أ.م. د. مازن خلف ناصر
الجامعة المستنصرية – كلية القانون
Dr.mazin.khalaf@gmail.com
009647711592004
الملخص
إن التدابير الوقائية التي تتخذها العضو الإداري بشأن الحظر الصحي الوقائي من وباء كورونا تضمن الوقاية والحماية للمجتمع والأفراد، حيث أن حق المجتمع له أولوية قصوى لا يتهاون القانون بشأنها، وعليه فإن مخالفة الحظر الصحي الوقائي وما اقترفه البعض من عدم الالتزام به أو التهاون في تطبيقه يعد مخالفة لما تصدره العضو الإداري من لوائح تعد الوسيلة الأساسية لقيامها بمباشرة نشاطها الإداري، وتمثل في ذات الوقت مصدرا لقواعد القانون في مختلف المجالات، ومن ثم فإن التجاوز عليها يقتضي فرض الجزاءات الإدارية الجنائية بحق من يخالفها سواء كان متعمدا أو نتيجة خطأ، وهذا يتطلب ونحن في هذا الظرف الوبائي الكبير أن تكون لدى الجهات المنفذة لتلك اللوائح أو القرارات سلطة فرض الجزاءات المذكورة، وإلا فلن يكون لإجراءاتها أي تأثير رادع ما لم تكن متمتعة بمثل هكذا سلطة، لذلك لجأت العديد من الدول في ظل أزمة وباء كورونا الى اعلان حالة الطوارئ وتخويل العضو الإداري فرض عقوبات عاجلة، دونما حاجة لتوقيعها من القضاء، وذلك لكي تتمكن من مواجهة بعض المشاكل والأزمات التي تحتاج الى حلول سريعة وحاسمة والتي لا تناسبها تلك الإجراءات الطويلة والمتبعة عادة عند سن القوانين.
الكلمات المفتاحية: الجزاء، كوفيد، المخالفة، العضو الإداري، التنفيذ
Legality of criminal administrative sanctions
Covid – 19 Consequences of violating the preventive health ban in light of an epidemic
assistant. Dr. Mazin Khalaf Nasser
Al-Mustansiriya University – College of Law
Dr.mazin.khalaf@gmail.com
Abstract
The preventive measures are taken by the administration regarding the preventive health prohibition from the Corona epidemic guarantee prevention and protection for society and individuals, as the community’s right has the highest priority and they do not neglect the law in this regard. The regulations issued by the administration are considered the primary means of carrying out its administrative activity, and at the same time they are a source of the rules of law in various fields, and thus overcoming them requires the imposition of administrative criminal penalties against those who violate them, whether deliberate or as a result of a mistake, and this requires a grant In this great epidemiological circumstance, the authorities implementing those regulations or decisions have the power to impose the aforementioned sanctions, otherwise their actions will not have any deterrent effect unless they have such authority, so many countries in the shadow of the Corona pandemic crisis resorted to declaring a state of emergency and authorizing the administration to impose Urgent sanctions, without the need to sign them from the judiciary, in order to be able to face some problems and crises that need quick and decisive solutions that are not appropriate for those long and usually followed procedures when enacting laws.
Keywords: Penalty, Covid, Violation, Administrative member, Execution.
المقدمة
إن التدابير الوقائية التي يتخذها العضو الإداري في مواجهة الأزمة الحالية تصب في مصلحة الجميع، ومن ثم فإن خروج المخالطين عن القواعد والتعليمات التي أقرتها الدولة يعد خرقا للقانون، وعليه فإن استهتار المصابين بوباء COVID – 19ومخالطتهم لآخرين سيؤدي الى إلحاق الضرر بشريحة كبيرة من الأفراد.
لذلك فإن من الضروري التوعية والتوجيه للأفراد باتباع الإجراءات الصحية اللازمة التي تضمن السلامة للجميع، مع مقابلة ذلك بتشديد العقوبة على المخالفين لإجراءات العضو الإداري، وأن الصرامة في تطبيق القانون سيعمل على ضمان الصحة للجميع.
عليه فإن الجميع من مؤسسات وأفراد مسؤولون عن تطبيق القانون، وهذه المسؤولية مجتمعية ولا تقتصر على الدولة فحسب، وحسن فعلت الجهات الصحية واعضاء الضبط القضائي في العراق بشأن ضبط عدد من المخالفين للتدابير الوقائية، وذلك ضمانا للسيطرة على الوضع وحتى لا تتعرض الأمور للأسوأ كما حدث في دول عديدة كإيران وايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وغيرها.
أولا- أهمية البحث
أن للتدابير الوقائية التي اعتمدتها الدول في مقاومة التأثيرات السلبية لوباء كورونا أهمية كبيرة في التقليل من نسب الإصابة بوباء كورونا في العراق تحديدا, ولكنها لم تقضي بشكل نهائي على الوباء، ولكي لا تبقى هذه التدابير مجرد توصيات وإعمامات بحته، ينبغي أن يتم تقرير جزاءات إدارية جنائية على الأعمال المخالفة للوائح والأنظمة والتعليمات، إذ لازال التهاون والاستهتار بشأن الوقاية من هذا الوباء كبيرين مما عرض حياة الآخرين للخطر، فلم تُجدي حملات التنبيه والحث للأفراد باتباع الإرشادات الصحية والمجتمعية والإبلاغ الفوري عن المخالفين أو كل من يختلط بغيره من الأصحاء حماية للمجتمع ووقاية لهم.
ولأجل ذلك فرضت الغرامات المالية على كل من يتهاون في حقوق المجتمع وينشر عمدا أو إهمالا المرض أو الوباء، ذلك لأنه يتسبب في الضرر لأكبر قدر من الأشخاص، ومن ثم يعرض الجهود الوطنية للإخفاق.
لذلك فإن من حق العضو الإداري فرض جزاءات إدارية جنائية بحق المخالفين لإجراءات الحظر الصحي الوقائي على المصابين وغيرهم بوباء كورونا، والحكمة أو العلة من هذه الجزاءات تكمن في حماية الصحة العامة، وإنزال العقاب المقرر على كل من يرتكب الجرائم المتعلقة بالصحة العامة أو التسبب خطأ في نشر مرض معد أو وباء، ذلك لأن حماية المجتمع هدف أسمى تسعى إليه الدساتير والقوانين كافة، لأجل ذلك لجأت العديد من الدول الى فرض حظر التجوال لتلزم الأشخاص بالبقاء في منازلهم بقوة القانون واعطاء الحق للإدارة باتخاذ إجراءات عقابية بحق المخالفين.
ثانيا- اشكالية البحث
تكمن اشكالية البحث أساسا في عدم وجود رؤية قانونية محددة لتنظيم أحكام الجزاءات الإدارية الجنائية المترتبة على انتهاك الحظر الصحي الوقائي وعدم معرفة طبيعتها ونطاقها والآثار المترتبة عليها، لما تتمتع به هذه الجزاءات من ذاتية تجعلها مستقلة عن مثيلتها في قانون العقوبات وتخويل العضو الإداري في تجريم ما يراه من أفعال تخالف اللوائح والانظمة والتعليمات وفرض الجزاءات الإدارية الجنائية عنها، وتطرح الدراسة العديد من التساؤلات منها:
أ- إذا كانت الغاية من وجود الجزاءات الإدارية الجنائية هي الحد من التجريم والعقاب واعتماد معايير حديثة لذلك، فما مدى شرعيتها ودستوريتها في ظل وباء COVID – 19، وهل يمكن اعتبار هذه الأزمة ظرفا استثنائيا يحتم على الحكومة العراقية إعلان حالة الطوارئ؟
ب- هل وردت المخالفات التي تعد انتهاكا للحظر الصحي الوقائي في ظل وباء COVID – 19 على سبيل الحصر؟
ج- من هي الجهة المختصة في العراق بفرض الجزاءات الإدارية الجنائية على المخالفين لإجراءات الحظر الصحي الوقائي؟
د- من هي الجهة المختصة في العراق بمراقبة مشروعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية على المخالفين لإجراءات الحظر الصحي الوقائي؟
ه- هل يمكن الطعن بالجزاءات الإدارية الجنائية المفروضة على منتهكي الحظر الصحي الوبائي وأمام أي جهة يمكن القيام بذلك؟
ثالثا- نطاق البحث
يتحدد نطاق البحث في موضوع الجزاءات الإدارية الجنائية المترتبة على انتهاك الحظر الصحي الوقائي في ظل وباء COVID – 19، ومن ثم يستبعد من نطاق البحث ما عداها من جزاءات يفرضها العضو الإداري في مجالات أخرى سيما الجزاءات المفروضة على الموظفين العموميين والجزاءات التعاقدية على المتعاقدين مع العضو الإداري، ومعيار تحديد النطاق المذكور يتمثل في نوع المخالفات الموجبة لتوقيع هذه الجزاءات وليست بصفة مرتكبيها.
رابعا- منهجية البحث
يقتضي البحث في موضوع الجزاءات الإدارية الجنائية المترتبة على انتهاك الحظر الصحي الوقائي في ظل وباء COVID – 19اعتماد المنهج الوصفي والمقارن للنصوص التي نظمت المسائل المتعلقة بهذا النوع من الجزاءات في كل من الإمارات والعراق ومصر ورسيا الاتحادية في مواضع معينة بحسب ما يتطلبه موضوع الدراسة، لما في المنهج الوصفي والمقارن من تمهيد لتحليل النصوص القانونية وترجيح الأفضل من بينها بما يخدم موضوع البحث واستخلاص النتائج للوصول الى الحلول المناسبة بصدد الموضوع.
خامسا- هيكلية البحث
لقد اقتضى موضوع البحث تنظيمه وفق خطة تتكون من مبحثين، يسبقها مقدمة وتنتهي بالخاتمة، فخصصنا المبحث الأول والثاني لبحث الجزاءات الإدارية الجنائية من حيث الموضوع والاجراء المترتبة على مخالفة الحظر الصحي الوقائي في ظل وباء COVID – 19.
أما الخاتمة فقد تضمنت أهم ما تم التوصل اليه من الاستنتاجات والمقترحات من خلال هذا البحث المتواضع.
المبحث الأول– الجزاءات الإدارية الجنائية لمخالفي الحظر الصحي الوقائي من حيث الموضوع
المطلب الأول- التعريف بالجزاءات الإدارية الجنائية
الفرع الأول- معنى الجزاءات الإدارية الجنائية
أولا– التعريف الاصطلاحي للجزاءات الجنائية الإدارية
ثانيا– خصائص الجزاءات الجنائية الإدارية
الفرع الثاني- مبررات الأخذ بالجزاءات الإدارية الجنائية
أولا– الحد من العقاب
ثانيا– الحد من التجريم
ثالثا– التحول عن الإجراء الجنائي
المطلب الثاني- أساس شرعية الجزاءات الإدارية الجنائية لمخالفة الحظر الصحي الوقائي
الفرع الأول- الأساس الدستوري والقانوني لشرعية الجزاءات الجنائية الإدارية
الفرع الثاني- المخالفات للحظر الصحي الوقائي في ظل وباء COVID – 19
المبحث الثاني– الجزاءات الإدارية الجنائية لمخالفي الحظر الصحي الوقائي من حيث الإجراء
المطلب الأول- ضبط المخالفات وتوقيع الجزاءات الجنائية الإدارية
الفرع الأول- ضبط المخالفات لتدابير الحظر الصحي الوقائي
الفرع الثاني- توقيع الجزاءات الجنائية الإدارية
المطلب الثاني- الرقابة على شرعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية
الفرع الأول- الطعن بشرعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية
الفرع الثاني- صلاحية الجهة المختصة بنظر الطعن في شرعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية
المبحث الأول
الجزاءات الإدارية الجنائية لمخالفي الحظر الصحي الوقائي من حيث الموضوع
لا شك بأن من الأهداف المشروعة والسائغة لعمل اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية في ظل وباء COVID – 19 هي المحافظة على الصحة العامة وحمايتها التي تعد المصلحة المعتبرة محل الحماية الجنائية، وذلك باتخاذ ما يلزم من إجراءات لمكافحة هذا الوباء والحيلولة دون انتشاره وهو التزام على الدولة لا يقتصر أثره على إقليمها فحسب، إذ أنه ذو طبيعة عابرة للحدود، وللحيلولة دون مخالفة هذه الإجراءات تفرض جملة من الجزاءات ذات الطابع الإداري الجنائي العام، توقع على كل من يخالف الأنظمة والتعليمات الصحية المفروضة في ظل انتشار وباء COVID – 19 دون تطلب توافر رابطة خاصة بينه وبين العضو الإداري، لمواجهة ظرف استثنائي بالغ الأهمية، ولأجل ذلك سوف نبين التعريف بالجزاءات الإدارية الجنائية وأساس مشروعيتها في مطلبين مستقلين وعلى النحو الآتي:
المطلب الأول
التعريف بالجزاءات الجنائية الإدارية
إن رد الجزاءات الإدارية الجنائية إلى نظام قانوني محدد يتطلب الوقوف على مفهومها القانوني باعتبارها جزاءات تحمل الصفة الجنائية من جهة والصفة الإدارية من جهة أخرى، الأمر يستلزم بيان المعنى الاصطلاحي لهذه الجزاءات وخصائصها في فرع، ومن ثم تحديد الجهة التي تتولى فرضها والرقابة على مشروعية فرضها في فرع آخر وذلك على النحو الآتي:
الفرع الأول
معنى الجزاءات الجنائية الإدارية
للعضو الإداري الحق في إصدار جزاءات ذات طابع جنائي إداري من خلال قرارات إدارية فردية دون حاجة للجوء للقضاء، ولا تعد هذه الجزاءات تعديا أو انتهاكا على عمل السلطة القضائية، حيث يبقى لها الحق في الرقابة على الجزاءات الإدارية الجنائية وتقرير مشروعيتها (أبو يونس، 2000، ص 25 والجهمي، 2009، ص95-96)، لذلك سوف نبين المعنى الاصطلاحي للجزاءات الجنائية الادارية وخصائصها وعلى النحو الآتي:
أولا- المعنى الاصطلاحي للجزاءات الجنائية الإدارية
ليس هناك تعريف واضح في التشريع والقضاء للجزاءات الجنائية الإدارية، ومع ذلك وضع لنا الفقه تعريفات متعددة، حيث تتمثل بالجزاءات التي تختص بتقريرها سلطة إدارية من خلال إجراءات إدارية محددة قانونا بهدف ردع بعض الأفعال المخالفة للأنظمة والتعليمات المعمول بها(محمد، 1996، ص225)، إذ يرى البعض من الفقه بأن الجزاء الإداري الجنائي هو الجزاء الذي يوقعه العضو الإداري على الأفراد دون تدخل القضاء بهدف حماية النظام العام(فودة، 2010، ص13 وغنام، 2019، ص 295)، وذهب رأي أخر الى أن الجزاءات الإدارية الجنائية هي الجزاءات ذات الخاصية العقابية الذي توقعه سلطات إدارية مستقلة أو غير مستقلة بصدد ممارستها لسلطتها تجاه الأفراد بغض النظر عن هويتهم الوظيفية وذلك كطريق أصلي لردع المخالفين عن خرق القوانين واللوائح(مشرف، 1998، ص179).
وفي رأي أخر هي ما تملكه السلطة الإدارية من توقيع عقوبات على من يأثم بالسكينة العامة جزاء لمخالفة نص من نصوص القوانين واللوائح الضبطية التي تهدف الى حماية النظام العام البيئي (الباز، 1998، ص233).
ومما تجدر الإشارة أليه أن الجزاءات الإدارية الجنائية لا تنطوي على دور وقائي فحسب، بل هي ذو طبيعة زجرية على مخالفة التزام بعمل أو الامتناع عنه أيضا مع اعطاء الفرد جميع الضمانات القانونية التي يوفرها القانون.
وعليه فإن العضو الإداري يملك سلطة توقيع جزاءات ذات طابع إداري جنائي على جمهور المواطنين، الأمر الذي يتماثل فيه القانون الإداري الجنائي مع القانون الجنائي التقليدي، على ألا تشمل الجزاءات الإدارية الجنائية العقوبات السالبة للحرية.
مما تقدم يمكننا تعريف الجزاءات الإدارية الجنائية بأنها الجزاءات ذات الطابع الإداري التي توقعها العضو الإداري بمناسبة اقتراف سلوك رفع عنه صفة التجريم الجنائي وأخضع لنظام قانوني آخر كالقانون الإداري بإجراءات إدارية وتحت سلطة رقابة القضاء الإداري.
ثانيا- خصائص الجزاءات الجنائية الإدارية
تتسم الجزاءات الإدارية الجنائية بشكل عام بخصائص تميزها وتضفي عليها طابع خاص مزيج بين الجنائي والإداري ومن أهمها (الشوا، 1996، ص وفودة، 2010، ص 79 – 83):
أ- إنها جزاءات ليست بدنية ولا مقيدة للحرية وإنما تكون في الغالب عقوبات مالية أو وقائية.
ب- إنها تخضع لمبدأ الشرعية الجزائية بشكل مباشر أو بناء على تفويض تشريعي للسلطة التنفيذية.
ج- إنها جزاءات خصصت لسلوكيات مجرمة تقع على مصالح لا تخدش الضمير العام ومصالح حديثة اقتضتها تطورات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ونعني بها مصالح هامة، إلا إنها غير جوهرية أساسية ولا تقوض كيان المجتمع الأساسية.
د- إنها جزاءات تفرض من العضو الإداري وبرقابة القضاء.
ه- إنها تنظم إما بقانون خاص بها، يخضع الجرائم الجنائية المندرجة بعنوان المخالفات كما هو الحال في ألمانيا أو يتاح للإدارة أن تمارس هذا النشاط الجزائي، ولكن بدون وجود نظام قانوني خاص بالمخالفات على غرار فرنسا ومصر والعراق وغيرها.
و- إنها جزاءات ردعية وعامة، أي بمعنى إنها رادعة لكل سلوك إيجابي أو سلبي يمس بمصلحة معينة سواء مست العضو الإداري نفسه أو كان العضو الإداري مسؤولا عن تنظيمها، وهي جزاءات عامة تطال كل شرائح المجتمع سواء أكانوا موظفون أو أشخاص عاديون ولا يشترط أن توجد علاقة قانونية أو تعاقدية بين مقترف الجريمة والعضو الإداري.
الفرع الثاني
مبررات الأخذ بالجزاءات الإدارية الجنائية
إن المخالفات التي توقع عليها الجزاءات الإدارية الجنائية هي جرائم تنظيمية تقع على الأنظمة الإدارية(غنام، 1994، ص38)، ولا يقتصر إعمالها على الدول التي تأخذ بنظام قانون العقوبات الإداري كنظام قانوني مستقل مقنن، كما هو الحال عليه في ألمانيا وإيطاليا، وإنما أيضا الدول الأخرى التي لها سلطة تقدير جزاءات إدارية جنائية دون الحاجة الى اللجوء الى القضاء(محمد، 1996، ص34)، لا سيما ونحن في ظرف وبائي جسيم استهدف أرواح أعداد كبيرة من البشر في أغلب دول العالم وهو وباء COVID – 19 دون أن يكون لديها نظام متكامل للمخالفات الإدارية كما هو الحال في فرنسا والجزائر والعراق.
ولا يعد القانون الجنائي الوسيلة الوحيدة لتوفير الحماية اللازمة للمصالح الاجتماعية المختلفة، ولا يستعان به لمواجهة سلوك غير مشروع إلا إذا ثبت فشل وعجز الحلول القانونية الأخرى في مواجهته، حيث تبين في بعض الحالات أن الاستعانة بالقانون الجنائي قد لا يتناسب مع الهدف الذي يصبو اليه المشرع من معاقبة الشخص المخالف، ولهذا يسعى المشرع للتخفيف من حدة تدخل القانون الجنائي في بعض المجالات، ألا وهي الحد من التجريم والحد من العقاب وذلك على النحو الآتي:
أولا- الحد من العقاب
ويراد به العزوف تماما عن القانون الجنائي لصالح نظام قانوني آخر، إذ يتم رفع صفة التجريم عن فعل ما غير مشروع طبقا لقانون العقوبات ليظل غير مشروع طبقا لقانون آخر، يقرر له جزاءات قانونية أخرى غير جنائية، وتتمثل في جزاءات إدارية محضة توقع من طرف العضو الإداري بإجراءات إدارية، ولكنها تبقى تحت رقابة قضائية طبقا لما يعرف بقانون العقوبات الإداري (فودة، 2010، ص38).
ثانيا- الحد من التجريم
وهي إلغاء تجريم سلوك معين والاعتراف بمشروعيته من الناحية القانونية على نحو لا يخضع معه لأي نوع من أنواع الجزاء، بيد أن إلغاء تجريم سلوك ما لا يستتبعه حتمية عدم استهجانه اجتماعيا أو قبوله أو عدم رفض الضمير العام له عند مجموعة أو طائفة أو عموم المجتمع ، سيما بعض السلوكيات التي الغي تجريمها في العقود الأخيرة لدى بعض المجتمعات الغربية كفعل الاجهاض المتعمد او ممارسة الانحراف الجنسي، إذ أنه على الرغم من كونها غير مجرمة في مجتمعات معينة، إلا أنها غير مقبولة اجتماعيا عند فئات مجتمعية واسعة، وبعكس الحال هناك بعض الأفعال المجرمة قانونا، إلا أنها غير مستهجنة ولا تجرح الضمير العام ومنها تجريم التهرب الضريبي أو الكمركي وغيرها(مظاهر، 2014، ص185).
ثالثا- التحول عن الإجراء الجنائي
وهو كل وسيلة يستبعد بها الإجراء الجنائي العادي وتتوقف بها التعقيبات الجنائية وذلك لتجنب صدور حكم بالإدانة، حيث يخضع فيه المخالف بعد موافقته لحل غير جنائي يساعده على الاندماج مرة أخرى في المجتمع وتجنب الخضوع لجزاء جنائي كالصلح أو الوساطة (خليفة، 2008، ص87).
وهنا يتشابه التحول عن الإجراء الجنائي مع الحد من العقاب، في أن كليهما يعد مخالفة غير مشروعة قانونا، وأن هدفهما هو عدم تعرض المخالف للجزاء الجنائي، وعليه وطبقا لظاهرة التحول عن الإجراء الجنائي، يبقــــــى الفعل مجرما جنائيا لكــــن يبحث له عن إجراءات غير جنائية
ودون المساس بطبيعته الجنائية (خليفة، 2007، ص27)، وتكون عدم مشروعيته بالاستناد الى قانون أخر إداري وهو ما يطلق عليه بقانون العقوبات الإداري أو القانون الإداري العقابي.
المطلب الثاني
أساس شرعية الجزاءات الإدارية الجنائيةلمخالفة الحظر الصحي الوقائي
مما لا شك فيه إن تمتع العضو الإداري بسلطة فرض جزاءات جنائية إدارية يعد خروج عن الإطار التقليدي لسلطاته في مجال الجزاءات التأديبية والجزاءات التي تفرضها على المتعاقدين معها كالموردين مثلا(علاوي، 2006، ص8 وخليفة، ص60).
وقد أثيرت اعتراضات بشأن مدى دستورية الجزاءات الإدارية الجنائية، وكان من بينها المخالفة الصريحة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات والتجاوز على مبدأ الفصل بين السلطات وانتهاك للحق في التقاضي الطبيعي، حيث نكون أمام عدالة بدون قاض وحيث يلعب العضو الإداري دور الخصم ودور الحكم في آن واحد.
وهذا يقتضي البحث في الأساس الدستوري والقانوني لمشروعية الجزاءات الإدارية الجنائية وبيان المخالفات التي تعد انتهاكا للحظر الصحي الوقائي في ظل وباء COVID – 19 في فرعين مستقلين وعلى النحو الآتي:
الفرع الأول
الأساس الدستوري والقانوني لشرعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية
تتسم السياسة الجنائية بأنها غائية ونسبية وسياسة متطورة، وهذا التطور يكون بناء على تأثر السياسة الجنائية بعدة عوامل تتحكم في تحديدها وتوجيهها، وفي مقدمة العوامل طبيعة النظام السياسي للدولة والمشكلات التي تواجه المجتمع فضلا عن التغيرات التي تعتريه والتي تدفع به الى التطور(سرور، 1973، ص3).
والتساؤل الذي يطرح في هذا المقام هل أن الظرف الاستثنائي الذي يمر به العراق في ظل وباء COVID – 19 يستلزم منح العضو الإداري سلطة فرض الجزاءات الإدارية الجنائية على منتهكي الحظر الصحي الوقائي؟
تعد جائحة كورونا وباء عالمي يقتضي بالدول الإسراع باتخاذ التدابير اللازمة للحد من مخاطرها ومنها اعلان حالة الطوارئ لحماية صحة الافراد أولا وللوقوف بحزم أمام الانتهاكات التي لربما تقع في ظلها ثانيا ، إلا أن الملفت للنظر هو أن الحكومة العراقية لم تبادر الى الإعلان عن حالة الطوارئ انما سارعت الى تشكيل لجنة عليا للصحة والسلامة الوطنية بموجب الأمر الديواني المرقم (55) لسنة 2020 والتي خولت صلاحية اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية بهدف مواجهة هذا الوباء.
وقد اتخذت اللجنة المذكورة العديد من التدابير ومنها على سبيل المثال لا الحصر منع الزيارات الدينية ذات التجمعات الكبيرة ومنع التنقل بين المحافظات وايقاف دخول الوافدين (غير العراقيين) ومنع الوزارات والمؤسسات الحكومية إيفاد موظفيها الى الدول التي شهدت حالات الإصابة بمرض كورونا ومنع التجمعات بكافة اشكالها بما في ذلك مجالس العزاء والأفراح والمناسبات الاجتماعية.
ولو بحثنا في الأساس الدستوري والقانوني لإجراءات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية لوجدنا انها مستمدة من ضرورة تدخل الحكومة لحماية النظام العام، إلا أنه لم ينص عليها الدستور العراقي الحالي بنص صريح، لا نريد التساؤل عن اسباب عدم اعلان الحكومة لحالة الطوارئ لأن ذلك ليس من صميم موضوعنا, ولكن الشيء الملفت للنظر إن الوزارات والجهات ذات العلاقة المنضوية ضمن اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية مارست صلاحيات لا تملكها إلا إذا كانت حالة طوارئ قد اعلنت فعلا ومن ضمن الحالات الواردة حصرا التي يفترض وجودها لكي تتخذ مثل هذه الإجراءات ومنها فرض الجزاءات الإدارية الجنائية على منتهكي الحظر الصحي الوقائي.
فكيف يمكن للجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية أن تقرر فرض جزاءات ذات طابع إداري جنائي وهي لا تملك مثل هذه الصلاحية لثلاثة اسباب: أولهما عدم ورود وباء كورونا المستجد في القسم الثالث من قائمة الأمراض السارية الواردة في قانون مكافحة الأمراض السارية العراقي رقم (121) لسنة 1963 وثانيهما عدم إعلان حالة الطوارئ في العراق لتعطي للعضو الإداري الحق في فرض الجزاءات المذكورة ، وثالثهما لم يكن وباء COVID – 19 من ضمن الحالات التي حددها المشرع العراقي في المادة (1) من قانون السلامة الوطنية العراقي.
أي بمعنى إن الوباء الذي تعرض له أغلب أفراد الشعب العراقي ليس من الأسباب التي تحتم اعلان حالة الطوارئ لخطر حال جسيم يهدد الأفراد في حياتهم وناشئ من حملة مستمرة للعنف من أي عدد من الأشخاص لمنع تشكيل حكومة واسعة التمثيل في العراق أو تعطيل المشاركة السياسية السلمية لكل العراقيين أو أي غرض آخر، والذي يمثل اعتداء على العملية السياسية والنظام السياسي في العراق، ولم يكن من بين الأسباب اعلان حالة الطوارئ وجود الأمراض والأوبئة، ومن ثم نجد أن نص المادة (1) من قانون السلامة الوطنية لا يعطي سندا للحكومة لإعلان حالة الطوارئ، ومن ثم تقرير فرض الجزاءات الإدارية الجنائية على المخالفين.
إذا في ظل الدستور العراقي الحالي وقانون السلامة الوطنية العراقي لا يمكن الاستناد عليهما لتبرير إعلان حالة الطوارئ، ومن ثم تقرير فرض الجزاءات الإدارية الجنائية على مخالفي الحظر الصحي الوقائي في العراق.
وحتى قانون وزارة الصحة رقم (10) لسنة 1983 الذي أشار في المادة (2) الى مكافحة الأمراض وسعي الوزارة الى الحد من انتشارها باستخدام وسائل التقنية الصحية والطبية ولم يشير الى فرض جزاءات جنائية إدارية على المتسببين بتفشي الأوبئة في المجتمع.
ومع انتفاء مبررات اعلان حالة الطوارئ كظرف استثنائي نتساءل ما هو الوصف القانوني لجائحة COVID – 19 الذي يبرر اتخاذ مثل هكذا جزاءات؟ أن أقرب ما يكون أليه الوصف القانوني لوباء COVID – 19 هو القوة القاهرة التي تتطلب اتخاذ إجراءات آنية وسريعة ومنها فرض الجزاءات على منتهكي الحظر الصحي الوقائي كالغرامة والمصادرة والحجز وغيرها التي لا تقتضي انتظار تفويضا أو تدخلا تشريعيا لتنظيم أحكامها، ولأجل ذلك ولحين إجراء تعديل للدستور وإضافة الأوبئة من ضمن الحالات التي تبرر اعلان حالة الطوارئ أو حتى تعديل المادة (1) من قانون السلامة الوطنية العراقي، وذلك بإضافة حالة انتشار الأوبئة مع حالات اعلان الطوارئ في العراق الى جانب العنف المستمر.
الفرع الثاني
المخالفات للحظر الصحي الوقائي في ظل وباء COVID – 19
إن التهاون والاستهتار بشأن الوقاية من وباء كورونا لازال متفشيا مما عرض حياة الآخرين للخطر، فلم تُجدي حملات التنبيه والحث للأفراد باتباع الإرشادات الصحية والمجتمعية والإبلاغ
الفوري عن المخالفين أو كل من يختلط بغيره من الأصحاء حماية للمجتمع ووقاية لهم، الأمر الذي يقتضي تحديد أهم المخالفات للحظر الصحي الوقائي في ظل وباء COVID – 19، فماهي هذه المخالفات وهل وردت على سبيل الحصر؟ هذا ما سوف نسعى لتوضيحه في ثنايا هذا الفرع.
في الواقع تضمنت قرارات لجنة الأمر الديواني رقم (55) لسنة 2020 مجموعة توصيات للجهات المعنية بتطبيق الحظر الصحي الوقائي وهي لا ترقى الى مستوى النص الذي يحدد الأفعال الجرمية وما يترتب عليه من جزاءات إدارية جنائية، كونها لم تصدر عن تفويض أو تدخل تشريعي، وإنما تقتضيها ضرورات المصلحة العامة للبلاد، فمن أبرز ما ذكر في قرارات هذه اللجنة هي:
١- منع الزيارات الدينية ذات التجمعات الكبيرة في شهر رجب وحسب الموقف الوبائي.
۲- منع التنقل بين المحافظات باستثناء الحالات الطارئة والتبادل التجاري وتنقل الموظفين.
٣- إيقاف دخول الوافدين (غير العراقيين) من دولة قطر وجمهورية المانيا الاتحادية ويستثنى من ذلك الوفود الرسمية والهيئات الدبلوماسية بالإضافة الى الدول التي منع السفر اليها في القرارات السابقة.
٤- على كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية منع ايفاد موظفيها بالوقت الحاضر وخاصة الدول التي شهدت حالات الإصابة بمرض كورونا.
٥- منع التجمعات بكافة اشكالها بما في ذلك مجالس العزاء والأفراح والمناسبات الاجتماعية.
والتساؤل هنا هل ما ذكر يعد تحديدا للمخالفات المترتبة على انتهاك الحظر الصحي الوقائي؟
في الحقيقة إن لجنة الأمر الديواني رقم (55) لسنة 2020 وهي اللجنة العلية للصحة والسلامة الوطنية (( مكافحة جائحة فيروس كورونا)) قد حددت المخالفات بخمسة حالات دون تحديد الجزاءات الإدارية الجنائية المترتبة عليها، وهذا لا ينسجم مع حجم المخاطر والتحديات الكبيرة لهذا الوباء.
فمثلا ألا تعد مخالفة من يلزم قانونا بالإخبار إذا عِلم بوجود إصابة بفايروس كورونا أو اشتبه بوجوده أو وجود وفاة بسبب هذا الفايروس وامتنع عن الإخبار؟ ومن هم الأشخاص الملزمون بالإخبار؟ أيضا ألا تعد مخالفة من يرفض إجراء الفحص الطبي عند الطلب من الجهات المختصة؟ وهل تعد مخالفة الخروج من محال الإقامة الدائمة أو المؤقتة في أوقات الحظر المعلن عنها من الجهات المختصة عدا حالات الخروج لدواعي الضرورة لشراء الاحتياجات الغذائية والدوائية أو الخروج للطوارئ الصحية وفئات القطاعات الحيوية التي يصدر قرار باستثنائها من الحظر؟ ألا تعد مخالفة، كذلك عدم التقيد بإغلاق مؤسسة تعليمية أو دار من دور السينما والرياضة والملاهي أو المراكز التجارية أو الأسواق المفتوحة أو الحدائق أو المتنزهات أو المقاهي أو مراكز التسوق أو المطاعم أو ما في حكمها أو استقبال مرتادين في أي منها بالمخالفة للتعليمات، وعدم التقيد بالتدابير الخاصة بفتح الحدائق العامة والشواطئ ومراكز التدريب الرياضي والمساج العامة ومسابح الفنادق دون القيام بالإجراءات التي تقررها الجهات المختصة، وعدم التقيد بإيقاف جميع الرحلات السياحية مؤقتا؟ وهل تعد مخالفة ايضا عدم منع أو تقييد التجمعات أو الاجتماعات أو إقامة الاحتفالات الخاصة والعامة أو التجمع أو التواجد في الأماكن العامة أو الخاصة ؟ أليس من الواجب اعتبارها مخالفة عدم التقيد بالتدابير الصادرة من وزارة الصحة ووقاية المجتمع تجاه القادمين للدولة من الدول الموبوءة بفايروس كورونا؟ ألا تعد مخالفة دفن أو نقل جثة أي شخص متوفى اصيب بفايروس كورونا؟ فما حكمها بحسب الأمر الديواني رقم (55) لسنة 2020 الخاص بتشكيل اللجنة العلية للصحة والسلامة الوطنية (( مكافحة جائحة فيروس كورونا)) أو قرارها المرقم (40) لسنة 2020؟
حقيقة لم نجد ما يتضمن المخالفات المشار إليها اعلاه في قرار اللجنة اعلاه رغم خطورتها على الفرد والمجتمع، وكنا نأمل أن يشملها وعدم تركها دون تحديد عقاب لها ونقترح أن يصار الى دمجها مع احكام البند (ثالثا) من القرار المرقم (40) لسنة 2020.
المبحث الثاني
الجزاءات الإدارية الجنائية لمخالفي الحظر الصحي الوقائي من حيث الإجراء
إن الجزاءات الإدارية الجنائية حق تملك العضو الإداري استعماله حيال كل من يخالف نص قانوني أو قرار إداري من المخاطبين به، فهي تتسم بالعمومية لا يقتصر توقيعها على فئة تربطها بالعضو الإداري رابطة تعاقدية، ومن ثم فإن(مظفر، 2012، ص6) العلاقة ما بين القاعدتين الجنائية الموضوعية والإجرائية وثيقة تصل إلى حد التلازم، تظهر منذ لحظة مخالفة القاعدة الجنائية الموضوعية، ومن تلك اللحظة يِنشأ للدولة حق في العقاب تقتضيه من خلال تطبيق القاعدة الجنائية الإجرائية المستلزم إتباعها للوصول لهذه الغاية(سلامة، 1990، ص21)، ولغرض الإحاطة بهذا الموضوع سوف نتناول ضبط المخالفات وتوقيع الجزاءات الإدارية الجنائية والضمانات المتعلقة بتوقيعها في مطلبين مستقلين، وذلك وعلى النحو الآتي:
المطلب الأول
ضبط المخالفات وتوقيع الجزاءات الجنائية الإدارية
تتميز الجزاءات الإدارية الجنائية بقواعد تختلف فيها عن قواعد تنفيذ الجزاءات الجنائية العادية، كما أنها تختلف أيضا عن قواعد تنفيذ الجزاءات الإدارية التي لا تنتمي الى القانون الإداري الجنائي، هذا التميز يظهر من خلال ضبط المخالفات، كما يظهر من خلال فرض الجزاءات الإدارية الجنائية وهذا ما سوف نبينه تباعا:
الفرع الأول
ضبط المخالفات لتدابير الحظر الصحي الوقائي
يعد الضبط الجنائي أحد العناصر المهمة في السلامة من الأوبئة في المجتمع، وهو النشاط الذي يقوم به رجال السلطة العامة لضبط المخالفين لتعليمات الصحة والسلامة سواء كان ذلك عن طريق القوى البشرية أو عن طريق الوسائل الآلية(المالك، 2015، ص228)، حيث يرتبط وقوع المخالفات لتدابير الحظر الصحي الوقائي بارتكاب سائق المركبة أو أحد الركاب، حتى أن العلاقة بين عدد الإصابات بفايروس كورونا وعدد المخالفات المرورية يمكن وصفها بأنها علاقة طردية.
ويعد الضبط الآلي أحد ابتكارات التقنية الحديثة في تطبيق أنظمة وقوانين المرور عن طريق رصد المخالفين ملاحقتهم وتعقبهم وجمع الأدلة اللازمة للإثبات ضدهم، ومن ثم إيقاع الجزاءات المقررة بحقهم من أجل الحفاظ على انسياب الحركة والسلامة المرورية(قانون المرور، 2019، ص14).
وقد يتعدى الأمر حدود الجريمة المرورية، حينما ينتشر الوباء أو يحدث الشك بوجوده في الأماكن العامة أو منشآت العمل نتيجة المخالطة وانعدم التباعد الاجتماعي بين الأفراد، عندئذ تتجسد واجبات رجال السلطة العامة على سبيل المثال في المخالفات لتدابير الحظر الصحي الوقائي بوظيفتين أساسيتين: الأولى وظيفة الضبط الإداري وذلك بمنع المخالفات المذكورة قبل وقوعها، ومراقبة واتخاذ التدابير الوقائية المنصوص عليها في قرارات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية العراقية، والثانية تتمثل في ملاحقة المخالفين وتعقبهم وجمع الأدلة اللازمة للإثبات ضدهم(عبد المنعم، 2009، ص429).
ولرجال السلطة العامة دور هام في مجال مكافحة المخالفات لتدابير الحظر الصحي الوقائي، وذلك للطبيعة الخاصة لهذه المخالفات مما يتطلب تدخل المشرع العراقي لإيجاد آليات وأساليب جديدة للمتابعة وكشف وحفظ الأدلة على خلاف الطرق العادية، حيث تتسم هذه المخالفات بعدة خصائص أهمها(محمود، 2001، ص132).
– أنها جريمة مستمرة، حيث يبقى الوباء لفترات طويلة نتيجة تأثره بالعوامل المساعدة على انتشاره كالرياح والتلامس والتنفس وغيرها من العوامل الأخرى.
– أنها جريمة واسعة النطاق، وهذا من شأنه أن يقلل من السيطرة والتحكم بالوباء مما يترتب عليه زيادة في آثاره وأضراره في وقت قصير.
– أنها جريمة عابرة للحدود، وهذا نتيجة لطابعها الانتشاري الذي لا يعرف حدود جغرافية أو سياسية.
– أنها جريمة متراخية، أي لا تظهر آثارها في الحين بل قد تبقى لفترات بعيدة ولا يشعر بها الإنسان.
ومما تجدر الإشارة أليه إن لمخالفات الحظر الصحي الوقائي طبيعة خاصة، ومن ثم فإن الاخبار عنها أمر غير متصور بل مستبعد في كثير من الأحيان، فقد تقع هذه المخالفات وتسبب ضرراً ولا يمكن العلم بها والكشف عنها، إلا من قبل بعض المتخصصين بشؤون الأوبئة وذلك بالاستعانة ببعض الأجهزة والمعدات التي تساعد على الكشف عنها(محمد، 2001، ص39).
ووفقا لأحكام المادة (47 و 48) من الأصول الجزائية (قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي، 1971)، فإنه يمكن لكل شخص الإخبار عن أي مخالفة لتدابير الحظر الصحي الوقائي، ولم يحدد القانون شكلا للإخبار، فقد يكون شفاها أو كتابة الغاية منه الكشف المبكر عن المصابين من خلال حالات التلبس أو الآثار المادية التي يتركها المصاب في مسرح الجريمة سواء ارتكبها عمدا أو اهمالا، كما يساهم في عملية الاحتواء والتقليل من أثر الاضرار المحتملة التي يتركها الوباء بين أفراد المجتمع.
ويمكن لأعضاء الضبط القضائي إجراء التحريات في الأماكن العامة كالمقاهي مثلا أو أماكن العمل للتحقق من وجود بيئة حاضنة لوباء كورونا، وهذا الاختصاص يكون فقط للأشخاص من منتسبي وزارة الصحة أو وزارة البيئة أو وزارة الداخلية، للتأكد من مدى الالتزام بشروط الصحة والسلامة لتفادي أي خطر محتمل.
وأن يلتزموا بحدود الإجراء وفي حدود الغرض منه دون المساس بالحقوق والحريات الشخصية، كما يمكن للموظفين المختصين أخذ عينات من المشكوك بإصابتهم أو من الأماكن التي يتواجدون فيها كالهواء أو الماء أو الوسط الطبيعي وغيرها، للتأكد من صحة المعلومات والبيانات المعطاة لهم عن الأماكن التي يحصل الشك بوجود وباء كورونا.
وتعد المعاينة من أهم الوسائل وأفضلها للوصول والتحقق من الدليل المادي للمخالفة، وهي الفحص الدقيق للأشياء واستخلاص النتائج من مسرح الجريمة، ونقل عينة أو مسحة كاملة وواضحة عن الوباء وحجم الاضرار الناتجة عنها وكيفية معالجتها في وقت لاحق، تأييدا لنص المادة (42) من الأصول الجزائية التي نصت بأنه ” على أعضاء الضبط القضائي أن يتخذوا جميع الوسائل التي تكفل المحافظة على ادلة الجريمة “، كما وبإمكانهم أن يطلبوا عند الضرورة معاونة الشرطة وفقا لأحكام المادة (45) من الأصول الجزائية.
ولم تحدد اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية في قراراها المرقم (40) لسنة 2020 ما هي الجزاءات المترتبة على عدم تقديم المساعدة لأعضاء الضبط القضائي اثناء تأدية واجباتهم مما يتوجب الرجوع الى القواعد العام في قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية في هذا المجال.
الفرع الثاني
توقيع الجزاءات الجنائية الإدارية
للجزاءات الإدارية الجنائية التي توقع على مخالفي الحظر الصحي الوقائي أنواع متعددة أهمها الغرامة الفورية وحجز المركبات، وهذا ما سوف نبينه في هذا الفرع:
أولا- الغرامة الإدارية
رغم أن الغرامة الإدارية تعد كالغرامة الجنائية جزاءً مالياً يتمثل في دفع مبلغ من النقود لصالح خزينة الدولة، إلا أن بينهما فارق جوهري وهو أن الغرامــــة الجنائيــــة لا تقرر إلا بواسطة محاكم الجزاء، بينما الغرامة الإدارية يقررها العضو الإداري بناء على إجراءات إدارية، حيث تأخذ بها بعض التشريعات الإدارية كالقانون العراقي والمصري في جرائم المرور، حيث يقوم رجال المرور بتحديد مبلغ الغرامة عندما يقرر أن هناك مخالفة مرورية منسوبة الى شخص المخالف.
وفي إطار التصدي لمخالفي إجراءات الحظر الصحي الوقائي في العراق حددت اللجنة العلية للصحة والسلامة الوطنية ((مكافحة جائحة فيروس كورونا)) بشكل صريح ماهية الجزاء الإداري الجنائي المترتب على انتهاك الحظر الصحي الوقائي في قراراها المرقم (40) لسنة 2020، دون تحديد للجهة التي يقع على عاتقها فرض هذه الجزاءات، وذلك نظرا لخطورة جائحة COVID – 19 وعدم التزام بعض المواطنين بشروط الوقاية الصحية.
فنص البند (أولا) منه على التشديد في تطبيق قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية رقم (35) لسنة 2020 بشأن حظر التجوال وعلى الاجهزة المعنية كافة تنفيذ القرار بشكل صارم وتطبيق العقوبات اللازمة في حال المخالفة.
كما وعدل البند (ثانيا) الوقت المثبت في الفقرة (1) من قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية رقم (35) لسنة 2020 بحيث يبدأ حظر التجوال من الساعة السادسة مساء بدلا من الساعة السابعة مساء، فنص البند ( ثالثا) منه على أنه تفرض العقوبات ضد المخالفين وفقا للآتي:
1- حجز المركبة وفرض غرامة مالية مقدارها (50000) خمسون الف دينار على مركبات النقل الجماعي التي تتجاوز سعتها (4) أربعة ركاب المخالفة للفقرة (8) من قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية رقم (35) لسنة 2020.
٢- فرض غرامة مالية قدرها (50000) خمسون الف دينار على سائق المركبة الصالون الذي يحمل اكثر من (3) ثلاثة ركاب أو يسمح بركوب أشخاص لا يرتدون كمامة وجه ، وحجز المركبة في حالة تكرار المخالفة.
3– فـرض غـرامة مـالية قـدرها (10000) عشـرة آلاف دينار علـى كـل فـرد لا يرتدي كمامة واقية خارج المنزل، ويسمح بارتداء قماش يوفر غطاء كاملاً للأنف والفم وبشكل مستمر في حالة عدم توفر الكمامة الطبية مؤقتًا.
4– يكون الحد الأقصى المسموح به هو زبون واحد لكل (5) خمسة أمتار مربعة من المساحة المخصصة لزبائن المحلات التجارية والمخازن ومنع دخول من لا يرتدي كمامة وجه، وفرض غرامة مالية قدرها (100000) مائة الف دينار واغلاقها في حالة مخالفتها.
بيد أن ما يؤخذ على سياسة واضعي البند (ثالثا) من القرار المرقم (40) لسنة 2020 أنه لم يحدد نوع الغرامة هل هي غرامة فورية أم غرامة محددة المهلة دون أن تكون فورية أم غرامة غير محددة المهلة.
ولأن أغلب هذه المخالفات تشخص من رجال المرور في الطرق العامة لمدن محافظات العراق كافة، نرى أنها تعد من قبيل الغرامة الفورية، فقد نص عليها المشرع العراقـــــي فــــي المادة (28) الفقرة (ثانيا) من قانون المرور النافذ جاء فيها: ” يكون دفع مبلغ الغرامة إلى ضابط الحسابات مباشرة خلال (30) ثلاثين يوماً من تأريخ التبليغ بالمخالفة وتحرير وصل بالاستلام على أن تنشر الغرامات على الموقع الرسمي للمديرية خلال (72) ساعة “.
ونص في الفقرة (ثالثاً) منها على أنه ” في حالة عدم دفع الغرامة المفروضة خلال (30) ثلاثين يوماً من تأريخ فرضها يضاعف مبلغ الغرامة لمرة واحدة ويجري تأشير ذلك على قيد المركبة في الحاسبة، وفي حالة تسديد مبلغ الغرامة مباشرة أو خلال (72) ساعة من تأريخ فرض الغرامة يخفض مبلغها بنسبة 50 % “.
والتساؤل الذي يطرح في هذا المقام أيضا أليس في قانون العقوبات العراقي من نصوص يمكن أن تكون فاعلة وكفيلة لمواجهة المخالفات التي تحدث أثناء الحظر الصحي الوقائي بعقوبات جنائية أصلية أو تدابير احترازية أو وقائية هي أشد من الجزاءات المفروضة في البند (ثالثا) من قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية المرقم (40) لسنة 2020 ، إلا أن الفارق بينهما هو أن فرضها لا يكون بالطريق الجنائي بالاستناد إلى قانون العقوبات، وإنما يكون بناء على سلطة العضو الإداري المباشرة وبإجراءات إدارية محضة ؟ للإجابة على هذا التساؤل نود أن نوضح ما يأتي:
1- إن المادة التي تنطبق على مخالفة إجراءات حظر التجوال هي المادة (240) من قانون العقوبات لسنة 1969 وعقوبتها الحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر أو الغرامة التي تتراوح بين خمسين ألف ومئتي الف دينار استنادا الى أحكام القانون رقم (6) لسنة 2008 المعدل لقانون العقوبات (قانون العقوبات العراقي، 1969)، علما إن الجريمة المذكورة تعد مخالفة حسب جدول تصنيف الجرائم من حيث جسامتها والذي نص عليه القانون الأخير.
2- إن الجهة المختصة بفرض الغرامة المنصوص عليها في المادة (240) اعلاه هي القضاء طالما لا يوجد نص قانوني ينتزع منه الاختصاص المذكور ويهبه لجهة أخرى، مما يترتب عليه أنه لا يجوز قطعا لمنتسبي الأجهزة الأمنية المتواجدة في الطرق العامة فرض الغرامة المذكورة لأن فاقد الاختصاص لا يمارسه.
3- يضاف الى ذلك إن هناك مادتين في قانون العقوبات وردتا تحت عنوان (الجرائم المضرة بالصحة العامة) وهما المادتان (368 و 369) والمتعلقتين بمن يرتكب فعلا من شأنه نشر مرض خطير مضر بحياة الأفراد عمدا أو اهمالا وعقوبة الأولى الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وعقوبة الثانية الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة تتراوح بين خمسين ألف ومئتي الف دينار هذا إذا لم ينشأ عن الفعل موت انسان أو اصابته بعاهة مستديمة، إلا إننا لم نشهد لهما تطبيقا في الحوادث التي وقعت في بعض المحافظات وأدت الى انتشار وباء كورونا.
غير أن السبب في اللجوء الى هذا الطريق الاستثنائي وترك الملاحقة قضائيا وفق المواد آنفة الذكر الى ما تضمنه البند (ثالثا) من قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية من التزام عام وآني على جميع المواطنين يتجسد باحترام الحظر الصحي الوقائي بشتى صوره والذي يعد مخالفته جريمة لا تحتمل التأخير في إجراءات التحقيق والمحاكمة فيها كما هو الحال في الظروف العادية، وإنما يقتضي الإسراع بفرض جزاءات رادعة محددة بالغرامة أو بحجز المركبات بمختلف أنواعها في حالة تكرار الجريمة دونما حاجة لإصدار قرار إداري فردي بحق المخالف، ومن ثم تجنيد الأجهزة الصحية والأمنية كافة للعمل على فرض سلطة القانون في المجتمع، ولا يشكل ذلك تجاوزا على اختصاص السلطتين التشريعية أو القضائية، طالما أن الظرف الاستثنائي الوبائي يقتضي السرعة في محاسبة المخالفين وفرض الجزاءات بحقهم دونما حاجة لإحالتهم الى القضاء.
ثانيا- الحجز الإداري للمركبات
لم يوضح قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية المرقم (40) لسنة 2020 البند (ثالثا) آليات حجز المركبات وبالرجوع الى التعليمات الصادرة وفقا لأحكام المادة (رابعا) من قانون التصرف بالمركبات المحجوزة والمتروكة رقم (8) لسنة 1987 يقصد بالمركبة المحجوزة هي المركبة التي تودع في المكان المخصص للحجز الذي تقرره مديرية مرور المحافظة وفق الصلاحيات القانونية المخولة لضابط المرور بسبب مخالفة أحكام قانون المرور والأنظمة والتعليمات والبيانات الصادرة استنادا الى القانون المذكور(قانون المرور العراقي، 2019، ص1).
ووفقا للمادة (1) من قانون التصرف بالمركبات المحجوزة والمتروكة يخول مدير المرور العام ومدير مرور المحافظة صلاحية بيع المركبات المحجوزة في دوائر المرور بسبب مخالفة أحكام قانون المرور أو الأنظمة أو البيانات الصادرة بموجبه ووفق الصلاحيات القانونية المخولة لضابط المرور، وذلك بعد انتهاء المدة المقررة لحجزها وعدم مراجعة مالكيها أو حائزيها الشرعيين واستنفاذ جميع الطرق الاصولية في التبليغ على أن تحجز تلك الاجراءات خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ انتهاء مدة الحجز.
ويعد الحجز جزاء عيني يقع على المركبات بمختلف أنواعها، ويجوز للإدارة ممثلة برجل المرور أن تقرر الحجز كجزاء إداري أصلي أو تكميلي لمواجهة بعض الجرائم المرورية، وفضلا عن ذلك فقد يتقرر الحجز كجزاء أصلي أي دون أن يتقرر معه أية غرامة إدارية مالية.
وقد ثار بشأن الطبيعة القانونية للحجز الذي يقرره رجل المرور وما إذا كان يعد جزاء جنائي كالحجز الذي يقضي به قاضي التحقيق أو المحكمة أم مجرد جزاء إداري، فيرى البعض(مهدي، 1976، ص67و مصطفى، 1979، ص97) ، أن التمييز بين الحجز الجنائي والحجز الإداري لا يرجع الى السلطة التي تصدر كلا منهما، وإنما الى طبيعة الجزاء في ذاته، ومن ثم يعد – هذا الرأي- الحجز إجراء جنائي ولو صدر من رجل المرور.
ومع ذلك، فالحجز الذي يقرره رجل المرور طبقا لأحكام قانون المرور لا يخرج عن كونه جزاءً إدارياً له سمة عقابية، ولا يمكن أن يعد بأي حال من الأحوال جزاءً جنائياً، فالجزاء الجنائي لا يقضى به إلا بواسطة حكم قضائي.
ونحن نتفق مع من يرى(الجنزوري، 1967، ص156و الدقدوقي، 1989، ص170) أن البحث في طبيعة الجزاء ذاته لا يكفي للاستدلال على ما إذا كان جزاء جنائيا أم غير جنائي، إذ إن الحجز قد يكون عقوبة أو تدبير وقائي أو تعويض، ومع ذلك فلا يتغير مفهومه شأنه في ذلك شأن الغرامة، فقد تكون جنائية أو إدارية أو تأديبية، ومن ثم فإن الجزاء الجنائي ينبغـــي أن يصدر بـه حكم قضائي بناء علـــــى دعوى وإجراءات جنائية.
أما الحجز الذي يقرره رجل المرور أو من يندبه فلا يعد إلا مجرد جزاء إداري، يفرض كقاعدة عامة على كل شخص يصدر منه خطأ ما اثناء حظر التجوال الصحي يتمثل غالبا في إهماله لضوابط واجراءات الوقاية من وباء COVID – 19.
فقد يهمل الشخص في عدم الإخبار إذا علم بوجود إصابة بفايروس كورونا أو اشتبه بوجوده أو وجود وفاة بسبب هذا الفايروس وامتنع عن الإخبار أو خرج من محل إقامته الدائمة أو المؤقتة في أوقات الحظر المعلن عنها من الجهات المختصة عدا حالات الخروج لدواعي الضرورة وغيرها من المخالفات التي تشكل خطرا على حياة الأفراد والمجتمع بشكل عام، فهنا يكون للإدارة ممثلة بشخص رجل السلطة العامة أن يقرر لمثل تلك الانتهاكات جزاءات جنائية إدارية.
المطلب الثاني
الرقابة على شرعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية
يعد الطابع الاجرائي لتوقيع الجزاءات الإدارية الجنائية بحد ذاته ضمانة أكيدة بالنسبة للمخاطبين بها، حيث تتمثل فيما يتطلبه توقيعها من رقابة قضائية على تنفيذ تلك الجزاءات، كالطعن بمشروعية فرض هذه الجزاءات، ومن ثم بيان الخيارات الممنوحة للعضو الإداري إزاء هذا الطعن، وهذا ما سوف نتناوله في فرعين مستقلين وعلى النحو الآتي:
الفرع الأول
الطعن بشرعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية
الأصل أن يختص العضو الإداري ومن خلال إجراءات إدارية محددة قانونا بتقرير الجزاءات الإدارية الجنائية بهدف ردع بعض الأفعال المخالفة للأنظمة والتعليمات المعمول بها(شحاته، 2014، ص87 و نسيغة، 2012، ص25)، على أن يسبب الجزاء الصادر عنه والذي يعد من أهم الضمانات الشكلية لصحة الجزاء الإداري الجنائي(عمار، 1990، ص191و محارب، 2004، ص306)، والتحقق من غلو العضو الإداري أحيانا ومبالغته في فرض الجزاء سواء أكان بالتخفيف أو التشديد، وعدم الملائمة بين المخالفة المرتكبة والجزاء المفروض.
وهذا يقتضي التعرف أولا على الجهة التي تختض بفرض هذا النوع من الجزاء في العراق على المخالفين لإجراءات الحظر الصحي الوقائي والتي يقتضي أن يكون لها وجود قانوني وسلطة للتعبير عن إرادتها ومن ثم تحديد الجهة المختصة بنظر الطعون بشأن شرعية الجزاءات الصادرة عنها ثانيا، هذا ما سوف نبينه تباعا:
أولا- الجهة المعنية بفرض الجزاءات الإدارية الجنائية
الأصل إن القضاء هو من يفرض الجزاءات ضمن إجراءات قضائية محددة ، بيدا أن مجلس الدولة الفرنسي قد حسم الخلاف الذي نشب في هذا الشأن عندما أقر بأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يعد عقبة أمام العضو الإداري بفرض جزاءات إدارية جنائية بحكم القانون سواء من حيث ممارسة الاختصاص القانوني المتمثل بفرض العقوبة أو من حيث فرض الجزاء وإيقاعه وتنفيذه، وذلك لأن الجزاءات التي يفرضها العضو الإداري لا تتعلق بسلب الحرية(يوسف، 1995، ص163).
غير أن بالرجوع الى قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية رقم (40) لسنة 2020 لم نرى فيه تحديد للجهة المختصة بفرض الجزاءات الإدارية الجنائية على منتهكي الحظر الصحي هل هي قضائية أم إدارية، ولأن أكثر المخالفات تقع أثناء حظر التجوال، نتسأل هنا هل يمكن الرجوع لأحكام قانون واجبات رجل الشرطة في مكافحة الجريمة رقم 176 لسنة 1980 لفرض الجزاءات المذكورة ؟
في الواقع إن هذا القانون أناط بقوى الأمن اختصاص فرض الأمن الداخلي والمحافظة على النظام ومنح رجال الشرطة صلاحية استعمال القوة لإداء واجباته وصلاحية استعمال السلاح الناري في حالة الدفاع الشرعي وليس من واجباتهم فرض الجزاءات في حالة وقوع مخالفات مشهودة(قانون واجبات رجل الشرطة، 1980).
ويظهر تساؤل آخر هنا هل يمكن الرجوع الى قانون المرور العامة العراقي الجديد رقم (8) لسنة 2019 فيما يخص تحديد الجهة المختصة بفرض الجزاءات الإدارية الجنائية على منتهكي الحظر الصحي الوقائي سيما وأن اغلب المخالفات تقع في نطاق الجريمة المرورية التي نص عليها القانون المذكور؟
في الواقع لا يمكن الجزم بهذه السهولة بإمكانية سريان أحكام قانون المرور النافذ على كل ما لم يرد بشأن تحديد جهات فرض الجزاءات الإدارية الجنائية فيه نص خاص، حيث نصت المادة (28/أولاً) على أنه « أ- لضابط المرور بناء على مشاهدته أو المراقبة على أجهزة الرصد سلطة قاضي جنح في فرض الغرامات المنصوص عليها في المواد (27،26،25) من هذا القانون عن المخالفات المرورية التي تقع أمامه أو التي تظهر على شاشات الرصد وتصدر العقوبة على وفق انموذج الحكم المرافق لهذا القانون. ب- لمفوض المرور المختص لحد الدرجة الرابعة بناء على مشاهدته أو المراقبة على أجهزة الرصد سلطة قاضي جنح في فرض الغرامات المنصوص عليها في المواد (25/ ثالثاُ) و(26) من هذا القانون عن المخالفات المرورية التي تقع أمامه أو التي تظهر على شاشات الرصد وتصدر العقوبة على وفق انموذج الحكم المرافق لهذا القانون»، فما ورد في المواد أعلاه من مخالفات وجزاءات كان محددا على سبيل الحصر.
وتلبية لمقتضيات المصلحة العامة العليا للبلاد، نرى أن الضرورة الإجرائية تستلزم امكانية تطبيق أحكام المادة (28) من قانون المرور العراقي، ولحين تعديلها من المشرع وتخويل ضابط المرور ومفوض المرور بفرض الغرامات في الحالات الواردة في نص البند (رابعا) من قرار اللجنة العلية للصحة والسلامة الوطنية المرقم (40) لسنة 2020 حفاظا على ارواح الناس من هذا الوباء الخطير.
ثانيا- الجهة المعنية بالنظر في الطعون بشرعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية
لا تبدأ هذه المرحلة إلا بعد فرض الجزاء من رجل السلطة العامة ضد المخالف لإجراءات الحظر الصحي الوقائي، إذ يحق للشخص الموقع ضده أن يطعن بفرضها إزاءه، ويلجأ الى الجهة المختصة كإحدى الضمانات المكفولة له لعدم قناعته كمقابل للمخالفة المرتكبة منه سواء بالاعتراض على الجزاء ذاته أو مدى صحته أو في مقداره(خليفة، 2007، ص98).
والغاية من الرقابة في مجال الجزاءات الإدارية الجنائية هي محاولة التوفيق بين أمرين الفاعلية والضمان، حيث يتمثلان في ضرورة(فودة، 2007، ص87):
أ- ضمان عدم تعسف رجل السلطة العامة في مواجهة الأفراد المتهمين بمخالفة إجراءات الحظر الصحي الوقائي.
ب- فعالية قيام رجل السلطة العامة بوظيفته التنفيذية المنوطة به قانونا.
والحكمة من فرض الرقابة على شرعية الجزاءات الإدارية الجنائية يكمن في التأكد فيما إذا خالف رجل السلطة العامة القواعد الشكلية والإجرائية المحددة قانونا لإصدار قرار بالجزاء الجنائي الإداري، سواء بإهمال تلك القواعد كلية أو بمخالفتها جزئيا، رغم أن رجل السلطة العامة غير ملزم بأن يعبر عن إرادته بشكل معين، إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، وفي هذه الحالة لا يكون الجزاء المفروض مشروعا إلا بإتباع الشكليات المحددة باتخاذ الإجراءات المقررة والتي تعد بمثابة ضمانات لاحترام مشروعية القرارات الإدارية.
وبالرجوع الى قرار اللجنة العلية للصحة والسلامة الوطنية رقم (40) لسنة 2020 لم نرى فيه أي إشارة للجهة التي تتولى الرقابة على مشروعية الجزاءات الإدارية الجنائية المفروضة على منتهكي الحظر الصحي ومن هي الجهة المختصة بمراقبة مشروعيتها، فما ورد في البند (رابعا) لا يعد من قبيل الرقابة على مشروعية تلك الجزاءات.
فقد نص على أنه « تقوم وزارة الصحة ووزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني بتقويم مدى الالتزام بالإجراءات ورفع التقارير بشأنها خلال (7) سبعة أيام، ليتم بناءً على ذلك إعادة النظر بفرض حظر التجوال الشامل أو أخذ إجراءات إضافية بحسب تطور الموقف الوبائي».
وهنا نسأل هل يجوز الطعن في العراق بالجزاءات الإدارية الجنائية المفروضة على منتهكي الحظر الصحي الوقائي؟ ومن هي الجهة المختصة بمراقبة مشروعيتها؟
مما لا شك فيه إن العضو الإداري لا يمارس أعماله لتحقيق أغراض ذاتية لحسابها، وإنما بقصد تحقيق هدف أساسي هو الصالح العام، ومن ثم كان من عناصر شرعية أعمال العضو الإداري أن تتجه هذه الأعمال دائما إلى تحقيق المصالح العامة وألا تنحرف عنها، أما إذا انحرفت عن ذلك فبالإمكان الطعن بهذه الجزاءات.
وتلبية لمقتضيات المصلحة العامة العليا للبلاد، نرى أن الضرورة تستلزم امكانية تطبيق أحكام المادة (30) من قانون المرور العراقي، ولحين تعديلها من المشرع وتخويل لجنة البت في الاعتراض للنظر في الاعتراضات المقدمة لها من سائقي المركبات بخصوص الغرامات المفروضة في الحالات الواردة في نص البند (رابعا) من قرار اللجنة العلية للصحة والسلامة الوطنية المرقم (40) لسنة 2020 تحقيقا للعدالة الاجتماعية.
عليه فإن العضو الإداري باعتبارها سلطة عامة تتمتع بصلاحيات استثنائية وامتيازات في تنفيذ قراراتها التي تسري بحق المخالف لإجراءات الحظر الصحي الوقائي وإن أبدى اعتراضا بشأنها أو قدم تظلما إداريا، بل وحتى إن رفع دعوى قضائية، فيظل قرار فرض الجزاء الجنائي الإداري يسري بحقه مالم تقبل العضو الإداري أو جهة أعلى منها سحب القرار أو إلغاءه(الشوا، 2007، ص44).
وإذا كان المشرع قد كفل للمعنيين بالقرار أحقية الطعن فيه إداريا أو قضائيا، فإن ذلك لا يعفيهم من الخضوع لمضمون القرار، باعتبار إن رجل السلطة العامة يملك في مثل هذا الظرف الاستثنائي سلطة التنفيذ المباشر لقراراته دون حاجة للجوء الى سلطة أخرى(العجمي، 2010، ص42).
والجزاءات الإدارية الجنائية باعتبارها قرارا إداريا من جانب واحد وله طابع تنفيذي أي حائز لحجية الشيء المقضي فيه، ومن ثم ينبغي تنفيذها بمجرد النطق بها، فلا يجوز الطعن فيها أو قابليتها لذلك دون تنفيذها.
الفرع الثاني
صلاحية الجهة المختصة بنظر الطعن بشرعية فرض الجزاءات الإدارية الجنائية
عند تنفيذ الجزاء الإداري الجنائي عن مخالفة تدابير الحظر الصحي الوقائي يكون لصاحب الشأن أحد الموقفين: إما أن يقبل التنفيذ طائعا حتى ولو كان يجري جبرا، وفي هذه الحالة يزول أثر الجزاء بعدم تمام تنفيذه، وإما أن يعترض عليه وذلك من خلال الطعن بشرعية فرض الجزاء عليه أمام الجهة المختصة والتي قد تكون جهة قضائية أو إدارية، ويطلب من المعترض تقديم أدلة براءته التي قد تكون بحوزته، وبعد أن يكمل العضو الإداري تحقيقاته يكون له عدة خيارات بشأن هذه الجزاءات، وبمجرد أن تتلقى (لجنة البت في الاعتراض) يكون لها إما تعديل قرار فرض الجزاء أو إلغائه أو المصادقة عليه، وهذه الخيارات لم يشير لها قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية، ولكنها مستقاة من القواعد العامة في قانون المرور وسوف نتناولها على النحو الآتي:
أولا- تعديل قرار فرض الجزاء الإداري الجنائي
في الواقع لم نجد في قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية أي إشارة صريحة لهذه الصلاحية ولمن تكون، وكما أسلفنا وبالرجوع الى قانون المرور العامة النافذ نستطيع القول بأن الضرورة الإجرائية تستلزم امكانية تطبيق أحكام (30/أولا/ ثانيا) من قانون المرور العامة فيما يخص (لجنة البت في الاعتراض)، إذ يمكن أن تكون الجهة المختصة بتعديل قرار فرض الجزاء الإداري الجنائي، رغم عدم صراحة نص المادة المذكورة، كونها الأكثر تخصصا في هذا المجال، لحين تعديل النص المذكور بغية شمول حالات مماثلة للحالات التي تقع من قبل المخالفين لإجراءات الحظر الصحي الوقائي.
ثانيا- إلغاء قرار فرض الجزاء الإداري الجنائي
يعد عدم الملائمة بين المخالفة المرتكبة في ظل وباء COVID – 19 والجزاء المفروض هو أحد صور الغلو، الذي يعد نقيض التناسب أو الملائمة وهو جوهر الأداة القانونية ممثلة بالقرار الإداري(شاهين، 1996، ص554).
والإلغاء هنا يعد إداريا وليس قضائيا(الفياض، 2001-2002، ص27)، يلجأ المتضرر من الجزاء الإداري الجنائي الى الإدارة ممثلة (بلجنة البت في الاعتراض)، ليقدم اعتراضه على القرار الإداري الصادر بالجزاء الإداري العقابي، وهنا يبحث أعضاء اللجنة في مدى صحة إجراءات توقيع الجزاء الإداري الجنائي، ويكون للجنة أن تلغي الجزاء الإداري إذا لم تجد وجها للتعديل، ومن ثم تستطيع أن تعيد فتح التحقيق في المخالفة الإدارية لتدابير الحظر الصحي الوقائي.
وتطلب من المعترض تقديم أدلة براءته التي قد تكون بحوزته، وبعد أن تكمل اللجنة تحقيقاتها يكون لها إما أن تقرر إلغاء قرار العقوبة الإدارية المفروضة بحق المخالف الصادرة بالغرامة الإدارية المالية أو بحجز المركبة العائدة له أو تقرر عدم وجود وجه للاعتراض على قرار العضو الإداري المختص، وتحفظ ملف العقوبة إذا قدرت اللجنة أن العضو الإداري لم يتجاوز حدود سلطته في ظل هذا الوباء.
وإذا وجدت اللجنة إن عمل المعترض يشكل جريمة إدارية فبإمكانها إحالة المخالف المعترض الى المحكمة المختصة وفقا لأحكام قانون المرور العامة التي تنظر بالجنح والجنايات (قانون المرور، 2019، ص29).
ثالثا- تصديق قرار فرض الجزاء الإداري الجنائي
قد لا تجد لجنة البت بالاعتراض المشكلة وفقا للمادة (30/أولا) من قانون المرور وجها للاعتراض من المخالف لإجراءات اللجنة العليا للصحة والسلامة العامة المتعلقة بوباء COVID – 19 فتقرر رد تظلم المعترض والمصادقة على قرار الحكم المعترض عليه ويكون قرارها نهائياً(قانون المرور، 2019، ص30).
وللسائق المخالف حق الاعتراض على قرار الحكم بالمخالفة المفروضة بحقه لدى لجنة البت في الاعتراض المنصوص عليها في البند(أولاً) من هذه المادة خلال (15) خمسة عشر يوماً من تأريخ قرار الحكم (قانون المرور، 2019، ص34).
يتضح مما تقدم إن لجنة البت في الاعتراض آنفة الذكر لا تبسط رقابتها على القرار الإداري الصادر بالغرامة المالية والحجز الإداري، ولكنها تنظر الفعل غير المشروع من جديد، ويكون للجنة سلطتها في تقدير الأدلة المختلفة التي تم جمعها في المرحلة الإدارية، ولها في ضوء النتائج التي تتوصل لها اللجنة إما أن تعدل قرار فرض الجزاء الإداري الجنائي أو إلغاءه أو المصادقة عليه ويكون قرارها نهائيا.
ويجوز للجنة تسهيلا لعملية الإثبات أن تطلب من العضو الإداري المختص أن يقدم تقريرا بشأن الواقعة محل الجزاء الإداري الجنائي المعترض عليه، ولها أيضا أن تطلب من المخالف أن يقدم تقريرا يذكر فيه ظروف الواقعة، وكل ما يمكن أن يكون دليلا على براءته.
ولا يلزم المخالف بالحضور أمام اللجنة إلا إذا أمرته بالحضور شخصيا لسماعه، وإذا لم يحضر رغم تبليغه بذلك، تستطيع أن ترفض الاعتراض.
يتضح مما تقدم أن للطعن في القرارات الإدارية الصادرة بالجزاءات الإدارية الجنائية سبيلان:
الأول– يتمثل في الطعن الخاص بشرعية القرارات الإدارية أمام القضاء الإداري وهذا يتعلق بالمخالفات المرتكبة من الموظف العام، إذ يسمح بالطعن في كل عمل إداري مع الأخذ في الاعتبار مراعاة بعض الإجراءات الخاصة الواجب توافرها بشأن إصدار قرارات إدارية بجزاءات ذات خصيصة عقابية، وذلك كوجوب مراعاة الضمانات الخاصة بحقوق الدفاع.
الثاني– يتمثل في طرق الطعن الخاصة التي ينص عليها في النصوص التي تسمح للعضو الإداري إصدار قرارات إدارية بجزاءات إدارية جنائية، فمثلا يكون لمن صدر ضده قرار من ضابط المرور بوقف رخصة قيادته لمة معينة، أن يلجأ الى لجنة البت بالاعتراض والتي تستطيع
أن تعدل قرار وقف أو سحب الرخصة أو إلغائه أو حتة المصادقة على قرار الحكم بالعقوبة، ولا يترتب على تقديم الطعن المذكور وقف تنفيذ قرار فرض الجزاء الإداري الجنائي، ومن حق المخالف المعترض اللجوء الى المحاكم المدنية ليطالب بحقه في التعويض عما أصابه من أضرار نتيجة تصرف العضو الإداري إزاءه.
الخاتمة
أولا- النتائج
بعد أن انتهينا بتوفيق من الله عز وجل من بحث موضوع الجزاءات الإدارية الجنائية المترتبة على انتهاك الحظر الصحي الوقائي في ظل ازمة COVID – 19، فإني لا أدعي قد أوفيته حق البحث كاملا، ولكنني بذلت غاية جهدي من أجل الوصول الى اهم النتائج من خلال هذا البحث الوجيز فيمكن تلخيصها على النحو الآتي:
1- إن ما حدث وما زال يحدث من خلال تفشي وباء كوفيد – 19المستجد هو من المبررات الحقيقية لتدخل العضو الإداري في الحد من ظاهرة التجاوز على إجراءات الحظر الصحي الوقائي وعدم تطبيق بعض المواطنين لشروط الوقاية الصحية، ومن ثم فإن حماية النظام العام يعد من أهم أولويات العضو الإداري والتي تحتاج الى إجراءات آنية وسريعة لا تحتمل التأخير.
2- إن عدم وجود نص على اعتبار الأوبئة إحدى اسباب اعلان حالة الطوارئ لا يعني عجز الحكومة عن تقرير حزمة من القرارات التي تحمي من خلالها النظام العام ومن بينها فرض الجزاءات على المصابين بوباء كورونا ومخالطتهم لآخرين وما يتولد عن ذلك من إلحاق الضرر بشريحة كبيرة من الأفراد.
3- خلو قرارات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية من جزاءات فاعلة لمواجهة المخاطر الحقيقية لوباء كورونا، مما اتاح الفرصة لذوي النفوس الضعيفة الى خرق تدابير الحظر الصحي الوقائي من دون رادع يحول دون تكرار هذا الخرق المتعمد أو غير المقصود.
4- جاءت اغلب قرارات اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية خالية من الإشارة الى الجهات الممنوحة سلطة فرض الجزاءات، فما ورد في البند (رابعا) من القرار المرقم (40) لسنة 2020 لا يعد من قبيل الجهات الممنوحة سلطة قاضي جنح كما هو التحديد الوارد في المادة (28) من قانون المرور العامة النافذ.
5- لم تحسم اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية في قرارها المرقم رقم (40) لسنة 2020 مسألة امكانية الطعن بالجزاءات الإدارية الجنائية المفروضة على منتهي الحظر الصحي الوقائي وآلية الطعن فيها، ومن هي الجهة التي يقدم أمامها طلبات الطعن، فليس كل ما يتخذ من إجراءات في ظل الأزمة يعد انسجاما مع متطلبات المصلحة العامة وفي مقدمتها حفظ النظام العام، فالبعض منها يثبت انحرافها وإساءتها لاستعمال السلطة فلابد من إحقاق الحق ورد الظلم عن من تعرض لإجراءات العضو الإداري التعسفية التي لا تستهدف حتما الصالح العام.
ثانيا- التوصيات
1- ندعو المشرع العراقي الى حسم الجدل الفقهي بخصوص عدم وجود نص دستوري وقانوني صريح يقضي بإعلان حالة الطوارئ مع وجود حالة من حالات الأوبئة الخطيرة والتي تحتاج الى تدابير وقائية فاعلة لحماية أمن وسلامة واستقرار البلاد من الأوبئة والأمراض كافة من خلال النص صراحة على اعتبار الوباء إحدى مقتضيات اعلان حالة الطوارئ في البلاد.
2- الدعوة الى النص على عقوبات شديدة لا تقتصر على الغرامات البسيطة التي لا تردع المواطن وتكفه عن الاستمرار في خرق اجراءات الحظر الصحي الوقائي، ونرى بإمكان العضو الإداري تطبيق عقوبة المصادرة مباشرة دونما حاجة لصدور حكم قضائي، طالما تم إثبات المخالفة بناء على مشاهدتها أو مراقبتها من خلال أجهزة الرصد الحديثة.
3- توحيد العقوبات الواردة في البند (ثالثا) من قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية المرقم (40) لسنة 2020 مع العقوبات ذات الصلة الواردة في المواد ( 25 و26 و27 ) من قانون المرور العامة، بما يتناسب مع الغاية من تطبيقها من حيث جهة تطبيقها والرقابة على مشروعية فرضها على المخالفين للتدابير الوقائية في ظل تفشي الأمراض والأوبئة في البلاد.
4- دعوة المشرع العراقي الى النص على اختصاص لجنة البت في الاعتراض المنصوص عليها في قانون المرور العامة العراقي بالنظر في الطعون المتعلقة بالجزاءات التي تفرض في ظل الأزمات الصحية والأوبئة بالغة الخطورة على المجتمع.
المصادر
أولا: الكتب القانونية
(1) الفياض، إبراهيم طه الفياض،(2001-2002) أنواع القرارات الإدارية، محاضرات القيت على طلبة الماجستير في كلية الحقوق – جامعة النهرين.
(2) سرور، أحمد فتحي، (1973)، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية، مطبعة جامعة القاهرة.
(3) محمد أمين مصطفى، (2001)، الحماية الإجرائية للبيئة، الدار الجامعية للنشر، مصر.
(4) محمد، أمين مصطفى، (1996)، النظرية العامة لقانون العقوبات الإداري – ظاهرة الحد من العقاب، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية.
(5) الباز، داوود، (1998)، حماية السكينة العامة معالجة لمشكلة العصر في فرنسا ومصر الضوضاء، دراسة تأصيلية مقارنة في القانون الإداري البيئي والشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة.
(6) الدقدوقي، حلمي، (1989)، رقابة القضاء على المشروعية الداخلية لأعمال الضبط الاداري – دراسة مقارنة، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية.
(7) يوسف، يس عمر، (1995)، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والاسلامي، دار ومكتبة الهلال، لبنان.
(8) د. محمد باهي أبو يونس، (2000)، الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الادارية العامة ، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية.
(9) الشوا، محمد سامي، (1996)، القانون الاداري الجنائي، ظاهرة الحد من العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة.
(10) فودة، محمد سعد، (2010)، النظرية العامة للعقوبات الادارية – دراسة فقهية قضائية مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية.
(11) سلامة، مأمون محمد ، (1990)، قانون العقوبات (القسم العام)، دار الفكر العربي، القاهرة.
(12) علاوي، ماهر صالح ، (2006)، حدود السلطة التقديرية، ملتقى تطوير العلاقة بين القانونيين والإداريين، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، أيام 19-23 مارس، القاهرة.
(13) محمود، محمد حسان ، (2001)، الحماية القانونية للبيئة – دراسة ناقدة، دار النهضة العربية، القاهرة.
(14) الشوا، محمد سامي، (2007)، القانون الإداري الجزائي – ظاهرة الحد من العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة.
(15) فودة، محمد سعد ، (2001)، النظرية العامة للعقوبات الإدارية، دراسة فقهية قضائية مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية.
(16) فودة، محمد سعد، (2007)، النظام القانوني للعقوبات الإدارية، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة.
(17) شاهين، محمد، (1996)، القرار التأديبي ورقابته القضائية بين الفاعلية والضمان في نظم العاملين بالدولة والقطاع العام والخاص، مكتبة الأنجلو المصرية.
(18) العجمي، ناصر حسين محسن أبو جمعة، (2010)، الجزاءات الادارية العامة في القانون الكويتي والمقارن، دار النهضة العربية، القاهرة.
(19) عبد المنعم، سليمان، (2009)، أصول الإجراءات الجزائية في التشريع والقضاء والفقه، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
(20) الجنزوري، سمير، (1967)، الغرامة الإدارية – دراسة مقارنة في الطبيعة القانونية للغرامة وقيمتها العقابية، دار العهد الجديد للطباعة، القاهرة.
(21) مهدي، عبد الرؤوف، (1976)المسؤولية الجنائية عن الجرائم الاقتصادية، ط2، منشأة المعارف، الاسكندرية، مصطفى، محمود، (1979)الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن، ط2، ج2، جرائم الصرف، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة.
(22) خليفة، عبد العزيز عبد المنعم ، (2007)، ضمانات مشروعية العقوبات الإدارية العامة، مطابع المنوفية.
(23) مشرف، عبد العليم عبد المجيد، (1998)، دور سلطات الضبط الإداري في تحقيق النظام العام وأثره على الحريات العامة – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة.
(24) محارب، علي جمعة، (2004)، التأديب الإداري في الوظيفة العامة – دراسة مقارنة، دار الثقافة.
(25) غنام محمد غنام، (2019)، القانون الإداري الجنائي، دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع، المنصورة.
(26) الجهمي، خليفة سالم ، (2009)، الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة والجريمة في مجال التأديب، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية.
(27) خليفة، عبد العزيز عبد المنعم، (2007)، ضمانات مشروعية العقوبات الإدارية العامة، مطابع جامعة المنوفية.
(28) خليفة، عبد العزيز عبد المنعم ، (2008)، ضوابط العقوبة الإدارية العامة – تدرج العقوبة من الغرامة الى الغلق الإداري، دار الكتب الحديثة، الاسكندرية.
(29) عمار، عوايدي ، (1990)، دروس في القانون الإداري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
(30) المالك، صالح ، (2015)، الضبط الجنائي وتشعب المهام، المؤتمر الوطني الثاني للصحة والسلامة الوطنية، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض.
ثانيا: الرسائل والأطاريح
(1) مظفر، علي محمد، (2012)، سلطة الإدارة في توقيع الجزاءات في العقود الإدارية في اليمن، دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق – جامعة القاهرة.
(2) نسيغة، فيصل، (2012)، الرقابة على الجزاءات الإدارية العامة في النظام القانوني الجزائري، أطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق ، جامعة محمد خيضر، بسكرة ، الجزائر.
ثالثا: المجلات
(1) صلاح الدين، مُظاهر بو جلال، (2014)، الجزاءات الإدارية بين ضرورات الفعالية الإدارية وقيود حماية الحقوق والحريات الأساسية – دراسة مقارنة، مجلة للعلوم الاجتماعية، جامعة محمد أمين ، العدد19، ديسمبر.
(2) شحادة، موسى مصطفى، (2014)، الجزاءات الإدارية في مواجهة مخالفات الإعلام المرئي والسمعي ورقابة القضاء الاداري في فرنسا عليها، مجلة الشريعة والقانون، كلية القانون جامعة الإمارات العربية المتحدة، العدد 60، اكتوبر.
(3) غنام، محمد غنام، (1994)، القانون الإداري الجنائي والصعوبات التي تحول دون تطوره، القسم الأول والثاني، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد 1، مارس.
رابعا: القوانين
(1) قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
(2) قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971.
(3) قانون واجبات رجل الشرطة رقم 176 لسنة 1980.
(4) القانون رقم (6) لسنة 2008 المعدل لقانون العقوبات .
(5) قانون المرور العراقي رقم (8) لسنة 2019.