د.وداد حماد مخلف الفهداوي
جامعة الانبار/كلية التربية للبنات
werty.2000@yahoo.com
009647836444882
الملخص :
تعرضت أفغانستان الى العديد من الحروب والاضطرابات السياسية والعسكرية الداخلية والخارجية، بحكم موقعها الجغرافي بين أسيا الوسطى وشبه القارة الهندية والشرق الاوسط، إذ تشهد منذ ثمانينيات القرن الماضي حروب مختلفة الابعاد والاتجاهات، سواء كانت حروب ذات أبعاد اقتصادية أو دينية أو حروب بالوكالة مثلما فعلت الولايات المتحدة الامريكية عندما زودت المقاتلين الافغان بالأسلحة والدعم الغير مشروط خلال حربهم ضد الاتحاد السوفيتي، والتي انتهت بانسحاب السوفييت من أفغانستان، وكانت هذه الضربة القاضية التي أدت الى تفكك الاتحاد السوفيتي الى عدة دول، وهذا ما سعت اليه الولايات المتحدة الامريكية من خلال دعمها للأفغان أبان أيام الحرب، لكن منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا لم تنعم أفغانستان بالعيش الرغيد بدأً بوصول حركة طالبان إلى الحكم وخصوصاً في أواخر أيام حكمها، ومروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أٌتهمت جهات تتخذ من أفغانستان مقرأً لها، وانتهاءً بالغزو الامريكي عام (2001) وصولاً إلى الصراعات المتعددة اليوم حول هذه المنطقة الغنية بالرواسب المعدنية والموقع الجغرافي المميز.
الكلمات المفتاحية : القوى الدولية , القوى الإقليمية , أفغانستان , الاستقرار الأمني , الاستراتيجية .
The role of international powers in political instability in Afghanistan
PHD. Wedad Hammad Mukhlef
Anbar University/College of Education for Girls
Abstract:
Afghanistan has been subjected to many wars and political and military unrest, internal and external, because of its geographical location between Central Asia and the Indian subcontinent and the Middle East, where it has been experiencing wars of various dimensions and trends, whether wars of economic dimensions, religious or proxy wars as the United States did When it supplied the Taliban with weapons and unconditional support during their war against the Soviet Union, which ended with the withdrawal of the Soviets from Afghanistan, this was a fatal blow that led to the disintegration of the Soviet Union to several countries, and this is what sought to The United States through its support for the Afghans during the war, but since then to this day Afghanistan has not enjoyed a good living from the arrival of the Taliban, especially in the late days of its rule, and through the events of September 11, adopted by the parties based in Afghanistan, From the US invasion in 2001 to the many conflicts today over this region rich in mineral deposits and geographical location.
Keywords: international powers, regional powers, Afghanistan, security stability, strategy
المقدمة :
تاريخيًا، لعبت القوى الدولية دورًا هامًا في عدم الاستقرار السياسي في أفغانستان، وهذا يمكن تتبعه إلى فترة ما بعد الحرب الباردة والأحداث الهامة التي شهدتها البلاد. من المهم أن نلاحظ أن الوضع قد يكون تغير منذ تاريخ القطع في المعرفة في سبتمبر 2021. وهنا يمكن تلخيص اهم الامور الرئيسية التي اثرتفي عدم الاستقرار السياسي منها ان الاحتلال السوفيتي خلال الحرب الباردة، اجتاح أفغانستان عام 1979. حيث تشكلت مجموعات مقاومة، ، وتلقوا دعمًا من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى، مما أدى إلى تصاعد الصراع وعدم الاستقرار.
كما ان دور باكستان والمخابرات الأمريكية لعبت دورًا مهمًا في تشكيل الأحداث في أفغانستان. اذ قدمت باكستان دعمًا للمقاتلين المجاهدين ومساعدتهم في مواجهة القوات السوفيتية. كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) معنية أيضًا بتقديم دعم لهؤلاء المقاتلين. كما ان انسحاب السوفييت والحكومة الشيوعية الأفغانية من أفغانستان في عام 1989 أدى هذا الانسحاب إلى انهيار الحكومة الشيوعية الأفغانية المدعومة من السوفيت الى جانب ان الحكم الطالباني استولى على الحكم في أفغانستان في منتصف التسعينات. وتلقى النظام الطالباني الدعم من جماعات دولية وإقليمية تسببت في نشوب نزاعات داخلية وانقسامات أفغانية, كما ان هجمات سبتمبر 11 والتدخل الدولي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أدى بشكل مباشر الى عدم الاستقرار في البلاد.
يقوم هذا البحث على مبحثين، إذ يتضمن المبحث الاول الاهمية الإستراتيجية لأفغانستان أما المبحث الثاني فيتضمن الصراعات الداخلية والخارجية والاقليميةالتي سببت عدم الاستقرار في أفغانستان،والتي تمثلت بالتدخل العسكري لكل من الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الامريكية، فضلاً عن المشاكل الاقليمية والتي تمثلت في كل من باكستان، وايران، ومن ثم التطرق الى الصراع الداخلي بين حركة طالبان والقاعدة والحكومة الافغانية واختتم البحث ببعضالاستنتاجات والتوصيات والمصادر الخاصة بالبحث.
مشكلة البحث : تتمثل مشكلة البحث بالأسباب والدوافع التي اتخذتها الدول المختلفة لغزو أفغانستان عسكرياً باستخدام القوة الصلبة أو التمدد باستخدام القوة الناعمة عن طريق العلاقات السياسية والاقتصادية أو الايدولوجية الدينية التي سببت مشكلة عدم الاستقرار.
أهمية البحث : تبرز أهمية البحث في دراسة واحدة من المشكلات السياسية الكبيرة ذات العمق التاريخي البعيد والاستمرار الى الوقت الحاضر، فضلا عن أن البحث يدرس دولة تقع في وسط منطقة اقليمية ساخنة وذات أهمية دولية كبيرة.
هدف البحث : التعرف على الاسباب التي دفعت الدول المختلفة لاحتلال أفغانستان وإنفاق ميزانيات ضخمة وكبيرة تفوق قوة حجم المنافس التي هي عبارة عن دولة ضعيفة ومتخلفة وتفتقر إلى أبسط مقومات التطور.
حدود البحث : المكانية تمثلت بدولة أفغانستان التي تقع بين دوائر العرض (28,24 – 38,27 )ْ شمالاوبين خطي طول (60-74 )شرقا
فرضية البحث :هناك العديد من الاسباب التي دفعت الدول المختلفة لغزو أفغانستان عسكرياً أو طمعاً بالثروات الاقتصادية أو لموقعها الجغرافي أو لأبعاد دينية.
منهجية البحث : تم استخدام المنهج الوصفي ومنهج تحليل النظم العالمي لاستخراج نتائج البحث
المحور الاول : الأهمية الإستراتيجيةلأفغانستان
لعب الموقع الجغرافي دوراً مهماً في تاريخ كثير من الامم، إذ كان العنصر الاساسي المحدد لمصير كثير من الدول، ومن هذه الدول أفغانستان التي كان لموقعها أثراً مهماً في تاريخها السياسي، ومن خلال موقعها تعاظمت أهميتها طوال مراحل مختلفة من التاريخ كونها تقع في قلب العالم القديم الذي تحدث عنه علماء الستراتيجية عبر العصور الماضية، ونتيجة لذلك فإن الصراع حول منطقة القلب على مدى سنوات بعيدة وحتى يومنا هذه والذي كانت أفغانستان أحد مكوناته أو على مقربه منه، إذ شغلت أفغانستان منذ ما يقارب (2500 سنة) مركزاً حضارياً لكثير من الامبراطوريات القديمة(Dabbazi, 2014, 33).
1 – الموقع الجغرافي وأهميته بالنسبة لأفغانستان
تقع أفغانستان في قلب قارة أسيا، تحيط بها اليابسة من جميع الجهات، وهي بعيدة عن البحر لذلك تقع ضمن تصنيف الدول الحبيسة التي لا تمتلك منفذ مائي، يحدها من الشمال الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفياتي السابق، ومن الجنوب والشرق مناطق باكستان وبشتوستان، ويحدها من الغرب ايران، وتمتلك حدود مشتركة مع الصين وعاصمتها كابل، يبلغ طول حدودها (652221 كم) ويغلب على سطحها الطابع الجبلي ذو التضاريس المعقدة(Bader, 1998, 5). ينظر خريطة (1).
تمثل أفغانستان بوابة وسط أسيا لذلك كانت مطمعاً لكثير من الدول الاخرى لأنها منطقة الوصول الى وسط أسيا، فهي دولة تقع في العمق الغربي لقارة أسيا وهو ما ينعكس على استقلاليتها، فضلاً عن التحرك الداخلي والخارجي التي غالباً ما تتأثر بسياسات الدول المجاورة مثل ايران وباكستان والاتحاد السوفياتي، وان موقع أفغانستان أهلها لتحتل مكانة مهمة من الناحية التاريخية والجغرافية بالنسبة للدول المجاورة لها، فمن الناحية الجغرافية هي دولة حبيسة وإن أقرب منفذ مائي لها هو ميناء (كراتشي) الذي يبتعد عنها بمقدار(750 كم)، أما من الناحية التاريخية فإن الشعب الافغاني شعب صعب جداً ولا يمكن السيطرة عليه بسهولة؛ بسبب النظام القبلي الذي يرفض السلطة المركزية سواء كانت من الداخل أو الخارج (Abdel-Talib, 2009, 16) .
إن موقع أفغانستان وسط أسيا جعلها تتمتع بأهمية كبيرة، فعلى أرضها تتقاطع الاهداف والنوايا الكبرى، لذا أصبحت من المناطق الساخنة في العالم التي لم تذق طع الاستقرار منذ فترةٍ طويلة، فقد أحتلت بريطانيا أفغانستان بحجة حماية حدود الهند الشمالية الغربية من الغزو الروسي أبان القرن التاسع عشر، إذ كانت محور الصراع الستراتيجي بين بريطانيا الموجودة في الهند وروسيا القيصرية على مناطق النفوذ إذ شكلت منطقة حاجزة بين الانكليز والروس(Dabbazi, 2014, 35) .
خريطة (1) موقع أفغانستان بالنسبة للدول المجاورة لها
المصدر : ابراهيم عبد الطالب، الغزو الاجنبي لأفغانستان في القرون الثلاثة الاخيرة، ط1، دار غيداء، الاردن، 2009، ص7.
اصبح لموقع أفغانستان أهمية استراتيجية وسياسية كبيرة في الإقليم خاصة بعد عام 1979 حيث اثرت قيام الثورة الإيرانية على الديناميات الجيوبوليتيكية في المنطقة بطرق متعددة منها :
- تدفق اللاجئين:بسبب الاضطرابات والتغييرات الجذرية التي شهدتها إيران بعد الثورة، هرب العديد من الإيرانيين والأفغان إلى أفغانستان والبلدان المجاورة كلاجئين. هذا التدفق البشري أثر على البنية السكانية والاقتصادية لأفغانستان.
- التأثير الديني والثقافي:الثورة الإيرانية كان لها تأثير كبير على الدين والثقافة في المنطقة، وهذا التأثير انعكس على أفغانستان وأنحاء أخرى. تزايد التوجهات الدينية والمذهبية في المنطقة قد تسبب في تعقيد الوضع السياسي والأمني.
- العلاقات الثنائية:تطورت العلاقات بين إيران وأفغانستان بشكل متقلب بعد الثورة. تأثرت هذه العلاقات بعوامل مثل الأيديولوجيا والتدخلات والتوترات الإقليمية. قد تشمل هذه العلاقات التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني، وأحياناً التصاعد في التوترات والتصعيد.
- التنافس الإقليمي:التأثير الإيراني في المنطقة بعد الثورة، وخاصةً في القضايا الدينية والسياسية، قد أدى إلى تصاعد التنافس الإقليمي بين إيران والدول الأخرى مثل السعودية والإمارات وباكستان والهند. أفغانستان كانت واحدة من المناطق التي تعكف هذه الدول على التأثير فيها بمختلف الطرق.
- النزاعات الإقليمية:موقع أفغانستان كممر هام يربط بين إيران وجمهوريات آسيا الوسطى وجنوب آسيا. تلك المنطقة تشهد توترات وصراعات منذ عقود، وتأثرت أفغانستان بتلك النزاعات المعقدة.، إذ أصبحت أفغانستان ذاك البلد الهام في المنطقة أكثر ضعفاً من جميع البلاد المحيطة به(Rubin, 2016).
من خلال ما سبق نلاحظ أن لموقع أفغانستان الإستراتيجي أثراً كبيراً على عدم الاستقرار الداخلي وتحديد سياستها الاقليمية والدولية، إذ تعرضت العصور الزمنية السابقة والمعاصرة الى حملات هوجاء لا تزال تعاني من أثارها الى الان من قبل دول مختلفة طمعا بالسيطرة على موقعها والثروات التي تحويها.
2 – الثروات الطبيعية
كانت ولا زالت الثروات الطبيعية أحد أهم الاسباب التي اتخذتها الدول الاستعمارية للتوسع على حساب الدول الاخرى، خصوصاً بعد الثورة الصناعية التي حدثت في أوربا والتي دفعت أغلب بلدان أوربا للبحث عن مستعمرات خارجية في أسيا وأفريقيا لسد حاجتها من المواد الاولية واتخاذ هذه المستعمرات سوقا لتصريف منتجاتها.أفغانستان تمتلك مجموعة متنوعة من الثروات الطبيعية، بما في ذلك الموارد المعدنية والطاقة والموارد المائية. ومع ذلك، تم تعطيل استغلال هذه الثروات بشكل كبير بسبب النزاعات الداخلية والأمنية والتحديات الاقتصادية والسياسية
حيث تحتل موقعًا استراتيجيًا في منطقة تسمى “مثلث الغاز”، والذي يشمل أيضًا تركمانستان وإيران. هذه المنطقة تحتوي على احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي. تمتلك أفغانستان حوالي 1.4 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة, وتمتلك أفغانستان القدرة على تطوير واستغلال هذه الاحتياطيات من خلال مشروعات تطوير الغاز. مشروع “تورتكمانستان – أفغانستان – باكستان – الهند” (TAPI) يعتبر واحدًا من أبرز هذه المشروعات، حيث يهدف إلى بناء أنابيب لنقل الغاز من تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان إلى الهند. هذا المشروع يهدف إلى توفير إمدادات طاقة مستدامة للدول المشاركة وتحقيق فوائد اقتصادية لأفغانستان. الا انها تواجه التحديات المتمثلةفيالنزاعات الداخلية والتوترات الإقليمية، بالإضافة إلى الأمن الهش في البلاد، أثرت على تقدم مشروعات التطوير واستغلال الغاز. الاستقرار السياسي والأمن الوطني ضروريان لضمان استمرارية هذه المشروعات. اذ يمكن لأفغانستان أن تحقق الاكتفاء الذاتي خلال عشر سنوات إذا ما تم استغلال مواردها بالشكل الصحيح إذ تقدر الثروات المعدنية الموجودة في أفغانستان بحدود (3) ترليون دولار (Dabbazi, 2014, 35) .أعلى النموذج
ومن المظاهر التي اتخذتها الدول لغرض الكشف والتحري عن الثروة المعدنية في أفغانستان هي التعذر ببناء مشافي ميدانية أبان الغزو السوفياتي، إذ يذكر الكاتب والصحفي المصري (أحمد منصور) في كتابه (تحت وابل النيران في أفغانستان) والذي كتبه بعد زيارته لأفغانستان عام (1992) عن اكتشاف أنفاق كبيرة تحت المشافي الميدانية تحتوي على كميات كبيرة من عروق الذهب والتي اكتشفها المقاتلين الافغان بعد الانسحاب السوفياتي لكن جاءت الاوامر بردم هذه الانفاق خوفاً من الفتنة وشق صفوف المقاتلين.
إن الاهداف الخفية لغزو أفغانستان من قبل الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الامريكية هي بالأصل تعود الى الحاجة الى الثروات الهائلة الموجودة فيها والتي لم تستغل الى وقتنا الحاضر على الرغم من التذرع بحجة الارهاب وغيرها من الذرائع التي يتخذها المستعمر لاجتياح منطقة معينة.
المحور الثاني : الصراعات الخارجية والداخلية والمشكلات التي تعاني منها أفغانستان
تعاني أفغانستان من مشاكل كبيرة وكثيرة، إذ إن أهم ما يميز أفغانستان هي كثرة الدول المتداخلة في سياستها وسيادتها الداخلية والخارجية، فضلا عن اضطراب الوضع الداخلي؛ بسبب الاقتال بين حركة طالبان والحكومة الافغانية، واتخاذ تنظيم القاعدة المصنف تنظيماً ارهابياً أفغانستان مقراً له والذي اتخذته الولايات المتحدة الامريكية ذريعة للتدخل في أفغانستان بحجة محاربة الارهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كل ذلك واكثر أثر بشكل مباشر على الاستقرار السياسي الداخلي لأفغانستان. سنتطرق في هذا المبحث على أهم الصراعات والمشكلات التي واجهتها وما زالت تواجهها الى يومنا هذا :
أولاً – مشكلة التدخل السوفياتي في أفغانستان :
حتى يمكن التعرف على أبعاد القضية الافغانية بشموليتها، لابد من قراءة التاريخ لأفغانستان، ففي فترة حكم (حبيب الله) (1901 – 1919) وما بعدها وحتى الاحتلال السوفياتي لأفغانستان من عام (1979) أقاموا علاقات قوية مع الاتحاد، إذ نجد إن (أمان الله) الذي تولى الحكم في المدة ما بين عامي (1919 – 1929) والذي ادخل العديد من الاصلاحات التي تطلبت منه التوجه نحو الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقتمن أجل تحقيق طموحاته ودعم مشرعاته لتحقيق استقلال افغانستان من سيطرة انكلترا، إذ انتهت الحرب بينه وبين انكلترا بالدخول في مفاوضات نتج عنها عقد معاهدة (روالبندي) عام (1919) التي نتج عنها تحرر أفغانستان من التبعية الانكليزية والتحول رسمياً الى وصاية الاتحاد السوفياتي(Abdel Aziz, 2016)
في عام (1926) وقع البلدان (الاتحاد السوفياتي، أفغانستان) معاهدة الصداقة وعدم الاعتداء، و التزما كلا البلدين بحظر أي نوع من التدخل المسلح، سيما وإن أفغانستان ركزت على استقلال المقاطعات الحدودية الاسلامية (خيوةوبخارى)، إلا إنه لم يمض وقت طويل حتى قامت روسيا باحتلالها، الامر الذي سبب (لأمان الله) سخطاً شعبياً بسبب موقفه السلبي تجاه الاحتلال السوفياتي لهذه المناطق الاسلامية، ويتضح أن من أهم أسباب انهيار حكم (أمان الله) سماحه للتعمق السوفياتي في أفغانستان على الرغم من إصلاحاته العديدة للشعب الافغاني( Talhi, 2014, 31). أما المدة (1933 – 1973) أي الفترة التي سبقت الاحتلال السوفياتي، تميزت هذه الفترة بطول مدة الحكم فيها من قبل الملك (محمد ظاهر شاه) الذي حاول بسط نفوذه وسيطرته من أجل بناء دولة قوية لديها طموح للعب دور أقليمي في منطقة أسيا الوسطى بعيدة عن التدخل السوفياتي، نتيجة لذلك فقد انظمت أفغانستان الى عصبة الامم المتحدة عام (1934)، تلاها توقيع ميثاق (سعد أباد) في عام (1937) مع (تركيا والعراق وايران)، وهو ميثاق تعاون وصداقة جمع أربع دول اسلامية كل واحدة منها تريد أن تكون لها مكانة إقليمية في أسيا الوسطى، ( Talhi, 2014, 31 ).
أثار التدخل السوفياتي في أفغانستان عام 1979 ردود أفعال على المستوى الدولي والمتمثل بالولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية، فضلا عن المستوى الاقليمي ، وإن تقدير الموقف الذي اتخذته المؤسسة العسكرية السوفياتية في ذلك الوقت لم يكن دقيقاً بل جاء بناء على مطامع قديمة في المنطقة، اذ تطلب الخروج من أفغانستان عشر سنوات ترتب عليها فيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ كانت القوات المسلحة السوفياتية والتي بلغ قوامها (120000) جندي بمعداتهم ، كان الهدف من دخول أفغانستان حسب المؤسسة العسكرية السوفياتية التي كان لها أثراً كبيراً في قرار التدخل في أفغانستان والتي أقنعت بها القيادة السياسية وهو ان هذا التدخل سوف يوفر لهم قواعد أفغانية متقدمة خاصة في الجنوب، وان تلك القواعد سوف تؤمن لهم الوصول الى المياه الدافئة في المحيط الهندي أي إن هذا الاقتراب له أهمية استراتيجية، وكان التقدير الإستراتيجي السوفياتي من الناحية الجيوسياسية هو التمكن من المجال الحيوي للمياه الدافئة التي يبحث عنها السوفيت منذ القدم، فضلاً عن الموارد الحيوية ذات البعد العالمي المتمثلة بالنفط والغاز الموجودة في افغانستان وبكميات كبيرة كما ذكرنا سابقاً (Al-Amiri, 1992, 83-84 ).
هناك العديد من الذرائع التي اتخذها الاتحاد السوفياتي للتدخل في أفغانستان مثل حجة حماية النظام الشيوعي، وكذلك حماية الحدود الغربية للاتحاد من الصين، فضلاً عن ذرائع اخرى كثيرة دفعته الى التدخل في افغانستان، لكن ما ذكر سابقاً والذي يتمثل بالحصول على الثروات الطبيعية والتقرب من المياه الدافئة هو أهم أسباب الغزو. حيث تم انسحاب قوات الاتحاد السوفييتي من أفغانستان في عام 1989 بعد حرب استمرت لسنوات طويلة بين القوات السوفيتية والمقاتلين المجاهدين الأفغان.. تم التوصل إلى اتفاقية في مدينة جنيف بسويسرا تعرف باسم “اتفاقيات جنيف”، والتي أنهت رسميًا الدعم السوفيتي للحكومة الأفغانية وضمنت انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان. وبالوساطة مع دول عدة .( Robin ,1-2).
يعد التدخل السوفياتي في أفغانستان وانسحابه بداية مشكلة عدم الاستقرار في تلك المنطقة وما ترتب عليه من أثار سلبية على الشعب الافغاني التي لايزال يعاني منها الى وقتنا الحاضر سواء من ناحية البطالة والفقر والعوز فضلاً عن انتشار العديد من الاوبئة والامراض؛ بسبب النقص الكبير في الكادر الطبي والمستلزمات الطبية نتيجة هجرة أغلب الكفاءات الى الخارج بسبب عدم استقرار الوضع الداخلي، كذلك نتج عن الغزو السوفياتي ظهور العديد من الجماعات المسلحة، والتي اتخذتها الولايات المتحدة الامريكية فيما بعد ذريعة للتدخل في افغانستان بحجة مقاتلة الارهاب.
ثانياً – مشكلة التدخل الامريكي في أفغانستان :
كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام (2001) أحد المنعطفات التاريخية السياسة الخارجية* الامريكية، والتي انعكست هذه الاحداث على سلوكها السياسي الخارجي باتجاه المجتمع الدول بشكلٍ عام ومنطقة الشرق الاوسط بشكلٍ خاص، إذ دفعها ذلك إلى تبني استراتيجيات دفاعية ووقائية وانتهاج سياسة التدخل في العديد من دول العالم تحت ذريعة مكافحة الارهاب، وكان المدخل إلى ذلك هو نشر مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة فضلاً عن وضع قائمة سوداء للدول التي تدعي أنها حاضنة للإرهاب لتحشيد الرأي العالمي للتدخل المباشر في كل من الاعراق وأفغانستان(Al-Najjar 2012, 2 )
إن الجديد بالسياسة الخارجية الامريكية بحروب القرن الحالي اتجاه العالم برمته هو أن معيار النصر الامريكي على الارهاب محدد على أساس أن العدو يتمثل بالأصولية الاسلامية، وهذا يعني أن الدول الاسلامية برمتها معرضة للخطر، ويلاحظ على السياسة الامريكية خلال هذا القرن هو طغيان الحسابات الامنية والاستخباراتية والتدخل المباشر على الحسابات الدبلوماسية في العلاقات الدولية، وتضح ذلك جلياً في العلاقات الامريكية الافغانية، إذ كانت جمهورية أفغانستان من أول الدول التي وضعتها الولايات المتحدة الامريكية على قائمة الارهاب للقضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وهي بذلك ابتعدت كثيراً عن الصيغ الدبلوماسية لحل المشكلات أو المنازعات الدولية باستخدامها ميزان القوة على حساب الحوار، وكان نتيجة ذلك هو قيام حرب غير متكافئة بين الطرفين راح ضحيتها ألاف المدنيين دون الوصول الى الهدف المنشود وهو القضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة (Fadli, 2009, 35 ).
تجمعت عوامل كثيرة ومتفاعلة في السياسة الامريكية تجاه أفغانستان، إذ إن أفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية مصدراً لتكاثر الارهاب والمتطرفين، ويجب القضاء عليها، كذلك يضاف اليها أن للمنطقة أهمية جيوبولتيكية كبيرة بالنسبة للوبي النفطي في الادارة الامريكية، وتنحصر مكونات الصراع بين أفغانستان والولايات المتحدة الامريكية في حقيقيتين أساسيتين هما(Fadli, 2009, 36 ):
1 – الصمود القوي للأفغان تاريخياً في مواجهة الاتحاد السوفياتي.
2 – الاكتشافات النفطية التي حفزت الولايات المتحدة الامريكية للاهتمام بأفغانستان والمنطقة برمتها.
يتضح مما سبق إن التدخل في أفغانستان بحجة محاربة الارهاب لم تكن سوى ذريعة للولايات المتحدة الامريكية بحربها على أفغانستان التي راح ضحيتها الكثير من الابرياء (ينظر جدول 1)، فضلاً عن عدم استقرار الوضع الداخلي إلى يومنا هذا بحجة القضاء على القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر المبهمة، إذ إن هناك الكثير من علامات التعجب على هذه الاحداث فهل يعقل أن دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية تغيب طائراتها التي ارتطمت ببرجي التجارة العالمية عن أجوائها الداخلية لأكثر من نصف ساعة على الرغم من امتلاكها الاقمار الصناعية للتصوير الفضائي التي يمكنها من اكتشاف هذه الطائرات في أقل من لحظة، فضلاً عن أدلة اخرى كثيرة تدل على إن الولايات المتحدة الامريكية افتعلت هذه الضربة لتكون عذراً للمجتمع الدولي للتوسع الخارجي.
جدول رقم (1) الضحايا المدنيين في أفغانستان جراء الاحتلال الامريكي لأفغانستان (2007 – 2015)
المصدر : تقرير منظمة يونامي حول خسائر المدنيين في أفغانستان (2007 – 2015).
ثالثاً – مشكلة التدخل الايراني في أفغانستان :
تتذرع ايران لتدخلها في أفغانستان بعدة ذرائع وحجج ضماناً لمصالحها وحماية أمنها القومي، ومن هذه الذرائع هو التدخل بحجة حماية حدودها الغربية، فضلاً عن الحفاظ على تدفق المياه من الجانب الافغاني، مكافحة المخدرات، والتعامل مع العدد الكبير من اللاجئين الافغان المتواجدين على الاراضي الايرانية، أما أهم سبب اتخذتهإيرانللتوسع الجيوبولتيكي وتحقيق أهدافها في أفغانستان هو عن طريق الروابط الايدلوجية المتمثلة بالايدلوجية الدينية وهو وجود بعض الشيعة الافغان المرتبطون بإيران مباشرةً المعروفين باسم عشيرة الهزارة التي تعد أكبر تجمع للشيعة الافغان على الرغم من وجود قبائل اخرى مثل قيزلباش و فرسيوان فضلاً عن قبيلة السيدز( Stewart, 2014, 5 ).
بدأت إيران تلعب دورًا متزايد الأهمية في المنطقة لاسيما بعد الثورة الإسلامية 1979، من خلال دعم جماعات أفغانية، خاصةً الجماعات التي تشارك في الصراع ضد الحكومة الأفغانية المدعومة من الاتحاد السوفيتي.اذ كان بسبب الحروف السوفيتية قد فر العديد من السكان الأفغان الى ايران اذ كانت ملاذا للعديد من المعارضين الأفغان سواء من المجاهدين او المعارضين للحكومة وقدمت الدعم المادي الى جانب التأثير الذي مارسته على الجماعات المعارضة مما كان لإيران الدور الكبير في رسم الأوضاع السياسية والنهوض بالمعارضة الى تسعينات القرن الماضي ( Ahmadian, 2020 )انشات ايران حزبًا شيعيًا في أفغانستان يُعرف باسم “حزب الله أفغانستان” تأسس هذا الحزب بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وكان يهدف إلى تنظيم ودعم الشيعة في أفغانستان. وكان لدى الحزب الله الأفغانستاني ارتباطًا قويًا بالنظام الإيراني، حيث قدمت إيران الدعم المادي والعسكري والتدريب لأعضائه. تم التركيز على تنظيم الشيعة الأفغان في مناطق معينة في أفغانستان، وتوجيه جهودهم نحو مقاومة القوات السوفيتية والحكومة الأفغانية المدعومة من السوفييت.( Ahmadian, 2020 ).
ان عدم الاستقرار في أفغانستان يعني زيادة حدة التوتر في المنطقة، ويؤدي إلى زيادة المشاكل التي تتعرض لها سياسياً وعسكريا، لذلك أصبحت أفغانستان ذات أهمية كبيرة بالنسبة للدبلوماسية الايرانية، إذ أنه بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق تم تأمين الجزء الشرقي من إيران من النواحي الديموغرافية، وأصبح الشمال الشرقي المهم الاستراتيجية الجديدة لإيران، فضلاً عن زيادة التوسع الايراني في منطقة أسيا الوسطى، لكن بعد الحرب العراقية الايرانية أصبحت أفغانستان مصدراً لمشاكل مستمرة لإيران ومصدراً للكثير من القضايا السياسية والاقتصادية (Baydoun, 2014, 69).
رابعاً – مشكلة التدخل الباكستاني في أفغانستان :
بعد أستقلال باكستان عام (1947) من السيطرة البريطانية وانهاء الحكم البريطاني في شبه القارة الهندية دخلت العلاقات الباكستانية الخارجية مرحة جديدة، أذ طالبت الحكومة الافغانية من باكستان اعادة ترسيم الحدود وفق خط (دوراند) الذي أقيم من أجل تقسيم شعب البشتون إلى قسمين، إلا إن باكستان رفضت هذا الامر، وإن هذا الرفض أدى بدوره إلى قيام الحكومة الافغانية بتحريض البشتون ضد الحكومة الباكستانية للمطالبة باستقلال اقليم (بشتونستان)، الامر الذي أدى إلى حدوث فوضى كبيرة في الاقليم؛ بسبب المظاهرات التي خرجت تطالب بالانضمام إلى أفغانستان (Al-Taher, 2018, 11).
إن طول الحدود بين باكستان وأفغانستان هي المسبب الرئيسي في مشكلة عدم الاستقرار بين البلدين، ومنها قضية إقليم (بشتونستان)، إذ يمثل هذا الاقليم وحسب رأي أفغانستان جزءاً منها خسرته تدريجياً لصالح قوى خارجية، بينما تدعي باكستان إن خط (دوراند) يشكل خطاً دولياً معترف به بينها وبين أفغانستان، وإن باكستان التزمت بحدودها وفق هذا الخط بعد انسحاب بريطانيا من الهند، وتتمسك بفكرة أن هذا الخط ليس خطاً اعتباطياً وإنما يتبع حدوداً قبلية، أما أفغانستان فإنها ترى أن الاقليم يتشكل فقط من البشتون، وإن البشتون الذين يعيشون في أفغانستان سينفصلون عن إخوتهم في المناطق الاخرى، لكن باكستان لا تقبل بهذه الفكرة وتضرب أمثلة في مثل هذه المشكلة الحدودية في كثير من بلدان العالم، إذ إن هناك أفراد يتحدثون نفس اللغة لكنهم في أكثر من دولة، وهذا يعني إن أي محاولة لإعادة ترسيم الحدود بين البلدين على أساس امتداد المناطق القبلية سيؤدي إلى قيام فوضى عارمة، أما عن أعادة ترسيم الحدود على أساس اللغة فإن هذا سيؤدي إلى تفتيت أفغانستان؛ وذلك لان الشعب الافغاني يتكلم أكثر من لغة واحدة (Al-Taher, 2018, 13).
تعد مشكلة ترسيم الحدود بين أفغانستان وباكستان من أهم المشاكل التي تعاني منها أفغانستان، إذ إن الحدود رسمت من قبل الاستعمار البريطاني على شكل قنابل موقوتة حالها حال بقية الحدود بين أغلب الدول العربية والافريقية، على الرغم من إن الشعب الافغاني والباكستاني يتبعان نفس الدين إلا إن الاستعمار وضع مشكلة تسبب عدم الاستقرار بين البلدين لضمان عدم الاتفاق على المدى البعيد رغم وجود أواصر مشتركة بين الشعبين، ونتيجة لذلك فهناك مناوشات دائمة بين البلدين سواء سياسية كانت أو تدخلات عسكرية أحياناً, بسبب توتر العلاقات بين البلدين، لذلك يجب على الحكومتين الافغانية والباكستانية حل مشكلة ترسيم الحدود بينهما على الرغم من أنه أمر صعب المنال لان الاستعمار وضع هذا الخط ليسبب النزاع وعدم الاستقرار بين البلدين.
خامساً – مشكلة الصراع الداخلي بين الحكومة الافغانية وطالبان :
حركة طالبان نشأت في أوائل العقد التسعينخلال الفترة المضطربة بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان وانهيار الحكومة المدعومة منه. تأسست هذه الحركة بمشاركة عدد من العناصر الدينية والمقاتلين الذين شاركوا في الجهاد ضد القوات السوفيتية وحكومة كابول.ومن أسباب ظهور الحركة الإسلامية هو الفراغ السياسي والأمني و الفساد الإداري من قبل الحكومة الأفغانية الى جانب التأثيرالايدولوجي والديني والدعم الإقليمي الذي تلقته من دول إسلامية ( Talhi, 2014, 63 ). وصلت حركة طالبان إلى السلطة عام (1994) بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان عام (1989)، إذ سيطرت على المدن والمحافظات الرئيسية حتى أُسقط النظام عام (2001) بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإن الاعتقاد السائد لتولي طالبان السلطة يعود إلى سببين هما ( Sarafraz, 2010, 12-13 ) :
1 – يتمثل السبب الاول في نشوء طالبان بالعوامل الداخلية، إذ أنه وبعد سقوط الحكومة الشيوعية في أفغانستان، وتولي الفصائل المسلحة السلطة، أخفقت في إقامة حكومة وطنية شاملة، وإن هذا الامر أدى إلى دخول في فوضى سياسية كبيرة، أدت الى الحرب الاهلية ومن ثم إنعدام الامن والاستقرار؛ بسبب عدم توحد الكلمة وسيطرة كل فصيل على محافظة من المحافظات الافغانية، وفي هذه الاثناء ظهرت طالبان لوضع حد للفساد وإعادة الامن والاستقرار إلى البلاد.
2 – العامل الخارجي، والذي عده الخبراء العامل الاساسي في ظهور طالبان، إذ يعتقد هؤلاء أن طالبان نشأت حصيلة لسياسات مشتركة بين جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستاني (آي اس آي)، والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، إذ إن قادة جهاز (آي اس آي) في باكستان هم من البشتون القومية الاساسية التي ينتمي إليها حركة طالبان، إذ إن هذه الدول أرادت إغتنام هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان لتوسيع نفوذهم في المنطقة، ولتعزيز عمق باكستان الستراتيجي في مواجهة عدوها التقليدي (الهند)، ليصبحا شريكين لنقل السلع والبضائع من منطقة آسيا الوسطى إلى المياه الدافئة في الجنوب للحصول على أرباح كبيرة.
تمثل حركة طالبان من أهم مشاكل عدم الاستقرار في أفغانستان، إذ إنه وبعد شهرين من الهجوم على برجي التجارة العالمي في نيويورك بدأ الهجوم العسكري الامريكي البريطاني على أفغانستان، بعد ادعاء الولايات المتحدة الامريكية أن تنظيم القاعدة الذي يقوده (بن لادن) وينضوي تحت حماية طالبان كان وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ طالبت الحكومة الامريكية طالبان بتسليم (بن لادن) لكن بدورها طالبت الحركة الولايات المتحدة الامريكية بتقديم دلائل تثبت تورط (بن لادن) في هذه الاحداث، وعلى الرغم من عدم تقديم الولايات المتحدة الامريكية دلائل ووثائق تثبت هذا الفعل إلا أنها شنت هجومها العسكري الواسع النطاق على أفغانستان (Sarafraz, 2010, 195).
كانت طالبان أحد اهم الاسباب الداخلية التي أدت إلى مشكلة عدم الاستقرار السياسي منذ التدخل الامريكي وإلى الوقت الحاضر، إذ أنها اليوم في صراع مستمر مع الحكومة الافغانية، وإن هذا الصراع راح ضحيته عدد كبير من أفراد المجتمع الافغاني، فضلاً عن تدهور الحياة الاقتصادية والاجتماعية وضيق سبل العيش وارتفاع مستوى البطالة وإنخفاض مستوى التعليم؛ بسبب انخراط كثير من الشباب في صفوف هذه الحركة.
سادساً – تنظيم القاعدة :
يرى بعض الباحثين أن اصل كلمة القاعدة يعود إلى تأسيس (أبو عبيدة البنشيري) لمعسكرات تدريب الفصائل الجهادية لمقاومة الاحتلال الروسي لأفغانستان، إذ أُطلق على هذه المعسكرات اسم القاعدة، ويرى البعض الاخرى أن القاعدة تشكلت عام (1988) في اجتماع عدد من قادة تنظيم الجهاد الاسلامي المصري مع (أُسامة بن لادن)، ويشير آخرون إلى أنه في عام (2002) أصبح اسم التنظيم (قاعدة الجهاد) والذي أعلن الجهاد عام (1996) لطرد القوات والمصالح الاجنبية من الاراضي الاسلامية، إذ أصدر (بن لادن) و (أيمن الظواهري) وعدد من قيادات الجماعات الاسلامية فتوى بإعلان الحرب على الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها تحت عنوان الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبين ( (Talhi, 2014, 77.
استغلت الولايات المتحدة الامريكية هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتي اتخذتها ذريعة للتدخل في أفغانستان لصالحها، إذ إن واقع هذه الهجمات لم يكن على أمريكا فقط، بل تجاوزت حدود أمريكا وطالت أرجاء المعمورة بصورةٍ عامة والدول الاوربية بصورةٍ خاصة، وإن الولايات المتحدة رأت أن هذه الهجمات تهديد صريح لأمنها خارج وداخل حدودها، وانها سببت خسائر جسيمة في أهم المواقع الستراتيجية والعسكرية والاقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، وهذا ما استغلته الولايات المتحدة الامريكية لصالحها من خلال كسب التأييد والدعم الدولي بحربها ضد الارهاب حسب زعمها، إذ جاء في الرؤية التي قدمها الرئيس الامريكي (بوش)أمام اعضاء مجلس الامن القومي في اليوم التالي عندما وصف الهجمات بأنها ليست أعمال ارهابية بل هي أعمال حرب وسنعمل على حشد جهود العالم لدحر العدو المسؤول عنها الذي لم يعتدي على الشعب الامريكي فقط بل على جميع شعوب العالم الحر، وكان الهدف من هذا التصريح هو جذب أكبر عدد من دول العالم للمشاركة في الحرب ضد الارهاب، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الامريكي (كولن باول) في اليوم الثالث للهجمات والذي قال نأمل من المجتمع الدولي المشاركة في حربنا ضد الارهاب، وفي نفس التصريح أشار الى ضلوع (أُسامة بن لادن) وتنظيمه في هذه الهجمات دون تقديم أدلة واضحة (Debazi, 2014, 160).
بعد مرور شهرين على هجمات الحادي عشر من سبتمبر دخلت الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا عسكرياً في أفغانستان بعد رفض حكومة طالبان تسليم (بن لادن) الذي عدته الولايات المتحدة الامريكية الشخص الاول المسؤول عن تلك الهجمات، وإن هذه العلة لم تكن سوى ذريعة للولايات المتحدة الامريكية للسيطرة على الموارد والثروات الطبيعية الموجودة في أفغانستان، وإن الغزو الامريكي تسبب في الكثير من المشاكل للشعب الافغاني التي لا يزال يعاني منها إلى الوقت الحاضر، والتي تمثلت بتنامي الجماعات المسلحة، فضلا عن عدم استقرار الاوضاع السياسية الداخلية، وتدهور المستوى المعيشي للسكان، وازهاق العديد من الارواح التي لا دخل لها بالحرب، وهجرة الكثير من السكان إلى خارج أفغانستان.
ومن خلال ما تقدم نلاحظ أن هناك العديد من الدول العالمية الاقليمية التي لها أطماع في أفغانستان، تسببت في ظهور العديد من مشاكل عدم الاستقرار التي يعاني منها الشعب الافغاني منذ القدموالى الوقت الحاضر، فضلاً عن تعدد الجماعات المسلحة والتي تتخذ من أفغانستان مقراً لها، وتتخذها الدول الاخرى ذريعة للتدخل في الامن الداخلي لأفغانستان.
الاستنتاجات :
1 – إن موقع أفغانستان الستراتيجي والذي يمثل جزء من قلب العالم القديم، فضلاً عن الموارد الطبيعية الغير مستثمرة الى الان كانت أهم الاسباب للتدخل العسكري للدول الطامعة وعدم استقرار الوضع السياسي.
2 – إن تدخل الاتحاد السوفياتي بحجة حماية النظام الشيوعي، والتدخل الامريكي بحجة محاربة الارهاب لم تكن سوى ذرائع لنهب ثروات وخيرات افغانستان.
3 – استفادت الولايات المتحدة الامريكية من المشاكل بين كل من الهند وباكستان، وإيران وطالبان، فضلاً عن الاتحاد السوفياتي وبعض الدول العربية والتي حولت أفغانستان ساحة لتصفية هذه الصراعات لتحقيق مصالحها.
التوصيات :
1 – توحيد كلمة الصف بين الحكومة الافغانية والجماعات المسلحة عن طريق التوصل إلى خارطة طريق تفضي بإنهاء معاناة الشعب الافغاني.
2 –العمل على استثمار الموارد الطبيعية الموجودة في أفغانستان سواء عن طريق الشركات الاجنبية أو المحلية للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي نحو الافضل.
3 – على الحكومة الافغانية الاسراع في حل المشكلات القائمة بين دول الجوار وخاصةً مشكلة الحدود بينها وبين باكستان، والعمل على حل مشاكلها بينها وبين ايران لضمان أمنها القومي.
Sources
- -Debazi, Amna, American intervention in Afghanistan and the geopolitical stakes (2014-2014), Master’s degree (unpublished), Department of Political Science and International Relations, University of Algiers, 2014.
- Badr, Farouk Hamid, History of Afghanistan from the Islamic Conquest to the Present Time, 1st Edition, Al-Mubta’ah Al-Numtakhaziah, Cairo.
- Ibrahim, Abdul Talib, The Foreign Invasion of Afghanistan in the Last Three Centuries, 1st Edition, Dar Ghaida, Jordan, 2009.
- Rubin, Bernat, The Soviet Invasion of Afghanistan and the Emergence of Terrorism (Lessons and Lessons): Translating the New Syrian, an article published on the Internet, 2016.
- Bin Abdulaziz, Khalid Bin Sultan, The Afghan Crisis (Historically – Politically – Military) Encyclopedia of a Fighter from the Desert.
- Talhi, Enas, Al-Qaeda Organization and Geopolitical Stakes in Afghanistan, Master Thesis (unpublished), Faculty of Political Science and International Relations, University of Algiers, 2014.
- Al-Amiri, Salah Abboud, History of Afghanistan and its Political Development, 1st Edition, Al-Arabi for Publishing and Distribution, Beirut, 1992.
- Al-Najjar, Weam Mahmoud Suleiman, The Political Employment of Terrorism in American Foreign Policy after the events of September 11 (2001-2008), Master Thesis (unpublished), Faculty of Economics and Administrative Sciences (Political Science Programs), Al-Azhar University (Gaza), 2012.
- Fadli, Nadia Fadel Abbas, American Foreign Policy towards Afghanistan, Center for International Studies, University of Baghdad, Issue (45), 2009.
- Stewart, Robert and others, Iranian influence in Afghanistan and the implications of the US withdrawal, Center for International Security and Defense Policy, RAND Corporation, 2014.
- Ahmadian, Hassan, Afghanistan in Iran’s National Security Strategy and its Vision for the Role of the Taliban and the Foreign Presence, Al Jazeera Center for Studies, research published online, February 23, 2020.
- Beydoun, Fatina Muhammad Khalil, Iranian Political Positions Towards Northeastern Countries (1991-2001), Master Thesis (unpublished), Graduate School, Ibrahim Abu-Lughod Institute, Bir Zeit University, Palestine, 2014.
- Al-Taher, Iman MahbasMadlol, The Pakistani position on the Soviet invasion of Afghanistan 1979-1989, Master Thesis (unpublished), College of Education for Human Sciences, Al-Muthanna University, 2018.
- Sarafraz, Muhammad, The Taliban Movement from Emergence to Fall, 1st Edition, Dar Al-Mizan, Beirut, Lebanon, 2010.