أ.م.د. حقّيّ إسماعيل الجبوريّ
الجامعة المستنصرية / كلية التّربية ـ قسم اللّغة العربيّة
Phd.lanquage66@gmail,com
009647516544827
الملخص
يُعَدُّ ترتيب مكوّنات النّصّ من عناصر النّظام اللّغويّ، على المستوى النّحويّ، فمن خصائص اللّغات، أن يكون لها نظام خاصّ بكلّ منها، وكلّ نظام يحقّق لها ترتيب أجزاء الجملة؛ وأوّل وظيفة من وظائف التّرتيب، ربط أجزاء النّصّ في بنيته السّطحيّة، ولا علاقة له ببنيته العميقة؛ لأنّ العميقة تُعَدُّ المعنى الموجود في الذّهن، فلا تتغيّر صورته، وإنّما يكون التّغيّر في البنية السّطحيّة، فتنتظم الألفاظ بنسيج لغويّ، يترجم البنية العميقة. إلى جانب أنّ النّظام اللّغويّ، أسهم في إيجاد وسائل ترابط الجملة، الّتي تعتمد على الفهم حينا، وعلى إدراك ما يُلْحَظُ من قرائن ودلائل، وإدراك المعنى ذهنيّا حينا آخر.
ووجود هذه الوسائل مخصوص بالإبانة عن علاقات الجملة، وصولا إلى معنى صحيح، يريده المخاطِب، ويفهمه المخاطَب، إلى جانب إبعاد ما يُحْتَمَلُ أن يتوارد على الجملة من لبس.
وهذا البحث في رواية، عنوانه “امرأة بنقطة واحدة” ـ قراءة في تفكيك رُتَب جملة الفعل المتعدّي ومعانيهاـ، تلك الرّواية الّتي أقامها الرّوائيّ، والتي اجتذب عنوانها تفكيري، فعقلتها وتوكّلت، متّبعا منهج التّفكيك النّحويّ، في تحليل العلاقات بين عناصر النّصّ، وعن طريق هذا التّفكيك، تتّضح الرّوابط بين رصّ الألفاظ رصّا.
والعنوان ـ كما يبين ـ، يشير إلى دراسة رتب حدود الجملة الفعليّة، مقتصرا على ما يتعدّى فعلها إلى مفعول واحد داخل الرّواية؛ ابتغاء عدم الإطالة، وقد وجدت أنّ نصّ الرّواية، قد التزم التزاما كاملا بقوالب صنعة النّحو، فكانت هناك رتب محفوظة، وغير محفوظة، مع بقاء وظيفة الحدود قائمة، وتلّمست تغيّر المعنى الّذي تحدثه الرّتبة غير المحفوظة.
وهذا البحث يركّز على رتبة نحويّة، تعمل على إحياء معنى جديد، لكلّ جملة، وعزّزته بأنموذجات مقتَبَسَة، متنوّعة، من الرّواية المذكورة، بين الأسماء الظّاهرة والضّمائر، للفاعل والمفعول على السّواء. وقد بيّنت كذلك، ما يكون عليه المعنى، في حال أن يكون نظام الجملة الفعليّة بنحو معيّن من التّرتيب، أو بنحو مغاير.
ثمّ تعرّضت لأفعال قد استُعْمِلَت في نصّ الرّواية، نُقِلَت من مجال معنويّ إلى آخر؛ كي يحقّق النّصّ قصدا معيّنا، وكان لمصنّفات النّحو واللّغة، أثر عميق في تعضيد هذه المعاني، الّتي أشرت إليها داخل أوراق البحث.
ويمكن إدراك المعنى المُتَوَخَّى، وفهمه على مستوى الجملة، بوسائل ثلاث؛ علامة الإعراب، والرّتبة، وقرينة المعنى. وبما أنّ الحديث يدور حول أمر الرّتبة، فليس هناك بدّ من بيان قرينة الإعراب؛ لسبقها الرّتبة، من حيث دلالتها على المعنى المختفي، وراء تلك الألفاظ المرصوفة، وهذا كلّه ممّا يقوم على تبيانه البحث الّذي كُتِبَ في رواية، لم يكتب فيها أحد قبل.
الكلمات المفتاحيّة: بسّام، السّالم، رتب، الفعل، المتعدّي، معانيها .
A Woman with One Point” by Ward Bassam Al-Salem – A reading in deconstructing the ranks of the transitive verb sentence and its meanings –
Ass. Prof. Dr Haqi Ismail Al-Jubouri
Al-Mustansiriya University / College of Education – Department of Arabic Language
Abstract
The arrangement of the components of the text is one of the elements of the linguistic system, on the grammatical level, it is one of the characteristics of languages that they have a system for each of them, and each system achieves the order of the parts of the sentence for them. The first function of the arrangement is to link the parts of the text in its superficial structure, and it has nothing to do with its deep structure. Because the deep is the meaning present in the mind, its image does not change. Rather, the change is in the surface structure, and the words are organized into a linguistic fabric that translates the deep structure. In addition to the linguistic system, it contributed to the creation of means of sentence correlation, which depend on understanding at times, on the perception of what is observed in terms of evidence and evidence, and mentally realizing the meaning at another time.
And the existence of these means is specific to clarifying the sentence relationships, reaching a correct meaning, wanted by the addressee and understood by the addressee, as well as excluding what is likely to come to the sentence in terms of confusion.
And this research is in a novel, entitled “A Woman with One Point” – a reading in deconstructing the ranks of the transitive verb sentence and its meanings. In deconstruction, the links between the stacking of words become clear. The title – as it appears – refers to the study of the order of the actual sentence boundaries, limiting it to more than one verb within the novel. In order not to be prolonged, I found that the text of the novel adhered fully to the forms of grammar, so there were ranks preserved, unsaved, with the function of the boundaries remaining in place, and I felt the change of meaning given by the unreserved rank.
This research focuses on a grammatical order that works on reviving a new meaning for each sentence, and reinforcing it with various examples from the aforementioned narration, between the pronouns and the pronouns, of the subject and the object alike. I have also indicated what the meaning would be if the verbal sentence system is in a certain way of order, or in a different way.
Then I was exposed to verbs that were used in the text of the novel, which was transferred from one intangible domain to another. For the text to achieve a specific purpose, the syntax and language classifiers had a profound effect in consolidating these meanings, which I referred to in the research papers.
The intended meaning can be perceived and understood at the sentence level in three ways: The parsing sign, the rank, and the contextual meaning. Since the conversation revolves around the matter of rank, there is no need to clarify the contextualization of the parsing. It was preceded by the rank, in terms of the significance of the meaning hidden behind those words that are stacked, and this is all that is based on the research that was written in a novel, which no one has written about before.
Keywords: bassam, peace, ritual, verb, transgressive, meaning.
مقدّمة
البحث الموسوم بـ: (“امرأة بنقطة واحدة” قراءة في تفكيك رُتَب جملة الفعل المتعدّي ومعانيها)، بحث في رواية اجتذب عنوانها تفكيري، فعقلتها وتوكّلت، متبّعا نظام التّفكيك النّحويّ؛ لتحليل العلاقات بين عناصر النّصّ، وعن طريق التّفكيك تتّضح الرّوابط بين الألفاظ، ويشير العنوان إلى دراسة رتبة حدود الجملة الفعليّة، مقتصرا على ما يتعدّى فعلها إلى مفعول واحد داخل الرّواية، وقد أشرت إلى تعرّض الرّوائيّ لقوالب صنعة النّحو، فكانت هناك رتب محفوظة وغير محفوظة، مع بقاء وظيفة الحدود قائمة، وتلّمست تغيّر المعنى الّذي تحدثه الرّتبة غير المحفوظة، وهذا البحث لا يتحدّث عن تقديم وتأخير كظاهرة، وإنّما ركّز على رتبة نحويّة، تعمل على إحياء معنى جديد لكلّ جملة، وعزّزته بأنموذجات من الرّواية، ما بين أسماء ظاهرة وضمائر، للفاعل والمفعول، وقد بيّنت ما يكون عليه المعنى، في حال أن يكون نظام الجملة الفعليّة بنحو معيّن من التّرتيب، أو بنحو مغاير، ثمّ تعرّضت لأفعال استعملها الرّوائيّ، عاملا على نقلها من مجال معنويّ إلى آخر لقصد، وكان لمصنّفات النّحو واللّغة أثر عميق في تعضيد هذه المعاني الّتي أشرت إليها داخل أوراق البحث.
يمكن إدراك المعنى المُتَوَخَّى، وفهمه على مستوى الجملة، بوسائل ثلاث؛ هي: علامة الإعراب، والرّتبة، وقرينة المعنى. وبما أنّ الحديث يدور حول أمر الرّتبة، فليس هناك بدّ من بيان قرينة الإعراب؛ لسبقها الرّتبة، من حيث دلالتها على المعنى المختفي، وراء تلك الألفاظ المرصوفة. فالإعراب تغاير أواخر الكلمات؛ نتيجة تعاقب العوامل لفظا، أو تقديرا. أمّا علامة الإعراب فهي إشارات دالّة على أثر العوامل في الأسماء؛ مبيّنة العلاقة الواقعة بين العامل والمعمول. ومن هنا فإنّ الإعراب يُعَدُّ وسيلة تسهم في إيجاد ترابط بين عناصر التّركيب النّحويّ، وهذا التّرابط نتيجة للبناء الصّحيح. ويندرج تحت الإعراب ثلاثة أمور مهمة؛ هي: الموقع، والحالة، والعلامة. والعلامات تحسم معاني الجمل؛ لدلالتهنّ على تنوّع المعاني بتغايرها، فهنّ أهمّ ما تحويه الجملة بعد تكوين معناها. ومن هنا قِيْل إنّ: “الأسماء لما كانت تعتورها المعاني، وتكون فاعلة، ومفعولة، ومضافة، ومضافة إليها، … جُعِلَت حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني، فقالوا: ضَرَبَ زيدٌ عمرًا، فدلّوا برفع زيد على أنّ الفعل له، وبنصب عمر على أنّ الفعل واقع به. وقالوا: ضُرِبَ زيدٌ، فدلّوا بتغيير أوّل الفعل، ورفع زيد، على أنّ الفعل ما لم يسمّ فاعله، وأنّ المفعول قد ناب منابه .. فجعلوا هذه الحركات دلائل عليها؛ ليتّسعوا في كلامهم. ويقدّموا الفاعل إذا أرادوا ذلك، أو المفعول عند الحاجة إلى تقديمه ( الزجاجي ،1979،ص69 ؛ السامرائي، 2000،ص21 ) ، أمّا: “الإعراب فَبِهِ تُمَيَّزُ المعاني، ويُوْقَفُ على أغراض المتكلّمين، وذلك أنّ قائلا لو قال: ما أحسن زيد غير معرب، أو: ضرب عمر وزيد غير معرب، لم يُوْقَفْ على مراده، فإذا قال: ما أحسنَ زيدًا!، أو: ما أحسنُ زيدٍ؟، أبان بالإعراب عن المعنى الَذي أراده، وللعرب في ذلك ما ليس لغيرها، فهم يفرّقون بالحركات وغيرها بين المعاني ( ابن فارس ،1963،ص20-24).
وللحركة دلالات بيّنة على المعاني الّتي تستوطن الجمل. أمّا المعاني الّتي تسكن الأسماء فإنّما هي طارئة؛ لأنّ مع كلّ حركة معنى جديدا؛ فاعلة، ومفعولة، ومضافة. وتُعَدُّ الرّتبة الوسيلة الثّانية من وسائل ترابط الجمل، ويعدل إليها المخاطِب عند انتفاء قرينة الإعراب، وبها يتحقّق المعنى نفسه، فيما لو توافرت عليه العلامات؛ ولأنّها بديل عن العلامات في التّفريق بين عناصر الجملة، أوجب النّحويّون التّمسّك بها لقدرتها، حيث تأديتها وظيفة ربط عناصر الجملة مع بعضها بعلاقات. وأشارت المعجمات إلى أنّ: “الرُّتبة بالضّمّ، والمرتبة: المنزلة ( الزبيدي ،1306ه، ص414) ، فرتبة الفاعل منزلته في الجملة، وما يؤدّيه من وظيفة، وكذا المفعول، وغيرهما.
أمّا اصطلاحا فالرّتبة: “قرينة لفظيّة وعلاقة بين جزأين مرتّبين من أجزاء السّياق، يدلّ موقع كلّ منهما على معناه ( تمام ،1994،ص209)، و:”ملاحظة موقع الكلمة من التّركيب الكلاميّ ( الساقي ،1977،ص186؛ إبراهيم ،2017،ص85). وبما أنّ لكلّ لغة نظاما خاصّا بها، فإنّ لكلّ لغة ترتيبا خاصّا، تخضع له الجملة فيها، وهذا التّرتيب لا يتحوّل إلى كلام فعليّ، ما لم يُحَدَّدْ ترتيب المعنى أوّلا، ثمّ يخضع هذا التّرتيب إلى القواعد الّتي تحكم الجملة، فتتحوّل إلى أشكال وأنماط متعدّدة بهيأة بنية سطحيّة، مع مراعاة أنّ كلّ عنصر من عناصر الجملة قد يتعرّض لتغيير موقعه، متى ما دعا لذاك داع عند المخاطِب. إنّ تغيير موقع أحد أجزاء الجملة، أمر جائز في اللّغة، وربّما يسهم هذا التّغيير في إضفاء بروز أكثر للمعنى. وهناك نوعان من الرّتبة النّحويّة ( الجرجاني ، 1961، ص60؛ تمام ،1994، ص191) : أحدهما: رتبة محفوظة أو مقيَّدَة، أو ملتَزَمَة ( الجرجاني ،1961، ص73؛ إبراهيم ،2017، ص85): ويراد منها: “موقع الكلمة الثّابت؛ متقدِّما، أو متأخِّرا، في التّركيب الكلاميّ، بحيث لو اختلّ هذا الموقع لاختلّ التّركيب باختلاله؛ ولذلك عُدَّت الرّتبة، من الظّواهر الشّكليّة، الّتي يمكن بها تحديد موقع الكلمة بين أقسام الكلام، كما يمكن تحديد معنى الأبواب النّحويّة ( الساقي ،1977،ص186؛ السامرائي ،2000،ص16)، ومن ثَمَّ معرفة الوظائف الّتي تؤدّيها.
الثّانية: رتبة غير محفوظة أو حرّة، أو مطلقة( الفوزان، دون سنة نشر ، ص335؛ السامرائي ،2014 ،ص378): وتدلّ على موقع الكلمة غير الثّابت في التّركيب، وهذا الموقع قد يتقدّم حينا، وحينا يتأخّر. فبعض عناصر الجملة تمتلك حرّيّة انتقال إلى مواقع أخرى، داخل بناء الجملة نفسها، غير أنّ بقاءها محتفظة بالحالة الإعرابيّة نفسها؛ لأمن اللّبس، فيكون تقدّمها كتأخّرها. كالفاعل، والمفعول؛ تقديما، وتأخيرا؛ جوازا، ووجوبا، وممتنعا، أو قرينة معنى (تمام ،1994، ص191؛ إبراهيم ،2017، ص86). إنّ التّقديم دليل العناية والاهتمام، وكلّ تغيير في البنية السّطحيّة، أساسه تغيير في البنية العميقة؛ ولذلك تعاقب النّحويّون لتفسير تراكيب خالفت التّرتيب الأصل، مخرِّجين إيّاها بتعليلات وتأويلات، ليجعلوها متوافقة وقواعد اللّغة.
أما عن رتبتي الفعل والفاعل، فعلاقتهما علاقة عامل بمعمول، و:”رتبة العامل قبل رتبة المعمول ( الأنباري ، دون سنة نشر ، ص68)، وهذا أصل الجمل الفعلية، من حيث محافظتها على التّرتيب. وفي رواية “امرأة بنقطة واحدة” لـ وارد بدر السّالم، جاءت الجملة الفعليّة، ذات الفعل المتعدّي إلى مفعول واحد، والمفعول فيها ممن حُفِظَت رتبته أحيانا، وأحيانا لا، مع التزام النّصوص بقواعد النّحو؛ ولذلك أجده لا يحتفظ بموقعه في الجملة؛ متأخّرا عن الفعل والفاعل، وإنّما كانت له حرّيّة حركة في موقعه، بتطبيق أنظمة متعدّدة. إنّ للجملة الفعليّة مواضع إجازة تغيير في مواقع حدودها النّحويّة، ومواضع وجوب، ومواضع منع، ذكرتها مصنّفات النّحو( عبد السلام ،1983،ص56 ؛ ابن عقيل ،1980،ص96؛ السامرائي ،2000،ص54)، وكما هو آت:
عامل معمول> معمول >
1 . التّرتيب الأصل: \ الفعل + الفاعل + المفعول
$ $ $
متعدّ $ ( ‘ $ ( ‘
مفرد مثنّى جمع مفرد مثنّى جمع
2 . التّرتيب الفرع: وفيه تفصيل:
: عامل معمول> معمول >
أ . الفعل + المفعول + الفاعل
: معمول ” عامل ! معمول >
ب . المفعول + الفعل + الفاعل
(وهذان التّرتيبان فيهما ما هو جائز، وما هو واجب، وما هو ممتنع)
وقد ذكر النّحويّون في مصنّفاتهم، تلك المواضع بتفرّعاتها وأسبابها(السامرائي،2000،ص230) ، وأشير إلى أنّه يجب التّفريق بين وظيفة الحدّ النّحويّ، ورتبته، فوظيفة الفاعل القيام بحدث الفعل، ورتبته التّوسّط بين الفعل والمفعول، وتنوّعت أساليب استعمال الحدَّين في الرّواية بنحو يمكنني من جعلها على محاور، نحو:
j ورود الفاعل والمفعول اسمين ظاهرين (عبد السلام ،1983،ص34 ؛ السامرائي ،2014، ص408)، وفي هذه الحال، فإنّ فاعل الخطاب أٌجِيْزَ له تقديم أيّهما شاء؛ ولذلك جاء نصّ الرّواية محتفظا بتقديم الفاعل، وتأخير المفعول، والعكس صحيح، فمثلا:”حاولت السّيّدةُ إخفاءَها (السالم ،2018،ص65)فـ:
: عامل معمول > معمول >
حاولـ + ت + السّيّدةُ + إخفاءَ + هـ + ــا
$ $ $ $ $ $
ف ماض للتّأنيث فا مف به م إليه للتّأنيث
متعدّ رتبة محفوظة مضاف
kl رتبة محفوظة
يبرز فيه دلالة الاهتمام والعناية بتقديم الفاعل، والجملة هنا تقدّم خبرا ابتدائيّا يوجه إلى المخاطَب خالي الذّهن، مفاده محاولة الفاعلة، فالتّركيز جاء على إسناد المحاولة للفاعلة، فتقيّده بمعنى، والجملة تمثّل إخبارا جديدا، فكأنّه سؤال عن الفاعل، نحو: من حاولتْ؟ أو عن المفعول، نحو: ماذا حاولتْ؟، ومن ذلك ما ورد كثيرا في صفحات الرّواية ( المصدر السابق ، ص69)، فكان الاهتمام منصبّا على إبراز حدث المحاولة + زمنها + الفاعل، مبيّنا التّركيز على تقديم لفظ السّيّدة على الإخفاء، ممّا يعني أنّ الإخفاء لم يكن الكلام موجّها إليه بالقصد، بقدر ما كان التّركيز على الفاعلة. ومجيء كليهما اسما ظاهرا يبيح تقديم أيّ منهما على الآخر، وتحكمنا الحركة هنا في تحديد وظيفة الحدّ؛ فجاء معنى المخاطِب مرتّبا، بحدث محاولة في زمن ماض، وجاءت تاء تأنيث الفعل؛ لأنوثة الفاعلة، ثمّ أُرْدِفَ الفعل بالفاعلة، وأُخِّرَ المفعول الذي تعلّق بالفعل، فوقع عليه.
k ورود الفاعل اسما ظاهرا، والمفعول ضميرا متّصلا، وهذا من مواضع وجوب تقديم المفعول، وتأخير الفاعل ( الأشموني ،1955، ص176 ؛ السامرائي ،2000، ص54)، بحكم القاعدة المبنيّة على الاستقراء ( الفوزان ، دون سنة نشر ، ص330، ؛ إبراهيم ،2017، ص91)، ومن ذلك في الرّواية، ومنه:”وافقته السّيّدةُ وهزّت رأسه، ثمّ قال متطّلعا إلى الأكشاك الّتي يتجمّع حولها بعض الشّبان وفتيات الكلّيّات ( السالم ،2018، ص93)، على أساس أنّ:
: عامل معمول > معمول >
وافقَـ + تْ + ــــــهُ + السّيّدةُ
$ $ $ $
ف ماض للتّأنيث مف به مقدّم فا مؤخّر
متعدّ وجوبا وجوبا
رتبة غير محفوظة %( رتبة غير محفوظة
وحقيقة الأمر بهذا التّقديم الواجب، حدث تغاير في رتبة المفعول والفاعل؛ لأجل العناية والاهتمام؛ وصولا إلى معنى أبلغ ممّا لو التزم كلّ منهما برتبته الأصل؛ لأنّ المفعول لا يتقدّم على الفاعل إلّا لدافع معنويّ.
إنّ هذا النّمط ممّا استعملته العرب، فتقدّم ما هو أكثر بيانا للغرض المقصود، ونجد أنّ الاهتمام هنا موجَّه للهاء الواقع مفعولا به، وهو ضمير عائد إلى مذكّر، وهذا الاستعمال مجاز لاتّساع المخاطِب في خطابه، وهي إباحة مقيّدة؛ لذلك عُدَّ هنا المفعول المحور الأهمّ في الحديث الرّوائيّ؛ ولأنّه الأهمّ قُدِّمَ على الفاعل، مع احتفاظ كلّ منهما بوظيفته، غير أنّ رتبتهما هنا غير محفوظة.
إنّ تقديم المفعول يعني أنّ التّركيز توجّه إليه حقيقة، فجاءت التّكنية بالضّمير متقدِّما على الفاعل، وهذا توسّط أوجبته صناعة النّحو. أقول: إنّ النّحويّين أشاروا إلى أنّ المقصود بالكلام هو المفعول، وفي مثل هذه الاستعمال، يتوجّه القصد إلى من وقع عليه الفعل، بعد إجراء الخبر الابتدائيّ.
l ورود الفاعل ضميرا، والمفعول اسما ظاهرا، وهذا من مواضع وجوب تقديم الفاعل وتأخير المفعول( الزمخشري ،2004،ص60 ؛ السامرائي ،2000، ص85)، ولهذا المحور استعمالات متنوّعة وردت في الرّواية، فالنصوص لم تقتصر على ضمير واحد يكون هو الفاعل في الاستعمال، وإنّما تنوّع الأسلوب، بتنوّع الحدث وفاعله؛ وكما يأتي بيانه:
أوّلا : مجيء الفاعل ضميرا، والمفعول اسما ظاهرا، وهنا ورد الضّمير بنوعين:
1 . ضمير مستتر، وفيه فروع متعدّدة، إذ تنوّع الضّمير المستتر الّذي يُعْرَبُ فاعلا؛ لأنّه ضمير رفع، بين مخاطِب ومخاطَب، وغائب، وفي الكلام تفصيل:
أ . مجيء الفاعل ضميرا مستترا، بصيغة المتكلّم المفرد أنا، جاء في الرّواية:”لا أفهم معنى أن تكون أشجار السّدر في حديقة كهذه ( السالم ، 2018،ص28). إنّ تفكيك النّصّ إلى:
:ح نفي : عامل معمول;
لا + أفهم + معنى + أن + تكون + أشجار + السّدر
$ $ $ $ $ $
ف مضارع مف به ح مصدريّ ف مضارع اسم تكون م إليه
$ مضاف ناصب ناقص منصوب مضاف
فا مستتر وجوبا تقديره 8 مصدر مؤول 9
أنا !رتبة محفوظة 9 8 تقديره: كَوْن (م إليه)
يوضح أن فاعل أفهم ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، وبان المفعول؛ لبيان بقاءه محتفظا بذكريات استقرّت في الذّهن؛ ليثبت للمخاطَب اختزانه بذكريات لم ينسها.
ب . مجيء الفاعل ضميرا مستترا، بصيغة مفرد مذكّر مخاطَب أنتَ، ويبرز عنصر الخطاب الصّريح المباشر، وينبئ بعمليّة خطاب متكاملة. ففي قول الرّوائيّ:”فانزع من مخّك صبيانيّات صعاليك الفنّ ( المصدر السابق ،ص90):
:عامل معمول>
انزع + من + مخّـ + ك + صبيانيّاتـ + ك
$ $ $ $ $ $
ف أمر متعدّ ح ج اسم مجرور م إليه م به مضاف م إليه
فا مستتر وجوبا مضاف
تقديره: أنت ! رتبة محفوظة 9
تبدو علاقات المعنى واضحة داخل نسيج الجملة، وهذا تقدّم واجب للفاعل المضمر. فالفعل انزع أمر موجّه لواحد مذكّر، ويجب إضمار الفاعل بعده، أمّا الرّتبة هنا فمحفوظة لهما، وإضمار الفاعل يشير إلى أنّ وقوع معنى الفعل الأمر على فاعل النّزع، والنّزع هنا بمعنى التّخلّي؛ وفي التّعبير بـ انزع، أمر بوجوب التّخلّي عن تلك التّصرّفات.
ج . مجيء الفاعل ضميرا مستترا، بصيغة جماعة المتكلّمين نحن، قِيْل في الرّواية :”ونحتاج الجمال؛ لكي لا نتشوّه، ونحتاج الطّبيعة ( المصدر السابق ،112)“. ولنفكّك النّصّ:
:عامل+معمول> ح نفي> :عامل + معمول>
نحتاج + الجمال + لـ + كي + لا + نتشوّه + و + نحتاج + الطّبيعة
$ $ $ $ $ $ $ $ $
ف مضارع م . به ح ج ح مصدريّ ف مضارع ح ع ف مضارع م به
للتّعليل ناصب فا مستتر وجوبا تقديره: نحن
= ” ج معطوفة على الأولى ” 9
8 ” فاعله مستتر جوازا تقديره: نحن ! 9
8 رتبة محفوظة 9
فاستتر الضّمير نحن وجوبا؛ للتّعبير عن ذوات متعدّدة منصهرة بذات واحدة، ومن هنا ابتدأ الفعل المضارع بالنّون، والتّعبير بـ نحتاج الجمال، ونحتاج الطبيعة، تركيبان يشيران إلى أنّ كلّ شخص بحاجة للجمال وللطبيعة؛ من أجل أنّ المرحلة العمريّة الّتي فيها بطل الرّواية، وبطلتها، إنّما يحتاج فيها كلّ إنسان إلى هذين العنصرين اللّذَين يؤنسان الذّات الإنسانيّة.
ولا يخفى فإنَّ الفاعل والمفعول عنصران احتفظا بوظيفتهما، وبرتبتهما هنا، ومع أنّ الفاعل مضمر إلّا أنّ تكثيف المعنى توجّه إليه، فالتّقديم هنا مع الإضمار، قدّم معنى احتياج الفاعل للمفعول.
د . مجيء الفاعل ضميرا مستترا، بهيأة مفرد مذكّر غائب هو، ومن ذلك في الرّواية:”ولم يكن رصف الحجارة الحديث كافيا لأن يجمّلَ مثلَ هذهِ التّقاطعات ( المصدر السابق ،ص104). إنّ هذا النّصّ البسيط، يسمح لنا بتفكيك عناصره؛ لتبيان المعنى:
: عامل + معمول >
يجمّلَ + مثلَ + هذه + التّقاطعات
$ $ $ $
ف مضارع م به مضاف م إليه بدل من اسم الإشارة
فاعله مستتر جوازا تقديره: هو
8 رتبة محفوظة 9
فجاء الفعل يجمّل وقد استتر فيه ضمير جوازا، عائد على مفرد مذكّر غائب غير عاقل، فَنَقْلُ دلالة الاستعمال منحت النّصّ مُدركَين؛ ذهنيّا، وعمريّا مصحوبا بنفي إفادة رصف الحجارة في تجميل تقاطعات الرّوح، واللّقاء، والوجوه.
وهذه الصّيغة تعطي رتبة محفوظة، وقد يأتي الفاعل ضميرا مستترا، بهيأة مفردة مؤنّثة غائبة هي ( المصدر السابق ، ص105).
ثانيا : مجيء الفاعل ضميرا متّصلا، والمفعول ضمير نصب، أو اسما ظاهرا، فتقدّم الفاعل وجوبا؛ ولذلك فلرتبة الحدَّين محفوظة. وفي الكلام عدّة محاور منها:
منها مجيء الفاعل ضميرا متّصلا، بهيأة تاء المفرد المذكّر المخاطَب. وفي هذه الحال تبقى الرّتبة محفوظة للحدّين، قِيْل:”تلك هي طفولتي شقيّة ومتردّدة وعاشقة منحوتة استخرجتَها من الطّين وصنعتَها على هواك ( المصدر السابق ،92) . فهذا التّركيب للفعلين، فيه بيان:
:عامل معمول> معمول> :عامل معمول> معمول>
استخرج + تَ + هـ + ـا / و + صنع + تَ + هـ + ـا
$ $ $ $ $ $ $ $ $
ف ماض فا م به للتّأنيث ح ع ف ماض فا م به للتّأنيث
متعدّ $ $ متعدّ $ $
رتبة محفوظة رتبة محفوظة
8 ج معطوفة ج على استخرج 9
فالنّصّ بيّن احتفاظ العنصرين بوظيفتهما ورتبتهما، فهما من الرّتب المحفوظة هنا، ومن المنطقيّ أن يتقدّم ضمير الرّفع على ضمير النّصب؛ لأنّ رتبة الرّفع قبل رتبة النّصب، فتقدّم الفاعل وجوبا؛ وانصبّت عناية المحاوِر على فاعل الاستخراج، والصّنع، ومن هنا جاء التّعبير بهاتين الصّيغتين. وورد الفاعل أيضا في الرواية بهيأة تاء المفردة المؤنّثة المخاطَبة ( المصدر السابق ،38)، وبهيأة مثنّى بالألف ( المصدر السابق ،ص46)، أو نون النّسوة (المصدر السابق ،ص56)، وواو الجماعة للغائبين ( المصدر السابق ،ص13)، وفي ذلك كلّه كان الفاعل محتفظا بوظيفته ورتبته، وكذلك المفعول.
m ورود المفعول به مصدرا مؤوّلا، والأصل أن يكون اسما ظاهرا( الفوزان ،دون سنة نشر ، ص334؛ السامرائي ،2000، ص85)، وهناك فرق بين استعمال المصدر المؤوّل والمصدر الصّريح؛ معنويّا، ولفظيا.
فممّا ورد في رواية “امرأة بنقطة واحدة” وقد جاء المفعول به مصدرا مؤوّلا، قوله:”أتريد أن أنسى كلّ شيء ونبقى عجوزين متقاعدين في الدّار؟ ( السالم ،2018 ،ص 90)، فـ أن أنسى مصدر مؤوّل، وكان يمكن استعمال المصدر الصّريح، والتفكيك يظهر الفرق بين نوعي المصدر، فبتفكيك العناصر يبين معنى النّصّ، وإليك ذلك:
همزة استفهام ح مصدريّ ناصب م به مضاف دلالة الاستفهام
# # # #
أ + تريد + أن + أنسى + كلّ + شيء + ؟
$ $ $
ف مضارع ف مضارع منصوب م إليه
$ $
فا مستتر وجوبا تقديره: أنت فا مستتر وجوبا تقديره: أنا
8 مصدر مؤوّل 9 ! نسيان
= في محل نصب مف لـ تريد 9
8 الرّتبة محفوظة 9
فجاء المفعول به بهيأة مصدر مؤوّل، وليس مصدرا صريحا، وهناك فروق معنويّة بين المؤوّل والصّريح، أدناها أنّ المصدر المؤوّل يُرَاد به الحدوث والتّجدّد إذا ما استعمله مستعمِل، أمّا الصّريح فلأنّه اسم، فإنّه يفيد الثّبوت، ومجرى الرّواية ظاهرا أنّه لا يريد الثّبوت هنا، ولكنّه في الحقيقة يريد ذلك؛ لأنّ الصّيغة الّتي ورد فيها المصدر المؤوّل، هي صيغة استفهام إنكاريّ، إذ إنّ الحوار الدّائر بين قطبَي الرّواية، يشير إلى أنّ نسيان كلّ شيء أمر مستحيل؛ لأنّه واقع حقيقة؛ وفحوى النّص أنّ نسيان كلّ شيء، إنّما هو عكس إرادة المخاطِب، الّتي وضعها في سياق لغويّ، يعطي معنى مفترقا عمّا قد يتبادر إلى الذّهن. وهنا لا يفوتني أن أذكر أنّ المفعول هنا ممّا حُفِظَت رتبته؛ لأنّه بتأويل اسم ظاهر، والفاعل ضمير مستتر تقديره وجوبا أنا في الفعل أنسى.
n استُعمِلَت في الرّواية أفعال متعدّية الأصل بصيغة فعل لازم، فغاب المفعول، بعد نقل الفعل المقصود من مجال معنويّ، إلى مجال معنويّ آخر، ومن ذلك:”أنا أنثى الحرب الّتي لم تحارب، ولم تجرحها شظيّة ( المصدر السابق ، 93) ، فالفعل تحارب استُعمِلَ بمعنى اللازم، وهو ليس بمعنى تقاتل، وهذا الضّرب إنّما هو اتّساع في الاستعمال، فـ:
: منعوت نعت; فا مستتر جوازا تقديره: هي;
أنا + أنثى + الحرب + الّتي + لم + تحارب $ $ $ $ $ $
مبتدأ خبر، مضاف م إليه اسم موصول حرف ف مضارع صلة
( $ ‘ لا محلّ لها
نفي جزم قلب $
للمعنى للفظ للزّمن $
رتبة الفاعل محفوظة
فالفعل حارب ـ المستعمل كنائيّا ـ متعدّ في أصل استعماله، وقد جاء الرّواية بصيغة اللّازم، وهنا أُضْمِرَ الفاعل، وحُذِفَ المفعول، ولحذف المفعول دلالات منصوص عليها في كتب اللّغة والنّحو، أبرزها أنّه حين يُنَزَّلُ هذا الفعل منزلة اللّازم في الاستعمال، فإنّما يكون مفيدا الشمول، وقد جاء الفعل بصيغة المضارع، المسبوق بحرف نفى المعنى، وجزم اللّفظ، وقلب الزّمن.
وهذه كلّها معان مقدّمة من هذا الفعل بهذا الاستعمال، وللنّصّ هدفان؛ أحدهما: إنّ عدم محاربتها، دليل على سلميّتها ـ وعدم المحاربة يستغرق زمنَين؛ الماضي بدلالة لم، والحال بدلالة المضارع. ووقع التّنصيص على أمرَين مهمَّين؛ عدم وقوع الحرب المعنيّة، وفاعلة عدم المحاربة، ولذلك حُذِفَ المفعول. الثّاني: إنّ الفعل تحارب المنفي، وقع صلة موصول، وكلّ اسم موصول مبنيّ، وكلّ مبنيّ حكمه المعنويّ ثابت، ويدلّ على ثبوت تجدّد حدوث عدم محاربتها؛ ونزّل النّعت هنا بمنزلة الصّفة، ومثل ما نقل الرّوائيّ معنى المتعدّي إلى لازم، نقل اللّازم إلى معنى متعدّ أحيانا ( المصدر السابق ،ص113).
o استعمال الفعل المبنيّ للمجهول، ممّا يؤدّي إلى حذف الفاعل، وتنزيل المفعول منزلته؛ فيأخذ الثّاني الحكم الإعرابيّ للأوّل، إن استعمال فعل مبني للمجهول يكون لغايات يقصدها المخاطِب، فقد ذكرت الرّواية مثلا:”أليس من الأفضل أن تُوَظَّفَ مثلُ هذه المنجزات العظيم لتطوير هذا الأثر(المصدر السابق ،ص23). هنا ورد الفعل تُوَظَّف مبنيّا للمجهول، وكما مبيّن عند تفكيك النّصّ:
:رتبة محفوظة
أ + ليس + من + الأفضل + أن + تُوَظَّفَ + مثل + هذه + المنجزات $ $ $ $ $ $ $ $ $
همزة ف ماض ح ج اسم مجرور ح مصدريّ ف مضارع ن فا اسم إشارة بدل من استفهام ناقص $ $ ناصب مبنيّ للمجهول $ م إليه هذا
= متعلّقان بمحذوف منصوب مضاف
خبر ليس مقدّم $ $
مصدر مؤوّل تقديره (توظيف)
= ” في محلّ رفع اسم ليس مؤخّر
فالعلاقات الّتي تربط أجزاء النّصّ واضحة، لكنّ الفعل جاء بصيغة تدفع لتفسير أنّ البناء للمجهول، يوجّه الاهتمام للمفعول الّذي نُزِّلَ منزلة الفاعل، فصار نائبا عنه، وأخذ حكمه في سياق استفهام، ولكن ما الغاية من جعل الفعل مبنيّا للمجهول؟. تنبئنا هذه التّسمية بأمور؛ منها:
1 . إنّ التّغيّر في حركات الفعل من المبنيّ للمعلوم إلى المبنيّ للمجهول، تقدّم حكما إعرابيّا مختلفا عن الاستعمال الأصل، سببه إرادة معنى مراد.
2 . إنّ هذا الاستعمال يعمل على رسم جغرافيّة جديدة للحدود النّحويّة في النّصّ، ممّا يعطي مؤشّرا على إحداث معان جديدة في النّصّ الرّوائيّ.
3 . إنّ الهدف من استعمال الفعل بهذه الصّيغة، الدّلالة على أنّ الفاعل لم يكن مستهدَفا بالكلام، وإنّما المفعول هو المبتغَى. فضلا عن أنّ استعمال هذا الفعل، يعني أنّ هناك أمورا مجهولة ـ بالنّسبة له، أو لغيره ـ، أو وضعها في حقل المجهولات، ويجب تجاوزها، والفاعل أحد هذه المجاهيل، وأهمّها. والفعل تُوَظَّف دلّ على أنّ الأهم في النّصّ هو التّوظيف، مع محافظة الفعل على الزّمن، فالأهمّيّة لهذين العنصرين، وجاء الفعل هنا بصيغة المضارع، المسبوق بأن الحرف المصدريّ النّاصب، وهو هنا مصدر مؤوّل، ولكن بصيغة الفعل المبنيّ للمجهول، مما يعطي زمنا عائما، وتُعَدُّ الرّتبة محفوظة، في هذه الجملة ومثيلاتها.
الخاتمة
وفيها يصل البحث إلى آخر عتباته، وينبغي لي أن أشير هنا، إلى أنّ الرّتبة النّحويّة قرينة تبلغ من الأهمّيّة مبلغا كبيرا، في تحديد معنى دقيق للجملة الفعليّة، وما دام البحث في رواية “امرأة بنقطة واحدة”، فمن الواجب أن أوضّح أنّها لم تُكْسَرْ فيها أيّة قاعدة نحويّة من جهة الاستعمال، بل كانت النّصوص ترسم دقّة نجحت في تقديم تناغم بين اللّفظ والصّورة، الّتي أُرِيْدَ لها أن تصل إلى القارئ، وأنّ الرّتبة بقسميها؛ محفوظة، وغير محفوظة، قد أدّت معاني مهمّة على مستوى النّصّ الرّوائيّ، سواء بذكر الأسماء الظّاهرة، أم الضّمائر المستترة، أم المتّصلة، في ما يخصّ حدَّي الفاعل والمفعول، وقد عملت في النّصوص الّتي وضعتها موضع التّطبيق، على الإشارة إلى ما ينتج من معاني كانت تتوالد عن طريق الرّتبة، فلكلّ جملة يُوْلَدُ معنى آخر، يزيد على ما في الجملة الّتي تسبقها، فليس لمتصوّر أن يتصوّر أنّ تقديم لفظ وتأخير آخر، لا يجعل هناك انتقالات معنويّة، فحدود الجمل كبيادق الشّطرنج، كلّما حرّكت بيدقا تغيّرت أصول اللّعبة، كذلك الحدود في النّسيج الجمليّ الواحد، كلّما تغيّرت رتبة لفظ، تغيّر معنى الجملة كلّيّا، وهذا ما عملت عليه نصوص رواية “امرأة بنقطة واحدة”، وقد كان للتّفكيك الّذي اتّكأ عليه البحث، جانب مهمّ في إبراز العلاقات الرّابطة بين عناصر النّصّ، ومن هذه العلاقات تنشأ المعاني، كما فرّق البحث بين الوظيفة والرّتبة النّحويّتين، وهذا كلّه خضع لعنصر التّفكيك النّحويّ، فكان التّعامل مع النّصوص المقتبسة على أساس أنّ لكلّ علاقة معنى، ولكلّ لفظ معنى، ولكلّ رتبة معنى، وهذه المعاني تتّحد؛ لإبراز معنى لا يتوافر إلّا باستعمال رتبة معيّنة، ممّا يدلّ على اتّساع في استعمال الكلام؛ وهو سمة من مجموعة سمات تمتاز بها اللّغة العربيّة.
المراجع والمصادر :
- إبراهيم أحمد سلام . (2017). جماليات الرتبة في الجملة العربية دراسة نحوية . مجلة أماراباك . الأكاديمية الأمريكية العربية للعلوم ، المجلد 8. ع25. 2017. ص- ص .
- ابن عقيل . (1980) . شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك . تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد .ط2. دار التراث . القاهرة .
- ابن فارس .(1963). الصاحبي في فقه اللغة .تحقيق : مصطفى الشويمي .ج1. بيروت .
- ابن منظور .(1971) . لسان العرب . تحقيق : الكبير عبد الله وآخرين . ج3.ط2. دار المعارف . القاهرة .
- الأشموني .(1955). منهج السالك الى ألفية بن مالك .تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد .ط1. دار الكتاب العربي . بيروت .
- الأنباري ، لأبي البركات .( دون سنة نشر ). الإنصاف في مسائل الخلاف .ج1. المكتبة التجارية. مصر .
- تمام حسان .(1994). اللغة العربية معناها ومبناها. دار الثقافة . المغرب .
- الجرجاني .(1961). دلائل الإعجاز. دراسة وتصحيح: محمود رشيد. القاهرة .
- الزبيدي .(1306ه). تاج العروس من جواهر القاموس .ط1. مطبعة الخيرية. مصر .
- الزجاجي، أبو القاسم عبد الرحمن .(1979). الإيضاح في علل النحو . تحقيق: مازن المبارك.ط3. دار النفائس . بيروت .
- الزمخشري .(2004). المفصًل في علم العربية. دراسة وتحقيق: فخر صالح . ج1.ط1.الأردن .
- الساقي ، فاضل .( 1977). أقسام الكلام العربي من حيث الشكل والوظيفة. المطبعة العالمية. مصر
- السالم، وارد بدر.(2018). رواية إمرأة بنقطة واحدة . دار نينوى للدراسات . دمشق .
- السامرائي ، فاضل صالح .(2000). معاني النحو .ج1.ط1. دار الفكر للطباعة . الأردن .
- السامرائي ، فاضل صالح .(2000) . معاني النحو .ج2.ط1.دار الفكر للطباعة .الأردن .
- السامرائي ، فاضل .(2000). الجملة العربية والمعنى. ط1. دار ابن حزم. بيروت .
- السامرائي، محمد .(2014). النحو العربي أحكام ومعان ٍ. ج1.ط1. دار ابن كثير. بيروت .
- سيبويه .(1983). تحقيق: عبد السلام محمد هارون.ج1.ط6. عالم الكتب . بيروت .
- الفوزان ، عبد الله بن صالح .( دون سنة نشر ).دليل السالك الى ألفية بن مالك .ج1. دار المسلم .