النصب. وبدلاً من ذلك ، قال: “أنا على دين والدي إبراهيم”.

غادر قريش الحرم هربا من أصحاب الأفيال عندما وصل أبرهة صاحب الفيل في حملته ضد الكعبة جلس عبد المطلب في فناء البيت وقال: (والله ما أبتعد عن حرم الله وأفتخر بغيره):

“لهم  إن  تعف   فإنهم   عيالك      إلا    فشئ    ما  بدا   لك”

وطلقت قريش على عبد المطلب بأبراهيم الثاني  (اليعقوبي، 1964,ج2،ص9)، وقال رسول الله ( ص ) : ((يا علي إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام ، ولا يعبد الأصنام ، ولا يأكل ما ذبح على النصب ، ويقول : أنا على دين أبي إبراهيم عليه السلام ))( المجلسي،  1983م ، ج15،ص127)

وعن الأصبغ بن نباته قال : سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول والله لم يقدم والدي ولا جدي عبد المطلب أو هاشم أو عبد المناف ذبائح لصنم ، سئلوا ماذا كانوا يعشقون؟ وأشار إلى أنهم كانوا  موحدين على دين إبراهيم (ع). ( الصدوق، محمد بن علي ، د.ت ، ص75)

وعن علي بن الحسين بن فضال انه قال : ((سألت الرضا ( ع ) عن معنى قول النبي ( ص ) : أنا ابن الذبيحين ؟ فقال :(( يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ( ع ) وعبد الله بن عبد المطلب ، ونتيجة لذلك ، تمكن عبد المطلب من التضحية بأحد أبنائه عندما استجاب الله لدعوته. وكان عبد المطلب قد دعا الله أن يرزقه عشرة أبناء متشبثًا بحلقة باب الكعبة. فظهر سهم عبد الله والد رسول الله (ص) ابنه المفضل.  ( الصدوق، محمد بن علي  , 1984م ، ج1 ،ص212).

ووفقًا للتقاليد ، فقد رتب عبد المطلب وليمة كبيرة ، وقتل الغنم والجمال ، وتناول الطعام على الناس لمدة ثلاثة أيام بعد الاحتفال بمولد النبي (ص) لمدة سبعة أيام. (المجلسي، 1983م ،ج 15 ،ص329) ، ((ولما بلغ رسول الله(ص)  (6) سنوات توفيت أمه آمنة بين مكة والمدينة وكانت قادمه على أخواله من بني النجار ، وتوفي قبل ذلك ابوه عبد الله بن عبد المطلب  بعد شهرين من مولده فبقي رسول الله (ص) يتيما لا أب له ولا أم فعاش رسول الله (ص) بعد وفاة والديه في كنف جدهُ عبد المطلب ، فأزداد عبد المطلب له رقة وحفظا)) (الصدوق ، 1984م ، ص172).

وذكر المفسرون في قوله تعالى: ( ألم يجدك يتيما فآوى ) (الضحى:6) ((بان الله انعم عليه حين مات أبوه وبقي يتيما بأن آواه وسخر له عبد المطلب أولا ، ولما مات عبد المطلب آواه إلى أبي طالب ، وسخره للاشفاق عليه والحنين على حفظه ومراعاته)) (الطوسي، ابو جعفر  ،1409ه،ج10،ص367).

ونتيجة لذلك ، قام جده عبد المطلب بتربيته ورعايته. وكان النبي (ص) يعطيه أفضل ما لديه عندما يحضره عبد المطلب ، لكنه كان ينتظر أن يأكل أي شيء حتى جلس النبي (ص) إلى جواره وجلس على فخذه. ، (البلاذري،احمد بن يحيى ، 1959م ،ج1،ص81) ولا يأكل عبد المطلب طعاما ألا يقول: ((علي بأبني، فيؤتى بهِ)) (ابن عساكر, علي بن الحسن   ,1995م,ج3 ,ص85) ، كان رسول الله (ص) يأتي ويجلس على فراش عبد المطلب ، ولكن لم يفعل ذلك أي من أبنائه احتراماً له. وحين حاول أعمامه منعه ، كان عبد المطلب يقول لهم: “اتركوا ابني هذا” يمسحون ظهره ويقبلون رأسه وفمه قبل أن يقول لهم: “أن لأبني هذا شأناً))(ابن إسحاق , محمد ابن اسحاق  , 2004م, ,ج1 ,ص 110) .

وبقي النبي في حجر عبد المطلب، فلما أتي عليه – أي عبد المطلب – اثنان ومائة سنة، جمع بنيه، وقال لهم: بما أن محمد يتيم فاعتموه وأعطوه واتركوا إرادتي في حوزته ، فقال أبو لهب: كفوا عنه ، فقال أبو لهب: أنا له ، قال العباس: أنا معه ، قال: أنت مستاء ، ربما تؤذيه ، فأنا معه ، أجاب أبو طالب وأنت معه أيضًا. آها محمد أطعه ، وأمر أبو طالب ، و فعل ما قيل له ليحفظه من خصومه بنفسه وثروته وسمعته. ،وفي ذلك يقول عبد المطلب:

أوصيك يا عبدُ مناف بعدي       بموحد    بعد   أبيه    فرد

فارقهُ وهو ضجيع   المهد        فكنتُ كالأم  لهُ  في  الوجد

تدنيه من احشائها   والكبد       فأنت من أرجى بني عندي))(ابن شهر اشوب،   ،1956م، ج1،ص34).

وتوفي عبد المطلب وعمر النبي( ص) ثمان سنين وعمر عبد المطلب مائة وعشرون سنة (الصدوق،  1983،ص173) ، ولما توفي عبد المطلب أعظمت قريش موته ، وغسل بالماء والسدر، وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر ، ولف في حلتين من حلل اليمن قيمتهما ألف مثقال ذهب ، وطرح عليه المسك حتى سترة ، وحمل على أيدي الرجال عدة أيام إعظاما وإكراما وإكبارا لتغييبه في التراب(اليعقوبي، 1964 ،ج2،ص14).

المبحث الثاني : رسول الله(ص)  في ايام كفالة عمه ابو طالب:

اولا: رعاية ابو طالب رسول الله(ص)

لما توفي عبد المطلب كان عمر رسول الله (ص) يومئذ ثمان سنين ، فتولى ابو طالب كفالته عملا بوصية عبد المطلب ، فأحتضنه أبو طالب وكان ينام معه حتى لا يأتمن عليه أحدا ، وتكفل رسول الله (ص) ، فكان خير كافل لهُ، (اليعقوبي، 1964 ،ج2،ص11) ،فعن ابي عبد الله (ع) انهُ قال: (( لما ولد النبي (ص) مكث اياما ليس لهً لبن، فألقاهُ ابو طالب على ثدي نفسهِ، فأنزل الله فيه لبنا ، فرضع منهُ اياما )) (الكليني،  1367هـ ،ج1 ،ص448).

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) عن أبي طالب:  ساد أبي الفقر ولم يسبقه غيره في الفقر . كان أبو طالب سيدًا نبيلًا كان مهيبًا ، وخرج النبي (ص) مع  عمه ابو طالب الى ارض الشام ، وعمرهُ (9 سنين). (اليعقوبي، 1964،ج2،ص11) ،وقيل: ثلاثة عشرة سنة (المسعودي، ،1958م،ج1،ص281)، ربته فاطمة بنت أسد بن هاشم زوجة أبي طالب وأم جميع نسله ولما توفيت قال (ص): ((اليوم ماتت امي، وكفنها بقميصهِ)) (اليعقوبي , 1964 ,ج2 ,ص11).

ولأن أبو طالب اعتنى به ، فقد أحب نبي الله (ص) بحب شديد لم يكن لديه لابنه. لم ينام حتى كان بجانبه ، وذهب معه إلى مكان ، وأطعمه  إذا أكل نبي الله وحده أو مع أولاد أبي طالب ، لم يشبعوا. أنتم مباركون فيقول ابو طالب: انك مبارك، فكان الصبيان يصبحون رمصا (الرمص:غمص ابيض تلفظه العين فتوجع له ،ينظر: الفراهيدي ، ،1409 ھ  ،ج7،ص122) شعثا، ويصبح رسول الله (ص) دهينا كحيلاً (ابن شهر اشوب،1956م ،ج1،ص35)، وعندما يريد ابو طالب ان اطعام ابناءه  ،يقول لهم : انتظروا ، فيأتي النبي (ص)، فيأكل معهم، دون ان ينقص الطعام ببركتهِ (ص) (ابن سعد،  1416ھ,ج1 ,ص119) .

نشأ رسول الله (ص) على أبي طالب يحفظه ويحميه من أمور الجاهلية وأخطائها حتى بلغ، وكان يسمى ب(الأمين) لما جمعه الله له من أعمال الصالحين فيه ، فهو الاسم الذي غلب عليه في  مكة (الصادق الأمين) ، ولما خرج رسول الله (ص)مع عمه أبي طالب إلى الشام في القافلة التي خرج فيها للتجارة نزلوا مع الراهب بحيرا، وأخبر أبي طالب عن النبي(ص) بأمره ، وأمره بحفظه ، فأعاده أبو طالب به. إلى مكة (ابن سعد ,الطبقات ,ج1 ,ص121 ؛ابن عساكر، 1995م ،ج3،ص10).

كما روي عن أبي طالب انه قال : كان يومًا حارًا جدًا عندما سافرت إلى بلاد الشام كتاجر مع محمد البالغ من العمر ثماني سنوات. عندما اجتمعنا جميعًا في الرحلة ، سألني رجال من قبيلتي ، “ماذا تريد أن تفعل بمحمد؟” من تخلف عن الركب إذن؟ قلت لذلك: أريده أن يكون معي. لا أريده أن يكون مسؤولا عن أي من الشعب. إذن ، أيها الفتى الصغير في مثل هذه الموجة الحارة ، هل يجب أن تخرج؟ قيل له. قلت: والله سيرافقني أينما ذهبت ، فإني لأوطئ لهُ الرحل (الرحل: رحل البعير ، وهو أصغر من القتب ،ينظر: الجوهري،  1987م  ،ج4،ص1707 )

وقال ابو طالب للرسول (ص) ذات مرة: ((وقد عزمتُ أن اترك لك بعيرين تسافر عليهن، وراحلتين تصلح بهما شانك، وبعض الذهب، والفضة اخطب لك فتاة من نسوان قريش من قومك، ثم لا ابالي بالموت حيث أتى، وكيف نزل)) (ألمجلسي , 1983م,ج16 ,ص53).

فقال أبو طالب:  خديجة بنت خويلد امرأة ميسورة الحياة لها عمل واسع ، وهي بحاجة إلى مثلك في صدقك ونقاوتك ووفاءك ذهب أبو طالب للبحث عنها واقترح عليها أن تسند للنبي صلى الله عليه وسلم بعض تجارتها ، فأسرعت للقيام بذلك لأنها أرادت ذلك ، فأرسلته إلى الشام مع ولد أسمته ميسرة. أنهى تجارته وعاد إلى مكة ، فأبلغتها ميسرة بصدقه وطهارته ، وما يقوله أهل الكتاب عنه ، وما كان معه في مكة.  (البلاذري ،1959م ، ج1،ص97)، بعد أن علمت بمحادثة عمه معه ، أرسلت إليه خديجة وأبلغته بما يلي: أعطيك ضعف ما أعطيه لرجل من قومك ( ابن سعد,الطبقات,ج1,ص107؛ابن عساكر, 1995م,ج61,ص316) .

أرسلته ليسافر بأموالها كتاجر ومضارب إلى الشام مع خادمها ميسرة بشرط أن تقدم له أفضل ما كانت تقدمه للتجار الآخرين. وأخبرها عن النبي محمد (ص) بصدق حديثه ، وعظمة صدقه ، وكرم أخلاقه  ثم قبل رسول الله (ص) المال وخرج به. (ابن إسحاق, 2004م,ج1,ص128)،،فكان (ص) يخرج بأموال خديجة مضاربا أو شريكا (اليعقوبي , 1964 ,ج2 ,ص21)، كما أنها استخدمتهُ كوكيل عنها في احدى قوافلها إلى سورية (مونتجومري وات, 1995م, ص73) .

لما علمت خديجة (ع) أن نبي الله (ص) يمتلك فضائل الصدق والاعتمادية ، بعثت إليه وطلبت أن يتزوجها من عمها عمرو بن أسد بن عبد العزي بن قصي (واتضح فيما بعد ذلك). كان هذا لعمها ورقة بن نوفل. (الكليني،الكافي،ج5،ص374؛الصدوق  ،1404ھ ،ج3،ص  398) فجاء رسول الله (ص) في نفر من أعمامه يتقدمهم أبو طالب حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة، فقال:  الحمد لله الذي خلقنا من نسل إبراهيم وبني إسماعيل ، وجعل لنا بيتًا مكفنًا ومقدسًا محميًا ، وجعلنا حكام على الناس  ، حتى لا يقاس ابن أخي محمد بن عبد الله برجل من قريش إلا إذا غلبه ، وما لم يكن عظيما فيه ، ، وله رغبة في خديجة. (الكليني، ا1367هـ ،ج5،ص374) وقيل:ان عمها ورقة بن نوفل قال:” نُريد مهرها المعجل دون المؤجل أربعمائة ألف دينار ذهبا، ومائة ناقة سود الحدق(حدقة العين في الظاهر هي سواد العين، ينظر: الفراهيدي،1409 ھ  ،ج3،ص41) حمر الوبر، وعشر حُلل، وثمانية وعشرين عبدا وأمة، فقال لهُ أبو طالب: رضينا بذلك” (ألمجلسي, 1983,ج16,ص70) .

فقالت خديجة (ع): يا محمد أنا زوجتك ، وأنا أدفع الصداق من مالي   (عبد الله بن غنم ، ويقال : عبد الرحمن بن غنم، ولقد كان ممن روى عن امير المؤمنين (عليه السلام) ،ينظر: الطوسي  ،1415هـ،ص76) في ذلك شعراً :

هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت لك    الطير فيما  كان منك بأسعد

تزوجته خير البرية  كلها        ومن  ذا الذي في الناس مثل  احمد.  (الكليني, 1367هـ,ج5,ص375؛ ابن شهر اشوب، 1956م ،ج1،ص40 ؛ الحر العاملي, 1414ھ ،ج20،ص263    )  .

وعمل أبو طالب وليمة عظيمة لأهل مكة لثلاثة أيام (المجلسي , 1983,ج16,ص47)، ولقد أصدقها رسول الله (ص) عشرين بكرة (بكر : البكر من الإبل : ما لم يبزل بعد ، والأنثى بكرة ، فإذا بزلا جميعا فجمل وناقة .،ينظر :الفراهيدي ،1409 ھ  ،ج5 ،ص364)،فكانت اول امرأة تزوجها، ولم يتزوج غيرها، حتى ماتت (ابن هشام الحميري،  ،1963م,ج1,ص221؛ ابن كثير،  ،1988م،ج2،ص359).

وفي سنة ثمان من نبوتهِ (ص)، قد اسلم حمزة بن عبد المطلب، فأزداد المسلمين قوة، لذلك اجتمعت قريش، وتأمروا بينهم، على أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيهِ، على إلا ينكحوا إلى بني هاشم، وبني المطلب، ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم، ولا يبتاعوا منهم شيئا، فكتبوا بذلك صحيفة، ثم علقوها في جوف الكعبة (الطبري, 1969م,   ،ج2,ص335- 336)، من أجل حماية رسول الله (ص) ليلا ونهارا ، جمع أبو طالب قبيلة بني هاشم ، وقاد الشعب – الذين بلغ عددهم أربعين – وحصن الجماعة. عندما يحل الليل ، يقف حرسًا بالسيف بينما يضطجع رسول الله (ص) ، ثم يأخذه ويضعه في مكان آخر. يطلب من ابنه وأولاد أخيه أن يراقبه طوال اليوم. (الطبرسي,  ,1417ھ  ,ج1,ص125) ومكثوا في الجبال ثلاث سنوات غير قادرين على الأكل إلا من فصل إلى موسم ، فكانوا يعانون من الجوع ، وكان هناك الكثير من العري ، وأنفق أبو طالب وخديجة كل أموالهم في فترة الحصار. (اليعقوبي, 1964,ج2,ص31؛ الراوندي , 1418هـ ،ج1 ،ص85)، ولما أرسل أبو طالب الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلى أمراء قريش ، أخذ على ظهره كمية من الحبوب والحنطة. وبالمثل كان الإمام علي بن أبي طالب يترك الناس ليلاً تفادياً لخصومهم مثل أبي جهل وغيره من المشركين  (ابن ابي الحديد ،  ,1967م،ج13،ص254) .

فكان (ص) وهو مسؤول عن تخصيص الأموال من حسابات أبو طالب وخديجة للإنفاق على المسلمين خلال تلك المرحلة الحاسمة من الحصار  ، حتى انهُ دار كلام ذات مرة بين أسماء بنت عميس(اسماء بنت عميس بن معبد بن تيم بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية ،زوجة جعفر بن ابي طالب، ولماهاجر جعفر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ومعه امرأته أسماء بنت عميس، وولدت له هناك عبد الله وعونا، ومحمد فلم يزل بأرض الحبشة حتى هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة ثم قدم عليه جعفر من أرض الحبشة وهو بخيبر سنة سبع للهجرة،ينظر: ابن سعد،1416ھ ،ج4،ص34)، ولما وصل عمر بن الخطاب إلى حفصة كانت معها أسماء. قال عمر: من هذا البحر الحبشي ، فقالت أسماء: نعم  سبقناكم في الهجرة لأننا أحقكم برسول الله (ص) وأثار ذلك غضب أسماء فقالت: لاوالله كنتم حاضرين عندما أطعم رسول الله (ص) الجياع ووبخ الجهلاء.  (ابن سعد, 1416ھ,ج8,ص281 ؛النسائي, 1991م,ج5,ص104) عن عمر يناهز 46 عامًا ، توفي أبو طالب مع نبي الله (ص) ، وتوفيت خديجة بعد ثلاثة أيام ، وحدد نبي الله (ص) تلك السنة (سنة الحزن). (الطبرسي , 1417ھ  ,ج1 ,ص53 ؛ابن أبي الفتح الاربلي, ,1985م,ج1,ص16)، وقال (ص) في حق ابي طالب: ((ما زالت قريش كاعة عني حتى مات عمي أبو طالب )) (ابن اسحاق،2004م ,ج 1,ص270؛  الذهبي,  ،1986م ،ج1 ،ص233).

ثانياً : مواقف ابو طالب من دعوة النبي(ص)

ان ابو طالب طيلة رعاية لرسول الله(ص) ، حتى وفاته ، لم يكشف التاريخ عن أي آراء غير مواتية اتخذها أبو طالب ضد الرسول (ص) وضد رسالته. على الرغم من كراهية الهاشميين وقريش للنبي( ص) ، ورغم عدم فهم مهمة أبي طالب وما تتطلبه من خصوصية إيمانه من أجل البقاء على مقربة من الرسول الكريم (ص) وقبوله في دفاعه عن الرسول (ص) ، ورغم عدم فهم كثير من المؤرخين لرسالة أبي طالب وما تتطلبه هذه الرسالة .

فقد ذكر المؤرخون وبعض الرواة موقف أبي طالب حينما دنت منه المنية، فقد ذكر بعض المؤرخين أنّ آخر كلمة قالها أبو طالب حينما دنت منه المنية أنّه قال : أنا على ملّة عبد المطلب  ثم مات(ابن الجوزي   ، 1992، ج3، ص8؛ ابن عساكر ،  1995، ج66، ص323).

لنا الحق في الاستفسار عن ديانة عبد المطلب إذا قبلنا بصحة المعلومات التي وردت عن أبو طالب  أشير إلى ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في نصه لفهم ايمان ابو طالب “: كان في العرب مشّبهة ومجسّمة، منهم أمّية بن أبي الصلت. وكان جمهورهم عَبَدَة الأصنام، فكان وَدّ لكلبٍ بدوامة الجندل، وسُواع لهُذيل، ونَسْر لحّمير … وكان هُبل لق ريش خاصة على ظهر الكعبة… فأما الذين ليسوا بمعطّلة من العرب فالقليل منهم، وهم المتألّهون أصحاب الورع والتحّرج عن القبائح، كعبدالله وعبد المطلب وابنه أبي طالب، وزيد بن عمرو بن نُفيل، و …  وجماعة غير هؤلاء “( ابن أبي الحديد، 1967م ، المصدر السابق ، ج1، ص 78).

ومن الجدير بالذكر فقد وردت روايات أخرى كثيرة مناهضة لما ذكره المؤرخون سلفاً، واليك ما أشار إليه المعتزلي بما نصّه: ((وقدُ روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة، أن أبا طالب ما مات حتّى قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله ))(ابن أبي الحديد ، 1967م ، ج14، ص 71).

والخبر المشهور أنّ أبا طالب عند الموت قال كلاماً خَفِيّاً، فأصغي إليه أخوه العباس، ثم رفع   رأسه إلى رسول الله (صل ) فقال:  يابن أخي، والله لقد قالها عّمك ولكّنه ضعف عن أن يبلغك صوته(ابن أبي الحديد ،1967م ، ج14، ص 71).

وروي عن علي أنّه قال:((  ما مات أبو طالب حتّى أعطى رسول الله (ص)  من نفسه الرضا )) (ابن أبي الحديد ،1967م ، ج14، ص 71).

 

النتائج

1 – من نعم الله عز وجل على رسوله الكريم (ص) وخصوصا بعد وفاة ابويه بأن اوجد له شخصية فذة وعظيمة تتولى رعايته وتربيته الا وهو جده عبد المطلب حيث كان رسول الله(ص) في وقتها صغيرا لا يتجاوز الست سنوات ، فكان لابد من وجود سند قوي يلجأ اليه ليستطيع مواجه ظروف وطبيعة الحياة الصعبة التي شهدتها شبه الجزيرة العربية انذاك فكان ذلك السند هو جده عبد المطلب اذا ما علمنا ما كان يتمتع به ذلك الرجل من  قوة وهيبة وشجاعة ومكارم الاخلاق حتى اطلق عليه قومه يومئذ بابراهيم الثاني ، حيث كان عبد المطلب سيد قريش أعطاه الله من الشرف مالم يعطي احداَ، وسنن سنناَ نزل القرآن بأكثرها ولقد ذكر رسول الله (ص): ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام  فمن ذلك الحجر الطاهر حجر عبد المطلب كانت بداية انطلاق رسول الله (ص) نحو العالم لنشر تعاليم الاسلام الحنيف ومكارم الاخلاق الفاضلة حتى روي عنه (ص) : ((انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)) تلك الاخلاق التي ورثها عن ابائه واجداده (ع).

2 – ما ان احس عبد المطلب بدنو اجله حتى عقد اجتماع لأولاده الاحد عشر واوصى خلال ذلك الاجتماع بان تكون مهمة كفالة رسول الله(ص) على عاتق ولده ابو طالب حيث انه اخو والد رسول الله(ص) عبد الله لام واحدة ،اضافة الى ان عبد المطلب وكما اشرنا هو رجل ذو حكمة وفراسة وكان يعلم بمكانة رسول الله(ص) وشأنه قبل البعثة فلابد من ان يتولى كفالته ورعايته رجل يستطيع حمايته ورعايته من مكائد الاعداء والحاقدين، فكان ابو طالب خير كافل وناصر ومعين لرسول الله (ص) حيث شب ونشأ في داره وكان لا يفارقه لا في حضر ولا في سفر وعلمه مهنة التجارة في ريعان شبابه وعندما اتقن مهنة التجارة طلب ابو طالب من خديجة وهي يومئذ اغنى امرأءة في مكة بان يخرج رسول الله(ص)  في تجارتها مضاربا وشريكا ، وما ان رأت من صدق حديثه وامانته حتى طلبت منه الزواج ، فخرج ابو طالب بموكب بني هاشم وهو يتقدمهم خاطبا خديجة لرسول الله(ص) وبعد ان بعث (ص) نبيا كان له ابو طالب خير ناص ومعين وواساه بماله ونفسه وخصوصا في فترة الحصار والمقاطعة في شعب ابي طالب والتي استمرت سنتين وقيل ثلاث سنوات حيث كان ابو طالب من ضمن المسلمين الذين حوصروا في ذلك الشعب ولقد انفق ابو طالب جميع ما يملك على المسلمين خلال فترة الحصار تلك وبقي ابو طالب طيلة حياته مدافعا ومناصرا لرسول الله (ص) حتى قال عنه (ص): ((ما زالت قريش كاعة عني حتى مات عمي أبو طالب “، ولما توفي حزن رسول الله (ص) لموته حزنا شديدا وفقد (ص) بموته سندا وعونا كان يلجا اليه في الشدائد والكرب التي كانت تواجهه حتى سمي ذلك العام الذي توفى فيه ابو طالب بعام الحزن

المصادر والمراجع :

  • القران الكريم

1 – ابن إسحاق , محمد ابن اسحاق بن يسار المطلبي,(ت 151ه/ 768م),السيرة النبوية ,تح: احمد فريد المزيدي, ط1,دار

الكتب  العلمية, بيروت, 2004م,

2 – البلاذري،احمد بن يحيى،(ت 279ھ / 892 م) ، انساب الاشراف،،تح:محمد حميد الله ،دار المعارف، القاهرة، 1959م

3 – الجوهري، اسماعيل بن حماد،(ت393ھ /1002م ) ، الصحاح ،تح: احمد عبد الغفورالعطار، ط4،دار العلم للملايين

،بيروت،1987م

4 – ابن ابي الحديد ،عزالدين عبد الحميد,(ت656ھ/ 1258 م ),شرح نهج البلاغة, تح: محمد أبو الفضل إبراهيم,

ط2,داراحياء الكتاب العربي,القاهرة ,1967م

5 – الحر العاملي, محمد بن الحسن , (ت1104ھ /1692م) , وسائل الشيعة في تحصيل مسائل الشريعة ,تح ونشر:مؤسسة آل

البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث,قم ,1414ھ

6 – الذهبي, ابوعبد الله شمس الدين محمد,(ت 748ھ/ 1347م) ,تاريخ الإسلام ووفيات مشاهير الاعلام, تح: عمر  عبد

السلام ، دار الكتاب العربي ،بيروت،1986م

7 – الراوندي , قطب الدين سعيد بن عبدالله,(ت573ھ/ 1177م ),قصص الأنبياء,تح,غلام رضا, ط1,قم, 1418هـ

8 – ابن سعد، محمد بن منيع،(ت230ھ /844 م) ترجمة الامام الحسن (عليه السلام) من كتاب الطبقات ،تح:عبد العزيز

الطباطبائي ،ط1،مؤسسة ال البيت لأحياء التراث ،قم ،1416ھ

9 – ابن شهر اشوب، محمد بن علي،(ت588ھ/ 1192م) ،مناقب ال ابي طالب، المطبعة الحيدرية ،النجف ،1956م

10 – الصدوق، محمد بن علي (ت381ھ / 991م ) الخصال، تح: علي اكبر غفاري، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة

المدرسين بقم المقدسة،1403هـ

11 – الصدوق،محمد بن علي بن بابويه (ت381ھ / 991م ) ،عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )، ,تح:حسين

الاعلمي,مطبعة مؤسسة الاعلمي,بيروت, 1984م

12 – الصدوق، محمد بن علي بن بابويه ،(ت381هـ/ 991م)،كمال الدين وتمام النعمة،تح:علي اكبر غفاري،مؤسسة النشر

الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المقدسة ،قم،(د،ت)

13 – الصدوق،محمد بن علي بن بابويه،(ت381ھ/ 991م) ،من لايحضره الفقيه،تح:علي اكبر غفاري ،منشورات جماعة

المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة ،قم ،1404ھ

14 – الطبرسي, الفضل بن الحسن,(ت548ھ/ 1153م),أعلام الورى بإعلام الهدى,تح ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم

السلام) لإحياء التراث,ط1,قم المقدسة,1417ھ

15 – الطبري,محمد بن جرير,(ت310ھ / 922م ),تاريخ الطبري, تح: محمد ابوالفضل إبراهيم ,ط2,دار المعارف, القاهرة ,

1969  م

16 – الطوسي، ابو جعفر محمد بن الحسن،(ت460هـ / 1067م )التبيان في تفسير القرآن، تح: أحمد حبيب قصير العاملي،

دار إحياء التراث العربي، بيروت،1409ه

17 – الطوسي ،احمد بن الحسن،(ت460هـ/ 1067م)،رجال الطوسي ،تح:جواد القيومي الاصفهاني ،مؤسسة النشر

الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة،1415هـ

18 – ابن عساكر, علي بن الحسن ,(ت 571هـ/ 1175م)  ,تاريخ مدينة دمشق ,تح : علي شيري , دار الفكر ,بيروت

,1995م

19 – ابن أبي الفتح الاربلي,علي بن عيسى,(ت693ھ/ 1293م) ,كشف الغمة في معرفة الأئمة,

ط2,دارالاضواء,بيروت,1985م

20 – الفراهيدي ،الخليل بن احمد ،(ت 175ھ / 791م ) ، كتاب العين،تح: مهدي المخزومي و ابراهيم السامرائي، مؤسسة

دار الهجرة، ايران،1409 ھ

21 – ابن كثير،ابي الفداءاسماعيل بن نور الدين،(ت774ھ / 1372م)،البداية والنهاية، تح:علي شيري، ط1،داراحياء التراث

العربي ،،بيروت،1988م

22 – الكليني،ابي جعفر محمد بن يعقوب،(ت329ھ/ 940م) ،الكافي ،تح:علي اكبر غفاري، ط3،دار الكتب الاسلامية

،طهران، 1367هـ

23 – المجلسي، ، محمد باقر،(ت1111ھ/ 1699م)، بحار الانوار، دار احياء التراث العربي،ط3، بيروت،1983م

24 – المسعودي،علي بن الحسين،(ت346ھ/ 957م)،مروج الذهب ومعادن الجوهر،تح: محمد محي الدين عبد الحميد، ط3،

مطبعة السعادة،مصر،1958م

25 – مونتجومري وات, محمد في مكة ,ترجمة: شعبان بركات المطبعة العصرية, لبنان ,1995م

26 – النسائي,احمد بن شعيب,(ت303ھ/ 915م) ,السنن الكبرى,تح : عبد الغفار وسيد كسروي حسن,ط1,دارالكتب

العلمية,بيروت,1991م

27 – ابن هشام الحميري، محمد بن عبد الملك(ت218ھ / 833م ),السيرة النبوية،تح:محمد محيي الدين عبد الحميد

،المدني،القاهرة،1963م

28 – اليعقوبي، احمد بن ابي يعقوب،(ت292ھ/904م) ,تاريخ اليعقوبي، المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف ،1964م

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *