نوفمبر 23, 2024 2:42 ص
14

التعليم الإلكتروني ورهان الاستمرارية البيداغوجية

د: زهير ابعيزة 

وزارة التربية الوطنية / المغرب

00212610101837

Zouhair.baiza@maqeilsalih

الملخص

يعد التعليم الإلكتروني مظهرا من مظاهر ثورة التعلم الحديث على مستوى التقنيات والوسائط الجديدة ، المتزامنة وغير المتزامنة، المعتمدة في صناعة المضامين التعليمية وفي طرائق عرضها، ومفتاحا للولوج إلى مدرسة الغد؛ المدرسة الرقمية، الجديدة والمتجددة، من أجل ضمان الاستمرارية البيداغوجية، وتجويد التعلمات، وتنويع طرائق العرض البيداغوجي، وخلق إمكانات جديدة للنقل الديدكتيكي للمعارف والمعلومات.

لذا، نتغيا من خلال هذه الدراسة تحديد ماهية التعليم الإلكتروني، ومرتكزاته، وبيان أهمية إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية، علاوة على تسليط الضوء على أهم التحديات التي تعترض أجرأتها، من خلال الإجابة على جملة من الاشكالات، متوسلين في ذلك بالمنهج الوصفي التحليلي، وبالاستمارة باعتبارها أداة ستمكننا من التأكد من صحة الفرضيات واستخلاص النتائج.

الكلمات المفتاحية: الوسائل التكنولوجية، التعليم الإلكتروني، التعلم الذاتي، المدرسة الرقمية، المتعلم.

E-teaching and the bet of pedagogical continuity

DR ZOUHAIR BAIZA

Ministry of National Education / Morocco

Abstract

       E-education or digital education is a manifestation of the modern learning revolution at the level of new simultaneous and asynchronous techniques and media, adopted in the educational content industry and presentation methods, and a key to access to tomorrow’s school; The Digital School, New and Renewable, to ensure the educational continuity, duct learning, diversify the supply of education and create new possibilities for storing, collecting and communicating knowledge and information.

Based on these justifications, we change through this study to define what is e-learning, highlight its components, and its importance for the benefit of the educational system as a whole, in addition to shedding light on the most important challenges facing its boldness, by answering several problems, perhaps the most important of which is: What is meant E-learning? What are its importance and components? To what extent can e-learning be considered a mechanism to confront urgent challenges and ensure pedagogical continuity? Is it possible to move to e-learning without taking into account the difficulties presented by traditional education? We invoked the descriptive and analytical methods and the questionnaire as a tool that will enable us to confirm the validity of the hypotheses and draw conclusions.

Key words: Technological means, E-learning,  Self-education, Digital school, the learner.

المقدمة

   يعرف العالم اليوم تطورات تكنولوجية وثورة تقانية ومعلوماتية متلاحقة، مست كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ حيث أصبح التقدم والتطور رهينا بمدى قدرة الفرد على مسايرة هذه التحولات من جهة، واستغلال الإمكانات المتوفرة والمتجددة، والإفادة منها لإنتاج المعرفة وتسويقها بدل استهلاكها من جهة ثانية. لقد أصبحت المعرفة اليوم سلطة وقوة، ومفتاحا للنهضة والنماء، وإحدى الدعامات الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الجديد. ولا غرو أن تكنولوجيا المعلومات والاتصال وغيرها من أساليب ونظم التقنية المتقدمة تضطلع بدور محوري في اقتصاديات المعرفة، وتساهم بفعالية في قيام مجتمع المعرفة وتمنحه خصائصه ومقوماته.

ولم تكن المدرسة بمنأى عن انعكاسات العولمة، بل شمل التأثير كذلك منظومة التربية والتعليم، مما يستوجب إعادة النظر في أهداف ومضامين البرامج والمناهج التربوية، والسيناريوهات البيداغوجية، والوسائل التعليمية، وأساليب التقويم، والابتعاد عن التعليم التقليدي وأساليبه، حتى تستجيب لروح العصر، وتصبح قادرة على إشباع حاجات ورغبات متعلمي ومتعلمات القرن الواحد والعشرين، السيكولوجية والمعرفية والوجدانية.

لقد برزت الحاجة إلى نظام الرقمنة والتعليم الإلكتروني خلال جائحة “كوفيد 19″، التي أرغمت ما يزيد عن مائة وتسعين دولة على إغلاق مدارسها وجامعاتها جزئيا أو كليا، وحرمت أكثر من مليار وخمسمائة مليون متعلم(ة) وطالب من متابعة دراستهم، وأجبرتهم على الإقامة داخل بيوتهم، والبحث عن البدائل الديدكتيكية  لضمان الاستمرارية البيداغوجية للدروس، وخلق بيئات تعليمية إلكترونية  تفاعلية متنوعة الوسائط والتقنيات من جهة، ومن جهة ثانية لضمان التباعد الاجتماعي والحد من انتقال العدوى من وإلى الآخرين.

إن هذا التغيير الذي فرض نفسه، وقاد إلى التعليم الإلكتروني لم يعد اختيارا كما كان عليه الأمر من قبل. وهذا ما سيحتم علينا تحديد جوانب قوته للاستفادة منها، وجوانب ضعفه لسد ثغراتها، سواء من حيث تكوين الأساتذة أو تعديل البرامج التربوية، وتجهيز المؤسسات التعليمية، علاوة على تمهير المتعلمين وإعدادهم للتكيف مع عالم سريع ومتغير، أملا في جعله تعليما متوفرا للجميع بشكل عادل ومتساو.

  1. الإطار الإشكالي للدراسة
  2. إشكالية الدراسة

تتوخى هذه الدراسة الإجابة عن الاشكالات التالية:

  • ما المقصود بالتعليم الإلكتروني؟ وما أهميته ومقوماته؟
  • إلى أي حد يمكن اعتبار التعليم الإلكتروني آلية لمجابهة التحديات الطارئة وضمان الاستمرارية البيداغوجية؟
  • هل يمكن الانتقال إلى التعليم الإلكتروني دون الأخذ بعين الاعتبار الاكراهات التي تعترض منظومة التربية والتعليم على مستوى التخطيط والتدبير والتقويم؟
  • أهداف الدراسة وأهميتها

تكمن أهمية الدراسة في راهنية الموضوع الذي تعالجه. لذا، فإننا نسعى من خلال الإطارين النظري والإشكالي إلى تحقيق الأهداف الآتية:

  • التحسيس بأهمية إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في سيرورة العملية التعليمية التعلمية؛
  • تصنيف الاستعمالات البيداغوجية للموارد الرقمية؛
  • إبراز فاعلية التعليم الإلكتروني بأشكاله المختلفة؛
  • جرد مختلف التحديات التي تعترض تنزيل وأجرأة  إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المنظومة التربوية، وتقديم مقترحات قمينة بتذليل مختلف هذه الصعوبات.
  • منهجية الدراسة

توسلت الدراسة بآلية المنهج الوصفي التحليلي، قصد الإجابة عن الإشكالات المطروحة، وتحقيق الأهداف المتوخاة.

  • أداة الدراسة

تم اعتماد الاستمارة الإلكترونية كأداة للدراسة، بسبب قيود الحجر الصحي، وتعليق الدراسة الحضورية.

  1. الإطار النظري للدراسة
  2. إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المنظومة التربوية
    1. تكنولوجيا التعليم

تعتبر تكنولوجيا التعليم من أحدث المفاهيم، وأكثرها استعمالا في الساحة التربوية، حيث تباينت التعاريف والآراء حوله واختلفت، حسب الاتجاهات النظرية والمرجعيات الفكرية؛ “إنها مجموع الموارد السمعية البصرية المستعملة في التعليم مثل الصور والأفلام وأدوات التسجيل والراديو والتلفزة…، كما أنها تشير كذلك إلى منهاجية التعليم مثل التعليم المبرمج. وهي اتجاه فكري وعملي تطور وفق تيارين:  هما تطبيق نظريات التعلم في الممارسة البيداغوجية وإدماج مقاربات لتنظيم المعرفة وتحديد الأهداف وإحداث تدريس فعال” (المكي، 1993، صفحة 13).

وعلاوة على هذا، عرفت اليونسكو تكنولوجيا التعليم بأنها “منحى نظامي لتصميم العملية التعليمية التعلمية، وتنفيذها وتقويمها، تبعا لأهداف نابعة من نتائج الأبحاث في مجال التعليم، والاتصال البشري، مستخدمة الموارد البشرية وغير البشرية، من أجل إكساب التعليم مزيدا من الفعالية” (معال، 2006، صفحة 49). أما الموسوعة الأمريكية فاعتبرت أن تكنولوجيا التعليم هي استخدام الآلات والمعدات والأجهزة في التعليم، ومن ثم زيادة الفاعلية بالمنظومة التعليمية.

وبناء على هذه التعاريف يمكن القول إن تكنولوجيا التعليم هي إدماج مختلف التقنيات والأجهزة والأدوات المادية والموارد الرقمية، في العملية التعليمية التعلمية، من خلال تخزين أو إعداد أو عرض الموارد الرقمية التربوية، بغية تحقيق قيمة مضافة في جودة التعلم.

  1. أهمية إدماج التكنولوجيا في العملية التعليمية التعلمية

أصبح استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اليوم عماد اقتصاديات دول العالم، وضرورة لتيسير إنجاز العمليات المرتبطة بالأعمال اليومية لمؤسساتها وأفرادها إلى الحد الذي تشكلت فيه مجتمعات جديدة متباعدة المكان، متقاربة الزمان، مبنية على التواصل المتزامن، وغير المتزامن، من خلال إرسال واستقبال الكم الهائل واللامتناهي من الرسائل المعلوماتية؛ فهي لم تعد مجرد أداة فحسب، بل أصيح ينظر إليها على أنها مدخل من أهم مداخل اللحاق بركب الحضارة الآنية والمستقبلية في العالم.

 لقد غيرت التكنولوجيا ووسائل الإعلام والاتصال العالم من حولنا، وتأثرت بذلك الحقوق العلمية والأدبية على حد سواء، فصرنا أمام عصر سريع التطور كثير التحول الأمر الذي يجعل عمليتي التربية والتعليم أمام تحديات صعبة، نجملها في مسألتين: أولاها ضرورة مسايرة تحولات التكنولوجيا ووسائل الإعلام، والتكيف معها؛ علما أن الوسائط السمعية البصرية سمة تطبع العصر وتستجلب الجمهور عامة والنشء المتعلم خاصة، وثانيها ترسيخ التعلمات بشكل لا يفقدها راهينتها؛ فيداخلها الملل والنفور، بحيث تظل دوما مثار اهتمام المتعلمين والمتعلمات ومجالا لإرضاء فضولهم المعرفي.

 ولهذه الاعتبارات، واستجابة للتحديات التي يطرحها مجتمع المعرفة، أضحى من الضروري إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في  سيرورة العملية التعليمية التعلمية، باعتبارها دعامة ديدكتيكية، وآلية لتطوير المنظومة التربوية وتجديدها، وجعلها قاطرة للتقدم والتنمية المستدامة. “فمن غير شك أن توظيف وسائط تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم مثل الحاسوب، والأنترنيت، وجهاز عرض البيانات، والعارض البصري، والسبورة الذكية وغيرها، قد أسهم في تحول مفهوم التعليم من مجرد التلقين إلى عملية مساعدة المتعلم(ة) على عمليات بناء واستكشاف معارفه باستخدام أساليب وأدوات تعلم حديثة”. (أوزي، 2017، صفحة 108).

إن تجاوز الاكراهات والتحديات التي تواجه منظومة التربية التعليم اليوم، لا يمكن حصرها فقط في إدماج التكنولوجيا بشتى أساليبها وتقنياتها ووسائطها في الممارسة التربوية، بل يكمن في حسن وعقلة استعمالها وتوظيفها، وتجويد وعصرنة البرامج التربوية والمناهج التعليمية، بما يتوافق وحاجات ورغبات المتعلمين الوجدانية، والمهارية، والمعرفية، القمينة بصقل شخصيتهم وتنمية فكرهم الخلاق المبدع، وتجديد المدرسة والارتقاء بجودة التعلمات، من أجل تحقيق إقلاع علمي اقتصادي واجتماعي ناجع، يتماشى والتوجه العام للبلاد، ومع الأهداف المسطرة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، واستراتيجية المغرب الرقمي، والرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030.

ويتوخى من إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المنظومة التربوية تحقيق أربعة محاور أساسية في المدرسة (أوزي، 2017، صفحة 112):

  • −       “تطوير التعليم وجعله يتخلص من الطرائق والأساليب التعليمية العتيقة، التي لا تتلاءم مع طبيعة الحياة التي يعيشها المتعلم(ة) خارج المدرسة، بفعل التقدم والتطور التكنولوجي الذي غير أساليب الحياة؛
  • تطوير البيئة التعليمية. إذ من غير شك أن البيئة التعليمية بمختلف معداتها تلعب دورا كبيرا في التحفيز على التعلم، مما من شأنه العمل استثمارها بما يستجيب إلى حاجات المتعلمين وإلى متطلبات القرن الواحد والعشرون؛
  • تتيح تكنولوجيا الإعلام والاتصال، المساواة في الحصول على التعليم والتكوين، في كل مكان، ومن قبل الجميع، دون استثناء وفي جميع الأوقات؛
  • تطوير مخرجات التعليم، عن طريق اللجوء إلى استخدامات متنوعة، وإلى أساليب تعليميةـ ـ تعلمية مختلفة”.

غذت تكنولوجيا المعلومات والاتصال “مكونا رئيسيا في قاطرة التقدم والتطور، في كافة جوانب الحياة، ولعل هذا الأمر هو ما حدا بالباحث المغربي المهدي المنجرة إلى التأكيد على أن اللجوء إلى التكنولوجيات الأكثر تقدما ليس رفاهية بالنسية للدول الأكثر فقرا في العالم” (أوزي، 2017، صفحة 108)، بل ضرورة ملحة لإحداث تغييرات هيكلية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حيث أصبح من الواضح أن مناهج التعليم التقليدية، لا تزود  المتعلمين بالتعلمات المناسبة للقرن الواحد والعشرين، وهو ما سوف يخلف الملايين من الأطفال والشباب” (أوزي، 2020، صفحة 10). لهذا، “فنحن بحاجة ماسة إلى نظام تعليمي ناجع يفتح السبل أما المتعلمين لصقل ملكاتهم وتفجير طاقاتهم، وتعويدهم على التعلم الذاتي، وعلى الخلق والابتكار، من أجل التكيف مع عالم سريع ومتغير” (ابعيزة، 2020، صفحة 94).

  • 2.     الإطار المنهجي لإدماج تكنولوجيا  المعلومات والاتصالات في التعليم

أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني دليلا بيداغوجيا عاما، يهدف إلى توفير الأساسيات من أجل بناء سيناريو بيداغوجي لإدماج فعال لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العملية التعليمية التعلمية، على مستوى تصنيف الاستعمالات البيداغوجية للموارد الرقمية، من حيث أدوارها أو أهدافها أو من حيث الوظائف البيداغوجية. وقد تم اعتماد التصنيف الآتي: (الدليل البيداغوجي العام لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، 2014، صفحة 13)

الشكل 1: مجالات الاستعمالات البيداغوجية للموارد الرقمية

إن الإدماج الأمثل للتكنولوجيا في الممارسات الفصلية، يتطلب إعداد سيناريو بيداغوجي وفق منهجية تعتمد تحديد مجموعة من العناصر الأساسية، منطلقة من تحديد مجال الأهداف بالإدماج، ومنتهية باختيار المورد الرقمي المناسب، حسب الخطاطة التالية:

الشكل 2: منهجية إعداد السيناريو البيداغوجي

  1. التعليم الإلكتروني دعامة ديدكتيكية للمنظومة التربوية

1.3. ماهية التعليم الإلكتروني

يتكون مفهوم التعلم الإلكتروني E-Learning من كلمتين هما: التعلم ” Learning ” والإلكتروني “Electronic” ويرمز له ب “E”. ويقصد التعليم الذي يعتمد على استخدام آليات الاتصال الحديثة والمعاصرة من حاسوب وشبكاته ووسائطه المتعددة (صوتا وصورة)، ورسومات وآليات بحث، ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الأنترنت في الاتصال، واستقبال المعلومات، واكتساب المهارات، والتفاعل بين المتعلم والمدرس، وبين المتعلم والمدرسة، وأحيانا بين المدرسة والمدرس، من أجل ايصال المعلومات والمعارف بأسرع وقت وأقل تكلفة. (اليونسكو، 2020، صفحة 18)

  • أشكال التعليم الإلكتروني

 ويمكن التمييز بين ثلاثة أشكال في إطار التعليم الإلكتروني:

  1. التعليم الإلكتروني غير المتزامن

التعليم الإلكتروني غير المتزامن هو تعليم متحرر من الزمن، ولا يرتبط بوجود أطراف العملية التعليمية التعلمية كافة  وفي الوقت نفسه، إذ يستطيع المتعلم التفاعل مع المحتوى التعليمي، ويتبادل المعلومات عبر وسائل اتصال متعددة، مثل البريد الإلكتروني، ومجموعات النقاش، والأقراص المدمجة…، إنه تعليم متحرر من الاتصال المباشر بالمدرس؛ حيث يمكن للمتعلم أن ينتقي الوقت والمكان المناسبين مع ظروفه، ليتحكم في مسار تعلمه لمادة معينة، وينهل من مصادر متعددة للمعلومات اعتمادا على شبكة الأنترنت. (النوري، 2020، صفحة 156)

  • التعليم الإلكتروني المتزامن

التعليم الإلكتروني المتزامن؛ تعليم يجمع المدرس والمتعلمين، في آن واحد وبشكل متزامن أمام الحاسوب، أو أي وسيلة اتصال أخرى، ويتأسس هذا النوع من التعليم على الحديث الإلكتروني أو عبر تقنية الفيديو عبر غرف المحادثة أو من خلال إنشاء الأقسام الافتراضية.

  • التعليم الإلكتروني المدمج

 التعليم الإلكتروني المدمج؛ تعليم هجين ينصهر فيه التعليم الإلكتروني مع الممارسة الصفية التقليدية، في إطار واحد، من خلال الاعتماد في تقديم المحتويات التربوية على وسائل التعليم الإلكتروني (اعتماد الحاسوب والمسلاط، الاستعانة  بالموارد الرقمية وبالفيديوهات، شبكة الأنترنيت…).

3.3. أهمية التعليم الإلكتروني

 كشفت جائحة كورونا عن اختلالات جمة تعاني منها الأنظمة التعليمية على كافة المستويات؛ حيث تسببت في تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس والجامعات، وانقطاع أكثر من 1,6 مليار متعلم(ة) وطالب(ة) عن الدراسة، في 190 دولة، حسب إحصائيات اليونسكو، كإجراء وقائي لضمان التباعد الاجتماعي، والحد من انتشار العدوى من وإلى الآخرين، فلم يعد التعليم متوفرا للجميع بشكل عادل وديمقراطي، بسبب التفاوتات الطبقية والاجتماعية.

وبهذا، فقد “شكل وباء كورونا جرس التنبيه لتسريع وتيرة مراجعة النظم التربوية ــ التعليمية، واختيار النموذج الذي يستطيع التلاؤم مع العصر، وظروفه المستجدة، وتلبية لحاجات المتعلمين، وجعل كل واحد يمتلك بوصلة توجيه تعلماته وقيادتها بنفسه، تحت إشراف وتوجيه مدرسه، فنظامنا التعليمي ما يزال يأوي البيداغوجية التي تعتمد على النقل والتخزين، في وقت يحتاج نظام التعليم إلى التأسيس لبيداغوجية تجعل المتعلمين منتجين للمعرفة وليس مجرد مستهلكين لها” (أوزي، 2020، صفحة 66)، بشكل يتوافق مع روح وفلسفة مجتمع المعرفة.

 وأمام هذا المأزق، راهنت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي على التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد كآليتين لدمقرطة التعلمات، وضمان الاستمرارية البيداغوجية للبرامج والمناهج التربوية. من خلال تفعيل الأقسام الافتراضية عبر بوابة مسار( 725 ألف قسم، 85 ألف أستاذ و300 ألف تلميذ)، علاوة على حصص البث التلفزي ( حوالي 3127 درسا مصورا من 16 مارس إلى 12 ماي، بمعدل 59 درسا يوميا)، زد على ذلك برمجة جملة من الدروس عبر منصة Telmidtice(600 محتوى تعليمي في البداية).

وتفعيلا للمذكرات الوزارية الصادرة خلال الجائحة، أكدت عينة البحث أن ضمان الاستمرارية البيداغوجية للدروس، حتم عليهم اعتماد تطبيقات متنوعة، تختلف من مدرس إلى آخر حسب طبيعة الفئة المستهدفة؛ فقد صرح %49 اعتماد تطبيق الواتساب في تمرير الدروس للمتعلمين، و %17 اعتمدت فايسبوك، بينما فعلت % 13 ميكروسوفت تيمز ، في حين وظفت نسبة %08 شبكات مؤتمرات الفيديو ، وتطبيق classroom، أما نسبة %05  فقد اعتمدت تطبيقgoogle meet. ويوضح الشكل التالي هذه المعطيات:

الشكل 3: التطبيقات المعتمدة من طرف الأساتذة لضمان الاستمرارية البيداغوجية للدروس

أما بخصوص طبيعة الأنشطة المتوسل بها خلال هذه الفترة، لتمرير البرامج والمناهج التربوية، فقد أكدت نسبة % 67 اعتماد دروس رقمية على شكل WORD, PDF, PPT، في حين صرح % 25 توظيف دروس رقمية على شكل فيديو تعليمي، بينما % 08 اعتمدت تسجيلات صوتية لتمرير وشرح الدروس. ويبين الشكل الآتي هذه المعطيات

الشكل 4: طبيعة الأنشطة لتمرير الدروس

4.التعليم الإلكتروني ومنظومة التربية والتعليم: مسوغات الاعتماد وإكراهات الأجرأة

إننا نعيش عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصال التي غيرت أوجه حياتنا وطرائق اتصالنا، ورغم ذلك فإن هناك شبه غياب لاستعمال هذه التقنية الحديثة في معظم مدارسنا بالقدر الكافي، مما ينفر المتعلمين من التعلم، الذي ما يزال  يتصف بالطابع العتيق، ويخالف بذلك التوجهات التربوية على الصعيد العالمي (أوزي، 2017، صفحة 44).

  لقد أبان التعليم التقليدي، القائم على التلقين والحفظ والاستظهار، عن محدوديته أمام المقاربات البيداغوجية الحديثة، وعجزه عن الاستجابة لروح العصر، وتحقيق الغايات الكبرى المتوخاة من البرامج والمناهج التربوية. لذا، كانت الحاجة ماسة إلى تعليم ممتع و فعال ومنتج، يعيد الاعتبار للمتعلمين، ويخرجهم من شرنقة المحاكاة والجمود الفكري والاجترار، إلى الاستقلالية والإبداع والابتكار.

لذلك، انصب اهتمام الفاعلين التربويين على البحث عن أساليب واستراتيجيات تدريس حديثة، تضخ دماء جديدة في شريان المنظومة التربوية، تسترعي حاجات المتعلمين وتشبع فضولهم المعرفي، وتصب في اهتماماتهم وطموحاتهم. وتهتم بفاعليتهم وايجابيتهم في العملية التعليمية التعلمية، وتفتح أمامهم السبل  لصقل مواهبهم وملكاتهم،  وتكسبهم  جملة من الكفايات والمهارات والقيم والاتجاهات، التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية والاجتماعية، وتحفزهم على مواصلة التعلم مدى الحياة.

 ولا غرو أن إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في العملية التعليمية التعلمية، وخاصة التعليم الإلكتروني بتلاوينه المختلفة، لم يعد اختيارا، بل أضحى مطلبا أساسيا، لعدة اعتبارات نجملها في المسوغات الآتية:

  • عجز المدرسة التقليدية عن مسايرة الانفجار المعرفي الدائم، الأمر الذي جعل البحث عن بدائل أخرى أمرا ضروريا، لملاحقة هذه التغيرات والتطورات المعرفية  التي تنمي مهارات الإنسان؛ ونظام التعليم الإلكتروني هو المرشح لذلك (زيتون، 2005، صفحة 54
  • وجود شرخ واضح بين مخرجات المدرسة التقليدية ومتطلبات سوق الشغل؛
  • قدرة التعليم الإلكتروني على تخطي عقبات المسافات الجغرافية، باعتماده على التقنيات الحديثة للاتصال. إنه فرصة فريدة لإنقاذ التربية من البعد السلطوي، ومن المأزق الذي تتردى فيه حاليا، تبعا لتغليبها جانب التعليم على جانب التعلم (أوزي، 2016، صفحة 166)
  • توفير بيئة تعليمية تفاعلية، مرنة، متعددة المصادر، بطريقة متزامنة  في الفصل الدراسي، أو غير متزامنة عن بعد، دون الالتزام بمكان محدد، وتمكن المتعلمين من التعلم الذاتي، بناء على رغباتهم وحاجاتهم؛
  • تنمية المهارات الحياتية للمتعلمين والمتعلمات، والتركيز على مهارات القرن الواحد والعشرين؛
  • خلق فرص كافية للمتعلم(ة) للعمل وفق إمكاناته وقدراته الخاصة، وتزويده بتغذية راجعة فورية، ينتج عنها في الغالب زيادة في التعلم كما ونوعا؛
  • اعتماد أساليب متنوعة ومختلفة، للتواصل والتفاعل، بناء على خصائص وحاجات المتعلمين والمتعلمات، المعرفية والوجدانية والاجتماعية؛
  • زيادة انتباه وحافزية المتعلمين والمتعلمات، من أجل التعلم والبحث عن المعرفة، بإدماج وتوظيف جميع الحواس في عملية التعلم؛
  • انفتاح المتعلم(ة) على محيطه السوسيوثقافي، وتشجيعه على استعمال ملائم وأكثر إفادة للوسائل الإلكترونية، والموارد الرقمية المتوفرة.

مما لامراء فيه أن المفارقة بين التنظير لإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في منظومة التربية والتعليم، وبين تنزيلها وأجرأتها جلية وواضحة؛ ذلك أن الجائحة قد كشفت عن جملة من الصعوبات تحول دون توظيف التكنولوجيا في العملية التعليمية التعلمية، سواء على مستوى التخطيط والتدبير والتقويم ، لعل أهمها:

  • عجز المؤسسات التعليمية عن تحديث وتطوير البرامج والمناهج الدراسية، بسبب التغيرات المتسارعة التي يعرفها عصرنا الحالي، وللتدفق المعرفي غير المتحكم فيه؛
  • عدم توفر المؤسسات التعليمية على قاعات متعددة الوسائط؛
  • غياب ترسانة قانونية تؤطر التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد؛
  • السعي إلى الانتقال إلى التعليم الرقمي دون الأخذ بعين الاعتبار التحديات التي يطرحها التعليم التقليدي؛
  • نظام الحوافز؛ إذ لا يمكن أن نتحدث عن تعليم جيد دون الإشارة إلى نظام الحوافز، وبما أن التعليم الإلكتروني يعاني من بابية في الطرائق والأساليب الموظفة في التعليم والتعلم ، فإن المتعلم قد يجد في غالب الأحيان بيئة تعليمية تعلمية غير محفزة، وغير مشجعة على المشاركة الفعالة في بناء التعلمات، كما تنمي فيه هذه البيئة الآثار الانطوائية لعدم تواجده في موقف تتعلمي تعلمي حقيقي. ويعتير هذا التحدي إحدى العقبات الكبرى التي تعوق فعالية التعليم الإلكتروني( الملاح، 2010، ص:112
  • أغلبية المتعلمين لا يتوفرون على الحواسيب والأنترنيت، كي يواكبوا التعليم عن بعد؛
  • تعدد وسائط الاتصال والتواصل، أحدث تيها معرفيا للمتعلمين؛
  • عدم تجاوب وتفاعل المتعلمين مع هذا النمط الجديد من التعليم؛ إذ يبقى في نظرهم مجرد تعلم افتراضي، تختل فيه شروط ومقومات العملية التعليمية التعلمية؛
  • قدسية والوضع الاعتباري الذي يحتله التعليم التقليدي(الحضوري) لدى الأسر والمتعلمين والمدرسين على السواء؛

خاتمة وتوصيات

 مؤدى ما تقدم، يشكل التعليم رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، وإحداث تغييرات هيكلية في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وتأهيل الرأسمال البشري، مهاريا ومعرفيا ووجدانيا، ليصبح أداة قوية تشارك وتساهم بفعالية في إنجاح ورش التنمية المحلية والوطنية والإنسانية، وفي خلق الثروة وإنتاج الوعي، وتوليد الفكر الخلاق المبدع، وقادرة على مجابهة مختلف التحديات، ومسايرة التغيرات المتسارعة التي يشهدها عصرنا الحالي. وعليه، فإن إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في سيرورة العملية التعليمية التعلمية يعتبر استجابة لهذه المتغيرات، ما من شأنه أن يؤدي إلى إعادة صياغة “أدوار كل من المدرس(ة) والمتعلم(ة)؛ فالمدرس مطالب بتنويع موارده البيداغوجية والتنشيطية، أما المتعلم(ة) فينبغي أن يلبي التعليم حاجاته الفردية والاجتماعية، وبذلك يتم الانتقال من منطق التعليم التقليدي إلى منطق التعلم وتعلم التعلم” (وزارة التربية الوطنية، 2007، ص: 08). وبناء على نتائج الدراسة فإننا نقدم التوصيات الآتية:

  • رقمنة البرامج والمناهج التربوية، وإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العملية التعليمية التعلمية؛
  • إكساب المتعلمين مهارات التعامل مع مختلف التطبيقات الإلكترونية والاستفادة منها في مجال التدريس والبحث العلمي؛
  • تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأطر التربوية، وتأهليهم تقانيا لإعداد المحتويات الإلكترونية والسيناريوهات البيداغوجية وفق الشروط والضوابط التربوية؛
  • جعل التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد أحد مفاتيح تعليم القرن الواحد والعشرين، لمجابهة الأزمات الطارئة (كوفيد 19 أنموذجا) ولضمان الاستمرارية البيداغوجية للبرامج والمناهج الدراسية؛
  • زيادة الإنفاق والاستثمار في مجال التعليم الإلكتروني؛
  • إنتاج كبسولات تعليمية رقمية موازية للمناهج التربوية؛
  • جعل التعليم الإلكتروني جزءا من العملية التعليمية التعلمية، وليس مكملا لها؛
  • توفير لوحات إلكترونية لجميع المتعلمين؛
  • إحداث مختبرات لإنتاج الموارد الرقمية؛
  • توفير خدمات الأنترنيت في المناطق النائية غير المشمولة بالخدمة من خلال الأقمار الاصطناعية، من أجل دمقرطة التعلم وضمان تكافؤ الفرص؛
  • عقد شراكات مع شركات الانترنيت المختلفة، من أجل ضمان الوصول المجاني لجميع الخدمات التعليمية بالنسبة للمتعلمين.

المصادر والمراجع المعتمدة

  • أوزي أحمد  . (2020) الفصل المقلوب بوابة إشراك المتعلمين وممارسة التعليم عن بعد. الرباط:  منشورات علوم التربية.
  • أوزي أحمد. (2016) المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية. الدار البيضاء:  مطبعة التجاح الجديدة.
  • أوزي أحمد. (2017). بيداغوجيا فعالة ومجددة: كفايات التعليم والتعلم للقرن الحادي والعشرين. الرباط:  منشورات مجلة علوم التربية.
  • زيتون حسين. (2005). التعليم الإلكتروني: المفهوم، القضايا، التخطيط، التطبيق، التقييم. الرياض:  الدار الصولتية.
  • غريب عبد الكريم، وآخرون. (1964). معجم علوم التربية:  مصطلحات البيداغوجيا والديدكتيك. الرباط:  مطبعة النجاح الجديدة.
  • معال عبد الفتاح. (2006). أثر وسائل الإعلام على تعليم الأطفال وتثقيفهم. عمان:  دار الشروق.
  • المكي المروني. (1993). البيداغوجيا المعاصرة وقضايا التعليم النظامي. الرباط:  منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
  • وزارة التربية الوطنيةا. (2014). الدليل البيداغوجي العام لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم. الرباط: المختبر الوطني للموارد الرقمية.
  • اليونسكو. (2020). التعليم عن بعد، مفهومه، أدواته، واستراتيجياته، دليل لصانعي السياسات في التعليم الأكاديمي والمهني والتقني. مركز الملك سلمات للإغاثة الإنسانية.

المجلات المعتمدة

ابعيزة زهير.(2020). من أجل بيداغوجيا الإبداع: أساليب الكشف عن الموهوبين وبرامج رعايتهم، مجلة بحوث، ع:37.

الحسن عبد النوري.(2020).  التعليم الإلكتروني بين عوامل النجاح وإكراهات التطبيق في العملية التربوية. مجلة علوم التربية،ع:73.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *