أ.د.حسين عبدعلي عيسى
كلية القانون/ جامعة السليمانية/ العراق
husseinissa@hotmail.com
009647502690684
الملخص
عانى العراق، ومازال، من ممارسات واسعة لجريمة الاختفاء القسري، وتميزت التظاهرات الشعبية الأخيرة بارتكابها على نطاق واسع مما استدعى مطالبة بعثة منظمة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية بالتحقيق فيها ومعاقبة المذنبين فيها وإنصاف الضحايا.
ويكرس موضوع البحث لبيان مفهوم الاختفاء القسري، وحالاته فيما يتعلق بالتظاهرات المذكورة في ضوء تقارير منظمات حقوق الإنسان، والإشكاليات السياسية والقانونية، التي يمكن أن تعترض تحميل المسؤولية الجزائية عنها، ومن ثم تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة لضحاياها.
ويتوزع البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة. يوضح المبحث الأول مفهوم الاختفاء القسري وحالاته في العراق، ويبحث المبحث الثاني الإشكاليات السياسية والقانونية لمواجهة الاختفاء القسري. وتتضمن الخاتمة أبرز الاستنتاجات والتوصيات المستخلصة.
الكلمات المفتاحية: الاختفاء القسري، القانون الدولي، العراق، تظاهرات تشرين، إشكاليات المواجهة.
Cases of enforced disappearance in Iraq
and the problem of confrontation
from a political and legal perspective
Prof. Dr Hussein A. Issa
College of Law– University of Sulaimani
Abstract
Iraq has suffered, and is still, from widespread practices of the crime of enforced disappearance, and the recent popular demonstrations were marked by their widespread perpetration, which necessitated the demands of the United Nations Assistance Mission for Iraq and international and national human rights organizations to investigate them, punish the guilty and redress the victims.
The topic of this research is devoted to explaining the concept of enforced disappearance, and its cases of the aforementioned demonstrations in light of the reports of human rights organizations, and political and legal problems that may hinder the criminal responsibility for them, and thus achieve the desired social justice for their victims.
The research is divided into an introduction, two parts, and a conclusion. The first part explains the concept of enforced disappearance and its cases in Iraq, and the second part deals with the political and legal problems facing enforced disappearance. The conclusion includes the most prominent conclusions and recommendations drawn.
key-words
Enforced disappearance, international law, Iraq, the October demonstrations, confrontation problems
المقدمة
تعاني دول عديدة في العالم، وبضمنها العراق، من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية تتمثل أبرزها في حالات القتل، والتعذيب، والعنف الأسري، والمعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة لكرامة الإنسان، وكذلك الاختفاء القسري. وقد شهدت المرحلة السابقة على سقوط النظام العراقي في 2003 حالات كثيرة من الاختفاء القسري، وثقتها تقارير المنظمات الدولية والعراقية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، الا أن الحال بعدئذ لم يتغير كثيراً، وذلك نتيجة الصراع المحتدم على السلطة بين التيارات السياسية العراقية المختلفة، والإنفلات الأمني، وسطوة المليشيات المسلحة، وقمع التظاهرات المطلبية، وانتشار السلاح، واستيلاء تنظيم (داعش) الإرهابي على أجزاء من إقليم العراق، هذا فضلاً عن ضعف الحكومات العراقية المتعاقبة وأجهزتها الأمنية في إدارة الملف الأمني ومكافحة الإجرام، الأمر الذي أدى إلى تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، وبضمن ذلك تغييب أعداد كبيرة من المواطنين العراقيين.
وفي المرحلة الأخيرة، وفي ظل تصاعد التظاهرات الشعبية التي اندلعت شرارتها في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وما زالت مستمرة حتى الآن، تعرض عدد كبير من المشاركين الناشطين فيها للاغتيالات والأضرار البدنية والخطف والتعذيب والتهديد، و حصلت حالات كثيرة من الاختفاء القسري، أكدتها وثائق منظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية، وخصصت لها بعثة منظمة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) عدة تقارير، وشكلت الحكومة العراقية لجاناً من أجل التحقيق فيها، بغية الكشف عن مصائر الضحايا والمذنبين في ارتكابها ومعاقبتهم.
إشكالية البحث:
إن مسألة مواجهة حالات الاختفاء القسري في العراق يمكن أن تعترض تحقيقها جملة من الإشكاليات السياسية التي تتطلب دراسة وحلاً، ومن ذلك على سبيل المثال، الدور المؤثر للجهات السياسية، وهيمنة الفصائل المسلحة، وطبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة، وغير ذلك، وتوجد هناك إشكاليات قانونية يمكن أن تعوق تحميل المسؤولية الجزائية عن الاختفاء القسري على أساس أحكام قانون العقوبات العراقي النافذ رقم (111) لعام 1969، التي تتطلب هي الأخرى دراسة وحلاً، والتي من أبرزها عدم العقاب عن الاختفاء القسري بوصفه جريمة في هذا القانون، مما قد يستدعي اللجوء إلى تطبيق عدد من مواده الأخرى، أن هناك إشكاليات قانونية أخرى يمكن أن تطرح على بساط البحث حتى في حالة وجود نص قانوني يعاقب عن الاختفاء القسري، وستصطدم المحاكم الوطنية العراقية بهذه الإشكاليات القانونية وغيرها في مسار النظر في حالات الاختفاء القسري التي شهدها العراق مؤخراً. وهذه الإشكاليات السياسية والقانونية التي تعترض التصدي لحالات الاختفاء القسري في العراق تشكل المشكلة التي يبجثها هذا البحث.
أهداف البحث:
تتمثل أهداف البحث في تسليط الضوء على أبرز الإشكاليات السياسية والقانونية التي تعترض التصدي لحالات الاختفاء القسري في العراق فيما يتعلق بالتظاهرات المطلبية التي يشهدها، وذلك لغرض دراستها وتحديد التوجهات التي تتخذ من أجل معالجتها.
نطاق البحث:
يقتصر البحث على دراسة أبرز الإشكاليات السياسية والقانونية التي تعترض التصدي لحالات الاختفاء القسري في العراق، أن البحث يتعلق بحالات الاختفاء القسري التي شهدها العراق خلال التظاهرات السلمية المعروفة بـ (تظاهرات تشرين)، ولا تعد حالات الاختفاء القسري الأخرى موضوعاً له، كما تجري فيه دراسة الإشكاليات القانونية في نطاق قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 وحده، كونه يركز على عرض الإشكاليات القانونية المرتبطة بتحميل الأشخاص المذنبين في حالات الاختفاء القسري المسؤولية الجزائية.
مناهج البحث:
تنحصر مناهج البحث الرئيسة المعتمدة في دراسة موضوع البحث في المنهج الوصفي (بالتركيز على المنهج القانوني- المؤسسي) والمنهج التحليلي (بالاستناد إلى منهج تحليل النظام) واالمنهج لمقارن، وذلك عبر الدراسة الوصفية والتحليلية للمواثيق الدولية والتشريعات الجنائية العراقية وحالات الاختفاء القسري في العراق، مع اعتماد الدراسة المقارنة أيضاً بالنسبة لدراسة مفهوم الاختفاء القسري في المواثيق الدولية المختلفة.
لغرض توضيح مفهوم الاختفاء القسري، ولتسليط الضوء على حالات الاختفاء القسري محل الدراسة، وللبحث في أهم الإشكاليات السياسية والقانونية التي يمكن أن تعوق التصدي لحالات الاختفاء القسري في العراق، سنوزع هذا البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة، وسنبيّن في المبحث الأول مفهوم الاختفاء القسري وحالاته في العراق، وسنبحث في المبحث الثاني في الإشكاليات السياسية والقانونية لمواجهة الاختفاء القسري، وسندرج في خاتمته أبرز الاستنتاجات والتوصيات النابعة منه.
المبحث الأول
مفهوم الاختفاء القسري وحالاته في العراق
نوزع هذا المبحث على مطلبين، نكرس المطلب الأول لتوضيح مفهوم الإختفاء القسري في المواثيق الدولية، ونخصص المطلب الثاني لبيان حالات الإختفاء القسري في العراق، وعلى الوجه الآتي:
المطلب الأول
مفهوم الإختفاء القسري في المواثيق الدولية
حدد الاختفاء القسري بوصفه من الانتهاكات القانونية المستقلة لأول مرة على الصعيد الدولي في إعلان حماية كافة الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 1992، وكذلك على الصعيد الإقليمي في الاتفاقية الأمريكية بشأن الحماية من الاختفاء القسري لعام 1994 (منذر، كريدي، نصيف، 2019، ص 205-261).
وأكدت إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 (الإتفاقية، الرابط الإلكتروني) في ديباجتها، وفي المادة الأولى فقرة (1) منها على حق الإنسان في عدم التعرض للاختفاء القسري، وعلى أن الاختفاء القسري ينتهك العديد من حقوق الإنسان الأساسية والجوهرية المدرجة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وإتفاقية حقوق الإنسان للدول الأمريكية لعام 1969 (السامرائي، 2014، ص 57)، والإتفاقية الأمريكية بشأن الحماية من الاختفاء القسري لعام 1994.
ويكتسب النص على هذا الحق في المادة الأولى من إتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 أهمية خاصة كونه يشكل خطوة إلى الأمام في تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ أن النص عليه يضع على كاهل الدول الأطراف التزامات دولية فيما يتعلق بكفالة الحماية اللازمة لهذا الحق، كما أن نص الإتفاقية على الحظر المطلق للاختفاء القسري يجعل من هذا الحق من ضمن الحقوق الأساسية للإنسان.
لقد حددت إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 الاختفاء القسري بكونه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون” (المادة 2)، وهذا التعريف يماثل تعريف الاختفاء القسري الذي جرى إدراجه في الإتفاقية الأمريكية بشأن الحماية من الاختفاء القسري لعام 1994 (الإتفاقية، الرابط الإلكتروني)، التي بموجب ديباجتها عدّ الاختفاء القسري جريمة مقيتة وخطيرة، وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان الأساسية وغير المنقوصة الواردة في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان وواجباته وفي الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن الممارسة المنظمة للاختفاء القسري تشكل جريمة ضد الإنسانية، وجسد عبرها الأمل في أن تساعد الإتفاقية في منع وإزالة الاختفاء القسري في الجانب الغربي من الكرة الأرضية والعقاب عليه والقيام بالمساهمة الحاسمة في حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون (ناصر، 2017، ص 137-138).
وعلى أساس التعريف الوارد في إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 تتحقق جريمة الاختفاء القسري، في ضوء تقرير الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في 28/12/2010 المعنون (أفضل الممارسات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية)، عند توافر العناصر الآتية:
- الحرمان من الحرية، باللجوء في ذلك إلى مختلف الأساليب.
- ارتكاب الفعل من طرف موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن منها أو بدعمها أو بموافقتها.
- عدم إقرار الدولة بواقعة حرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده.
- حرمان الشخص المختفي من حماية القانون (التقرير، 2010، الفقرات 21-32).
وقد كفلت إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 عدم التعرض للاعتقال بصورة سرية، وضمان ذلك حسب التدابير التي حددتها (المادتان 17، 18)، و نصت على عدم الدفع بارتكاب الجريمة بناءً على أمر صادر أو إداءً للواجب، وعدم عدّ ذلك من أسباب الإعفاء من المسؤولية (المادة 6 فقرة 2)، و وضحت مفهوم الضحية والتزامات الدولة فيما يتعلق بتعويضها (المادة 24). ولا تعد جريمة الاختفاء القسري، على وفق الإتفاقية، من الجرائم السياسية، مما يعني جواز تسليم الجناة فيها (المادة 13).
وبموجب المادة (8) فقرة (1-ب) من الإتفاقية يعدّ الاختفاء القسري جريمة مستمرة ، وهذا يعني إن الجريمة لا يمكن أن تعدّ تامة ما لم يعرف مكان الشخص المتعرض للاختفاء القسري، أو مصيره. وتحديد الطبيعة المستمرة للانتهاك له أهميته الخاصة في تقدير حجم الآثار المترتبة على الاختفاء القسري.
وتمارس اللجنة المختصة بالاختفاء القسري المشكلة على أساس الإتفاقية (المادة 26) دوراً فاعلاً في الرقابة على تنفيذ الالتزامات النابعة من إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، وذلك عن طريق :
- النظر في تقارير الدول الأطراف بخصوص تنفيذ التزاماتها على الصعيد الوطني (المادة 29).
- النظر في الشكاوى المقدمة من طرف الأشخاص ذوي المصلحة فيما يتعلق بالبحث عن المفقودين وإصدار التوصيات إلى الدول الأطراف المعنية (المادة 30).
- النظر في الشكاوى الفردية وإتخاذ القرارات بشأنها (المادة 31).
- النظر في البلاغات المقدمة من الدول الأطراف بشأن عدم تنفيذ دول أخرى لالتزاماتها في الإتفاقية، وإجراء التفتيش بصددها بعد الاتفاق مع الدول المعنية على ذلك (المادة 32).
- إبلاغ السكرتير العام لمنظمة الأمم المتحدة عن حالات الاختفاء القسري المنظم على أراضي الدول الأطراف (المادة 34).
- إعداد التقارير السنوية عن مجمل عملها على وفق الإتفاقية (المادة 36).
وفي ضوء الإتفاقية فأن هذه اللجنة على الرغم مما تتمتع به من الصلاحيات المذكورة الا أن اختصاصها لا يعد نافذاً بالنسبة لحالات الاختفاء القسري المرتكبة قبل نفاذ الإتفاقية (المادة 35 فقرة 1)، كما أن الاتفاقية لا تحدد طبيعة القوة القانونية لقراراتها بالنسبة للدول الأطراف، لاسيما فيما يتعلق بالتعويض العادل أو جبر الضرر لضحايا الاختفاء القسري، إذ أن الإتفاقية تنص على التزامات عامة بالنسبة للدول الأطراف (المادة 24 فقرة 4-5).
وإلى جانب هذه اللجنة يلعب فريق العمل المعني بالاختفاء القسري الذي شكلته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 1980 دوراً فاعلاً في التصدي لحالات الاختفاء القسري، وهذا الفريق يقوم، مقارنة باللجنة في إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، التي تمارس صلاحياتها بالنسبة للدول الأطراف وحدها، بالبحث عن المفقودين والكشف عن مصيرهم وأماكن وجودهم، وذلك بصرف النظر عن المجال الجغرافي.
إن الاختفاء القسري، الذي يمارس بصورة منهجية ومنظمة يعدّ جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة (5) من إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، كما ويعد كذلك على وفق ديباجة الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان لعام 1948 (الإعلان، الرابط الإلكتروني)، وديباجة إتفاقية الدول الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 (الإتفاقية، الرابط الإلكتروني)، ونص عليه النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية في المادة (7) فقرة (1- ط) بوصفه من الجرائم ضد الإنسانية التي تدخل دائرة إختصاصها، وبيّنت الفقرة (2-ط) من هذه المادة مفهوم الاختفاء القسري بأنه يعني” إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لمدة زمنية طويلة”.
ويلاحظ أن الاختفاء القسري في النظام الأساس للمحكمة قد اقتصر على أفعال محددة هي (القبض والاحتجاز وخطف الأشخاص)، مع النص على تحديد فاعل آخر، إلى جانب الدولة، هو (المنظمات السياسية)، وحصر الهدف (النية) من ارتكاب الاختفاء القسري في (حرمان المجنى عليهم من حماية القانون لمدة زمنية طويلة)، وهي تجعل تعريف الاختفاء القسري في هذا النظام مختلفاً، وضيق النطاق مقارنة بتعريفه في إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006.
وبموجب الفقرة (1) من المادة (7) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية يشكل الاختفاء القسري (جريمة ضد الإنسانية)، “متى أُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم”. واستناداً إلى ذلك لا بد من توفر أربعة شروط لتحقق الجرائم ضد الإنسانية، وبضمنها جريمة الاختفاء القسري، وهي تنحصر في الآتي:
- أن تكون الجريمة المرتكبة من الجرائم الواردة حصراً في الفقرة الأولى من المادة (7).
- 2) أن يتم ارتكاب هذه الجرائم في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
- أن يكون هذا الهجوم ناتجاً عن سياسة دولة أو منظمة غير حكومية تقتضي ارتكاب مثل هذا الهجوم (العنبكي، 2012، ص571).
- أن يتحقق العلم بطبيعة الهجوم المرتكب، وهذا ما يشير إلى الطبيعة العمدية للجريمة.
وعلى وفق الفقرة (2- أ) من المادة (7) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية: “تعني عبارة هجوم موجه ضد أي مجموعة أنه نهجاً سلوكياً يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها الفقرة (1) ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، عملاَ بسياسة دولة أو منظمة تقتضي بارتكاب هذا الهجوم ، أو تعزيزاً لهذه السياسة”. ولذلك يتوجب لتحقق جريمة الاختفاء القسري بوصفها إحدى الجرائم ضد الإنسانية توفر المعيارين الآتيين:
المعيار الأول: أن ترتكب الأعمال المجرمة دولياً ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، وعلى أساس هذا المعيار ترتكب الجرائم ضد الإنسانية ضد مجموعة من السكان المدنيين، وهذا ينطبق على مجموعة من السكان المدنيين من المواطنين وغير المواطنين على حد سواء، وكذلك غير المدنيين من العسكريين النظاميين أو أعضاء الجماعات المسلحة الذين توقفوا بالفعل عن المشاركة الإيجابية في الصراعات المسلحة (المطري، 2011، ص 84).
المعيار الثاني: أن يقع الاعتداء في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي.
ويعني الهجوم الواسع النطاق إن الهجوم يتصف بضخامته ، وان الاعتداء متكرر الحدوث على نطاق واسع، وينفذ بشكل جماعي ويشكل خطورة كبيرة إزاء عدد كبير من الضحايا، لذلك لا يندرج ارتكاب عمل معين ضد مجموعة من السكان المدنيين ويتسبب بضحية وحيدة ضمن الجرائم ضد الإنسانية إلا إذا شكل هذا العمل جزءاً من هجوم واسع النطاق، وهذا ما حددته تطبيقات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة (العنبكي، 2102، ص 571).
وقد عرفت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا عبارة الهجوم (المنهجي) بأنه “هجوم منظم بشكل كامل ويتبع نمطاً منظماً ويستند إلى سياسة عامة وتستخدم فيه موارد كبيرة عامة وخاصة” (بكة، 2006، ص 229). ويعبر مصطلح (المنهجي) عن الخطة المعدة منهجياً والناتجة عن سياسة معدة سلفاً وليست وليدة الصدفة، وإلى ذلك أشار قرار المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في قضية (كايشيما) بأن”الهجوم المنظم يعني هجوم يقترف تطبيقاً لسياسة أو خطة معدة سلفاَ” (محكمة رواندا، كاشيما).
المطلب الثاني
حالات الاختفاء القسري في العراق
أصدرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في 23 آيار (مايس) 2020 تقريراً خاصاً بحقوق الإنسان في العراق تحت عنوان (حالات الاختطاف والتعذيب والإختفاء القسري في سياق التظاهرات المستمرة في العراق)، وهو التقرير الرابع بهذا الخصوص، ويخص التظاهرات في العراق منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ويركز على عمليات الاختطاف بصورة خاصة (يونامي، الرابط الإلكتروني).
وعبرت البعثة عن قلقها إزاء كثرة عدد الحوادث وقواسمها المشتركة، لاسيما فيما يتعلق بالأشخاص المستهدفين بهذه العمليات، والدوافع الواضحة فيها وأسلوب ارتكابها، ومستوى تنظيمها من طرف الجناة. كما عبرت عن قلقها بالنسبة لوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان العراقي لحريته وأمنه الشخصي، وللحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (سوء المعاملة)، وانتهاكات لحظر الاختفاء القسري، التي ترتبط بعمليات الاختطاف التي حدثت في أماكن متعددة من العراق في المرحلة بين 1 تشرين الأول 2019 و 21 آذار 2020.
وأكدت البعثة على تلقيها خلال المرحلة المذكورة (154) إدعاء عن فقدان متظاهرين أو ناشطين في مجال حقوق الإنسان، يعتقد أنهم من المحتجزين أو المختطفين، وأمكن البعثة أن تتحقق من وجود (99) حالة خاصة بـ (123) مفقوداً، وتمكنت البعثة من تحديد أماكن وجود (98) منهم، في حين لايزال (25) شخصاً منهم مفقوداً، أو مجهول المصير (يونامي، ،2020، ص 2).
ومن بين الأشخاص الـ (98) الموجودين فعلياً توصلت البعثة إلى أن ما لا يقل عن (28) شخصاً قد أُختطف من طرف عناصر مسلحة تطلق عليها تسمية (المليشيات)، كما قامت قوات الأمن العراقية باعتقال واحتجاز (33) شخصاً، ولم يتمكن أي منهم من الاتصال بذويه خلال فترة احتجازهم. ورفض (37) شخصاً الادلاء للبعثة بأية معلومات عن اختطافه خشية التعرض للانتقام.
وقد أجرت البعثة لقاءات سرية مع (25) من الأشخاص، الذين أفادوا بتعرضهم للاختطاف من طرف عناصر مسلحة وملثمة خلال المرحلة من 1 تشرين الأول 2019، و29 شباط 2020، وقد أُجريت هذه اللقاءات بصورة مباشرة، أو بواسطة الهاتف، وفي أماكن مختلفة من العراق، وأكدت البعثة على أنهم من الأشخاص الموثوق بهم، كما عكست أقوالهم ذلك من حيث تماسكها، وتشابه أحداثها، وكونها متسقة مع الحقائق المادية، كما أظهر بعضهم آثار التعذيب وسوء المعاملة التي تعرضوا لها خلال احتجازهم، الأمر الذي يستبعد مسألة التلفيق الجماعي لعمليات الاختطاف. وترى البعثة إن إحجام عدد من المختطفين عن الإدلاء بأقوالهم بسبب المخاوف الأمنية إنما يشير إلى أن عدد المختطفين أعلى بكثير مما هو معلن (يونامي، 2020، ص 3).
وبيّنت البعثة في تقريرها إن الفئة المستهدفة في عمليات الاختطاف كانوا من المشاركين المباشرين في التظاهرات أو من الذين قدموا الدعم لها، وكانوا جميعاً تقريباً من النشطاء قبل بدء التظاهرات، ولعبوا دوراً في توجيه النقد للسلطات أو المجاميع المسلحة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، هذا فضلاً عن أن عمليات الاختطاف تزامنت مع تعرض المتظاهرين لعمليات القتل العمد والهجمات بالأسلحة النارية والباردة، والتهديد والترهيب والاستخدام المفرط وغير القانوني للقوة في مواقع التظاهرات (يونامي، 2020، ص3).
وعلى وفق أقوال المختطفين، فأن عملية الاختطاف جرت بإجبارهم من قبل عناصر مسلحة وملثمة على استقلال مركبات، وذلك بالقرب من أماكن التظاهر أو أثناء انتقالهم بين منازلهم وأماكن التظاهر، أو خلال تنقلاتهم الاعتيادية، أو عند ذهابهم إلى أعمالهم. وكانت المركبات المستخدمة شاحنات حمل صغيرة (بيكب) ومركبات دفع رباعي بيضاء اللون وسيارات صالون، وجرى احتجازهم لمدد مختلفة تتراوح بين يوم إلى أربعة عشرة يوماً في موقع واحد.
وجرت عمليات نقل المختطفين وهم معصوبي الأعين، مما حدّ من قدرتهم على تحديد مكان احتجازهم أو استجوابهم، الا أنهم ذكروا أن احتجازهم جرى في أماكن مختلفة، اشتملت على كرفانات، أو منازل مستقلة، أو غرف في معسكرات، أو سجون. وقد تطابقت رواياتهم، وذكر بعضهم أنه صادف أشخاصاً آخرين مسلوبي الإرادة، أو سمع بعضهم وهم يصرخون. وفي جميع الروايات لم يذكر أي منهم أنه مثل أمام قاضٍ أو جهة تحقيقية رسمية، وقد طالبهم الجناة بعدم المشاركة لاحقاً في التظاهرات، كما أُجبروا على التوقيع على أوراق غير معروفة المضمون قبل اطلاق سراحهم، بالقرب من الطريق السريع أو أحد الشوارع. ولم يتم تزويد أي من المختطفين بوسيلة للاتصال بذويه.
وأفاد جميع المختطفين بتعرضهم للاستجواب من طرف أشخاص ملثمين، بعضهم بملابس مدنية، والبعض الآخر بملابس عسكرية، وقد ركزت جميع الأسئلة على دور المختطفين في التظاهرات، ومزاعم عن تلقيهم الدعم من طرف دول أجنبية، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك عن انتماءاتهم للأحزاب السياسية أو عدمه.
ويتبيّن أن المجنى عليهم كانوا مستهدفين، إذ كان الجناة يمتلكون خلفية معلوماتية عن شخصياتهم، سواءً ما يتعلق بهم شخصياً أم عائلاتهم أم ما شابه. وفي كثير من الحالات طُلب منهم التعرف على متظاهرين آخرين، أو جرى البحث عنهم من خلال هواتفهم النقالة.
وذكر جميع المختطفين (الذكور) بأنهم تعرضوا للتعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة خلال مرحلة الاختطاف، ومن ذلك: الضرب المبرح والصعق الكهربائي ورشهم بالماء البارد أو الاستحمام به وتعليقهم من ذراعيهم وساقيهم في السقف، والتهديد بقتلهم وقتل عوائلهم، وكذلك المعاملة المهينة، (مثل التبول عليهم وتصويرهم عراة). وأشار المختطفون (الإناث) إلى التعرض للضرب، والتهديد بالاغتصاب، ولمس الأماكن الحساسة من الجسم. ولم يتلقَ أي منهم، باستثناء حالة واحدة، أي علاج طبي خلال مرحلة الاحتجاز (يونامي، 2020، ص 4-5).
وخلال مرحلة الاحتجاز لم يتمكن أي من ذوي المختطفين أو أصدقائهم من معرفة أماكن وجودهم، أو تحديد مصيرهم، سواءً من خلال البلاغات الرسمية الموجهة إلى أجهزة الشرطة والأمن، أم الاتصالات غير الرسمية مع المسؤولين الحكوميين، وذلك حتى لحظة الإفراج عنهم. كما أن أجهزة الدولة المختصة لم تقدم أي مساعدة، بالنسبة لحالات الاختطاف كلها فيما يتعلق بتحديد أماكن وجود الضحايا، وقد ساعدت الاتصالات الشخصية في الإفراج عن عدد منهم في بعض الحالات.
واستناداً إلى التقرير، لم يتمكن أي من المختطفين من تحديد هوية الجناة، وبعضهم تكهن بأنهم من(المليشيات)، وبعضهم الآخر لم يحدد جهة معينة، الا أنهم أجمعوا على عدم تورط الأجهزة الحكومية في ذلك. كما أن ذوي المختطفين أكدوا على عدم اختطافهم من طرف عصابات إجرامية (عادية). وأكدت البعثة بهذا الخصوص على أن “روايات الاختطاف والاختفاء وما تلاها من تعذيب وسوء معاملة للمتظاهرين تشير إلى تورط جهات مسلحة ذات مستويات عالية من التنظيم والموارد والامكانيات. ويستند هذا التقييم إلى عوامل منها: الطريقة التي تمت بها عمليات الاختطاف و”الاستجواب”، ونوعية الأشخاص المستهدفين، والسلوك العام للجناة، واستخدام اللغة او العبارات، والمعدات، والموقع التقريبي لمكان الاحتجاز، وطبيعة الاستجواب والتعليقات التي قيل بأنه تم طرحها على الضحايا أثناء استجوابهم، وأوجه التشابه الصارخة بين القضايا التي تلقتها البعثة”. كما تشير بيانات أخرى إلى عدم تورط قوات الأمن العراقية في ذلك، ومن ذلك عدم إحالة أي من المختطفين إلى قضاة التحقيق، أو منحهم الحق في الاتصال بمحاميين أو بعوائلهم. كما ويستبعد تورط العصابات الاجرامية (العادية) في ذلك، فليست هناك مطالبات بفدية أو وجود دوافع إجرامية أخرى. وترى البعثة إن “الاستجواب والعقاب ومنع المشاركة في التظاهرات كانت هي الدوافع الرئيسة للاختطاف والتعذيب وسوء المعاملة” (يونامي، 2020، ص 6).
وفي حين تؤكد الأجهزة الحكومية بذلها بعض الجهود للبحث عن المختطفين، وعن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق على صعيد وزارة العدل العراقية، فأن البعثة تنفي علمها “بأي تحقيقات رسمية أُجريت من قبل سلطات إنفاذ القانون لتحديد مكان المفقودين أو من أجل تحديد هوية الجناة ومقاضاتهم”. وبغية الكشف عن مصائر (25) شخصاً من المختطفين، فقد لجأت البعثة إلى مطالبة الحكومة العراقية بأن تتخذ الإجراءات اللازمة استناداً الى التزاماتها النابعة من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، وحتى إعداد التقرير لم تحصل البعثة على أية معلومات عن الاجراءات المتخذة للبحث عنهم والتحقيق في اختفائهم.
وأشارت البعثة في ختام تقريرها إلى أن الوضع الأمني الصعب والمعقد في العراق لا يعفي السلطات فيه من القيام بالتزاماتها النابعة من المواثيق الدولية، وبضمنها الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، كما وأشارت إلى عدم اعتراف الحكومة العراقية بحالات الخطف، ومحدودية الجهود التي تبذلها للكشف عنها أو لمحاسبة المذنبين، مما يثير القلق إزاء التزام العراق بالايفاء بهذه الالتزامات.
كما تقدمت البعثة بعدد من التوصيات في تقريرها، وبضمنها: مطالبة الحكومة العراقية بالايفاء بالتزاماتها الدولية، وحماية المتظاهرين من الاختطاف، وإتخاذ الاجراءات الفورية للتحقيق في جميع حالات ومزاعم الاختطاف والاختفاء والتعذيب وسوء المعاملة للمتظاهرين ومحاسبة المسؤولين عنها (يونامي، 2020، ص 7).
وعلى غرار تقرير بعثة الأمم المتحدة (يونامي) فقد تقدمت منظمة (مراقبة حقوق الإنسان) بتقرير مماثل في مايو 2020 وثقت فيه حالات الاختفاء القسري في العراق، المرتبطة بتظاهرات تشرين الأول 2019 ولغاية مارس 2010، وأوردت فيه اسماء عدد من المختطفين، وبيّنت ما تعرضوا له من تهديد وتعذيب ومعاملة قاسية ومهينة خلال اختفائهم القسري. كما أكدت على عدم قيام الأجهزة الأمنية العراقية بتقديم المساعدة التي طلبها ذوو المختطفين للعثور عليهم أو تقديم أية معلومات بخصوصهم. وأشار التقرير كذلك إلى أن المتعرضين كافة للاختطاف كانوا من نشطاء التظاهرات أو المشاركين فيها، وأن من ورد ذكرهم في التقرير مازالوا مفقودين حتى تأريخ إعداده (مراقبة حقوق الإنسان، 2020).
وأشار تقرير (منظمة العفو الدولية) لعام 2019 بخصوص العراق إلى تعرض العشرات من المحتجين والنشطاء في تظاهرات تشرين الأول في بغداد وفي عدد من محافظات العراق الأخرى للاختفاء القسري من طرف أجهزة الأمن العراقية، واحتجازهم لعدة أيام أو عدة أسابيع، وتعرضهم للتحقيق في نشاطاتهم خلال التظاهرات، وقد تعرض بعضهم للاحتجاز في منازلهم، ولم تقدم إليهم مذكرات بالقبض أو التفتيش (العفو الدولية، العراق، 2019).
وعلى الصعيد الوطني، تقدمت المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان في العراق بعدة تقارير حول التظاهرات في العراق، وآخرها التقرير الرابع الخاص بحرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي للمرحلة من 18/12/2019 ولغاية 23/1/2020، الذي أشارت فيه إلى رصد حالات من الخطف والاحتجاز التعسفي التي قامت بها القوات الأمنية، وأدرجت اسماء الأشخاص المختطفين في محافظات العراق التي شهدت التظاهرات. وأكدت على أن إطلاق سراح المحتجزين لا يجري الا بعد تقديم تعهدات خطية بعدم المشاركة في التظاهرات مرة أخرى، أو بناءً على كفالة ضامنة، وعلى أن هذه الحالات كانت لغرض بث الرعب والخوف في صفوف المتظاهرين، وهي تشير إلى وجود سياسة تنتهجها الحكومة لكبت الحريات وتكميم الأفواه واسكات الأصوات المطالبة بالاصلاح والتغيير، وأوضحت المفوضية أن عدد من تعرض للاحتجاز القسري حتى تأريخ إعداد التقرير وصل إلى (227) شخصاً، أطلق سراح (130) منهم، وتبقى منهم (97) موقوفاً (المفوضية، 2020، ص 11-12).
كما ووجهت ثلاثون منظمة (عراقية وأجنبية) معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان بتأريخ 11/6/2020 عريضة إلى السطات العراقية والرأي العام العالمي تحت عنوان (يجب إنهاء الاختفاء القسري للمواطنين حالاً)، أشارت فيه إلى أن حالات الاختفاء القسري باتت تشكل نمطاً شائعاً في العراق. وارتباطاً بتظاهرات تشرين الأول، عبرت هذه المنظمات عن تزايد مخاوفها لوقوع المتظاهرين ضحايا للقمع الحكومي، وعن أن مصير كثير من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان قد بات مجهولاً، وأشارت إلى اسماء عدد منهم. وطالبت بإنهاء حالات الاختفاء القسري، وفتح تحقيق شامل فيها، والكشف عن المعلومات الخاصة بها، وتوفير المساعدة القانونية للمختطفين، والإفراج عنهم (منظمات حقوق الإنسان، 2020).
المبحث الثاني
الإشكاليات السياسية والقانونية لمواجهة الاختفاء القسري
نوزع هذا المبحث على مطلبين نتناول بالبحث في المطلب الأول الإشكاليات السياسية لمواجهة الاختفاء القسري، وفي المطلب الثاني الإشكاليات القانونية لمواجهتها، وعلى الوجه الآتي:
المطلب الأول
الإشكاليات السياسية لمواجهة الاختفاء القسري
إن الحكومة العراقية هي المعنية بالكشف عن حالات الاختفاء القسري التي طالت المواطنين العراقيين في تظاهرات تشرين الأول 2019، ولكن كيف ستعمل هذه الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها الدولية بهذا الخصوص؟ وهل هناك إشكاليات يمكن أن تعترضها من الناحية السياسية للقيام بذلك؟
أولاً: غني عن الذكر، إن مباشرة الحكومة العراقية التحقيق في حالات الاختفاء القسري يستدعي منها أن تختار بين نهجين، فأما الكشف عن الجهات السياسية التي تقف وراء ارتكابها والفصائل المسلحة الداعمة لها، أو اللجوء إلى تسويات سياسية مع هذه الجهات والفصائل، وذلك لعدم القدرة على مواجهتها، مع الاكتفاء بالمواجهة الإعلامية. فالوضع السياسي الداخلي الراهن لا يمنح الحكومة إمكانية المواجهة المباشرة مع هذه الجهات والفصائل المسلحة، خاصة وأن هذه الجهات والفصائل المسلحة يمكن أن تشن حملات تصفية واسعة، كما ويمكن أن ترفع من وتيرة تغييب المواطنين والمسؤولين على حد سواء (إلياس، 2020).
فضلاً عن هذا، إن الحكومات العراقية على اختلافها، منذ عام 2003 وحتى الآن، هي صنيعة التيارات السياسية المتنفذة، والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لها، لذلك فأنها لا تستطيع أن تنتهج سياسة معينة، أو أن تنفذ سياستها الا من خلالها أو بناءً على موافقتها. ومن ثم فأن التصدي لحالات الاختفاء القسري يتطلب (ضوءاً أخضر) من طرفها.
ثانياً: ينحصر أحد أسباب الاختفاء القسري في العراق في طبيعة النظام السياسي القائم منذ سقوط النظام العراقي البائد في 2003 على المحاصصة (سعد، 2016)، واستمرار بقاء هذه المحاصصة يؤدي دون شك إلى الاستمرار في ارتكاب جريمة الاختفاء القسري أولاً، وعدم التصدي لها ثانياً، ولذلك فأن التصدي لحالات الاختفاء القسري ومساءلة المسؤولين عنها يتطلبان في المقام الأول إصلاح النظام السياسي نفسه، في حين أن إصلاحه يستوجب إحداث إنقلاب اجتماعي- سياسي في بنية المجتمع العراقي السائد، وهذا ما لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها. بمعنى إن ذلك من المستبعد تحقيقه من طرف التيارات السياسية المتربعة على سدة الحكم نفسها، كما أن قيامها بالكشف عن الحقيقة في حالات الاختفاء القسري لا يكون متوافقاً مع قوانين المنطق، فالاختفاء القسري يعد جريمة على وفق المواثيق الدولية، والتي بموجبها يكون القائمون به جهة تنتمي إلى السلطة الحاكمة أصلاً، أو جهات تأتمر بأوامرها، أو ترتكب الاختفاء القسري بإذنها أو موافقتها، بل أن الاختفاء القسري يمكن أن يتحقق بصورة (احتجاز أو اعتقال) بناءً على أوامر رسمية مباشرة من طرف الأجهزة الأمنية للدولة ، الا أن سلطاتها تنكر وجود المشمولين به لديها، ومن ثم حرمانهم بهذه الصورة من الحماية القانونية المطلوبة. في حين تعد حالات الاختفاء القسري، إن أُرتكبت من دون ذلك، جرائم جنائية تقليدية، يمكن أن ينطبق عليها توصيف جريمة الخطف أو الاحتجاز غير القانوني أو ما شابه، وتدخل في اختصاص قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969.
ثالثاً: مما يؤسف له إن حالات الاختفاء القسري، التي عانى منها متظاهرو تشرين، هي ليست الحالات الوحيدة التي عانى منها الشعب العراقي عامة، ففضلاً عن حالات الاختفاء القسري التي حصلت في ظل النظام السياسي البائد، هناك الكثير من حالات الاختفاء القسري التي حصلت بعد سقوطه، ولاتزال مستمرة، وقد رصدتها منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية، وهي تتراوح بين 8-12 ألف حالة! (الفريق العامل، 2019، يونامي، يوليو 2020، المفوضية، يوليو 2020). ولذلك، فأن الكشف عن حالات الاختفاء القسري لتظاهرات تشرين إنما يعني بالضرورة الكشف لاحقاً عن حالات الاختفاء القسري الأخرى، التي سبقتها أو تزامنت معها أو تلتها، ومثل هذا لا يتوافق مع مواقف الجهات السياسية التي يمكن أن تكون من ورائها، والتي تطمح للبقاء في سدة الحكم الآن ومستقبلاً، لاسيما وأن العراق مقبل في الوقت الراهن على إنتخابات مبكرة، لذلك فأن الكشف عن حالات الاختفاء القسري هو في غير مصلحة هذه الجهات، كونه سيفقدها مصداقيتها، ويكشف زيف شعاراتها السياسية التي تلوح بها على مدى (17) عاماً فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمواطنة وسيادة القانون واستقلال القضاء وهلم جرا، وبحسب رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق القاضي (فائق زيدان): إن (بعض) الأحزاب إتخذت من مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء مجرد مقدمة لبرامجها وشعاراتها الانتخابية لتجميلها، ولكسب ود الناخبين، لكنها في الواقع العملي خرقته في أكثر من مناسبة بقصد أو بدونه، (زيدان، الرابط الإلكتروني)، ولذلك فأن المماطلة في فتح هذا الملف ولأطول مدة زمنية ممكنة هو نهج هذه الجهات، في الوقت الراهن وفي المستقبل، طالما هي في سدة الحكم.
رابعاً: التصدي لحالات الاختفاء القسري في أي دولة، وهذا ينطبق على العراق أيضاً، يتطلب في المقام الأول شجاعة من طرف القائمين بذلك تستند إلى سيادة القانون، إذ أن التزام مثل هذا الموقف يعني المواجهة والمجابهة. بمعنى وقوف الحكومة العراقية في مواجهة التيارات السياسية والفصائل المسلحة. ومثل هذه الشجاعة (السياسية) تتطلب التزام موقف حاسم إزاء هذه الجهات عامة دون استثناء. وعلى العكس من هذا، فأن عدم التزام هذا الموقف الشجاع إنما يعني استمرار حالات الاختفاء القسري والاغتيالات والترويع وغيره من صنوف الممارسة السياسية (غير النزيهة) السائدة في الوقت الراهن. ومن دون شك فأن هذا الالتزام سيدفع ثمنه القائمون به، فالطرف الآخر سوف لن يتراجع عن مواقعه، ويخلي (قلاعه)، التي عمل على بنائها منذ عام 2003، ولذلك فأنه سيلجأ إلى مختلف الوسائل، وبضمنها تلك التي يحرمها القانون، للدفاع عن (مكتسباته) التي سبق له أن حققها.
إن رجلاً واحداً لديه شجاعة هو أغلبية (جيفرسون، الرابط الإلكتروني)، ومن هنا فإن التزام الموقف السياسي الشجاع هو من ضروب الشجاعة، وهو ما يميز السياسي الناجح، هذا على الرغم من أن ممارسته يمكن أن تشكل مجازفة بمستقبله السياسي (كينيدي، 2019، ص 11-12)، الا أنه في ظل الظروف الراهنة في العراق يعدّ مجازفة بحياة السياسي أيضاَ. لذلك فأن الالتزام بمثل هذا الموقف، أن لم يكن مستبعداً، فهو بالغ الصعوبة.
خامساً: إن جريمة الاختفاء القسري وثيقة الارتباط بانتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولاسيما حرية التعبير، التي نصت المادة (38/ أولاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 على أن تكفلها الدولة بكل الوسائل، وبما لا يخل بالنظام العام والآداب، لذلك يدل ارتكاب هذه الجريمة في التظاهرات العراقية، ووجود حالات عديدة من الاختفاء القسري، على عدم الاعتداد بحرية التعبير بوصفها من الحريات المصانة دستورياً، ويكون الغرض من القيام بممارسة الاختفاء القسري ضد المتظاهرين هو قمع المواطنين الذين يعبرون من خلال التظاهرات السلمية عن آرائهم في النهج السياسي للجهات السياسية الحاكمة. لذلك يتطلب التصدي للاختفاء القسري تغيير النهج السياسي للحكومة ذاتها، فالكشف عن الحقيقة في حالات الاختفاء القسري يعني في جوهره تسليط الحكومة الضوء على وجود سياسة قمعية تتبعها، والتي تتمثل في قمع حرية التعبير، ومن ثم الحقوق والحريات الأخرى، كالحق في التظاهر، والحرية الشخصية، وحرية المسكن، والحق في عدم التعرض للاعتقال أو الاحتجاز أو التفتيش خلافاً للقانون، أو حرية ممارسة العمل الإعلامي فيما يتعلق بالعاملين في مجال الإعلام، فهو يعد إدانة ذاتية لنهجها السياسي.
سادساً: تتصف جريمة الاختفاء القسري بخصوصيتها مقارنة بغيرها من الجرائم، وذلك لارتباطها الكبير بانتهاكات حقوق الإنسان، كما تقدم ذكره، لذلك فأن الكشف عنها، هو كشف عن الحقيقة في المقام الأول، والتي تتمثل في الكشف عن أحداث الاختفاء القسري، وتسليط الضوء على مصير الضحايا، أو مكان وجودهم، لذلك من الأهمية بمكان، فضلاً عن إطلاع أسر الضحايا في المقام الأول على ذلك، إشراك منظمات المجتمع المدني في هذه العملية. بمعنى أنه يتوجب أن تكون الإجراءات المتخذة تحت رقابة منظمات المجتمع المدني، الأمر الذي تقف على الضد منه الجهات السياسية الحاكمة، والفصائل المسلحة، التي تخشى أن تتعرض للإدانة من طرف (قاضٍ اجتماعي) عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لاسيما في حالة اضطلاع هذه المنظمات بالرقابة على إجراءات التحقيق والمحاكمة في حالات الاختفاء القسري التي شهدها المجتمع. إن هذه المنظمات، تمارس، ضمن وظائفها المتعددة، وظيفة الرقابة على إداء سلطات الدولة، وخاصة في حالة اقترافها لانتهاكات حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية (رشيد، 2019، ص 724)، ومن ثم فأن وجود ممثلين لها في مسار الكشف عن الحقيقة في حالات الاختفاء القسري يعد مهماً للغاية، للدلالة على قيام الحكومة بذلك فعلاً، ولكون هذه المنظمات عبارة عن منظمات مجتمعية، فوجودها يجعل منها شاهداً على الاجراءات الجارية، وواسطة لنقل نتائجها إلى المجتمع.
سابعاً: تلعب الفصائل المسلحة دوراً مؤثراً في العملية السياسية في العراق، كما ولها دور لا يخفى في العنف السياسي الممارس فيه، وإليها تنسب حالات الاختفاء القسري التي شهدتها تظاهرات تشرين، وكذلك الاغتيالات السياسية، وممارسة مختلف أصناف الترويع والترهيب والعنف البدني إزاء المتظاهرين، ومن ذلك حرق الخيام واستخدام الأسلحة النارية والباردة ، واغتيال النشطاء السياسيين، كما وعملت الجهات السياسية المتنفذة على استخدامها لتنفيذ إجنداتها السياسية، ولاسيما فيما يتعلق بقمع المتظاهرين السلميين، كما أن عدداً من هذه الفصائل ينتمي في الغالب إلى جهات سياسية، وتشكل أجنحة مسلحة لها، تعتمدها هذه الجهات في فرض إرادتها وسطوتها على المواطنين، وكذلك على مؤسسات الدولة، وخاصة الأمنية منها، وفي كثير من الحالات تفرض إرادتها عليها (نايتس، 2020). وبفعل موقعها هذا، وتأثيراتها في إتخاذ القرار، فأن المماطلة في إتخاذ القرار فيما يخص التصدي لحالات الاختفاء القسري في العراق، كانت على الدوام أمراً وارداً، لاسيما وأن إصبع الإتهام بارتكابها موجه إليها في المرتبة الأولى.
ثامناً: يدل وجود حالات للاختفاء القسري في العراق، وعدم المسارعة إلى الكشف عنها، ومحاسبة مرتكبيها، على أن أجهزة الدولة غير قادرة من الناحية العملية على حماية مواطنيها، وضمان حقوقهم وحرياتهم الأساسية! كما أن إعلانها عن أن هذه الانتهاكات قد أُرتكبت من قبل (طرف ثالث) بحسب تصريحات وزير الدفاع العراقي السابق (الشمري، 2019)، هو عبارة عن تهرب الدولة من المسؤولية القانونية عن حالات الاختفاء القسري المرتكبة، وإعلان ضمني عن عدم مسؤوليتها عنها، وهو تأكيد على أن هذه الجرائم مقيدة مسبقاً (ضد مجهول)، وأنها ستبقى كذلك دون الكشف عن مرتكبيها. وهذا يعني إن مصير ضحايا حالات الاختفاء القسري أو مكان وجودهم سيبقيا مجهولين، وأنه لا توجد إمكانية للتوصل إلى الحقيقة فيها، وليس من المستبعد أن تطرح مسألة تعويض الضحايا بوصفهم (شهداء)، وذلك من دون القيام بالتحقيق المطلوب لمعرفة مصائرهم أو الكشف عن مكان وجودهم.
المطلب الثاني
الإشكاليات القانونية لمواجهة الاختفاء القسري
إن تحميل المسؤولية الجزائية عن حالات الاختفاء القسري في العراق على أساس التشريعات العقابية النافذة يمكن أن يصطدم بعدد من الإشكاليات القانونية، التي قد تؤدي في عدد من الحالات إلى إفلات الأشخاص المذنبين من العقاب، أو إلى عدم إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة الاجتماعية. ونلخص أبرزها على الوجه الآتي:
أولاً: لغرض تحميل المسؤولية الجزائية عن حالات الاختفاء القسري المرتبطة بتظاهرات العراق خلال المرحلة المنصرمة، يتوجب بموجب المادة (12) من إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، التهيئة لذلك من خلال إجراء تحقيق سريع ومعمق ونزيه وتوفير الحماية لضحايا الاختفاء القسري وأقاربهم والشهود، والمدافعين عنهم، وكذلك المشاركين في التحقيق، من أي سوء معاملة أو ترهيب، وأن تمنح الدولة الأجهزة المكلفة بالتحقيق الصلاحيات والموارد اللازمة لإنجازه، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى أماكن احتجاز الضحايا، والإطلاع على الوثائق ذات الصلة بموضوع التحقيق، فضلاً عن العمل على استبعاد أي تأثير في مجراه من طرف المتهمين، مع ضمان الحق في تقديم الضحايا أو ممثليهم القانونيين للبلاغات بحالات الاختفاء القسري المزعومة، كما يتوجب أن تبادر الدولة إلى إجراء التحقيق في حالة وجود أسباب معقولة تحمل على الاعتقاد بوقوعها.
فضلاً عن هذا، إن المساءلة جزائياً عن جريمة الاختفاء القسري تقوم على مبدأ أساس هو الحظر المطلق للاختفاء القسري بموجب القانون الدولي، الذي نصت عليه المادة الأولى من إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 (الفقرة 1)، كما ونصت هذه الإتفاقية في المادة السادسة منها على عدم التذرع بأي أمر أو تعليمات من طرف أية سلطة، مهما كانت (عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها) لتسويغ جريمة الاختفاء القسري (الفقرة 2)، ونصت أيضاً على عدم تسويغ ارتكابها بالاستناد إلى أية ظروف استثنائية يمر بها المجتمع، وبصرف النظر عن طبيعتها، فعلى وفق الفقرة 2 من المادة الأولى منها :” لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”.
وإلى جانب هذا، يجري إيقاع المسؤولية الجزائية عن حالات الاختفاء القسري بصرف النظر عن تقادمها، علماً أن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 لا يعتد بالتقادم أصلاً، فضلاً عن كونها من الجرائم المستمرة، فهي تبقى قائمة بموجب إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 طالما لم يكشف بعد عن مصير الضحايا أو مكان وجودهم (المادة 6، فقرة 1-ب). كما تترتب المسؤولية الجزائية على جميع المذنبين في ارتكاب جريمة الاختفاء القسري، مدنيين وعسكريين، رؤساء ومرؤوسين، مساهمين أصليين وتبعيين (المادة 6).
كما يتوجب على الدولة أن تكفل الإفراج عن الشخص المتعرض للاختفاء القسري، وذلك بطريقة تكفل التحقق من أن ذلك قد تم فعلاً، مع إتخاذ التدابير اللازمة لكفالة سلامته البدنية، وقدرته الكاملة على ممارسة حقوقه (المادة 21).
إن ما تقدم ربما يشكل تحقيقه إشكاليات قانونية سابقة على إيقاع المسؤولية الجزائية بالمذنبين في ارتكاب الاختفاء القسري، الأمر الذي يتوجب استبعادها استناداً إلى الالتزامات الدولية النابعة من إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، ودستور العراق لعام 2005، الذي نص على ضمان حقوق المواطنين كافة من دون تمييز، وعلى سيادة القانون، والحق في الحياة والأمن والحرية، وعدم التعرض للاحتجاز غير القانوني أو التعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة (الدستور، 2005، المواد 14، 15، 19-ثاني عشر، 37-أولاً).
ثانياً: إن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 لا يحتوي في الوقت الراهن على نص عقابي يمكن على أساسه تحميل المسؤولية الجزائية عن جريمة الاختفاء القسري، هذا على الرغم من أن العراق من الدول الأطراف في الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، وذلك بموجب القانون رقم (17) الصادر في 12/10/2010، (الوقائع، 12/10/2010) مما يعني سريان أحكام الإتفاقية عليه، فيما يتعلق بالتزامات الدول الأطراف فيها بإتخاذ الاجراءات لضمان العقاب عن الاختفاء القسري في التشريعات العقابية، فعلى وفق المادة الرابعة منها يتوجب أن:” تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لكي يشكل الاختفاء القسري جريمة في قانونها الجنائي”، كما نصت الفقرة (1) من المادة (7) من الإتفاقية على أن “تفرض كل دولة طرف عقوبات ملاءمة على جريمة الاختفاء القسري تأخذ في الاعتبار شدة جسامة هذه الجريمة”.
ونظراً لعدم إيفاء العراق حتى الآن بالتزاماته الدولية النابعة من الإتفاقية المذكورة بإصدار التشريعات العقابية، التي على أساسها يمكن تحميل المذنبين في ارتكاب الاختفاء القسري المسؤولية الجزائية، فأن هذا يفضي بداهة إلى إعاقة تحقيق التزاماته الدولية الأخرى، التي أوردتها الاتفاقية ذاتها، ولاسيما منها: الالتزام بالتحقيق الفعال في حالات الاختفاء القسري، وإحالة الأشخاص المذنبين فيها إلى المحاكم لكي ينالوا عقابهم العادل، فعلى أساس الفقرة (1) من المادة (6) من الإتفاقية تُحمل المسؤولية الجزائية “لكل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئاً أو يشترك في ارتكابها”، وتنص المادة (3) منها على أن “تتخذ كل دولة طرف التدابير الملاءمة للتحقيق في التصرفات المحددة في المادة 2 التي يقوم بها أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون دون إذن أو دعم أو موافقة من الدولة، ولتقديم المسؤولين إلى المحاكم”.،كما أن العدالة المنتظرة في حالات الاختفاء القسري سوف لن تحققها المحاكم العراقية، كما ينتظر منها ذلك، إذ أن التزامها بمبدأ مشروعية الجرائم والعقوبات، الذي نص عليه دستور العراق لعام 2005 (الدستور، 2005، المادة 19- ثانياً) يحول بلا شك دون مساءلة المذنبين جزائياً عن الاختفاء القسري، الذي لا يعد جريمة بموجب قانون العقوبات العراقي لعام 1969، الا أن هذا لا يمنع من تطبيق عدد من مواده الأخرى، ومنها على وجه الخصوص، تلك التي تعاقب عن جريمة خطف الأشخاص (المادتان422، 423)، وجريمة التهديد (المادة 430)، وجريمة القبض أو الاحتجاز أو الاعتقال غير القانوني (المادتان 322،421)، وجريمة التفتيش غير القانوني (المادة 326)، وجرائم القتل (المادتان 405، 406)، وجرائم الاعتداء على البدن أو الصحة (المواد 410-416) وجريمة التعذيب (المادة 333)، أو استعمال القسوة اعتماداً على الوظيفة (المادة 332)، وغيرها.
ويتحقق العقاب عن الاختفاء القسري في ضوء ذلك استناداً إلى نظام تعدد الجرائم، الذي نص عليه قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 في المادتين (141)، و (142)، ذلك لأن جريمة الاختفاء القسري، تعتدي في آن واحد على عدد من المواضيع التي يحميها قانون العقوبات العراقي، وعلى رأسها حق الإنسان في الحياة، وحقه في الصحة وسلامة البدن، وحقه في التمتع بالشخصية القانونية، وحقه في الحرية الشخصية، وحقه في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة لكرامته، وهذا يشير إلى الطبيعة الخاصة (المركبة) لهذه الجريمة، التي أكدتها غير مرة تطبيقات المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان (Rodríguez ,1988) والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان (Aslakhanova ,2012).
وبصرف النظر عن الترابط الوثيق بين هذه الجرائم وحالات الاختفاء القسري، الا أن النصوص العقابية الخاصة بها لا يمكن أن تجسد عناصر جريمة الاختفاء القسري كافة، أو الطبيعة الخاصة لهذه الجريمة، الأمر الذي استدعى إصدار المجتمع الدولي لإتفاقية دولية خاصة بها، كما وأن العقوبة التي تحددها المحكمة عنها استناداً الى هذه النصوص، مهما كانت صارمة، سوف لن تكون متوافقة مع جسامة هذه الجريمة، ولن تجسد بصورة فعلية خطورتها البالغة.
لذلك فأن تحميل المسؤولية الجزائية بهذه الصورة عن جريمة الاختفاء القسري بتطبيق مواد قانون العقوبات العراقي الخاصة، على سبيل المثال، بخطف الأشخاص والاحتجاز غير القانوني، والتعذيب، وغيرها، لا يجسد الغرض المبتغى تحقيقه من العقاب عن هذه الجريمة ، فمن البديهي أن هذا الغرض لا يتحقق، وهذا يعني إفلات المذنبين في ارتكابها من العقاب، ومن ثم عدم تحقق العدالة المنشودة لضحايا الاختفاء القسري.
ثالثاً: يمكن أن يثار التساؤل عن مدى إمكانية تكييف حالات الاختفاء القسري بوصفها من الجرائم ضد الإنسانية، خاصة وأن المادة الخامسة من الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، نصت على عدّها من الجرائم ضد الإنسانية، فبموجبها :” تشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون” (الإتفاقية، الرابط الإلكتروني)، لاسيما وأن العراق سبق أن عاقب عن هذه الجريمة في قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لعام 2005، وذلك على وفق المادة (12) فقرة (أولاً-ط) (قانون المحكمة، الرابط الإلكتروني). ولكن على الرغم من سريان ولاية المحكمة من حيث الإختصاص النوعي على حالات الاختفاء القسري، الا أن ولايتها من حيث الإختصاص الزمني لا تسري عليها، فبموجب المادة الأولى (أولاً) من قانونها :” تسري ولاية المحكمة على كل شخص طبيعي سواء أكان عراقياً أم غير عراقي مقيم في العراق ومتهم بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد (11) (12) (13) (14) من هذا القانون والمرتكبة من تاريخ 17/7/1968 ولغاية 1/ 5/ 2003 في جمهورية العراق أو أي مكان آخر”، ولهذا فأن تطبيق قانون المحكمة على حالات الاختفاء القسري يكون مستبعداً، كونه يعد نافذاً بالنسبة لحالات الاختفاء القسري التي شهدها العراق خلال المرحلة المحصورة بين 17/7/1968 ولغاية 1/5/2003.
وفي ضوء تقرير الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري أو غير الطوعي الخاص بـ (أفضل الممارسات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية) جرى التأكيد على أن عدّ الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية في التشريعات العقابية لحوالى (45) دولة لا يعد كافياً لايفاء هذه الدول بالتزاماتها في التصدي لهذه الجريمة، ذلك لأن التجربة تدل على أن الاختفاء القسري، بوصفه من الجرائم ضد الإنسانية، لا يعد في كثير من الحالات جزءاً لا يتجزأ من الاعتداءات الواسعة النطاق والمنظمة المرتكبة ضد المدنيين، وهذا من المعايير الرئيسة لتحقق الجرائم ضد الإنسانية، لذلك فأن تجريم الاختفاء القسري في القانون بوصفه من الجرائم ضد الإنسانية يستوجب تحقق شروط ارتكابها، الأمر الذي يعني أن حلقة واسعة من حالات الاختفاء القسري يمكن أن تبقى خارج دائرة العقاب في القانون الجنائي الداخلي، وبعيدة عن الاختصاص القضائي الوطني (الفريق العامل، 2010، فقرة 16).
رابعاً: لقد كرست الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 عدداً من أحكامها لتنظيم مسألة التعويضات التي تمنح لضحايا الاختفاء القسري، الذين حددتهم الفقرة (1) من المادة (12) من الإتفاقية بنصها:” لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد ب ”الضحية“ الشخص المختفي وكل شخص طبيعي لحق به ضرر مباشر من جراء هذا الاختفاء القسري”، ولذلك فأن مصطلح 0الضحية) يسري على الأشخاص المتعرضين فعلياً للاختفاء القسري، وكذلك المتضررين من ذلك. ومن ثم يتوجب على الدولة الطرف في الإتفاقية ، فضلاً عن الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري ، ومكان احتجازهم، والكشف عن الوقائع المتعلقة بذلك، أن يتضمن نظامها القانوني، ضماناً لحقهم في جبر الضرر، والحصول على تعويض سريع ومنصف وملاءم، ويشمل هذا الحق جبر الضرر بنوعيه المادي والمعنوي، وإمكانية اللجوء الى طرق أخرى لذلك، من قبيل : رد الحقوق، وإعادة التأهيل، والترضية، بما في ذلك إعادة الاعتبار لكرامة الشخص وسمعته، وضمانات بعدم التكرار (الاتفاقية، المادة 12 الفقرتان 4، 5).
إن المحكمة المعنية بالنظر في حالات الاختفاء القسري يتوجب عليها عند تحميلها للمسؤولية الجزائية ألّا تترك مسألة تعويض ضحايا الاختفاء القسري، من دون أن تبت فيها، فالمساءلة الجزائية عن هذه الجريمة شديدة الارتباط بها، الأمر الذي يتطلب تنظيماً قانونياً، أي إصدار قانون خاص ينظم هذه المسألة، فضلاً عن أهمية استحداث صندوق خاص بالتعويضات المالية عن الأضرار المادية والمعنوية المترتبة على الاختفاء القسري، فمن دون ذلك ستكون المساءلة الجزائية عن حالات الاختفاء القسري غير كاملة، وتبقى محل نظر.
وبهذا الخصوص يمكن أن تثار في بعض الحالات مسألة التعويضات بالنسبة للأشخاص المتعرضين للاختفاء القسري، الذين لا يتوصل التحقيق إلى معرفة مصائرهم، مما يستدعي منح ذويهم، في بعض الحالات، شهادات وفاة أو إتخاذ المحاكم قراراً قضائياً بذلك من أجل حل عدد من القضايا ذات الطبيعة الأسرية أو المالية، وهو ما يعني في واقع الحال تكييف واقعة الاختفاء القسري في هذه الحالة بوصفها جريمة قتل. الا أن إتباع هذا الإسلوب في معالجة قضايا الأشخاص المغيبين يتعارض تماماً مع ضمان العقاب العادل لضحايا الاختفاء القسري وإنصافهم، حتى في حالة حصولهم على أساس ذلك على التعويضات المناسبة، بوصفهم شهداء الشعب والوطن.
إن هذه الإشكاليات وغيرها يمكن أن تؤدي إلى عدم العقاب عن حالات الاختفاء القسري، وإلى احتمال تكرار ارتكابها في المستقبل، وإلى المساس بسمعة القانون وثقة المجتمع بالمحاكم الجنائية الوطنية، وخاصة في تلك الدول التي شهدت تأريخاً طويلاً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل العراق.
الخاتمة
توصلنا من خلال هذا البحث إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات، التي ندرجها على الوجه الآتي:
أولاً: الاستنتاجات:
- حُدد الاختفاء القسري بوصفه من الانتهاكات القانونية المستقلة لأول مرة على الصعيد الدولي في إعلان حماية كافة الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 1992، وكذلك على الصعيد الإقليمي في الاتفاقية الأمريكية بشأن الحماية من الاختفاء القسري لعام 1994.
- عرفت إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 الاختفاء القسري بكونه ” الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
- (3) إن الاختفاء القسري، الذي يمارس بصورة منهجية ومنظمة يعدّ جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة (5) من إتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 ، ونصت عليه المادة (7) فقرة (1- ط) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية بوصفه من الجرائم ضد الإنسانية التي تدخل دائرة إختصاصها.
- يعاني العراق من كثير من حالات الاختفاء القسري، التي أكدت حصولها منظمات حقوق الإنسان، الدولية والوطنية، على حد سواء، كما ووثقتها منظمة الأمم المتحدة، وبعثتها لمساعدة العراق (يونامي).
- لم يفِ العراق لحد الآن بالتزاماته النابعة من إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، هذا على الرغم من إنضمامه إليها منذ 12/10/2010، وذلك بتجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه، مما يشكل أساساً أيضاً لعدم تطبيق التزاماته الدولية الأخرى فيما يتعلق بالتصدي لحالات الاختفاء القسري في العراق.
- يؤدي الدور المؤثر لعدد من الجهات السياسية في المجتمع العراقي وفرض سطوتها على الحكومة العراقية، لاسيما وأن الحكومات العراقية منذ سقوط النظام البائد كانت صنيعة هذه الجهات، وعلى وفق مبدأ المحاصصة، إلى المماطلة في الغالب في إتخاذ الاجراءات الكفيلة بالتصدي لحالات الاختفاء القسري.
- تلعب الفصائل المسلحة في العراق دوراً مؤثراً أيضاً في عملية إتخاذ القرار بفعل كونها أجنحة مسلحة للتيارات السياسية أو تحظى بدعم الدول الإقليمية، وكذلك لضعف الدولة، مما يعوق إجراءات التحقيق في حالات الاختفاء القسري، لاسيما وأن الاتهامات موجهة إليها بارتكابها.
- من الأهمية إشراك منظمات المجتمع المدني في التحقيق والمحاكمة في حالات الاختفاء القسري في العراق، بوصفها الرقيب الاجتماعي على أعمال الحكومة، مما سيدل على صدق نية الحكومة في الكشف عن الحقيقة في حالات الاختفاء القسري، والتوصل إلى العدالة الاجتماعية المنشودة.
- إن التزام الموقف الفاعل والشجاع من طرف الحكومة العراقية له أبلغ الأثر في الكشف عن حالات الاختفاء القسري، ومعاقبة الجناة عنها، وتحقيق العدالة للضحايا فيها.
- إن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 لا يتضمن نصوصاً تجرم الاختفاء القسري وتعاقب عليه، الا أن هذا لا يستبعد تطبيق مواده الخاصة بالعقاب عن الخطف أو الاحتجاز أو القبض غير القانوني أو التعذيب أو القتل أو الإيذاء البدني، أو ما شابه، مما يعني إفلات المذنبين من العقاب عن جريمة الاختفاء القسري تحديداً، ومن ثم عدم إنصاف الضحايا، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.
- إن تجريم الاختفاء القسري بوصفه من الجرائم ضد الإنسانية في القانون العقابي العراقي على غرار عدد من دول العالم لا يمكن أن يعني تطبيق أحكامه في المستقبل على حالات الاختفاء القسري، لاسيما وأن ذلك يتطلب مراعاة توافر شروطها التي حددتها المواثيق الدولية.
- إن التعويضات التي تمنح لضحايا الاختفاء القسري في العراق تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لاستكمال المسؤولية الجزائية عن هذه الجريمة وتحقيق العدالة الاجتماعية، الا أن عّد الأشخاص المغيبين قتلى (شهداء) من أجل منحهم التعويضات، يجانب الصواب، ويتعارض مع مبادئ العدالة، ويعدّ من أشكال الإفلات من العقاب عن حالات الاختفاء القسري.
ثانياً: التوصيات:
- نوصي بأن تضطلع الحكومة العراقية بدور جدي ومستقل وعاجل وفاعل في التصدي لحالات الاختفاء القسري، وعدم الوقوف حيالها موقف المتفرج، فهذا يفقدها ثقة المواطنين فيها، مما يتطلب منها التصدي بنفسها لمكافحتها.
- نوصي بإشراك منظمات المجتمع المدني في إجراءات التحقيق والمحاكمة في القضايا المتعلقة بالاختفاء القسري، مع ضرورة إطلاع عائلات الضحايا على مجرياتها.
- نوصي بأن تستند الصياغة التشريعية لمفهوم الاختفاء القسري إلى إتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، مع ضرورة التوسع فيها بإضافة فقرات تتضمن العقاب عن حالات الاختفاء القسري في حالة ارتكابه من طرف جهات غير تابعة للدولة، أو من دون إذن منها أو موافقتها.
- نوصي بتحديد عقوبة جنائية تتناسب مع طبيعة جريمة الاختفاء القسري وخطورتها، سواءً أكانت جريمة ضد الإنسانية، أم جريمة جنائية عادية.
- نوصي بالأخذ بتوصيات الفريق العامل التابع لمنظمة الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بخصوص تجريم الاختفاء القسري والعقاب عليه، ولاسيما تقريره الموسوم بـ (أفضل الممارسات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية).
- نوصي أن تفي الدولة العراقية بالتزاماتها النابعة من إتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 ، ولاسيما ما يتعلق بإجراء التحقيق الفعال في حالات الاختفاء القسري، التي شهدها العراق، المرتبطة بتظاهرات تشرين الأول، وكذلك حالات الاختفاء القسري الأخرى كافة.
قائمة المصادر
أولاً: الكتب:
- كينيدي، جون ف. (2019)، ضروب من الشجاعة، ترجمة لجنة من الأساتذة الجامعيين، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة.
- بكة، سوسن تمرخان، (2006)، الجرائم ضد الإنسانية في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان.
- السامرائي، شفيق، (2014)، حقوق الإنسان في المواثيق والاتفاقيات الدولية، دار المعتز للنشر والتوزيع، عمان.
- ناصر، مازن خلف، (2017)، الحماية الجنائية للأشخاص من الاختفاء القسري، دراسة مقارنة، المركز العربي للنشر والتوزيع، القاهرة.
- العنبكي، نزار ، (2012)، المسؤولية الجنائية الدولية في ضوء القانون الدولي ، دراسات الشرق الأوسط ، الجزائر.
ثانياً: الرسائل العلمية:
- المطري، فلاح مزيد، (2011)، المسؤولية الجنائية الدولية للأفراد في ضوء القانون الدولي الجنائي ، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط.
ثالثاً: البحوث:
- رشيد، ساكار عزيز، (2019)، دور منظمات المجتمع المدني في مراقبة المؤسسات التشريعية، دراسة استطلاعية لآراء عينة من المواطنين في إقليم كردستان، مجلة جامعة السليمانية للعلوم الإنسانية، (B)، العدد (1).
- منذر، هدى هاتف ، كريدي، علي جبار ، نصيف، صلاح مهدي، (2019)، تدابير الحماية الوطنية لجريمة الاختفاء القسري، دراسة مقارنة، مجلة كلية الحقوق، الجامعة المستنصرية، العدد (21).
رابعاً: الإتفاقيات والوثائق الدولية:
- الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، متاح على الرابط الإلكتروني:
- (2) (أفضل الممارسات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية)، تقرير الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، 28/12/2010، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://hrlibrary.umn.edu/arabic/AR-HRC/AHRC16-27.pdf
- تقرير الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، (A/HRC/42/40)، 30 يوليو 2019، متاح على الرابط الإلكتروني:
- تقرير بعثة الأمم لمساعدة العراق (يونامي)، 23 آيار 2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
- تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، حالات الاختفاء القسري من محافظة الأنبار 2015-2016، المساءلة عن الضحايا وحق معرفة الحقيقة، بغداد، 30/8/2020، متاح على الرابط الإلكتروني السابق.
خامساً: الإتفاقيات والوثائق الإقليمية:
- الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان لعام 1948، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://hrlibrary.umn.edu/arab/am15.html
- الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://hrlibrary.umn.edu/arab/am2.html
- الإتفاقية الأمريكية بشأن الحماية من الإختفاء القسري لعام 1994، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://www.oas.org/juridico/english/treaties/a-60.html
سادساً: نظم المحاكم الجنائية الدولية وقراراتها:
- النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، متاح على الرابط الإلكتروني:
- قرار المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في قضية ( كايشيما)، متاح على الرابط الإلكتروني:
Kayishema, Judgment, 21 May 1999, Par.123.
سابعاً: قرارات محاكم حقوق الإنسان:
- قرار المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان في قضية (Velásquez Rodríguez) ضد الهندوراس، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://www.corteidh.or.cr/docs/casos/articulos/seriec_01_ing.pdf
- قرار المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في قضية (Aslakhanova and Others) ضد روسيا، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://hudoc.echr.coe.int/eng?i=001-115657
ثامناً: وثائق منظمات حقوق الإنسان:
- (1) “إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي”، تقرير منظمة (مراقبة حقوق الإنسان) الخاص بالعراق، مايو 2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
- تقرير (منظمة العفو الدولية) لعام 2019 حول العراق، متاح على الرابط الإلكتروني:
- (3) (يجب إنهاء الاختفاء القسري للمواطنين حالاً)، عريضة منظمات حقوق الإنسان، 11 يونيو 2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
تاسعاً: وثائق المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان في العراق:
- تقرير المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان في العراق الخاص بحرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي للفترة من 18/12/2019 ولغاية 23/1/2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://ihchr.iq/upload/upfile/ar/124.pdf
- تقرير عن مدى التزام العراق بتنفيذ بنود اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، بغداد، 2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://ihchr.iq/upload/upfile/ar/134.pdf
عاشراً: القوانين العراقية:
- دستور العراق لعام 2005، متاح على الرابط الإلكتروني:
- قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969.
- قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لعام 2005، ، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://iraqld.hjc.iq:8080/LoadLawBook.aspx?SC=290320063454599
حادي عاشر: الجريدة الرسمية:
- الوقائع العراقية، العدد (4158) في 12/10/2010.
ثاني عشر: المصادر الإلكترونية:
- تصريح وزير الدفاع العراقي السابق (نجاح حسن علي الشمري) في 14/11/2019، متاح على الرابط الإلكتروني:
- سعد، عبدالحميد حسن ، مشهد المحاصصة في العراق، مركز الدراسات الاستراتيجية، جامعة كربلاء، 30/3/2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
http://kerbalacss.uokerbala.edu.iq/wp/blog/2016/03/30/
- زيدان، فائق، استقلال القضاء بين الشعار والتطبيق، مجلس القضاء الأعلى، 19/9/2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
- إلياس فراس ، الفصائل المسلحة وثنائية الرفض والقبول في العراق، نون بوست، 14/4/2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
(5) نايتس، مايكل ، الرد بذكاء على تكتيكات المضايقة التي تعتمدها الميليشيات العراقية، معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى، 29/7/2020، متاح على الرابط الإلكتروني:
- أشهر مقولات توماس جيفرسون، متاح على الرابط الإلكتروني: