أ.د. دلال حمزة محمد
Dalosh590@gmail.com
009647810109164
.د. تسواهن تكليف مجيد
Tklyft770@gmail.com
009647806719160
العراق – جامعة بابل – كلية الفنون الجميلة – قسم التصميم – 2022
الملخص
تأتي اهمية البحث الحالي في محاولة للامساك بمفهوم الانزياح التركيبي بوصفة آلية فاعلة في العمل الفني بوجه عام واثره في بنية اللوحات الحروفية بوجه خاص لاسيما في اعمال الفنان الحروفي جاسم محمد, وكانت مشكلة البحث تتمثل بالإجابة عن التساؤل : هل حملت التكوينات الحروفية في الاعمال الفنية العراقية المعاصرة التي انجزها الفنان جاسم محمد انزياحاً تركيباً واضحاً يسهم بشكل او بآخر في ابراز القيم الجمالية فيها؟ اما هدف البحث الحالي فهو محاولة للكشف عن ملامح الانزياح التركيبي في اعمال الفنان الحروفي جاسم محمد . للفترة من 2015- 2020 في امريكا , وتضمن الاطار النظري مبحثين تناول الاول منهما (الأبعاد المفاهيمية للإنزياح التركيبي) وتناول الثاني (جمالية اللوحات الحروفية المعاصرة في العراق) , اما اجراءات البحث : فقد اعتمدت الباحثتان المنهج الوصفي لتحليل محتوى (5) نماذج من الاعمال الفنية بطريقة قصدية , بالاعتماد على مؤشرات الاطار النظري, اما نتائج البحث فكان ابرزها : حقق الفنان جاسم محمد بتجربته الحروفية حساً جمالياً ضمن الية الانزياح التركيبي يجمع بين مجموعة من التوافقات الشكلية ودلالات المضمون , كذلك بين جمالية التوظيف اللوني وبين تناسبية الحروف من حيث اتساعها واحتوائها لجملة العناصر الإيحائية والإيهامية المستخدمة , اما اهم الاستنتاجات فهي : تعدّ تقنية الانزياح التركيبي من آليات الهروب من سلطة النص الفني التقليدي أي اللوحات الخطية وتمظهراتها , للعثور على الآفاق الإبداعية الحرّة التي تحقق للعمل الحروفي امتلاك السلطة وتمهّد السبيل للانتقال من المجالات التعبيرية الضيقة إلى ساحات رحبة متسعة. اما اهم توصيات البحث فهي اعداد كتب منهجية تدرس طريقة انشاء التكوينات الحروفية المعاصرة بطريقة مدروسة وتأثيرها على المتلقي.
الكلمات المفتاحية : الانزياح – التركيب – الانزياح التركيبي – اللوحات الحروفية – جاسم محمد
Features of structural displacement in the works of the Harofi artist Jassim Muhammad
Prof.Dr. Dalal Hamza Mohammed
Prof.Dr. Tsawahun Tklyf Maged
Iraq – University of Babylon – College of Fine Arts – Department of Design – 2022
Abstract:
The importance of the current research comes in an attempt to catch the concept of Turkish Anisa as an effective mechanism in the artwork in general and its impact on the structure of paintings The Hurufiyyah in particular, especially in the works of the Harofi artist Jassem Muhammad, and the bride had a problem with answering a question: Did the formations carry the letters in the artworks accomplished by the artist Jassim Muhammad a clear composition that contributes in another way to highlighting the aesthetic values in them? The current research aims to Feature structural displacement in the works of the Harofi artist Jassim Muhammad. Based on the graph for the first floor of the year 2015 – 2020, based on the prices of the theoretical framework. As for the results of the research, the most prominent of them were: Artist Jassem Muhammad achieved through his literal experience an aesthetic sense within the structural displacement mechanism that combines a set of formal conformations and connotations of content, as well as between the aesthetic of colour recruitment The proportionality of the letters in terms of their breadth and their containment of a set of suggestive and illusory elements and the accommodation that achieves the literal work obtaining power and paves the way for the transition from narrow expressive fields to spacious arenas. As for the most important recommendations of the research, it is the preparation of books from it that study the method of creating letter formations continuously and studied and their impact on the recipient.
Keywords: displacement – structure – structural displacement – letter paintings – Jassim Muhammad
مقدمة البحث
يعد مفهوم الانزياح من المفاهيم المهمة في الدراسات الاسلوبية والالسنية , والتي تدل على ان اللغة تتضمن انواع من الانماط التعبيرية التي تخالف المألوف , وهذا ما يمثل الاطار اللغوي العام وبالتالي لا ينشا المعنى الجديد الا عن طريق الانزياح بمستوياته وانواعه , من خلال الانماط التعبيرية ذات الابعاد اللغوية والدلالية .
وقد صاحب هذا المفهوم تسميات عدة مثل العدول والانحراف الذي يبتعد عن عن قواعد اللغة المعيارية , ومن المتعارف عليه ان ظاهرة الانزياح تدل على اتساع اللغة وتجاوز الاستعمال المألوف , والمعايير التي تفصل بين الشعر واللاشعر , والتي تختفي في كيفية توظيف اللغة وطريقة التعبير عنها , لتخلق عبر نظام اللغة المعهودة نوعأ من الاضطراب والتوتر , ليبدو هذا الشكل الجديد ضرياً من التعبير يؤدي الى الغوص الى البنية العميقة للعمل الفني و تمطيط الدلالة (فارساني , 2020) , وبالتالي النص الفني بمجمله .
يعمل الانزياح على ربط الدوال بعضها ببعض في العبارة او الفكرة الواحدة او في التركيب الشعري او الفني عامة , اذن التركيب الذي يخرج عن القواعد النحوية والفنية المعتادة واصولها هو انزياح تركيبي , “ويعد نوع من انواع الانزياح , ويتصل بالسلسلة السياقية الخطية للاشارات اللغوية عندما تخرج عن قواعد النظر والتركيب مثل الاختلاف في تركيب الكلمات”( ابو العدوس,2007,ص 188) , ويمكن تعريفه ايضا : ” بأنه نوع من الانزياح يتعلق بتركيب المادة اللغوية مع جاراتها في السياق الذي ترد فيه سياقا قد يطول او يقصر , عبر الربط بين الدوال ببعضها في العبارة الواحدة او الفقرة ” ( كوهين, 1986 , ص 40).
والانزياح التركيبي يتضح في الانتقال من اسلوب الى اخر وفي التقديم والتأخير والتركيب والحذف والاضافة , والواضح ان التأخير والتقديم له صلة وثيقة بقواعد النحو حتى ان (كوهن ) سمى الانزياح الناتج عن التأخير والتقديم بالانزياح النحوي وسماها ايضأ بالقلب ويمكن ان يعمل الانزياح التركيبي في المجالات الادبية والفنية على حد سواء بما يسهم في خروج تلك المجالات من قاعدتها واشكالها المعتادة الى اشكال خارجة عن المألوف , “و تكاد تخلو الاعمال التقليدية من كل ميزة او قيمة جمالية فالمهم هو من يمتلك القدرة على تشكيل العمل الفني جمالياً بما يجتاز الاطار المألوف “( كعيد, 2020 ، ص223 ). ومن ابرز تلك الفنون فن الخط العربي.
حاز الخط العربي على اهتمام كبير في مجال الدراسات التاريخية , اذ عولجت مختلف قضاياه الفنية والاثرية والتاريخية, وامتاز الخط العربي بخواص فريدة وجميلة لا تحملها اي من الخطوط العالمية الاخرى , فضلا عن أنواعه المتعددة والمختلفة في اشكالها وتركيباتها , لكل نوع من الخطوط العربية شخصيته وامكانيات اشتغالاته الجمالية الفنية والوظيفية , وخاصة في التجارب الفنية العراقية ومنها تجربة الفنان جاسم محمد , فهو يحاول ان يوظف الحرف العربي ضمن اللوحة المسندية المعاصرة بفضاءها اللوني والصوري والتقني المعاصر ، رغم انتمائه الى هوية الفن العربي الاسلامي , واستلهامه لروح الحرف العربي وفاعلية الحركة الكامنة فيه وقدرته الانسيابية والجمالية , بموروثاته الفلسفية والكتابية وصياغته المتنوعة.
مشكلة البحث
لقد اعتمد الفن الحديث على مبدأ التلميح لا التصريح , لان التصريح يفسد الفن , والفنان المبدع يلجأ الى هذا المبدأ لتعدد وجوه التفسير والإيحاء الممكنة للنص الواحد ,لذا فاللوحة الحديثة تتطلب عدم التصريح بكل شيء وترك المجال للمتلقي من خلافية الحضور والغياب والنطق والصمت والانزياحات التركيبية والدلالية , فالمباينة في كليهما تعمل على استدعاء الغائب للحاضر ,مما يتيح للمتلقي نوعا جديدا من الفهم والإبداع قوامه ثقافة المتلقي التي تتعدد بتعدد المعاني والإيحاءات للنص الواحد , لذا فالانزياح التركيبي من وجهة نظر الباحثتين هو عملية التغاير في بنية السياقات الفنية التي ترد في اللوحات الحروفية التي انجزها الفنان جاسم محمد والاختلاف بين الدوال والمدلولات الفنية من خلال التقديم والتأخير او الحذف والاضافة والتراكب بين الحروف وفضاءاتها اللونية, ومما تقدم تتجلى مشكلة البحث الحالي بالإجابة عن التساؤل الآتي :
هل حملت التكوينات الحروفية في الاعمال الفنية العراقية المعاصرة التي انجزها الفنان جاسم محمد انزياحاً تركيباً واضحاً يسهم بشكل او باخر في ابراز القيم الجمالية فيها؟
أهمية البحث والحاجة إليه
تأتي اهميته الدراسية وفق الاتي :
١_ انفرادها يتناول الانزياح التركيبي بوصفة الية فاعلة في العمل الفني بوجه عام واللوحات الحروفية بوجه خاص .
2_ مساهمه الدراسة في القاء الضوء على المرجعيات التاريخية للحرف العربي التي اعتمدها الفنان العراقي جاسم محمد في نتاجاته الفنية فضلاً عن كونه مفردة مستلة عن التراث الحضاري .
3_ تفيد دارسي الفن والنقاد الجماليين لما يضيفه هذا البحث من قيم معرفية تساهم في رفد ودعم ثقافتنا الفنية في رسم اللوحات الحروفية وايضاً دلالات الحرف العربي وكيفية توظيفه في الاعمال الفنية.
4_ يسهم في رفد المكتبة الفنية بجهد علمي وفني وثقافي وتفيد الدارسين والمتذوقين جمالياً.
هدف البحث
يهدف البحث الحالي الى : الكشف عن ملامح الانزياح التركيبي في اعمال الفنان الحروفي جاسم محمد
حدود البحث
١_ الحدود الموضوعية : دراسة مفهوم الانزياح التركيبي في تصاميم اللوحات الحروفية التي انجزها الفنان جاسم محمد المرسومة بمادة الاكرليك .
٢_ الحدود الزمانية : 2010 _ 2020 م
٣_ الحدود المكانية : امريكا
فروض البحث
تفترض الباحثتان ان اليات الانزياح التركيبي يمكن ان تحقق جمالية ذات ابعاد فكرية بين الحروفيات والفضاءات اللونية في اعمال الفنان جاسم محمد.
الدراسات السابقة
– دراسة (سعيد , طارق حبيب (2015) التكوينات الحروفية في اللوحات التصويرية للفنانيّن جميل حمودي وسامي برهان ( دراسة مقارنة ), مجلة نابو , العددان التاسع والعاشر .
هدفت هذه الدراسة الى الكشف عن القواسم المشتركة او من عدمها في التكوينات الحروفية في لوحات الفنانين المعاصرين جميل حمودي من العراق وسامي برهان من سوريا ومعرفة التقارب والابتعاد فيما بينهم من خلال الدراسة التحليلية المقارنة , اما مشكلة هذه الدراسة , فتعد الحروفية العربية رافد مهم من روافد الفن العربي الاسلامي، فقد استنهض الفنانين الحروفيين العرب خلال فترة اربعينيات القرن العشرين بعد الانفتاح والاطلاع على تجارب الفنانين العالميين في مختلف الاتجاهات والتيارات والحركات الفنية العالمية، حيث برز عدد غير قليل من الفنانين العرب في اتجاه تيار الحروفية العربية، فقام الباحث بعد دراسة مستفيضة باختيار اثنين من الفنانين المعروفين ومن الرواد، الذين لديهما خبرة طويلة في مجال التكوينات الحروفية في اللوحة التصويرية المعاصرة هما الفنانين )جميل حمودي من العراق – وسامي برهان من سوريا ( كعينة بحثه. واجرى مقارنة بين لوحات هذيّن الفنانيّن من حيث التكوينات الحروفية لهما، وكانت حدود البحث الحالي ( التكوينات الحروفية في اللوحات المعاصرة للفنانين سامي برهان من سوريا وجميل حمودي من العراق ، للفترة من اربعينات القرن العشرين ولغاية عام 2010.
اما مباحث الاطار النظري :- التكوين – التكوينات الحروفية في الفنون الاسلامية – التكوينات الحروفية في لوحات الفنانين جميل حمودي وسامي برهان , اما اجراءات البحث فقد اختار الباحث بشكل قصدي 10 نماذج لكلا الفنانين لإجراء عملية التحليل وكانت النتائج كالاتي:- تأثرْ هذين الفنانين الحرفييّن بالمدارس الفنية العالمية ) التجريدية- التكعيبية- السريالية ( كونهما عاشا فترة طويلة مغتربيّن في بلاد اوروبا .
– تأثرهما بالتراث العربي الاسلامي وبالتالي انعكاسهما على اللوحات التصويرية المعاصرة لهما من خلال استخدامهما الحروف العربية وتكويناتها ذات القراءة الفلسفية والروحية لدى الفنان سامي برهان، وبدلالات تعبيرية ذات رموز حضارية ودينية واجتماعية لدى الفنان جميل حمودي.
مناقشة الدراسة السابقة :
ابتعدت الدراسة الحالية عن الدراسة السابقة في كونها تختلف عنها في العنوان والهدف والحدود ومباحث الاطار النظري وبالتالي فأنها ستختلف كذلك في نتائج البحث , لكن تمت الاستفادة من مصادر البحث فقط .
ادوات البحث:
قامت الباحثتان بمقابلات شخصية مع الفنان جاسم محمد عبر منصات التواصل الاجتماعي للإفادة منه حول تجاربه الفنية , فضلا عن الافادة من مؤشرات الاطار النظري في تحليل نماذج العينة.
منهج البحث :
اعتمدت الباحثتان المنهج الوصفي بأسلوب تحليل المحتوى كونه الانسب لتحقيق هدف البحث وتحليل نماذج العينة .
متن البحث
- الإطار النظري للبحث
المبحث الاول : الأبعاد المفاهيمية للإنزياح التركيبي
قبل التطرق الى مفهوم الانزياح التركيبي يجب التعرف على مفهوم الانزياح بشكل عام , اذ يعد الانزياح من أشهر مفاهيم الأسلوبية وآليّات اشتغالها، فقد ظهر هذا المفهوم متزامنا مع مفهوم الشعرية الحديثة؛ لأن لغة الفن واللغة الشعرية مختلفة عن اللغة العادية المتداولة ، فاللغة العلمية مثلا تمتاز بالأسلوب التقريريّ المباشر، المعتمد على المسببات والنتائج , غير الخاضع للتأويل , لا تحتمل سوى دلالة واحدة فقط مهما اختلف مستويات المتلقين العلمية والثقافية ، أمّا الفن والشعر فهما يعتمدان لغةً تتضمن جانباً تقريرياً ، وقدرا كبيرا من الإيحاء ، ويعد الانزياح احد وسائل هذا الإيحاء، كونه من الظواهر المُهمّة في الدراسات الالسنية والأسلوبية التي تميز النص الأدبي والفني بميزات تجاوز المألوف وتخطّيه ,” وقد فرِّق أرسطو بين اللغة العادية المألوفة ، وبين اللغة غير المألوفة، مؤكدًا أن اللغة الثانية هي لغة الأدب والشعر والفن بصورة عامة , لأنها … تعبيرٌ عن الاختلاف والتجدُّد والحركة ، على عكس اللغة العادية الدالة على السكون والنمطية”.(ويس,2005, ص82 ). وهذا يعني أن الانزياح مصطلحٌ له جذورًا بلاغيةً تعودُ إلى البلاغة اليونانية بمسميات واشتغالات مميزة.
يعرف الانزياح بأنه خروج عن المألوف وتجاوزًا للسائد ، والابتعاد عن السياقات المتعارَفة إذا حقق قيمةً جمالية وتعبيرية ، ويمتاز بكونه إضافة جماليّة يستطيع الفنان من خلاها ان ينقل تجربته الفنية وابداعه الى المتلقي ، “ولمّا كان الانحراف اللُّغوي مرتبطًا بالنص، فيمكن تقسيمه إلى نوعين واضحين: الأوّل هو الانزياح الدلاليّ، ويكون في البلاغة أو الصور أو التّشبيه أو المجاز، وهو من الأنواع المؤثّرة تأثيرًا كبيرًا في القراء، والنوع الثاني هو الانزياح التركيبيّ، وهو مرتبطٌ بقوانين اللغة والنَّظم وتركيب العبارات كالتقديم والتأخير مثلًا” (فضل,1998, ص 87 ).
يعكس الأسلوبُ فكر الفنان وشخصيّته وفقاً لاختياراته الواعية، مع مراعاة أصناف المتلقّين الذين يخاطبهم، وتلك الاختيارات تكون في أغلبها مُنزاحة عن الأصل كالاختلاف والمغايرة والتقديم والتأخير، أو الحذف والاضافة ، كي يتجاوز المألوف ويتفنّن في إبداعاته الجمالية.
يقومُ الاسلوب على الانزياح بحسب ما وصلت اليه معظم الدراسات ، أو ما يطلق عليه الانحراف، حتى إنّ الكثيرَ من الباحثين رَبَطوا بين مفهوم الأسلوب بوصفه انحرافًا عن القاعدة العامة وبين ما كان متعارف عليه سابقا على أنه جانبا زخرفيا لتزيين النص بالأساليب البلاغية، …. واعتمادا عليه فإنّ علم الأسلوب هو انحراف وابتعاد عن القاعدة المألوفة في عمل ما، وامكانية البحث عن تلك الانحرافات وتحديد مستواها وتحليلها. (الخرشة, 2008, ص13-16)
يعد الانزياح ظاهرةٌ مُهمَّةٌ في البلاغة العربية القديمة، ؛ فهو وسيلة لتوسُّعها؛ وأداة فنية وجمالية عرَفَتْها اللغة منذ القديم , وقد بحث البلاغيين بصُوَر الانزياح ومنها العدول والانحراف والاستعارة، والتقديم والتأخير، و الخروج عن القاعدة والمألوف وغيرها من التسميات المختلفة التي شكِّلت في النهاية علمَ البلاغة.
وقد ارتبط الانزياح بالدراسة الشعرية والأسلوبية الغربية ؛ اذ عرَّف (فاليري ) الأسلوبَ بأنه انحراف عن قاعدة، وانزياحٌ عن قانون أو عرف لُغَوي، وخروج عن المألوف، وخرق للسائد، إلا أن الذي يجب الاتفاق عليه هو أن الانزياح يتطلب أن تكون له دلالة، وأن يحقِّق إضافة جمالية للغة، وإلا فهو مجرد شذوذ لغوي لا يقدِّم ولا يؤخِّر، ويعتبر جون كوهين مِن أشهر المشتغلين على مفهوم الانزياح. ( بوسدر, 2018, 22كانون الثاني)
وفي العصر الحديث ظهر مفهومُ الانزياح، سواء عند العرب أو عند الغرب، بمصطلحات كثيرة؛ كالانحراف، والميل عن القاعدة، والتغريب، والجسارة اللُّغوية والعدول والتغريب .
أنواع الانزياح:
يُقسم الانزياح إلى قسمين: انزياح لُغَوي، وآخر غير لُغَوي.
الانزياح غير اللُّغوي: هو خروجٌ على العُرف المجتمعي، وخرق وتجاوز للأعراف والتقاليد ، أي انه ذو طبيعة اجتماعية وثقافية , واما الانزياح اللُّغوي فهو يرتبط بالنص او العمل الفني ، ويمكن تقسيمه إلى نوعين:
1-الانزياح الدلالي (الاستبدالي):
وهو نوع مِن الانزياح يُعد الأشهر والأكثر دلالةً وتأثيرًا في القارئ، يسميه صلاح فضل ( انحرافًا) -: “الانحراف الاستبدالي يخرجُ على قواعد الاختيار للرموز اللُّغوية؛ كمثل وضع الفرد مكان الجمع، أو الصفة مكان الاسم، أو اللفظ الغريب بدل المألوف”(فضل , 1998, ص212) وهذا النوع يُعرَف في البلاغة بالصورة الشعرية أو البلاغية، يمكن تسميتُه بالانزياح التصويري, ومن أهم أشكاله لمجاز والتشبيه والاستعارة.
2- الانزياح التركيبي:
وهذا النوع يتعلق بتركيب المادة اللغوية مع جاراتها في السياق الذي ترد فيه ,سياقا قد يطول أو يقصر, ويحدث مثل هذا الانزياح من خلال طريقة في الربط بين الدوال بعضها ببعض في العبارة الواحدة أو في التركيب او الفقرة, ومن المقرر إن تركيب العبارة الأدبية عامة والشعرية منها على نحو خاص ,يختلف عن تركيبها في الكلام العادي او في النثر العلمي, ويرى صلاح فضل أن هذا النوعَ مِن الانزياح يتصل “بالسلسلة السياقية الخطية للإشارات اللُّغوية، عندما تخرج على قواعد النظم والتركيب؛ مثل الاختلاف في ترتيب الكلمات” .( فضل , 1998, ص211), وتجدر الإشارة أن هذينِ النوعين من الانزياحاتِ لا يمكن الفصلُ بينهما دائمًا، بل قد يتداخلان ويترتب أحدهما عن الآخر.
فالمبدع الحق هو من يمتلك القدرة على تشكيل اللغة جماليا بما يتجاوز إطار المالوفيات ,ومن شأن هذا إذن إن يجعل متلقي العمل الفني في انتظار دائم لتشكيل جديد , وذلك يعود إلى إن التركيب الفني قابل لأن يحمل في كل علاقاته قيما جمالية متوالدة باستمرار, والى ذلك يشير (جان كوهن) إن الشاعر الحديث هو “شاعر بقوله لا بتفكيره وإحساسه, وهو خالق كلمات وليس خالق أفكار ,وعبقريته كلها تعود إلى إبداعه اللغوي”( كوهن,1986,ص40) وهذا ليس معناه ان الشعر يخلو من الفكر, بالعكس بل من خلال الفكر يتمكن الشاعر من القدرة على استخدام التركيب اللغوي المغاير عما سبق.
فإذا كانت اللغةُ تفرِضُ نمطًا أو قانونًا تركيبيًّا مُعينًا، فكل خروجٍ عن هذا القانون يُعَدُّ انزياحًا تركيبيًّا، سواء كان الخروج يَمَسُّ ترتيب السلسلة الكلامية؛ أي: التقديم والتأخير؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [ مريم: 40]؛ ففي الآية تقديم الجار والمجرور (إلينا يرجعون)؛ لإفادة القصر؛ أي: لا يرجعون إلا لله، أو الحذف، أو كان يمس نظام اللغة النَّحْوي.
تتمثل الانزياحات التركيبية في الفن الشعري كثيرا في (الحذف والإضافة), وهو ما لاينسحب على كل حذف وإضافة ,لان الكلام العادي فيه حذف وإضافة, وعلى ذلك لا يعد انزياحا إلا إذا حققا غرابة ومفاجأة وحملا قيما جمالية .
فالحذف أسلوب بلاغي قديم لجأ إليه الشاعر استغلالا لإمكانياته الإيحائية “فالصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ,وتجدك انطق ما تكون إذا لم تنطق, وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن”( الجرجاني,1978, ص146) فالتلميح أفصح من التصريح , والصمت ابلغ من الكلام أحيانا ,لذلك نجد اغلب الشعراء المحدثين يسلك هذا المظهر ,بالإضافة إلى الحذف في الأعمال الفنية في رسومات الحداثة نجد الفنان يختزل ويحذف الكثير من مظاهر الأشكال وتفصيلاتها الجزئية ويقحم أشكالا أخرى في سياقات معينة وبأساليب مغايرة للواقع .
وهناك مظهر آخر للانزياح التركيبي هو (التقديم والتأخير) وهو وثيق الصلة بقواعد النحو ومن المعروف ان اللغة تتضمن بنيات نحوية عامة ومطردة وعليها يسير الكلام , ففي اللغة العربية يتوسط الفاعل بين الفعل والمفعول به , هذا بالنسبة للنحاة , إما البلاغيون والاسلوبيون فغايتهم دراسة التقديم والتأخير للكشف عن قيمته الدلالية والنفسية في العمل الفني والأدبي, يقول الجرجاني عنه” هو باب كثير الفوائد ,جم المحاسن, واسع التصرف, بعيد الغاية, لايزال يفتر لك عن بديعة ويفضي بك إلى لطيفة”( الجرجاني,1978, ص146) ويشكل التقديم والتأخير خرقا وانزياحا عن النمط المألوف في تركيب الجملة وان الانزياح كسمة أسلوبية لا يجيز للشاعر ان يخرج على القوانين اللغوية كلها فمخالفة القواعد في اللغة الفنية لا يمكن ان تجري دون ضابط ,بل يكون تبعا لما يسمى بالضرورات .
كما ان الانتقال بين الأساليب انتقالا مفاجئا الغرض منه إجراء تأثير فني , مثل طريقة التصوير الحر في الاعمال الفنية المعاصرة وانتقالاتهم المفاجئة وتحريكهم لعناصر الواقع فيما يعرف بالخلط ألزماني المكاني , وكل هذه وأمثالها كثير تقع في دائرة الانزياحات التركيبية التي تحدث في النص الواحد ومن الممكن اعتبار مجموع النصوص نصا واحدا وبناء متحركا يغير بعضه بعضا ويبدو بعضه منزاحا بالقياس إلى الباقي بمعنى قابليتها لتعدد المعنى ,فتكون العملية متأرجحة منزاحة بين الذهاب والإياب من المعنى إلى فقدان المعنى ,ويصبح التفسير صحيحا وخاطئا في نفس الوقت ,انه صحيح من زاوية مادة المعنى ,وخاطئ عندما يحاول إعطاء المعنى بألفاظ نثرية , وهو ما حاولت فنون الحداثة معاصرته واللحاق به من خلال تقديمها أشكال تفقد معانيها وتجدها في ذات الوقت.
المبحث الثاني : جمالية اللوحات الحروفية العراقية
ارتبطت فكرة الجمال والجمالية بفكرة او وعي التأسيس الجمالي في بنية الأشياء والظواهر الطبيعية والاجتماعية , أن الجمال هو وعي و احساس, والجمالية تعيين وانتماء نظام معرفي يعتمد الفهم والوصف والتحليل , وفي ابعد حالاته انتماء ذو مرجعيات مختلفة بعضها اجتماعي وبعضها الآخر ميثولوجي , تتأسس بالإنسان في دائرة اللاوعي الجمعي والفردي , وهذا الوعي ابتدائي يتمظهر لنا على صيغة مشاعر وانفعالات , ولأن الفن مرتبط بالجمال على نحو رائع نجد ترحيل الكثير من الأفكار في التحليل من النظريات الجمالية الى النظريات الفنية , وبالتالي فالفن والجمال موضوعات متقاربة ومتفاعلة أن فهم الفن والعمل الفني ما هو الا فهم جمالي بحت .
ومن ابرز هذه الفنون فن الخط العربي الذي يُعد أحد أبرز مظاهر العبقريّة الفنيّة عند العرب، فمن خلاله حفظ العرب تراثهم العريق، وبه تمت خُطت كلمات المصحف الكريم ، والاحاديث الشريفة، والحكم و العبر والمواعظ، وكلمات الأشعار. وقد تمايزت صفاته وألقابه عند العرب ، فمنهم من وصفه بأنّه هندسة روحانيّة تمّت بآلة جسديّة, ومنهم من تذكارًا لرفاهيّة روحيّة عميقة نابعة من نفس صافية في مواجهة العصر المضطرب والشائك.( زاهي, 2021, ص5)
يعد الخط اساس اللوحة الحروفية والخطية, وبين اللوحة التشكيلية، واللوحة الحروفية ينهض ما يمكن أن يُسمى الجدار أو المسند.. الاثنان لوحتان معلقتان؛ لكن الفرق يكمن في روح العمل، وروحانيته بالنسبة إلى اللوحة الحروفية. ويشكل الحرف طاقة جمالية وتشكيلية في هذا الفن ، الذي ينبع من مرجعيات إسلامية بالدرجة الأولى، ويتصل بالزخرفة والنقوش والتكوينات الهندسية والتوريقية والنمنمات الدقيقة، التي تحيل صبر الفنان على عمله الحروفي أو الخطوطي، وعكوفه عليه طوال أيام وليال، متوحداً بلوحته أو متوحداً بصياغاته التشكيلية الحروفية، أحياناً، على نحو تصوفي روحاني. (ابو لوز, 2018, 14 مايو) لذا أصبحت الحروفية التي يشتغل عليها عدد كبير من الفنانين التشكيليين العرب والمسلمين المعاصرين تياراً له ثقله الكمي والنوعي في الحياة الفنية الحديثة للعالمين العربي والإسلامي، وهي على قدر كبير من التنوع والاختلاف والتفرد من فنان إلى آخر , وبالتالي امست الحروفية تيار فني أو مدرسة فنية مستقلة.
تستند اللوحات الحروفية الى النص القرآني، فطاقة الحرف العربي الروحية عائدة إلى النص الديني، كما تأخذ من التراث النثري الكلاسيكي العربي، والموروث الشعري والأحاديث النبوية، والمأثورات والمقولات الحكمية والتربوية والفكرية والفلسفية، أي أن قوام اللوحة الحروفية هو النصّ، ويتلون هذا النص من عمل فني إلى آخر بحسب رؤية الفنان وأسلوبه, وطاقة الحرف التشكيلية تعود إلى طبيعة رسم الحرف، فيمكن ان تبرز طاقة الخط في لوحة حروفية ، ويمكن ان تتحول الحروف إلى كتلة من الألوان المتلاقية المتشابكة في لوحة حروفية ، وكأن الحرف يتراكب مع لون أحياناً على شكل دائري، بما يذكر بالرقصات الصوفية, فضلا عن المربع، والمثلث، والمستطيل وتداخلها معاً أحياناً أو تجاورها تظهر جميعاً في الحروفية، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى التفريق بين اللوحة الخطوطية، واللوحة الحروفية، مع أن روح اللوحتين واحدة، وهي روح الحرف.
إنَّ فن الخط هو فن خصوصي، وإبداع متفرّد للعرب فهم لم يأخذوه عن غيرهم، بل وضعوه بأنفسهم، وصاغوا قواعده، وبلوروا طرزه الفنيّة. ونشأ الخط، أساسًا، كفن في البلاط واستجاب إلى حاجات الدولة (الدواوين، نسخ القرآن، نسخ المؤلفات…) قبل مكابدات ومجاهدات المتصوّفة. فأضحى فنًّا مقدَّسًا، رسميًّا، تمازج فيه الدين بالدولة، والروحاني بالزمني، والفنيّ بالحرفي.( زاهي, 2021, ص5) لذا فاللوحة الخطوطية تعتمد على مهارة الخطاط في رسم حروفه. إن قلم الخط أو ريشة الخط، ثم الحبر، ومادة اللوحة نفسها المخطوط عليها الحرف، كل ذلك يحكم اللوحة الخطوطية إلى طبيعة فنية محددة، في حين أن اللوحة الحروفية تتماهى أحياناً مع التشكيل في بعده التجريدي على سبيل المثال، كما أن الحروفية تأخذ من اللون وطاقته الإيقاعية الموسيقية.
هذه الرؤية الثقافية للحروفية توجهنا إلى أمرين، الأول أن الخطاط والرسام قد دخلا هذا التيار الفني، أي أن الحروفية أخذت تستقطب الكثير من مكونات الفن، واتساع تيار الحروفية وفق هذا الاستقطاب نعاينه في تجارب فنانين مسلمين غير عرب؛ بل استقطبت الحروفية الكثير من الفنانين الأجانب، والأمر الثاني أن الحرف هو مصدر قوة اللوحة سواءً عند الخطوطي أو عند الحروفي أو عند التشكيلي.
على مستوى النقطة، والنقطة أيضاً تتسع إلى ما يمكن أن يسمى فن التنقيط، فإن بعض الحروف تكتفي بذاتها من دون تنقيط أو من دون نقطة مثل الكاف والميم، وهناك حروف لا تستوي إلا بنقطة أو نقطتين أو ثلاثة: النون، التاء، الثاء.
هذا التنوع في الخريطة التشكيلية للحرف العربي، والإحالات الروحانية الراشحة منه، وكذلك جمالياته، جعلت من الحروفية حقاً، تياراً فنياً عالمياً وليس عربياً وإسلامياً فقط، كما أن «النص الحروفي» إن جازت العبارة يحمل قيماً إنسانية عالمية رفيعة: المحبة، التسامح، الرفق، الوفاق، الجمال، والروح البشرية الغنية بالسلام.
اما بالنسبة لتاريخ التجربة الحروفية في العراق , فكانت فترة التسعينات مرحلة فكرية متطورة , بعد ما انتشرت التجربة الحروفية العربية، مرحلة زاوج فيها الفنان العربي تراثه ، مع المسيرة العالمية الحديثة للفنون، وانطلقت التجربة الفنية الحروفية العربية، محتفظة بهويتها وتراثها العربي والإسلامي، اذ تعاملت مع الحرف العربي، وفق علاقة صوفية وروحية , متضمنة الرموز الماورائية للحرف العربي من الأرقام والألغاز ، وقيمه المقدسة التي تتناغم ، بل وتنسجم مع جوهره، متخلصة في الوقت ذاته من التبعية البحتة للتجربة التشكيلية الغربية ، فكانت هناك تجارب محدثة من فنون واساليب الخط العربي، منها ماكان لوحات خطوطية , ومنها ما حاول توظيف الخط في اللوحات الفنية ,وأخرى نقلت الخط إلى فضاء اللوحة التشكيلية، فأصبحت تسمى ب (اللوحات الحروفية) , وهو الفن الذي اعتمد الحرف العربي في بنية العمل، فبات (الحرف) متناغماً مع التقنيات المتعددة التي وفّرتها التكنولوجيا والعلوم الحديثة، سواء كان مخططاً، أو مرسوماً، أو مكتوباً، أو مطبوعاً واضحاً أو مموهاً، وحتى مقروءاً أو تجريدياً , و حملت تجريدات وتعبيرات بصرية إلى فضاءات العمل الفني، منسجمة مع منجزات الفنون العالمية.
” وقد ظهرت التجارب الحروفية في الوطن العربي ، في العراق والمغرب ولبنان وتونس وغيرها، من نجا المهداوي إلى الناصري العزازي إلى سمير الصايغ، الذي ينظر إليه باعتباره أستاذاً في التشكيل الخطي، وصولاً الى خالد الساعي في سوريا ، وليس انتهاء بتجربة نقل الحرف العربي إلى اللوحة، وخلطه مع التقنيات اللونية واعتماد طراز متجدد للحروفية تتبع إيقاعات الزمن، وفق منظور حروفي تشكيلي ونسب موسيقية, وأصبح الخط مدروساً بوصفه فناً تشكيلياً، مرسوماً، ومزخرفاً، ومنحوتاً، وقد شهدت اللوحة الحروفية العربية تحولات تركيبية، تستثمر كينونة الحرف العربي وجمالياته، لتقوية عناصر النصوص من الناحية الجمالية”( حسن, 2018 , 22ابريل).
اشتغلت الحروفية العربية على عناصر شتى من التجربة البصرية العالمية، اذ تجاوزت أطار الفهم الوظيفي، نحو فضاء أكبر من القراءات الدلالية والبصرية ، مستلهمة فن كتابة الحرف من التراث العربي، ونظرياته الفلسفية في تأويل الحروف، وربطها بالحالات الوجدانية الصوفية , بالتالي أثبتت التجارب الحروفية العربية كفاءتها في امكانية تفاعل الحرف مع التكوينات والأنساق والصياغات الجمالية الهائلة التي استثمرت رسم الحرف في اعمال فنية تعبيرية وبصرية مدهشة.
ومن اهم التجارب الفنية في العراق تجربة الفنانة (مديحة عمر) اذ حاولت تحرير شكل الحرف العربي من التزاماته المنهجية والوظيفية وعالجته بصياغات مختلفة وبأساليب محدثة , في فضاءات لوحاتها في ثلاثينات القرن الماضي … فهي لم تتبع اسلوب الخطاطين لأنها ليست خطاطة متمرسة… بل هي ترسم الخط في اعمالها, بدأت تجربتها بالأسلوب الانطباعي , وقد تمكنت بممارساتها الفنية وقراءاتها الثقافية ان تغير في وظيفة الحرف العربي ومحاولة تطويع صوره الفنية, وفق رؤية تشكيلية سريالية معاصرة … مبتعدة عن الجانب التزويقي الخطوطي .. (كامل, 1983 , ص 104) .
بالتالي اصبحت مديحة عمر من رواد الفن العراقي في استخدامات الحرف العربي الحر, وفتحت الافاق الفكرية والجمالية لفناني جيلها ، في محاولة توظيف شكل الحرف العربي في العمل الفني العراقي المعاصر .. والافادة من تكويناته وأبعاده الفنية الحرة او الهندسية المقيدة , واضفاء الخصوصية التعبيرية عليه من خلال الرموز والدلالات او الإشارات.. فالحرف يمتلك شخصيتين : الاولى شخصية بصرية (شكلية) بتكويناتها البلاستيكية ، والثانية هي (الفونوتيكية) الصوتية المقروءة. ( جرداق, 1975 , ص 111)
اما الفنان جميل حمودي فقد عالج شكل الحرف العربي بطريقة فنية خالصة, بعد تعرّفه على أصول الفن التجريدي , بطريقة وضعته في مكان الريادة الفنية للتيار الحروفي الفني الذي شهد بعد عقدين من الزمن انتشارا كبيرا في العالم العربي , لا يُخفى هنا التأثير الذي مارسه اكتشاف هنري ماسون للحرف العربي بالرغم من أن ماسون كان رساما سريالياوبالرغم من ريادته التاريخية فإن تجارب حروفية عربية أخرى قد تقدمت على تجربته التي ظلت تراوح في مكانها الأول من غير أن تتطور أسلوبيا. وكما يبدو فإن شيئا من تأثير حمودي لم يظهر في تجارب الآخرين باستثناء تأثيره الطاغي والمباشر على رسوم ابنته عشتار التي ظلت تدور في فلكه (شاهين,2008, ص 26)
كذلك من ابرز الفنانين العراقيين (شاكر حسن ال سعيد), اذ ربط الفنان الحرف العربي بمبحث البعد الواحد بوصفه قاعه الخفيّ، مستشهداً بكتابات الصوفيين عن الحرف لمنح العمل الفني بعداً تجاوزياً، وكان يبتغي من ذلك ان يخلق تياراً مزدوجاً بين الفكر والثقافة العربية تواكب الاختبارات الفنية في التجريد- الحروفي، لا سيما وانه نهل من تجارب من سبقوه من فناني الغرب (تابياس وكلي وكاندنسكي). يقول شاكر حسن” أحب ان أكتب الحرف في لوحاتي بطريقة الأطفال وطلاب المدارس وانصاف المثقفين. وهو بهذا المعنى فيض الروح الإنسانية المتأملة وهي عند مستواها اللا شعوري بل الجنيني”( سلطان, 2021 , 22كانون الثاني). فالفنان الراحل بنظرية البعد الواحد كان يدعو إلى النظر إلى الفن بتجرد بعيدا عن كل المسميات، وقد كان شيخ الحروفيين العرب يقول بلغته الصوفية “أنا النقطة فوق فاء الحرف”. وكانت تلك الجملة الغامضة عنوانا لأحد كتبه. كانت التجربة الحروفية واحدة من أهم مراحل سيرته الفنية، غير أنها كانت تلاحقه باعتباره شيخ الحروفيين في العالم العربي، بالرغم من أنه تاريخيا لم يكن الحروفي الأول؛ لقد سبقه إلى ذلك العراقيان جميل حمدي ومديحة عمر. غير أن حروفية آل سعيد كانت شيئا مختلفا. لم تكن تزيينية كما هو الحال مع حمودي ولم تكن توضيحية كما ظهرت في لوحات عمر. كان آل سعيد قد شقّ طريقه إلى الحرف العربي بقوة الرسام الشقي الذي كان يرى في الكلمات المحذوفة والجمل الناقصة التي يكتبها الناس على جدران المدينة بعدا جماليا يشير إلى نوع مكتمل من الحياة.( مذكرات فنان عراقي , 2021)
فالكتابات المجردة تنفض عنها غبار النسيان، توقظ المناخ التجريدي، باعتباره إشارة لامتداد زماني بين التبصّر المرئي والامحاء التجريدي اللا مرئي. (أنساق الوفاق بين المركز والمحيط). يقول شاكر حسن: “الكتابة مثل حد السيف، تطوي المسافات فتتولد اللحظات، وما بين خطوة وخطوة تبرز حافة عالم هائل من المعرفة”( سلطان, 2021 , 22كانون الثاني).
يشكل الفنان العراقي ضياء العزاوي حالة ثقافية لافتة في العالم العربي، تتجلى في منجز تشكيلي وإبداعي ثري ومتنوع يمتد على مدى أكثر من خمسة عقود، ويعكس اشتباكا وثيقا مع مختلف هموم البلد والإقليم وتجريبا لأشكال تعبيرية وفنية كثيرة (wikepedia), وقد صيغ الحرف العربي في اعماله بتراكيب فنية مقروءة, لا تحمل معناً واضحاً بمعنى أن الحرف قد وظف تشكيلياً من خلال علاقات تصميمية برؤى متنوعة , تحمل مزيجا من أسلوب تراثي إسلامي وتشكيلي معاصر, “معتمدا على البيئة المحلية التي نشأ بين ثناياها من جهة وقوة الايحاء الحضاري المعاصر من جهة اخرى، مستلهماً في عمله هذا جماليات الموروث من خلال توظيفه للحرف العربي والاشكال الفنية في البسط الشعبية العربية بصيغة زخرفية تزيينية متحققة بتبسيط واختزال للمساحات اللونية… أذان المفردات التصميمية التي يستند اليها العمل الفني على الرغم من تجريديتها العالية الا ان لها مرجعياتها الشرقية فالحرف العربي واشكال البسط والوانها تتجمع بنسق عال من الرهافة وجمال البناء في تصميم تجريدي ذي ملامح شرقية واضحة، وهو بذلك قد أضاف طروحات شكلية جديدة لطروحات من سبقه، من خلال وعيه لمغزى الماضي والحاضر”( القيسي, 2021 , 16 تشرين الاول )
اما الفنان (جاسم محمد) الفنان فقد حاول الاحتفاظ بالشكل الواقعي للحرف ودلالاته وهندسته البنائية ولم يتجاوزها, فمن خلال ممارساته الفنية وخبرته وثقافته , ادرك قيمة الحرف وتكامل عناصر البناء الفني للوحة واللذة الجمالية في قراءة النص , مؤكداً على قدسية الحرف في ذاكرة المتلقي .
” ان الحرف في لوحة الفنان ( جاسم محمد ) يجسد مضامين انسانية في التعبير عن معنى الجملة ورمزية القول بعيدا عن المتعارف عليه في صراحة القول ومباشرته في اللوحة الخطية , … ومما يحسب له قدرته على احترام قدسية وبناء الحرف والمحافظة الجادة على رسم الشكل المثالي للحرف وفق مدارس الخط العربي المعروفة والاستفادة منه في مختبره البصري كقيمة تجريبية مبتعدة عن الانفصام بين ذاكرة الكتابة وذاكرة الصورة ” (الحروفي جاسم محمد,2016, 13 اب) ,فقد عمل على التحديث في شكل ومضمون الحرف , مستمدا من موروثه الحضاري لما انتجته الثقافة الرافدينية القديمة, والحفر الغائر للتكوينات الحروفية الاولى على الرقم الطينية والصخور , وصولاً الى فكرة الوظيفة الدينية وقدسية الحرف العربي.
وهذه الممارسة تعكس شغف جاسم محمد بالخط العربي الذي أحبه منذ طفولته واستثاره للتجريب وصقل موهبته فقد تتلمذ على يد الخطاط عباس البغدادي وتعمق بدمج التكوين الحروفي مع المسار التشكيلي مُتبعا أثر الجمال المخزّن فيما يحمله الخط العربي من إرث جمع الجمال والفن والمجاز والمعنى والهندسة والرياضيات ,حيث يقول “كانت تجربة مهمة وعميقة مكنتني من اكتساب مهارات التشكيل ولكني لم أجد نفسي رغم ذلك مُجدّدا بل وجدتني أضع نفس الألوان لصور قد رُسمت من عشرات السنين لفنانين أوروبيين، وقد كنت أساسا بدأت تعلّم الخط عند أحد أهم الخطاطين عباس البغدادي تعلمت منه أُّسس وقواعد الحرف العربي كان ذلك مطلع التسعينات، حيث وضعت خطة وهدفا لأكون وأتجدّد فنيا وبصريا بتجربة خاصة ارتكزت على الإيهام البصري والتعتيق وقد عَبَرت هذه التجربة بنضج حملني نحو اللوحة الحروفية المعاصرة بدمج النص مع التشكيل ومرونة الالتفاف بالتجريب مع الخط الديواني وانسابيته ومرونته واستخدام أكثر من تكنيك في اللوحة لشدّ المتلقي وهو ما حفّزني للتركيز أكثر على النصوص والبحث في عمق معانيها لتتماهى مع التوافق التقني الجمالي للوحة التشكيلية .(بن فاطمة, 2019 ,4 تشرين الاول)
وتجدر الإشارة إلى أنه قدّم تجربته عربيا انطلاقا من وطنه العراق ليسجّل منذ سنة 2010 حضورا بارزا ومميّزا انطلق من سورية إلى الأردن والمغرب والإمارات والسعودية ليبدأ صدى حضوره الفني ورغبته المعرفية بتوجيهه نحو أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، اقتنت أعماله عدة مؤسسات من بينها المتحف الوطني السوري كما اقتنت أحد أعماله الممثلة الامريكية أنجلينا جولي.
مؤشرات الإطار النظري :
- الانزياح في اللغة له علاقة بالتنحّي والتباعد ، والانزياح التركيبي هو الخروج عن المألوف والمُعتاد ويتعلق بتركيب المادة اللغوية مع جاراتها في السياق الذي ترد فيه ، اي أنّ ظاهرة الانزياح التركيبي هو خرق لغوي ينتاب اللغة المعيارية.
- إن اللغةُ العادية تفرِضُ معيار ثابت أو قانونًا تركيبيًّا مُعينًا، لكن الانتقال بين الأساليب انتقالا مفاجئا ومظاهر التقديم والتأخير؛ أو الحذف والاضافة , يُعَدُّ انزياحًا تركيبيًّا، هو خروجٍ عن هذا القانون سواء كان الخروج يَمَسُّ ترتيب السلسلة الكلامية او الفنية.
- بين اللوحة التشكيلية، واللوحة الحروفية ينهض ما يمكن أن يُسمى الجدار أو المسند.. الاثنان لوحتان معلقتان؛ لكن الفرق يكمن في روح العمل، وروحانيته بالنسبة إلى اللوحة الحروفية .
- تقوم اللوحة الحروفية على الخط، ويشكل الحرف طاقة جمالية وروحانية وتشكيلية كبرى في هذا الفن، الذي ينبع من مرجعيات إسلامية بالدرجة الأولى، ويتصل بالزخرفة والنقوش والتكوينات الهندسية والتوريقية والنمنمات الدقيقة .
- تأخذ الحروفية من النص القرآني، كما تأخذ من والموروث الشعري والأحاديث النبوية، والمأثورات والمقولات الحكمية والتربوية والفكرية والفلسفية، أي أن قوام اللوحة الحروفية هو النصّ , فضلا عن الفضاء اللوني.
- إن الحرف العربي ينطوي على طاقة روحية وتشكيلية عالية، طاقة الحرف العربي الروحية عائدة إلى النص الديني، وطاقته التشكيلية تعود إلى طبيعة رسم الحرف .
- الفنانة (مديحة عمر) اذ حاولت تحرير شكل الحرف العربي من التزاماته المنهجية والوظيفية وعالجته بصياغات مختلفة وبأساليب محدثة .
- اما الفنان جميل حمودي فقد عالج شكل الحرف العربي بطريقة فنية خالصة, بعد تعرّفه على أصول الفن التجريدي , بطريقة وضعته في مكان الريادة الفنية للتيار الحروفي الفني.
- ربط شاكر حسن الخط العربي بمبحث البعد الواحد بوصفه قاعه الخفيّ، مستشهداً بكتابات الصوفيين عن الحرف لمنح العمل الفني بعداً تجاوزياً .
- الفنان ضياء العزاوي صيغ الحرف العربي في اعماله بتراكيب فنية مقروءة, لا تحمل معناً واضحاً بمعنى أن الحرف قد وظف تشكيلياً من خلال علاقات تصميمية برؤى متنوعة تحمل مزيجا من أسلوب تراثي إسلامي وتشكيلي معاصر
- الفنان (جاسم محمد) حاول الاحتفاظ بالشكل الواقعي للحرف ودلالاته وهندسته البنائية ولم يتجاوزها.
- الفنان جاسم محمد الفنان عمل على التحديث في شكل ومضمون الحرف , مستمدا من موروثه الحضاري لما انتجته الثقافة الرافدينية القديمة.
اجراءات البحث
اولاً _ مجتمع البحث
ويضم مجتمع البحث الحالي البالغ عدده (21) عمل فني لمجموعة من الفنانين والتي نفذت من 2010 الى 2020 مجموعة اعمال الفنان جاسم محمد التي حصلت عليها الباحثتان من مواقع الانترنيت .
ثانياً _ عينة البحث
قامت الباحثتان باختيار (5) نماذج بما يحقق هدف البحث وفق الطريقة القصدية وتم اختيارها وفق المبررات التالية :
١ – تميزها بأفكار ابداعية مؤثرة من خلال اليات الانزياح التركيبي فيها.
٢- تنوع أساليب الاخراج الفني للفنان جاسم محمد
٣- توافق عناصر البناء الشكلي ورصانتها
٤- استبعاد النماذج المكررة في الفكرة او النص الكتابي.
خامساً : تحليل نماذج العينة
أنموذج (1)
اسم العمل: وكل في فلك يسبحون
القياس : 80 * 80
تاريخ الانتاج : 2012
وصف العمل :
جسد الفنان جاسم محمد العمل بشكل مربع واخذت الاشكال الحروفية والكلمات شكل عامودي على سطح العمل حيث تظهر على المستوى النظري بشكل مستطيل واخذت الالوان الابيض والاسود والاوكر منتشره بطريقة فنيه على سطح العمل
تحليل ومناقشة العمل :
يتضح الانزياح التركيبي عبر هذا العمل من خلال التركيب اللوني والحروفي حيث برز الفنان مهاراتة الفنيه والتشكيليه من خلال دمج الالوان وتركيبها في اللوحة .
ومن خلال الانزياح التركيبي وظّف الخامة واللوحة والعناصر التكوينية ليمنح النص دوره في تملّك الفراغ واختراق المساحة بالعمق والتبادل والحضور والكتل، ما أثار فكرة التجدّد وعُمق التعبير عنده، فالحروفيات في الفن التشكيلي تتشابه, إلا انها عند كل فنان تتبع عشوائية الحرف وتنظيمه وتآخيه أو تنافره مع الآخر بتؤدة فعّالة في التقنية المؤدية الى التطوير والانفتاح نحو التجريد الحركي البصري من خلال الحروفيات والشعور بقوة الحركة والضوء، رغم كثافة الحروف وتعزيز الألوان التي يمنحها انعكاسات مؤثرة على الداخل لابراز العمق تاركا الخارج في شفافية تنعكس قيمتها على الحجم والشكل والتفاصيل الثابتة والمتحركة (لون الخلفيات مع لون الحروف) والانعكاسات الديناميكية، لإدراك أهمية ارتباط الحروف بالعناصر التشكيلية المتنوعة ومدى أهمية فعالية ذلك لإظهار الجمالية البصرية.
ومن خلال الانزياح التركيبي في بنية العمل ايضا يوضح الفنان جاسم محمد الربط بين الكلمات والحروف وذلك ايضا من خلال التقديم والتاخير في الحروف للوصول الى الهدف الذي يحقق الغايات الجمالية , وتقرباً من تجسيدها لروح الآية القرآنية المقدسة التي تطرحها(وكل في فلك يسبحون) فالحروف بانزياحاتها وموسيقاها اللونية في حالة سباحة كونية .
فان الفنان يفك رمز الكلمة بحركة وانزياح الشكل وتركيب اللون في المُتون والهوامش وذلك للتاثير في المتلقي , وذلك من خلال الاية الكريمه ( وكل في فلك يسبحون ) التي احتلت مركز السيادة في التصميم في حالة تضاد لوني مما جعلها اكثر جاذبيه لدى المتلقي وان استخدام الفنان الانزياح التركيبي كأسلوب اخراجي ووسيلة الاهتمام وجذب اللوحات الفنيه فالمعنى هو افكار تمثل ناتج لما يثيره ترابط تكوينات الاشكال وتألفها في اللوحة الفنيه ويكون متجسدا في الشكل الظاهر للتراكيب الحروفيه وذلك تبدو الحروف في اللوحة التي ينفّذها جاسم عميقة المعنى الرمزي ليُجبر المتلقي على الاقتناع الجمالي بأنه لا يتعامل مع خطاط عادي بل مع فنان له قيمه التي يجبر بها اللوحة لترضخ لمقاييس الحرف الذي بدوره يتحرّر من مجازاته نحو تقمّص الصورة.
وبالتالي وصل الفنان جاسم محمد الى ناتج جمالي من خلال لوحته ومحتواها الذيي يضم الحروف ذات طابع جمالي من خلال التقديم والتأخير بالحروف الى الايه الكريمه رغم أن التصور التشكيلي وجماليات التوافق التجريدي في طبيعته الرمزية والذهنية، تتعامل مع الصور كقيم جمالية لونية يُركّز عليها جاسم، فقد استطاع أن يحافظ على التصور الواقعي لما يثيره الحرف عند التشكيل في القراءة ليخلق صلة بين المنجز الفني وذاكرة المتلقي وحنينه مع الإرث المقروء
فالفنان جاسم محمد يمارس الوجد في الحكمة والقصيدة والنص والتجلي مع توافقاتها الروحانيات وعبقريّته المكابرة والمشكّلة والمجسّدة في الحرف والخط وهي تتمادى في فضائها حرّة تتكاتب الحلم شكلا ولونا.
أنموذج (2)
اسم العمل : سلام قولا من رب رحيم
القياس : 80 * 80
تاريخ الانتاج : 2013
العائدية : فيرجينيا
وصف العمل :
جسد الفنان الحروفي جاسم محمد هذا العمل بشكل مربع تتوسطه دائرة وانتشرت الحروف والكلمات على سطح العمل مقروءة وغير مقروءة بالألوان الاحمر والازرق والابيض والاوكر.
تحليل ومناقشة العمل :
يتضح الانزياح التركيبي عبر هذا العمل من خلال عمليات التراكب الحروفي اللوني , اذ عرف التكوين الحروفي هنا دهشة العمق الروحي والتصور التشكيلي في العلامة (الدائرة) والرمز(النقطة) التي تجسدت كثيرا في اعمال الفنان بالوان مختلفة , وفي الحركة والتوافق البصري الذهني سواء في تعامله مع النص أو اللون والخطوط، فقد انتصر على الإثارات الجمالية الاعتيادية نحو التبصر الداخلي في الفضاء المشكّل بكل غموضه واحتوائه للذاكرة وإرث انتمائها للأمكنة والأزمنة في تداعياتها بين الحاضر والماضي ومحاولة الفنان دمجها في روح المعاصرة من عمق الانتماء المزدوج بين الشرق والغرب , و تعامل مع مستوى الأشكال حسب فكرة العناصر الحروفية ومدى تماسكها فهو من يبتكر صداها وانعكاسها ويتحمّل انحناءاتها وإيماءاتها ودلالاتها بين الشكلي والمعنوي والبصري.
يتضح في هذا العمل الحروفي مهارة الفنان, حيث أكسبته التجربة خبرة وعمقا مع دمج ومزج الألوان وخلق التناسق او التضاد بينها للشكل او الارضية وتوظيفها في اللوحة مع بساطة التصميم , إنها تجربة حروفية تشكيلية عميقة التفرّد, فالفنان جاسم محمد يمارس الوجد في الحكمة والقصيدة والنص فهو يفكّ رمز الكلمة بحركة تجادل الشكل وتروّض اللون من خلال التقديم والتأخير في المُتون والهوامش فتارة نراه يقدم الحرف والكلمة وتارة تعلوها الالوان, ليُعلن بالضوء والإشعاع والتوهّج في بعض الحروف في داخل الدائرة وخارجها عن فصاحتها الآسرة بصريا والتجلي مع توافقاتها الروحانيات وعبقريّته المتجسّدة في الحرف والخط وهي تتمادى في فضائها حرّة تتكاتب الحلم شكلا ولونا.
تتشكل الصور في هندستها مع الحروف لتكوّن النص المنتقى , اذ تبدو الحروف في اللوحة التي ينفّذها جاسم عميقة المعنى الرمزي الذي يتجاوز الكلاسيكية المُنفذة ليُجبر المتلقي على الاقتناع الجمالي بأنه لا يتعامل مع خطاط عادي بل مع فنان له قيمه التي يجبر بها اللوحة لترضخ لمقاييس الحرف الديواني الذي بدوره يتحرّر من مجازاته نحو تقمّص الصورة , في عمليات حذف واضافة بشكل مستمر, فهو لم يبتعد بالحروف عن بساطتها ولم يتماه مع حرفيّته المتعمّقة في ميكانيزمات اللوحة الغربية بل فهم العنصر الشرقي والحضاري للخط العربي وانتصر على قواعده دون أن يخلّ بها، بل وظّف الخامة واللوحة والعناصر التكوينية ليمنح النص دوره في تملّك الفراغ واختراق المساحة بالعمق والغياب والحضور والكتل، فيذهب باللون إلى أبعد مستوى في الظلال وأوسع مدى في النور لتتراكم الحروف في تناصاتها ولتتكاثف مع سرد المعنى بصريا ليصعد بمجاز الصورة, ما أثار فكرة التجدّد وعُمق التعبير عنده، فهو يربط بين الحرف واللوحة جسور التبادل الفكري لثقافة إنسانية لا تنفصل عن ذاكرتها ولا تتنكر لكل حداثي له توازناته الجمالية.
رغم أن التصور التشكيلي وجماليات التوافق التجريدي في طبيعته الرمزية والذهنية، تتعامل مع الصور كقيم جمالية لونية يُركّز عليها جاسم، فقد استطاع أن يحافظ على التصور الواقعي لما يثيره الحرف عند التشكيل في القراءة ليخلق صلة بين المنجز الفني وذاكرة المتلقي وحنينه مع الإرث المقروء، فتلك الظلال التي يشكّلها هندسيا مع اللون في عمق الفضاء المشغول بالحروف فتندمج متدرجة لتقف عند المفهوم وبناءات المحبة وإنسانية التعايش وثراء الحضارة، وهو ما يتميز عند نثر الغموض التشكيلي مع القراءة الحروفية والتصورات اللونية والهندسة التفاعلية في حركاتها بنشر عنصر التشويق مع الرغبة في القراءة التي لا تنفصل عن روح الآية (سلام قولا من رب رحيم) التي احتلت مركز السيادة في التصميم في حالة تضاد لوني, وجملها الشعرية والشاعرية التي بدورها تثير الخيال وتحرّكه مع باقي التشكيل الحروفي, اعتمادا على حيويّة اللون وموسيقى التشكيل وهي الميزة التي يشتغل عليها وهو يجذب تأمل المتلقي إلى هذه الصيغ البصرية الجديدة مدركا أنه لا يتعامل مع نصوص تقليدية في خطياتها بل مع منجز فني في توافقاته التفاعلية الحسية والذهنية.
وقد نفذ الفنان العديد من اللوحات التي مثلت شكل الدائرة فيها كما في النماذج الاتية:
أنموذج (3)
اسم العمل: حروفيات
القياس: 80 * 80
تاريخ الانتاج: 2014
وصف العمل :
جسد الفنان الحروفي جاسم محمد اللوحة بشكل مربع واخذت اشكال الحروف وسط اللوحة بالطريقة المائلة وانتشرت بعض الاشكال والحروف على سطح العمل واخذت اللوحة لون تدرجات الاصفر والازرق والاوكر والاحمر.
تحليل ومناقشة العمل :
يتضح التركيب الحروفي من خلال هذا العمل من خلال انزياح الحروفيات بالطريقة المائلة ومن خلال تركيب الالوان حيث ان حروفيات الفنان جاسم محمد تميزت بطابعها الفني وتحتوي على تدرجات اللون وتركيب الحروف العربية غير المقروءة أي ليس بالضرورة ان تعبر الحروف عن كلمات , في وسط العمل والتقديم والتأخير لها مع فضاءات العمل تسندها المعالجات التقنية وعملية التحزيز عموديا وافقيا ضمن المناطق المضيئة , فضلا عن عمليات الحذف والاضافة في الحروف الاجنبية واستخدام الكولاج لصحيفة اجنبية فيها شكل زهرة واشارات اخرى ,لتظهر بهذه الجمالية الفنية وتكون هذه اللوحة ضمن الحروفيات التي تنبض بروح المعاصرة, مستغلاً جمالية تشريح الحروف ، باحثا عن الهوية العربية والإسلامية، اذ يربط الفنان جاسم محمد بين الحرف واللوحة جسور التبادل الفكري لثقافة إنسانية لا تنفصل عن ذاكرتها ولا تتنكر لكل حداثي له توازناته الجمالية.
استطاع الفنان أن يحافظ على التصور الواقعي لما يثيره الحرف عند التشكيل في القراءة ليخلق صلة بين المنجز الفني وذاكرة المتلقي وحنينه مع الإرث المقروء فتلك الظلال التي يشكّلها هندسيا مع اللون في عمق الفضاء المشغول بالحروف , اذ يتضح في هذا العمل الحروفي مهارة الفنان, حيث أكسبته التجربة خبرة وعمقا مع دمج ومزج الألوان وخلق التناسق او التضاد بينها للشكل او الارضية يدمُج الفنان جاسم محمّد بين الكتل أي الحروف بثنائيات المتخيّل والواقعي محققا الهدف المتمثل بالعناصر البصرية تركز على تحديد صفة الحرف من خلال الآخر عبر تجارب خاضها تشكيليا ومرئيا, فالأيقون المتمثل بشكل الزهرة وغيرها الموجود في أعماله كصورة ذهنية مستوحى من رمز دلالي لصيق بذاكرة الانسان العراقي ، فهو يحاول ان يدمج الأشياء الحسية الموضوعية ذات التأثير المتبادل مع الواقع ، ليستميل ثقافة وذهنية المتلقي وخزينه المعرفي , وتكوين اتجاهات بصرية اكثر تعبيراً في استخدام اللغة المرئية المرتبطة بالحروف العربية لفهم الشكل وتأثيره فالحرف العربي استطاع أن يساكن اللوحة ويتماهى مع قيمها فقد استطاع أن يحافظ على التصور الواقعي لما يثيره الحرف عند التشكيل في القراءة ليخلق صلة بين المنجز الفني وذاكرة المتلقي وحنينه مع الإرث المقروء
فالحفر الغائر او التحزيز للتكوين الشكلي للحرف او في فضاء العمل هو ما كان متوارثا من الفنون العراقية القديمة منذ اكتشاف الكتابة المسمارية المحفورة على الشواخص النحتية والرقم الطينية , والمراحل التاريخية اللاحقة من تطور في صياغة الحرف واستعماله في الوظائف الحياتية الاجتماعية مروراً بقدسية الحرف وفكرة الوظيفة الدينية, وتشكل الفضاءات اللونية ورمز النقطة في هندستها مع الحروف لتكوّن النص الفني حيث تتعامل مع مستوى الأشكال حسب فكرة العناصر الحروفية وقد وصل الفنان جاسم محمد الى غايته الجمالية من خلال الانتقالات المفاجئة والتقديم والتاخير في الحروف والتلاعب الفني الذي يدركه في تركيب الالوان مما جعل لوحاته ذات طابع فني متقدم وصل عربيا وعالميا.
انموذج (4)
اسم العمل : حروفيات
القياس : 80 * 80
تاريخ الانتاج : 2015
وصف العمل:
جسد الفنان الحروفي جاسم محمد هذا العمل بشكل مربع تتوسطه دائرة الحروف على سطح العمل غير مقروء باللون الاصفر وتدرجاته وتتوسطه نقطه التركواز واللون الرصاصي المنشر على ارضية العمل
تحليل ومناقشة العمل :
يتضح الانزياح التركيبي عبر هذا العمل من خلال تراكب الحروف والتقديم والتأخير بها لتظهر بهذا الشكل وهي حروفيات ليس فيها نص تشكيل حداثه وقد عرف التكوين الحروفي هنا دهشه العمق الروحي والتصور الشكلي في شكل العمل الدائري تقريبا وفي وسطه النقطة التي تجسدت كثيرا في اعمال الفنان جاسم محمد وبألوان مختلفة , كما إن الصيغ اللونية التي يختارها جاسم محمد في حروفيات هذا العمل تسرد بصريا الحالة والمزاج والفضاء والمساحة في فراغها , وعُمقها وامتدادها وهو ما يجسّد صورا ذهنية لها حركتها وإيقاعها ,لإدراك أهمية ارتباط الحروف بالعناصر التشكيلية المتنوعة ومدى أهمية فعالية ذلك لإظهار الجمالية البصرية..
شكلت النقطة في لوحة الفنان جاسم محمد التي تتوسط اللوحة عامل جذب بصري بسبب اللون التركواز البارز , واخذ شكل الحروفيات مركز السيادة في اللوحة وشكلت عمليات الحذف والاضافة جانبا من الانزياح التركيبي في هذه اللوحة , مما اسهم في احالات عميقة المعنى فهو لم يبتعد بالحروف عن بساطتها ولم يتماه مع حرفيّته المتعمّقة ما أثار فكرة التجدّد وعُمق التعبير عنده، رغم أن التصور التشكيلي وجماليات التوافق التجريدي في طبيعته الرمزية والذهنية، تتعامل مع الصور كقيم جمالية لونية يُركّز عليها جاسم محمد , فهو يربط بين الحرف واللوحة جسور التبادل الفكري لثقافة إنسانية لا تنفصل عن ذاكرتها ولا تتنكر لكل حداثي له توازناته الجمالية , وتعمق الفنان جاسم محمد بدمج التكوين الحروفي مع المسار التشكيلي مُتبعا أثر الجمال المخزّن فيما يحمله الخط العربي من إرث جمع الجمال والفن والمجاز والمعنى , حيث أكسبته التجربة خبرة وعمقا مع دمج ومزج الألوان وخلق التناسق بينها وتوظيفها في المساحة .
وان هذه الممارسة تعكس شغف الفنان جاسم محمد فيما يخلق من تراكيب وتضاد وتناسق بين لون الشكل والارضيه اضافة إلى بساطة التصميم و تبدو الحروف في اللوحة التي ينفّذها جاسم عميقة المعنى ليُجبر المتلقي على الاقتناع الجمالي , لأن اللوحة الحروفية تعكس الهوية العربية والإسلامية.
وان شكل الحروفيات التي احتلت مركز السيادة في التصميم في حالة تضاد لوني, وجملها الشعرية والشاعرية التي بدورها تثير الخيال وتحرّكه مع باقي التشكيل الحروفي اعتمادا على حيويّة اللون وموسيقى التشكيل ليجذب المتلقي الى هذه اللوحة الحروفيه , لتعزيز مفاهيمه أو نظريته الخاصة, اذ يستلهم الفنان الحروف بطريقة فنيه تبرز الشكل او اللوحة التصميمية تتميز بالحركة والتوافق البصري مع النص واللون والخطوط , كأن الحروف تشكّل حالة اجتماعية متلاحمة ذات صلة أساسية بالوجود الكوني المجرد، اذ وظف جاسم الحرف كعنصر تشكيلي غائر في جسد اللوحة وبهيئة تجريدية مبهمة من خط الثلث المميز وركز على إبراز جمالياته من خلال حرصه على ضبط قواعده وأصوله في تنفيذ حروفياته كقيمة رمزية وتعبيرية كباقي لوحاته الاخرى ..
انموذج (5)
اسم العمل : حروفيات
تاريخ الانتاج : 2017
القياس : 200* 120
وصف العمل :
عمل فني حروفي تم تقسيم سطحه لونا الى قسمين الاعلى رصاصي والاسفل باللون الاحمر وتداخلت الحوف المبهمة وغير المقروءة في الوسط بتكوين مركزي توسطته النقطة الزرقاء.
مناقشة وتحليل العمل :
يجسد الحرف في لوحة الفنان ( جاسم محمد ) الحالية مضامين انسانية ويعبر عن مفاهيم رمزية ، من خلال ذوبان الحروف وتماهيها في النسيج اللوني المتدرج بين الاحمر والبني والاوكر في حالات تقديم وتأخير وحذف واضافة , لنستكشف معه اللغة المرئية التشكيلية التي تكتسب من الألوان عدّة إيقاعات بصرية تنتمي للحرف الذي يمزجه مع الأحرف الأخرى , فهو بخبرته وممارسته الفنية المتراكمة يدرك اهمية تكامل عناصر البناء الفني للنص البصري والغاية القصوى في لذة الاكتشاف عند قراءة النص , كذلك يحاول الابتعاد عن التجريد المغرق لخالص , ومحافظته على رسم الشكل المثالي للحرف وفق مدارس الخط العربي المعروفة والاستفادة منه في مختبره البصري في إذابة روح الحرف وروح النقطة التي توسطت العمل بلونها التركواز المعتاد وتحويلهم الى مرموزات مدغمة استلهامية , بأسلوب تجريبي مبتعد عن الانفصام بين ذاكرة الكتابة وذاكرة الصورة .
إن الطرح الفني الحالي ومن خلال ايجاد علاقة إدراكية تطرحها تلك الحروفيات المتراكبة المتداخلة غير الاعتباطية , معللة بقصدية واضحة , ما بين التباين والتدرّج في مجموعات من الأحرف والألوان المتنوّعة التي تنتمي الى البارد والمضيء، والأحادي والمتعدد والمعتم والشفاف، وكذلك الى الظلال والتناغم، الأساسي والثانوي المرتبط بالريشة وآثارها، وحركتها أو قدرتها على منح الشكل التموّج المجزّأ، والايقاعي الاتجاهات، والتحرر من قيود الحروف ببساطة في فضاءات مجردة وهمية لواقع حرف كبير أو صغير، وفي فلسفة معقدة وبسيطة في آن, استخدم الفنان الحرف للتعبير عن تجريد مشخص وغير مشخص بمعنى خلق عدّة خطوط مفاهيمية تراوحت بين اللون والحرف وفروقات الأحجام، إلا انه بين الموجب والسالب يخلق التطابق والتشابه، لبث انعكاسات حيوية تميل الى إبراز الخط كجزء من كل، وبين ملمس بصري وملمس حقيقي وآخر تقليدي. ليؤكد على ان الحرف هو الكتلة الحقيقية المستقلة وان امتزجت أو انصهرت مع المنتظم وغير المنتظم، ضمن خاصية فوضوية وأخرى مجعدة أو متشابكة أو مهيمنة، لإدراك التركيب الحروفي الذي ينتهجه في لوحاته من منظور التجريد الحروفي أو رؤية العناصر الحروفية في لوحة تجسّد حركة الكون المستمرة والتي لا تهدأ , اذ نقلها الى فضاء اللوحة لتكون جزءا متكاملا مع المنظومة اللونية للوحة وملمس السطح التصويري المنتمي بكيانه النهائي الى الفن الإسلامي المسند من روح الموروث للحرف وصياغته الشكلية.
خاتمة البحث
اولاً _ النتائج : من الدراسة الحالية توصلت الباحثتان الى جملة نتائج نذكر منها :
- حقق الفنان جاسم محمد بتجربته الحروفية حساً جمالياً ضمن الية الانزياح التركيبي من خلال توافقات الشكل والمضمون ، وكذا التوافق بين الحروف المستخدمة من حيث مضامينها الإيحائية والإيهامية في فضاءاتها اللونية , كما في جميع نماذج العينة .
- استخدم الفنان الانزياح التركيبي كأسلوب اخراجي ووسيلة للاهتمام والجذب البصري ,اذ يقدم ويؤخر بالتكوين الحروفي بحركة وانزياح ضمن الشكل العام وتركيب اللون في المُتون والهوامش وذلك للتأثير في المتلقي , من خلال التكوينات الحروفية التي احتلت مركز السيادة في التصميم , كما في النماذج 4-5.
- يدمُج الفنان جاسم محمد من خلال الحرف المنفصل والمتصل وعلاقته بالفضاء اللوني, بين الحروف بثنائيات المتخيّل والواقعي محققا الهدف المتمثل بالعناصر البصرية ومهارته اليدوية التي تركز على تحديد صفة الحرف من خلال الآخر, يراعي فيه الأضداد او المتناقضات لأنماط الحروفيات الكلاسيكية في التشكيل المعاصر.
- الحرف العربي يمثل ثقافتنا وحضارتنا، ويمتاز بقابليته للمد والضغط ولإمكانياته التعبيرية والجمالية ذات الإيقاع الجميل, وبالتالي تصعب قراءة اللوحة الحروفية بسبب تداخل الحروف مع بعضها ، فحاول الفنان ترحيله الى التجريد المغرق وإذابة روح الحرف وتحويله رموز استلهامية , وليس بالضرورة أن يكون النص الفني مقروءاً كما في النماذج(3-4-5).
- عمد الفنان الى الاخذ بذهن المتلقي من خلال تراكب الحروف , كي يفهم معنى النص بشكل يبتعد عما تشتغل عليه الحروف في الجملة القصدية ، فقد ذهب نحو بعدها الروحي ونصوصه القرآنية كما في النماذج (1-2) الذي سخره الفنان بأسلوبه لصالح الحداثة التشكيلية .
- ان جاسم محمد قد صنع توليفة من التراث العراقي الاسلامي ممزوجة ببراعة مع مسلمات الحداثة الفنية بأفق دلالي يستند إلى إيقاع تكويني فني تستسيغه العين المعاصرة , متمثلا برمزية النقطة ودلالاتها التعبيرية كما في النماذج(1-4-5).
- حاول أن يجمع أشياء مدركة حسيا وخلق لها معادل موضوعي لها كما في النموذج (3) ليوافق بالمحصلة بين تقنية الكولاج وبين تناسبية الحروف المستخدمة في وسط اللوحة واحتوائها على جملة العناصر الإيحائية الدالة على مضامين عديدة.
- إن الانزياح التركيبي وما يأتي به خلخلة ايجابية لبنية العمل الفني من خلال ايجاد علاقة إدراكية تطرحها تلك الفضاءت الحروفية المفتوحة كما في النماذج (1-3-5) والفضاء المغلق في النماذج (2-4) وغير العشوائية المنتشرة بوضوح في كل اعماله التشكيلية.
ثانياً _ الاستنتاجات : من خلال نتائج الدراسة الحالية توصلت الباحثتان الى جملة استنتاجات نذكر منها :
- لم تكن ظاهرة الانزياح التركيبي بكل مستوياتها من الحذف والاضافة والتقديم والتأخير من الظواهر الأسلوبية الجديدة التي ظهرت إثر تزاوج ثقافات الشعوب المختلفة من العربية والغربية، بل كانت ظاهرة قديمة في التراث النقدي والبلاغي والتي تعرف تحت المسميات المختلفة كالعدول والتجاوز والانحراف والمخالفة.
- أنّ الفنان محمد جاسم اتخذ هذه التقنية التعبيرية متمثلة بالانزياح التركيبي أداة طيعة للربط بين الجانب النفسي وحروفياته المبدعة وإضفاء ضرب من ضروب الجدة والجمال على العمل الفني، فلم نجد أي هوة فكرية بين الانزياح والحال الشعورية للفنان.
- لقد أوغل الفنان في تفتيت الترابط وكسر الانسجام بين العوامل والمكونات الحروفية واللونية استجابةً للتكوين المعرفي والنفسي.
- تعدّ تقنية الانزياح التركيبي من آليات الهروب من سلطة النص الفني التقليدي أي اللوحات الحروفية وتمظهراتها , للعثور على الآفاق الإبداعية الحرّة التي تحقق للعمل الحروفي امتلاك السلطة وتمهّد السبيل للانتقال من المجالات التعبيرية الضيقة إلى ساحات رحبة متسعة.
- جاءت التمظهرات المختلفة للانزياح التركيبي في اعمال جاسم محمد , نحو تجاوز البنية السطحية والغور إلى البنية العميقة للحصول على الدلالة الجديدة.
- لقد لعب الانزياح التركيبي دورًا بارزًا في توجيه الابعاد الدلالية لنصوص الفنان جاسم محمد الحروفية , وربطها بالبني التركيبية وإثراء النصّ من النواحي الدلالية وإثارة بواعث التفكير لدي المتلقّي لفكّ شفرات النص.
ثالثاً _ التوصيات
1 ـ اضافه كتب منهجية في مدارس التصميم تدرس طريقة انشاء التكوينات الحروفية بطريقة مدروسة وتأثيرها على المتلقي
2 ـ توفير فولدرات عن المصممين البارزين العراقيين والعرب المختصين بالتصميم الطباعي.
3 ـ اقامة ندوات تثقيفية عن احدث ما وصل اليه تشكيل الحرف العربي من استخدامات وتطبيقات.
رابعاً _ المقترحات
١-الانزياح التركيبي في أنساق التكوينات الحروفية العربية المعاصرة
٢-الانزياح التركيبي في الرسم الاوربي المعاصر
٣- الانزياح التركيبي و تمثلاته في الفن السومري
قائمة مصادر البحث
القرآن الكريم
المصادر العربية
- ابو العدوس , يوسف: الاسلوبية (2007) . الرؤية والتطبيق , دار المسيرة للنشر والتوزيع ,ط1, عمان – الاردن.
- الجرجاني,عبد القادر(1978) . دلائل الإعجاز, تحقيق: السبد محمد رشيد رضا , بيروت, دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع.
- جرداق , حليم (1975) .تحولات الخط واللون , بيروت , دار النهار للنشر.
- الخرشة ,أحمد غالب (2008) .أسلوبية الانزياح في النص القرآني ,ط1,الاردن , جامعة مؤتة .
- شاهين , محمود , واخرون (2008). المنصوص والمبصور بين الكتابة المصورة والصور المتكونة , ط1 , الشارقة, دائرة الثقافة والاعلام , المركز العربي للثقافة.
- فضل ,صلاح (1998) .علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته ,ط1, القاهرة: دار الشروق .
- كامل ,البابا(1983). روح الخط العربي , ط1 , بيروت , دار لبنان للطباعة والنشر , دار العلم للملايين.
- كوهن , جان(1986). بنية اللغة الشعرية ,تر:محمد الولي ومحمد العمري, المغرب الدار البيضاء,ط1, دار توبقال للنشر.
- ويس , محمد احمد (2005). الانزياح من خلال الدراسات الأسلوبية، بيروت , مجد المؤسسة الجامعية للدراسات.
المجلات ودوريات
- زاهي , نور (2021) .الحروفية العربية وموقع مديحة عمر , صحيفة ملاحق , العدد 458.
- كعيد ,اوراس سلمان .(2020) .الانزياح في كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب ،مجلة جامعة بابل ، العلوم الإنسانية ، مجلد 28 ، العدد 5 .
مصادر الانترنت
- ابو لوز , يوسف (2018, مايو 14) روحانية اللوحة الحروفية , تم الاسترجاع من الرابط https://www.alkhaleej.ae
- بن فاطمة ,بشرى (2019 تشرين الاول 4)الحروفية التشكيلية وتصورات الخط رمزية العلامة وانتصار المعنى في التجربة التشكيلية للعراقي جاسم محمد : تم الاسترجاع من الرابط : https://www.eldiwan.org
- بوسدر , بوطاهر (2018, كانون الثاني 22). ظاهرة الانزياح , تم الاسترجاع من الرابط https://www.alukah.net/literature_language
- حسن, عثمان(2018, أبريل22) «الحروفية» تصل باللوحة العربية إلى العالمية تجارب بصرية بلا حدود في ملتقى الشارقة للخط , 02:55 صباحا ” تم الاسترجاع من الرابط https://www.alkhaleej.ae
- الحروفي جاسم محمد(2016 اب 13). أيقونية الحروف واتساع الرؤيا.. موقع المدى العدد 3137 12:01:00 ص تم الاسترجاع من الرابط https://almadapaper.net/view.php?cat=155056
- سلطان ,مهى(2021كانون الثاني 22) شاكر حسن آل سعيد في نصف قرنٍ من الفنّ , 22:21 بيروت- النهار العربي, تم الاسترجاع من الرابط https://www.annaharar.com/arabic/culture
- فارساني ,عباس يد اللهي.(2020, 4 ايلول) : الانزياح التركيبي في شعر سمير العمري , ,موقع منصة الإبداع العربي , تم الاسترجاع من الرابط, https://al-manassa.com
- القيسي , سامر قحطان (2021 تشرين الاول 16). شاهد على العصر., تم الاسترجاع من الرابط https://imamhussain.org/arabic/
- مذكرات فنان عراقي ناسك في رحاب الحروف(2021ايلول 11), السبت, موقع العرب, تم الاسترجاع من الرابط https://alarab.co.uk
- https://ar.wikipedia.org/wiki