نوفمبر 22, 2024 11:07 م
10

أ.د.حسين عبدعلي عيسى

كلية القانون/ جامعة السليمانية

husseinissa@hotmail.com

.009647702100958

الملخص

يبيّن البحث مفهوم جريمة العنف الجنسي المرتكب ضد النساء في أثناء النزاعات المسلحة بوصفه جريمة دولية، ويوضح أشكالها المختلفة، كما يتناول بالدراسة دور المحاكم الدولية الجنائية في مواجهتها.

ويتكون البحث من مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة. يوضح المبحث الأول مفهوم العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة، وتبيّن المباحث الثلاثة الأخرى دور المحاكم الجنائية الدولية الخاصة (ليوغسلافيا ورواندا)، والمحاكم الجنائية الدولية المختلطة (لسيراليون وتيمور الشرقية)، والمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، في مواجهة العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة.

وتتضمن خاتمة البحث أبرز الاستنتاجات المتوصل إليها، وعلى رأسها: أن النظم الأساس للمحاكم الجنائية الدولية احتوت على تحديد مفهوم العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة من خلال بيان أشكاله، ولا سيما منها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، كما كان لهذه المحاكم دورها البارز في مواجهة جرائم العنف الجنسي المرتكبة ضدهن في عديد من قراراتها، بوصفها من جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب.

وانحصرت أهم التوصيات في أهمية التصدي للإفلات من العقاب عن جرائم العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة، بتعزيز آواصر التعاون الدولي الأمني والقضائي، و,العقاب عليها في التشريعات الجنائية الداخلية، مما يسهم في ردعها على الصعيد الوطني.

الكلمات المفتاحية: العنف الجنسي ضد النساء، النزاعات المسلحة، المحاكم الجنائية الدولية، المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، قرارات المحاكم الجنائية الدولية.

The role of the international criminal courts

in confronting sexual violence against women

in armed conflicts

Prof. Dr Hussein A. Issa

College of Law- University of Sulaimani

Abstract

The research shows the concept of the crime of sexual violence committed against women during armed conflicts as an international crime, clarifies its various forms, and studies the role of international criminal courts in confronting it.

It consists of an introduction, four chapters, and a conclusion. The first chapter explains the concept of sexual violence against women during armed conflicts. The other three investigations show the role of the Special International Criminal Courts (for Yugoslavia and Rwanda), the Hybrid International Criminal Courts (for Sierra Leone and East Timor), and the Permanent International Criminal Court in confronting sexual violence against women in armed conflicts.

 Most notably conclusions: the statutes of the International Criminal Courts included defining the concept of sexual violence against women in armed conflicts by clarifying its forms, especially the permanent International Criminal Court. These courts also had a prominent role in confronting the crimes of sexual violence committed against them in many of their decisions, such as genocide, crimes against humanity, or war crimes.

The most important recommendations are impunity for crimes of sexual violence against women in armed conflicts, strengthening security and judicial cooperation, and punishment in internal criminal legislation, which contributes to deterring it at the national level.

Keywords: Sexual violence against women, armed conflict, international criminal courts, permanent international criminal court, decisions of international criminal courts

المقدمة

تشكل جرائم العنف الجنسي المرتكبة ضد النساء في النزاعات المسلحة انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعلى الرغم من ارتكابها فيها على نطاق واسع، الا أن تجريمها والعقاب عنها لم يتحقق بصورة فعلية الا في العقد الأخير من القرن الماضي وذلك من خلال المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، ولاسيما ليوغسلافيا ورواندا و سيراليون وتيمور الشرقية، التي عاقبت عن عدد من أشكالها في أنظمتها الأساسية، كما وشهدت أبرز تطبيقاتها إدانة عدد من الأشخاص عنها، ومنهم رؤساء دول وقادة عسكريين ومسؤولين مدنيين كبار، وذلك بوصفها جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب. وشكلت تجربة هذه المحاكم على هذا الصعيد أساساً قانونياً لتجريم العنف الجنسي في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، وتحديد أشكاله، والعقاب عنها. وقد لعبت هذه المحكمة بدورها دوراً ريادياً في مواجهة العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة من خلال تصديها لعدد من الحالات الجسيمة التي تدخل في إطار إختصاصها القضائي.

مشكلة البحث:

لقد عملت المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة ليوغسلافيا ورواندا وسيراليون وتيمور الشرقية، كما وتعمل المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في الوقت الحاضر، على مواجهة جرائم العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة، ولها دورها المتميز في ذلك، الا أن تجربتها على هذا الصعيد، يمكن أن تكون محل دراسة من حيث أبعادها الإيجابية والسلبية، فهل حققت هذه المحاكم الحماية الدولية المنشودة للنساء أثناء النزاعات المسلحة، سواءً من حيث تجريم العنف الجنسي أم العقاب عليه؟ وهل لتجربتها، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية، دور في مواجهة هذه الجرائم وردعها على صعيد المستقبل، لاسيما وأن النزاعات المسلحة ماتزال تشهد ارتكاب هذه الجرائم؟

أهداف البحث ومنهجيته:

تنحصر أهداف البحث في تسليط الضوء على مفهوم العنف الجنسي المرتكب ضد النساء في النزاعات المسلحة بوصفه جريمة دولية، وكذلك توضيح أشكاله المختلفة. كما يتناول تجربة المحاكم الدولية الجنائية ودورها في مواجهة هذه الجريمة من خلال بيان تجريمها في نظمها الأساسية والعقاب عنها في قراراتها الصادرة.

وتستند دراسة موضوع البحث إلى عدة مناهج، وعلى رأسها: المنهج التأريخي، والمنهج الوصفي، والمنهج التحليلي.

هيكل البحث:

يتوزع البحث على مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة. يوضح المبحث الأول مفهوم العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة، وتكرس المباحث الثلاثة الأخرى لدراسة دور المحاكم الجنائية الدولية الخاصة (ليوغسلافيا ورواندا)، ومن ثم المحاكم الجنائية الدولية المختلطة (لسيراليون وتيمور الشرقية)، وأخيراً المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، في مواجهة العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة. وستتضمن خاتمة البحث أبرز ما سوف يتم التوصل إليه من استنتاجات وتوصيات.

المبحث الأول

مفهوم العنف الجنسي ضد النساء في النزاعات المسلحة

عرفت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا العنف الجنسي بكونه “كل فعل ذي طبيعة جنسية يرتكب ضد شخص في ظروف إكراه” (المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، أكايسو، موسيما). وبذلك فأن المحكمة منحت تعبير (كل فعل ذي طبيعة جنسية) تفسيراً موسعاً كونه ينطبق على الإيلاج الجنسي، كما وينطبق أيضاً على التلفظ بكلمات ذات إيحاءات جنسية. كما فسرت المحكمة تعبير (الإكراه) الوارد في تعريفها تفسيراً موسعاً أيضاً، فهو في رأيها لا يقتصر على استخدام القوة الجسمانية فحسب، بل ويعبر كذلك عن “التهديد والتخويف والابتزاز وكل أشكال الإكراه التي تستغل مشاعر الخوف أو اليأس” (المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، أكايسو، موسيما). وفي رأي المحكمة أن “العنف الجنسي لا يقتصر على الاختراق الفعلي لجسم الإنسان، إذ قد يشمل أفعالاً أخرى غير الإيلاج أو حتى التلامس الجنسي” (المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، آكايسو).

وكما يلاحظ فأن المحكمة المذكورة منحت مفهوم (العنف الجنسي) طبيعة أوسع من مفهوم (الاغتصاب)،  فهو من جهة يشتمل على الاغتصاب، كما وأنه، من جهة ثانية، ينطبق على أي فعل له طبيعة جنسية، على أن يرتكب دون رضاء المجنى عليه، ذكراً كان أم أنثى.

وعلى الرغم من أن النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة لا يتضمن تعريفاً للعنف الجنسي، الا أنه حدد عدداً من أبرز أشكاله، وترك المجال مفتوحاً لأية أشكال أخرى لم يرد ذكرها فيه، إذ أن العنف الجنسي على وفق المواد (7)، فقرة (1/ ز)، و (8) فقرة (2/ ب-22)، و (8)، فقرة (2/ هـ- 6) يتمثل في (الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة). وبذلك فأن النظام الأساس لهذه المحكمة، مقارنة بالأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، حدد إطار العنف الجنسي في القانون الدولي، من خلال بيان عدد من أشكاله، وكذلك اشترط أن تكون أشكال العنف الجنسي الخرى التي لم ترد في مواده مماثلة للاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء او الحمل القسري او التعقيم القسري من حيث درجة الخطورة التي تنطوي عليها. وبذلك فأنه ترك الباب مفتوحاً لإضافة أية أشكال أخرى للعنف الجنسي، الا أنه من جهة أخرى ترك مسألة البت في ذلك لتقدير المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بتحديد درجة خطورة (الفعل الجنسي) المرتكب. وهذا يعني أن الفعل الجنسي الذي لا يتمتع بالدرجة المطلوبة من الخطورة يكون خارج دائرة الملاحقة الجنائية من طرف هذه المحكمة، هذا على الرغم من أن أشكال العنف الجنسي بصرف النظر عن درجة خطورتها تعدّ جرائم دولية بموجب عدد من المواثيق الدولية الأخرى، ومن ذلك مثلاً عاقب النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لسيراليون في المادة الثانية، في نطاق الجرائم ضد الإنسانية، عن (الاغتصاب والاستعباد الجنسي والإكراه على البغاء والحمل القسري، وأي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي). كما عرفت منظمة الصحة العالمية العنف الجنسي بأنه “كل فعل جنسي أو محاولة للحصول على فعل جنسي، أو تعليقات أو تحرشات جنسية غير مرغوب فيها، أو أفعال مرتبطة بالإتجار أو متمركزة حول الحالة الجنسية لشخص ما بالإكراه من قبل أي شخص آخر بغض النظر عن علاقته أو قرابته بالضحية في أي موقع أو مكان بما في ذلك -وليس حصراً أو تحديداً- المنزل ومكان العمل” (منظمة الصحة العالمية، 2002، 151). ففي هذا التعريف لا تعتمد المنظمة معيار (خطورة الفعل)، كما أن مفهوم (العنف) جاء بصورتيه (المادية والمعنوية)، أي بصورتي الإكراه المادي والمعنوي أو النفسي.

إضافة إلى ذلك، تضمنت المواثيق الدولية المختلفة وأحكام المحاكم الجنائية الدولية الإشارة الى أشكال أخرى للعنف الجنسي، ومنها على سبيل المثال: الاتجار بالبشر لغرض الاستغلال الجنسي، وتشويه الأعضاء التناسلية، والاستغلال الجنسي (الحصول على خدمات جنسية مقابل الغذاء أو الحماية)، والإجهاض القسري، ومنع الحمل القسري، والاعتداء الجنسي، والزواج القسري، والتحرش الجنسي، والتجريد القسري من الثياب، والكشف القسري عن العذرية (غاجيولي، 2014، 506-507). وهذا يعني، إن المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار أيضاً هذه الانتهاكات بوصفها من الأشكال الأخرى للعنف الجنسي  ضد النساء كونها وردت في الأحكام القضائية للمحاكم الجنائية الدولية الأخرى أو المواثيق الدولية ذات الصلة.

وقد حدد النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية في المادتين (7)، و(8) جرائم العنف الجنسي بوصفها جرائم ضد الإنسانية، وكذلك بوصفها جرائم حرب، فبموجبه للمحكمة “لغرض هذا النظام الأساس، يشكل أي فعل من الأفعال التالية (جريمة ضد الإنسانية) متى أرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم: … ز- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة” (النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 7).

واستناداً إلى (المادة 8) من النظام الأساس للمحكمة عدّت جرائم العنف الجنسي، سواء أتم ارتكابها في نزاع مسلح دولي أم غير دولي ، جرائم حرب، إذ نصت على أن: “1- يكون للمحكمة اختصاص النظر فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية واسعة النطاق لهذه الجرائم”.

وبذلك فأن النظام الأساس للمحكمة يحدد على سبيل المثال عدداً من أشكال العنف الجنسي التي تعدّ بموجبه من صور الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب (العسافي، محمد، 2016، ماضي، 2018)، وهي على الوجه الآتي:

1- الاغتصاب: ينص النظام الأساس للمحكمة على هذه الجريمة على رأس جرائم العنف الجنسي لكونها من الجرائم البالغة الخطورة والواسعة الانتشار في النزاعات المسلحة، ويعدّها جريمة ضد الإنسانية في المادة (7) فقرة (1/ ز)، كما يعدّها جريمة حرب في المادة 8 فقرة (2/ ب-22).

2- الاستعباد الجنسي: وردت هذه الجريمة في المادة (7) فقرة (1/ ز) بوصفها جريمة ضد الإنسانية، وفي المادة (8) فقرة (2/ب – 22) بوصفها جريمة حرب. ومن الملاحظ بهذا الخصوص أن النظام الأساس للمحكمة يعدّ أول وثيقة دولية تنص على هذه الجريمة، وتعاقب عنها باعتبارها جريمة دولية.

3- الإكراه على البغاء: يعدّ النظام الأساس للمحكمة هذه الجريمة من ضمن الجرائم ضد الإنسانية بمقتضى المادة (7) فقرة (1/ ز)، وجريمة حرب على وفق المادة (8) فقرة (2/ ب-22). وهناك من يرى إن النظام الأساس للمحكمة قد تدارك بذلك النقص الذي شاب النظم الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، ولاسيما النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، التي لم تنص على هذه الجريمة، هذا على الرغم من ارتكاب هذه الجريمة على نطاق واسع، وخاصة في النزاع المسلح الذي شهده إقليم يوغسلافيا السابقة (زور، 2009، 199).

4- الحمل القسري: تعدّ هذه الجريمة بموجب النظام الأساس للمحكمة جريمة ضد الإنسانية في المادة (7) فقرة (1/ ز)، كما ينص عليها بوصفها جريمة حرب على وفق المادة (8) فقرة (2/ ب-22). وبيّنت المادة (7) في فقرتها (2/ و) مفهوم الحمل القسري بأنه يعني “إكراه المرأة على الحمل قسراً وعلى الولادة غير المشروعة بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان أو ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي”. ويعد الحمل القسري جريمة دولية وذلك لاستخدامه في زمن النزاعات المسلحة كوسيلة وأداة للتطهير العرقي (زور، 2009، 200)، كما ويعدّ وسيلة للقضاء على هوية جماعة أو أثنية، إذ هو وسيلة للإذلال تستخدم بإجبار النساء على الحمل القسري من رجال ينتمون الى عنصر آخر، وذلك بهدف تحقيق المعاناة النفسية على الطائفة البشرية المستهدفة من خلال ذلك (بن ناصر، 2018، 172).

5- التعقيم القسري: ينص النظام الأساس للمحكمة على هذه الجريمة بوصفها جريمة ضد الإنسانية في المادة (7) فقرة (1/ز)، وباعتبارها جريمة حرب في المادة (8) فقرة (2/ب-22).

6- جرائم العنف الجنسي الأخرى: وهي مختلف أشكال العنف الجنسي التي لم يرد ذكرها في النقاط السابقة، فالجاني يمكن أن يرتكب أية أعمال ذات طبيعة جنسية من قبيل التحرش الجنسي مثلاً باستخدام العنف بأنماطه المختلفة أو إجبار الضحايا على التعري أو غير ذلك (زور، 2009، 202).

ويلاحظ أن النظام الأساس للمحكمة لا يتضمن تعريفاً لأي من الأشكال المذكورة من العنف الجنسي، باستثناء (الحمل القسري) الذي ورد تعريفه في المادة (7) فقرة (2/ و) منه، مما يقتضي لبيان مضمون كل منها الرجوع الى لائحة (أركان الجرائم) الملحقة بالنظام الأساس للمحكمة التي اعتمدتها جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها الأولى بنيويورك خلال المدة من 3-10 أيلول 2002 (لائحة أركان الجرائم).

ويستخلص مما تقدم، إن النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، مقارنة بالمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، قد خطى خطوات واسعة الى الأمام في مجال تجريم مختلف أشكال العنف الجنسي المرتكب ضد النساء في النزاعات المسلحة كونه يجرم حلقة واسعة من الأفعال المستندة الى الجنس بوصفها جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وسواءً أتم ارتكابها في النزاعات المسلحة الدولية أم غير الدولية (بكه، 2006، 392). كما ويلاحظ أن أياً من النظم الأساس للمحاكم الجنائية الدولية، وهذا ينطبق على المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، لا يتضمن تعريفاً للعنف الجنسي، الا أن ما يحسب للأخيرة أن نظامها الأساس حدد عدد من أشكاله، وأفسح المجال لإضافة أشكال أخرى استناداً إلى معيار الخطورة المماثلة.

المبحث الثاني

دور المحاكم الجنائية الدولية الخاصة

أولاً: المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة: نتيجة تفكك الاتحاد اليوغسلافي السابق واندلاع الصراع المسلح بين مكوناته السابقة، الذي إتصف في طبيعته بعدم الإنسانية والقسوة والوحشية أصدر مجلس الأمن الدولي، استناداً الى صلاحياته بموجب الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، القرار رقم (380) في 6/10/1992 بتشكيل لجنة خبراء للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في يوغسلافيا، التي أسفرت جهودها عن الكشف عن اقتراف جرائم دولية جسيمة فيها، مثل الاغتصاب الجماعي والإبادة الجماعية والتطهير العرقي وغير ذلك من انتهاكات القانون الدولي الإنساني (القهوجي، 2001، 272، حمودة، 2006، 56).

وفي ضوء تقرير هذه اللجنة أصدر مجلس الأمن في 22/2/1993 القرار رقم (808) الذي قضى بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في إقليم يوغسلافيا منذ عام 1991، كما واعتمد نظامها الأساس بموجب قرار مجلس الأمن رقم (827) في 25/5/1993 (يوسف، 2002، 272).

وحدد النظام الأساس اختصاص المحكمة بالنظر في جرائم العنف الجنسي، ولاسيما الاغتصاب، في المادة الخامسة منه، عندما يرتكب في النزاعات المسلحة، سواء أكانت دولية أم داخلية، ويكون موجهاً ضد مجموعة من السكان المحليين، أي بوصفه جريمة ضد الإنسانية، كما نص على الإكراه على التعقيم وتشويه الأعضاء التناسلية لغرض منع المواليد داخل الجماعة بهدف إبادتها كلياً أو جزئياً (المادة الرابعة).

ويلاحظ أن النظام الأساس للمحكمة نص في المادة الخامسة منه على واحدة لا غير من جرائم العنف الجنسي، وهي الاغتصاب، في حين أنه أغفل جرائم لا تقل خطورة عنها، شهدها النزاع المسلح في يوغسلافيا، مثل جرائم الحمل القسري والاستعباد الجنسي والبغاء القسري، الا أن قضاء هذه المحكمة تدارك ذلك من خلال النظر في جرائم العنف الجنسي بوصفها من انتهاكات قوانين وأعراف الحرب، المعاقب عليها بموجب المادة  الثالثة من النظام الأساس للمحكمة.

وفيما يتعلق بجرائم العنف الجنسي فأن المحكمة الخاصة ليوغسلافيا نظرت في عديد من القضايا، ومن أبرزها قضايا (تاديك ديسكو)، و(سيليبيتشي وحازم دليتش)، و(جدرافكوموشيك) ، و(كوناراك)، و(فروندزيجا) وغيرها (المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، الأحكام). وهي قضايا تعلقت بارتكاب مختلف أشكال جرائم العنف الجنسي، وتعد جرائم ضد الإنسانية ، واشتملت على ارتكاب الاستعباد الجنسي، أو التعذيب، أو الاغتصاب طبقاً للمادة الخامسة من النظام الأساس للمحكمة (حلمي، 2009، 261).

ومن خلال تجربة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا يتبين إن نظامها الأساس قد أضاف الى قواعد القانون الدولي قواعد خاصة بجريمة الاغتصاب من خلال عدّها جريمة دولية، وتستوجب عقاباً دولياً. وعلى الرغم من اقتصار هذا النظام على النص على جريمة الاغتصاب وحدها، كما تقدم ذكره، الا أن تطبيقات المحكمة اشتملت على النظر في أشكال أخرى للعنف الجنسي، مثل البغاء أو الحمل القسري أو غيرهما. هذا إضافة إلى أن المحكمة أولت في قضائها عنايتها لبيان مفهوم الاغتصاب وأركانه، وإليها يعود الدور الكبير في تطوير مفهوم الاغتصاب في القانون الدولي والتوسع فيه مقارنة بالتشريعات الجنائية الداخلية (محمود، 2007، 127).

ثانياً: المحكمة الجنائية الدولية لرواندا: في تسعينيات القرن الماضي اندلع في رواندا النزاع المسلح على السلطة بين قبيلتي (الهوتو والتوتسي)، وشهد أرقاماً مهولة من جرائم العنف الجنسي (زور، 2009، 193)، قدرتها منظمات حقوق الإنسان الدولية عام 1996 بين (250,000) إلى (500,000) حالة اغتصاب (مراقبة حقوق الإنسان، 1996). وقد إشتد هذا النزاع وإمتد الى دول مجاورة، وراح ضحية المذابح التي حصلت ما يزيد على المليون شخص (دعيتاني، 2009، 127)، ووقعت عديد من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، ولاسيما الإبادة الجماعية، مما دفع مجلس الأمن الدولي الى إصدار القرار رقم (935) في 1 يوليو 1994 بإنشاء لجنة خبراء للتحقيق فيها. وفي ضوء التقارير التي قدمتها أصدر مجلس الأمن القرار رقم (955) في 8 نوفمبر 1994 بإنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن أعمال الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات غير الإنسانية التي أُرتكبت خلال المدة من 1 يناير 1994 ولغاية ديسمبر 1994 في رواندا (العناني، 2006، 19).

وقد خطى النظام الأساس للمحكمة خطوة إلى الأمام في مواجهة العنف الجنسي، إذ أحدث تطويراً في تجريمه والعقاب عليه، إذ تضمنت المادة الثانية منه المتعلقة بالإبادة الجماعية تجريم الإجراءات الهادفة إلى منع المواليد داخل الجماعة، كون ذلك يعدّ من قبيل التعقيم القسري، كما جرّم الاغتصاب بوصفه جريمة ضد الإنسانية في المادة الثالثة منه، عندما يرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين لأسباب قومية أو سياسية أو أثنية أو عرقية، أو دينية. وتمنح هذه المادة حماية أكبر للنساء من العنف الجنسي في أثناء النزاع المسلح الدولي أو الداخلي، بل وكذلك في أثناء (الهجوم الواسع النطاق أو المنهجي) (محمود، 2007، 130).

وعلى الرغم من أن المادة الثالثة من النظام الأساس للمحكمة نصت على العنف الموجه ضد الحياة أو الصحة أو السلامة الجسدية أو العقلية، مثل القتل والتعذيب والتشويه أو العقوبة البدنية، الا أن عدم الإشارة إلى العنف الجنسي لا يستبعد إمكانية تحققه بصورتيه المادية أو المعنوية من خلال التعذيب أو التشويه أو الآثار النفسية المترتبة عليه مثلاً.

وعاقبت المادة الرابعة من النظام الأساس للمحكمة عن الاغتصاب والإكراه على البغاء بوصفهما جريمتي حرب، بل أن هذه المادة توسعت في العقاب عن جرائم العنف الجنسي من خلال العقاب عن (أي شكل من أشكال الاعتداء على الحشمة والحياء)، مما يشمل مختلف أشكال العنف الجنسي ، ماعدا الاغتصاب والإكراه على البغاء. كما نصت هذه المادة على العقاب عن التهديد بارتكاب أي من الأفعال السابقة الذكر (النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا).

وقد أصدرت المحكمة أول أحكامها في سبتمبر 1998 ضد (جون بول كامبندا)، و(جون بول آكايسو) عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، كما أُدين الثاني منهما عن جرائم الاغتصاب بوصفها جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، استناداً إلى المواد (2)، (3)، (4) من النظام الأساس للمحكمة (المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، الأحكام).

وتعدّ قضية (جون بول آكاسيو) أولى القضايا التي يدان فيها متهم بارتكاب الاغتصاب والعنف الجنسي بوصفهما إبادة جماعية، كما توسعت المحكمة في الحكم الصادر بحقه في تحديد مفهوم الاغتصاب، بوصفه تعدياً مادياً يتصف بطبيعة جنسية، كما عدّت الاغتصاب أحد الأفعال التي تقترف من خلالها جريمة التعذيب (محمود، 2007، 166-167).

وإضافة إلى ذلك، أدان هذا الحكم (التعري القسري)، إذ حكمت المحكمة بإدانة التعري بوصفه إساءة جنسية تتمثل في إجبار المرأة  على التعري، وذلك على أساس أنه يندرج ضمن (الأفعال اللاإنسانية الأخرى) باعتباره جريمة ضد الإنسانية، المنصوص عليها في المادة الثالثة من النظام الأساس للمحكمة، وعدّته جريمة حرب بحسب المادة الرابعة منه، أو جريمة إبادة جماعية بموجب المادة الثانية منه (محمود، 2007، 186).

وقد صدرت عن هذه المحكمة عدة أحكام أخرى أدانت فيها العنف الجنسي وعاقبت عنه، مثل الأحكام الصادرة ضد (كميون كابيشما) و(أوباروزنيدانا) و(الفرد موسما)، و(بولين نيراموسوهوكوا)، و(شالوم نتاهوبالي)، (نغيرا بتواري)، عن جرائم الاغتصاب بوصفها جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية (المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، الأحكام).

وكما تقدم، فأن هذه المحكمة توسعت في تحديد مفهوم العنف الجنسي، سواءً في نظامها الأساس أم في قضائها، مضيفة إليه أشكالاً أخرى، مقارنة بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا،هذا إضافة إلى قيامها بتدقيق مفهوم الاغتصاب بوصفه الشكل الأبرز للعنف الجنسي الممارس ضد النساء في أثناء النزاعات المسلحة. كما أن الاغتصاب حسب أحكام هذه المحكمة كيّف بوصفه إبادة جماعية أو جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب ارتباطاً بتحقق أركان هذه الجرائم.

وعلى الرغم من أن النظام الأساس لهذه المحكمة لم يحدد الانتهاكات الأخرى التي تشكل أشكالاً للعنف الجنسي، مثلما حدد جريمة الاغتصاب في (المادة 5) في نطاق الجرائم ضد الإنسانية، الا أن إجراءات المحكمة ساهمت في توسيع الاهتمام الدولي بالعنف الجنسي الممارس ضد المرأة وبصورة أكثر شمولية من مجرد الإشارة فقط إلى الاغتصاب (الجرباوي، خليل، 2008، 37-38).

المبحث الثالث

دور المحاكم الجنائية الدولية المختلطة

أولاً: المحكمة الجنائية الدولية المختلطة لسيراليون: شبّ النزاع المسلح في جمهورية سيراليون عام 1991، وتعرض السكان المدنيون فيها الى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، اشتملت على إرهابهم وإتلاف ممتلكاتهم وتجنيد الأطفال والتعذيب، وذلك من طرف الأطراف المسلحة المتصارعة، وكذلك قوات حفظ السلام الدولية، وقد تميز هذا الصراع بارتكاب جرائم العنف الجنسي الوحشية ضد النساء على نطاق واسع وبشكل منظم (عبد الظاهر، 2012، 117، طعيمان، 2010، 142). وبحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة بلغ عدد النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب في خلال هذا النزاع وفي المرحلة من 1991 ولغاية 2010 حوالى (60,000) إمرأة (منظمة الأمم المتحدة، 2014).

وتناولت منظمة (مراقبة حقوق الإنسان) في تقاريرها جرائم العنف الجنسي التي مارستها القوات المتمردة والقوات الحكومية على حد سواء، وكذلك قوات حفظ السلام الدولية، كما استعرض التقرير أشكال العنف الجنسي الممارس ضد آلاف النساء، من جميع الأعمار، وضد مختلف الفئات الاجتماعية، ومن ذلك الاغتصاب الفردي والجماعي، والاغتصاب بواسطة الأدوات، مع بيان وحشية جرائم العنف المقترفة التي سعى مرتكبوها الى تقويض القيم الثقافية وقطع عرى العلاقات الاجتماعية بصورة متعمدة، إضافة الى تعرض النساء والفتيات للاسترقاق الجنسي من خلال اختطافهن وممارسة العنف الجنسي ضدهن والإجبار على أداء الأعمال المنزلية والعمل في المزارع والخدمة في المراسلات العسكرية (مراقبة حقوق الإنسان، 2003).

ونتيجة لذلك أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (1315) في 14/10/2000 بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون، وذلك لغرض الكشف عن هذه الجرائم الوحشية ومعاقبة مرتكبيها، وعلى إثر ذلك تم التوقيع مع حكومتها على الإتفاق الخاص بإنشاء المحكمة ونظامها الأساس في 16/1/2002 (بن ناصر، 2018، 145).

وقد عاقبت المادة الثانية في الفقرة (ز) من نظامها الأساس عن جرائم العنف الجنسي بوصفها جرائم ضد الإنسانية، بنصها على أن للمحكمة الخاصة سلطة محاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم الاغتصاب والاسترقاق الجنسي والإكراه على البغاء والحمل القسري، وأي شكل من أشكال العنف الجنسي. وبذلك توسع النظام الأساس لهذه المحكمة، مقارنة بالنظامين الأساسيين لمحكمتي يوغسلافيا ورواندا، في تحديد مفهوم جرائم العنف الجنسي وتعداد أشكالها.

وعاقب النظام الأساس للمحكمة عن عدد من جرائم العنف الجنسي بوصفها جرائم حرب، فبموجبه تكون للمحكمة الخاصة سلطة محاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة للمادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنييف المبرمة في 12 أغسطس 1949 لحماية ضحايا الحروب، وانتهاكات بروتوكولها الإضافي الثاني المبرم في 8 يونيو 1977، التي بضمنها الاعتداء على الكرامة الشخصية، ولاسيما المعاملة المذلة أو المهينة أو الاغتصاب أو الإكراه على البغاء، أو أي شكل من أشكال هتك العرض (المادة الثالثة (ه)، النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون).

ونص النظام الأساس للمحكمة على العقاب عن اختطاف أية فتاة لأغراض غير أخلاقية وتطبيق (قانون القسوة ضد الأطفال لعام 1926) النافذ في سيراليون، الذي يعاقب كذلك عن الاعتداء على الفتيات دون سن 13 سنة، والاعتداء على الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 13 و14 سنة (المادة الخامسة، النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون).

ومما تقدم ، فأن النظام الأساس للمحكمة عاقب عن جرائم العنف الجنسي، وخاصة الاغتصاب، بوصفها جرائم ضد الانسانية أو باعتبارها جرائم حرب، في حالة توافر أركانها، كما نص على العقاب عن جريمة خطف الأطفال أن كان الهدف منها تحقيق أغراض غير أخلاقية، ولاسيما وأن الخطف يمكن أن يستهدف ارتكاب جرائم العنف الجنسي بأشكالها المختلفة.

وقد باشرت المحكمة مهامها عام 2002 للنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها كبار المسؤولين والقادة في سيراليون (طعيمان، 2010، 142)، ووجه الإتهام الى (13) شخص، وكان من أبرزهم الرئيس السابق لسيراليون (تشارلز تايلور)، الذي وجهت إليه (11) تهمة لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك على وفق المادتين الثانية والثالثة من النظام الأساس للمحكمة، وبضمنها جرائم الاغتصاب والاسترقاق الجنسي، ومختلف الأفعال اللاإنسانية. وصدر الحكم في 26/4/2012 بإدانته عن هذه الجرائم، وعوقب بالسجن لمدة خمسين سنة (المحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون، تايلور).

إن المحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون تعدّ أول محكمة جنائية دولية نظرت في جرائم دولية، بضمنها جرائم العنف الجنسي ضد رئيس دولة على وجه الخصوص، هو الرئيس السابق لسيراليون (تشارلز تايلور)، وهذا يؤكد تجسيد مبدأ عدم الاعتداد بصفة الجاني في هذا النوع من الجرائم ، وعدم إمكانية إفلات الجاني من العقاب عنها بصرف النظر عن مركزه. وتعدّ هذه المحكمة هي الأولى بين المحاكم الجنائية الدولية، وفيما يتعلق بجرائم العنف الجنسي المرتكبة في النزاعات المسلحة، التي عدّت (الزواج القسري) أو (الإكراه على الزواج) فعلاً يتصف بطبيعة غير إنسانية، وشكلاً جديداً من أشكال الجرائم ضد الإنسانية، هو الاسترقاق أو الاستعباد الجنسي (بافلوف، 2016، 209).

ثانياً: المحكمة المختلطة لتيمور الشرقية: نظمت منظمة الأمم المتحدة في 30 أغسطس 1999استفتاءً في تيمور الشرقية اختار المشاركون فيه الاستقلال عن أندونسيا التي سبق لها في عام 1975 أن قامت باحتلالها، الا أن هذا أدى الى نشوب أعمال عنف واسعة ضد السكان من طرف القوات الأندونسية ومليشيات تيمور الشرقية المناهضة للاستقلال، واشتمل هذا على ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الأساسية والقانون الدولي الإنساني، مما استدعى تدخل منظمة الأمم المتحدة للتحقيق في ذلك، وتقديم مرتكبيها للقضاء (المركز الدولي للعدالة الانتقالية، تيمور الشرقية).

وفي ضوء ذلك، أصدرت الإدارة الانتقالية للأمم المتحدة، التي عينها مجلس الأمن الدولي بموجب قراره رقم (1272) في 25/3/1999 ، قراراً بإنشاء المحكمة الخاصة بتيمور الشرقية، وذلك استناداً إلى اللائحة التنظيمية رقم (2000/15) الصادرة في 6 يوليو 2000، وذلك بهدف تحميل المسؤولية الجزائية عن الانتهاكات المقترفة في تيمور الشرقية، وخاصة جرائم العنف الجنسي ضد النساء فيها (بن ناصر، 2018، 161)، التي بيّنت التقارير المتعلقة بها أنها ارتكبت من طرف القوات الاندونسية، وبأنها المسؤولة عن أعمال العنف، وخاصة جرائم العنف الجنسي عام 1999 (عبدالحميد، 2010، 234-235)، التي اشتملت على الاغتصاب والاستعباد الجنسي وجرائم العنف الجنسي الأخرى، ومن ذلك التعذيب الجنسي والإهانة الجنسية العلنية والتحرش الجنسي. وفي ضوء تقرير لجنة (الحقيقة والمصالحة) حول الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأندونسية بين عامي 1974 و1999 إحتلت جرائم الاغتصاب المرتبة الأولى بنسبة (46,1%) في نطاق جرائم العنف الجنسي المرتكبة، وتلتها جرائم الاستعباد الجنسي بنسبة (26,8%)، وجاءت بنسبة (27,1%) جرائم التحرش الجنسي وجرائم العنف الجنسي الأخرى (عبدالحميد، 2010، 235).

ومارست المحكمة المختلطة لتيمور الشرقية اختصاصها استناداً إلى اللائحة التنظيمية رقم (11/2000)، واللائحة التنظيمية رقم (15/2000) فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتعذيب والقتل والجرائم الجنسية (مرزوقي، 2014، 274). وقد اشتملت المواد (5-9) من اللائحة التنظيمية رقم (15/2000) على تعريفات لجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتعذيب، وذلك على أساس تعريفات في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، وإتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، كما اعتمدت المحكمة القانون الجنائي لتيمور الشرقية فيما يخص تعريفات جرائم القتل والجرائم الجنسية، وعدّت جرائم الاغتصاب والاستعباد الجنسي والبغاء القسري والحمل القسري من ضمن أشكال العنف الجنسي ضد النساء (بن ناصر، 2018، 155).

وقد قامت لجنة التحقيق التي شُكلت بموجب قراري مجلس الأمن الدولي رقم (1543/2004) الصادر في 14 مايو 2004، ورقم (1573/2004) الصادر في 16 نوفمبر 2004 ، بالتحقيق في الجرائم المرتكبة عام 1999، وأكدت الإتهام ضد (392) شخص، وأصدرت (284) أمر قبض، وكانت أغلبية المتهمين من القوات الأندونسية. وخلال المرحلة (2002-2005) أدانت المحكمة المختلطة لتيمور الشرقية (83) متهم لارتكاب جرائم دولية، بضمنها جرائم العنف الجنسي ضد النساء في تيمور الشرقية. وارتباطاً بانتهاء عمل المحكمة في 20 مايو 2005 بقي (339) ملفاً مفتوحاً بسبب فرار المتهمين فيها الى خارج إقليم تيمور الشرقية، وبضمنهم متهمون كبار، أمثال وزير الدفاع السابق وقائد قوات الجيش الأندونسي، مع ستة من كبار المسؤولين السابقين في حكومة تيمور الشرقية نفسها (بن ناصر، 2018، 157).

وعلى الرغم من انتهاء مهام المحكمة المختلطة لتيمور الشرقية وعدم استكمالها النظر في قضايا عديدة، الا أن لهذه المحكمة أهميتها في مواجهة العنف الجنسي المرتكب ضد النساء في أثناء النزاعات المسلحة، وخاصة جرائم الاغتصاب والاستعباد الجنسي وأشكال العنف الجنسي الأخرى، كما أن لها مساهمتها في نطاق المحاكم الجنائية الدولية، فيما يتعلق بتجريم هذه الجرائم، والعقاب عليها. هذا فضلاً عن أن محكمة تيمور الشرقية، بوصفها من المحاكم المختلطة التي تضم في تشكيلتها عناصر دولية ووطنية في آن واحد، واعتمادها التشريعات الوطنية إضافة الى المواثيق الدولية في تجريم العنف الجنسي، يمكن أن تسهم تجربتها في تجريم العنف الجنسي الممارس ضد النساء في أثناء النزاعات المسلحة في التشريعات الجنائية الوطنية، كما وتقدم تطبيقاتها المبادئ العامة اللازمة للنظر في جرائم العنف الجنسي من طرف المحاكم الجنائية الوطنية.

المبحث الرابع

دور المحكمة الجنائية الدولية الدائمة

تلعب المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) دوراً مهماً في مواجهة الجرائم الدولية، ولاسيما جرائم العنف الجنسي (الحاف، زور، 2009)، وإليها أحال عدد من الدول الأطراف في نظامها الأساس، وكذلك الدول غير الأطراف فيه، مجموعة من القضايا الخاصة بالنزاعات المسلحة التي إنطوت على ارتكاب جرائم دولية، وبضمنها خاصة جرائم العنف الجنسي، من أجل معاقبة المتهمين فيها، كما قام مجلس الأمن الدولي بذلك أيضاً، ومن أبرز هذه القضايا ما يأتي:

أولاً: حالة أوغندا: نتيجة للصراع الداخلي في شمال اوغندا إثر وصول (موسيفيني) الى سدة الحكم عام 1986 في أوغندا، ولارتكاب جرائم جسيمة من طرف (جيش الرب للمقاومة)، التي كان حصيلتها خطف أكثر من عشرين ألف طفل، سيقوا الى العبودية والتجنيد القسري، وأجبروا على الممارسات الجنسية المذلة، إضافة الى قتل أو اغتصاب حوالى عشرة آلاف مدني (المخزومي، 2008، 273، شبل، 2011، 670)، أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 20/10/2005 خمس مذكرات توقيف ضد قادة (جيش الرب للمقاومة)، بوصفهم المسؤولين الرئيسين عن جرائم دولية في إقليم أوغندا، ولاسيما جرائم العنف الجنسي المرتكبة ضد النساء، وهم: جوزيف كوني، وفانسان أوتي، وأوكاتو دهياميو، ودومنيك أونجين، وراسكا لويكويا (العنبكي، 2010، 604).

وقد اشتملت صحيفة الإتهام الموجهة إليهم على عدد كبير من التهم المتعلقة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، منها: الاغتصاب، والتحريض عليه، والاستعباد الجنسي، والزواج القسري (المحكمة الجنائية الدولية، أوغندا).

ثانياً: حالة جمهورية الكونغو الديمقراطية: وقعت خلال النزاع المسلح الذي اندلع في شرق الكونغو عام 2004 بين القوات الحكومية و (التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية) المدعوم من قبل رواندا، وكذلك في النزاع المسلح في شمال الكونغو بين مختلف الفصائل المسلحة، انتهاكات كثيرة للقانون الدولي الإنساني، ولاسيما جرائم العنف الجنسي ضد النساء، الذي استخدم بوصفه (سلاح حرب) من جانب الأطراف المتنازعة، بما في ذلك الاغتصاب الفردي والجماعي للنساء، وخطفهن لتقديم الخدمات الجنسية كنوع من العبودية الجنسية، وتعرضهن لاستئصال أعضائهن الجنسية واستخدام مختلف الأدوات في اغتصابهن (نصار، 2008، 346-347). كما كانت مجموعة من المدنيين والعسكريين في قوات حفظ السلام الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة مسؤولة أيضاً عن عدد من جرائم الاغتصاب والاستغلال الجنسي للنساء والفتيات (شبل، 2011، 666-667).

ونتيجة لذلك أحالت حكومة الكونغو في مارس 2004 ، بصفتها دولة طرف في النظام الأساس للمحكمة، هذه الانتهاكات الى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها، وبعد إجرائه وجهت الإتهامات بارتكابها لعدد من الشخصيات، ومنها ما تعلق بارتكاب جرائم العنف الجنسي، بوصفها جرائم ضد الإنسانية أو كجرائم حرب، ومن هذه الشخصيات: (بوسكو نتاجاندا)، و(جارمتن كاتونغا)، لارتكابهما جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، ومنها: الاغتصاب والاستعباد الجنسي للمدنيين واغتصاب الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة. وقد أُسقطت التهم عن الثاني لعدم توفر الأدلة الكافية لإدانته (بن ناصر، 2018، 185-186).

ثالثاً: حالة جمهورية أفريقيا الوسطى: في المرحلة (27 أكتوبر 2002 – 15 مارس 2003) شهدت جمهورية أفريقيا الوسطى نزاعاً مسلحاً داخلياً بين القوات الحكومية والمتمردين بزعامة (فرانسوا بوزيزي)، وفي سياقه وقعت جرائم قتل واغتصاب للمدنيين وبأعداد كبيرة ، وتعرض عدد منهم للاغتصاب بحضور أفراد أسرهم، كما صاحبها استخدام وسائل متعددة في حالة المقاومة، بما في ذلك العنف (طعيمان، 2010، 324، شبل، 2011، 274-276).

وقد وجهت المحكمة الإتهام بارتكاب هذه الجرائم الى (جون- بيار بامبا غومبو)، بوصفها جرائم ضد الإنسانية على وفق المادة (7) فقرة (1/ ز)، وكذلك باعتبارها جرائم حرب استناداً إلى المادة (8) فقرة (2/ هـ -6)، وحكم عليه بالسجن لمدة 18 سنة (المحكمة الجنائية الدولية، بامبا).

رابعاً: حالة جمهورية كينيا: وجهت المحكمة بتأريخ 23/1/2012 إلى (فرانسيس كريمي موثرة) عدة إتهامات، وبضمنها ارتكاب عدد من جرائم العنف الجنسي، بوصفها جرائم ضد الإنسانية، وبضمنها خاصة جرائم الاغتصاب، بالاستناد إلى أحكام المادة (7) فقرة (1-ز) من النظام الأساس للمحكمة (المحكمة الجنائية الدولية، موثرة) ، كما وجهت إتهامات مماثلة إلى (أهوروميقي كينياتا)، الا أن المحكمة أوقفت في 5/12/2014 المتابعات التحقيقية والقضائية بحقه ( المحكمة الجنائية الدولية، كينياتا).

خامساً: حالة ساحل العاج: شهدت تطبيقات النظر في جرائم العنف الجنسي ضد النساء إحالة قضايا من دول لا تعد أطرافاً في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، وهذا ينطبق على ساحل العاج، التي أحالت الى المحكمة إختصاص النظر في الجرائم المرتكبة على إقليمها، وذلك حصيلة للنزاع الذي نشب بين رئيس المعارضة (آلاسان واتارا) والرئيس (لوران غباغبو) حول نتائج الانتخابات (شبل، 2011، 675).

وعرفت هذه الحالة عدداً من قضايا العنف الجنسي ضد النساء، ومن أبرزها: قضية (لوران غباغبو)، الذي أحيل الى المحكمة في 3/11/2011، ووجهت إليه إتهامات بارتكاب جرائم الاغتصاب وأفعال لها صلة بالعنف الجنسي، وذلك بوصفها جرائم ضد الإنسانية في أثناء النزاع المسلح في ساحل العاج للمدة من 16/12/2010 ولغاية 12/4/2011، وكذلك قضية (شارل بلي كودي)، الذي وجه إليه الإتهام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لاسيما الاغتصاب في المدة من 19/12/2010 ولغاية 12/4/2011 (المحكمة الجنائية الدولية، (لوران غباغبو)، ( شارل بلي كودي) ).

سادساً: حالة دارفور: أدى التعدد اللغوي والديني والأثني في السودان، إلى جانب مختلف الأسباب السياسية والاقتصادية، إلى إندلاع عدد من الأزمات فيها، ومن أبرزها أزمة إقليم دارفور (شبل، 2011، 677-678)، التي إنطوت على ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، مما أدى إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد المسؤولين عنها (دعيتاني، 2009، 496)، التي باشرت مهامها في 25/10/2004، ووجهت الإتهام الى (51) شخص، وبعضهم من الحكومة السودانية ، وآخرين من المليشيات المسلحة، والبعض الآخر من المتمردين (المخزومي، 2008، 383).

وقد تضمن التقرير المقدم في 25/1/2005 إقدام مليشيات مسلحة من قبائل (الجنجويد) المقربة من الحكومة السودانية على ارتكاب جرائم القتل والاغتصاب في إقليم دافور (العنبكي، 2010، 606، دعيتاني، 2009، 497). كما أشار تقرير (منظمة العفو الدولية) في 12/10/2004 الى أن هذه المليشيات قامت باختطاف النساء في دافور واغتصابهن بصورة جماعية وبصورة متكررة، كما تعرضت للاغتصاب فتيات لا تتجاوز أعمارهن ثماني سنوات، وجرى اختطاف النساء لاستعبادهن جنسياً (منظمة العفو الدولية، 2004).

وبناءً على تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في دارفور أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم (1593/2005) في 32 مارس 2005 بإحالة الوضع القائم في دارفور من 1 يوليو 2002 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك إنطلاقاً من سلطته بموجب الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، بوصفه إحدى الجهات التي لها بموجب النظام الأساس للمحكمة صلاحية إحالة أي حالة يشتبه فيها بارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل ضمن إختصاص المحكمة لكي يتم التحقيق فيها ومحاكمة المتهمين فيها على وفق نظامها الأساس (العنبكي، 2010، 606).

واستناداً إلى هذه الإحالة باشر الإدعاء العام للمحكمة تحقيقاته، وأصدر مذكرات قبض على عدد من الاشخاص الرئيسين المشتبه في ارتكابهم لجرائم دولية، ومنها جرائم العنف الجنسي في إقليم دارفور، ومن أبرزهم: أحمد محمد هارون، وعلي محمد علي عبدالرحمن، عبدالرحيم محمد حسين، والرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير (شبل، 2011، 693).

والملاحظ أن كلاً من (أحمد محمد هارون)، و (عبدالرحيم محمد حسين) كانا يشغلان موقعين حكوميين في الحكومة السودانية، في حين أن (علي محمد علي عبدالرحمن) هو من قادة مليشيات (الجنجويد). أما بالنسبة لتوجيه الإتهام الى الرئيس السوداني آنذاك فكان يعد أول سابقة يتم فيها توجيه الإتهام لرئيس دولة في أثناء أداء مهامه للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

أما الإتهامات الموجهة إليهم فهي تخص ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مثل جرائم الاغتصاب ضد النساء في إقليم دارفور على وفق المادة (7) فقرة (1-ز)، وكذلك جرائم الإبادة الجماعية بموجب المادة (6) فقرة (ب) وجرائم الحرب طبقاً للمادة (8) من النظام الأساس للمحكمة (المحكمة الجنائية الدولية، دافور).

ومما تقدم يستخلص إن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة تضطلع في الوقت الراهن بالدور الأبرز في مواجهة جرائم العنف الجنسي، من خلال تجريمها هذه الجرائم في نظامها الأساس، والعقاب عنها، مما يشكل عاملاً مهماً في ردعها على صعيد المستقبل، كما يمكن للمشرع الوطني الاستعانة بتجربتها في تجريم جرائم العنف الجنسي، ويمكن للمحاكم الجنائية الوطنية الاعتماد على تطبيقاتها لدى النظر في قضايا العنف الجنسي على الصعيد الداخلي.

الخاتمة

تتمثل أهم الاستنتاجات والتوصيات المتوصل إليها فيما يأتي:

أولاً: الاستنتاجات:

  1. على الرغم من خطورة العنف الجنسي، وتجريم عدد من صوره في النظم الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية، الا أنها لا تتضمن تعريفاً له، كما أنها لا تحدد أشكاله كافة، ومن ثم فأن مما يحسب للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة أن نظامها الأساس احتوى على تحديد أبرز أشكاله، كما أجاز إضافة أشكال أخرى بالاستناد إلى معيار (خطورة الفعل).
  2. توسعت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا في تفسير العنف الجنسي، إذ عاقبت عنه بوصفه من انتهاكات قوانين وأعراف الحرب على وفق المادة الثالثة من نظامها الأساس. كما أنها توسعت في بيان مفهوم الاغتصاب، وأضافت الى جانبه أشكالاً أخرى للعنف الجنسي مثل البغاء القسري والحمل القسري وغيرهما.
  3. توسعت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة لرواندا في تحديد مفهوم العنف الجنسي كونها، مقارنة بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا، أضافت أشكالاً أخرى له ، مثل التعري القسري، كما أنها تعدّ أول محكمة جنائية دولية تصدر حكماً بالإدانة عن جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي بوصفهما إبادة جماعية، وعدّت الاغتصاب أحد الأفعال التي ترتكب من خلالها جريمة التعذيب.
  4. عاقب النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون عن جرائم العنف الجنسي بوصفها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وهي تعدّ أول محكمة جنائية دولية تدين رئيس دولة، هو الرئيس السابق لسيراليون (تشارلز تايلور)، عن ارتكاب جرائم دولية، بضمنها جرائم العنف الجنسي، وهي الأولى ضمن المحاكم الجنائية الدولية التي عدّت (الزواج القسري) من أشكال العنف الجنسي، ومن ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
  5. عدّت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة لتيمور الشرقية جرائم الاغتصاب والاستعباد الجنسي والبغاء القسري والحمل القسري من ضمن أشكال العنف الجنسي ضد النساء، وبوصفها من المحاكم المختلطة، ولاعتمادها التشريعات الجنائية الداخلية الى جانب المواثيق الدولية في قضائها، فأن تجربتها تتصف بأهميتها بالنسبة لتجريم العنف الجنسي في التشريعات الجنائية الوطنية، كما تكتسب تطبيقاتها أهمية خاصة بالنسبة للمحاكم الوطنية.
  6. للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة الدور الأبرز في الوقت الراهن في مواجهة العنف الجنسي ضد النساء المرتكب في أثناء النزاعات المسلحة، سواء من خلال تجريم أهم أشكاله، أم العقاب عليها، وتشهد الحالات المحالة إليها على تعويل الدول الأطراف عليها في مواجهة هذه الجرائم، كما تدل تطبيقاتها على أهمية قضائها في ردعها في المستقبل، لاسيما انه اشتمل على توجيه الاتهام الى المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم بصرف النظر عن مركزهم وإدانتهم.

ثانياً: التوصيات:

  1. إن الأخذ بمعيار (خطورة الفعل) في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة في تحديد أشكال العنف الجنسي التي لم ينص عليها يمكن أن يكون أساساً للدفع بعدم توافر أركان العنف الجنسي بحجة عدم خطورة الفعل أو أن درجة خطورته لا تتماثل مع درجة خطورة الأشكال المحددة للعنف الجنسي. لذلك تتوجب مراجعة النظام الأساس للمحكمة بهذا الخصوص، إذ أن المساس بالحصانة الجنسية للنساء في النزاعات المسلحة، بصرف النظر عن أشكاله، ودرجة خطورته، يتوجب أن يكون محلاً للمساءلة الجنائية الدولية، كونه يعدّ في المقام الأول انتهاكاً لقوانين وأعراف الحرب ومواثيق حقوق الإنسان.
  2. إن معالجة الإفلات من العقاب تعدّ من ضمن أبرز المسائل التي تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لمواجهة العنف الجنسي، لاسيما بالنسبة للمحاكم الجنائية الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، لذلك يتوجب أن تعمل الدول كافة من خلال الاستعانة بمختلف آليات التعاون الدولي (الأمني والقضائي) على تسليم المتهمين بارتكاب جرائم العنف الجنسي، وعدم توفير الملجأ لهم، أو اللجوء الى تدابير قضائية، من قبيل المحاكمات الوهمية لحمايتهم، أو إصدار قرارات العفو عنهم.
  3. من الأهمية بمكان تجريم العنف الجنسي في التشريعات الجنائية الوطنية، وبخاصة الذي يرتكب في أثناء النزاعات المسلحة، وتحديد مفهومه وبيان أشكاله المختلفة، كون ذلك يسهم في تحقيق ردعه على الصعيد الداخلي، ويعمل على تلافي حالات الإفلات من القضاء أمام المحاكم الجنائية الوطنية.

قائمة المصادر

أولاً: الكتب:

  1. بكه سوسن تمر خان ، الجرائم ضد الإنسانية، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2006.
  2. الجرباوي علي ، خليل عاصم ، النزاعات المسلحة وأمن المرأة، مؤسسة الناشر للدعاية والنشر، فلسطين، 2008.
  3. حلمي نبيل أحمد ، جريمة إبادة الجنس البشري في القانون الدولي العام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2009.
  4. حمودة منتصر سعيد ، المحكمة الجنائية الدولية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2006.
  5. دعيتاني زياد ، المحكمة الجنائية الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009.
  6. شبل بدر الدين محمد ، الحماية الدولية الجنائية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2011.
  7. طعيمان يحيى عبدالله ، جرائم الحرب في نظام المحكمة الجنائية الدولية، مكتبة خالد بن الوليد للطباعة والنشر والتوزيع، صنعاء، 2010.
  8. عبدالحميد عبدالحميد محمد ، المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010.
  9. عبدالظاهر أحمد ، دور مجلس الأمن في النظام الجنائي الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2012.
  10. العناني إبراهيم محمد ، المحكمة الجنائية الدولية، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة، 2006.
  11. العنبكي نزار ، القانون الدولي الإنساني، دار وائل للنشر، عمان، 2010.
  12. القهوجي علي عبدالقادر ، القانون الدولي الجنائي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2001.
  13. محمود محمود حجازي ، العنف الجنسي ضد المرأة في أوقات النزاعات المسلحة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007.
  14. المخزومي عمر محمود ، القانون الدولي الإنساني في ضوء المحكمة الجنائية الدولية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2008.
  15. نصار وليم نجيب جورج ، مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008.
  16. يوسف يوسف حسن ، المحاكمات الدولية المعاصرة، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2011.

ثانياً: الرسائل العلمية:

  1. بافلوف ك.أ. الخصائص القانونية الدولية للمحكمة الخاصة لسيراليون، أطروحة دكتوراه، الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، موسكو، 2016 (باللغة الروسية).
  2. بن ناصر فايزة ، العنف الجنسي ضد المرأة أثناء النزاعات المسلحة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم  السياسية، جامعة مولود معمري- تيزي وزو، 2018.
  3. زور جاسم ، الحماية الدولية للنساء أثناء النزاعات المسلحة الدولية، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق ، جامعة حلب، 2009.
  4. مرزوقي وسيلة ، مدى فاعلية آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني، أطروحة دكتوراه، جامعة الحاج لخضر، باتنة، 2014.

ثالثاً: البحوث:

  1. الحاف رضوان ، زور جاسم ، دور المحكمة الجنائية الدولية في حماية النساء من العنف الجنسي، مجلة الرافدين للحقوق، كلية الحقوق، جامعة الموصل، المجلد (11)، العدد (39)، 2009.
  2. العسافي معاذ جاسم ، محمد فاطمة جاسم، الاغتصاب وجرائم العنف الجنسي الأخرى في القانون الجنائي الدولي، مجلة جامعة تكريت للحقوق، السنة (8)، المجلد (6) ، العدد (30)، 2016.
  3. غاجيولي غلوريا ، العنف الجنسي في النزاعات المسلحة: انتهاك للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، مجلة الصليب الأحمر الدولية، العدد 96 (894)، السنة 2014.
  4. ماضي قاسم حمزة ، الحماية الدولية لضحايا العنف الجنسي في النزاعات المسلحة، مجلة العلوم الإنسانية، كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة بابل، المجلد (25)، العدد (4)، 2018.

رابعاً: وثائق المحاكم الدولية:

  1. النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، متاح على الرابط الألكتروني:

http://www.icty.org/en/documents/statute-tribunal

  • المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، الأحكام، متاح على الرابط الألكتروني:

http://www.icty.org/en/action/cases/4

  • النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا،متاح على الرابط الأبكتروني:
https://www.irmct.org/specials/ictr-remembers/docs/res955-1994_en.pdf?q=ictr-remembers/docs/res955-1994_en.pdf
  • المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، الأحكام، على الرابط الألكتروني:

http://www.unictr.unmict.org/en/cases

  • المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، المدعي العام ضد (جان بول آكايسو)، متاح على الرابط الألكتروني:

http://www.unictr.unmict.org/en/cases

  • المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ، المدعي العام ضد (ألفريد موسيما)، متاح على الرابط الألكتروني:

http://www.unictr.unmict.org/en/cases

  • النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون، متاح على الرابط الألكتروني:

http://www.rscsl.org/RSCSL-Docments.html

  • المحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون، (تشارلز تايلور)، متاح على الرابط الألكتروني:

http://www.rscsl.org/Taylor.html

  • المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، على الرابط الألكتروني:

http://www.icc-cpi.int

  1. النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/6e7ec5.htm

  1. لائحة (أركان الجرائم) الملحقة بالنظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، متاح على الرابط الألكتروني:
  2. http://hrlibrary.umn.edu/arab/iccelements.html
  3. المحكمة الجنائية الدولية، (جون- بيار بامبا غومبو)، متاح على الرابط الأكتروني:

https://www.icc-cpi.int/car/bemba/pages/alleged-crimes.aspx

  1. المحكمة الجنائية الدولية، (فرانسيس كريمي موثرة)، متاح على الرابط الألكتروني:

https://trialinternational.org/latest-post/francis-kirimi-muthaura/

  1. المحكمة الجنائية الدولية، (كينياتا)، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.icc-cpi.int/CaseInformationSheets/KenyattaEng.pdf

  1. المحكمة الجنائية الدولية، (لوران غباغبو) و( شارل بلي كودي )، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.icc-cpi.int/Pages/item.aspx?name=pr1106

  1. المحكمة الجنائية الدولية، قضية دافور، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.icc-cpi.int/darfur

خامساً: تقارير المنظمات الدولية:

  1. منظمة الصحة العالمية ، التقرير العالمي حول العنف والصحة ، 2002، ص 151، متاح على الرابط الألكتروني:

https://apps.who.int/iris/handle/10665/119677

  • تقرير منظمة (مراقبة حقوق الإنسان) ، العنف الجنسي أثناء الابادة الجماعية في رواندا وما بعدها (باللغة الإنكليزية)، 1996، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.hrw.org/legacy/reports/1996/Rwanda.htm

  • تقرير منظمة (مراقبة حقوق الإنسان)، سنقتلك إذا صرخت: العنف الجنسي في الصراع الدائر في سيراليون، 15/1/2003، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.hrw.org/ar/news/2003/01/15/226047

  • تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية، الخلفية- عدالة ممنوعة، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.ictj.org/ar/our-work/regions-and-countries/timor-leste

  • تقرير (منظمة العفو الدولية)، السودان: الاغتصاب الجماعي والخطف والقتل، 12 أكتوبر 2004، وثيقة رقمAFR54/125/2004 .
  • تقرير منظمة الأمم المتحدة، العنف الجنسي: أداة الحرب، مارس 2014، (باللغة الأنكليزية)،  متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.un.org/ar/preventgenocide/rwanda/backgrounders.shtml

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *