يناير 30, 2025 3:46 م
22222

د. ندى صالح محمد سبع الحمداني

جامعة تكريت / كلية التربية للعلوم الانسانية

 قسم التاريخ – العراق

nada.saleh@tu.edu.iq

009647710626766‏

الملخص:

تعد العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الامريكية بإسرائيل علاقة فريدة من نوعها ومتميزة وبل نادرة في تاريخ العلاقات ‏الدولية، سواء من حيث تطورها او من ناحية خصوصيتها او من حيث تعقد شبكة المصالح والاهتمامات التي تشملها هذه ‏العلاقة بين دولتين احداهما تعتبر القوة الاولى من حيث التقدم الاقتصادي والتكنلوجي والقوة العسكرية والثانية (دولة‏) صغيرة وحديثة التكوين وظلت منذ اقامتها مثارا للجدل وبؤرة للنزاعات في المنطقة العربية.‏

وعليه فإن موضوع البحث ” سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه (إسرائيل) 1969- 1974 ” يأتي ‏ليتمم سلسلة الدراسات التي يمكن أن تعد مفتاحاً لفهم وتحليل الجوانب الأساسية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية ‏الحالية تجاه المنطقة، ويتخذ الموضوع بعداً أوسع بوصف أن هذه الدولة أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي القطب ‏الوحيد في العالم في الوقت الحاضر، والواقع أن الحدث التاريخي لا يمكن فهمه بصورة منعزلة عن السياق التاريخي الذي نشأ ‏فيه، فلا بد من النظر إليه جزءً من الكل التاريخي، آخذين بالحسبان أن سياسة الولايات المتحدة على صعيد العلاقات ‏الدولية تعبر عن مصالح نظام محدد يعتمد على المؤسسات في رسم سياستها على شتى الأصعدة لتحقيق الأهداف والمصالح ‏التي تعمل لهما. ‏

حدد الاطار الزمني للبحث من عام 1969بدء تولي الرئيس الامريكي نيكسون حتى اعلان استقالة الرئيس نيكسون ‏في 9 اب 1974 عقب فضيحة وترغيت وتولي نائبه جيرالد فورد الحكم. مما يشكل مرحلة متكاملة في فهم السياسة ‏الأمريكية تجاه (إسرائيل) من جميع الأوجه.‏

قسم البحث الى مقدمة ومبحثين وخاتمة تضمنت اهم ما وصلت اليه من نتائج، تناولت في المبحث الاول سياسة ‏الولايات المتحدة الامريكية تجاه (اسرائيل) حتى عام 1968،اما المبحث الثاني تناولت فيه سياسة الولايات المتحدة ‏الامريكية تجاه (اسرائيل) منذ عام 1969-1974 قسم المبحث الى خمس مواضيع تناولت في الموضوع الاول موقف ‏الولايات المتحدة الامريكية من حرب الاستنزاف عام 1970، اما الثاني تناولت فيه محادثات يارنغ والدور الامريكي فيها، ‏والموضوع الثالث تناولت فيه موقف الولايات المتحدة الامريكية من حرب اكتوبر1973، والرابع تضمن دبلوماسية ‏كيسنجر في الشرق الاوسط بعد حرب 1973 (سياسة الخطوة –خطوة) اما الموضوع الخامس تضمن مؤتمر جنيف في 21 ‏كانون الاول 1973، وفي الخاتمة قدمنا خلاصة تحليلية تصف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه (إسرائيل) خلال ‏مدة البحث. ‏

اعتمدت في كتابة البحث على مصادر ومراجع متنوعة تأتي في مقدمتها المصادر العربية وتشمل الكتب والرسائل ‏والأطاريح والبحوث والمصادر الانكليزية التي اغنت البحث بالمعلومات المفيدة.‏

وورد في متن البحث الإشارة إلى كلمة (إسرائيل) والمراد بها الكيان الصهيوني وقد استخدمنا هذه التسمية توضيحاُ للدقة في ‏التعبير فقد يكون الصهيوني أمريكي أو سوفيتي في حين أن كلمة (إسرائيل) تشير إلى كل ماله علاقة بالكيان الصهيوني ‏القائم على أرض فلسطين منذ عام 1948 وحتى الآن.

الكلمات المفتاحية: (الولايات المتحدة الامريكية، (اسرائيل)، الرئيس نيكسون، حرب الاستنزاف عام 1970، كيسنجر). ‏

United States Policy Towards Israel

(1969 – 1974)

Dr. Nada Saleh Mohammed Sabaa Al-Hamdani

Tikrit University / College of Education for Human Sciences – Department of History

Abstract:

The relationship between the United States of America and Israel is a ‎unique, distinguished, and even rare relationship in the history of ‎international relations, whether in terms of its development, in terms of ‎its specificity, or in terms of the complexity of the network of interests ‎and concerns that this relationship includes between two countries, one ‎of which is considered the first power in terms of economic and ‎technological progress. The military force and the second (state) are small ‎and newly formed, and since its establishment, it has remained a source ‎of controversy and a hotbed of conflicts in the Arab region.‎

‎Accordingly, the topic of the research, “The policy of the United States ‎of America towards Israel 1969-1974,” completes the series of ‎studies that can be considered a key to understanding and analyzing the ‎basic aspects of the current policy of the United States of America ‎towards the region. The topic takes on a broader dimension by ‎describing what this country has become after the collapse of the Union ‎The Soviet Union is the only pole in the world at the present time, and ‎the reality is that the historical event cannot be understood in isolation ‎from the historical context in which it arose. It must be viewed as part of ‎the historical whole, taking into account that the United States policy on ‎the level of international relations expresses the interests of a specific ‎regime. It depends on institutions to formulate their policies at various ‎levels to achieve the goals and interests for which they work.‎

The time frame for the research was set from 1969, the beginning of US ‎President Nixon’s term, until the announcement of President Nixon’s ‎resignation on August 9, 1974, following the Watergate scandal and his ‎vice president, Gerald Ford, assuming power. Which constitutes an ‎integrated stage in understanding American policy towards Israel from all ‎aspects.‎

The research was divided into an introduction, two sections, and a ‎conclusion that included the most important results reached. In the first ‎section, I dealt with the policy of the United States of America towards ‎‎(Israel) until 1968. For the second section, I dealt with the policy of the ‎United States of America towards (Israel) since the years 1969-1974. The ‎research was divided into Five topics with the first topic, was the ‎position of the United States of America on the War of Attrition in 1970, ‎ the second topic dealt with the Jarring talks and the American role ‎in them, and the third topic dealt with the position of the United States ‎of America on the October War of 1973, and the fourth topic included ‎Kissinger’s diplomacy in the Middle East after the 1973 war (politics Step ‎‎- Step) As for the fifth topic, it included the Geneva Conference on ‎December 21, 1973. In the conclusion, we presented an analytical ‎summary describing the policy of the United States of America towards ‎‎(Israel) during the period of the research. ‎

In writing the research, I relied on various sources and references, the ‎first of which were Arabic sources, including books, letters, dissertations, ‎research, and English sources that enriched the research with useful ‎information.‎

‎In the text of the research, reference was made to the word (Israel), ‎which means the Zionist entity. We used this term to clarify the accuracy ‎of the expression. The Zionist may be American or Soviet, while the ‎word (Israel) refers to everything related to the Zionist entity existing on ‎the land of Palestine from 1948 until now.

Keywords: (United States of America, Israel, President Nixon, War of Attrition ‎in 1970, Kissinger).

المقدمة:

تعد العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الامريكية (بإسرائيل) علاقة فريدة من نوعها ومتميزة ‏وبل نادرة في تاريخ العلاقات الدولية، سواء من حيث تطورها او من ناحية خصوصيتها او من ‏حيث تعقد شبكة المصالح والاهتمامات التي تشملها هذه العلاقة بين دولتين احداهما تعتبر القوة ‏الاولى من حيث التقدم الاقتصادي والتكنلوجي والقوة العسكرية والثانية (دولة)صغيرة وحديثة ‏التكوين وظلت منذ اقامتها مثارا للجدل وبؤرة للنزاعات في المنطقة العربية. ‏

أهداف البحث:

الهدف من موضوع البحث ” سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه (إسرائيل) ‏‏1969- 1974 ” إذ يأتي ليتمم سلسلة الدراسات التي يمكن أن تعد مفتاحاً لفهم وتحليل الجوانب ‏الأساسية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الحالية تجاه المنطقة، ويتخذ الموضوع بعداً أوسع ‏بوصف أن هذه الدولة أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي القطب الوحيد في العالم في الوقت ‏الحاضر.

الدراسات السابقة:

استندت الدراسة الى العديد من المصادر التي رفدت البحث بالمادة العلمية كان اهمها، ندى ‏صالح محمد، سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه (اسرائيل) 1961-1969، رسالة ماجستير ‏‏(غير منشورة)، جامعة تكريت، كلية التربية للعلوم الانسانية،2016.‏

منهجية البحث:

أن الحدث التاريخي لا يمكن فهمه بصورة منعزلة عن السياق التاريخي الذي نشأ فيه، فلا بد من ‏النظر إليه جزءً من الكل التاريخي، آخذين بالحسبان أن سياسة الولايات المتحدة على صعيد ‏العلاقات الدولية تعبر عن مصالح نظام محدد يعتمد على المؤسسات في رسم سياستها على شتى ‏الأصعدة لتحقيق الأهداف والمصالح التي تعمل لهما. ‏

هيكلية البحث:

حدد الاطار الزمني للبحث من عام 1969بدء تولي الرئيس الامريكي نيكسون حتى اعلان ‏استقالة الرئيس نيكسون في 9 اب 1974 عقب فضيحة وترغيت وتولي نائبه جيرالد فورد ‏الحكم.‏

‏قسم البحث الى مقدمة ومبحثين وخاتمة تضمنت اهم ما وصلت اليه من نتائج، تناولت في ‏المبحث الاول سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه (اسرائيل) حتى عام 1968،اما المبحث ‏الثاني تناولت فيه سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه (اسرائيل) منذ عام 1969-1974 قسم ‏المبحث الى خمس مواضيع تناولت في الموضوع الاول موقف الولايات المتحدة الامريكية من ‏حرب الاستنزاف عام 1970، اما الثاني تناولت فيه محادثات يارنغ والدور الامريكي فيها، ‏والموضوع الثالث تناولت فيه موقف الولايات المتحدة الامريكية من حرب اكتوبر1973، ‏والرابع تضمن دبلوماسية كيسنجر في الشرق الاوسط بعد حرب 1973 (سياسة الخطوة –‏خطوة) اما الموضوع الخامس تضمن مؤتمر جنيف في 21 كانون الاول 1973.‏‏

المبحث الاول: سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه (اسرائيل) حتى عام 1966:

كانت بداية العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية مع الحركة الصهيونية السياسية في عام 1897 (نقصد بالحركة الصهيونية السياسية هي الحركة التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني في بازل بزعامة تيودور هرتزل عام 1897، وكان من ‏أهم المبادئ التي تمخضت عن الاجتماع إقامة دولة يهودية، لذلك بدأت نشاطاتها للوصول إلى هذا الهدف، أما (إسرائيل) فهي ‏الدولة اليهودية الرسمية التي أعلن عنها عام 1948ونوهنا بذلك منعاً للالتباس. روبرتس، وادوردز، 1999، ص493 ؛ كوكيورن، 1991، ‏ص7-8‏) في العام نفسه الذي عقد فيه مؤتمر بازل (مؤتمر بازل: وهو المؤتمر الذي عقده ثيودور هرتزل في سويسرا والذي انبثق عنه الحركة الصهيونية ومطالبة اليهود (الإسرائيليين) بإنشاء دولة لهم في فلسطين. للمزيد ينظر: الكيالي، 1966، ص11) في 27 آب 1897 الذي عقده ثيودور هرتزل (مؤسس الحركة الصهيونية ولد في بودابست عاصمة المجر عام 1860 ثم انتقلت عائلته إلى فينا عام 1878 ‏واكمل تعليمه وحصل على دكتوراه في القانون الروماني عام 1884 ثم عمل في المحاماة وفي عام 1891 عمل في إحدى الصحف ‏النمساوية وارسل إلى باريس للعمل مراسلاً للصحيفة، وفي عام 1896 اشتهر بمؤلفه الشهير (مدينة اليهود) وقد أسس الحركة ‏الصهيونية وأصبح رئيساً لها 1897، ويعد القائد الروحي الأعلى للحركة الصهيونية العالمية توفي في 3 تموز 1904. محمد، 2003، ص25– 27‏) في مدينة بازل في سويسرا عقد اليهود الأمريكيين اجتماعاً في نيويورك وانبثق عن ذلك الاجتماع تأسيس المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية استمرت الحركة الصهيونية بنشاطها في الولايات المتحدة الأمريكية عبر اللجان الصهيونية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان الهدف من تشكيل هذه اللجان هو تكوين منظمة صهيونية كبيرة تسود في الولايات المتحدة الأمريكية (رزوق، 1968، ص43) سرعان ما كونوا اتحاداً كبيراً لهذه التشكيلات الصهيونية يحمل اسم اتحاد الصهاينة الأمريكيين في 4 تموز 1898، وقد أصدر هذا الاتحاد عام 1901 جريدة حملت اسم المكابي (Almkaby) وقام هذا الاتحاد بتأسيس المجلس الاستشاري الأول للصندوق الاستيطاني اليهودي، ودعا إلى شراء أسهم في الصندوق القومي اليهودي وقدم مساعدات يهودية ضخمة للمستوطنات وأسهم في إنشاء المدرسة العليا في حيفا (الضيفي، 2010، ص34).

تنامى النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأعوام التي سبقت قيام الحرب العالمية الأولى لأنَّ الصهيونية قدمت للمواطن اليهودي الأمريكي حلاً كي تمكنه من البقاء في الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ومن جهة أخرى إرضاء تطلعاته عبر تقديمه الدعم المالي للحركة الصهيونية لتحقيق الأمل اليهودي المنشود بإقامة الوطن اليهودي، (العطار، 2007، ‏ص165‏).

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 حدثت تحولات مهمة بالحركة الصهيونية نتيجة إعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ودرو ولسن (Woodrow Wilson) (الرئيس الحادي والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية (1913-1921) عن الحزب الديمقراطي، ولد في 28 كانون ‏الأول 1856 في ولاية فرجينيا ودرس القانون والتاريخ في جامعتي كولومبيا وبرينستون، حصل على الدكتوراه في القانون عام ‏‏1879 وشغل منصب رئيس جامعة برينستون عام (1902 – 1910) وحاكماً على ولاية نيو جرسي (1910-1912) ‏وتولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1913، توفي في 3 شباط 1924.‏ The Encyclopedia Americana, ‎1970, PP.7 – 1) تأييده للحركة الصهيونية، إذ يعد أحد الرؤساء الأكثر تأييدا للصهيونية، ويرى نفسه أنه قد أعطى الفرصة التاريخية لخدمة وتحقيق البرنامج الصهيوني والمتضمن بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ففي 31 آب 1918 أرسل الرئيس ولسن كتاباً إلى الحاخام ستيفن وايز (stiffen wiz) (العطار، 2007، ص166‏) يعلن فيه تأييد الولايات المتحدة الأمريكية وموافقتها على نقاط آرثر بلفور(Belfour Arthur)، وأن موافقة الرئيس ويلسون هي التي شجعت بريطانيا على إطلاق وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917، وبتاريخ 21 أيلول 1922 أعلنت الولايات المتحدة الامريكية تأييدها لما سمي بوعد بلفور وجاء ذلك ببيانٍ رسمي وبهذا عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن تعاطفها مع الحركة الصهيونية، وبذلك أصبح اليهود صناع القرار داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها (الحمداني، 2017، ص11‏).

وفي عام 1924 أيدت الإدارة الأمريكية الانتداب البريطاني على فلسطين لكنها عارضت الكتاب الأبيض (white Book) (الكتاب الأبيض ويعرف أيضاً بكتاب مكدونالد الأبيض الذي سمي على اسم مالكوم ماكدونالد وزير المستعمرات البريطاني ‏أصدرته بريطانيا في 17 ايار 1939 والقاضي بتنظيم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بالتشاور مع العرب ومنع بيع الأراضي ‏الفلسطينية لليهود.‏‎ Joell kraemer, 1980, P.56‎) في بريطانيا عام 1939 وطالبت بفتح الهجرة اليهودية إلى فلسطين، إذ مع صدور الكتاب الأبيض عام 1939 قامت الحركة الصهيونية بحملة واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية لتضغط على بريطانيا من أجل إلغاء الكتاب الأبيض الذي يقيد الهجرة اليهودية إلى فلسطين تمهيداً لإلغائه فقد قام الحاخام اباهيل سيلفر (Abmhill Silver) (أحد ابرز الزعماء الصهاينة في الولايات المتحدة الأمريكية ولد في 28 كانون الثاني 1893 في لتوانيا وانتقل مع ‏عائلته إلى الولايات المتحدة عام 1901 شغل منصب رئيس الفرع الأمريكي في الوكالة اليهودية بين عامي (1946 – 1948)، وجه ‏نشاطه لاستمرارية الدعم الأمريكي (لإسرائيل)، توفي عام 1963. اللهيبي، 2012، ص28‏)، بممارسة شتى أنواع الضغوط على البيت الأبيض (The white house) وأثناء رئاسة الرئيس فرانكلين روزفلت (Franklin Roosevelt)(4). (فرانكلين روزفلت: الرئيس الثاني والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية من الحزب الديمقراطي ولد في 30 كانون الثاني 1884 في ‏ولاية نيويورك الأمريكية عين حاكم لولاية نيويورك بين عامي (1929–1932) منصب الولايات المتحدة الأمريكية بداية عام ‏‏1933، أعيد انتخابه اربع مرات متتالية، توفي في 12 نيسان 1945. ‏Encyclopedia Americana, 1970, P.45‎‏‏) قاد الحاخام أباهيل سيلفر حملة على إعلان معارضة الولايات المتحدة الأمريكية للكتاب الأبيض، وقدم إلى الرئيس روزفلت عدد من المسودات التي تهدف إلى الغرض نفسه، ونتيجة للضغط الصهيوني على الإدارة الأمريكية، فقد أرسل الرئيس الأمريكي روزفلت خمسة عشر عضواً من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس وثمانية وعشرون عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ رسالة إلى إدارة الولايات المتحدة الأمريكية رفضوا فيها الكتاب الأبيض وعدوة نقضاً لوعود بلفور ولشروط الانتداب عام 1924. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 ودخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب عام 1941 وازدياد تأييدها للهجرة اليهودية استغلت المنظمة الصهيونية الحرب العالمية الثانية لتحقيق مطامعها بالتركيز على التمهيد لتأسيس دولة بالاستعانة وفي هذا السياق تم التركيز على الولايات المتحدة الأمريكية (الحمداني، 2017، ص11 – 12‏) إذ رأى بن غوريون (اسمه دايفيد جريت قبل إن يغيره إلى بن غوريون أي(ابن الشبل) ولد في بولندا في بلدة بلوتسك التي تقع في منطقة ‏الاستيطان اليهودي في روسيا عام 1886م هاجر إلى فلسطين في عام 1906، ثم سافر إلى استانبول في عام 1911 لدراسة ‏القانون وعاد إلى فلسطين مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، يعد من أبرز مؤسسي دولة إسرائيل شارك في تأسيس العديد من ‏الهيئات والأحزاب اليهودية، أصبح بعد إعلان دولة إسرائيل أول رئيس لوزرائها من عام (1948 – 1953) ثم (1954 – 1963)، ‏استقال من وظائفه في 1 أيلول 1973 توفي وعمره 87 عاماً في عام 1973. المسيري، 1975، ص149‏) انه في حالة كسب الحلفاء الحرب فإن بريطانيا ستهبط بوصفها دولة كبرى وستدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى موقع قيادة العالم، ومن العوامل التي أسرعت في عملية تحول إلى الولايات المتحدة الأمريكية ازدياد نفوذ الطائفة اليهودية الأمـريكية بـوصفهـا اضـخـم واغـنى طـائـفة في الحركة الصهيونية، وتجسد هذا الانتقال في الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من بريطانيا في المؤتمر الطارئ الذي عقدته لجنة الطوارئ الأمريكية للشؤون الصهيونية في فندق بلتيمور بنيويورك في 11ايار1942، ويعد مؤتمر يلتمور أهم نشاطات الحركة الصهيونية لتأسيس دولة يهودية في فلسطين. ومع ذلك فإن الرئيس روزفلت أكد خلال لقاءه مع زعماء الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية على تضامنه معهم واكد لهم ان القرارات التي سوف توضع في المستقبل ستكون مع الذين ينشدون وطنا قوميا لليهود. كان اتباع الولايات المتحدة الأمريكية سياسة مؤيدة للصهيونية في المجال السياسي له الأثر الواضح على مستقبل فلسطين المدى البعيد (ليلنتال 1965، ص375).

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية دولة ذات نفوذ سياسي واقتصادي عالمي مع تراجع بريطانيا كقوة مؤثرة في الشرق الأوسط. وجاء عام 1947 بتطورات سياسية مهمة في الشرق الأوسط تمثلت بتصاعد نشاط الحركة الصهيونية، وجاء عام 1947 بتطورات سياسية مهمة في الشرق الأوسط تمثلت بتصاعد نشاط الحركة الصهيونية وتحركها لإقامة دولة يهودية في فلسطين على حساب العرب (أبو جابر، 1971، ص70).

ونتيجة لضعف بريطانيا وعدم قدرتها على أدارة الصراع أحالته على الأمم المتحدة، وهنا أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية غارقة بشكل مباشر في القضية ووجهت تأثيرها نحو فكرة تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية، وعندما عقدت الجمعية العامة جلستها المرقمة 128 في 29 تشرين الثاني 1947 جرى التصويت على المشروع وفاز بأغلبية 33 صوتاً ضد 13 صوتاً وامتناع 10 دول عن التصويت، ونص المشروع على إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإنشاء دولتين مستقلتين عربية ويهودية وحكم دولي خاص بمدينة القدس، وذلك بعد شهرين من إتمام جلاء القوات البريطانية على أن لا يتأخر ذلك عن تشرين الأول 1948. وفي التاسعة من صباح يوم الجمعة الموافق 14 أيار 1948 غادر فلسطين أخر مندوب بريطاني، ودفع ذلك دايفيد بن غوريون إلى عقد جلسة خاصة لمجلس الشعب في الساعة الرابعة عصراً من اليوم نفسه أعلن فيها أمام ستة وثلاثين ممثلاً عن الأحزاب السياسية إنشاء دولة يهودية في أرض فلسطين، وبعد نقاش المؤتمرين تم إطلاق اسم (إسرائيل) عليها (لين، 1998، ص71‏).

يعد الإعلان الرسمي من قبل الساسة اليهود بإنشاء دولة إسرائيل اعترف هاري ترومان (Hary Truman) (الرئيس الثالث والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية ومن الحزب الديمقراطي، ولد في ولاية ميسوري الأمريكية عام 1884 أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي ثم تسلم زمام الأمور في 14 نيسان 1945 بعد وفاة الرئيس روزفلت في 12 نيسان 1945، أعلن برنامج النقطة الرابعة عام 1949، ثم دعا إلى إنشاء مشاريع في المنطقة العربية في وجه التغلغل السوفيتي.The Encyclopedia Americana, 1970, P.570) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (1945-1953) بالدولة الوليدة بعد دقائق من قيامها، فبعد مرور إحدى عشر دقيقة من إعلان دولة إسرائيل بادر ترومان الى الاعتراف بها وهذا شيء جديد في السياسة الأمريكية فالمعروف عن الولايات المتحدة الأمريكية انها حذرة من الاعتراف بالحكومات الجديدة، ولم يكتف ترومان بذلك بل سارع إلى توجيه دعوة رسمية إلى حاييم وايزمان بصفته رئيساً لدولة إسرائيل لينزل في ضيافته في واشنطن بعد أن أمر أن يخصص له قطار خاص ينقله من نيويوك إلى العاصمة الأمريكية، وكان لهذه الدعوة صداها عند وايزمان الذي رحب بها لأنها تتيح له إجراء محادثات مثمرة مع ترومان يتناول فيها الدعم السياسي والاقتصادي الذي تنتظره إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية (زعيتر، 1986، ص220). وإن كان الدعم السياسي الأمريكي لإسرائيل أمراً واضحاً فان الدعم الاقتصادي الأمريكي وصل إلى أبعد مدى وأعلى معدل للمساعدات في سجل المعونات الأمريكية اذا ما قيست بعدد سكان إسرائيل، فمنذ الأيام الأولى التي تلت إعلان قيام دولة إسرائيل بادرت الولايات المتحدة الأمريكية بمدها وعلى الفور بالقروض والمعونات التي مكنتها من الوقوف على قدميها، فبادر ترومان بتقديم قرض قيمته مئة مليون دولار كما وعد بتقديم معونات مالية عاجلة لتنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى استخدام نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية لدعم موقف إسرائيل عسكرياً بتأكيد ترومان على إن الولايات المتحدة الأميركية تضمن لإسرائيل الحصول على الأسلحة والمعدات الحربية (عبد العزيز، 1968، ص173).

 وعلى الصعيد العربي بدأت الجيوش العربية هجومها على إسرائيل في صباح يوم 15 أيار 1948 لبدء أول حرب بين العرب وإسرائيل، أي بعد يوم واحد من صدور إعلان تأسيس دولة إسرائيل شنت جيوش الأردن ومصر وسورية ولبنان هجوماً على القوات الإسرائيلية بهدف تحرير فلسطين، وحققت الجيوش العربية انتصارات بارزة في الجولة الأولى الا إن الحكومات العربية قبلت وقف إطلاق النار وإعلان الهدنة نتيجة لضغوط أمريكية وبريطانية أستغل الإسرائيليون أيام الهدنة لتقوية الحشود العسكرية بالمقاتلين والسلاح، وعلى العكس من ذلك لم تستغل الحكومات العربية هذه الفرصة لتوفير مستلزمات واحتياجات جيوشها من اجل تحقيق النصر في المعركة القادمة. استؤنف القتال في شهر تموز من العام نفسه دون أن يؤدي إلى تحقيق هدف تحرير فلسطين، وعقب ذلك تم إبرام اتفاقيات الهدنة الدائمة بين كل من إسرائيل والدول العربية في عام 1949 (عبد العزيز، 1968، ص174).

وهكذا انتهت الحرب العربية- الإسرائيلية الأولى بكارثة حلت بالعرب بسبب التطاحن السياسي ما بينهم والحالة البائسة للتهيئة العسكرية والافتقار الكامل للتنسيق. أطلق اليهود على سنة 1948 تسميات شتى مثل سنة التحرير وسنة إعادة الحقوق لذويها اذ حصلت (اسرائيل) بالغدر والخيانة على 77% من اراضي فلسطين، وهكذا استطاعت الدولة الوليدة الدفاع عن نفسها في أول صدام مسلح مع العرب، وحاولت إسرائيل في فترة ما بعد الحرب وخاصة بعد إبرام هدنة 1949 أن تدعي عدم وجود حالة الحرب مع الدول العربية على أساس انها عقدت اتفاقيات هدنة مع حكومات هذه الدول (غالي، 1967، ص16).

أما من جانب الإدارة الأمريكية، فقد استطاعت الإسهام بشكل كبير في إضفاء الشرعية الدولية على (إسرائيل) بدورها الحاسم الذي أدته في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصبح (إسرائيل) في 5 ايار 1949 العضو التاسع والخمسين في الأمم المتحدة، وهكذا حصلت على اقصى طموحاتها آنذاك بفوزها بتأييد الإدارة الأمريكية في الأمم المتحدة (الحمداني، 2017، ص26)، وتماشياً مع السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا بياناً في 25 أيار 1950 عرف باسم ((البيان الثلاثي)) هدفت فيه الدول الكبرى ضمان امن (إسرائيل) وجاء البيان معبراً عن وجهة نظر أصحابه لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية في تجميد الخطوط العسكرية التي توقف عندها القتال(خطوط الهدنة)، فتمثلت السياسة الأمريكية في عزمها على الحيلولة دون قيام عمل عسكري واسع من قبل أي فريق عبر تلك الخطوط وتم إبلاغ كل من العرب وإسرائيل بنصّ الإعلان الثلاثي الذي طالبت فيه الدول الموقعة على ضرورة المحافظة على خطوط الهدنة لم يكن البيان الثلاثي الوسيلة الوحيدة لضمان أمن إسرائيل فقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بعقد سلسلة من الأحلاف وتشكيل منظمات الدفاع التي كان الهدف الأساس منها حماية امن إسرائيل واحتواء النفوذ الشيوعي في المنطقة (منصور، 1996، ص98).

 وبالرغم من رغبة الولايات المتحدة الامريكية في إبعاد شبح الحرب عن المنطقة جاءت المفاجئة بقيام كل من بريطانيا وفرنسا بالاشتراك مع إسرائيل بالهجوم على مصر عقب صدور قرار تأميم قناة السويس، وكان لكل دولة من هذه الدول المعتدية دوافعها للقيام بهذا العمل، فبريطانيا وفرنسا كانتا غاضبتين جداً من قرار تأميم قناة السويس، أما إسرائيل فحتى عام 1956 يئست من أي عمل دولي يرغم عبد الناصر على السماح لها في المرور في مضيق تيران وهو نافذة إسرائيل التجارية على المحيط الهندي بدأت الخطوة الأولى بالاعتداء على مصر في 29 تشرين الأول 1956 بقيام الجيش الإسرائيلي بالهجوم على مصر عن طريق غزة، وأعقب ذلك الهجوم الجوي الفرنسي البريطاني (منصور، 1996، ص99 – 100).

 اما للولايات المتحدة الامريكية فقد كانت تجهل حتى اللحظة الأخيرة قرار إسرائيل بالحرب، فقد عملت الحكومتان الفرنسية والبريطانية بالإضافة إلى إسرائيل على تظليل إدارة ايزنهاور (Dwight Eisenhower (1953-1961)(3) (الرئيس الرابع والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية فاز عن الحزب الجمهوري، ولد في مدينة تكساس الأمريكية 1890 تخرج في الأكاديمية العربية عام 1915 شارك في الحرب العالمية الثانية عيَّن مديراً في جامعة كولمبيا في انتخابات خريف 1952 واتبع سياسة من شأنها احتواء الاتحاد السوفيتي، أعيد انتخابه عام 1956 اعتزل السياسة عام 1961 توفي عام 1969. ماك، د.ت، ص91) حول الهدف العسكري المراد تحقيقه هل هو ازاء مصر أو في الأردن، وعملت كل من لندن وتل ابيب على إعطاء إيزنهاور انطباعاً خاطئاً بأن الاستعدادات العسكرية لكل من البلدين من اجل الأردن إذا أرادت تل ابيب غزو الأردن بينما أرادت لندن الدفاع عنها وما إن بدأت الحرب في 21 تشرين الأول حتى توالت الإحداث مسرعة واستاءت إدارة إيزنهاور من اتجاهل الدول المهاجمة لها، وإزاء ذلك أوعز إيزنهاور إلى المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة بتقديم مشروع قرار يدعو الى وقف القتال فوراً بين مصر وإسرائيل ومطالبة إسرائيل بالعودة الى خطوط اليوم السابق للعدوان، وشبّه ايزنهاور إسرائيل بأنها ذات اتجاه واحد فعلى الرغم من مناشداته لأبن غوريون بعدم الدخول في الحرب ضد مصر إلا انه ذهب إليها وكأن لا طريق آخر إمام إسرائيل سوى الحرب فيها وإزعاج الإدارة الأمريكية (الحمداني، 2017، ص33).

ان ما يهمنا من كل هذه الحرب هو موقف الإدارة الأمريكية ووقوفها ضد (إسرائيل) في الحرب أنه كان منعطفاً جديداً في سياستها تجاه (إسرائيل) إلاَّ أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية كان نابعاً من اعتبارات ذاتية جعلتها تنهج هذا النهج، فيمكن إن نعد حرب السويس حدثاً هاماً وفاصلاً في تاريخ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، وذلك بقلب وإسقاط الافتراضات التقليدية في الغرب حول الهيمنة الأنجلو- فرنسية في الشرق الأوسط وعلى الرغم من الموقف الأمريكي الظاهر بوقوفها بالضد من (إسرائيل) إلاَّ أنها لم تكن حاسمة كل الحسم ضد حليفتها (إسرائيل)، فعلى الرغم من قيامها بإيقاف المساعدات الأمريكية (لإسرائيل) حصلت الأخيرة بعد وقت قصير على قرض من بورصة نيويورك غطى على المساعدة المعلقة بشكل واسع، فضلاً عن إن (إسرائيل) حصلت على أثمن مكسب وهو فتح خليج العقبة إمام السفن (الإسرائيلية) فأتاح لها ذلك الانفتاح على دول أفريقيا وآسيا وحققت مكاسب اقتصادية، إذ هذا ما كانت (إسرائيل) تتمناه وكانت مستعدة للقتال بضراوة من أجل تحقيقه، فقدمته الولايات المتحدة الأمريكية بكل سهولة. وهكذا انتهت أزمة السويس بانتصار أمريكي إسرائيلي على حد سواء فقد ازدادت الصداقة بينهما وتعمقت أكثر، اضف الى ذلك إن صورة الولايات المتحدة الأمريكية قد تحسنت في العالم العربي باعتبار أن موقفها كان ضد الاستعمار القديم، أما بالنسبة لإسرائيل فالسماح لها بالمرور في مضيق تيران أعظم منجز حققته وكتب ايزنهاور عن أزمة السويس واصفاً إياها انها أصعب الأحداث في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الدبلوماسي أُرغمت فيه على معارضة ثلاثة من أصدقائها(الضيفي، 2010، ص185 – 186).

يتضح من ذلك بأن (إسرائيل) أصبحت على قناعة تامة بأن أفضل حليف لها هي الولايات المتحدة الأمريكية أذا ما أرادت ضمان أمنها والحصول على المكاسب التي تنشدها.

 شهدت المدة بين 1958-1960 درجة كبيرة من التفاهم والتوافق بين الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) قد انعكس هذا التوافق في المصالح في قبول الحكومة (الإسرائيلية) لمبدأ ايزنهاور عام 1957 الذي أقره الكونجرس الأمريكي في آذار 1957 وهو عبارة محاولة لتحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط أذ يقوم هذا المبدأ على ملئ الفراغ الذي حصل في منطقة الشرق الأوسط بعد ان منيت بريطانيا وفرنسا بهزيمة كبيرة أجبرتهما على الانسحاب من مصر بعد العدوان الثلاثي اللتان أشركتا به مع (إسرائيل).وبعد قبول إسرائيل رسمياً مشروع إيزنهاور أصبحت إسرائيل رأس الحربة التي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية استخدامها في أي وقت لطعن الشعوب العربية(Ismael, 1974, P.126).

وبعد تولي جون كندي (John.F.Kennedy) (1961-1963) (الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية من الحزب الديمقراطي ولد عام 1917 سياسي أمريكي، تولى حكم الولايات المتحدة الأمريكية بين عامين 1961-1963، كان أول كاثوليكي ينتخب رئيساً للجمهورية، ودرس في جامعة لندن كلية العلوم عام 1937، وانتخب عضواً في مجلس الشيوخ عام 1952. كان جون كندي أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، إذ تمكن بمهارة فائقة أن يقدم نفسة للرأي العام، اغتيل أثناء
زيارته لمدينة دالاس في ولاية تكساس في 22 تشرين الثاني 1963. زهر الدين، 2004، ص315 ؛ The Encyclopedia Americana, 1970, P.243) الرئاسة الأمريكية لم تختلف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها لإسرائيل في عهده عما كانت عليه في عهد سابقيه شكلت مدة رئاسته حجر الزاوية في تطور العلاقات الأمريكية-إسرائيلية. تسلم الرئيس كندي مهامه في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 1961 بعد انتهاء مدة رئاسة الرئيس ايزنهاور الثانية، ولخص كندي سياسته في الشرق الأوسط القائمة على الحفاظ على أمن وسلامة إسرائيل وجاراتها، وفضلاً عن ذلك قام كندي بتوجيه رسالة إلى جمال عبد الناصر موضحاً فيها وجهة نظره بصدد النزاع العربي-الإسرائيلي مقترحاً بعض الحلول المبدئية (الحمداني، 2017، ص61).

وأمتاز كندي بموقفه الداعي الى الارتكاز على القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة فيما يتعلق بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، فقد قدم وفد الولايات المتحدة الى هيئة الأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني 1963 أي قبل مقتل كندي بيومين مشروع قرار بهذا المعنى، مما جعله يواجه معارضة كبيرة سواء من داخل إسرائيل او الولايات المتحدة الأمريكي وعلى الرغم من أن كندي كان مؤيداً لإسرائيل وتعهد بدفاع الولايات المتحدة الأمريكية عنها في حالة تعرضها للغزو وقدّم لها الأسلحة إلا انه تحدى بن غوريون حول مفاعل ديمونة النووي الذي بنته إسرائيل بمساعدة فرنسية، وكان بن غوريون يتبنى الخيار النووي من اجل توازن القوى في المنطقة وفرض الهيمنة الإسرائيلية لردع العرب، إذ أصر كندي على وضع ديمونة تحت إشراف وتفتيش وكالة الطاقة الذرية الدولية، وكان هذا الموقف نابعاً من اعتبار كندي أن التصعيد النووي في الشرق الأوسط هو ضد المصالح الأمريكية وسوف يؤدي إلى إيقاف تدفق النفط للولايات المتحدة (الحمداني، 2017، ص64 – 65). ويبدو إن سياسة كندي من وجهة النظر الإسرائيلية موالية للعرب فأعربت الحكومة الإسرائيلية عن صدمتها من الموقف الموالي للعرب على الرغم من أن كندي قام بتزويد إسرائيل بأسلحة دفاعية. وبعد تعرض كندي للاغتيال في 22 تشرين الثاني 1963 تعددت النظريات حول اغتياله وما زالت إرهاصات القضية تتفاعل حتى ألان لمحاولة الكشف عن دوافعها، وكثير هم الذين يعتقدون بانها ليست ذاتية بل ورائها دوافع سياسية (الحمداني، 2017، ص66).

بعد اغتيال كندي تولى الرئاسة من بعده نائبه ليندون جونسون (Lyndon Johnson) (1963-1969) (الرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية ومن الحزب الديمقراطي ولد بولاية تكساس الأمريكية عام 1908 تخرج في كلية المعلمين في تكساس عام 1930 انتخب في مجلس الشيوخ عام 1948 تولى الرئاسة في 22 تشرين الثاني 1963 بعد اغتيال كندي، وانتخب رئيساً في المدة (1964 – 1969)، توفي في كانون الثاني 1973. (Dalek, 2004, PP.2-46؛ الجباوي، 2015) الذي كان معروفاً بولائه الشديد لإسرائيل عندما كان عضواً في الكونكرس الأمريكي قبل وصوله الى كرسي الرئاسة، وعلق على مقتل كندي بقوله: ((لقد فقدتم صديقاً كبيراً ولكنكم وجدتم خيراً منه)). كان الرئيس جونسون من أكثر المتحمسين لإقامة علاقات جديدة مع (إسرائيل) وصرح في إحدى لقاءاته الصحفية قائلاً:(كنت اشعر دائماً شعوراً عميقاً بالتعاطف مع إسرائيل وشعبها التي يجب الدفاع عنها ببسالة مع وجود معوقات عظيمة) (الحمداني، 2017، ص67).

ازدهرت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) في عهد الرئيس جونسون، إذ كان متعاطفاً شخصياً معها، وكان متعصباً دينياً تجاها ومحاطاً بدعاة أقوياء يدعمون هذه العلاقة وتقويتها مع (إسرائيل). لأن الرئيس جونسون كان يرى (إسرائيل) كياناً ديمقراطياً خلافاً للكيانات العربية. وبعد توليه الرئاسة الأمريكية أصبح التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن إسرائيل مبدءاً من المبادئ الأساسية التي تبنتها السياسة الأمريكية الخارجية، اما تفوق إسرائيل العسكري فقد كان دافعاً حقيقياً (Johnson, 2008, PP.15 – 16).

إنَّ تأكيد الرئيس جونسون على علاقته بــــ(إسرائيل) دفعت أحد مساعديه في البيت الأبيض هاري ماكفرسون (Harry Macpherson) ليقول: “بأن هناك دماً يهودياً في جونسون”. شهدت هذه العلاقة المتميزة استحضارا لافتاً في تشكيل الإدارة للولايات المتحدة الأمريكية ولاسيما بعد فوز الرئيس جونسون في انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني 1964، إذ عين شخصيات يهودية في مناصب مهمة ضمن دائرة صنع القرار(4) (البرصان، 2000، ص40).

وبهذا أصبح تبرير الانحياز الإدارة الأمريكية (لإسرائيل) يقوم على أنه دعامة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وأن هذه السياسة التي اتبعها تجاه (إسرائيل) عملت على تعـقـيـد الصـــراع في الشـرق الأوسط وعـمــلــت عــلـى تـقـديـم الدعم لإســرائــيـل فـــاق كـــل التوقعات، إذ شـكــلــت تـلــك الـمــدة نـقــطة انعطاف مهمة جداً في مسار علاقات الثنائية.

شهدت المدة الواقعة بين آيار 1966 – حزيران 1967 تأزماً خطيراً في العلاقات بين العرب و(إسرائيل) إذ في هذه المدة تهيأت الظروف الإقليمية والدولية (لإسرائيل) لشن حروب عدوانية ضد الدول العربية المجاورة لها بعد حصولها على صفقات كبيرة من الأسلحة من الإدارة الأمريكية من جهة وحالة الانقسام والفوضى السياسية وضعف الاستعداد العسكري للدول العربية من جهة أخرى. وان السبب الحقيقي والمباشر للحرب هو رغبة (إسرائيل) في تحقيق سياستها العدوانية والقائمة على مبدأ التوسع الجغرافي والاستيلاء على ما تبقى من فلسطين وإجبار الدول العربية على الاعتراف بها وتحقيق مالم يتم تحقيقه في حرب عام 1956 استغلت ظروف الحرب الباردة والتوتر الشديد الذي يسود المنطقة لخلق مبررات لمواجهة الرأي العام العالمي حتى يدينها وتظهر بأنها كدولة عدوانية تهدد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وبهذا اعتمدت على أسلوب الحرب الفجائية داخل الأرض العربية لاحتلال أرض جديدة.سعي (إسرائيل) للسيطرة على مصادر المياه العربية إذ كان هذا عاملاً أساسياً لشن الحرب، لأنها كانت ترى أنّ أمنها ووجودها مرتبط بالمياه خصوصاً أنّ المياه حدودية بينها وبين الدول العربية حول مياه نهر الأردن روافد نهر الليطاني (عبد القادر، د.ت، ص193).

انطلاق الثورة الفلسطينية ابتداءً من عام 1964 التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينية وظهور الفصائل الفلسطينية وقيامها بعمليات فدائية والتي عدت تحدياً لوجودها في ظل التأييد العربي للحقوق الفلسطينية وكانت تطمح عن طريق الحرب إلى تصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني على المستوى السياسي والشعبي وفرض الحل السياسي على العرب تنامي القوة العسكرية العربية وتطورها سواء من حيث العدد او السلاح خاصة القوة المصرية بشكل يهدد أمنها وبقائها، ولاسيما بعد اتجاه مصر إلى شراء الأسلحة والطائرات وتدريب قواتها في أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي رافق هذا التطور العسكري تأسيس القيادة العامة المشتركة لقوات الدول العربية عام 1961 التي صادق عليها الملوك والرؤساء في مؤتمر القمة العربي الأول في كانون الثاني 1964 تحت اسم القيادة العربية الموحدة لجيوش الدول العربية وتعيين عبد الحكيم عامر قائداً عاماً لها، وعلى الرغم من عدم فعاليتها إلاَّ أنَّ (إسرائيل) عدَّتها خطراً عليها وخاصة بعد عقد اتفاقيات ثنائية بين الدول العربية مثل اتفاقية الدفاع المشترك بين سوريا ومصر في تشرين الثاني 1966 وبين سوريا والعراق في 3 آيار 1967 وبين مصر والأردن في 30 آيار 1967 وانضمت إليهما العراق في 4 من حزيران 1967، عدَّت (إسرائيل) هذه الاتفاقيات والتطورات العسكرية تهديداً لها واتخذتها ذريعة لشن هجومها (الحمداني، 2017، ص118 – 119).

دفع تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة في إسرائيل وتراجع الهجرة اليهودية إلى البحث عن مصادر أخرى مثل المياه والأراضي من أهم الأسباب لحرب عام 1967، لا سيما مع انخفاض معدلات النمو الاقتصادي فيها الى أقل من 8% وتراجع هجرة اليهود، إذ انخفضت هجرة اليهود من 55 الف مهاجر عام1964 إلى 31 ألف عام 1965 إلى أقل من 14 الف عام 1966، ووصل عدد العاطلين عن العمل 100 ألف عاطل وهو ما يشكل نسبة 12% من القوة العاملة الإسرائيلية، كانت لإسرائيل أسباب عديدة لشن حربها هذه إلا أن السبب الرئيس الذي تذرعت به إسرائيل لشن هجومها هو قيام مصر بسحب قوات الطوارئ الدولية وإغلاق مضيق تيران بوجه الملاحة (الإسرائيلية) (الحمداني، 2017، ص119).

ففي أيار يوم 14 تحديداً من عام 1967 حشد عبد الناصر قواته العسكرية، وبعد يومين طلبت مصر من الأمم المتحدة بسحب قوات حفظ السلام من سيناء وكان القائد العام يوثانت(Youthant) قد ادعى بأن القوات لا تستطيع البقاء في سيناء دون تعاون المصريين معها مما دفع المصريين بالاعتقاد إن يوثانت يتلاعب من اجل الوقت،وان مايهمنا هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقتها(بإسرائيل) ابان الحرب فبعد أنْ أعلن الرئيس جمال عبد الناصر قراره بغلق المضايق في 22 آيار 1967 أكد الرئيس جونسون في تصريح ادلى به في 23 آيار 1967 بأن القرار المصري قرار غير شرعي، ويحمل في طياته تهديداً للسلام في العالم وأكد ان واشنطن سوف تعمل على دعم الاستقلال السيـاسـي والسـلامة الإقليمية لكـل منـطقة الشرق الأوسط بما فيها (إسرائيل) خضعت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية أثناء أزمة عام 1967 لفكرة السيطرة والتحكم بنزاع الشرق الأوسط لصالح (إسرائيل) ويمكننا ان نعبر بكل وضوح ان موقف الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المدة كان معادياً للعرب، فقد رأت الولايات المتحدة الأمريكية أنَ نجاح (إسرائيل) في الحرب واستمرار الاحتلال سيحققان لكليهما مصالحهما المشتركة، فبالنسبة للإدارة الأمريكية سيؤدي إلى فقدان حركة التحرير العربي قدرتها على تهديد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، أما بالنسبة لإسرائيل ستحقق أغراضها بالتوسع في الأراضي العربية. ان مساندة الولايات المتحدة الأمريكية (لإسرائيل) في حرب 5 حزيران 1967 قدمت بطريقتين مباشرة وغير مباشرة، فقد اتسم التدخل المباشر بتوفير الحماية الجوية فوق الأجواء الإسرائيلية خلال أيام الحرب حتى لا تطولها الطائرات العربية فضلاً عن قيام الولايات المتحدة باستخدام قواعدها العسكرية في المنطقة ومنها انجرليك (Anger Lk) في تركيا وقاعدة هوليسن (Holeson) في ليبيا اذ قامت باستعمال طائراتها في تلك القواعد بعد أن وضعت عليها علامة النجمة الإسرائيلية ومع اندلاع الحرب في 5 حزيران 1967 (المحياوي، 1993، ص135).

بدأت تلك الطائرات مهمتها اذ حلقت فوق المطارات المدمرة والمحترقة في كل من مصر وسوريا والأردن وكانت طلعاتها نهارية فقط وبلغت عشر طلعات في اليوم الواحد، وقد أخذت كل من طائرة ما مجموعة 5 قدم تقريباً من الأفلام في كل طلعة جرى تحميض في أشرطة طويلة في قاعدة النقب الصحراوية أعطيت واحدة منها (لإسرائيل) وإرسال ثلاث نسخ لواشنطن ويتضح من هذا ان الاستطلاع الجوي للولايات المتحدة الأمريكية قد ساعد الإسرائيليين بالفعل على نيل الأهداف الإقليمية المحددة خلال زمن محدود، أصبح لدى الدول العربية تصور كامل عن حقيقة تواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية مع (إسرائيل) في حرب حزيران 1967 وذلك يوم 8 حزيران اليوم الرابع من الحرب، وذلـك بـعــد قـيــام (إســرائـيــل) بمهاجمة سفينة التجسس الأمريكية ليبرتي الموجودة في شرق البحر المتوسط. قامت (إسرائيل) بقصف السفينة بالقنابل والصواريخ وادى ذلك إلى مقتل 34 أمريكياً وإصابة 171 آخرين بجروح إذ تركت في جسم السفينة 821 ثغرة بفعل الصواريخ (البرصان، 2000، ص44).

 يتضح مما سبق وقوف الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها الى جانب إسرائيل وان تبين لها بأنها هي البادئة في الحرب والمعتدية على مصر، وهذا بطبيعة الحال يتنافى مع الإعلان الأمريكي السابق الذي نص على وقوفها بوجه الطرف المعتدي فقد أصبحت الدلالات قاطعة في أن إسرائيل ما كانت تشن الحرب لو لم تكن قد حصلت على الضوء الأخضر من واشنطن، وبفضل مساعدات إدارة الرئيس جونسون تمكنت (إسرائيل) خلال 6 أيام من إنهاء الحرب بانتصار كبير تمكنت فيه من هزيمة القوات المصرية والأردنية والسورية واحتلت سائر فلسطين وهضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء وكان الانتصار (الإسرائيلي) بمعونة البيت الأبيض دلالاته في الاستراتيجية الأمريكية، إذ رأت إدارة الولايات المتحدة أنّ نجـاح (إسرائيل) في تـنفـيذ الضـربة العسكـرية واسـتمـرار الاحتـلال إلى ما بعد النصر سيحققان لكليهما مصالحهما المشتركة (الحمداني، 2017، ص140).

كان للانتصار الإسرائيلي بمعونة أمريكية دلالاته في الإستراتيجية الأمريكية، فقد رأت الإدارة الأمريكية أن نجاح إسرائيل في تنفيذ الضربة العسكرية واستمرار الاحتلال ما بعد النصر سيحققان لكليهما مصالحهما المشتركة، فبالنسبة للأولى سيؤديان الى فقدان حركة التحرير العربي قدرتها على تهديد المصالح الأمريكية، اما بالنسبة للثانية سيحققان أغراضها في التوسع وسيخلق الظروف أمام إيجاد حل للصراع العربي-الإسرائيلي يتخذ شكل معاهدات صلح يفرضها المنتصرون على المنهزمين.

المبحث الثاني: سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه اسرائيل من (1969-1974):

أولاً: موقف الولايات المتحدة الامريكية من حرب الاستنزاف عام 1970:

تسلم الرئاسة في الولايات المتحدة الامريكية مجيء نيكسون (Richard Nixon) (ولد في 9 كانون الثاني 1913 في كاليفورنيا وأصبح نائباً للرئيس إيزنهاور (1953-1961) انتخب في 1968 رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية واعيد انتخابه في 1972، اضطر للاستقالة على اثر فضيحة (وترجيت)، توفي في 23 نيسان 1994. The Encyclopedia Americana, 1970, P.98) الى الحكم (1969-1974) ظهر بارق أمل في أن الرئيس الجديد سيكون أكثر اعتدالاً من سلفه جونسون، فقد أدان نيكسون سياسة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة ودعا الى تبني منضوراًواقعياً في السياسة الخارجية وإتباع سياسة جديدة للأمن القومي تعتمد على الإمكانات الواقعية، فتحدث نيكسون في مؤتمره الصحفي الأول المنعقد بتاريخ 27 كانون الثاني1969 عن الوضع في الشرق الأوسط واصفاً إياه: ((بأنه برميلاً من البارود قوي الانفجار لا بد من إبطال مفعوله). وبالرغم من الاعتدال الظاهر في سياسة نيكسون إلا انه لم يتورع عن تأييد إسرائيل والاستمرار بتزويدها بالأسلحة،، وكان هذا متزامناً مع إتباع مصر أسلوب حرب الاستنزاف عن طريق تسديد ضربات متتالية الى إسرائيل، فقد قامت القوات المصرية بتنشيط عملياتها العسكرية،وذلك نتيجه الاهانه التي لحقت بالعرب بهزيمتهم بحرب 1967،التصادم المستمر بين القوات المصرية والاسرائيلية التي لاتفصلها سوى بعض الاميال القليله،وهكذا بدأت القوات المصرية بقصف القوات الاسرائيلية في اواخر 1968، وفي هذه الاثناء تدخلت الولايات المتحدة الامريكية اولى مبادراتها لحل الازمة في الشرق الاوسط ففي خضم هذه الأوضاع أعلن وزير الخارجية الأمريكي وليم روجرز (Willam Rogeers) (من مواليد عام 1930 من ولاية تكساس، تخرج من جامعة برنستون عام 1952 عين عام 1964 وكيل وزارة التجارة، شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط عام 1967، ثم اصبح وزيراً للخارجية الامريكية في عهد الرئيس نيكسون للفترة (1969-1972). The Encyclopedia Americana, 1970, PP.675 – 676.) عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بمبادرة سياسية هدفها تشجيع الطرفين(العربي والإسرائيلي) على وقف إطلاق النار وبدء المحادثات تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، وعرفت هذه المبادرة بـ(مبادرة روجرز).الذي تضمن بعض المواد الهامة هي ان تقوم مصر واسرائيل بوضع جدول زمني لسحب القوات الاسرائيلية من الاراضي المصرية التي احتلتها عام 1967، تنتهي حالة الحرب بين مصر واسرائيل وتقام حالة رسمية لسلام،يوافق الجانبان على رسم الحدود الامنه والمعترف بها،توافق مصر بالسماح لجميع السفن بالمرور بما فيها السفن الاسرائيلية بالمرور بقناة السويس، يسعى الطرفان لايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتم تسجيل الاتفاق النهائي في وثيقة وتوضع لدى الامم المتحدة، يوافق الطرفان على على ان يقدما الاتفاق النهائي الى مجلس الامن التابع الى الامم المتحدة (بول، 1994، ص76 – 77).

استقبل (الاسرائيليون) مشروع روجرز بفتور واعلنت الحكومة الاسرائيلية رفضها لأي محاولات من الخارج لفرض الحدود، بالمقابل اشارت مصر ان بعض النقاط الايجابية في مشروع روجرز، الا انها امتنعت عن اي التزام نهائي الى ان يتم بصيغة النهائية للتسوية الشاملة وهكذا فأن الرفض النهائي لإسرائيل لهذه الخطة وامتناع مصر عن قبولها وضع حدا نهائيا ونهاية مفاجئة لأول مبادرة سلام في الشرق الاوسط صدرت عن ادارة نيكسون، وبعد اخفاق هذه المبادرة عملت الولايات المتحدة على صوغ استراتيجية جديدة بتأثير من هنري كسينجر الذي كان ينصب مستشار الامن القومي آنذاك وتتضمن هذه السياسة الجديدة ضرورة الاعتماد على بعض الدول الصديقة للولايات المتحدة في مناطق مختلفة من العالم لتكون بديلا مباشرا عنها، ولتحقيق هذه الاستراتيجية عملت على امداد اسرائيل بمختلف الاسلحة المتطورة اضافة الى المساعدات الاقتصادية الهائلة تطورت المساعدات العسكرية الهائلة عندما طلب 85 عضوا من مجلس الشيوخ بتاريخ 4 حزيران 1970 رسالة الى روجرز يطلبون منه تزويد اسرائيل بمئة وخمس وعشرون طائرة مقاتلة اضافية، وكان من شأن ذلك ان يصعد وتيرة سباق التسلح بين الدول في المنطقة (بول، 1994، ص84).

أدت هذه التطورات بالولايات المتحدة بتقديم ما سمي بالبرنامج ((Bوكان يتضمن وقف اطلاق النار لمدة سبعين يوما، قبول جميع الاطراف بقرار242بجميع اجزائه، قبول الاطراف باستئناف المفاوضات تحت رعاية السفير يارنغ، اعلن الرئيس جمال عبد الناصر موافقته على هذا البرنامج بتاريخ23حزيران 1970، ووافق الاردن على هذا البرنامج بعد يومين، بينما لم توافق اسرائيل على هذا البرنامج الا بعد ان حصلت على ضمانات من الولايات المتحدة الامريكية على ان لا تجبر اسرائيل الموافقة على التفسير العربي لقرار242عند وضع الخوط العريضة لمهمة ياريغ (ويليم، 1994، ص101).

وفي صيف 1970حبث كانت حرب الاستنزاف على وشك التوقف حصل تطورين بالمنطقة تطورين هامين كان لهما الاثر كبير في تطور الاحداث في المنطقة منها انفجار الاوضاع في الاردن في حزيران 1970، استمرت الاوضاع بتوتر في الاردن نتيجة قيام الملك حسين بعمليات عديدة ضد الوجود الفلسطيني بالأردن والتي سميت (بأحداث ايلول الاسود)، وبعد استقرار الاوضاع في المنطقة فترة موقوتة من الاستقرار النسبي اذ ظل وقف اطلاق النار ساريا على جميع الجبهات، وظهرت بالمقابل تطورات جديدة على الساحة العربية كان لها الاثر في كبير في مسيرة الصراع العربي (الاسرائيلي)،منها وفاة الرئيس جمال عبد الناصرفي 28/9 1970 ومجيء الرئيس انور السادات الذي لم تكن سياسته الخارجية واضحة في البداية بالنسبة للأمريكيين، وقيام حافظ الاسد بحركة تصحيحية في سوريا عام 1970 (ويليم، 1994، ص103 – 105).

وبمجئ انور السادات الى الحكم بدأت مفاوضات جديد فقد قام بإيفاد مستشاره للأمن القومي الى واشنطن للتباحث مع المسؤولين الأمريكان و(الإسرائيليين)لذلك عملت الادارة الامريكية على حث الاطراف الى العودة لاستئناف محادثات يارنغ (ويليم، 1994، ص105).

وفي ايلول 1971 كتبت رئيسة وزراء (اسرائيل) غولدا مائير (ولدت في روسيا عام 1898، ودرست في دار المعلمين في مدينة ميلوركي بالولايات المتحدة الأمريكية هاجرت إلى فلسطين عام 1921 كانت عضواً نشيطاً في حزب عمال بوعاليزيون وعضواً في لجنة الأعمال الصهيونية وعضواً في الكنيست منذ عام 1949، رئيسة بعثة إسرائيل في الأمم المتحدة، ووزيرة العمل (1949-1956)، ثم وزيرة للخارجية (1956-1966) توفيت عام 1978 بسبب مضاعفات مرضها سرطان الدم. (مائير، 1982) الى نكسون تربط موافقة اسرائيل على المفاوضات والعودة الى مفاوضات يارنغ بعدة شروط اهمها، عدم تعرض (اسرائيل) لأي ضغط امريكي في المفاوضات المقبلة، استخدام الولايات المتحدة الامريكية لحق الفيتو ضد اي قرار معاد لها في الامم المتحدة، تأييد (اسرائيل) في الإجراءات التي ضد التدخل السوفيتي في الشرق الاوسط، جاء رد نيكسون بتطمينات عامة لأسرائيل) بأنه لم يسمح ان تكون (أسرائيل) في وضع دبلوماسي وعسكري في غير مصلحتها اذا استأنفت المفاوضات (ويليم، 1994، ص105).

ثانياً: محادثات يانغ والدور الامريكي فيها:-

 اجتمع يارنغ مع ممثلي مصر والاردن و(اسرائيل) في كانون الثاني 1971في الامم المتحدة، ثم سافر الى الشرق الاوسط لمتابعة جهوده لدى الاطراف المعنية اصرت مصر على ضرورة الانسحاب (الاسرائيلي) من جميع الاراضي التي احتلت عام 1967وهذا ما عارضته (اسرائيل) وفي 8 شباط 1971، قدم يارنغ مذكرة الى مصر و(اسرائيل) تضمنت يجب ان يقدم الطرفان التزامات متوازنة ومتوازية، يجب على الطرفين من حيث المبدأ الانسحاب الى الحدود الدولية السابقة بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، تأمين حرية الملاحة في قناة السويس ومضيق تيران، توقيع اتفاقية سلام بين (اسرائيل) ومصر وانهاء الحرب بين البلدين، جاء الرد المصري بالموافقة على جميع هذه النقاط في 15 شباط 1971،لكن (اسرائيل) وافقت على قسم منها وامتنعت عن التقيد بالانسحاب الى خطوط ما قبل 5حزيران 1967وهذا ما ادى الى توجيه ضربة قاصمة الى مهمة يارنغ ووضع نهاية مخفقة لها (ويليم، 1994، ص127).

ثالثاً: الموقف الامريكي من حرب اكتوبر1973:-

 مع بداية عام 1973 كان الموقف الأمريكي تبلور على النحو الآتي: العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في أحسن حالاتها، فالأولى تمد الثانية بالمال والسلاح، ولا تنوي ممارسة أي ضغط عليها لحملها على التراجع عن السياسة التي تتبعها في مواصلة احتلال الأراضي العربية وضمها واستيطانها، فضلاً عن أن العلاقات العربية الأمريكية في تحسن والنفوذ السوفيتي في تضائل، ولا اثر لجدية الضغط العربي والجهات الصامتة بشكل عام ولا شيء يشير إلى قرب اندلاع حرب لا تحتاج إليها إسرائيل المطمئنة إلى وضعها ولا يجرؤ العرب على إشعالها بسبب ما يوصف بعجزهم أمام نفوذ العدو الساحق، وإن احتمال الصدام بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي اضعف من ذي قبل وخصوصاً بعد القمة الثنائية بينهما في أيار 1972، واستغل الساسة الأمريكان كل مناسبة للتعبير عن رضاهم عن الوضع السائد في الشرق الأوسط وكأن السياسة الأمريكية سياسة ناجحة، أما إسرائيل كان يسودها خلال ربيع وصيف 1973 شعور بالارتياح إذ كان خط بارليف هادئاً والجبهة السورية خامدة والسوفييت وطردوا من مصر، أضف الى ذلك هناك شائعات تسربت عن حدوث انهيار في شبكة دفاع مصر الجوية وضعفت معنويات جيشها، وطوال هذه الفترة كانت المخابرات العسكرية الإسرائيلية تعد تقريراً بعد آخر تتفقد فيه قدرة الجيش المصري على إعداد شيء في الخفاء وبالتالي قدرته على القيام بغزو شامل، واعتبرت أن التنسيق بين مصر وسورية للقيام بالحرب شيء لا يمكن حدوثه (منصور، 1976، ص349).

 يتضح هذا من التقرير الذي قدمته رئيسة الحكومة جولدا مائير في 25 تموز 1973 عن نشاط حكومتها، إذ خصصت جزءاً منه لسياسة (إسرائيل)اتجاه النزاع العربي الإسرائيلي، واستهلت مائير تقريرها بالإشارة الى الارتياح بان إسرائيل في سنة 1973 اكثر قوةً ونمواً مما كانت عليه سنة 1969، وهي متأهبة للاضطلاع بمهامها القومية والاجتماعية وزعمت مائير إن هدف السياسة الإسرائيلية الرئيس هو تحقيق السلام ووصفت هذا السلام بانه يحل مكان الترتيبات المؤقتة الخاصة بالهدنة ووقف القتال وهو سلام يقوم على حدود دائمة متفق عليها وسلام يضع حداً نهائيا لحالة الحرب والنزاع، واضافت اتخاذها تدابير عسكرية الهدف منها اقناع جيرانها بان المحافظة على وقف القتال افضل لهم من المجازفة في حرب ستؤول بهم الى هزيمة جديدة (غرين، 1989، ص112 – 113).

 إن هذا الموقف الإسرائيلي نابع من ثقة حكومتها بانها لن تضطر في المستقبل المنظور الى خوض حرب كبرى، وكانت الامور تقدر على هذا النحو: اولاً لان إسرائيل تعتقد انها على قدرة من التفوق العسكري يردع العرب من السعي لشن معركة لاسترداد اراضيهم، وثانياً لان التفوق العسكري المتوافق مع الاوضاع الاقليمية التي تلت حرب 1967 المتمثل بالحزام المريح المكون من الجولان والهضبة الغربية بات يلغي حاجة إسرائيل الى حرب اخرى كحرب1967 (غرين، 1989، ص113).

 أما بالنسبة للجانب العربي مر الصراع العربي الإسرائيلي من الأعوام التي فصلت بين الحربين بمراحل مختلفة كانت اكثرها سخونة حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية بين سنتي 1969-1970، وبعد ذلك مر الصراع بمرحلة من الهدوء النسبي كان يتخللها بين الحين والاخر قليل من الاشتباكات على الجبهتين اللبنانية والسورية التي كانت إسرائيل تنظر اليها على انها من العمليات العسكرية التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية (غرين، 1989، ص114).

وعلى الرغم من عرض العرب العديد من مشاريع التسوية، شهدت سنة 1972 جموداً سياسياً وبدأ الوضع معه وكأنه استتب على ما هو عليه وسعت الحكومة الإسرائيلية للمحافظة على الوضع الراهن منذ انتهاء حرب 1967، فضلاً عن أن الحكومة الأمريكية سعت ايضاً للأبقاء على الوضع نفسه والمحافظة على حالة (اللاسلم واللاحرب) بين العرب و(الإسرائيليين) دون تغيير. وبعد أن تأكدت الحكومة المصرية من أنَّ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لن تتغير في الظروف الحالية، قررت استئناف حملة دبلوماسية كثيفة هدفت منها كسب تأييد الدول الاوربية وعزل إسرائيل عن الولايات المتحدة، وبعد تأكد السادات من استحالة تغير حالة الجمود إلا بعمل عسكري بدأت مصر تستعد لحرب عسكرية تكون رداً مباشراً لحرب 1967 ومحاولة لتغيير بعض معالم الصراع العربي (الإسرائيلي) تغييراً نوعياً قد يفتح مسالك جديدة لحل بعض معضلات الصراع، ويبدو إن السادات انتبه الى الجمود السياسي واهمال كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لمسألة الصراع العربي (الإسرائيلي) فوجد أن الحرب افضل وسيلة لجذب الانظار للمنطقة مرةً اخرى (منصور، 1996، ص139).

 وبالفعل بدأ السادات بالاستعداد للحرب التي أظهرت مدى سلامة التخطيط العربي على المستوى الاستراتيجي التعبوي من حيث تحديد هدف الحرب والإعداد لها بصورة سرية تامة، وذلك بعد أن عرض الخطة على الرئيس حافظ الاسد الذي وافق على الاشتراك بالحرب وتم الاتفاق على تشكيل قيادة مشتركة ضمت من الجانبين وزيري الحربية ورؤساء الأركان والعمليات والمخابرات وقوات الطيران والبحرية والدفاع الجوي، واجتمعت هذه القيادات في 21-22نيسان و22ايلول من عام1973في الإسكندرية لوضع اللمسات الاخيرة على الخطة الحربية (منصور، 1996، ص139 – 140).

وأثناء ذلك تحدد موعدين للحرب الاول بين1-14 ايلول والثاني ما بين 5-10 تشرين الأول وبعد المشاورات تم تجاهل الموعد الاول وتقرر يوم 6 تشرين الأول لمصادفة هذا اليوم عند اليهود (عيد الغفران)،وعند العرب العاشر من شهر رمضان لعام 1393 هجرية حيث وقعت في هذا الشهر اول معركة انتصر فيها المسلمون وهي معركة بدر لذلك اتخذت العمليات اسم (بدراً) (هيكل، 1975، ص30).

شكلت حرب تشرين التي اندلعت في 6/10/1973صدمة قوية (لأسرائيل) فكان العرب لأول مرة في تاريخ صراعهم مع (اسرائيل) هم المبادرين لشن هجوم كان السبب الرئيسي الذي دفع السادات مع حافظ الاسد لشن الحرب هو اخفاقه في كل المحاولات لتقرب من الولايات المتحدة و(اسرائيل) لذلك هو اراد ان تكون حربا تحريكيه على عكس الاسد الذي ارادها حرب تحريرية كان هناك اقنتاع لدى الدوائر الامريكية بتفوق اسرائيل العسكري على العرب برغم بوجود انباء عن هجوم عربي مشترك على اسرائيل وكان رد فعل كيسنجر على هذه الانباء(ان يوم الغفران هو اكثر الاعياد اليهودية قدسية ولابد من ان يكون هناك سوء فهم) كانت تقديرات القيادة الاسرائيلية للموقف عشية حرب تشرين الثاني 1973لن يستطيع العرب اتخاذ قرار شن حرب، القوة العربية ممزقة وليس هناك اي تنسيق مشترك، ان التحصينات العسكرية الاسرائيلية خط بارليف على امتداد قناة السويس – التحصينات في الجولان تشكل عائقا منيعا كفيلة بوقف اي مغامرة، كانت الولايات المتحدة الامريكية تشارك اسرائيل هذا التقديرات، وكان الرأي السائد بتفوق اسرائيل خصوصا في الجو يسلب العرب اي خيار عسكري (ويليم، 1994، ص242).

 بدأت الحرب في 6/10/1973في تمام الساعة (14:5) بعد ظهر يوم السبت بهجوم مشترك مفاجئ للقوات المصرية والسورية، كانت الحرب مفاجأة تامة للحكومة (الإسرائيلية) على كافة الأصعدة، فقد لوحظ إن الارتباك سيطر على القيادتين السياسية والعسكرية، وكان لعنصر المباغتة تأثير كبير على تصرفات الحكومة الإسرائيلية في مواجهة الحرب، فقد حرصت مائير رئيسة الحكومة سعياً منها لرفع المعنويات على نفي كون الحكومة (الإسرائيلية) قد فوجئت، وبعد أقل من ربع ساعة من بدء الحرب أذاعت بياناً في الإذاعة والتلفزيون أعلنت فيه الهجوم المصري السوري، وأكدت إن الجيش الإسرائيلي مستعد لصد الهجوم وتكبيد العدو خسائر جسيمة وان حكام مصر وسورية عملوا منذ وقت طويل لخرق وقف القتال آملين إن يفاجئوا مواطني إسرائيل في يوم الغفران كما قالت: ((إن مهاجمينا اعتقدوا بأننا لن نكون في يوم الغفران مستعدين لرد الهجوم، اننا لم نفاجأ))، ويبدو إن رئيسة الحكومة الإسرائيلية حاولت أن تطمئن مواطنيها بان الحرب ليست مفاجئة خوفاً من القاء اللوم على حكومتها، وفي هذه الأثناء تمكنت القوات المصرية السورية التي عملت تحت قيادة واحدة أن تلحق بإسرائيل خسائر فادحة في الأرواح والمعدات (ويليم، 1994، ص242 – 243).

 في الايام الثلاثة الاولى حقق المصريون والسوريون انتصارات كبيرة على جبهات القتال خسر (الاسرائيليون) مئات الدبابات والطائرات ولم يقوموا بهجوم معاكس الافي 9 تشرين الثاني 1973،أما للولايات المتحدة الراعية لإسرائيل فلم يكن من الواضح في واشنطن طوال بضع ساعات من نشوب الحرب ما اذا كان الإسرائيليون او العرب هم الذين اطلقوا الطلقات الاولى، إذ كان هناك شعور بأنّ الولايات المتحدة ينبغي إن لا توجه اتهامات الى أي من الجانبين، إلا انه سرعان ما بدا واضحاً إن المصريين والسوريين هم الذين بدؤوا الحرب ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية مرتاحة لاندلاع الحرب لا سيما إنها فوجئت بتوقيتها فسعت الى وقف القتال وحصره في نطاق ضيق قبل أن يستفحل أمره، ويمكن تلخيص الموقف الأمريكي في المرحلة الأولى من الحرب باستخدام كل الوسائل من اجل وقف المعارك، وإيقاف القتال عن طريق مجلس الأمن ودعوة القوات للعودة الى مواقعها التي كانت عليها قبل السادس من تشرين الأول، وسبب هذا الموقف هو الانتصارات التي حققتها القوات العربية على إسرائيل في بداية الحرب، فطلبت الولايات المتحدة منذ السابع من تشرين الاول من مجلس الامن عقد اجتماعٍ عاجلٍ لبحث الأزمة واستمرت التقارير تتوالى على مجلس الأمن (هيكل، 1975، ص87).

 إن الموقف الأمريكي حتى هذه اللحظة كان نابعاً من ايمان الولايات المتحدة بقدرة إسرائيل على رد الهجوم العربي بما تمتلكه من أسلحة دون الحاجة الى أسلحة جديدة، أضف الى ذلك انها أرادت حصر نطاق الحرب وعدم خروجه عن مجلس الامن، ولكي لا يؤدي ذلك الى توتر جديد في العلاقات مع الاتحاد السوفيتي ويمكننا اعتبار الأحداث الى هذه الفترة هي المرحلة الأولى من الحرب التي تميزت بانتصار عربي واضح على القوات الإسرائيلية. ولكن هل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تقف عند هذا الحد بعد إن تعالت الأصوات من إسرائيل لنجدتها بل أن السفير الإسرائيلي في واشنطن قدمّ تقريراً الى حكومة الولايات المتحدة في الثاني عشر من تشرين الاول أهم ما جاء فيه: ((إن مستقبل دولة إسرائيل في خطر))، والى هذا الحد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية المخاطر التي أصبحت حقيقة يومي الثاني عشر والثالث عشر من تشرين الأول (منصور، 1996، ص144).

 وتماشياً مع هذه المخاوف الأمريكية أمر الرئيس الأمريكي نيكسون بإمداد جسر جوي ضخم الى إسرائيل لكي يمكنها من تغيير الموقف لصالحها، وبالرغم من أن الجسر الجوي الأمريكي لم يشتمل على مشاركة الجنود الأمريكيين فأن له تأثير حاسم في اداء الجيش الإسرائيلي ولا سيما رفع المعنويات الإسرائيلية بسبب كمية السلاح المتدفقة الى إسرائيل، فخلال يومي 14 و15 تشرين الأول حصلت إسرائيل على احد عشر الف طن من التجهيزات الأمريكية، وأمر نيكسون بتزويد إسرائيل بكل ما تطلبه حتى لو ادى ذلك الى تفريغ المستودعات من الاحتياطات الأمريكية (ويليم، 1994، ص163).

 ولم تقتصر المساعدات الأمريكية في المجال العسكري على الأسلحة والمعدات بل شملت أيضا المعلومات، إذ كانت الولايات المتحدة تزود إسرائيل بالمعلومات والصور التي تلتقطها طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية الأمريكية وكانت القيادة الإسرائيلية تستخدم هذه المعلومات والصور لمعرفة أوضاع الجبهتين المصرية والسورية من اجل تخطيط عملياتها، وكان لهذا دفعةً قويةً لتعزيز الموقف العسكري الإسرائيلي، وأوضحت جولد مائير ذلك بقولها: ((لقد كان للجسر قيمة لا تقدر فانه لم يرفع معنوياتنا فحسب بل افاد ايضاً في جعل موقف الولايات المتحدة واضحاً بالنسبة للاتحاد السوفيتي وساعد بلا شك على جعل الانتصار امراً ممكناً)) (ويليم، 1994، ص163 – 164).

أما الموقف العربي فقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية حتى الأسبوع الاول من الحرب تجنب أي ضغط عربي لكن بإعلانها تعويض خسارة إسرائيل وإعادة تفوقها العسكري أقدمت على مخاطرة كبيرة، فمنذ 13 من تشرين الأول أخذت التحذيرات العربية تتوالى على وزارة الخارجية الأمريكية تحذرها من مغبة الدعم العسكري لإسرائيل، وكان لهذه التحذيرات صداها في واشنطن فقد جرت محادثات بين كيسنجر واربع من وزراء الخارجية العرب، وفي السابع من تشرين الاول اوضح كيسنجر في ذلك الاجتماع موقف السياسة الأمريكية المتمثل بأنهاء القتال الجاري والحيلولة دون اتساع نطاقه والسعي من اجل حل دبلوماسي ودائم بعد الحرب، وعقب هذا اللقاء حصل لقاء اخر مع نيكسون الذي اكد على رغبته في تحقيق تسوية. وفي خضم هذه الأحداث وفي الوقت الذي كانت فيه العمليات العسكرية مشتعلة ذهب كيسنجر الى موسكو لمناقشة الوضع مع الاتحاد السوفيتي وبالأحرى ذهب ليحصل على موافقة سوفيتية وعربية على مشروع وقف اطلاق النار الذي يمكن أن يعتمده كأساس للجهود الدبلوماسية التالية، بدأت المحادثات الأمريكية السوفيتية يوم 21 تشرين الاول في موسكو وفي حوالي الساعة الحادية عشر صباحاً واستمرت اربع ساعات سرعان ما غير السوفيت موقفهم من الربط بين وقف اطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي العربية الى موقف تفاوضي فقد اتفقوا على مشروع وقف اطلاق النار، وجاء هذا الاقتراح السوفيتي الأمريكي لوقف اطلاق النار متلازماً مع تغير الوضع لصالح إسرائيل بعد الخرق الإسرائيلي للجبهة المصرية في الدفرسوار والجبهة السورية في سفح(كالب، 1975، ص245).

وبناءاً على المشروع المقدم اصدر مجلس الامن التابع للأمم المتحدة القرار رقم(338) الداعي لوقف إطلاق النار، وكان هذا ما ينتظره السادات على احر من الجمر حيث ابدى على الفور الموافقة عليه، اما إسرائيل فعلى الرغم من موافقتها على القرار إلا انها خرقت الاتفاقية بعد ساعتين من تنفيذ الوقت المحدد لوقف إطلاق النار، ولم تعر الإدارة الأمريكية أيةّ أهمية لخطورة الخرق الإسرائيلي إلا عندما أبدى الاتحاد السوفيتي تجاوباً مع النداء العاجل الذي وجهته مصر الى مجلس الأمن في عدم التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار، ودعوتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لإرسال قوات أمريكية سوفيتية بغية مراقبة وقف اطلاق النار، إلا أن الولايات المتحدة أصدرت على الفور بياناً أعلنت فيه رفض فكرة إرسال قوات الى المنطقة، وكان رئيس الاتحاد السوفيتي بريجنيف قد بعث برسالة الى الرئيس الأمريكي نيكسون في 24تشرين الأول اقترح فيه رسمياً إرسال قوات عسكرية أمريكية وسوفيتية الى المنطقة لضمان تنفيذ وقف القتال، إلا أن هذه الأوضاع دفعت مجلس الامن الى تبني قراره(340)في 25تشرين الأول الذي قرر فيه نشر قوة طوارئ دولية والتي أرسلت الى مصر،وفي15من كانون الأول عقد مجلس الأمن اجتماعاً خاصاً لمناقشة الإجراءات اللازمة لعقد مؤتمر صلح للشرق الأوسط واتخذ قراره المرقم(344) الذي أعرب فيه عن امله بان يسهم هذا المؤتمر بإنشاء سلام ودائم في الشرق الأوسط (الكيالي، 1975، ص106).

رابعاً: دبلوماسية كيسنجر في الشرق الاوسط بعد حرب 1973(سياسة الخطوة – خطوة)

 ادى كيسنجر دورا هاما بل اصبح الدور الاوحد في باقي الادوار في مسألة الصراع العربي (الاسرائيلي) أصبح هنري كيسنجر الشخصية الأساسية لحملة دبلوماسية نشطة خلال ثلاث وعشرين شهراً أدت عملية السلام فيها إلى تغيير مناخ الشرق الأوسط، إذ مارس كيسنجر دبلوماسية الخطوة خطوة (Step by Step) التي كانت قائمة على افتراض أن المساعي الحميدة لواشنطن سوف تمكّن الأطراف من الاتفاق على نقاط ثانوية بسيطة نسبياً بدون الإشارة إلى المصادر الأساسية للنزاع. استخلص كيسنجر عدداً من الدروس استفاد منها في توجيه دبلوماسية ما بعد حرب 1973، فقد ارتأى أن الولايات المتحدة أصبحت منغمسة بصورة سريعة في جوهر المفاوضات فكانت فكرة الاتفاق المؤقت غير المرتبط بالشروط النهائية للتسوية استهوت كيسنجر كثيراً، وكان تواقاً بوجه خاص لمثل هذا الاتفاق، اضف الى ذلك أن نيكسون كان يبادله الشعور نفسه في أن تلعب الولايات المتحد دوراً نشطاً في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي مع أنه كان مشغول بصورة متزايدة بقاعدة تأييده المحلية الأخذة بالتفتت بعد استمرار تكشف فضيحة وترجيت، لذا فقد أتيح لكيسنجر على مدى غير معتاد من تشكيل تعديلات للدبلوماسية الأمريكية(تشيرجي، 1993، ص96-97).

فالمشاكل الداخلية للرئيس نيكسون أعطت وزير الخارجية كيسنجر حرية أكثر في انتهاج سياسة خاصة به وأصبحت بمضي الوقت مقترنة باسمه، فلا يمكن فصل السياسة الأمريكية في هذه المرحلة عن شخصية كيسنجر الذي اشرف بنفسه على المفاوضات بين جميع الأطراف وقدم صيغة توضيحية تبين الحلول المستعجلة والوعد بالحل النهائي، وجاءت هذه السياسة متوافقة مع نداءات الرئيس أنور السادات العاجلة لمساعدة الجيش المحاصر، وكانت هذه النقطة إحدى نتائج تحسين العلاقات بين القاهرة وواشنطن على الرغم من إن الإسرائيليين كانوا متشددين باستخدام الضغط على الجيش المصري المحاصر كوسيلة للحصول على إطلاق سراح أسرى الحرب وإنهاء الحصار البحري على باب المندب، كما إن الجمود واستمرار الحال على هذا الوضع يهدد بتدمير وقف إطلاق النار الثمين، ولهذا السبب سرعان ما وضع كيسنجر هدفين عاجلين أولهما تثبيت وقف إطلاق النار، والثاني العمل على إتمام الفصل بين القوات العسكرية(Quondt, 1975, P.45).

 وبناءً على دعوات السادات المتتالية على كيسنجر قام الأخير بزيارة مصر والتقى بالسادات في فترة توقف قصيرة في رحلة زار خلالها دولاً عدة، فاستطاع كيسنجر إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر بعد انقطاع دام أكثر من ستة أعوام، وأثناء مشاوراته مع السادات عرض عليه برنامجاً عرف بـ(اتفاق النقاط الست) بهدف تثبيت وقف إطلاق النار، وتمهيد الطريق امام المحادثات للوصول الى تسوية دائمة في الشرق الأوسط توافق مصر وإسرائيل على الاحترام الدقيق لوقف إطلاق النار الذي أمر به مجلس الامن. يوافق الطرفان على مناقشة موضوع العودة الى مواقع22 تشرين الأول فوراً في اطار الموافقة على الفصل بين القوات المتحاربة وتحت إشراف الأمم المتحدة تتلقى مدينة السويس يومياً إمدادات من الغذاء والماء والدواء وجميع الجرحى المدنيين في مدينة السويس يتم ترحيلهم. يجب إن لا تكون هناك عقبات أمام وصول الإمدادات غير العسكرية الى الضفة الشرقية. نقاط المراقبة الإسرائيلية على طريق القاهرة-سويس تستبدل بنقاط مراقبة من الأمم المتحدة. بمجرد تولي الأمم المتحدة نقاط المراقبة على طريق القاهرة -السويس يتم تبادل جميع الأسرى ومنهم الجرحى واثناء المحادثات طلب كيسنجر من السادات تأجيل الطلب المصري بالعودة الى خطوط 22 تشرين الاول1973 الى المفاوضات المصرية الإسرائيلية التي نص عليها الاتفاق المذكور (Quondt, 1975, P.46).

 وبعد تمام هذا اللقاء قرر كيسنجر ايفاد اثنين من مساعديه الى إسرائيل لاتمام تفاصيل الاتفاق، وعندما علمت مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية بان السادات وافق على إسقاط مسألة خطوط22 تشرين الأول وصفت ذلك بأنه انجاز خيالي، وعقب إعلان مصر موافقتها على النقاط الست في 9 تشرين الثاني أعلنت إسرائيل موافقتها أيضا، وفي تلك الأثناء توجه كيسنجر الى عمان والرياض من اجل إقناع محدثيه بعزم واشنطن على العمل من اجل سلام كامل، وكان كيسنجر الذي ابتهج فعلاً من اتفاق النقاط الست اخذ يتطلع الى فك الاشتباك العام للقوات المصرية-الإسرائيلية، ففي محادثاته مع ملك الأردن الملك حسين عمل على تشجيع الملك على المشاركة في مفاوضات السلام، وفي المملكة السعودية ناشد كيسنجر الملك السعودي فيصل إن يسانده في مسعاه الدبلوماسي مشيراً الى الحظر النفطي بوصفه عقبة أمام الجهود الأمريكية ثم دافع عن دبلوماسية الخطوة خطوة، وطلب من الملك المساعدة في فتح قنوات الاتصال مع السوريين على الرغم من انه خلال هذه الفترة لا يزال مركزاً على الجبهة المصرية الإسرائيلية(تشيرجي، 1993، ص106).

وبعد الاتفاق مبدئياً على النقاط الست جاءت الخطوة الثانية باجتماع كبار الضباط من الجانبين المصري والإسرائيلي وكان الغرض من هذا اللقاء كما حدده المصريون هو مناقشة النواحي العسكرية لتنفيذ قراري مجلس الأمن (338) و(339) اللذيّن طالبا بوقف إطلاق النار، بينما إسرائيل من جانبها كانت تتصور أهدافاً اكبر من هذه الاجتماعات، وعلى أيّة حال فان الموضوعات التي تعين مناقشتها كانت بكل تأكيد حول إمداد الجيش الثالث ومدينة السويس وتبادل الأسرى، ولم تؤخر واشنطن انتهاز الفرصة التي سنحت لها وتماشياً مع برنامج النقاط الست الذي وافقت عليه مصر وإسرائيل فان ممثلي الدولتين العسكريين اجتمعا بشكل منتظم عند الكيلو(101) على طريق القاهرة -السويس لوضع الترتيبات وشروط المساعدة وتموين الجيش الثالث وإعداد خطة عامة لفض الاشتباك، وكانت الضغوط شديدة على كلا الجانبين فالقوة المصرية محاصرة في الصحراء وإسرائيل لم تكن تتحمل عبئ الإبقاء على القوات غرب القناة فحسب بل كانت تمر بأزمة اقتصادية عنيفة بسبب التعبئة العامة لفترة طويلة، ونتيجة لذلك جرت المحادثات وجهاً لوجه عند الكيلو(101) (غرين، 1989، ص142).

 وعلى الرغم مما كان يبدو من ان الظروف ستدفع بالطرفين نحو اتفاق سريع فان المحادثات توقفت فجأة، بعد عدة ايام من المفاوضات مع عروض إسرائيلية بانسحاب مقابل تخفيض جوهري في القوات المدرعة المصرية، ففي 26 تشرين الثاني 1973عرض بارليف رئيس الوفد الإسرائيلي بأن تنسحب إسرائيل الى شرق الممرات اذا خفضت مصر معدل مدرعاتها في سيناء الى قوة رمزية، فأظهرت مصر اهتماماً بالاقتراح لكنها اصرت على تخفيضات متبادلة للقوات، الا إن اللواء الجمسي رئيس الوفد المصري اكتشف يوم 29تشرين الثاني1973 إن بارليف تراجع عن اقتراحه الاصلي بان ينسحب الجانبان من الاراضي المحتلة خلال الحرب، وقد اغضب هذا التراجع المصريين وادى الى انهيار المحادثات، وعقب ذلك توجهت اصابع الاتهام الى كيسنجر في اجهاضه لهذه التجربة من المفاوضات المصرية-الإسرائيلية المباشرة، ويوجد قدر من الحقيقة لهذا الاتهام، وذلك لان كيسنجر احس بان المحادثات تتقدم بسرعة ولأنه قد بدأ يفكر بالجبهة السورية فتخوف من انه اذا ما توصلت مصر وإسرائيل الى اتفاق لفض الاشتباك قبل مؤتمر جنيف المزمع عقده لمناقشة الازمة فان الأسد سوف يتشبث بالشيء نفسه وقد يؤدي ذلك الى تأجيل غير مسمى لانعقاد مؤتمر جنيف الذي يسعى كيسنجر لعقده، وأراد إن يظهر اشتراك الولايات المتحدة اشتراكاً ضرورياً للتقدم الدبلوماسي في جنيف، ويبدو إن كيسنجر تخوف من أن يتم الاتفاق المصري -الإسرائيلي دون وساطة الولايات المتحدة مما يؤدي الى عدم حصول الولايات المتحدة الأمريكية على مكاسب، إذ كان الساسة الأمريكيون يأملون من نجاح التسوية بين مصر وإسرائيل مساعدهم في إقناع العرب بإعادة ضخ النفط الى الولايات المتحدة الأمريكية (كالب، 1975، ص277).

خامساً: مؤتمر جنيف 21كانون الاول 1973:‏

بعد أن تبين أن كيسنجر هو من دفع الإسرائيليين للمماطلة في محادثات علامة الكيلو ‏‏101، وان يحتفظوا بمواقعهم من فض الاشتباك لحين انعقاد مؤتمر جنيف، لكي يكمل ‏كيسنجر مخططه الدبلوماسي المرسوم، فكان انعقاد مؤتمر جنيف يكمن أساساً في البند ‏الثالث من قرار مجلس الأمن رقم (338)، وأثار وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر ‏موضـــــــوع المؤتمر لأول مرة مـــــــــع الإسرائيليين اثناء زيارته لتل ابيب فـــــــي ‏‏22 تشرين الاول 1973، وأعلن وزير الخارجية الأمريكية كيسنجر في يوم 5 كانون ‏الأول 1973م بأنه سيقوم بجولة ثانية في المنطقة فيما بين 12 – 17 كانون الأول، ‏نتيجة لفشل محادثات الكيلو 101 وتصاعد التوتر العسكري، ولإجراء مشاورات مع ‏حكومات دول المنطقة تمهيداً لعقد مؤتمر السلام، وتمهيداً لجولة كيسنجر الثانية فقد ‏طلب مقابلة السفير المصري اشرف غربال في واشنطن يوم 7 كانون الاول، الذي كان ‏يحمل رسالة من الرئيس السادات إلى الإدارة الأمريكية، وأكد خلال الاجتماع أن مصر ‏مهتمة بأن يعقد مؤتمر السلام، ولكنها تصر على أن لا يطول انعقاد المؤتمر وأن يحقق ‏أهدافه سريعاً (كوانت، 1979، ص191‏)، لأن إسرائيل سقطت في أول اختبار برفضها التفاوض بنية حسنة في ‏المحادثات العسكرية التي جرت عند علامة الكيلو 101في اليوم نفسه بحث وزير ‏الخارجية الأمريكي مع وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان فكرة فصل القوات على ‏مراحل، على أن تناقش وتبحث على قواعد عسكرية أكثر من السياسية، وناقش مسألة ‏الرفض الإسرائيلي لحضور المؤتمر، وبالمقابل قدم دايان قائمة مطولة بطلبات التسليح ‏، وقد أوضح كيسنجر بأن الولايات المتحدة ستقوم بدراسة تفصيلية لطلبات التسليح، ‏ورد دايان بأن مسألة فض الاشتباك لا تحتاج الانتظار حتى الانتخابات الإسرائيلية، ‏واقترح بأن تكون خطة فض الاشتباك على أساس انسحاب إسرائيل إلى السويس، إلاَّ ‏أن كيسنجر حث الإسرائيليين مرة أخرى على عدم التحرك بسرعة كبيرة في ‏المفاوضات، إذ يجب أن لا تبدو إسرائيل ضعيفة، وان الولايات المتحدة غير قادرة ‏على الضغط على إسرائيل، لكي لا يرفع العرب سقف مطالبهم (كوانت، 1979، ص312‏).‏

‏ من جهة ثانية أعلن كيسنجر يوم 8 كانون الأول / ديسمبر 1973م وهو في ‏طريقه لحضور إجتماعات حلف شمال الأطلسي سيزور الجزائر، مصر، السعودية، ‏سوريا وإسرائيل، وفي الوقت نفسه كان يمهد لعقد مؤتمر السلام في جنيف تحت ‏الرئاسة المشتركة لكل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي، وحق الإشراف للأمم ‏المتحدة على المؤتمر، وإستخدام مقرها والرئاسة الشرفية للأمين العام للأمم المتحدة، ‏ودعوة الدول المتحاربة فحسب من دون غيرها من الدول العربية للإشتراك فيه وهذه ‏الدول هي مصر، سوريا، الأردن وإسرائيل (فؤاد، 1976، ص‏266).

وفي يوم 12 كانون الاول / ديسمبر بدأ وزير الخارجية الأمريكي رحلته للمنطقة ‏لإزالة العقبات التي تعترض عقد مؤتمر جنيف التي كانت تتمثل في تحديد المعنى ‏المقصود بالرعاية المناسبة والإشراف، إذ كان العرب يصرون على انعقاد المؤتمر ‏تحت رعاية الأمم المتحدة، وطلب مصر ترك الباب مفتوحاً لإشراك الفلسطينيين، ‏والجهة المعنية بإرسال الدعوة من الأمم المتحدة أم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ‏فضلاً عن تمسك إسرائيل بالحصول على قائمة الأسرى الموجودين لدى سوريا قبل ‏انعقاد المؤتمر وصل كيسنجر إلى القاهرة اجتمع مع الرئيس السادات يوم 13 -14 ‏كانون الأول، وقد دارت المحادثات حول طلب السادات انسحاب إسرائيل إلى خطوط ‏‏22 تشرين الاول / اكتوبر، وإلاَّ سيقوم بتصفية الثغرة عسكرياً بعد أن كان هناك (‏‏800) دبابة مصرية تحيط بـ (400) دبابة إسرائيلية، فرد عليه كيسنجر بأن وزارة ‏الدفاع الأمريكية ستضربك بكل قوة، وكما بدأنا عملية السلام، نعمل فض اشتباك ننهي ‏الثغرة بمقتضاها سلميا، ودارت المحادثات حول التحضير لمؤتمر جنيف، وإجراء ‏محادثات أولية حول فض الاشتباك، وجدد الرئيس السادات باستمرار التعاون مع ‏الولايات المتحدة، ومحاولة الحد من النفوذ الشيوعي عن المنطقة والابتعاد عن الاتحاد ‏السوفيتي، وكل ذلك مقابل التنفيذ السريع للقرار (242)، إلاَّ أن كيسنجر لم يكن من ‏أهدافه أن يؤدي مؤتمر جنيف إلى نتائج جوهرية، وأراد أن تكون مهمة فض الاشتباك ‏خارج نطاق المؤتمر، فضلاً عن أن انعقاد المؤتمر لم يكن إلاَّ وسيلة لإقناع الدول ‏العربية بجدية دبلوماسية الولايات المتحدة في عملية السلام (اللهيبي، 2016، ‏ص171).‏

في اليوم التالي 14 كانون الاول وافق الرئيس السادات على اقتراح كيسنجر ‏القاضي بأن تكون المهمة الأولى لمؤتمر جنيف تحقيق فض الاشتباك، وكان حصول ‏كيسنجر على تنازلات إضافية من قبل الرئيس السادات سببه ضعف الموقف التفاوضي ‏للسادات، بسبب بقاء تموين الجيش الثالث بيد إسرائيل وهي الورقة التي استغلها ‏كيسنجر، وحصل من خلالها على تعهد السادات بعدم حضور الفلسطينيين في الاجتماع ‏الأول للمؤتمر، وأن لا يثار موضوع إشراكهم خلال مفاوضات فض الاشتباك، ‏وحصل كيسنجر على تعهد السادات على رفع الحضر النفطي مع التوصل إلى اتفاقية ‏فض الاشتباك على الجبهة المصرية، واتفق على أن يكون هذا بعد الانتخابات ‏الإسرائيلية، وأقنع كيسنجر الرئيس السادات بأن يكون شكل التفاوض بين إسرائيل ‏والدول العربية تفاوضا منفردا بين إسرائيل وكل دولة عربية على حدا، وعدم اشتراك ‏الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في لجان التفاوض بين الطرفين، في مقابل ذلك كله ‏تعهد كيسنجر للسادات بأن تلعب الولايات المتحدة دوراً فاعلاً في عملية التسوية (فؤاد، 1976، ص‏266).

وبالتالي أراد كيسنجر من خلال التفاوض المنفرد ليتسنى له تطبيق نظرياته الخاصة ‏بسياسة الخطوات، وتجزئة المشكلة الواحدة إلى مشاكل صغيرة يتم حلها خلال مدد ‏طويلة، مما يخدم إسرائيل في إطالة أمد احتلالها للأراضي العربية وقبل أن يغادر ‏كيسنجر القاهرة إلى الرياض حصل على تعهد الرئيس السادات بعدم تنفيذ قراره بإزالة ‏الثغرة عسكرياً في معركة جديدة، واستطاع كيسنجر بذلك منع مصر من الحصول على ‏نصر عسكري جديد بسلاح سوفيتي يتفوق على السلاح الأمريكي، وأبرق إلى الرئيس ‏نيكسون يبلغه نتائج محادثاته في القاهرة الذي تلقى تأييده في نفس اللحظة (اللهيبي، 2016، ‏ص173).‏

‏واصل كيسنجر رحلته فوصل الى الرياض في 14 كانون الاول 1973وبعد لقائه ‏بالملك فيصل وحصل على موافقته على ما تم الاتفاق عليه مع السادات، اما فيما ‏يخص سوريا توجه كيسنجر بعد ذلك إلى العاصمة السورية دمشق يوم 15 كانون الاول ‏‏1973م، وأثناء وصوله إلى القصر الجمهوري ولقائه بالرئيس الأسد رحب كيسنجر ‏بعصر الصداقة الجديد بين الولايات المتحدة وسورية فرد الرئيس الأسد بصلابة قائلاً: ‏‏((لا يمكن أن تكون بيننا صداقة الآن ما دمتم منحازين لإسرائيل، ولكن يمكننا العمل ‏على إزالة الخلافات))، وخلال المحادثات أكد كيسنجر إلى أن الرئيس الأسد أظهر ‏ارتياحا حول مسألة تأجيل انعقاد مؤتمر جنيف من يوم 18 إلى 21 كانون الاول / ‏‏1973م مشيرا إلى أن سوريا قد لا تذهب إلى مؤتمر السلام مالم تتعهد الإدارة الأمريكية ‏بأنها ملتزمة بأن تتضمن المفاوضات جدول واضح لانسحاب إسرائيل، وهذا ما لا ‏تستطيع الإدارة الأمريكية أن تفعله قبل بدأ المؤتمر، وعلى الرغم من أن سوريا قبلت ‏بالتدريج فكرة الحل من خلال المفاوضات مع إسرائيل، إلاَّ أنها كانت تصر دوما على ‏الشروط الإجرائية للتوصل إلى تسوية، لذا فقد قبلت بفكرة عقد مؤتمر سلام دولي ‏برعاية الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بمشاركة الأمم المتحدة بشرط أن يتم التوصل ‏إلى إتفاق لفض الاشتباك بين القوات اولا، على أن يشمل مرتفعات الجولان برمتها، ‏فأخبره كيسنجر بأنه من المستحيل إحراز اتفاقية فض الاشتباك قبل بدء المؤتمر، وانه ‏إذا كان بإمكان سوريا إعطاء بعض الأفكار السورية المحددة التي يمكن مناقشتها مع ‏الإسرائيليين، وبذل جهد كبير لعقد اتفاقية فصل القوات السورية – الإسرائيلية بحيث ‏تكون منسجمة مع تلك الاتفاقية التي يسعى إلى تحقيقها على الجبهة المصرية – ‏الإسرائيلية (اللهيبي، 2016، ‏ص173 – 174)، وسأل الرئيس الأسد على ما تم الاتفاق عليه مع الرئيس السادات فرد ‏كيسنجر، اتفقنا على مؤتمر جنيف، فأكد الأسد أنه كان في القاهرة قبل أيام قليلة وأكد ‏له الرئيس السادات أنه سيتوصل إلى اتفاق حول فصل القوات قبل أن نذهب إلى جنيف ‏، فأجاب كيسنجر لم يحدث شيء من هذا القبيل، فبين الأسد بأن مبعوث السادات ‏اشرف مروان أكد قبل ساعتين فحسب ليقول إنك والسادات قد اتفقتما، قال كيسنجر ‏حسناً لقد ناقشنا الجبهة المصرية باختصار، ولكننا لم نناقش الجبهة السورية على الإطلاق، فأوضح الرئيس الاسد بأن السادات أكد ‏اننا لن نذهب إلى مؤتمر جنيف مالم يتم الاتفاق على فصل القوات على الجبهتين، ‏وأضاف أن ما اتفقت عليه مع السادات كان من اقتراح السادات نفسه، فإن لم يتم رسم ‏خطوط فصل القوات فإن سوريا لن تذهب إلى مؤتمر جنيف، ولن تذهب مصر ايضا ‏‏.ورفض الرئيس الاسد إعطاء كيسنجر قائمة بأسماء الأسرى الإسرائيليين، وأصر أن ‏سوريا لا يمكن أن تفصل بين مسألة الأسرى الإسرائيليين، ومسألة الانسحاب ‏الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، وناقشه كيسنجر بإلحاح كبير في موضوع ‏الأسرى، وأخبره أنه سيكون من مصلحته أن يزود الإسرائيليين بقائمة، والسماح ‏بزيارات الصليب الأحمر، وتبادل الجرحى وقت افتتاح مؤتمر السلام، وإن بإمكانه أن ‏يؤجل تبادل باقي الأسرى حتى إنجاز عقد اتفاقية الفصل، ولكن الاسد لم يستجب ‏للمسألة، معتقدا أن بإمكانه الحصول على شروط أفضل من الإسرائيليين، بسبب ‏التعاطف الكبير في إسرائيل حول تلك المسألة في ظل الحملة الانتخابية، وبعد ست ‏ساعات ونصف من المحادثات مع الرئيس الاسد غادر كيسنجر دمشق من دون أن ‏يحقق أية نتيجة على الإطلاق، لإن الرئيس الأسد أصر على ضرورة مشاركة منظمة ‏التحرير الفلسطينية كطرف رئيس في المؤتمر على قدم المساواة مع بقية الأطراف ‏الأخرى، وحاول كيسنجر ثانية إقناع سوريا وعن طريق وليم بورنسيد بوفيوم السفير ‏الأمريكي في بيروت الذي قام بزيارة خاصة إلى دمشق لكنه تلقى الجواب النهائي بعدم ‏حضور أعمال مؤتمر جنيف وهذا ما حدث فعلاً فقد أصدرت سورية بياناً في 17 ‏تشرين الثاني أعلنت فيه رفضها حضور مؤتمر جنيف، وأضافت بأن اتصالاتها مع ‏كيسنجر قد اكدت لها بان المؤتمر لن يحقق الأهداف العربية بالانسحاب الإسرائيلي من ‏الأراضي العربية وصيانة حقوق الشعب الفلسطيني (الايوبي، 1975، ص95).‏

في الحقيقة لم يتمكن كيسنجر من إحداث أي نجاح في مفاوضاته مع الجانب ‏السوري، ولكنه تمكن من تحقيق ما طمح له دائما، وهو إحداث الوقيعة بين مصر ‏وسوريا من خلال الكشف عن ما توصل اليه مع المصريين، من دون علم او موافقة ‏من قبل السوريين، مما سبب فتوراً في العلاقة بين الجانبين (اللهيبي، 2016، ‏ص175).‏

اما حكومة إسرائيل فقد طالبت بتأجيل المؤتمر الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في ‏‏31 كانون الاول لأنها لن تكون مستعدة داخلياً لاتخاذ قرار في شروط السلام قبل هذا ‏التاريخ، ورفضت إسرائيل كذلك الاشتراك الى جانب سورية قبل عودت اسراها من هذا ‏البلد، او على الاقل الحصول على قائمة بأسمائهم، فضلاً عن اشتراطها تقليل دور الامم ‏المتحدة الى اقصى حد، وقبل موعد مؤتمر جنيف بثلاثة أيام أبلغ كيسنجر الرئيس ‏نيكسون بضرورة التدخل لدفع الإسرائيليين للاشتراك في المؤتمر قام الرئيس نيكسون بحث إسرائيل على ضرورة الاشتراك في مؤتمر جنيف قائلا سوف لا نتفهم ‏رفض إسرائيل حضور مؤتمر جنيف وانه لن يكون بعد الآن قادراً على تبرير مساندته ‏لإسرائيل لو إنها لم ترسل ممثليها إلى جنيف فاجتمعت الحكومة الإسرائيلية وقررت ‏الموافقة على حضور مؤتمر جنيف بشرط تأجيل موعد انعقاده، وبناء على ذلك تم ‏تأجيل موعد انعقاده من 18 -21 كانون الاول / ديسمبر، وأصدر مجلس الأمن الدولي ‏قرارا بوضع مؤتمر جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة (كوانت، 1979، ص316).

وعلى الرغم من رفض سورية حضور المؤتمر فقد تم عقده في 21 تشرين الثاني ‏بحضور ممثلين عن كل من مصر والاردن وإسرائيل برئاسة كل من الاتحاد السوفيتي ‏والولايات المتحدة كرئيسين مناوبين، وكانت هناك مائدة عليها أسم سورية بقيت خالية، ‏واثناء المؤتمر تحدث وزراء خارجية الدول المشاركة وكأن كل واحد منهم يتحدث ‏بالدرجة الاولى للجماهير وراءه في وطنه وليس الى زملائه الاخرين في المؤتمر، ‏وحاول كيسنجر إن يشرح استراتيجية الخطوة خطوة بالتفصيل فأوضح إن هدف ‏المؤتمر هو السلام ولكن الحاجة العاجلة تحتم تعزيز وقف اطلاق النار بإتمام فك ‏الاشتباك بين القوات باعتبار إن ذلك هو الخطوة الضرورية على طريق تنفيذ قرار الامم ‏المتحدة رقم(242)، وبعد عقد اجتماعين عامين وأخر مغلق لخص الامين العام نتائج ‏المؤتمر بالتوصل للاتفاق في الآراء على أن يستمر المؤتمر في عمله من خلال انشاء ‏فريق عمل عسكري يناقش مشكلة فصل القوات، ويتم الاستمرار في اجتماعاته على ‏مستوى السفراء وان ينعقد على مستوى وزراء خارجية اذا تطلب الامر ذلك، فأنهى ‏المؤتمر اعماله في اليوم التالي دون أن يحقق أية نتيجة سياسية، كما انه لم يسفر الا ‏عن تشكيل لجنة عسكرية، وحتى تشكيل هذه اللجنة لم يكن يحتاج الى مثل هذه الضجة ‏الكبيرة التي افتعلتها الولايات المتحدة الأمريكية لعقد مؤتمر اطلق عليه كيسنجر اسم ‏مؤتمر السلام (عبد الغفار، 1982، ص143 – 145).

وعلى الرغم ما يبدو من عقم إيماءات جنيف فإنها لن تكون بلا مغزى، إذ كان ‏المؤتمر إيذانا بأول مرة تشترك فيها إسرائيل والدول العربية علناً في ساحة التفاوض، ‏فضلاً عن انه اظهر التعقيدات التي ستواجه أيّ تحرك نحو سلام شامل وكامل، وكانت ‏الاردن من الدول التي حضرت وهي لا تزال تتلهف لاسترداد السيطرة على الضفة ‏الغربية، واخيراً مع عدم حضور الفلسطينيين ولا السوريين واعتماد مصر المتزايد على ‏الولايات المتحدة الأمريكية فان موقف الاتحاد السوفيتي على هامش التيار السائد ‏لدبلوماسية الشرق الأوسط كان واضحاً عقب المؤتمر استمر التحرك الامريكي منذ بداية ‏‏1974 للوصول الى اتفاق فك الارتباط على الجبهة المصرية- الإسرائيلية، وبدأ ‏كيسنجر جولته الثالثة في المنطقة بعد حرب 1973 بزيارة الى مصر في 11 كانون ‏الثاني لمساعدتها وإسرائيل على تطوير المفاوضات الخاصة بفصل قواتها وفك الارتباط بينهما، وقام كيسنجر بجولات سريعة بين إسرائيل ومصر ‏ذهاباً واياباً للتوسط بفك الاشتباك ولقد ولد ذلك مصطلحاً (الرحلات المكوكية) التي يمكن ‏عدها وسيلة من الوسائل التي اتبعها كيسنجر من اجل تنشيط دبلوماسية الخطوة خطوة ‏وذلك بالتنقل السريع بين اطراف النزاع. وإثناء تلك الرحلات المكوكية قام الإسرائيليون ‏بتسليم كيسنجر خريطة لفض الاشتباك المقترح وفوضوه بعرضها على السادات الأمر ‏الذي فعله كيسنجر في اليوم التالي، في حين كان السادات قد أعلن أن الاتفاق يقضي ‏بانسحاب إسرائيل من غرب قناة السويس مع تخفيض القوات على الخطين المصري ‏والإسرائيلي ووجود منطقة منزوعة السلاح بين الخطوط المصرية-الإسرائيلية تتمركز ‏فيها الأمم المتحدة، اضف الى ذلك إن السادات وعد كيسنجر بمعاملة الولايات المتحدة ‏الامريكية مثل الدول الأوربية بالنسبة لمشكلة النفط العربي في إعادة ضخ النفط العربي ‏الى الولايات المتحدة بمجرد اتمام تنفيذ فض الاشتباك على الجبهة المصرية (تشيرجي، 1993، ص106 – 107).‏

‏ دامت المداولات اثناء وجود كيسنجر في المنطقة وقيامه بالوساطة للمدة من 11 ‏كانون الثاني الى 17 منه عندما أعلن الاتفاق المصري- الإسرائيلي بين كل من مصر ‏وإسرائيل، وتم التوقيع عند الكيلو (101) في 18 كانون الثاني بحضور قائد قوات ‏الطوارئ الدولية ونصّ الاتفاق على وقف العمليات العسكرية وانسحاب القوات ‏الإسرائيلية غربي خط الممرات ووضع القوات الدولية بين الدولتين، ونصّ ايضاً على ‏إن مصر وإسرائيل لا تعتبران هذا الاتفاق اتفاق سلام نهائي وانما يمثل الخطوة الأولى ‏نحو سلام دائم وعادل طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 وضمن إطار السلام ‏الشرق أوسطي في جنيف (فؤاد، 1976، ص‏278).

‏ وبعد إتمام فصل القوات بين كل من مصر وإسرائيل أشادت كل منهما بالدور الذي ‏لعبه كيسنجر من اجل إتمام العملية وتذليل الصعاب، فمائير رحبت بموقف الولايات ‏المتحدة الأمريكية التي انتهجت سياسة تشجيع المفاوضات بين الفرقاء لحل النزاع عن ‏طريق المحافظة الفعلية على مبدأ تقوية إسرائيل، وأضافت بأن لديها أساس للافتراض ‏بأن الولايات المتحدة ستبقى متفهمة لحاجات إسرائيل الأمنية من خلال موقف ايجابي ‏متماسك، ويبدو إن تحقيق كيسنجر اتفاق فصل القوات المصرية الإسرائيلية بسرعة ‏قياسية وبدون مطالب كبيرة يمكن اعتباره نصراً لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة ‏بشكل عام ولكيسنجر بشكل خاص وأعطاه ذلك دافع لمواصلة سعيه لإتمام فصل القوات ‏السورية- (الإسرائيلية) (تشيرجي، 1993، ص108).

وبعد النجاح الكبير على الجبهة المصرية شرع كيسنجر في محاولة الترتيب لاتفاق ‏مماثل على الجبهة السورية ولقد كان كيسنجر مقتنعاً بان مناورته الجديدة لا بد من أن ‏تتغلب على عقبات أعمق مما تطلبه فك الاشتباك المصري- الإسرائيلي، إذ كانت ‏المسائل نفسية الى حد كبير وأعوام قاسية من الكراهية بين سورية وإسرائيل بالإضافة ‏الى صغر مساحة الأرض التي سوف يحدث عليها فض الاشتباك، فضلاً عن إن الاسد ‏كان مستاءً من موقف السادات فذكر انه تعاون مع السادات بكل إخلاص وانهما دخلا ‏الحرب سوياً وكان يأمل إن يستمر هذا الموقف الموحد في الاتجاه نحو السلام وفض ‏الاشتباك، الا إن ما حدث أن السادات حضر مؤتمر جنيف واتفق على فض الاشتباك ‏على الجبهة المصرية فقط تاركاً سورية خلفه (اللهيبي، 2016، ‏ص183 – 184).

بعد أن تم فصل القوات على الجبهة المصرية اتجهت أنظار كيسنجر والسادات نحو ‏سوريا لتوقيع اتفاق مماثل لفصل القوات على الجبهة السورية، كون الاتفاق يجنب ‏السادات المصاعب التي تثيرها خطوته الانفرادية، ويدعم الجهود السياسية الأمريكية ‏في المنطقة، فسافر السادات إلى سوريا في كانون الثاني / يناير 1974، وأكد للرئيس ‏الأسد تلاحم الجبهتين السورية والمصرية وضرورة اتخاذ موقف موحد للبلدين، أما ‏كيسنجر فقد صرح بأن محادثات فصل القوات على الجبهة السورية ستبدأ قريبا ‏واستمراراً لسعي كيسنجر الدؤوب من اجل التسوية أخذه عصا الترحال الى جنيف اولاً ‏لإجراء محادثات بشأن الموضوع ثم الى الجزائر فمصر التي ناشد كيسنجر تأييدها في ‏وقت كان عليه أن يفرض على إسرائيل تقديم تنازلات فيما يخص خط فك الاشتباك، ‏وكان على السوريين الذين رفضوا ايّة قيود على القوات فيما عدا منطقة عازلة ضيقة ‏يتراجعوا بدورهم ليحاول إن يكسب اتفاقاً على خط مقبول، وبدأ كيسنجر بالعمل على ‏التوفيق بين المطالب السورية والإسرائيلية المتباعدة وبدأ بتنقلات بين دمشق وتل ابيب ‏فيما بدأت اخيراً صياغة الوثائق النهائية في 26 ايار بعد أن وافق الاسد على أن يقوم ‏كيسنجر برحلة الى دمشق لوضع حلول وسط لعدد من النقاط، وأذيع في يوم 29 ايار ‏بأن سورية وإسرائيل قد توصلتا الى اتفاق لفظ الاشتباك واخيراً تم توقيع الاتفاق على ‏فصل القوات على الجبهة السورية في صيف 1974 تحديداً يوم 31 أيار، بانسحاب ‏القوات الإسرائيلية من جميع مواقع جبل الشيخ التي احتلتها في حرب 1973 ومن مدينة ‏القنيطرة، وبعد أنجاز هذا الاتفاق اكتسبت دبلوماسية كيسنجر شهرة كبيرة ووصفت بأنها ‏أعلى قمة وصلت اليها دبلوماسيته في الشرق الأوسط (كوانت، 1979، ص3137 – 338).

‏ وتتويجاً للنصر الأمريكي في محادثات الشرق الأوسط قام الرئيس نكسون برحلة ‏الى الشرق الأوسط في وقت لم يخطر على بال احد أن من الممكن إن يقوم رئيس ‏امريكي بزيارة مدن مثل القاهرة ودمشق بعد حرب1973، إذ قام نيكسون بجولة ‏ضخمة وسريعة الى الشرق الأوسط، حيث انطلق نيكسون في حزيران من عام 1974 ‏برحلته الشهيرة الى الشرق قوبل فيها بالهتاف والتصفيق على النقيض من الإدانات المتصاعدة ضده حول فضيحة وترجيت في الولايات المتحدة، ويبدو أن الرئيس ‏الأمريكي حاول جعل الانتصار الخارجي وسيلة لتعزيز موقفه في الداخل في وقت كان ‏فيه بأمس الحاجة لانتصار خارجي يدعم قاعدته الشعبية الأخذة بالتضاؤل (هويدي، 1986، ص44 – 45).

وتحت وطأة أحداث فضيحة وترجيت ولكي يتحاشى نيكسون إجراءات ‏الكونكرس قدم نيكسون استقالته من الرئاسة وأرسل كتاب الاستقالة الى كيسنجر، وبذلك ‏تنتهي مدة حكم نيكسون التي كانت حافلة بالأحداث الخارجية، وأكثر ما يميز مدة حكمه ‏هي سيطرة وزير خارجيته كيسنجر على مقدرات السياسة الخارجية الأمريكية، إذ ‏امتازت الفترة ما بعد حرب 1973 بجهود غير مسبوقة للولايات المتحدة متمثلة ‏بشخصية وزير خارجيتها هنري كيسنجر الذي اتبع دبلوماسية خاصة به(دبلوماسية ‏الخطوة خطوة) والتي أدت الى نتائج باهرة بالإعلان عن عقد اتفاق على الجبهة ‏المصرية ثم عقبه عقد اتفاق لفض القوات على الجبهة السورية مما ادى الى تهدئة ‏المنطقة إلى حد ما طوال الفترة القادمة، وساعد على ذلك الأوضاع الداخلية في الولايات ‏المتحدة وانشغال رئيسها بفضيحة وترجيت مما أعطاه حرية اتخاذ القرارات دون ‏الرجوع الى الرئيس إلا في المسائل الضرورية إضافة الى تنقله الدائم والسريع بين ‏أطراف النزاع والدول الأخرى في المنطقة مولداً منهجاً جديد متمثلاً في الرحلات ‏المكوكية بين الدول المعنية (هويدي، 1986، ص45 ؛ اللهيبي، 2016، ‏ص171).

الخاتمة:

توصلت الدراسة إلى الاستنتاجات الآتية:

أولاً: إن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قد انطلقت من تطابق الرؤى حول المصالح القومية للطرفين من خلال منظورين، فالمنظور الأمريكي تجاه (إسرائيل) انها عمق استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط أما المنظور الإسرائيلي تجاه الولايات المتحدة يرى أنَها قوة دعم لوجودها على الساحة الدولية.

ثانياً: أهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بأمداد نفوذ (إسرائيل) في منطقة الشرق الأوسط لما له أهمية في كل الابعاد وعملت على تقديم كل وسائل الدعم إلى (إسرائيل) لذلك حاولت على ترتيب الأوضاع في المنطقة بما يتلاءم مع تحقيق مصالحها فيها.

ثالثاً: برزت خلال مدة حكم الرئيس كندي ثلاث قوى رئيسية كان لها التأثير الكبير على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وهي وكالة المخابرات المركزية والمافيا وجماعات الضغط في الكونكرس وكل هذه القوى مرتبطة مع بعضها البعض وتعد بقاء كندي في الرئاسة تهديداً لوجودها ومن المحتمل ان تكون هذه الأطراف هي التي خططت لاغتياله.

رابعاً: شهدت العلاقات الأمريكية (الإسرائيلية) في عهد الرئيس ليندون جونسون تحالفا سياسياً وعسكرياً وشاركت الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة عملية في حرب 1967 في التخطيط والتنفيذ في هذه الحرب العدوانية التي عدَّت كارثة على العرب إذ أدت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً رئيساً في إصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967.

خامساً: ومع مجيء نيكسون الى الحكم (1969-1974) ظهر بارق أمل في أن الرئيس الجديد سيكون أكثر اعتدالاً من سلفه جونسون، فقد أدان نيكسون سياسة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة ودعا الى تبني منضوراً واقعياً في السياسة الخارجية وإتباع سياسة جديدة للأمن القومي تعتمد على الإمكانات الواقعية وبالرغم من الاعتدال الظاهر في سياسة نيكسون إلا انه لم يتورع عن تأييد إسرائيل والاستمرار بتزويدها بالأسلحة، وكان هذا متزامناً مع إتباع مصر أسلوب حرب الاستنزاف عن طريق تسديد ضربات متتالية الى إسرائيل.

سادساً: كانت حرب تشرين بالنسبة لوزير الخارجية كيسنجر الأرضية المناسبة من الناحية السياسية لتطبيق نظرياته السياسية والاستراتيجية، فتمكن من إقناع مصر بسياسة الخطوات التي أدت الى التفريط بكل ما حققته دول المواجهة من إنجازات عسكرية على الأرض، كونها تقود الطرف المفاوض الى المجهول لأنها تسير به من دون خطة مرسومة، وعند تحقيق خطوة لا يمكن معرفة الخطوة التي تليها، وبهذا حقق لإسرائيل نظرية الأمن التي طالما طمحت لها من خلال تحييد مصر وإحداث الوقيعة بينها وبين باقي دول المواجهة.

سابعاً: قادت سياسة الخطوات المتتابعة الى توقيع اتفاقيات فض الاشتباك، والتي نجح كيسنجر من خلالها تقييد مصر في اتفاق لا يمكن الاستفادة من نتائجه او التراجع عنه، ويدفعها دائما الى ضرورة عقد المزيد من الاتفاقيات الجزئية الصغيرة ضمن سياسة المراحل الخطوة – خطوة، ونجح في إبعاد الاتحاد السوفيتي عن جميع مراحل التفاوض، ولم يترك له فرصة الموافقة او الرفض او تقديم أي اقتراح اثناء سير المفاوضات بإقناع السادات بأنه لا جدوى من تحالفه مع السوفييت، وإن مفتاح الحل هو بيد الولايات المتحدة.

قائمة المصادر والمراجع:

  1. Abbenhuis, Maartje. (2014). An Age of Neutrals: Great Power Politics 1815 – 1914. Cambridge: Cambridge University Press.
  2. Al-Ahbabi, Asmaa Hafez Ahmed. (2022). Internal developments in Belgium (1830 – 1865). Doctoral dissertation (unpublished), Tikrit University, College of Education for Humanities.
  3. Al-Ghazi, Ali Jabbar Khalaf Sultan. (2014). Prussia’s policy towards France (1791 – 1815). Master’s thesis (unpublished), Dhi Qar University, College of Education for Human Sciences
  4. Al-Mafarji, Asma Abdel Karim Matar. (2023). Turkish-Bulgarian relations (1923 – 1960). Doctoral dissertation (unpublished), Tikrit University, College of Education for Humanities
  5. Al-Shaheen, Ibrahim Majid. (2019). The European Peoples’ Revolutions 1848. Kuwait: Nahd Center for Studies and Publishing
  6. Barnhart, Robert K., & Steinmetz, Sol. (1987). The Barnhart Dictionary of Etymology. U.S.A.: H. W. Wilson.
  7. Bronne, Carlo. (1984). Joseph Lebeau. Bruxelles: Notre Passé.
  8. Checkland, Sydney. (2008). The Gladstones: A Family Biography 1764 – 1851. Cambridge: Cambridge University Press.
  9. Clough, Shepard B. (1930). A History of the Flemish Movement in Belgium: A Study in Nationalism. New York: Richard R. Smith.
  10. Coolsaet, Rik. (2014). België en zijn Buitenlandse Politiek 1830 – 2014. Leuven: Universiteit Gent.
  11. Delwit, Pascal. (2010). La vie Politique en Belgique de 1830 à nos jours. Bruxelles: Éditions de l’Université de Bruxelles.
  12. Discailles, Ernest. (1993). Charles Rogier, d’après des documents Inédits. Bruxelles.
  13. Feldhahn, Ulrich. (2011). Die preußischen Könige und Kaiser. German.
  14. Flassan, Gaétan de Raxis de. (1929). Histoire du Congrès de Vienne. Paris: Nabu Press.
  15. Gaurier, Dominique. (2014). Histoire du droit international. Rennes: Sciences Po Rennes.
  16. Germain, Jean. (2008). Guide des gentilés: Les Noms des habitants en Communauté Française de Belgique. Bruxelles.
  17. Goblet, Albert. (1863). D’Alviella, Des cinq grandes puissances de l’Europe dans leurs rapports politiques et militaires avec la Belgique. Bruxelles.
  18. Hoste, Mario. (1991).       Leopold I, S. Van De Weyer en het Ministerie van Buitenlandse Zaken: Een bijdrage tot de politieke en diplomatieke geschiedenis van België (1831 – 1914). Romain: Van Eenoo.
  19. https://ar.m.wikipedia.org/wiki.
  20. James, W. M. (2002). The Naval History of Great Britain: During the French Revolutionary and Napoleonic Wars. U.S.A.: Stackpole Books.
  21. Juste, Théodore. (1866). Joseph Lebeau d’après des documents inédits. Bruxelles: C. Muquardt.
  22. Kossman, Ernest Heinrich. (1978). The Low Countries 1780 – 1940, Oxford History of Modern Europe. Oxford: Clarendon Press.
  23. Lademacher, Horst. (1971) Die belgische Neutralität als Problem der europäischen Politik 1830 – 1914. Bonn: Röhrscheid.
  24. Luykx, Theo & Platel, Marc. (1985). Politieke Geschiedenis van Belgique. Anvers: Kluwer.
  25. Luykx, Theo. (1969). Politieke geschiedenis van België. Brussel: Elsevier.
  26. Lyr, R. (1930). La Belgique centenaire. Encyclopédie Nationale 1830 – 1930. Bruxelles: Les Editions Nationales.
  27. Mansour, Haider. (2023). The epic of German unification and the strategies that financed it. Kirkuk: Al-Samawat Publishing and Distribution
  28. Marichal, Carlos. (1996). Banco de San Carlos Spain in Encyclopedia of Latin American History and Culture. New York: Charles Scribner’s Sons, Vol. I.
  29. Marlin, Roger. (1957). L’opinion Franc – Comtoise Devant La Guerre de Crimée. Paris: Presses universitaires de Franche-Comté.
  30. Matikkala, Antti. (2017). Suomen Valkoisen Ruusun ja Suomen Leijonan Ritarikunnat. Helsinki: Edita.
  31. Meeus, Adrien de. (1962). History of the Belgians. Trans. G. Gordon. New York: Frederick A. Praeger.
  32. Riasanovsky, Nicholas. (1959). Nicholas I and Official Nationality in Russia 1825 – 1855. U.S.A.: University of California Press.
  33. Struys, Burno. (2001). Dit zijn de Organisatoren Van de Belgische Black Lives Matter – Betogingen. Amsterdam.
  34. Sydow, Helmut. (1979). Die Handelsbeziehungen zwischen Belgien und dem Zollverein 1830 – 1885. Köln: Böhlau.
  35. Sydow, Helmut. (1987). Die Handelsbeziehungen zwischen Belgien und dem Zollverein 1830 – 1885. Köln, P.73.
  36. The New Encyclopaedia Britannica. (1985). Chicago.
  37. The New Encyclopedia Britannica. (2003). London.
  38. The New Encyclopedia Britannica. Vol.7, P.283.
  39. Trevelyan, G. M. (1922). British History in the 19th Century. London: Penguin Books.
  40. Van, Henry. (1954). Frère – Orban de 1857 à 1896, Vol. II, 1878 – 1896. Bruxelles: La Renaissance du Livre.
  41. Wanty, Milieu & and L. De Vos. (1985). Het Effectief van de Belgische Krijgsmacht en de Militiewetgeving 1830 – 1914. Brussels.
  42. Weber, Max. (2002). The Protestant Ethic and The Spirit of Capitalism. Translated by: Peter Baehr and Gordon C Wells. London: Penguin Books.
  43. Weiss, André. (1995). La Violation de la neutralité belge et luxembourgeoise par l’Allemagne. Paris.
  44. Witte, Els. (2016). Le Royaume Perdu – Les Orangistes belges contre la Révolution (1828 – 1850). Bruxelles: Editions.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *