نوفمبر 22, 2024 11:37 م
جريمة (1)

أ.د.مازن خلف ناصر الشمري

كلية القانون – الجامعة المستنصرية- العراق

Dr.mazin67@uomustansiriyah.edu.iq

009647711592004

الملخص

تعد الآثار الجرمية من أهم وسائل الإثبات في الجريمة فيها الدالة على وقائعها وملابساتها ومرتكبيها وهي الداعم والموجه الأول لجهات ضبط الأشياء في تعقب الجناة والقبض عليهم، فضلا عن أن ضبط الأشياء العائدة لأشخاص طبيعيين كانوا أم معنويين يعد مساسا بحقوقهم وحرياتهم المكفولة في الدستور والقانون، كل ذلك جعل المشرع الجنائي يفرد لها نصوصا خاصة، تبين إجراءات وضوابط التعامل مع تلك الأشياء والتصرف بها، ومع تزايد الاهتمام بموضوع التصرف بالأشياء المضبوطة وتعدد إجراءات التصرف بها وما يتولد عن إساءة التصرف بها من آثار قانونية، دفع الباحث الى إختيار دراسة هذا الموضوع لجمع جزئياته وبيان قواعده وأحكامه في التشريع العراقي.

الكلمات المفتاحية:ضبط ، مبرزات ، تصرف ، إساءة ، إجازة ، تجريم           

Detecting and disposing of criminal offences

Between licensing and incrimination

Prof. Mazin Khalaf Naser Al-Shamri

College of Law – Al-Mustansiriya University – Iraq

 

ABSTRACT                                                                                             

Criminal traces are one of the most important means of evidence in the crime in which it indicates its facts, circumstances and perpetrators, and it is the first support and guide for the authorities to track down the perpetrators and arrest them, in addition to the fact that the seizure of things belonging to natural or legal persons is considered a violation of their rights and freedoms guaranteed in the constitution and the law, all of this The criminal legislator made special texts for it, showing the procedures and controls for dealing with these things and disposing of them, and with the increasing interest in the issue of disposing of seized things and the multiplicity of procedures for disposing of them and the legal effects generated by mishandling them, prompted the researcher to choose to study this topic to collect its parts and clarify its rules and its provisions in Iraqi legislation.

Keywords: seizure, highlights, behaviour, abuse, leave, criminalization.

المقدمة

إن الطبيعة العابرة والهشة للآثار أو المبرزات الجرمية، وتحديد موثوقيتها وحفظ سلامتهاالمادية يعتمدان إلى حد كبير على التصرفات الأوليةالتي تتم في مسرح الجريمة،ويمكن تحقيقوضمان سلامتها بوسائل محدودة، بمراعاةمجموعة أساسية من المبادئالإرشادية،ذلك أن التصرف بعناية ومهنية وأمانة مطلقة بتلك الآثار أو المبرزات الجرمية طوال فترة عملية التحقيق والتحري في مسرح الجريمة يعد عنصرابالغالأهمية لقبولها كأدلةناطقة بأهميتها لأغراض قضائية، فضلا عن قبولها للتحقيقات المتعلقةبحقوقالإنسان وللعمل الإنساني.

ومن مجمل مصادر المعلوماتالمتاحةفي التحقيقات الأولية، ومنها مثلا الاعترافات، والإفادات، والمراقبة بأجهزة الكاميرات وغيرها، تؤدّي الأدلةالمادية(الآثار أو المبرزات الجرمية) دورا محوريا بالغ الأهمية،وفيما عدا هذه الأدلة، فإن جميع المصادرالأخرى للمعلومات قد تثير مشاكل عديدة تتعلق بموثوقيتها،فالأدلةالمادية، حينما تُستبان ويتم التعامل معها على النحو الواجب، فإنها تتيح أفضل افضل ما يمكن توفيره معلومات موضوعية وموثوقة عن الحادثة قيد التحقيق، وعليه تعد إجراءات التحرّي وجمع الأدلة في مسرح الجريمة عملية في غاية الأهمية، تستهدف تدوين وتوثيق واقع مسرح الجريمة لدى معاينته الأولى واستبانة لأدلتهالماديةكافة، أيا كان نوعها والتي قد تكون بالغة الأهمية للمباشرة بالتحقيقفي الحادثة وجمع الأدلة عنها، وهذا يستلزم بالنتيجة ضرورة حفظها والتحرز عليها بأيادي أمينة طيلة فترة التحقيق وصولا الى مرحلة المحاكمة التي تعد صمام أمان لعدالة الحكم القضائي وشعارها الدائم .

لذلك قد تكون هذه الأدلة المادية محلا للتعامل والتصرف بها غير المشروع أحيانا أمام مغريات الحياة نظرا لأهميتها القصوى، فكم من جريمة جرى التحقيق فيها اختفت مبرزاتها الجرمية نتيجة لاتفاقات مشبوهة من لدن البعضمن المؤتمنين من رجال السلطة العامة على تلك الأدلة بطلبه أو قبوله لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أو وعدا بشيء من ذلك لطمس معالم الجريمة بإتلافه لتلك الأشياء أو المبرزات الجرمية أو اخفائها أو حتى إعطائها لمن كانت له مصلحة في عدم إبرازها أمام جهات التحقيق أو المحاكمة .

وفيأغلب الحالات التي يُتوقّع فيها أن يتولى أعمال التحرّي في  مسرح الجريمة أشخاص لم يتولوا مسبقا أعمال التحري وجمع الأدلة أو ليست لديهم خبرة واسعة النطاق في هذا المجال، وقد تنشأ هذه الحالات عادة حين يكون مسرح الجريمةفي مكانٍ ناءٍ، أو حينلا يكون محققو مسارح الجرائمالمهرةمتاحين بسهولة، أو حين تكون استجابة الأجهزة القضائيةالمتخصصة بالعمل الجنائيليست كافيةأو بحجم الموضوع الجاري فيه التحري أو التحقيق .

أولا- أهمية البحث

تكمن الأهمية العلمية لهذا البحث في كونه يعالج إحدى القضايا الأساسية والحيوية المرتبطة بالعدالة الجنائية والتي تهدف الى المحافظة على الحقوق والممتلكات الخاصة بالأفراد أو الدولة، وبما يتوافق وأحكام القوانين الموضوعية والاجرائية لضمان سير المؤسسات الأمنية بانتظام وإطراد، فضلا عن كونه يمثل دراسة متخصصة في جانب مهم من جوانب الإجراءات الجزائية والتي تتمثل في بيان ماهية الآثار والمبرزات الجرمية كأشياء مضبوطة في مسرح الجريمة وإجراءات وضوابط التصرف فيها في مرحلتي التحقيق والمحاكمة.

ثانيا- أهداف البحث

تتمثل اهداف البحث ” ضبط المبرزات الجرمية والتصرف بهابين الإجازة والتجريم” فيما

1- تهدف هذه الدراسة الى تحديد معنى المبرزات الجرمية والتعرف على طبيعتهاوذاتيتها .

2- تحديد الجهات المخولة بضبط الأشياء ومعرفة اجراءات ووسائل ضبط وفحص المبرزات الجرمية .

3- بيان صور التصرف اللامشروع بهذه المبرزات فيها في مرحلتي التحقيق والمحاكمة .

ثالثا- مشكلة البحث

تثار في إطار بحث موضوع ضبط المبرزات الجرمية والتصرف بها بين الإجازة والتجريمجملة من الإشكاليات والتي يمكن طرحها في صورة أسئلة وكما يأتي:

  • هل جميع الأشياء المضبوطة يمكن التصرف بها وما هو الأساس القانوني لإقرار ذلك؟
  • ما هي الإجراءات اللازم اتخاذها في مرحلتي التحقيق والمحاكمة بصدد إجراء التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة؟
  • كيف يتم التعامل بالأشياء المضبوطة القابلة للتلف؟
  • ماهو مصير الأشياء التي لا يطلبها اصحابها خلال مدة معينة؟
  • ماهي الآثار المترتبة على إساءة التصرف بالأشياء المضبوطة في التشريع العراقي؟

رابعا- منهجية البحث

أن تحليل النصوص الجزائية الخاصة بموضوع البحث من الناحية اللغوية والمنطقية وبيان الآراء والاتجاهات الفقهية والتطبيقات القضائية بخصوصها من أجل الوصول الى غاية المشرع تقتضي اتباع المنهج التحليلي، من أجل الوصول الى أفضل الصيغ القانونية لموضوع البحث، وسوف تقتصر دراستنا على النص الواجب التطبيق في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي بقدر تعلق الأمر بالمبرزات الجرمية المتحصلة من جريمة وقعت في داخل صفوف قوى الأمن الداخلي  كالتلاعب أو التصرف بها أو التسبب في هلاكها أو فقدانها أو إتلافها كلا أو جزءا منها أو استبدل أجزاء منها أو ساعد في ذلك وفقا لما تم النص عليه في المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي العراقيرقم (14) لسنة 2008 النافذ .

خامسا- خطة البحث

المطلبالأول- ماهية ضبط المبرزات الجرمية

الفرعالأول- مفهوم ضبط المبرزات الجرمية وذاتيتها

الفرعالثاني- الجهة المختصة بضبط المبرزات الجرمية وأنواعها

المطلبالثاني- التصرفغير المشروع في المبرزات الجرمية المضبوطة

الفرعالأول- تجريم إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية

الفرعالثاني- أركان وعقوبة التصرف الغير مشروع بالمبرزات الجرمية

المطلبالأول- ضبطالمبرزات الجرمية

أن للأشياء المضبوطة أهمية فاعلة في كشف واقعة الجريمة، حيث تسهم كمبرزات جرمية في التعرف على مرتكبها أحيانا، حيث أن المجرم وبعد ارتكابه الجريمة يترك بعض الأشياء والأدلة المادية في مسرح الجريمة، واثناء القيام بأجراء المعاينة في مكان الحادث ومحتوياته، يتم ضبطها أو يتم الضبط نتيجة تفتيش المتهم أو مسكنه، وما يتم ضبطه من أشياء أو طرود ذات صلة بالجريمة كالسلاح المستخدم بارتكاب الجريمة أو أي أداة أخرى، وكل شيء يفيد كشف الحقيقة، يتم ضبطه وتسليمه الى الجهة المختصة بالحالة التي ضبطت عليها، ويعود سبب ذلك الى أن للمبرزات المضبوطة أهمية في التحقيق الجنائي سيما الكشف عن حقيقية الجريمة ومعرفة الجناة، وتأسيسا على ما تقدم سنعرف المبرزات الجرمية وبيان ذاتيتها في الفرع أول، ومن ثم نوضح الجهة المختصة بضبط ضبط المبرزات الجرمية وإجراءاتها اللازمة في الفرع الثاني،وذلك على النحو الاتي.

الفرع الأول- مفهومضبط المبرزات الجرمية وذاتيتها

مما لا شك فيه أن الغاية من تفتيش مسرح الجريمة هو الاهتداء الى الحقيقة والتعرف على الجاني والدوافع لارتكاب الجريمة، فسرعة الانتقال الى مسرح الجريمة يسهم في ضبط المبرزات الجرمية والتحفظ على أدلة إثباتها والتي تحدد مجريات القضية، لذا سوف نتناول في هذا الفرع تعريف الأشياء المضبوطة لغةَ واصطلاحا وذلك على النحو الآتي:

أولا- ضبط المبرزات الجرمية لغةً واصطلاحا،ويراد بهوضع اليد على الشيء وحفظه، فهو لزوم الشيء وحبسه، أي ضبط عليه وضبطه يضبط ضبطا والضبط لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء، وضبط الشيء حفظه بالحزم حفظا بليغا، وضبط لسانه، ضبط اعصابه وضبط نفسه أحكم السيطرة على عواطفه(أبن منظور، 1989، ص340)، والرجل ضابط أي حازم، ورجل ضابط وضبطني: قوي شديد(أبن منظور، 1989، ص357).

وعُرفالضبط اصطلاحا أيضا بأنه ” وضع السلطات العامة يدها على شيء قامت بينه وبين الجريمة التي وقعت صلة معينة يسهم في كشف الحقيقة ومعرفة الجناة ويساعد الجهات التحقيقية في الوصول الى الحقيقة سواء كانت لمصلحة المتهم أو ضده” (عقيدة،1994، ص65)، وعرف كذلك” الإجراء الذي يقوم به الموظفين الذين خولهم القانونجمع الادلة عن الجرائم المرتكبة”(طنطاوي،2003، ص76)،أي وضع اليد على ما يصلح دليلاأو قرينة في الجريمة لتقديمه الى القضاء، ولا يقع الضبط ألا على الأشياء المادية أيا كانت طبيعتها(عثمان، 1987، ص33)، ويقصد بالضبط بوجه عام” وضع اليد على  شيء يتصل بجريمة وقعت ويفيد في كشف الحقيقة عنها وعن مرتكبيها” (بكار،2005، ص415) .

أما المبرزات لغة، فهي أسم مبرز، أسم مفعول من برز، وبرز يبرز بروزا خرج الى البراز اي الفضاء وبرز اي اخرج وبابه دخل وابرزه غيره وبرز الشي تبريزا بمعنى اظهره وبينه وتبرز اي ظهر بعد الخفاء  ومن ثم فان المبرز هو ظهور مادي للشيء المضبوط (مسعود،1992، ص91)، وجاء الضبط في بعض المعاجم المعاصرة، ضُبِط المتهم، أي: قُبِض عليه، وضَبَطَ البضاعة المهربة أو نحوها أي: قبض عليها (مجمع اللغة العربية،1989، ص376) .

وفي معنى الجرمية، فإنها تعني اسم الجرم، أي بمعنى القطع  وجرمه يجرمه  جرما، أي قطعه، والجرم والجريمة بمعنى الذنب، وجرم الشخص أي أذنب واكتسب الإثم، وجرم – يجرم – جريمة وتجرم تجرما، بمعنى أدعى عليه الجرم وهو لم يفعله (مسعود،1992، ص195)، وفي قوله تعالى ((لا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ)) (النحل، آية 23) .

وعلى الصعيد الاصطلاحي التشريعي، لم يعرف المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم (111) لسنة1969 أو حتى في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم (14) لسنة 2008 كذلك قانون العقوبات العسكري الملغي رقم (13) لسنة 1940 وقانون العقوبات العسكري النافذ رقم (17) لسنة 2007 مصطلح المبرز الجرمي، ولا حتى التعليمات الصادرة عن وزارة العدل رقم (1) لسنة 1973 والخاصة بضبط المواد الجرمية لم تعرف أيضا المبرز الجرمي وإنما وضعت تقسيمات خاصة به وآليات المحافظة عليه .

ولم نجد تعريفا لمصطلح المبرز الجرمي في أحكام القضاء الجنائي، باعتبار أن مهمة القضاء هي تطبيق النصوص القانونية واصدار الأحكام العادلة وليس وضع التعريفات للمصطلحات القانونية .

أما موقف الفقه من تعريف المبرز الجرمي ومن خلال الاطلاع على المصادر والمراجع الفقهية التي تناولت جريمة الاعتداء على الأمانات والمبرزات الجرمية، لم نجد تعريفا لمصطلح المبرز الجرمي بل حتى الأمانة .

ومع ذلك يمكننا أن نعرف المبرز الجرمي بأنه الأموال المنقولة التي تخص المتهم أو المجنى عليه أو الغير التي لها صلة بالجريمة المرتكبة تم ضبطها في مسرح الجريمة وتم تثبيتها في محضر ضبط أصولي  وتقيد في سجل المبرزات الجرمية .

ثانيا- ذاتيةالمبرزات الجرمية

لم يميز المشرع بين مصطلح المبرز الجرمي وبين مصطلح الأمانة، وذلك لأن الأمانة سواء كانت عائديتها للمجنى عليه أو المتهم أو الغير لا تتعلق بالجريمة وليس من مادياتها ولا يتم ضبطها في الدعوى الجزائية وانما يتم تسليمها الى رجل الشرطة بحكم وظيفته على سبيل الأمانة، سيما الأشياء التي يتم العثور عليها عرضا اثناء ارتكاب الجريمة وتسليمها الى من تثبت عائديتها له بدون موافقة السلطة القضائية أو الإدارية سواء بعد أن يتم تسجيلها في سجل الأمانات أو قبل ذلك (الجبارة، 2011، ص115) .

وخير مثال على ذلك العثور على جهاز موبايل أو مبلغ من المال داخل مركبة بعد تعرض صاحبها لحادث مروري، فتسلم الى رجل الشرطة المسؤول عن الأمانات ليتم تسجيلها في سجل الأمانات والمحافظة عليها بعد تثبيت ما هيتها وأعدادها وأوصافها وكل ما يتعلق بها، ومن ثم يتم تسليمها الى من تثبت عائديتها له اصوليا، ومن ناحية أخرى تعد الأمانات أقل خطورة من المبرزات الجرمية، كون الأولى لا صلة لها بالجريمة، أما المبرزات الجرمية فإنها الأساس في وجود الجريمة وأدلتها المباشرة .

وكثيرا ما يستخدم الفقه مصطلح الأشياء المضبوطة ومصطلح المبرزات الجرمية في صورة مترادفة، حتى أدى ذلك الى اعتبارهما ذا مدلولا واحدا، وللتمييز بينهما، فإن المبرزات الجرمية لها مدلولها القانوني، فهي كل ما استعمل في ارتكاب الجريمة أوأعدت لاستعمالها كالأسلحة والآلات أوالأشياء التي تحصلت من الجريمة أو التي تخلفت عن الجريمة وغير ذلك مما يفيد في كشف الحقيقة “(عبد المطلب، 2009، ص 245)، أي أن الضبط يقع على مادة يشتبه بأهميتها في الوصول الى الحقيقة، كالأشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو كان يراد استعمالها في ارتكابها، كالأسلحة والأدوات والأوراق، فيتم ضبطها سواء نتج عن هذا المضبوط دليلا ماديا أم لا، حيث تتشابه المبرزاتالجرمية مع الأشياء المضبوطة التي تأخذ وصفها من طبيعتها، أي ذات طبيعة مادية يمكن إدراكها بالحواس، وكذلك تعتمد المبرزات الجرمية كدليل على الأشياء المضبوطة التي تتخلف عن الجرائم وتعزز اقتناع القاضي بطريق مباشر، حيث أن الأشياء المضبوطة وسيلة من وسائل الحصول على المبرزات الجرمية كأدلة مادية من أجل كشف الحقيقة، ألا أن ما يتم ضبطه من أشياء اثناء مرحلة التحري وجمع الادلة والتحقيق كثيرا منها ليس لها علاقة أو صله بالجريمة المرتكبة لذا لا نعتبرها حينئذ دليلا ماديا، فالمبرزات الجرمية نتيجة إيجابية للأشياء المضبوطة يتم استخلاصها بعد الفحص والتدقيق من قبل الجهة المختصة .

ونلخص من ذلك الى أن المبرزات الجرمية المضبوطة وسيلة من الوسائل التي يستعين بها المحقق أو قاضي التحقيق في كشف حقيقة الجريمة من خلال استخلاص أدلة مادية منها(صاحب، 2018، ص85)، لذا من الخطأ اعتبار الأشياء المضبوطة والمبرزات الجرمية كأدلة مادية ذات مدلول واحد .

الفرع الثاني- الجهة المختصة بضبط المبرزات الجرمية وأنواعها

الأصل أن ضبط الأشياء التي لها علاقة بالجريمة يعد من إجراءات التحقيق (الرهيمي، 2006، ص171)، وهي إجراءات ذات طبيعة قضائية تمارسها السلطة المختصة بالتحري والتحقيق (سلامة، 1997، ص607)، فضلا عن ذلك أن هناك جهات أخرى لها صلاحية ضبط الأشياء والمحافظة عليها بغية اكمال التحقيق، وأن هذه الصلاحية مُنحت لها بموجب قوانين خاصة، لغرض القيام بواجباتها المتمثلة بضبط الأشياء التي لها علاقة بالجريمة التي يجري التحقيق بشأنها وحفاظا على سريتها وخشية العبث بها والتصرف بها خلاف للضوابط، ولأجل ذلك توسع المشرع العراقي في المادة (39) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، فخول جهات عديدة لها سلطة وضع اليد على المبرزات الجرمية وهم كل من:

  • ضباط الشرطة ومأمورو المراكز والمفوضون.
  • مختار القرية والمحلة في التبليغ عن الجرائم وضبط المتهم وحفظ الاشخاص الذين تجب المحافظة عليهم .
  • مدير محطة السكك الحديدية ومعاونه ومأمور سير القطار والمسؤول عن إدارة الميناء البحري أو الجوي وربان السفينة أو الطائرة ومعاونه في الجرائم التي تقع فيها .
  • رئيس الدائرة أو المصلحة الحكومية أو المؤسسة الرسمية وشبة الرسمية في الجرائم التي تقع فيها .
  • الأشخاص المكلفون بخدمة عامة والممنوحون سلطة التحري عن الجرائم واتخاذ بشأنها في حدود ما خولوا به بمقتضى القوانين الخاصة .

ومن ثم فإن ضبط الأشياء باعتباره عمل إجرائي لا بد أن يكون له محل يرد عليهأو موضوع يرتب عليه القانون آثاره( عبد المطلب، مصدر سابق، ص245)، وعليه فإن كل ما يفيد في الكشف عن الحقيقة، يصح ضبطه إذا تعلق بالجريمة أو له أهمية في كشف الحقيقة، فلا يجوز الدفع بحرمة الأسرار التي ضحى بها المشرع في سبيل إظهار الحقيقة (الجندي، 1988، ص89) .

وعليه فإن المعيار في تحديد كون الشيء مبرزا جرميا هو صلته المباشرة بالجريمة المرتكبة،أي العلاقة بين الجريمة وأهميتها في كشف حقيقتها والشيء الذي تخلف في مكان الجريمة، من خلال التوصل الى اعتبارهدليلاماديايفيد في إدانة المتهم أو براءته على حد سواء.

ومن الملاحظ أن التشريعات الإجرائية (محل الدراسة) لم تحدد محل الضبط على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال(أصولية،1971، المواد 43 و79)، حيث بينت أن الضبط يرد على الأسلحة والأوراق وكل شيء يظهر أنه اُستخدم في ارتكاب الجريمة، أو نتج عنها، أو وقعت عليه، وكل شيء يفيد في الكشف عن الحقيقة، ووضع اليد من قبل السلطة المختصة على الأشياء المتعلقة في الجريمة، ينبغي أن يكون على الأشياء المضبوطة (مادية)، وذلك لأن الأشياء المعنوية لا تصلح محلا للضبط ولكن تصلح محلا للمراقبةكمراقبة المكالمات الهاتفية .

وبالرجوع الى التعليمات الصادرة عن وزارة العدل رقم (1) لعام 1973 والخاصة بخزن المواد الجرمية والتي خولت المحاكم العمل بموجبها تشمل الأموال والأشياء والأسلحة وأي شيء آخر يستخدم في ارتكاب الجريمة ليتم ضبطه  من قبل رجال الشرطة بوصفه أحد اعضاء الضبط القضائي لتكون هذه المبرزات الجرمية كأدلة للجريمة، وبناء على ذلك سنبين أهم المبرزات الجرمية التي أشارت لها التعليمات المذكورة:

أولا- الاسلحة: وتشمل الاسلحة النارية والحربية والأثرية والتذكارية والعتاد الوارد ذكرها في قانون الاسلحة رقم (51) لسنة 2017، والتي تستعمل في ارتكاب الجريمة ويتم ضبطها وتحال مع أوراق الدعوى الجزائية كمبرز جرمي، والتي تكون محلا للاستبدال أو الإتلاف أو الفقدان أو غير ذلك من صور السلوك الجرمي .

ثانيا- المحررات المزورة: من الممكن أن يكون محل الجريمة (المبرز الجرمي) محرر مزور مرفق مع أوراق الدعوى الجزائية يعثر عليه رجل الشرطة اثناء التفتيش أو يسلم له بحكم وظيفته كونه المسؤول عن المبرزات الجرمية لغرض المحافظة عليها .

ثالثا- العملة الصحيحة أو المزيفة أو أوراق النقد والسندات المالية: ويقصد بالعملة وسيلة الدفع القانونية التي تضعها الدولة وتحمل قيمة محددة وتخصصها للتداول في المعاملات وتفرض الالتزام بقبولها، أما العملة المزيفة فتعني العملة التي دخل التغيير على قيمتها سواء بالزيادة أو بالنقصان، ويعد تزييفا للعملة المعدنية انقاص وزنها أو طلائها بطلاء يجعلها تشبه مسكوكات أكثر منها قيمة .

رابعا- المركبة: ونعني بها أية آلة ميكانيكية أو دراجة عادية أو نارية أو عربة أو أي جهاز آخر يسير على الطريق بقوة ميكانيكية أو بأية وسيلة أخرى ويشمل ذلك الجرار، وتقسم المركبات الى مركبات خفيفة معدة لنقل الأشخاص والبضائع والمركبات الثقيلة المعدة لنقل البضائع والحافلات الثقيلة والخفيفة والعجلات بمختلف أنواعها .

عليه فإن محل الجريمة (المبرز الجرمي) من الممكن أن يكون مركبة تتسبب بحادث مروري، وذلك باصطدامها مع دراجة نارية أو أي مركبة أخرى وتثبت هذه المركبات المسببة للحادث المروري في الدعوى الجزائية وتسلم الى رجل الشرطة للمحافظة عليها، ألا أنها قد تكون عرضة للاستبدال أو الإتلاف أو الفقدان أو غير ذلك من صور السلوك الجرمي من شأنه أن يؤدي الى الإضرار بالمبرز الجرمي موضوع الدعوى الجزائية .

وقد يكون محل الجريمة (المبرز الجرمي) أموال منقولة كالنقود أو المخشلات الذهبية أو غيرها من الأموال يتم سرقتها من قبل الجاني وتضبط هذه الأموال بحوزة مرتكب الجريمة ويتم ضبطها والتحرز عليها من قبل رجل الشرطة لغرض المحافظة عليها وتثبيتها في السجل الخاص بالمبرزات الجرمية .

خامسا- المواد المخدرة: عرف المشرع العراقي المواد المخدرة في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 النافذ بانها كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المدرجة في الجداول الأول والثاني والثالث والرابع الملحقة في هذا القانون وهي قوائم المواد المخدرة التي اعتمدتها الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام 1961 وتعديلاتها، لذلك يمكن أن يكون محل الجريمة مواد مخدرة تضبط بحوزة الجاني من قبل رجل الشرطة ويتم عرضها على قاضي التحقيق وتضبط هذه المواد التي عثر عليها رجل الشرطة أو تسلم الى رجل شرطة آخر للمحافظة عليها وتسجيلها في سجل المبرزات الجرمية بعد تثبيتها وتحال مع الدعوى الجزائية الى المحكمة المختصة .

سادسا- المشروبات الروحية: عرفت الفقرة (د) من المادة (1) من قانون المشروبات الروحية العراقي رقم (3) لسنة 1931 المشروبات الروحية بأنها كحول الشراب والكحول المحتوية على المثيل والشراب والبيرة وأي سائل مؤلف من اكثر من اثنين في المائة من الكحول او يحتوي على اكثر من هذا المقدار ولكنها لا تشمل العطور أو الروائح العطرية ولا مستحضرات الزينة الأخرى أو المستحضرات الطبية المؤلفة من كحول أو محتوية عليها، وترتيبا على ذلك قد يكون محل الجريمة مشروبات روحية ضبطت بحوزة أحد الاشخاص من قبل رجل الشرطة وتم ضبطها واحيلت مع الدعوى الجزائية لقاضي التحقيق ثم سلمت المضبوطات الى رجل الشرطة المسؤول عن الامانات والمبرزات الجرمية ليتم تثبيت ماهيتها واوصافها في السجل الخاص بالمبرزات الجرمية .

المطلبالثاني- التصرف في المبرزات الجرمية

أن الغرض من التفتيش كمبدأ عام هو ضبط الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة عن الجريمة التي يجري التحقيق أو جمع الادلة بشأنها, ومعنى الضبط في هذا المجال هو وضع الأشياء التي عثر عليها تحت يد السلطة العامة وذلك للتحفظ عليها الى حين انتهاء الإجراءات في الدعوى الجزائية سواء كأن بإصدار أمر بحفظ الأوراق أو بألا وجه لإقامة الدعوى أو الحكم في موضوعها، فإن بقاء الأشياء المضبوطة تحت يد السلطة العامة مؤقتا، اقتضته ضرورة الحال للوصول الى حقيقة الجريمة ومعرفة مرتكبيها، وفي حالة ثبوت علاقتها بالجريمة يتحول وصفها عندئذ الى مبرزات جرمية (المرصفاوي، 1978، ص 414) .

لذا ألزمت التشريعات الجنائية المقارنة سلطة التحقيق أو المحاكمة كُلا وحسب اختصاصه بالفصل في موضوع الأشياء المضبوطة، وأن الأشياء المضبوطة لا تتعدى أحد الأمور الثلاث الاتية: فإما أن تكون ممنوعة بذاتها أو تكون حيازتها جريمة قائمة بذاتها، ففي هذه الحالة لا ترد هذه الأشياء لمن وجدت معه، وإنما تصادر سواء كانت المصادرة إدارية أم قضائية أي بحكم قضائي، وتصبح ملكا للدولة حتى وأنحكم على المتهم ببراءته فيما بعد (عبود، 1998، ص36).

وإما أن تكون هذه الأشياءمباحة، ففي هذه الحالة يكون ضبطها واحتجازها على ذمة التحقيق لا يغير من الملكية أو الحيازة شيء، بل تبقى على ذمة أصحابها الذين يمكنهم المطالبة بها في ميعاد معين من تاريخ صدور القرار بتسليمها، وألا اصبحت ملكا للدولة دون حاجة الى أصدار حكم بذلك (الرملاوي، 1988، ص31) .

وإما أن تكون متصلة بالجريمة المرتكبة، عندئذ تعد من قبيل المبرزات الجرمية التي لا يمكن على الاطلاق إعادتها لصاحبها أو التصرف بها من أي جهة أخرى، إلا إذا ثبتت براءة المتهم من الجريمة وينبغي التحرز عليها وتثبيت حالتها وايداعها لدى الجهات المعنية للحفاظ عليها من أي تصرف قد يطالها (صاحب، 2018، ص85) .

ومما تجدر الإشارة اليه أن المشرع العراقي قد جرم في المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم (14) لسنة 2008 الاعتداء على المبرزات الجرمية المضبوطة وعدها تجاوزا على الوظيفة العامة واعتبرها من الجرائم المخلة بشؤون الخدمة، نتيجة للسلوك المنحرف لبعض أفراد الشرطة الذي يسيء لسمعة الوظيفة الشرطوية,

لذا يتطلب توفير الحماية الجنائية للمبرزات الجرمية المضبوطة، وذلك للمحافظة على الثقة بالمؤسسة الأمنية وانتظام عمل رجال الشرطة، وذلك من خلال تحقيق الردع ومنع وقوع جريمة التي تستهدف المصالح المحمية قانونيا .

لذا سوف نقسم هذا المطلب الى فرعين نخصص الأول لبيان المصلحة المعتبرة من تجريم إساءة التصرف بالأشياء المضبوطة ونكرس الثاني لمعرفة أركان هذه الجريمة وبيان ما تم تقريره من جزاء لمن يقترف مثل هكذا أفعال جرمية وذلك على النحو الاتي:

الفرع الأول- ذاتيةالمبرزات الجرمية والمصلحة المعتبرة من حمايتها

رب سائل يسأل لماذا جرم المشرع العراقي في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي الاعتداء على الأمانات والمبرزات الجرمية، وهناك نصين في ذات الوقت في قانون العقوبات تتعلقان بجريمة الاختلاس الواقعة من موظف عام الأول أشارت اليه المادة (250) والثاني أشارت اليه (315) ؟

للإجابة على هذا التساؤل، هناك ثمة تباين بين جريمة التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة وجريمة الاختلاس، حيث تعد جريمة إساءة التصرف بالأشياء المضبوطة من الجرائم المخلة بشؤون الخدمة لمساسها بسمعة وشرف الوظيفة، أذ عدها المشرع في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي من الجرائم المخلة بشؤون الخدمة الأمنية, أما جريمة الاختلاس تعد من الجرائم المخلة بشؤون الوظيفة وذلك لمساسها بسمعة وشرف الوظيفة (الجوراني، 1990، ص27) .

حيث تختلف الجريمتان كذلك من حيث المحل، ففي جريمة إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة يكون، إما أن تكون أمانات أو شيء متحصل من جريمة، أي تكون أموال منقولة، بينما في جريمة الاختلاس يكون محلها كل مال منقول ليس شرطا أن يكون متحصلا من جريمة، يتسلمه الجاني بسبب وظيفته، أي كل شيء يمكن حيازته ماديا أو معنويا والانتفاع به انتفاعا مشروعا ولا يخرج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون، أي كل شيء يمكن تقويمه بالمال (سلامة، 2018، ص 258) .

ومن حيث توافر القصد الخاص نجد أن جريمة الاختلاس يتوافر فيها القصد العام المتمثل بإرادة الجاني فعل الاختلاس، أي بمعنى أن يريد الجاني الفعل الذي يقع به الاختلاس أي أن يتصرف في الشيء تصرف المالك ويعلم أن الشيء عائد للدولة، ويتطلب توافر القصد الخاص أي نية التملك للمال المختلس, أي نية الجاني بإنكار حق الدولة بالمال المختلس ونيته تملك المال والتصرف فيه تصرف المالك(التميمي، 2019، ص679), أما جريمة إساءة التصرف بالأشياء المضبوطة، يتطلب فيها توافر القصد العام فقط المتمثل باتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة وأن يعلم أن محل الجريمة تعود ملكيته للأفراد أو الدولة ( الحسيني، 2021، ص41).

ومن حيث تصور الشروع, يمكن تصور الشروع في جريمة إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة، وذلك لأن المشرع في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي حدد صور السلوك الإجرامي، كما في من يتلاعب أو يتصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة ويضبط قبل إتمام الجريمة من قبل مسؤوله المباشر، أما جريمة الاختلاس فلا يمكن تصور الشروع فيها , وذلك لأنه إذا حصل الاعتداء تقع الجريمة تامة، أما إذا لم يقع الاعتداء فلا محل للجريمة، أي أن جريمة الاختلاس، أما أن تقع أو لا تقع وليس بين الوضعين أمرٌ وسط ( حسني، بلاسنة طبع، ص114).

أن الغاية من وجود القانون الجنائي والسياسية الجنائية تتمثل في حماية مصالح المجتمع من الإجرام,ولكي تكون المصلحة جديرة بالحماية لا بد أن يكون هناك نصوص قانونية تضمن هذه الحماية للحيلولة دون وقوع اعتداء عليها( حسن، 2002، ص491).

ومن خلال ما تقدم نجد أن المشرع العراقي في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم (14) لسنة 2008 المعدل، قد بين المصلحة المحمية، وذلك بتحديد الأفعال التي تعد جرائم وتمس حق الفرد والدولة وتتثمل بالأمانات والمبرزات الجرمية في المادة (24) ووفر لها الحماية، وذلك بتجريم الأفعال التي تمس تلك الحقوق وحدد لها العقاب،

كما أن الغاية من تجريم إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية هو المحافظة على شرف وسمعة الوظيفة لجهاز قوى الأمن الداخلي، بالإضافة الى ذلك هناك مصلحة أخرى خصها المشرع بالحماية وهي مصالح الأفراد والدولة المتمثلة بالمبرزات الجرمية المضبوطة التي تعد أدلة تبنى على أساسها ارتكاب الجريمة من عدمه .

وتحتل المبرزات الجرمية المضبوطة أهمية في عمل أعضاء الضبط القضائي بشكل عام ورجال الأمن بشكل خاص، وذلك من خلال الواجب الذي يتجلى به المعنيون والمتمثل بمكافحة الجريمة وجمع الأدلة ومعاقبة مرتكبيها, لكونها قد تكون الأدلة اللازمة لإثبات الجريمة أو قد تكون محلا للجريمة أو الأداة التي ارتكب بها الجريمة أو قد لا تكون لها علاقة بالجريمة والتي ينبغي المحافظة عليها من قبل رجل الشرطة, وقد تكون عائديتها إلى الدولة أو تمثل حقا خاصا بالأفراد .

الفرعالثاني- أركان وعقوبة التصرف الغير مشروع بالمبرزات الجرمية

جرم المشرع العراقي الاعتداء على الأمانات والمبرزات الجرمية بنص المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي والتي تنص على أن” يعاقب بالسجن كل من تلاعب أو تصرف بالأمانات أو المبرزات الجرمية أو تسبب في هلاكها أو فقدانها أوإتلفها كلا أو جزءا منها أو استبدل أجزاء منها أو ساعد في ذلك ” .

أما بخصوص قانون العقوبات العسكري(13) لسنة 1940 الملغي، فإنه لم ينص على جريمة إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة الذي كان يطبق على أفراد القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي(مصطفى، 1983، ص76)، إلا أن المشرع أشار إلى حماية الأموال من الاعتداء الذي قد يحصل عليها من قبل رجال الشرطة(الشهاوي، 1990، ص809 ), وكذلك الحال بالنسبة لقانون العقوبات العسكري النافذ، فلم نجد فيه أي إشارة الى هذه الجريمة .

بيد أنه أشار الى جريمة تخريب الأموال في الفقرة (ثانيا) من المادة (61) منه لكون أحكامه تطبق فقط على أفراد القوات المسلحة الغير معنية بحفظ الأمانات المتعلقة بالجرائم المرتكبة وإنما يتعلق بالجرائم الخاصة بالضبط والربط وكل ما من شأنه الحفاظ على سلامة أراضي الوطن من الأعداء في خارجه, وذلك لأن طبيعة عمل القوات المسلحة تختلف تماما عن عمل أفراد قوى الأمن الداخلي الذين اعتبرهم القانون من اعضاء الضبط القضائي، ولهم سلطة التحري وجمع الأدلة عن الجريمة وضبط مرتكبيها وإجراء التحقيق الابتدائي بأشراف قضاة التحقيق وفق المادة (39) من قانون اصول المحاكمات الجزائية.

ويرى الباحث أن الاختلاف بين الجريمتين يكمن في مسألة جوهرية في غاية الاهمية وهي أن الجريمة محل الدراسة تتحقق بكامل اركانها، إذا وقع التصرف غير المشروع على إحدى الأمانات أو المبرزات الجرمية التي تخلفت من جريمة وقعت في إحدى المؤسسات التابعة لوزارة الداخلية حصرا، كمراكز الشرطة ومخافرها فيكون النصص الفاعل هنا المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي العراقي .

وفي حالة وقوع التصرف غير المشروع على أموال تحصلت – كمبرزات جرمية – عن جريمة وقعت في غير ما ذكر آنفا، عندئذ يمكن تطبيق نص المادة (250) من قانون العقوبات العراقي التي عالجت حالة الاعتداء الذي يقع على المبرزات الجريمة من خلال خيانة الأمانة والاختلاس وسرقة الأوراق والأشياء وإتلافها والتي نصت على أنه ” يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أختلس أو أخفى أو أتلف أو غير وثيقة مبرزة أو مادة جرمية مقدمة الى محكمة أو سلطة من سلطات التحقيق، وكان ذلك بقصد تضليل القضاء أو سلطة التحقيق، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات إذا كان الفاعل موظفا أو مكلفا بخدمة عامة عُهد اليه بتلك الأشياء أو أوتمن عليها بحكم عمله” .

وبعد هذا العرض الموجز للجريمة محل الدراسة، سوف نبين أركان جريمة التصرف غير المشروع في المبرزات الجرمية، ومن ثم نبين عقوبتها في قانون عقوبات قوى الأمن الداخل وذلك على النحو الاتي:

أولا- أركان جريمة التصرف غير المشروع في المبرزات الجرمية

يعرف الركن بالمفهوم العام هو”ما يقوم عليه الشيء وينتفي بانتفائه أو ما يقوم به الشيء وهو جزء داخل في ماهية الشيء”( )، ولقيام جريمة إساءة التصرف بالأشياء المضبوطة لابد من توافر الاركان العامة للجريمة وهي(الركن المادي والمعنوي)، بالإضافة الى الركن الخاص المتمثل بصفة الجاني وهو(رجل الشرطة) وبناء على ذلك سنبين أركان هذه الجريمة في الفروع الاتية :

أ- الركن المفترض (صفة الجاني)

لم نجد في التشريعات العراقية الخاصة بقوى الأمن الداخلي تعريفا لرجل الشرطة، وإنما حرصت القوانين على تعريف الشرطة بوصفه هيأة عامة, فصدر أول قانون ينظم خدمة الشرطة في العراق وهو قانون خدمة الشرطة وانضباطها رقم (40) لسنة 1943 الملغي ونصت الفقرة (ي) من المادة الأولى منه على أن” الشرطة تشمل الضباط والمفوضين وضباط الصف والشرطة, إذ جاءت لفظ الشرطة لتعني كل من ينتمي إلى سلك الشرطة من ضباط ومفوضين ونوابهم وسائر الرتب وحتى رئيس الدائرة الذي يعد الضابط الأعلى.

ونتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تم استحداث مديريات عامة مختصة كمديرية الشرطة العامة, حيث صدر قانون خدمة الشرطة والأمن والجنسية رقم (149) لسنة 1968 الذي نص المشرع العراقي في مادته الأولى على أن” الشرطة والأمن والجنسية تشمل الضباط والمفوضين وضباط الصف والشرطي والامين والضابط”، ونتيجة التطورات التي طرأت على القوانين العقابية العراقية صدرتتشريعات حديثة تنظم عمل الشرطة وتشكيلاتها وواجباتها وتحديد اختصاصاتها، كقانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم (14) لسنة 2008 المعدل, واستخدم مصطلح (قوى الأمن الداخلي) ليشمل الشرطة وتفصيلاتها، أذ نصت المادة الأولى الفقرة الثانية على أن “ثانيا – يقصد بالمصطلحات التالية لأغراض هذا القانون المعاني المبينة إزاءها: أ- الضباط – وهم رجل الشرطة من رتبت ملازم فما فوق  ب- المنتسب – المفوض وضبا الصف والشرطي  ج – الطالب – كل متطوع بصفة طالب في كلية الشرطة أو أي معهد أو مدرسة خاصة بتدريب قوى الأمن الداخلي “،كما ونص المشرع العراقي في قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي رقم (1) لسنة 1978 الملغي في الفقرة (6) من المادة الأولى على أن ” رجل الشرطة هو  أحد أفراد قوى الأمن الداخلي سواء أكان ضابط أم شرطي أم طالب في أحدى كليات أو معاهد أو مدارس قوى الأمن الداخلي ” , أيضا نص المشرع العراقي فيقانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي رقم (18) لسنة 2011 على تعريفرجل الشرطة وذلك في الفقرة السادسة من المادة الأولى على أنه”أحد أفراد قوى الأمن الداخلي ذكرا كان أمأنثى وسواء أكان ضابطا أم مفوضا أو ضابط صف أو شرطيا أو طالبا في إحدى كليات أومعاهدأو مدارس قوى الأمن الداخلي وينصرف وصف(الشرطة)الى قوى الأمن الداخلي ما لم يرد نص خاص في هذا القانون بخلاف ذلك.

وترتيبا على ذلك لا يسري قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي على الموظفين المدنيين الذين يعملون في سلك الشرطة عند ارتكابهم جريمة أثناء تأدية أعمالهم،أنمايسري قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام عليهم, وذلك لأنه المشرع حدد بنص صريح الأشخاص الخاضعين لهذا القانون حسب نص المادة (الأولى/ أولا) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي النافذ, وكان الأجدر بالمشرع العراقي أن يجعل هذا القانون ساريا على الموظفين المدنيين التابعين لأجهزة قوى الأمن الداخلي في حال ارتكابهم جريمة معاقب عليها قانونا أثناء ممارسة أعمال وظائفهم في مرفق الأمن نفسه .

وطالما القانون يلزم توافر صفة خاصة بالجاني لهذه الجريمة وهي رجل شرطة، أي أن جريمة إساءة التصرف بالأشياء المضبوطة من الجرائم التي تتطلب صفة الجاني, فإذا تغيرت هذه الصفة يتغير الوصف القانوني للعقل, وأن هذه الصفة وأن كانت ركنا للجريمة، ألا أنه يشترط أن يكون الجاني رجل شرطة كضابط أو مفوض أو منتسب, لذا فإن جريمة إساءة التصرف بالأشياء المضبوطة تعد من جرائم الصفة التي لا تقع الأ من رجل الشرطة.

ب- الركن المادي للجريمة

يمثل الركن المادي للجريمة أحدى الدعامتين التي ترتكز الجريمة عليها والمسؤولية الناشئة عنها ويعرف الركن المادي للجريمة بأنه “واقعة مادية ظاهرة للعيان يأتيها الفاعل الأصلي إيجاباأو سلبا، بنفسه أو مع غيره، قد يترتب عليه نتيجة تشكل إخلالا بالحق محل الحماية الجنائية، كنقل المال من حيازة الى حيازة أخرى أوإحداث جرح أو عاهة أو وفاة، وقد لا يترتب عليه نتيجة إجرامية كما هو الحال في جرائم الخطر(سرور،2010، ص876) .

وقد عرف المشرع العراقي في قانون العقوبات الركن المادي للجريمة في المادة (28) بأنه”سلوك إجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون أو الامتناع عن فعل أمر به القانون”، وتبدوا أهمية هذا الركن، في كونه ركن هام في الجريمة، أذ بتخلفه فلا جريمة ولا عقاب وأن القانون لا يعرف أي جريمة بتغير هذا الركن(الخلف، 1983، ص149), فالركن المادي لأي جريمة يتمثل بقيام فعل أو امتناع عنه, لذلك فإن الركن المادي لجريمة إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة لا يثير أي مشكلة قانونية، طالما قام فعل مادي وترتب عليه نتيجة جرمية توفرت بينهما علاقة سببية, والمبدأ السائد في القوانين الوضعية أن التجريم لا يلحق إلا الأفعال المادية أي المظهر الخارجي الذي يمكن إدراكه بالحيز الخارجي, و يترتب على ذلك أنه لا يعد من قبيل الركن المادي ما يدور في الأذهان من أفكار ورغبات وتطلعات طالما لم تتخذ سبيلها  إلى الحيز الخارجي بمظهر ملموس لانعدام الركن المادي فيها (حسني، مصدر سابق، ص876 )، ويتمثل السلوك الجرمي في جريمة اساءة التصرف بالمبرزات الجرمية بالتلاعب بالمبرزات الجرمية أو التصرف بها أو التسبب بإتلافها أو فقدانها أو استبدالها، وبوجود صورة من صور الأفعال المذكورة ونتيجتها الجرمية وهي خروج تلك المبرزات الجرمية الى حيازة أخرى غير شرعية .

ونحن بصدد البحث في جريمة إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة، فأننا لا نكون أمام جريمة تامة إلا بتحقق عناصر الركن المادي, ويتكون الركن المادي للجريمة من ثلاث عناصر هي السلوك سواء كأن إيجابي أم سلبي، والنتيجة الجريمة المترتبة على السلوك، والعلاقة السببية بين السلوك والنتيجة .

ج- الركن المعنوي

لا يمكن اعتبار الجريمة كيان مادي خالص قوامة السلوك الإجرامي(محمود، 2005، ص79), فلا يكفي مجرد إسناد السلوك الإجرامي إلى شخص معين ليكون مسؤولا جزائيا أو تكون هنالك جريمة, وفضلا عن هذه العلاقة المادية،بل ينبغي أن تكون هنالك علاقة أخرى ذات خصائص نفسية(السعيد ، 2008، ص93), وتجتمع هذه العناصر في ركنا خاصا بها وهو الركن المعنوي, والركن المعنوي لهذه الجريمة يتمثل بالقوة النفسية والتي تكشف إرادة رجل الشرطة في ارتكاب الجريمة (محمود، 2005، ص80) .

وقد حدد المشرع صور السلوكالإجرامي التي جاءت بصيغة العمد، ألا أنه لم ينص صراحة على وقوع هذه الجريمة بالخطأ أو الإهمال، ألا أنه يفهم من نص المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي العراقي التي بينت أن هناك بعض الصور يمكن أن ترتكب بصورة غير عمديه مثل ( التسبب بالهلاك أو الإتلاف الاستبدال)، كما في حالة إهمال رجل الشرطة حفظ المبرزات المضبوطة في مكان حفظها وأن هناك صورة لا تقع إلا بطريق الخطأ كصورة (التسبب بالفقدان) والذي يقصد به الضياع، أي خروج الشيء من حيازة الشخص نتيجة إهماله، لذا فالمقصود بالإهمال هو “امتناع الجاني عن اتخاذ سلوك كان ينبغي عليه القيام به وفقا لما تمليه قواعد الخبرة الإنسانية العامة، بالنظر لما يترتب على هذا الامتناع من نتائج ضارة”( سيد أحمد، 2004، ص16 ), فضلا عن أن الإهمال أحد صور الخطأ الغير عمدي التي نصت عليها المادة (35) من قانون العقوبات العراقي بقولها “تكون الجريمة غير عمدية إذا وقعت النتيجة الإجرامية بسبب خطأ الفاعل سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو رعونة أو عدم أنتباه أو عدم احتياط أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والأوامر” .

والفرق الذي يكمن بين القصد الجرمي والخطأ هو الاختلاف في مقدار سيطرة الجاني على ماديات الجريمة، إذ أن الخطأ الغير عمدي في جريمة الاهمال يعد سببا للمسؤولية الجزائية ولا يعد الشخص مسؤولا، إلاإذا أخل بالالتزام المفروض عليه قانونا، أي تكون الجريمة غير عمدية، إذا وقعت النتيجة الجرمية بسبب خطأ الفاعل، ويكون ذلك الخطأ موجودا سواء توقع الفاعل نتيجة فعله ام لم يتوقعه وكان عليه توقعه، وبالإضافة الى ذلك أن للفقدان دورا اساسيا في تحديد المسؤولية الجزائية الناتجة عن الاهمال وتحديد عقوبة مناسبة لدى القضاء، وعلى محكمة الموضوع أنتبين نوع الخطأ في حكمها، وألا وجب نقض حكمها، وأن يكون الخطأ مما نص القانون عليه.

ثانيا- العقوبات المترتبة على جريمة إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة

عند الاطلاع على نص المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي نجد أن هنالك عقوبة أصلية تقع على مرتكب الجريمة وهي السجن، ويقصد به “إيداع المحكوم عليه في إحدى المنشآت العقابية المخصصة قانونا لهذا الغرض، وتعد عقوبة السجن من العقوبات السالبة للحرية التي يترتب عليها حرمان المحكوم عليه من حريته في الحدود التي يفرضها تنفيذ العقوبة، وباعتبارها وسيلة من وسائل العقاب التي يندرج تحتها أنواع مختلفة من العقوبات، تتفق فيما بينها في أنها تقوم على تقييد الحرية، لكنها تختلف في كيفية تنفيذها وما يرتبه القانون على الحكم بها من اثار”  .

والملاحظ أن المشرع العراقي قد ساوى بالعقوبة في جميع صور السلوك الاجرامي التي وردت في المادة (24) وجعل عقوبتها السجن فقط، وكان الأجدر بالمشرع العراقي أن يميز بين صور السلوك الاجرامي المرتكبة من قبل رجل الشرطة بين الصورة العمدية والخطأ الغير عمدي، حيث أنه لم ينص على عقوبة رجل الشرطة في حال ارتكابها بالإهمال أو الخطأ بالرغم من امكانية ارتكاب هذه الجريمة بالخطأ والاهمال وهي من صور الخطأ في بعض صور السلوك الاجرامي الواردة بالمادة(24) وهي التسبب بالإتلاف أو الهلاك أو الفقدان أو بالاستبدال.

وتعد العقوبات التبعية النوع الثاني من العقوبات الجنائية التي تضمنها قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي العراقي النافذ، وتعد جزاءً ثانويا تلحق العقوبة الأصلية وتوقع بقوة القانون،وتختلف العقوبات التبعية في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي عن العقوبات التبعية في قانون العقوبات العام، ففي قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي تشمل طبقا للبند(ثانيا) للمادة(2) من القانون اعلاه عقوبتي الطرد والإخراج، أما في قانون العقوبات تشمل طبقاَ للمادة(96) الحرمان من بعض الحقوق والمزايا، كحرمانه من أن يكون ناخباأو منتخبا في المجالس التمثيلية أو عضو في المجالس الادارية أو البلدية أوإحدى الشركات أو مديرا لها .

وقد تضمنت المادة (38) البند (أولاَ) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي النافذ حكما وجوبيا بطرد رجل الشرطة من الوظيفة بحكم القانون، إذا صدر بحقة حكم بات مكتسب الدرجة القطعية من محكمة مختصة سواء كانت محكمة قوى الأمن الداخلي أو من محكمة مدنية وفي إحدى الحالات الأتية:

  • إذا حُكم عليه بالإعدام أو السجن .
  • إذا حُكم عليه عن جريمة إرهابية أوإحدى الجرائم الماسة بأمن الدولة .

أما العقوبة التبعية الثانية فهي الإخراج، ووردت عقوبة الإخراج ضمن أحكام قانون الخدمة والتقاعد العسكري بوصفها عقوبة تبعية، وتضمنت المادة(40) البند (أولا) لقانون عقوبات قوى الأمن الداخلي العقوبة بوصفها عقوبة تبعية، وتضمن البند (ثانيا) من المادة ذاتها العقوبة بوصفها عقوبة أصلية، فقد أجاز إخراج من صدر عليه حكم بات من محكمة قوى الأمن الداخلي بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات من الخدمة، واصبحت هذه العقوبة تلحق المحكوم عليه بالحبس مهما كانت مدته ( من يوم الى خمس سنوات) بحكم القانون، وأن هذه المادة مشابهه للمادة(96) من قانون العقوبات العراقي الذي اعتبر المحكوم عليه بالسجن من العاملين في دوائر الدولة والقطاع العام مفصول من الخدمة مدة بقاءه بالسجن وإعادته الى الخدمة بعد خروجه من السجن، إلاإذا فقد شرط من شروط التعيين .

الخاتمة

وفي نهاية هذه الدراسة والتي كانت بعنوان (( التصرف في الأشياء المضبوطة في التشريع العراقي)) توصلت الباحثة الى بعض النتائج والمقترحات وذلك على النحو الاتي :

أولا- النتائج

  • تكمن علة تجريم التصرف الغير مشروع بالمبرزات الجرمية المضبوطة فيما ينطوي عليه من إخلال بالثقة الممنوحة للموظف العام من قبل الدولة ولرجل الشرطة بالتحديد، لكونه انتهاك لأوامر السلطة العامة والتعدي على ملك الغير واستغلال الوظيفة.
  • تناول المشرع العراقي جريمة التصرف الغير مشروع بالأشياء المضبوطة في المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي وحدد صور السلوك الاجرامي المتمثل (بالتلاعب والتصرف والفقدان والاتلاف والهلاك والاستبدال أو المساعدة بذلك)، وتدخل هذه الجريمة ضمن جرائم الضرر، وعد المشرع المساعدة إحدى صور السلوك وجعل مرتكبها فاعلا اصلياً وليس شريكا .
  • لم يميز المشرع العراقي بين جريمة إساءة التصرف بالمبرزات الجرمية المضبوطة بصورتها العمدية والغير عمدية وساوى بالعقوبة بالنسبة لجميع صور السلوك الاجرامي الواردة في المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي وجميعها جاءت بالصورة العمدية، في حين هنالك بعض صور السلوك تقع بالعمد وبعضها بصورة الخطأ الغير عمدي المتمثل(التسبب بالهلاك أو بالأتلاف أو بالاستبدال)، وهناك صورة واحدة لا تقع بطريقة عمدية وإنما تقع بالإهمال ( التسبب بالفقدان)
  • عدم سريان نص المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي العراقي على الموظفين المدنيين التابعين لأجهزة قوى الأمن الداخلي اسوة برجال الشرطة في حال ارتكابهم جريمة اثناء تأدية العمل الوظيفي لمرفق قوى الأمن الداخلي أو بسببه لعدم انطباق الصفة الشرطية عليهم .
  • إذا كانت المبرزات الجرمية المضبوطة لازمة للسير بالدعوى وأساسا لصدور الحكم فيها فأنه ينعقد اختصاص التصرف بها الى محكمة الموضوع، لحين أنتهاء الفصل بالدعوى وصدور حكم قضائي، أما إذا لم تكن الأشياء المضبوطة لازمة للسير بالدعوى وليست محلا للمصادرة، يجوز لقاضي التحقيق أن يصدر قرار التصرف بها .
  • ليس هناك جهةأو دائرة متخصصة بالتصرف في المبرزات الجرمية المضبوطة، تكون مهامها متابعة واستلام المبرزات الجرمية المضبوطة والاشراف والمتابعة على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بالتصرف بها سواء كان بالرد أو البيع أو المصادرة .

ثانيا- المقترحات

  • نقترح على المشرع العراقي اضافة نص يعاقب صراحة على ارتكاب جريمة التصرف غير المشروع بالمبرزات الجرمية بصورة الإهمال وبصورة الفقدان بإضافة عبارة( من ارتكبها عمداً أو إهمالا) لنص المادة (24) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي .
  • نقترح أن يسري نص المادة (24) على الموظفين المدنيين التابعين لأجهزة قوى الأمن الداخلي اسوة برجال الشرطة في حال ارتكابهم جريمة اثناء تأدية العمل الوظيفي لمرفق قوى الأمن الداخلي أو بسببه وذلك بإضافة جديدة الى البند (أولا) من المادة الأولى والموظف المدني ليكون ضمن الاشخاص الذين يسري قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي عليهم .
  • نقترح على المشرع العراقي أن يضيف مادة مع المواد المتعلقة بالمبرزات الجرمية المضبوطة تقضي بأنه ” على قاضي التحقيق عندما يتخذ قرار بغلق الدعوى الجزائية استنادا إلى احكام المادة (أ) من المادة (130) أوإذا اصبح قرار غلق الدعوى الجزائية استنادا الى أحكام الفقرة (ب) من المادة ذاتها نهائيا أن يتصرف في الأشياء المضبوطة من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم” .
  • نقترح على المشرع العراقي أن يمنح صلاحية تسليم المبرزات الجرمية المضبوطة للمحقق واعادة الصياغة للمواد (308، 313، 314) الواردة في قانون اصول المحاكمات الجزائية وتوحيد جميع المصطلحات وفق الصيغة الاتية( لقاضي التحقيق أو المحقق أو المحكمة) اينما ذكرت في المواد اعلاه .
  • نقترح على المشرع العراقي ادخال تعديل على نص المادة (78) من قانون اصول المحاكمات الجزائية على النحو الاتي ” يجري التفتيش بحضور المتهم وصاحب المنزل أو المحل أو وجد وبحضور شاهدين مع المختار أو من يقوم مقامه، وينظم القائم بالتفتيش محضرا يدون فيه اجراءاته وزمان التفتيش ومكانه والأشياء المضبوطة وأوصافها واسماء الاشخاص الموجودين في المحل وملاحظات المتهم أن وجد وذوي العلاقة بشأن كل ذلك وأسماء الشهود ويوقع عليه المتهم وصاحب المكان والشخص الذي جرى تفتيشه والحاضرون، ويذكر في المحضر امتناع من لم يوقع منهم ويعطي عند الطلب صورة من المحضر الى المتهم وذوي العلاقة كما يعطي صورة من الرسائل أو الأوراق الى اصحابها إذا لم يكن في ذلك ضرر بالتحقيق ” .
  • نقترح على المشرع العراقي إدخال تعديل على نص المادة (76) من قانون اصول المحاكمات الجزائية  على الوجه الاتي” إذا تراءى لقاضي التحقيق بناء على إخبار أو قرينة أن مسكنا أو أي مكان أخر يستعمل لحفظ مال مسروق أو بيعه أو توجد فيه اشياء ارتكبت بها أو عليها جريمة أو يوجد فيها شخص محجوز بغير حق أو شخص ارتكب جريمة فعليه أن يقرر بتفتيش ذلك المسكن ويتخذ الإجراءات القانونية بشأن تلك الأموال والأشخاص سواء كان المكان تحت حيازة المتهم ام غير حيازة غيره ” .
  • نقترح على المشرع العراقي إعادة صياغة المادة (79) من قانون اصول المحاكمات الجزائي ” للمحقق او لعضو الضبط القضائي ان يفتش المقبوض عليه في الاحوال التي يجوز له فيها القبض عليها في المادتين(102 و103) من هذا القانون، ويجوز له في حالة وقوع جناية او جنحة عمدية مشهودة ان يفتش منزل المتهم وغير المتهم او أي مكان تحت حيازته ويضبط فيه الاشخاص او الاوراق او الاشياء التي تفيد في كشف الحقيقة اذا اتضح له من قرينة قوية انها موجودة فيه” .
  • نوصي بالعمل على تشكيل دائرة ضبط والتصرف في بالمبرزات الجرمية المضبوطة وتكون هذه الدائرة تابعة للقضاء وذلك بالتعاون والتنسيق مع النيابة العامة، وتكون مهامها متابعة واستلام الأشياء المضبوطة والاشراف والمتابعة لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بالتصرف سواء كان بالرد أو البيع أو المصادرة .
  • نوصي الجهات المعنية في وزارة الداخلية بالتوسع في إنشاء مخازن لحفظ كافة المبرزات الجرمية المضبوطة وضمان سلامتها والمحافظة على قيمتها حتى لا تتعرض هذه الأشياء للهلاك والتلف.
  • نوصي بتهيئة فئات الضبط الجنائي علميا وفنيا بكيفية تحريز المبرزات الجرمية المضبوطة واستخدام الإحراز التي تتناسب مع كل شيء مضبوط، وذلك بتكثيف الدورات المتخصصة والزيارة الميدانية للجهات الفنية المختصة.

المصادر والمراجع

  • أبن منظور، جمال الدين أبي الفضل بن مكرم ، (1989)، لسان العرب،ج2، دار الحديث، القاهرة .
  • د. عقيدة، محمد ابو العلا، (1988)، شرح قانونالإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة .
  • د. طنطاوي، ابراهيم حامد، (2003)، احكام التجريم والعقاب في قانون تنظيم الاتصالات، دار النهضة العربية، القاهرة .
  • د. عثمان، آمال عبد الرحيم، (1987)، شرح قانونالإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة .
  • د.بكار، حاتم حسن ، (2005)،أصول الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف، الاسكندرية .
  • مسعود، جبران ، (1992)، المعجم الرائد، ط8، دار العلم للملايين، بيروت .
  • د. الجبارة، عبد الفتاح عبد اللطيف، (2011)، اجراءات المعاينة الفتية لمسرح الجريمة ، ط1 ، دار الحامد للنشر والتوزيع ، عمان .
  • د. عبد المطلب، أيهاب، (2009)، تفتيش الاشخاص والاماكن ، ط 1، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة  .
  • صاحب، أمجد ناظم، الحماية الجنائية للأشياء المضبوطة، أطروحة دكتوراه، مقدمة الى كلية القانون – جامعة بابل .
  • الرهيمي، جواد، (2006)، احكام البطلان في قانون اصول المحاكمات الجزائية، ط2، المكتبة القانونية، بغداد.
  • د. سلامة، مأمون محمد، (1997)، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، ج1، دار النهضة العربية، القاهرة
  • .د. الجندي، حسني، (1988)، قانونالإجراءات الجزائية في دولة الامارات العربية المتحدة، ج1، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة.
  • عبود، علي الخير ، (1988)، أحكام التصرف في الأشياء المضبوطة في الدعوى الجزائية، مكتبة الصباح، بغداد .
  • د.الرملاوي، سعيد، (1988)، الشرطة مالها وما عليها، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية.
  • الجوراني، عبد الرحمن، (1990)، جريمة اختلاس الاموال العامة في التشريع والقضاء العراقي، مكتبة جاحظ، بغداد .
  • د. سلامة، مأمون محمد، (2018)، قانون العقوبات القسم الخاص، ج1، سلامة للنشر والتوزيع، القاهرة.
  • التميمي، قيس لطيف، (2019)، شرح قانون العقوبات العراقي بقسميه العام والخاص، دار السنهوري، بيروت- لبنان .
  • الحسيني، حسين علي جابر ، (2021)، جريمة الاعتداء على الأمانات والمبرزات الجرمية في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي، رسالة ماجستير، مقدمة الى كلية القانون- جامعة بابل.
  • د. حسني، محمود نجيب، (بلا سنة طبع) شرح قانون العقوبات – القسم العام، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت .
  • د. حسن، فائز محمد، (2002)، نشأة فلسفة القانون، دار النهضة العربية، القاهرة .
  • د. مصطفى، محمود محمود، (1983)، شرح العقوبات القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1 .
  • د. الشهاوي، قدري عبد الفتاح، (1990)، النظرية العامة للقضاء العسكري، دار الكتب القانونية، القاهرة.
  • د. سرور، أحمد فتحي، (2010)، الوسيط في قانون العقوبات “القسم العام”، ط8، دار النهضة العربية،القاهرة
  • د. الخلف، علي حسين والاستاذالشاوي، سلطان، (1982) المبادئ العامة في قانون العقوبات، جامعة بغداد.
  • د. محمود، ضاري خليل، (2005)، مجموعة قوانين الإجراءات الجنائية العربية، ج1، المكتب العربي لمكافحة الجريمة، بغداد .
  • سيد أحمد، أبراهيم،(2004)، البراءة والادانة فقها وقضاء، مطبعة الجامعة، مصر .
  • د. السعيد، كامل ، (2008)، شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية، الاردن، دار الثقافة للنشر والتوزيع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *