نوفمبر 23, 2024 3:34 ص
images

أ.د.عبدالرحمن يونس عبدالرحمن

جمهورية العراق \جامعة الموصل\كلية الآثار

Alkhateeb_62@uomosul.ed.iq

009647704151957

الملخص

بحسب النصوص الطبية المكتشفة وتلك المتعلقة بالجانب الطبي وكذلك الادلة الاثارية ، فان الطب الروحاني كما يبدو كان واحداً من الاساليب العلاجية المعتمدة في الطب المصري القديم الى جانب الطب العملي والجراحي ،شأنه في ذلك شأن الطب الكهنوتي في بلاد الرافدين، وما من شك ان الفكر الديني كان له من التأثير في هذا الجانب ما دفع القدماء الى الاعتقاد بان الأسباب الدينية ، ممثلةً بسخط الالهة وغضبها على الآثمين من البشر أو غيرهم ، كانت واحدة من الأسباب المهمة للإصابة بالمرض فضلاً عن غيرها من الاسباب الاخرى ، وان التخلص من  تلك الأمراض وازاحة الارواح الشريرة المسببة للمرض عن جسد المريض كان لا يتم في نظرهم الا من قبل الالهة ورضاها على البشر ، ويبدو ان هذا الاعتقاد هو من دفع بالكهنة كونهم أكثر شرائح المجتمع ارتباطاً بالجانب الديني واقامة الطقوس والشعائر الدينية ، فضلاً عن كونهم يمثلون حلقة الوصل بين الناس والالهة ، الى تبني مسألة التطبيب وابتكار وسائل علاجية سحرية كان الهدف الاساس منها على أغلب الظن هو رفع معنويات المريض واستقرار حالته النفسية ، وهكذا اختص صنف من الكهنة المتطببين كان يطلق على أحدهم باللغة المصرية القديمة اسم (ساو) ويعني الساحر او طارد الارواح ، ويقابله في بلاد الرافدين   صنف (الاشِبُ) الذي كان يُعنىبالممارسات الكهنوتية وطرد الارواح الشريرة المسببة للأمراض من جسد المريض. ومن الطريف ان نجد قواسم مشتركة في اساليب العلاجية التي كانت معتمدة في كلا البلدين ، منها اسلوب استعمال الرُقى والتعاويذ ، والتمائم ، وتماثيل اشباح الموتى ، والادوية المقززة والطاردة للأرواح الشريرة وغيرها من الاساليب الاخرى . وعلى الرغم من المكانة المرموقة التي وصلها الطب المصري القديم  وكذلك الطب في بلاد الرافدين بحسب ما ورد في المدونات الطبية المكتشفة ، الا ان هذا النوع من التطبيب كان و ما يزال الى وقتنا الحاضر يلعب دواراً مهما في معالجة الكثير من الحالات المرضية ولاسيما النفسية منها والعصبية ،بل أن أهميته القصوى في العلاج دفعت الى إقامة العديد من المستشفيات والمراكز المتخصصة بالطب النفساني في مختلف بلدان العالم ومنها البلاد العربية .

وبناءً على ما تقدم فان اهمية البحث تكمن في عدم وجود دراسة اكاديمية تتناول المقارنة بين الطب الروحاني عند المصريين القدماء والطب الكهنوتي في بلاد الرافدين ، ولوجود العديد من اوجه التشابه في ممارسة هذا النوع  من التطبيب ، فقد ارتأى الباحث تسليط الضوء على هذا الموضوع كدراسة مقارنة معتمداً في ذلك على النصوص الطبية وتلك المتعلقة بالجانب الطبي ، وبناءً على المعلومات المتوفرة فان هيكلية البحث ستركز علىعدة محاور وفقاً للترتيب الآتي : تسمية الطب وانواعه في معاجم اللغة العربية ، الطب الروحاني ودوافع اللجوء اليه ، الاشخاص القائمين على ممارسة الطب الروحاني ، معبودات الطب ، الاساليب العلاجية .

الكلمات المفتاحية :الطب الروحاني ، الطب الكهنوتي ،معبودات الطب ، ساو ، آشبُ ، بارو ، اساليب العلاج .

Spiritual medicine for the ancient Egyptians .. a comparative study with Mesopotamia

Prof. Dr Abdul Rahman Younis Abdul Rahman   

    University Of Mosul \College Of   A archaeology        

Abstract:

According to the medical written texts and those related to the medical aspect and all archaeological evidence, spiritual medicine was one of the methods of medicine adopted in ancient Egyptian medicine in addition to practical and surgical medicine, as is the case for priestly medicine in Mesopotamia, and there is no doubt that religious thought had Influence on this aspect led the ancient people to believe that the religious causes represented by the wrath of the gods and their anger at the sinful people or others were one of the important causes of the disease, and that getting rid of these diseases and displacing the evil spirits that caused the disease from the body of the patient was only in their view Before the gods and their consent to humansIt seems that this belief motivated the priests, being the most closely related segment of society, to the religious aspect and the establishment of rituals and religious rituals, as well as being the link between people and the gods, to adopt the issue of medication and devise magic remedies, the main purpose of which was most likely to raise the patient’s morale and stability His psychological state, and this category of the priests who were healed was called in the ancient Egyptian language (SAO), meaning magician or exorcist. Among the most important of these therapeutic methods were class, spells, amulets, ghost statues, and disgusting and exorcising drugs despite the prestigious position reached by ancient Egyptian medicine as well as medicine in Mesopotamia, this type of medication was and is still to the present day playing basic vertigo in the treatment of many pathological conditions, especially psychological and nervous, but rather that its extreme importance in treatment pushed To establish many hospitals specializing in psychiatry in various countries of the world, including our Arab countries.

Keywords: spiritual medicine, priestly medicine, deities of medicine, Sao, Ashburn, Barrow, methods of treatment.

المقدمة

مشكلة البحث :

يعد الطب الروحاني أو الطب النفساني واحداً من الاساليب العلاجية المهمة المعتمدة في علاج كثير من الحالات المرضية ولاسيما النفسية والعصبية ، وبحسب النصوص الكتابية والشواهد الاثارية فان المصريين القدماء مارسوا هذا النوع من الطب في العلاج الى جانب الطب العملي والجراحي ووجدوا فيه ما يرفع من حالة المريض النفسية . ومن اجل التعرف على ماهية هذا النوع من الطب واساليبه في العلاج ومدى مقبوليته في المجتمع المصري القديم ، ولوجود ما يماثله في بعض المجتمعات القديمة المعاصرة لحضارة وادي النيل وفي مقدمتها حضارة بلاد الرافدين  ، فقد ارتئينا الكتابة في هذا الموضوع  ومقارنته مع الطب الكهنوتي الذي كان يمارس في بلاد الرافدين قديماً .

أهمية البحث :

فضلاً عما سبقت الاشارة اليه فان اهمية البحث تكمن كذلك في ان هذا النوع من التطبيب والمعالجة كان وما يزال الى الوقت الحاضر يشكل احد اساليب العلاج الخاصة بالأمراض النفسية والعصبية ، مع الاخذ بنظر الاعتبار اختلاف طبيعة الاساليب والمسميات بحسب الزمان والمكان .

اهداف البحث :

بالدرجة الاساس يهدف البحث الى بيان اوجه الشبه والاختلاف في ممارسة هذا النوع من التطبيب في كل من مصر القديمة وبلاد الرافدين وما هي القواسم المشتركة بينهما في اساليب العلاج والنظرة الى المرض .

حدود البحث :

كما سبقت الاشارة فان موضوع الدراسة يركز على جانب مهم من انواع التطبيب الذي مورس في بلاد وادي النيل ومقارنته مع الطب الكهنوتي تحديدا في بلاد الرافدين .

دراسات سابقة :

بحسب المعلومات المتوفرة لدينا لا توجد دراسة اكاديمية مقارنة لهذا الموضوع على الرغم من اهميته وهو ما دفع الباحث الى اختياره موضوع الدراسة .

ادوات البحث :

البحث اعتمد في معلوماته على النصوص الكتابية والشواهد الاثارية والمصادر الخاصة بالجانب الطبي او تلك المتعلقة بالطب وهي تعد الادوات الرئيسة للبحث .

متن البحث :

تضمن البحث خمسة محاور ركزالمحور الاول على مصطلح الطب وانواعه في معاجم اللغة العربية ، وتناول المحور الثاني الطب الروحاني ودوافع اللجوء اليه ، فيما بحث المحور الثالث في الاشخاص القائمين على ممارسة الطب الروحاني ، والمحور الرابع خُصص لاهم وابرز المعبودات التي اختصت بالجانب الطبي ، اما المحور الخامس فتناول الاساليب العلاجية التي ابتدعها الكهنة المتطببون واعتقد بها الناس وطرق استعمالها  .

اولاً -مصطلحالطب وأنواعهفي معاجم اللغة العربية :

كلمة (الطب) في اللغة العربية تعني علاج الجسم والنفس ، ومنها اشتقت كلمة (طبيب)،وهو الشخص الذي يقوم بممارسة مهنة الطب وعلاج المرضى ، وللتعبير عن ذلك  يقال (طابَهُ)، اي داواه وعالجه ، واذا زاد الطبيب من اهتمامه للمريض لسبب ما ، فقد يقال   عن ذلك (طبَبهُ) ، اي بالغ في طبه ، وهذه الكلمة  تختلف في معناها عن كلمة (تطببَ) التي تعني في اللغة تعاطى الطب وهو لا يتقنه. كذلك من اشتقاقات كلمة الطبما يدل على استشارة الطبيب في تحديد الدواء الاكثر فائدة لمرضه ، فيقال (استطب) لدائه، اي استوصف الطبيب ونحوه في الادوية ايها اصلح لدائه.

وتزخر معاجم اللغة العربية بالعديد من التسميات عن الطب وانواعه وفقاً لطبيعة المضامين والاساليب المستخدمة في العلاج ، ومن ذلك على سبيل المثال ما يعرف (الطب الجراحي) ، وهذا النوع من الطب مختص بإحراء العمليات الجراحية للحالات المرضية الخطرة او الميؤوس منها ، ونوع اخر من الطب يُعرف (بالطب الباطني) ، ويهتم بتشخيص الامراض التي تصيب الاعضاء الداخلية للجسم ووضع العلاج المناسب لها دون تدخل جراحي ، كذلك يرد اسم (الطب النفسي) ، وهذا النوع من الطب يتناول دراسة الامراض النفسية والعصبية وله فلسفة واساليب في العلاج تختلف عن سابقيهوتهدف بالدرجة الاساس الى رفع حالة المريض النفسية ، وهو اقرب ما يكون الى نوع اخر من الطب يرد في معاجم اللغة العربية باسم (الطب الروحاني)الذي يوصف بأنه ” ضرب من علاج النفس ” وسمي  بالروحاني لأنه يحاكي الروحويتصل بالأرواح (انيس ابراهيم ،واخرون :2008،ص281-282 ،ص549) ; كذلك ينظر(صناوي سعدي ، واخرون :2011 ، ص256).

ثانيا- الطب الروحاني ودوافع اللجوء اليه:

ما من شك ان العامل الديني كان وما يزال  من  العوامل المهمة والمؤثرة في حياة الانسان كونه يرتبط بشكل مباشر بالعقيدة الدينية وفلسفة الموت والحياة. والمصريون القدماء بحسب النصوص الكتابية والشواهد الاثارية  كانوا من أكثر الشعوب القديمة اهتماماً بالجانب الديني  والتأمل والتفكير بخلق الكون والانسان ومسألة البعث بعد الموت ، وكانوا يعتقدون ان مصائر البشر والخلائق جمعاء هي بيد قوى غيبية غير منظورة منتشرة في العالمين العلوي والسفلي  تجسدت  بهيئة آلهة حلت في اجسام الحيوانات وفي الظواهر الطبيعية باختلاف انواعها ، ولكثرتها فقد كان لكل مدينة الهها  الخاص بها يعبده سكانها ويقدسونه ويلوذون به وقت الازمات ( عبدالواحد فاضل ، سليمان عامر :1979 ، ص231) . ولاشك ان الامراض والاوبئة كانت واحدة من تلك الازمات  التي كانت تشكل تحدياً كبيراً للمجتمع المصري في حالة انتشارها ، ولأن المرض في نظر قدماء المصريين كان من اسبابه هو تقمص الشياطين والعفاريت لجسم المريض ، وان هذه العفاريت او الارواح الشرية تتحرك بأوامر وتعليمات من الالهة ، فان معالجتها والتصدي لها  وازاحتها عن جسم المرض كان يتطلب وجود اشخاص يتمتعون بمكانة وحظوة خاصة عند الالهة والبشر ، واكثر شرائح المجتمع قبولاً لهذه المهمة هم (صنف الكهنة) الذين تعاطوا مهنة التطبيب الى جانب واجباتهم الدينية الاخرى وابتدعوا وسائل واساليب علاجية ترتبط بالجانب الروحي ومناجاة الالهة مثل الرقى والتعاويذ والتمائم ، وغيرها من الاساليب الاخرى(ديورانت ول : ج2 مج1 ، دت ،ص123). واذا كان الطب المصري القديم قد اخذ هذا المنحى في العلاج منذ بداية العصور التاريخية ،مما يدلل على اهمية الطب الروحاني ومقبوليته لدى الناس ، فان ذلك لا يعني مطلقاً ان الطب العملي القائم على التشخيص والملاحظة الدقيقة للأعراض المرضية لم يأخذ دوره في العلاج في حال فشل الاساليب الكهنوتية في تحقيق الشفاء الحقيقي للمريض او في معالجة الحلات المرضية التي لا يتفق علاجها واساليب  الطب الروحاني  وفي مقدمتها الحالات التي كانت تتطلب اجراءً جراحياً (كمال حسن : ج1-2 ، 1964) . ولا تسعفنا المعلومات المتوفرة من ان العامل المادي كان ايضاً من العوامل المُشجعة لاستدعاء الكهنة المتطببين ، الا ان هناك من الباحثين من يرجح ذلك لاسيما بالنسبة للعوائل الفقيرة التي ليس لها امكانية دفع اجور الاطباء (كمال حسن :  ، ص91) . الى ذلك فان طبيعة الامراض وتصنيفها كانت هي الاخرى كما يبدو من العوامل التي تدفع بالمريض الى اختيار الطبيب المختص الذي يتناسب اختصاصه وطبيعة الحالة المرضية ، والامراض النفسية والعقلية هي واحدة من الامراض المشخصة في الطب المصري القديم، ولطالما كان الاعتقاد السائد بان اسباب هذه الامراض هي دينية ومرتبطة بالآلهة ، فان علاجها كان يتطلب من المريض مراجعة ذوي الاختصاص بالطب الروحاني والنفسي وليس الطبيب العام ، ولكن في حالة فشل واخفاق متعاطي الطب من الوصول الى حالة الشفاء التام للمريض بعد استنفاذ كل السبل المتوفرة لديه ، فانه كان يُستدعى الطبيب المختص بالطب العملي لإعادة تشخيص الحالة المرضية من وجهة النظر الطبية  كما يتوضح ذلك من مضمون رسالة استدعاء احدى الاميرات المصريات لطبيب روحاني اولاً ومن ثمَ طبيب مختص بعد فشل الاول من امكانية معالجة زوجها الذي كان يعاني من مرض في رأسه ولم يشفَ منه (كمال حسن : ص106-109) .ولأهمية هذا النوع من العلاج نجد في مجتمعنا الحالي انتشار العديد من المستشفيات والعيادات الخاصة بالطب النفساني ، فضلاً عن الدور الذي يقوم به بعض رجال الدين او غيرهم ممن توارث مهنة التعزيم  واختص بها وذاع صيته في معالجة بعض الحالات المرضية ولاسيما النفسية منها دون اجر مقابل .

كذلك نجد في بلاد الرافدين وبحسب النصوص الطبية المكتشفة والنصوص الدينية المتعلقة بالجاني الطبي ان العامل الديني كان احد العوامل الرئيسة التي دفعت بسكان بلاد الرافدين الى الاعتقاد بان الاسباب الكامنة وراء اصابة البشر بالأمراض والاوبئة تكمن في غضب الالهة على البشر او على بعضٍ منهم ممن ارتكب إثماً او معصية بحق الالهة ، وكنوع من العقاب الدنيوي الذي تنزله الالهة بالبشر فقد كانت تسلط على الآثمين منهم العفاريت والارواح الشريرة التي تدخل اجسادهم وتسبب لهم المرض وتزيد من اوجاعهم وآلامهم كما ظنوا بذلك ، ونقرأ مما جاء في احد النصوص المعبرة عن ذلك : ” متى ما تألم انسان من صدغيه وآذته عضلات رقبته فإنها يد شيطان ” (روثنمرغريت ، ترجمة يوسف حبي : 1980 ، ص72) . ولاشك ان هذا الاعتقاد بأسباب المرض هو من دفع الى تحديد اسلوب العلاج الذي تبناه صنف من الكهنة اُطلق على احدهم باللغة الاكدية اسم (الاشِبُashipu) (,1,11,pp.433-435CAD )، وابتدع اصحاب هذا الصنف  اساليب وطقوس دينية كان الهدف الاساس منها هو رفع معنويات المريض النفسية واقناعه بفاعلية تلك الممارسات الكهنوتية التي من خلالها يمكن استحصال رضا الالهة  ونبذ تلك الارواح الشريرة عن جسد المريض (parpolasimo :1971, p.14 ). وبحسب النصوص الطبية فان البدايات الاولى للطب في العراق القديم ، وتحديداً خلال الالف الثالث قبل الميلاد ، كان يعتمد بالدرجة الاساس في علاج الحالات المرضية المختلفة على الممارسات الكهنوتية للأسباب المُشار اليها انفاً ، وهي نتيجة طبيعية لاعتقاد القدماء ان الالهة هي مصدر الخير والشر للإنسان وان بإمكانها الحاق الاذى بالمريض او تحريره من المرض ، وهذه النظرة تماثل الى حد كبير ما كان موجوداً عند المصريين القدماء الذين عزوا اسباب المرض وانتشاره في فتراتهم المبكرة الى قوى غير منظورة حاولوا ارضاءها بالممارسات التي ابتدعها كهنة بلاد وادي النيل (قنواتي شحاتة : 1959 ، ص15 ). كذلك يمكن القول ايضاً ان من دوافع اللجوء الى المعالجات الكهنوتية، هو غياب وندرة الاطباء المتخصصون بمعالجة الامراض خلال تلك الفترة اي الالف الثالث قبل الميلاد. ومع تراكم الخبرة في مجال الطب وتحضير الادوية وازدياد عدد الاطباء خلال الاف الثاني قبل الميلاد   بدأ الطب العملي يأخذ مساحة اوسع في معالجة الامراض وتشخيص العلل ووضع العلاج المناسب لها ، فيما بدأ الطب الكهنوتي يأخذ بالانحسار التدريجي في مجال المعالجة، ومع ذلك ظلت الممارسات الكهنوتية رديفة للمعالجات الطبية خلال العصور التاريخية وحاضرة في معالجة الامراض ذات المنشأ الميتافيزيقي والتي كان الهدف الاساس منها هو رفع حالة المريض النفسية ومقاومته للمرض ، وقد نجد في النص الآتي ما يؤيد هذا التعاون بين بين الطرفين في العمل الطبي، اذ نقرأ بهذا الخصوص : ”  وليعين في خدمتي آشِبُ واسو( يونس عبدالرحمن : 1989 ، ص 35-37 )  وليشرعا بممارسة الشعائر والعمل سوية ” ( CAD, p.346)

ثالثا-الاشخاص القائمين على ممارسة الطب الروحاني :

كما سبقت الاشارة فان تعاطي هذه المهنة كان وما يزال يرتبط بطبيعة الامراض التي يعاني منها المريض ، ولاشك ان الاعراض المرضية للأمراض النفسية والعقلية من هلوسة وجنون وكآبة وغير ذلك من التصرفات اللاإرادية والخارجة عن الشعور ، كانت هي العامل الموجه في تحديد الطبيب المعالج ، ولأن هذه الاعراض كما هو معروف ترتبط بالجانب الروحي والنفسي فان معالجتها وتطبيبها من قبل متعاطي الطب الروحاني يكاد يكون انجع مما لو كان عن طريق الطبيب العام او غيره من اطباء الاختصاص (ينظر كما ل حسن ، ص90-100). وهكذا كما يبدو اختصت جماعة من الكهنة كان يُطلق على احدهم باللغة المصرية القديمة اسم (ساو) ، ويعني الساحر او العراف او طارد الارواح ، بمعالجة مثل هذه الامراض ،الى جانب  غيرهم من الاطباء ممن تخصصوا بمعالجة مختلف الحالات المرضية بما في ذلك تلك التي كانت تستوجب العمل الجراحي(كمال حسن ، ج3-4 : 1965 ص207) . وعلى الرغم من قلة المعلومات التي توضح ما اذا كان القائمون على هذا النوع من التطبيب قد اخذوا الخبرة بالتوارث من الاب الى الابن أم انهم كانوا ينتظمون في مدارس خاصة لتعليم الامور الطبية والشؤون المتعلقة بها ، الا ان وجود نص من عهد الملك دارا الاول ملك الفرس الذي حكم مصر (521-486 ق.م) يوجه من خلاله احد موظفيه الكبار من الكهنة بترميم ” بيت الحياة ” وهي مدرسة ملحقة بأحد المعابد كان يتعلم فيها الاطباء ، واغلبهم من الكهنة ، يعطي تصوراَ واستنتاجاً بأن الكهنة المتطببين على اغلب الظن كانوا ينضوون في مثل هذه المدارس لتلقي العلوم الطبية والروحانية ، ومما جاء في هذا النص على لسان قائله : ” امرني جلالة الملك دارا ان أتوجه الى مصر …لتأسيس صالة منزل الحياة ومنزل ..بعدما اصابهما التلف .. نفذت أمر جلالته وزودتهما بالطلبة أبناء الاسر الراقية فلم أدخل معهم طالباً من أبناء الفقراء ..لقد وكلت أمر هؤلاء الطلبة لرجل عاقل ..في كل ما يختص بعملهم . لقد أمرني جلالته ان اعطيهم كل شيء طيب حتى يتمكنوا من أداء جميع مهامهم فزودتهم بجميع ما احتاجوا اليه وبكل الآلآت الواردة في النصوص حسب ما كانت موجودة في هذه المعابد سابقاً .فعل هذا جلالته لأنه كان يقدر هذه المهنة ويرغب في شفاء كل مريض ويحرص على تدعيم أسماء الالهة ومعابدهم ومواردهم ..” ( كمال حسن ،ج3-4، ص102-103) . ويفهم من النص اعلاه ان مدارس الطب في مصر  لم تكن وليدة عصر الملك دارا ، بل انها كانت موجودة وملحقة بالمعابد منذ عصور قديمة ، وان معظم طلبتها هم من ابناء الطبقة الحاكمة والأسر المُترفة مادياً ، وكان يُنَصَب على ادارتها الأكفأ في مجال الخبرة الطبية والادارية وقد يكون من طبقة الكهنة التي نالت احترام وتقدير المجتمع المصري القديم حكاماً ومحكومين بسبب مكانتها الدينية ، فلم يعد بالإمكان الاستغناء عنها وعن قدرتها وبراعتها  في الوصول الى الالهة ومعرفة ما ستؤول اليه مصائر البلاد والعباد ( ديورانت ، ص162) . ومن اجل المحافظة على اسرار المهنة وحصرها تحديداً فيما بينهم فان الكهنة كانوا يحرصون على تعليم ابنائهم منذ الصغر واعدادهم لتولي منصب الكاهن الذي كان ينتقل من الأب الى الابن ان لم يكن بحكم القانون فبحكم العادات والتقاليد والاعراف(ديورانت ، ص162). واذا كانت المعلومات المتوفرة عن فئة الكهنة المتطببين وطرق معالجتهم للأمراض وطبيعة الزي الذي كانوا يرتدونه اثناء معالجتهم المرضى وغير ذلك مما كان يقترن بشخصية الطبيب، هي محدودة وقليلة اذا ما قيست بالموروث الطبي الذي خلقه لنا المصريون القدماء ، فإن هناك من الصفات التي كان يتحلى بها الكهنة بشكل عام  وردت على لسان المؤرخ اليوناني هيرودوت ( Carter,Harry: London:1962, p.84 )، ومما ذكره بهذا الصدد: ” ..وهم أكثر الناس اهتماماً بعبادة الالهة …. يلبسون ثياباً من نسيج الكتان نظيفة وحديثة الغسل على الدوام ..ويختنون حرصاً منهم على النظافة لانهم يعتقدون ان النظافة أفضل من الجمال ويحلقون شعر أجسامهم بأجمعه مرة كل ثلاثة ايام حتى لا يجد القمل او غيره من الاقذار مكاناً في أجسامهم وهم يغتسلون بالماء البارد مرتين في النهار ومرتين في اليل ” (ديورانت ، ص162) .ويمكن ان نستشف من هذا القول فيما له علاقة بالجانب الصحي ان طبقة الكهنة كما يبدو كانوا من اكثر فئات المجتمع المصري القديم اهتماماً بنظافة الجسم والصحة العامة ربما بسبب طبيعة عملهم ، وادراكهم بأهمية الاجراءات الوقائية في ابعاد شبح الاصابة بالأمراض والعوامل المسببة لها .واذا كان اللون الابيض هو اللون المُفضل للملابس عند المصريين القدماء  (كمال ، ج3-4، ص99) ، فانه لا يُستبعد ان يكون زي الاطباء والقائمون على مهنة التطبيب  قد طغى عليه ايضاً اللون الابيض دون غيره من الالوان الاخرى.

وفي بلاد الرافدين وبحسب النصوص الطبية المكتشفة وتلك المتعلقة بالطب فان ممارسات الاشيبُ الكهنوتية كانت هي من تتصدر معالجة المرضى في البداية لإزاحة الارواح الشريرة المسببة للأمراض من جسد المريض كما ظن القدماء بذلك ( parpola, p.14 ) يساعده في ذلك ايضاً صنف آخر من الكهنة كان يُطلق على أحدهم باللغة الاكدية اسم (باروbaru) ، وهو الشخص الضالع بشؤون البحث والتقصي  والتنبؤ بالمستقبل ( كونتينو،جورج ، ترجمة سليم طه ،ط2 ، بغداد: 1986 ، ص476)  أو البارع في مجال اختصاصه (البدري ،عبداللطيف ، بغداد :1978 ، ص8) ، ويقابله في اللغة العربية اسم (العراف ) ( الجوهري ، اسماعيل بن حماد ، ج4، القاهرة: 1956، ص1402) . ولاشك ان التركيز في بداية الامر على صنف الكهنة في المعالجة كان مُتأتِ بالدرجة الاساس من اعتقاد القوم ان منشأ الامراض هو الالهة التي سلطت على الآثمين  أو غيرهم من البشر الارواح الشريرة التي سببت لهم الامراض ، وبحسب اعتقادهم أيضاً فان تلك الامراض لا يمكن ازاحتها عن جسم المريض الا من قبل الالهة، وهذا في نظرهم كان يتطلب وجود وسطاء يشكلون حلقة وصل بين البشر والالهة ، واكثر فئات المجتمع قبولاً لهذه المهمة هم رجال الدين الكهنة ، الذين ابتدعوا اساليب وطقوس دينية مختلفة من خلالها يتم التوسل والتذرع بالآلهة لرفع غضبها عن الآثمين من البشر وتخليصهم من الامراض التي حلت بهم  . وتماماً كما هو الحال في مصر فان هذه المهنة كانت  محصورة في فئة محددة من طبقة الكهنة وغالباً ما كانوا يفضلون انخراط ابنائهم فيها لتعلمها والمحافظة على اسرارها  ، اذ ورد في احدى النصوص : ” علم ابنه فن الاشيبُ وعلموه حقاً قراءة الكبد ” ( CAD ,p.436 )، ومع ان المعلومات تكاد تكون  قليلة عن وجود مدارس خاصة لاكتساب الخبرة في هذا المجال ، الا ان الواضح من المعلومات يشير الى ان تعليم الكاهن المستجد وتدريبه على اصول المهنة واساليبها كان لا يتم الا من خلال والد المتعلم او عن طريق احد الكهنة المتمرسين والعارفين بها كما يُبيَن ذلك النص الآتي : ” لِيُعَلِم العارف غير العارف أسرار الخبرات الكهنوتية لأن غير العارف لا يراها ” ( يونس عبدالرحمن ،ص15). وخلال ممارسة المهنة واقامة الطقوس الخاصة بالعلاج كان على الكاهن المعالج الاشيبُ ان  يكون مرتدياً ثوباً احمراً على وجه التحديد للاحتماء به من تأثير الارواح الشريرة وانتقالها الى جسده( الجادر، وليد ، بغداد :1970، ص8) ، ويوضح نص مسماري من العصر الاشوري هذه الاجراءات الاحترازية اثناء المعالجة ، ومما جاء في النص : ” ان الكاهن مشمشو يصارع الشيطان وذلك بمسكه غراباً في يد وطير الباز في اليد الاخرى ويصرخ مردداً : لففت نفسي ضدك بقطعة قماش حمراء تجلب الرعب ، بملابس حمراء براقة عصمت نفسي منك بها “(الجادر، وليد ، بغداد :1972، ص245)  ومن خلال ما ورد في النص اعلاه يمكن ان نستشف ان القائمين بمعالجة المرضى من الكهنة كان لهم زيهم الخاص بهم من الملابس ، وهذا الزي كما يبدو كان يطغى عليه اللون الاحمر الذي يُمثل في اعتقاد العراقيين القدماء الدرع الواقي من الشر دون غيره من الالوان الاخرى ( الجادر :1970، ص8).

رابعا-  معبودات الطب :

لاشك ان المصريين القدماء وبحسب المكتشفات الاثارية والنصوص الكتابية كانت لديهم الخبرة الواسعة في مجال الطب والتطبيب ، ومع أهمية هذه الخبرة وتنوع الاختصاصات الطبية وطرق معالجتهم للأمراض ، فانهم كانوا يعتقدون أن الاسباب الدينية ممثلة بالآلهة وجنودها على وجه الخصوص كانت واحدة من الاسباب الرئيسة للإصابة بالمرض ، الى جانب غيرها من الاسباب الموضوعية والعملية التي كانت تحددها طبيعة الحالة المرضية  ، وان ازاحة المرض عن جسم المريض ووصوله الى حالة الشفاء التام كانت لا تتحقق بنظرهم الا برضا الآلهة وإرادتها ، وان هناك من المعبودات من تخصص في مجال الطب ورعاية مهنة الاطباء مما كان يستوجب الاستعانة بهم لتجاوز المحن والنجاح في معالجة الحالات المستعصية أو الميؤوس منها، ومن ذلك المعبود (تحوت) الذي خصوه بالعبادة كونه راعي مهنة الطب ونعتوه بالطبيب المُبدع واطلقوا عليه ” طبيب عيني حورس ” ، واعتقدوا ان الالتزام بتعاليمه وارشاداته تمنحهم مهارة الشفاء (كمال ، ج1-2، ص101) ، ومما زاد من مكانة هذا المعبود أيضاً أنه كان في نظرهم إله العلم والكتابة(كمال ،ج1-2، ص101) .كذلك ورد في بعض القراطيس الطبية(كما ،ج3-4، ص 199-200، 407) ما يشير ضمناً الى ان المعبودة (ازيس) كانت تتمتع بقدرات عالية في مجال الطب والسحر، وبسبب براعتها  في مجال الطب اطلق عليها المصريون القدماء لقب “امرأة الطب” (كمال ،ج1-2،ص 525-526) ، وعُرفت كذلك بالطبيبة الكبيرة والساحرة الماهرة ، ومما جاء في احدى النصوص على لسانها بهذا الصدد: ” أنا ازيس الساحرة التي تخرج السم من الجسم وتسقطه على الارض ” (كمال ، ص528 ) . وفي نص اخر نقرأ ما يوضح الامكانيات العالية لهذه المعبودة في مجال السحر والاستعانة بقدراتها السحرية في فك السحر الذي قد يتلبس به المريض ، ومما جاء في النص : ” يا ازيس يا عظيمة السحر فكي قيودي ، خلصيني ..خلصيني من كل سوء وضرر واثم ومن نقمة المعبود ونقمة المعبودة ، ومن ضرر الميت ، ومن ضرر العدو الذي يمكن ان يعترضني “(كمال ، ص535) .وفي ظل كلامنا عن أبرز الهة الطب عند المصريين القدماء فإننا لا يمكن التغاضي عن شخصية فرعونية مهمة هيمنت على مهنة الطب طيلة العهد الفرعوني ووصلت بمكانتها ومنزلتها الى مصافِ الالهة ، انه الطبيب المصري المُؤله (امحوتب) (بوتيرو ،جين ، ترجمة عامر سليمان ، موصل:1986، ص 297) الذي قدسه المصريون القدماء ونعتوه بصفات الالوهية ، فكان في نظرهم اله الطب ، والطبيب المعافي، والاله الرحيم ، والاله المُشافي (الشطي ، احمد ، دمشق: 1970، ص 20)، واضفوا عليه بسبب هذه السمات النسب الالهي واطلقوا عليه ابن الاله الاعظم (بتاح ) اله مدينة منفس المصرية ( حسن ، سليم ، القاهرة: 1940، ص 200) .

وفي بلاد الرافدين نجد ما يماثل نظرة المصريين القدماء لأسباب المرض ومن ذلك الاسباب الدينية (يونس ، ص104-110) اذ كان الاعتقاد السائد لدى سكان بلاد الرافدين ان الالهة هي من تقرر مصائر البشر وبيدها الخير والشر تُصيب به من تشاء ، وانها المسؤولة عن الامراض والاوبئة وكذلك عن رفعها وازاحتها عن كاهل البلاد والعباد وقتما تشاء وكيفما تشاء  ، وكعادة العراقيين القدماء في تخصيص معبود أو أكثر للمظاهر الحضارية بمختلف مسمياتها  ومنها العلوم والمعارف ، فقد خصصوا للأمور الطبية والعلاجية العديد من تلك المعبودات التي كانت في نظرهم هي الاكثر حمايةً ودفاعاً عن الجنس البشري وحمايته من الكوارث التي كانت تحاك ضده من قبل بعض الالهة  ، ويتصدر هذه المعبودات بمواقفه المشرفة تجاه البشر المعبود الحكيم (انكي \أيا ) (بوتيرو، جان ، ترجمة وليد الجادر ، بغداد: 1970، ص83)  وابنه المعبود (مردوخ) الذي خصوه بالتداوي والشفاء كما يشير النص الآتي الى ذلك : ” مردوخ الذي يداوي كل ويلات المرضى ، الطبيب الذي…”(CAD , p.436 ). وفي نص آخر نعتوه بالخبير لقدراته العالية في مجال الطب : ” مردوخ الطبيب الخبير ” (CAD ,p.436 ). كذلك اختص المعبود (نينورتا)( بوتيرو ،جان ، ص49) بالطب وسمي بالطبيب المقتدر (الاحمد ،سامي سعيد ، بغداد:1974، ص90)  وتعد ابنته الالهة (جولاGula) من أشهر المعبودات في مجال الطب ولها العديد من الالقاب الطبية البارزة ومنها “السيدة التي تشفي المرضى” و” المنقذة الكبيرة “( لابات ،رينيه،ترجمة وليد الجادر، بغداد:1968، ص194) و”السيدة التي تبعث الحياة للموتى “(روثن ، ص73) و ” ربة العقاقير والسموم ” (Sigerist,H, New York: 1967,p.433 )، ووصفت كذلك بأنها ” العظيمة في الممارسات الطبية والبارعة في الوصفات السحرية ..” ( CAD ,p.352 )، وكان يُستعان بها وبوالدها المعبود (نينورتا ) في طلب الصحة والعافية كما يتوضح ذلك من رسالة وجهها كاتب من العصر الاشوري الى الملك قائلاً ” لِيهب نينورتا وجولا الملك الصحة والعافية (Sigerist ,p.425)، ونظراً لأهمية مكانتها الدينية والطبية فقد اقام لها الملك الاشوري اشوربانيبال (668-626 ق.م) نصباً تذكارياً خاصاً بها ( Sigerist,p.433.) كذلك من المعبودات التي اختصت بالطب وكان لها منزلة كبيرة عند سكان بلاد الرافدين المعبود (ننآزوNinazu ) الذي عُرف بسيد الاطباء(ساكز، هاري،ترجمة عامر سليمان ، موصل:1979، ص529)  وابنه المعبود (ننجيشزيداNingeshzida )( Jurgen,T, New York:1962,p.155 ). وعلى الرغم من وفرة المعلومات التي تتحدث عن المعبودات العراقية القديمة واختصاصاتها المختلفة، ومنها الطبية والتي لا يمكن حصرها ضمن هذه الوريقات المحددة ، الا اننا نختم بالقول في هذه الفقرة ان المعبودة (عشتار Ashtar )(عبدالواحد ، فاضل ، بغداد :1980، ص 28-33) كانت من ضمن الالهة المهمة في معتقدات العراقيين القدماء وانها نعتت بآلهة الرحمة لمساعدتها النساء الحوامل اثناء فترة الانجاب ،اذ كان الاعتقاد السائد آنذاك ان غياب الالهة عشتار في لحظات الوضع يجعل الولادة عسيرة وربما قد يؤدي ذلك الى موت الجنين في رحم امه قبل ولادته ( AL-Samrrai,S,XV,1972,p.130 ).

خامسا-اساليب العلاج :

لطالما كان الاعتقاد السائد عند المصريين القدماء وغيرهم من الشعوب القديمة ، ان الاسباب الدينية كانت من ضمن الاسباب الرئيسة للإصابة بالأمراض ، لاسيما خلال المراحل الاولى لنشأة الطب ، وان المرض يتولد من دخول الشياطين والعفاريت الشريرة لجسم الانسان ، فان معالجة تلك الامراض  كانت لا تتم في نظرهم الا من خلال وسائل واساليب خاصة تتفق وهذا المفهوم لأسباب المرض ، فكانت الرقى والتعاويذ والتمائم من أهم تلك الاساليب التي ابتدعها الكهنة المتطببين لعلاج المرضى (دلو ، برهان الدين ، لبنان :1989، ص 33) فضلاً عن غيرها من الوسائل الاخرى . يقول احد الباحثين بهذا الصدد : ” كانت الرقى والتمائم أكثر شيوعاً بين الناس من حبوب الدواء لعلاج الامراض والوقاية منها ” (ديورانت، ص 123) . ولم يقتصر استعمال الرقى والتعاويذ على امراض معينة ترتبط فقط بالجانب النفسي والعصبي ، وانما قد تشمل أيضاً أمراضاً مختلفة بما في ذلك البسيطة منها كالزكام مثلاً ، اذ نقرأ في العبارات الاتية : ” اخرج ايها البرد يا ابن البرد ، يامن تُهشم العظام ، وتتلف الجمجمة ، وتمرض مخارج الرأس السبعة ، اخرج على الارض ،دفر. دفر . دفر .”(ديورانت ،ص 123) . ومما يؤكد اهمية هذه الاساليب الروحانية في العلاج ان اغلب القراطيس الطبية التي تعد المصدر الاساس لمعلوماتنا عن الطب المصري القديم ، جاءت متضمنة في ثناياها ، الى جانب الوصفات العلاجية ، العديد من الرقى والتعاويذ والتمائم التي كانت تستخدم لطرد الارواح الشريرة المسببة للأمراض والاوبئة التي كانت تحدث سنوياً مثل الطاعون ، والكوليرا ، والحصبة ، وغيرها من الامراض الاخرى ، ومما جاء في احدى تلك الرقى المخصصة لطرد الهواء الموبوء وشياطين المرض : “انسحبوا يا شياطين المرض، فالهواء (الموبوء ) سوف لا يصلني  ، كل من يمر بي سيمر بي دون ان يضرني ، فانا (حوريس) الذي يمر بمرضى (سخمت) .انا حوريس رغم ارادة سخمت . انا الوحيد ابن (بستت) سوف لا تميتني ” ( كمال ، ج3-4، ص 546-548). وهناك من الرُقى ما كان يستخدم مع الدواء لزيادة قوة فاعليته في المرض ورفع حالة المريض النفسية ، ومما جاء في احدى تلك الرُقى عند شرب الدواء : ” تعال ايها العلاج ، تعال ايها المُطارد للأشياء (الخبيثة) من معدتي هذه ومن أعضائي هذه ، ان الرقية تؤثر بقوة على العلاج (كمال ،ص 224). وفي تعويذة اخرى نقرأ : ” انا متيقظ جيداً وثابت الى الازل . أدرأ كل مرض يكون في وجهك …أيها العلاج … بفعل المعبودة (ازيس) سوف يزول مرض (عاع) الالهي الآتي من ميت أو ميتة أو فلان أو فلانة “(كمال ،ص 588) . واحياناً قد يصاب الفرد بالغضب الالهي نتيجة آثامه وذنوبه الكثيرة تجاه الالهة أو غيرها مما يتطلب تصحيح المسار بالفعل والقول ومناجاة الالهة بقبول التوبة والعفو لرفع ذلك الغضب ، ومما جاء في تعويذة موجهة للمعبود (اوزريس) : ” … يامن تسكن في كل خفايا الحياة ، يامن يحصي كل كلمة أنطق بها …لأني ارتكبت في العالم من الذنوب ما يفعم القلب حزناً ، وقد تماديت في شروري واعتدائي ، ألا فسالمني ، ألا فسالمني ، وحطم الحواجز القائمة بينك وبيني ، وأمر بأن تمحى كل ذنوبي وتسقط منسية عن يمينك وشمالك ، أجل امحِ كل شروري ، وامحِ العار الذي يملأ قلبي ” ( ديورانت ، ص164) . كذلك يمكن ان نستشف جوانب من اساليب العلاج والمواد التي كان يعتمدها الطبيب الروحاني  في معالجة المرضى  من خلال ما ورد في رسالة استدعاء لطبيب روحاني يدعى (نبامون) الى القصر الملكي  لمعالجة حالة مرضية في الرأس لزوج احدى الاميرات المصرية ، اذ يتضح من مضمون هذه الرسالة ان الطبيب المكلف بالعلاج كان يتبعه اثناء زيارته للمريض اثنان من مساعديه أحدهما كان يحمل كتاباً أسودا ، ربما كان خاصاً بالرقى والتعاويذ والتمائم ، والآخر يحمل سلةً مليئة بالعقاقير اللازمة للرقى ، مع كمية من الطين لعمل التماثيل الصغيرة وبعض النباتات الجافة والرطبة وبعض الاقمشة ومداد أحمر ومداد أسود(كمال ،ج1-2، ص 106-107) . وهذه المواد كما يبدو كانت ملازمة للطبيب في معظم زياراته للمرضى وهي تعد جزءً اساسياً في اساليبه العلاجية . وبحسب ما ورد في الرسالة فان نظرة الكاهن المتطبب للمرض كانت تقوم على اساس ان روحاً خبيثة تقمصت جسد المريض والحقت برأسه الألم والوجع ، وانجع الطرق والاساليب لإخراجها في نظره هو وضع جسم المريض أو أحد أعضائه تحت حماية الالهة للحد من تأثير تلك الارواح الشريرة المسببة للمرض واجبارها على الخروج من جسم المريض ، ويقال للروح الخبيثة في رقية : ” ان كل عضو من اعضاء المريض إله بذاته ، وان ذراعه هي (ازيس) وأن رجله هي (نفتيس) ورقبته إله وأسنانه سيف قاطع ولحمه (اوزوريس) ويديه روحان من ارواح الالهة ..وفخذيه ريشتا المعبود (آمون) وظهره ظهر المعبود (سيبو) ومعدته معدة المعبودة (نو) ..” وهكذا جعل كل عضو من اعضاء المريض الهاً بقصد حمايتها واخراج تلك الروح الخبيثة من جسد المريض  (كمال ،ص106-107) . وقد يلجأ الكاهن المتطبب الى اساليب اخرى في حالة فشله تحقيق الشفاء التام للمريض ، ومن ذلك اسلوب عمل التماثيل الصغيرة لتكون بديلة عن الشخص المريض في تحمل المرض ونقله الى التمثال الصغير في ظل رقية كانت تتلى على المريض أثناء هذه العملية ، ويمثل الاله (رع) فيها على انه الشخص المريض لاستمالة الالهة وتدخلها السريع لإنقاذه ، ومما جاء في هذه الرقية  : ” ايتوا حالاً أيها الالهة فان الاله (رع) متألم واذا اهملتموه مات لامحالة ”  (كمال،ص 107) . كذلك من ضمن الاساليب التي كانت يستعين بها الكاهن المتطبب لإخراج الارواح الشريرة من جسد المريض ، هو عمل وصفات علاجية من خليط مواد مزعجة كانت تشمئز النفس منها ، ومما جاء في احدى تلك الوصفات : ” دم السحلية واذان الخنزير واسنانه واللحم النتن ومخ السلحفاة …وبراز الرجال والحمير والكلاب والقطط…”(ديورانت، ص 125) . واحياناً قد لا يتمكن الطبيب الروحاني بمختلف اساليبه من الوصول الى تحقيق الشفاء التام للمريض او التخفيف من الآمه واوجاعه التي يعاني منها ، مما كان يستوجب في مثل هذه الحالات استدعاء المختصين من الاطباء  حسب طبيعة الحالة المرضية التي يشكو منها المريض  ، وهذا الاجراء وردت الاشارة اليه في الرسالة آنفة الذكر وتم استدعاء طبيب مختص بأمراض الرأس لتشخيص الحالة المرضية التي اخفق الطبيب الروحاني في علاجها .

وفي بلاد الرافدين كشفت النصوص المسمارية الطبية المكتشفة عن العديد من الاساليب والممارسات التي كان يعتمدها الكاهن المعزم (الاشِبُ) في معالجة الامراض ، وهي تشابه الى حد كبير من حيث الفكرة والمضمون  الاساليب التي مارسها المصريون القدماء . وتأتي في مقدمة ذلك الرقى والتعاويذ التي كانت تستخدم ليس فقط  لطرد الارواح الشريرة المسببة للمرض وانما أيضاً لرفع حالة المريض النفسية وتصديه للمرض ، ونقرأ مما جاء في احدى التعاويذ : ” انسج صوفاً احمر وصوفاً ابيض وعصب الغزال واعشاباً ثم اعمل من ذلك حبلاً واعقده سبعاً واينما تعقده اربط العقاقير في صوف احمر وكرر التعويذة سبع مرات .. ثم اربط هذه التعاويذ الملفوفة على الجبين بالحبل فانه سيعيش ” (يونس ، ص18) .وعلى الرغم من عدم الاشارة لذكر المرض وتحديد مكان الاصابة  ، الا ان هذه التعويذة وبحكم ربطها على جبين الشخص المريض يُرجح انها كانت مخصصة لعلاج احد امراض الرأس أو ما له علاقة بذلك . وهناك من التعاويذ ما تشير بالاسم الى أنوع العفاريت التي كان يعتقد العراقيون القدماء بوجودها وانتشارها في مختلف اماكن تواجدهم وهي تتحين الفرصة للانقضاض على الآثمين منهم أو غير الآثمين  مما كان يتطلب اخذ الاجراءات الاحترازية لذلك ، ويوضح النص الآتي عدد من اسماء تلك العفاريت وجاء فيه : ” نَمتَرُ التي هي خراب وتدمير قد أمسكت به ، أُتُكُ شرير يركض في الحديقة مثل الريح ، آلو الشرير الذي يسير في الشوارع ، أطيمُ الشرير المعلق على الانسان كالحبل ، العاللو الشرير المنتشر مثل الشبكة والذي لا يتمكن احد ان يمحوه ، لقد تملكت على رأسه نَمتَرُ الشريرة ،لقد تملكت على بلعومه أُتُكُ الشريرة ، لقد تملكن على صدره آلو الشريرة ، لقد تملكت على يده العاللو الشريرة ، لقد تملك على قدميه رابيصُ الشرير فلم يتمكن من الاكل والشرب .. لقد رآه مردوخ ..” (الاحمد ، سامي سعيد ، عدد2، بغداد:1975، ص 63) ، بعد ذلك تذكر التعويذة  مزيج الوصفة الطاردة لهذه العفاريت وهي غير واضحة بسبب النقص الحاصل فيها . كذلك  شكلت التمائم والاحجبة التي كانت توضع حول عنق المريض واحدة من الاساليب التي استخدمها الكاهن المعزم أيضاً للحد من تأثير الارواح الشريرة وازاحتها عن جسد المريض ، ومما جاء في احداها نقرأ : ” اذا انتقل الصرع الى يد العفريت ضع خمسة عقاقير على شريط من الجلد لفرخ صغير وعلقها حول عنقه فاته سيتحسن ” (يونس ، ص19) .وحملت بعض التمائم صور للعفاريت التي كان يراد الوقاية منها ومعظمها ذات اشكال خرافية مركبة ، فمثلاً العفريت (بازوزو) صُور على احدى التمائم برأس عفريت وصدر طائر واطراف بشرية تحمل اربعة اجنحة تنتهي بمخالب وذيل معقوف ، ثم يأتي بعد ذلك نص ديني لحماية حاملها من هذا العفريت (Saggs,H, Graz:1960,p.123 ). ومن الاساليب الكهنوتية التي اعتمدها الاشِبُ لطرد الارواح الشريرة ولاسيما تلك التي كانت تمثل اشباح الموتى في نظرهم هو عمل الدمى والتماثيل الصغيرة الشبيهة بأشكال الموتى في محاولة للقضاء على الشبح وابعاده ، وهو يماثل الى حد كبير الاسلوب الذي اعتمده الكاهن المصري للغرض ذاته ، جاء في النص : ” اذا ظهر شبح ميت على شخص عرفه او لم يعرفه فلأجل ابعاد ظهور هذا الشبح تصنع دمية تشبه وتمثل هذا الميت ويجب وضعها فوق فراش المريض ، وفي اليوم الثالث بعد الظهيرة وبعد اجراء بعض الفعاليات …تلعن الدمية بالتعابير الاتية : شمش(CAD,p.432 ) انت دليل هذا الميت في العالم السفلي وفي العالم العلوي ..انه مرعب قبيح المنظر ، بغيض ومخيف ليلاً ، انني انحني واتضرع واطلب جعله مكاني ، بحياة شمش ليبعد عني ، تكرر هذه الصيغة ثلاث مرات ثم تكفن الدمية وتدفن ..” ( بوتيرو،جان، ص160-161) . واحياناً كان الاشِبُ يلجأ ضمن اساليبه الكهنوتية الى استخدام الحيوانات كبديل عن الشخص المريض  بهدف نقل المرض اليه كما يوضح ذلك النص الآتي : ” لعمل بديل لرجل مطلوب من الهة الموت عند غروب  الشمس يمدد الرجل المريض جديا الى جانبه على المنام وعند الفجر ينهض الكاهن وينحني لإله الشمس  ويحمل الرجل المريض الجدي في حضنه الى بيت شجرة الطرفاء ويجعل الكاهن الرجل المريض والجدي يتمددان على الارض وتلمس حنجرة الرجل المريض بخنجر خشبي وتقطع حنجرة الجدي بخنجر برونزي ..ثم تلبس الجدي الملابس وتلبسه الحذاء وتصب الزيت على رأسه وتأخذ قبعة الرجل المريض وتربطها على رأس الجدي وتكفن الجدي وتعامله كرجل ميت . ثم ينهض الرجل المريض ويقف في المدخل وتتلى عليه رقية من قبل الكاهن يردد فيها ثلاث مرات : لقد مات فلان بن فلان ، بعدها يأمر الكاهن بإقامة مدفن ويدفن الجدي ” (ساكز، ص 345) . وقد يعكس هذا الاعتقاد بتخليص المريض من مرضه بتقديم بديل له ، أصداء قصة الفداء الخاصة بالنبي ابراهيم عليه السلام التي وردت في القرآن الكريم (سورة الصافات ، اية : 107) ، والذي يُظن انه عاش خلال العصر البابلي القديم حدود  (2000-1600 ق.م)، واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان النص الاشوري اعلاه يعود الى فترة لاحقة للعصر البابلي القديم ، فانه لا يُستبعد ان تكون حادثة الفداء قد ظلت عالقة بأذهان الناس حتى غدت من الاساليب المقبولة لاستشفاء المرضى ودفع الاذى عنهم (ساكز، ص 345). ويندرج ضمن هذه الاساليب كذلك اسلوباً فنياً آخر اعتقد به العراقيون القدماء وذلك عن طريق اغراء العفاريت بمجموعة من الهدايا والعطايا الرمزية في حالة خروجها من جسم المريض ، وهذا الاسلوب أفاد في نظرهم في اخراج العفريتة (لَمشتً) من اجساد امهات المستقبل  إذ كانت تلحق بهم الاذى وبأطفالهم (كونتينو ، ص 489) .ويشابه هذا الاسلوب الى حد كبير وكما سبقت الاشارة الى ذلك اسلوب العقاقير والادوية ذات التسميات المزعجة والذي اعتمده المصريين القدماء لإخراج الارواح الشريرة من جسد المريض . الى جانب هذه الممارسات الكهنوتية فان هناك من النصوص الطبية ما يفيد ايضاً ان الاشِبُ كان يستعمل في بعض الحالات الادوية والعقاقير ضمن اساليبه لمحاربة العفريت ، ويوضح النص الآتي ذلك اذ جاء فيه :” هذه 25 عقاراً تستخدم لعمل مرهم ضد مسكة العفريت.. وهي سر الاشِبوتُ”( يونس ،ص 26) . وقبل البدء بالإجراء العلاجي وبعد الانتهاء من ذلك كان يتوجب على الشخص المعالج تطهير المكان الذي يتواجد فيه المريض ، واتخاذ كافة التدابير اللازمة للحماية من الأرواح الشريرة وابعادها عن المكان الذي تجري فيه المعالجة ، كما يتوضح ذلك من النصين الآتيين : ” عليك بتطهير المكان أولاً…” ( عبدالواحد ، ج1،بغداد :1985، ص 203) ، ” وبعد ذلك يقوم الاشِبُ بتطهير البيت بوعاء الماء المقدس والمبخرة والمشعل ” ( CAD ,p.432 ).

مما تقدم يظهر ان الطب الروحاني او الكهنوتي الذي أشرف عليه ومارسه صنف من الكهنة المتطببين ، وابتكروا له اساليب ووسائل عديدة حاولوا من خلالها اقناع المرضى بأهميتها في العلاج ، كان واحداً من انواع الطب الذي مارسه القدماء ، ولاسيما في المراحل الاولى من تاريخ الطب ، اذ كان المرض في اعتقادهم ينشأ من تقمص الارواح الشريرة لجسد المريض وليس بالإمكان الشفاء من ذلك المرض الا برضا الالهة وابعاد تلك الارواح عن جسد المريض ، لذلك كانت هذه الاساليب في نظرهم هي الأنجع في مقاومة المرض والتصدي له ، فضلاً عن دورها الايجابي في رفع حالة المريض النفسية والمعنوية . ومع اهمية هذا النوع من التطبيب الا ان تراكم الخبرة في مجال الطب الدوائي والجراحي مع تقادم الزمن وتحديد اسباب موضوعية وطبيعية للمرض كما تشير الى ذلك النصوص الطبية المتوفرة ، والاعتماد في تشخيص المرض وخطورته على الاعراض المرضية وليس على التنبؤات بما ستؤول اليه حالة المريض الصحية ، ووضع العلاج المناسب لكل حالة مرضية بما يتناسب وطبيعة تلك الحالة  ، كل ذلك قلل من الاعتماد على الطب الروحاني الا انه ظل مرادفاً ومسانداً للحالات المرضية النفسية والعصبية ذات الاسباب المجهولة ، او تلك التي كانت تتطلب رفع حالة المرض النفسية لمقاومة المرض والتسريع في شفائه .وهذا النوع من التطبيب يشابه الى حد كبير ما هو معروف لدينا في الوقت الحاضر بالطب النفساني وهو اسلوب علاجي متخصص للحالات المرضية النفسية والعصبية .

نتائج البحث :

1- من خلال هذه الدراسة يمكن ان نستشف بان ممارسة هكذا نوع من التطبيب ظهر بفعل عوامل دينية دفعت بالشعوب القديمة الى الاعتقاد بأن الالهة هي المسؤولة عن اصابة البشر بالأمراض والأوبئة طالما كان بيدها مصائر الكون والبشر ، وهي كذلك المسؤولة عن رفع تلك الامراض المسلطة على البشر بقدرتها وتقديرها متى شاءت ذلك ولمن تريد.

2-لطالما كان الاعتقاد السائد وفق هذا المنظور ان الالهة بيدها اقدار الكون والبشر ومن ذلك اصابة البشر بالأمراض وإشفائهم منها ، فانهم خصصوا عدداً من الالهة لهذا الغرض اختصت في مجال الطب والتطبيب ، كان منها المعبود (تحوت ) الذي نعتوه براعي مهنة الطب ، والمعبودة (ايزيس) ، والوزير (امحوتب ) ، ويقابلهم في بلاد الرافدين ، المعبود (ايا \انكي ) اله الطب والحكمة ، والمعبود (نينورتا ) الذي نعتوه بالطبيب المقتدر ، والمعبودة (جولا) ،  والمعبود (ننكيشزيدا ) اله الطب عند البابليين ، وغيرهم من المعبودات التي لا حصر لها في هذا المكان.

3- بناءً على ما ورد آنفاً في (1و2) ولأن الفكر الديني عند المصريين القدماء وكذلك في بلاد الرافدين كان له من التأثير في حياة سكان تلك البلدان ، فان الاسباب الدينية كما يبدو كانت هي احدى أهم الاسباب التي دفعت الىممارسة هذا النوع من التطبيب كأسلوب علاجي للأمراض بشكل عام ، والأمراض ذات المنشأ الميتافيزيقي بوجه خاص.

4-ولأن الكهنة في نظر السكان قديما كانوا هم الاقرب للآلهة بحكم مكانتهم الدينية وانهم كانوا يمثلون حلقة الوصل بين البشر والالهة ، فانهم كانوا الاقرب للقيام بهذا الدور وابتداع اساليب روحانية او كهنوتية كان الهدف الاساس منها هو رفع حالة المريض الصحية وليس معالجة المرض بحد ذاته .

5-  من خلال دراسة المقارنة يتضح ان الطب الروحاني عند المصريين القدماء كان له من الاسباب والدوافع الدينية ، هي ذاتها التي كانت في الطب الكهنوتي عند العراقيين القدماء ، وهو ما يبرر تطابق وجهات النظر في تحديد الاسباب وطرق المعالجة والهدف الذي من اجله مورس هذا النوع من التطبيب .

6-تكمن اهمية هذا النوع من التطبيبفي ممارسته عبر العصور التاريخيةوالى الوقت الحاضر  لعلاج الامراض النفسية والعصبية ، وبالنظر لأهميته والحاجة الماسة اليه أضحى هناك العديد من المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة بعلاج الامراض النفسية وهي منتشرة في معظم انحاء العالم.

7- اذا اخذنا بنظر الاعتبار البعد الزمني لظهور هذا النوع من التطبيب وممارسته قبل اكثر من 4000سنة من الان ، واستمرار تأثيراته الى الوقت الحاضر ، فانه يمكن ان يُعد جزءً من الموروث الحضاري الذي خلفه لنا القدماء في مجال الطب والمعالجة .

 

قائمة المراجع :

المراجع العربية

    –  القران الكريم

  • الاحمد ،سامي سعيد (1974) الطب العراقي القديم، مجلة سومر، عدد (30) .
  • الاحمد،ساميسعيد (1975) معتقدات العراقيين القدماء في السحر والعرافة والاحلام والشرور ، مجلة المؤرخ العربي ، عدد2 ، بغداد .
  • انيس ،ابراهيم ، واخرون (2008) المعجم الوسيط ، ط4 ، القاهرة .
  • البدري ، عبداللطيف (1978) الطب عند العرب ، بغداد .
  • بوتيرو، جين ،واخرون (1970) الديانة عند البابليين ، ترجمة وليد الجادر ، بغداد .
  • بوتيرو،جان ،واخرون (1986) الشرق الأدنى الحضارات المبكرة ، ترجمة عامر سليمان ، الموصل.
  • الجادر،وليد ، العزاوي ضياء (1970) الحلي والملابس عند الاشوريين ، بغداد .
  • الجوهري اسماعيل بن حماد (1956) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ، ج4 ، القاهرة .
  • حسن ، سليم (1940) مصر القديمة ، ج1 ، القاهرة .
  • دلو، برهان الدين (1989) حضارة مصر والعراق ، لبنان .
  • ديورانت ،ول (1961) قصة الحضارة ، ترجمة محمد بدران ، ج2 ، مجلد1، القاهرة.
  • روثن،مرغريت (1980) علوم البابليين ، ترجمة يوسف حبي ، بغداد .
  • ساكز، هاري (1979) عظمة بابل ، ترجمة عامر سليمان ، موصل
  • الشطي ،احمد (1970) العرب والطب ، دمشق .
  • صناوي، سعدي ،واخرون ( د.م: 2011) معجم المعتمد .
  • عبدالواحد، فاضل وسليمان ،عامر (1979) عادات وتقاليد الشعوب القديمة ، موصل.
  • عبدالواحد ، فاضل (1980) عشتار ومأساة تموز ، بغداد .
  • عبدالواحد ، فاضل (1985) العرافة والسحر ، حضارة العراق ، ج1 ،بغداد .
  • قنواتي ،شحاتة (1959) تاريخ الصيدلة والعقاقير في العهد القديم والعصر الوسيط ، القاهرة .
  • كمال ،حسن (1964) الطب المصري القديم ، ج1-2 ، القاهرة .
  • كونتينو،جورج (1986) الحياة اليومية في بلاد بابل واشور ، ترجمة سليم طه التكريتي وبرهان عبد التكريتي ، ط2 ، بغداد .
  • لابات،رينيه (1968) الطب البابلي والاشوري ، ترجمة وليد الجادر ، مجلة سومر ، عدد24 ،بغداد .
  • يونس عبدالرحمن (1989) الطب في العراق القديم ، رسالة ماجستير غير منشورة ، الموصل.
  • المراجع الاجنبية
  • AL Samrri, S,(1972), Historical Review of Medicine in Arab World, Mesopotamian Medicine, XV.
  • CAD, The Assyrian Dictionary of the Oriental Institute of Chicago,1,11, Chicago
  • Jurgen, T,(1962), Science and Secrets of Early Medicine, New York:
  • Parpola, S,(1971), Letters from Assyrian Scholars to the Kings, Viuyn:
  • Saggs,H,(1960),Pazuzu, Archiv Fur orient forschung, Graz:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *