د . عماد فاضل فيصل
اعدادية الشامية المهنية المختلطة – المديرية العامة لتربية محافظة الديوانية
جمهورية العراق
Imadfadhil099@gmail.com
009647813992551
الملخص
تبدا هذه الدراسة من فرضية اولوية القوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية, والذي يقوم على اساس السيطرة على الموارد الملموسة وغير الملموسة في الدولة والمجتمع , فضلا عن السيطرة على اجندات اللاعبين في النظام الدولي بهدف السيطرة على تقييم النتائج ورسم الاستراتيجيات المؤاتة, ولمحاولة ايجاد مقاربات منطقية لحدود التمايز بين السيطرة على موارد القوة الفعلية وبين موارد القوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية كحل لاشكالية هذه الدراسة من خلال المنهج الوصفي ومنهج التحليل المقارن واحيانا المنهج التاريخي, يدرس البحث اولا ماهية القوة الكامنة في سياسة الشؤون الخارجية الامريكية من خلال المقارنة مع بعض المفاهيم المقاربة مثل القوة المعباة والقوة المحتملة والقوة المطلقة والقوة النسبية بغرض الوصول الى تعريف واضح للقوة في التفكير الاسترتيجي الامريكي في الشؤون الخارجية.
ومن ثم يقوم البحث بدراسة عوامل القوة الكامنة في البيئة الداخلية الامريكية من خلال دراسة العوامل الملموسة من الخصائص الجغرافية والجيوسياسة الى حجم الموارد الطبيعية , ومن الموارد البشرية المدنية والعسكرية الى الطبيعة الانتاجية والاقتصادية بما فيها الانتاج الحربي , كذلك تناولت الدراسة العوامل غير الملموسة للقوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية عندما بحثت في الاستقرار السياسي والتلاحم الاجتماعي والحكم والقيادة والشخصية والارادة الوطنية , فضلا عن النوعية الثقافية. كما بحثت الدراسة في عوامل القوة الكامنة الامريكية في البيئة الدولية عندما ميزت بين القوة الكامنة الصلبة على اساس نظرية القوة في العلاقات الدولية, وبين القوة الكامنة الناعمة وفق النظرية البنائية, وبين القوة اللزجة على ضوء النظرية البيروقراطية , وتوصلت الدراسة الى عدد من النتائج وكان من اهمها:
اولا \ ان التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر بالقوة الكامنة في الشؤون الخارجية يقوم على اساس السيطرة على اللاعبين في البيئة الدولية من خلال عوامل القوة الصلبة والقوة الناعمة والقوة اللزجة.
ثانيا \ ان هذه السيطرة نابعة اصلا من السيطرة على الموارد الملموسة وغير الملموسة للقوة الكامنة في البيئة الداخلية الامريكية.
الكلمات المفتاحية / التفكير الاستراتيجي , الشؤون الخارجية, القوة الامريكية الكامنة, القوة المعباة, القوة
المطلقة, القوة النسبية
Latent power and contemporary American strategic thinking in foreign affairs
Dr . imad Fadel Faisal
The General Directorate of Education of Diwaniyah Governorate in the Republic of Iraq \ Al-Shamiya Mixed Vocational Preparatory School
Abstract
This study starts from the hypothesis of the priority of the power inherent in contemporary American strategic thinking in foreign affairs, which is based on the control of the tangible and intangible resources in the state and society, as well as the control of the agendas of the players in the international system to control the evaluation of the results and draw up the appropriate strategies, and to try Finding logical approaches to the limits of differentiation between controlling actual power resources and latent power resources in contemporary American strategic thinking in foreign affairs as a solution to the problem of this study through the descriptive approach, the comparative analysis approach, and sometimes the historical approach. Through comparison with some related concepts such as mobilized power, potential power, absolute power, and relative power to reach a clear definition of power in American strategic thinking in foreign affairs.
Then the research studies the factors of latent power in the US internal environment by studying the tangible factors from geographical characteristics and geopolitics to the size of natural resources, and from civil and military human resources to the productive and economic nature, including military production. The study also deals with the intangible factors of the latent power of thinking. Contemporary American strategists in foreign affairs when looked at political stability, social cohesion, governance, leadership, personality and national will, as well as cultural quality. The study also looked at the factors of the American latent power in the international environment when it distinguished between the hard latent power based on the theory of power in international relations, and between the soft latent power according to the constructivist theory, and the sticky power in the light of the bureaucratic theory, and the study reached several results, and the most important of them was
First, contemporary American strategic thinking about the power inherent in foreign affairs is based on controlling the international players through hard power, soft power, and sticky power.
Secondly, this control stems originally from control over the tangible and intangible resources of the latent power in the US domestic environment
Keywords: Strategic thinking, foreign affairs, latent US power, mobilized power, absolute power, relative power.
المقدمة
لما كان تحديد الاهداف الاستراتيجية نظريا و رسم العلاقة بين الغايات والوسائل بطريقة منظمة لتقييم المصالح و درء التهديدات واغتنام الفرص هو موضوع التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية من خلال الة القوة وفلسفة التاثير كونها المحرك الدافع للقدرة على العمل في سياسة الشؤون الخارجية فان هذا التفكير لايضع القوة باعتبارها هدفا في عالم تسوده الفوضى كما يذهب رواد نظرية القوة في العلاقات الدولية, وانما يفصل بين القوة المعباة والقوة المحتملة ,والقوة المطلقة والقوة النسبية, وعليه فهو يميز بين القوة والادوات الاستراتيجية من الناحية المفاهيمية كذلك يميزها من الناحية العملاتية في ادارة الشؤون الخارجية عندما يضع القوة والنفوذ نموذجا لتقييم استراتيجية الشؤون الخارجية من خلال تحليل النفوذ الكامن الذي تملكه الولايات المتحدة للتاثير على اللاعبين الدوليين اللذين تحتاجهم لانجاز اهدافها.
ويعد التمييز بين القوة المتاحة او القوة المعباة او القوة الفعلية ,وبين القوة المستترة او القوة المحتملة او القوة الكامنة هو احد الخيارات في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية , وهو مانسعى البحث فيه من خلال هذه الدراسة على اساس محاولة فهم القوة وما ترتبط به وتعريف ذلك كله باعتبار ان عامل القوة من اكثر العوامل اهمية في سياسة الشؤون الخارجية فضلا من ان مفهوم القوة هو الاكثر محورية وجدلية في النظرية السياسية, كذلك على اساس النظر الى القوة كنوع من العلاقة بين السبب والمسبب وشكل اخر للتفكير الاستراتيجي العلمي في الربط بين المتغيرات المستقلة كعوامل مسيطرة وبين التغيرات غير المستقلة المسيطر عليها.
ومهما تكن الاهداف المادية للسياسة الخارجية الامريكية باعتبار القوة هي السيطرة والاستحواذ على الموارد , وان امتلاك القوة هو امتلاك الاسباب الكافية والقدرة على التصرف بالموارد اللازمة للعمل والتحكم , وانها قابلة للقياس والملاحظة والمقارنة مثل السيطرة على موارد الطاقة او السيطرة على الممرات البحرية او التغييرات الاقليمية, الا ان مراكز التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة تذهب في ادراك مفهوم القوة بالسيطرة على النتائج من خلال السيطرة على سلوك اللاعبيين الدوليين , حيث يتضمن ذلك الدخول القسري الى عمق طبيعة الاشياء والتركيز على النتائج وهي طريقة للتفكير الاستراتجي في مفهوم القوة تضمن الحسم النهائي بعد توصيف قدرات اللاعبين في السياسة الدولية والموارد التي يسيطرون عليها.
اهم الدراسات السابقة في الموضوع
يعد الفصل الثالث من مؤلف مبادئ العلاقات الدولية لمؤلفيه كارين منغنست وايفان اريغوين والذي يحمل عنوان منظورات متنافسة واحد من اهم المصادر المعاصرة التي درست النظريات السياسية في العلاقات الدولية وموضوع القوة من منظور الواقعية والواقعية الجديدة فضلا عن النظرية البيروقراطية والنظرية البنائية, كذلك تناول تيري ديبل في مؤلف منطق الحكم الامريكي موضوع القوة والتاثيروعلاقتها بالاسترتيجية الامريكية المعاصرة , وتناول الموضوع مؤلف الاسبقية الامريكية في منظور الصدارة تجاه الشؤون الخارجية لستيفن جي, وويليام سي, ومؤلف العصر الامريكي لروبيرت جي, فضلا عن كتاب هانس مورغنثاو السياسة بين الامم, ومؤلف تحليل القوة والسياسة العالمية لديفيد بالداوين, وكتاب السياسة الدولية اليوم لدولاند بوشالا, كما اطلع الباحث على عدد من الكتب والدراسات المعاصرة التي تناولت اجزاء محورية من موضع البحث والتي ادرجت في قائمة المصادر.
هدف البحث
تهدف هذه الدراسة تحديد تعريف للقوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية.
اهمية البحث والحاجة اليه
يعيش العالم اليوم تداعيات الصراع الوجودي بين الشرق والغرب والذي الهب فتيله الغزو الروسي لاوكرانيا, ومن ابرز ملامح هذا الصراع محاولة روسيا ومن ورائها الصين فرض نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب بوسائل القوة المعباة والقوة الكامنة بعد هيمنة نظام القطب الامريكي الواحد على العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق ونهاية الحرب الباردة, ولتقييم النتائج المحتملة لهذا الصراع من قبل المهتمين والخبراء وصناع القرار تاتي اهمية دراسة القوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر باعتبار دور الولايات المتحدة المحوري في قيادة النظام الدولي المعاصر.
فرضية البحث
تفترض هذه الدراسة ان التفكير الاسترتيجي الامريكي المعاصر بالقوة لاتحكمه عوامل التاريخ والجغرافيا وادوات القوة المعباة فقط, وانما تحكمه الافكار ايضا و يعتمد على السيطرة على الموارد, والسيطرة على اللاعبيين الدوليين , والسيطرة على النتائج.
اشكالية البحث
ماهي حدود التمايز في التفكير الاستراتيجي المعاصر للسيطرة بين الموارد المعباة وبين الموارد الكامنة ؟ من اجل السيطرة على اللاعبين وتقييم السيطرة على النتائج !
منهج البحث
اعتمد الباحث المنهج الوصفي, ومنهج تحليل النظم ,والمنهج المقارن فضلا عن المنهج التاريخي.
هيكلية البحث
تقوم هذه الدراسة بثلاثة مباحث, اختص المبحث الاول فيها بدراسة ماهية القوة في سياسة الشؤون الخارجية الامريكية من خلال ثلاثة مطالب , كرس المطلب الاول في مفهوم القوة باعتبارها امتلاك للموارد, بينما درس المطلب الثاني مفهوم القوة بالسيطرة على اللاعبين الدوليين, بينما قارن المطلب الثالث مفهوم القوة من خلال السيطرة على النتائج , واختص المبحث الثاني بدراسة المفاهيم المقاربة للقوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر من خلال مطلبين كان المطلب الاول في دراسة القوة المعباة,وكان المطلب الثاني في دراسة القوة المطلقة والقوة النسبية, وكرس المبحث الثالث لدراسة القوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر من خلال البحث في العوامل الملموسة وغير الملموسة للقوة الكامنة الامريكية في البيئتين الداخلية والدولية لادراك القوة الكامنة الامريكية في البيئة الاستراتيجية حسب التفكير المعاصر للخبراء الامريكيين في الشؤون الخارجية, واختتمت الدراسة بالنتائج والتوصيات.
المبحث الاول
ماهية القوة في استراتيجة الشؤون الخارجية الامريكية المعاصرة
يعتقد الكثير من الخبراء الامريكيين المعاصرين في استراتيجية الشؤون الخارجية بعدم امكانية تحديد استراتيجية هادفة لادراة سياسة الشؤون الخارجة للدولة دون ادراك مفهوم القوة الوطنية , لان هذا الادراك كفيل بان يمكنهم من ان يتعاملوا مع المصالح والتهديدات والفرص من خلال رسم العلاقة بين الغايات والوسائل بطريقة منظمة لتحديد الاهداف الاستراتيجية وتطبيق الموارد المتاحة, باعتبار القوة هي الدافع والمحرك للانجاز, وهي القدرة على العمل في تحقيق الغايات لمهنة ادارة البلاد في الشؤون الخارجية ( بوشالا, 1971 , 176), بينما يذهب البعض من رجال السياسة والحكم الامريكيين الى اعتبار القوة هي اهم اهداف استراتيجية الشؤون الخارجية, وان المصلحة تعرفها القوة ( مورغنتاو, 1978, 5 ), وللخوض في هذه الجدلية ومعرفة ماهية القوة في استراتيجية الشؤون الخارجية الامريكية المعاصرة لابد من دراسة مايلي.
المطلب الاول \ مفهوم القوة باعتبارالقدرة في السيطرة على الموارد
يشتمل مفهوم القوة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر كل مايرتبط بها اصطلاحا من النفوذ والتاثير والسلطة الى القدرة والردع , ومن الحكم والاقناع والتحفيز الى القسر والاكراه والاجبار, والقوة اصلا في التفكير الاستراتيجي الامريكي هي القدرة في الوصول الى الغايات بادوات عسكرية او اقتصادية او اجتماعية, وهي بابسط معانيها اداة لتحقيق الاهداف وتعزيزها وهي الة القادة الطموحون لتحقيق اهدافهم وتاكيد نفوذهم من خلال القدرة في السيطرة على الموارد المتاحة وادارتها والتحكم بها وتوجيهها بحيث يكون مفهوم القوة مرادف للسيطرة على الموارد ( بوشالا, 1971 , 72 -76), وعندها تصبح القوة كتلة قابلة للقياس والملاحظة والحساب الكمي والمقارنة بما يمكن الخبراء من منح صفة التمايز بين الاشخاص من اصحاب القرار باعتبارهم قادة اقوياء حسب اصحاب نظرية الواقعية , بينما يخالفهم في الراي اصحاب النظريات الاخرى بحساب تفاوت مقتضيات الادارة الفاعلة للبلاد بين حالة واخرى , فعلى سبيل المثال لايعطي امتلاك السلاح النووي للولايات المتحدة الامكانية المطلقة في منع دولة اخرى من استخدامه في ظروف معينة, وهذا يبين ان امتلاك الموارد مرهون بالسياسات والمواقف الطارئة حتى لايكون ذلك الامتلاك تعريف مطلق للقوة ( بالدوين, 1983 , 13 – 5 ), ورغم ذلك بات من شبه المتفق عليه في مراكز التفكير الاسترتيجي في الولايات المتحدة وصف العلاقة بين امتلاك الموارد ومفهوم القوة هو علاقة السبب والمسبب , وهي شكل اخر للفكرة العلمية المجردة للمتغيرات المستقلة المسيطرة والتغيرات غير المستقلة المسيطر عليها ( دال, 1968 , 10 ), وبهذا التجريد لايمكن السيطرة على امتلاك الموارد دون علاقة السيطرة على اللاعبيين في النظام الدولي.
المطلب الثاني \ مفهوم القوة باعتبار السيطرة على اللاعبيين الدوليين
لايمكن فصل القوة باعتبارها السيطرة على الموارد مفاهيميا عن السيطرة على اللاعبين في نظام معين حسب راي البروفسور دايفيد بالداوين بسبب العلاقة المحتملة بين خواص وحدة دولية معينة عن خواص وقيم وحدة دولية اخرى في نظام معين دون بيان حجم التاثير المتبادل بينهما ( بالداون, 1983 , 13 ), ويعزز هذا الراي البروفسور روبيرت دال عندما يعرف القوة بانها قدرة الوحدة الدولية في التاثير على الوحدات الاخري في نظام معين دون ارداتها من خلال السيطرة على الموارد الوطنية المتبادلة وغير المتبادلة ( دال, 1968 , 30 ), كذلك عبر هانز مورغنتاو عن هذا المفهوم عندما عرف القوة بانها السيطرة على افكار وافعال الاخرين بالانسجام مع اهداف السياسة الخارجية مثل الاستحواذ على المصادر الاولية , او السيطرة على الممرات الدولية ( مورغانتاو, 1978, 34- 30 ).
وتقترب احدث التعريفات الاكاديمية للقوة في مراكز التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر من هذا المفهوم من خلال فلسفة السيطرة و التاثير في نفوس الاخرين بامتلاك الموارد المتاحة الملموسة وغير الملموسة داخل النظام الدولي من خلال دينامية التفاعل الحيوي , بعوامله المتناقضة والمختلفة والمتنوعة وغير المحدودة , فهي متناقضة عندما تكون بالاكره تارة وبالانسجام مع المصالح الخاصة في احيان اخرى, ومختلفة التاثير حسب الزمان والمكان والموقف , ومتنوعة الوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية , وغير محدودة باستراتيجياتها المتطورة عملاتينا , واختصر هولستوي كل ذلك بمصطلح النفوذ والتاثير كاحد جوانب القوة كوسيلة لتحقيق غاية الاستراتيجية , وشبه السيطرة على الاعبين بامتلاك الموارد وسيلة وواسطة مثل امتلاك النقود عندما تستخدم الدول نفوذها بصورة رئيسية لتحقيق اهداف اخرى او للدفاع عنها ( هولستوي, 1992 , 117 ), الا ان هذا المفهوم يبقى مقرونا بالنتائج المتحصلة وعليه فهو يحيلنا الى دراسة المفهوم باعتبار السيطرة على النتائج.
المطلب الثالث \ مفهوم القوة باعتبار السيطرة على النتائج
يجمع تعريف القوة كونها القدرة على التاثير في سلوك الاخرين بالانسجام مع مصالحهم الخاصة بين مقاربة مفهوم القوة باعتبار السيطرة على اللاعبين, وبين مقاربة مفهوم القوة باعتبار السيطرة على النتائج حسب راي عدد من الخبراء والمختصين في سياسة الشؤون الخارجية الامريكية ومنهم جوزيف ناي و ا-ف-ك اورغانسكي ( ناي, 1977 , 11 ) , الا ان مفهوم القوة باعتبار السيطرة على النتائج له بعد تطبيقي من جوانب متعددة ودوافع مختلطة وفي مسائل متعددة تجعل انماط السيطرة بين اللاعبين متغيرة وفقا للاهتمامات التي المتعامل بها تكتيكيا او استراتيجيا, فمن خلال تقييم النتائج يمكن لاصحاب القرار في الشؤون الخارجية الامريكية من التفكير في فرض القوة والحسم النهائي باعتبار السيطرة على اللاعبين الدوليين يكون في المقام الثاني ( هيرت, 1976 , 267-276 ).
ويتظمن كذلك هذا الاعتبار الدخول القسري الى جوهر طبيعة المواقف الاستراتيجية من خلال اثر القوة بعد تقييم النتائج المتوخاة لرسم العلاقة الحصرية بين الغايات والوسائل وضمان التاثير على اللاعبين على اختلافهم بحيث يعتمد على اللاعب المراد التاثير عليه بتقييم مصالحه الاستراتيجة والتكتيكية الخاصة سواء بالمجال العسكري ,او السياسي ,او الاقتصادي .او الاجتماعي, وعلى هذا الاعتبار يمكن ان تعزز قوة اللاعبيين الاخرين او ضعفهم القوة الامريكية على اساس المعرفة المسبقة بالنتائج المحسومة من خلال اعتبار امتلاك الموارد , واعتبار التاثير على اللاعبين, وبالمحصلة التي تضمن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة , ويعطي هذا الااعتبار اوضح تعريف للعلاقة بين مفهوم القوة ومفهوم النفوذ ( بلداوين, 1985 , 20 ).
الا ان هذا الاعتبار يدخلنا من ناحية اخرى في اشكالية توسيع التعاريف للقوة تصاعديا اما سببيا اوعلاقاتيا حتى تشمل مفهوم الاستراتيجية كله, وربما تمتد الى مفهوم السياسة الدولية حيث ان كون القوة سيطرة على النتائج لاتضع الاهداف ضمن نطاق واسع وشامل فحسب بل تضع اثر لاي عامل جانبي على النتائج المطلوبة فتظهر المشكلة في التعاريف المتعلقة بالسبب والمسبب حتى تكاد ان تضيع في عدد غير محسوب من المتغيرات التي تتداخل بين ممارسة القوة والتغير في السلوك او النتائج المتوخاة , وعليه يرجح تحليليا الاخد بالمتغيرات بشكل منفصل عن القوة للتاير في سلوك الاخرين او تقييم النتائج المطلوبة, حتى ان ديفيد بالدوين وغيره من الاكاديمين اضافوا مصطلح القواعد او الموارد او الموجودات الى مصطلح القوة او مصطلح النفوذ للمساواة مفاهيميا والتفريق اصطلاحا فبات التعبير قواعد القوة او موارد القوة, وقواعد النفوذ او موارد النفوذ او موجودات النفوذ ( ديبل, 2009 , 290 ). وعليه فان اقتصار مصطلح القوة في السيطرة على الموارد, او السيطرة على اللاعبين دون اعتبار السيطرة على النتائج لايمكن ان يخدم مفهوم الاستراتيجية في الشؤون الخارجية حسب راي معظم الخبراء في مراكز التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر لانه لاينظر الى النفوذ او التاثير على انه اثر تلك القوة على الاهداف المحددة حتى وان حدث ذلك الاثر تلقائيا فهو لايعبر عن مفهوم القوة لانه يعزل القوة عن النفوذ مفاهيميا رغم تحقيق الاهداف عملاتيا لانه افتراض تلقائي لايمكن التاسيس عليه استراتيجيا ( لايبر, 200 , 19 ).
وقبل ان نعطي تعريف واضح للقوة حسب التفكير الاستراتيجي المعاصر في الشؤون الخارجية لابد من التاكيد على رؤية الخبراء الاستراتيجين في الولايات المتحدة في الفصل بين القوة والنفوذ على مستوى الاهمية , وان النفوذ وليس القوة هو الاكثر قيمة واهمية استراتيجية ( بروكز, وولفرث, 2002 , 32 ), ( كمب, 2005 , 17 ), وعلى جميع هذه المعطيات يمكن ان يكون تعريف القوة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية بانها توصيف للقدرة في السيطرة على الموارد المتاحة والتاثير في سلوك اللاعبين الاخرين على الساحة الدولية على اساس النتائج التي ينظر من خلالها الى النفوذ او التاثير باعتباره اثر تلك القوة على الاهداف الاستراتيجية المقصودة.
المبحث الثاني
المفاهيم المقاربة للقوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية
لايمكن الاحاطة بتعريف القوة الكامنة في التفكير الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية دون تفكيك المصطلح والاحاطة بالمفاهيم المقاربة له, ويمكن ان يبدا ذلك من وضع مصطلح القوة الكامنة في مكانه الطبيعي وفق النظريات السياسية في العلاقات الدولية طبقا للتفكير الامريكي المعاصر, ويعني ذلك حصر مصطلح وموضوع القوة الكامنة بين نظرية الواقعية الكلاسيكية والواقعية الجديدة من جهة والنظرية البنائية من جهة اخرى, وعلى اساس المقاربة المنهجية التي قدمها هانز مورجنثاو في اطروحة السياسة بين الامم على اعقاب الحرب العالمية الثانية عن تركيب نظرية الواقعية في سياسة الشؤون الخارجية بناءا على التاصيل التاريخي الممتد عبر عشرات القرون من كتابات ثوسيديس في العصور القديمة, وتحديدا قبل الحرب البلوبنيزية وابانها الى كتابات القديس اوغستين بعد ستة قرون, ومن شروحات نيكولا ماكيافيلي في مؤلف الامير, الى اراء توماس هوبز في مؤلف اللوياثان خلال حرب الثلاثين عام والحروب الاهلية الانكليزية في النصف الاول من القرن السابع عشر الميلادي ( كارين, اريغوين , 2013 , 107 -135 ).
وفضلا عن المضامين السياسية للقوة الكامنة التي وردت في كتاب مورغانثاو, والتي تنبع بشكل طبيعي من النظرية السياسة في العلاقات الدولية, الا ان بلورة مفهوم القوة الكامنة جائت من التقنية الاكثر فعالية في رسم استراتيجية الشؤون الخارجية الامريكية المعاصرة على اساس نطام توازن القوى التقليدي التي خطها جورج كنان وهنري كيسنجر على اسس النظرية الواقعية , والاضافة التي رسمها الخبراء الاستراتيجيون الامريكان في العلاقات الدولية امثال الكساندر اوند على اسس النظرية البنائية المثيرة للجدل حيث لاتزال تخضع للاختبار في مراكز التفكير الاستراتيجي في وقتنا الحاضر وفق المفاهيم المقاربة للقوة الكامنة ومنها:
المطلب الاول \ القوة الفعلية والقوة المعباة وادوات القوة
اولا \ القوة الفعلية
تشمل جميع الموارد الملموسة وغير الملموسة التي تمتلكها الدولة , كما تشمل جميع عناصر القوة الاساسية للامة في البيئة الداخلية والبيئة الدولية, فهي تمتد من الارض والسكان والقدرات الاقتصادية الى ثقافة المجتمع وشكل النظام السياسي وطريقة ادارة الدولة, كما تمتد لتشمل ادوات القوة التي يمكن للدولة ان تستعين بها على اصعدة مختلفة في ادارة الشؤون الخارجية, حيث وصف مورغانثاو تلك الادوات بانها الاساس المستقر نسيبا للجغرافيا عندما يرتفع هرم قوة الدولة الى ذروته بحيث لايستثني الخبراء الاستراتيجيون في الولايات المتحدة اي نوع من القوة الوطنية من اطار القوة الفعلية حتى القوة الكامنة مدار البحث التى يمكن ان تتحول الى قوة معاباة بفعل ادوات القوة ضمن هذا الاطار( مورغانثاو, 1980 ,158)
ثانيا \ ادوات القوة والقوة المعباة
وهي الادوات الاستراتيجية التقنية الكفيلة بتحشيد وتعبئة وتحويل القوة الكامنة في الدولة والمجتمع الى قوة فعلية , والى ادوات سياسية مثل الاقمار الصناعية التجسسية , واجهزة الارسال الاذاعية الدولية, والدبلوماسيين الماهرين, والمساعدات الخارجية….وغيرها , وبعد تكوينها يقوم الخبير الاستراتيجي باختيار الملائم منها للحالة المعينة المراد معالجتها انيا او استراتيجيا, والسعي المخطط لتحقيق اهداف متوخاة ضد تهديدات حقيقية, او الاستفادة من فرص متاحة وفق خيارات استراتيجية مهمة لابد من القيام بها لضمان التوازن بين الشكل الاول للقوة قبل تحولها , والشكل الاخر لها باعتبارها قوة فعلية, ومن الجدير بالذكر ان تغير التعبيرات بشان ادوات القوة من قبل بعض المحلليين الاستراتيجيين في مراكز التفكير الاستراتيجي الامريكي لايمثل نقاط ضعف او قوة في الموضوع بقدر كونه التحول في التعبير من مقصود القوة كامنة الى مقصود القوة فعلية, مثل استعمال تعبيير القوة القومية الاجمالية مقابل القوة القابلة للابراز خارجيا ( بوشالا, 1971 , 176 ) , ( مودليسكي, 1962 , 21-23 ).
كذلك لا يؤثر في فحوى الموضوع عدم التمييز من قبل عدد اخر من الخبراء الاستراتيجين في مراكز التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر عندما ياتون على ذكر القوة الاقتصادية والقوة العسكرية في نفس الجملة , وكان هاتين القوتين في مستوى استراتيجي واحد ولا يوجد اختلاف بينهم , رغم ان ذلك من شانه ان يجعل من الصعب جدا البحث في موضوع القوة بذكاء او في منظور استراتيجي ( ديبل, 2009 , 303 ), وعليه فان التمييز بين القوة المحتملة والقوة الفعلية يبدا عندما تقوم الادارة الامريكية بتحويل موارد الدولة والمجتمع الى قوة معباة وهذا التحويل اوهذه المصادرة قد تكون قصيرة المدى تكتيكية, او بعيدة المدى استراتيجة لتقييم مصالح البلد ودرء التهديدا ت, او لاغتنام الفرص, وان هذه المصادرة يجب تكون بادوات ملائمة لطبيعة التهديدات والفرص التي تنتجها البيئة الدولية, وان تتمتع هذه المصادرة بثلاثة خصائص حيوية ( كينيدي, 1991 , 169 ) , والتي يمكن اجمالها بالاتي :
1 – التوازن بالاستثمار في القوة المحتملة لامتلاك القوة المعباة بمختلف ادوات القوة التي يمكن ان يمتلكها اصحاب القرار في الشؤون الخارجية الامريكية وتحدد خياراتهم حسب نوع التهديدات والفرص الحاكمة في البيئة الدولية, فعلى سبيل المثال تمتلك الاستراتيجية الكبرى في الولايات المتحدة جميع عناصر التاميين والضمان في زمن الحرب رغم انها تحتاج بحكم الضرورة ادوات القوة العسكرية المباشرة, مثلما يفعل الرياضي في التربيب على جميع عناصر اللياقة رغم انه يحتاج تمرين معين يوم النزال.
2– ان تكون القوة المعباة غير قابلة للاستبدال, فمن غير المفيد الاستثمار في امتلاك منظومة صواريخ دفاعية وطنية اذا كان التهديد المرجح هجوم ارهابي في قنبلة داخل حقيبة للسفر, او الاستثمار في مؤسسة عسكرية باهضة الثمن لفرصة استراتيجية في الشؤون الخارجية يمكن ان تؤمنها مساعدات خارجية متواضعة الكلفة.
3 – البعد الزمني الحاكم في الاختيار بين اشكال القوة المعباة بسبب الفترات الزمنية اللازمة لانجاز عملية التحويل , فعلى سبيل المثال يتطلب اعداد دبلوماسيين مهرة للتفاوض في ازمات دولية تتضمن مسائل تقنية معقدة , وربما يحتاج قرار بناء منظومات الاسلحة الرئيسية عشرات السنين للاستثمار فيها في صراعات دولية مستوطنة ,فيجب ان تحدد اشكال القوة الفعلية التي تكون لدى الادارة الامريكية او الادارات التي تعقبها لعشرات السنين تلي مثل هذه القرارات, لان الخطا في هذا السياق ربما تكون له تبعات كارثية بنفس القدر من حجم الكارثة الذي يمكن ان يسببه اهمال القوة الكامنة وعدم تحويلها الى قوة معباة, وتنطبق هذه الامثلة على اي فرصة متاحة, اواي تهديد تتعرض له الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية.
4 – الاستعداد للتعاطي مع اسوا المواقف الطارئة دون المبالغة والتفريط
وهو ان يرجح اصحاب القرار بتركيز اكبر بالخيارات المطروحة من قبل الخبراء وصناع القرار في مراكز التفكير الاستراتيجي في الشؤون الخارجية ازاء الاستعداد للتعاطي مع اسوا المواقف الطارئة , فيبادرون الى حشد ادوات القوة بشكل اكبر عندما يرى الخبراء تهديدا للمصالح العليا حتى وان ظهر بطلان هذه الرؤيا على ارض الواقع , فان ذلك الحشد لا يضعف القوة الفعلية للولايات المتحدة حيث يمكن استثمار تلك الزيادة في الموارد الاستراتيجية , فيقللون من شراء الادوات الذي توفر قيمتها المادية دعم قطاعات اخرى, كذلك يقي الاثار المضاعفة لو وقع التهديد دون الحشد في ادوات القوة وعدم التعاطي مع راي الخبراء, وهو مايجسد راي اصحاب نظرية الواقعيون الجدد في موضوع القوة والقوة المعباة حيث يقدمون فكرة مماثلة حين يوصون اصحاب القرار في الشؤون الخارجية بان يركزون على امكانية وقوع التهديد وان لم يحصل فانهم يوفرون الموارد الاقتصادية ذات المدى الطويل والتي تضمن المصالح العليا والقوة الفعلية لاغتنام اي فرصة فضلا من مستوى تهديد منخخض على نحو كاف ( بروكز, 1997 , 477 -445 )
بينما يحذر اصحاب نظرية الواقعية الكلاسيكية من مغبة المبالغة والتفريط في تحشيد ادوات القوة ومصادرة القوة الكامنة في الولايات المتحدة الى قوة معباة ويقعون في( الخطا الاستراتيجي التاريخي ) حسب رايهم ,والذي بادرت اليه ادارة الرئيس الامريكي الاسبق رولاند ريغن في ثمانينيات القرن العشرين عندما واجهت التهديد المفترض لخطرالاتحاد السوفياتي السابق باستراتيجية حرب الفضاء وخياره القوي في القوة المعباة بشكل واحد مبالغ فيه هو القوة العسكرية, بطريقة اثرت بشكل سلبي على منسوب القوة الكامنة في الولايات المتحدة حين اضعفت التمويل الحكومي واقتراضها الضخم الذي ادى الى ارتفاع سعر الفائدة وامتصاص راس المال القادم من خارج البلاد, والذي عرض الصناعات الامريكية لضرر كبير ازاء ارتفاع سعر صرف الدولار الذي كبل كاهل الحكومة بالديون حتى تحولت الولايات المتحدة من اكبر دائن الى اكبر مدين في العالم , والذي كلفها هدرا كبيرا في قدراتها الانتاجية الذي يمثل جزء من قوتها الكامنة , لانه راس مالها القابل للتصدير ( فريدبيرج, 1989 , 409- 408 ), وحينها دخلت الولايات المتحدة مرحلة مابعد الحرب الباردة دون تنافسية راس المال الذي يمكن ان يؤهلها لاغتنام فرصة تفكك الاتحاد السوفياتي وخسارة الحرب الباردة ( سكاوكروفت, باس, 1998 , 140 -138 ) .
المطلب الثاني \ القوة المطلقة والقوة النسبية
اكد روبيرت غالبن في كتابه الحقيقة الجوهرية في السياسة على حتمية نسبية القوة في النظام الدولي لان ماتكسبه دولة معينة من القوة هو ماتخسره دولة اخرى من تلك القوة بحكم الضرورة التاريخية ( غالبن, 1975 , 25 -22 ) , والسؤال الذي يفرض نفسه مفاهيما عن الاطلاق والنسبية, ماهو مفهوم القوة المطلقة والنسبية بالمقاربة مع مفهوم القوة الفعلية والقوة الكامنة وادوات القوة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية ؟ وما يساعدنا في الاجابة على هذا السؤال يمكن معرفته من خلال الاجابة عن سؤال اخر, وهو متى كانت الولايات المتحدة اقوى على صعيد سياسة الشوؤن الخارجية المعاصرة بالمقارنة التاريخية النسبية ؟ ويمكن الاجابة على ذلك بالاتي :
اولا \ من حيث المعنى المطلق والنسبي للقوة المعباة خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية بوضع قوي جدا يكاد ان يكون مطلقا بحكم ماخسرته الدول الكبرى وحتى الدول الصغرى مجتمعة, عندما دمرت الحرب القدرات الانتاجية لجميع الدول الصناعية تقريبا ( كينيدي, 1987 , 357 ), ( ناي, 1977 , 5 ),وعندما بات عجز دول الحلفاء عن الايفاء بالادخارات الازامية للمجهود الحربي سببا كافيا لتحفيز الاقتصاد الامريكي, فضلاعن الطلب على الموارد الصناعية لاعادة اعمار الدول التي دمرتها الحرب بحكم الضرورة القصوى التي فرضت كذلك السعي الى سباق التقدم التكنولوجي عندما هيا السلام فرصة استراتتيجية للولايات المتحدة لتعويض السوق العالمي من متنتجات تكنولوجية متطورة حرم منها المستهلك الاوروبي منذ الكساد الاقتصادي الكبير وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ( ديبل , 2009 , 311 ).
ومن جانب اخر وفي نفس السياق اتاح هذا الوضع للولايات المتحدة ان تجعل من الدولار العملة الاحتياطية المطلقة في العالم بعد ارست قواعد جديدة للاقتصاد العالمي على اساس النظام المالي والنظام التجاري المستجدين بمؤسسات رصينة مثل صندوق النقد الدولي, واتفاقيات دولية حاكمة مثل منظمة التجارة العالمية ( الغات ) , وبذلك وضعت حجر الاساس لقوتها الناعمة المعباة , وهي قوة مطلقة بسبب الموقع السيادي المطلق تقريبا للولايات المتحدة الذي اشتمل انفاق 10% من الناتج القومي الاجمالي على التجارة الخارجية حيث انتجت الولايات المتحدة وسوقت حوالي نصف البضائع المنتجة في العالم عام 1950 ( سبيرو, 1990 , 357 ).
ثانيا \ ولايختلف الامر كثيرا فيما يخص العناصر غير الملموسة التي تمثل القوة الكامنة في تلك الحقبة والتي كانت مواتية وايجابية جدا اقتربت من مفهوم القوة المطلقة, وبالخصوص بعد النصر الذي تحقق في الحرب وقبله التغلب على ازمة الكساد الكبير, والذي منح مسوغات الاحساس بالثقة للدولة والمجتمع في الولايات المتحدة, حيث الرفاه الاجتماعي الذي تنامى بشكل مرتفع حتى عطل التجاذبات السياسة والتوترات الاجتماعية والعرقية, وكان البرنامج الجديد للفعالية الحكومية بما فيه الحرب على الفاشية قد هيا للامريكيين سببا مباشرا لتعزيز الثقة بالادارات المتعاقبة على البيت الابيض,فكان اجماع منقطع النظير في تاييد سياسة الحكومة في الشؤون الخارجية وبالخصوص في سياسة الاحتواء التي اعتبروها الاكثر اهمية, فضلا عن السياسة الخارجية الي مضت قدما في مشروع مارشال وبناء التحالفات العالمية وقيادة ائتلاف يحظى بالهيبة والاحترام بعد كسب الحرب العالمية الثانية ( ديبل, 2009 , 312 ).
ثالثا \ وكان الامتلاك الوحيد للقنبلة الذرية واستعمالها المدمر والحاسم على حساب اليابان من اهم مصاديق ادوات القوة المطلقة الامريكية, فضلا عن ادوات القوة الاخرى المتاحة والوفيرة التي ورثتها الولايات المتحدة من الحرب الكونية الثانية, وبالخصوص من بريطانيا العظمى خلال صفقة قواعد المدمرات الشهيرة و القواعد العسكرية العصرية ذات التوزيع الاقوى المنتشر في سائر ارجاء العالم, كذلك من خلال خبراتها الدبلوماسية وخدماتها الاستخبارية التي وفرها وجود جيل من السياسين والموظفين العمالقة التي صقلت الحرب مهاراتهم وسمعاتهم من خلال تراتبية منتظمة تستند الى الاقدمية بعيدة عن الولاء الحزبي امثال جورج مارشال وجورج كينيان وتشيب بوهلن وليولين توماس ودين اتشيسون حتي نشطت سياسة الشؤون الخارجية بشكل ملحوظ منذ العام 1947 عندما نظمت الية تنفيذية جديدة لعملية صنع القرار في مجلس الامن القومي من خلال تاسيس وكالات مركزية للاستخبارات والدفاع ينسق العمل فيها من قبل مجلس جديد للامن القومي ( روثكوبف, 2005 , 3 ).
رابعا \ الا ان الامر قد تغير منذ حلول العقد الثالث بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ابان الحرب الباردة عندما اختفى قسم كبير من مميزات القوة الامريكية التي اعطتها صفة الاطلاق فتحولت الى قوة نسبية بحكم الواقع, فقد تلاشى جزء مهم منها بسبب التغيرات في البيئة الدولية التي فرضتها تحديات الحرب الباردة على الولايات المتحدة حتى باتت بعض الاهداف الاستراتيجية في الشؤون الخارجية الامريكية مثل مشروع مارشال من اسباب تراجع القوة الامريكية من قوة مطلقة الى قوة نسبية, ومثال ذلك ماسببه التقدم الكبير في الانتاج الصناعي في المانيا الغربية واليابان الى تقليص حصة الولايات المتحدة من الانتاج الصناعي العالمي حوالي 20%, كذلك ادت اتفاقية التجارة العالمية ( الغات) الى نضوب الاحتياط الامريكي من النفط مما اضطر ادارة الرئيس نيكسون الى تعويم الدولار عام 1971 الذي دمر جوهر نظام سعر الصرف الذي احدثته الولايات المتحدة بعد الحرب كهدف استراتيجي في سياسة الشؤون الخارجية, فضلا عن اتفاقية الغات التي كرستها الولايات المتحدة كهدف استراتيجي لفتح الاقتصاد الامريكي امام التجارة الخارجية ( ديبل, 2009 , 313 ).
المبحث الثالث
القوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر
رغم ان صفات البيئة الداخلية والخواص القومية لاية امة هي التي تحكم قوتها الكامنة على اساس عوامل الجغرافيا والتاريخ, الا ان الامر ربما يكون مختلفا في حالة الولايات المتحدة كما يبدو للباحث على فرضية ان امريكا امة قد ولدت من فكرة, وليس المكان هو من خلق حكوماتها ومؤسساتها حسب راي ثيودور وايت ( ستيفنسون, 2001 , 45 ), ولذلك رسم التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية البيئة الاستراتيجية محصلة حاكمة للقوة الكامنة الامريكية عندما تضم عوامل البيئة الداخلية الامريكية وعوامل البيئة الدولية, ويمكن البحث في كل ذلك من خلال تصنيف جميع هذه العوامل في البيئة الداخلية والبيئة الدولية, و بالشكل التالي :
المطلب الاول \ عوامل القوة الكامنة الامريكية في البيئة الداخلية
وتشمل العوامل الملموسة مثل الخصائص الجغرافية للولايات المتحدة والموقع الجيوستراتيجي بما فيها من المساحة الكلية لجميع الولايات والمجال الحيوي, كذلك تشمل الموارد الطبيعية والموارد البشرية وحجم الانتاج الاقتصادي, كما تشمل العوامل غير الملموسة مثل الاستقرار السياسي والتلاحم الاجتماعي والارادة الوطنية والثقافة النوعية فضلا عن الشخصية الوطنية, ويمكن دراسة طبيعة هذه العوامل من خلال يلي :
اولا \ عوامل القوة الكامنة الملموسة
تتميز الولايات المتحدة بموقع جيواستراتيجي حيث تضم سدس مساحة اليابسة في العالم ورابع اكبر كتلة من اليابسة في اي بلد, و يحميها بحران محيطان من جانبيها, وهي رابع دولة على مستوى العالم من حيث الكثافة السكانية حيث تضم 5% من نفوس العالم معظمها من الموارد البشرية المتعلمة والماهرة, ومن اغنى دول العالم في الموارد الطبيعية , فضلا عن المستوى الاجمالي لحجم الانتاج والتطور الاقتصادي والقدرات المولدة للثروة والمهارة التكنولوجية ودرجة التصنيع ( كلاين, 1975 ), والاقتصاد الامريكي اليوم هو الاقتصاد المهيمن على العالم حيث مازال ينتج 25% من الانتاج الصناعي والزراعي والخدماتي في العالم, فالشركات الصناعية الامريكية الكبرى هي المهيمنة على السوق العالمية مثل شركات تصنيع وتسويق طائرات نقل الركاب, وشركات تصنيع وبيع اجهزة الكوميوترحيث تحتل الحصة الاولى في السوق العالمية, وان اعظم منطقة لابحاث تكنولوجيا المعلومات لازلت في وادي السيلكون بالقرب من ولاية فرانسيسكو حيث توجد مئات الشركات التقنيىة المختصة في هذا المجال, مثلما تصنف الولايات المتحدة في المراتب الاولى في تصدير المتجات الزراعية والحبوب واللحوم واالزيوت النباتية والحيوانية ( ستيفنسون, 2001 , 73 ى-75 ) .
وعليه فان الموقع الجغرافي الكبير والمنفصل والبعيد للولايات المتحدة فضلا عن صلابة اقتصادها هي اهم عوامل القوة الامريكية الكامنة في البيئة الداخلية وفق التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية حيث لاتزال الولايات المتحدة اكثر غنى في تاريخها عندما تقود وتوجه الاقتصاد العالمي رغم التراجع النسبي في قوة اقتصادها المعبا حيث باتت حصتها من الناتج العالمي نصف ماكانت عليه في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة, وذلك اوضح تعريف للعوامل الملموسة في القوة الكامنة الامريكية ( ليفي, براون, 2005 , 7 ), حيث ان حجم الاقتصاد الامريكي عند قياسه بالناتج المحلي الاجمالي مضاف اليه مقدار الانفاق على التطوير والبحوث يساوي تقريبا ضعف حجم اقرب المنافسين المعاصرين في هذا المجال وهي دولة اليابان ( بروكس, ويل فورث, 2004 ,3 ), كما يصنف الاقتصاد الامريكي عالميا بانه دوما الافضل بين اكبر ثلاث اقتصادات تنافسية عالمية معاصرة حيث بلغ معدل انفاق الولايات المتحدة على البحوث والتطوير وتكنولوجيا المعلومات منذ مطلع القرن الحادي والعشرين ماتنفقه اكبر سبع دول مجتمعة, وتطبع الولايات المتحدة وتنشر ثلث ماينتجه العالم من اطروحات علمية , كما تسجل نصف مايسجله العالم من براءات الختراع في مختلف الاختصاصات , وتزود العالم بثلث تكنولوجيا المعلومات فائقة الدقة (بيبر,بينتز, فريدمان, 2005 , 270- 269 ).
ويمكن اضافة عامل التراكمية الى العوامل الملموسة في البيئة الداخلية الامريكية حسب راي بعض الخبراء في مراكز التفكير الاستراتيجي, فمثلا يصف اورغانسكي عامل التراكمية بانه اجمالي الناتج القومي الذي يمثل القوة الكامنة في البيئة الداخلية ( اورغانسكي, 1968 , 207 -215 ), بينما يضيف ستيف والت الى اجمالي الناتج القومي حجم الانفاق على القوات العسكرية وتراكم الذخيرة الذي يراه يشكل قوة كامنة لانظير لها في العالم, ( والت, 1985 , 43 -42 ), ويبرهن لايبر فاعلية عامل التركمية عند حشد طيف القوة الكامنة الامريكية عندما تنتج هيمنة مثيرة للاعجاب حيث لايوجد لها مثيل في العالم , واستشهد على ذلك بالنصر الخاطف والاستراتيجي الذي حققته قوات التحالف بامكانات وقيادة الولايات المتحدة في حرب تحرير الكويت, وحرب كوسوفو, وحروب افغانستان والعراق ,( توماس, 2004 , 16 ).
ثانيا \ عوامل القوة الكامنة غير الملموسة
وهي جميع العوامل البشرية والاجتماعية والنوعية الكامنة في الدولة والمجتمع وفي العلاقة بينهما, وفي حالة الولايات المتحدة يمثل الاستقرار السياسي والتلاحم الاجتماعي اهم تلك العوامل الحسية غير الملموسة التي تدفع ادوات القوة في تحقيق اهداف سياسة الشؤون الخارجية, ويتضح ذلك بالمقارنة مع البلدان التي ترهقها الانقسامات العرقية والطائفية والسياسية عندما تبات مكبلة في سياساتها الخارجية, كذلك تعتبر نوعية الحكم والقيادة وهي محصلة الشخصية الوطنية ونوع النظام السياسي في الولايات المتحدة من العوامل غير الملموسة في قوتها الكامنة في الشؤون الخارجية,فضلا عن نوع العلاقة بين الة الحكم والمجتمع الذي تتميز برباط متين ديناميكي يعبر عن مهارة ومرونة في جميع المؤسسات ومنها مؤسسات الشؤون الخارجية التي تلخصها ديباجة استراتيجية الامن القومي للولايات المتحدة في العام 2002 ( استراتيجية الامن القومي \ 2002 \ 31 ).
ومن اهم العوامل النوعية للقوة الكامنة في الامة الامريكية وغير الملموسة الا انها راجحة في التفكير الاستراتيجي الامريكي في الشؤون الخارجية هي درجة التصميم التي تنمنحها الامة لدعم السياسات الخارجية الاستراتيجية للادارات الامريكية المتعاقبة في زمن الحرب والسلم رغم الانقسام الحزبي المعروف ( اورغانسكي, 1968 , 184 ), والعزيمة والتصميم التي توفرها الامة في سياسة الشؤون الخارجية هي قدرات كامنة من التضحيات والاصرار التي يمكن ان تحتاجها الدولة في النكسات ودارة الازمات الدولية لان جاهزية الشعب الامريكي لتطبيق الموارد الوطنية في السياسة الخارجية بصورة عامة وفي الاهداف الاستراتيجة على وجه الخصوص هو مظهر من عوامل القوة الكامنة غبر الملموسة في البيئة الداخلية يصبح فيها التاييد الشعبي والراي العام من مظاهر القوة الوطنية الكامنة ( فريمين, 1997 , 16- 15 ).
ومن العوامل غير الملموسة للقوة الكامنة في البيئة الداخلية الامريكية هي طبيعة الادارة الامريكية للشؤون الخارجية بجميع مؤسساتها حيث تؤثر طبيعتها الفكرية والدبلوماسية في ادارة ادوات القوة بمهنية وذكاء وحكمة استراتيجية وبراعة تكتيكية وجودة عالية بادارة الموارد بارادة ومعنويات وطنية حيوية تنضج صناعة القرار الاستراتيجي عندما يستند الى المعرفة والجراة والدهاء فيعزز القوة الكامنة بالسمعة العالمية والنخب الوطنية ( فريمين, 1997 , 16 ).
المطلب الثاني \ عوامل القوة الكامنة الامريكية في البيئة الدولية
لايمكن تحديد عوامل القوة الكامنة الامريكة في البيئة الدولية بصورة مجردة بسبب الترابط البنيوي والتاثير المتبادل مع العوامل الحاكمة التي اشرنا اليها في البيئة الداخلية , وطبقا للتفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية يمكن دراسة هذه العوامل على اساس النظرية السياسية في العلاقات الدولية من خلال تصنيفها الى عوامل القوة الكامنة الصلبة وفق النطرية الواقعية, وعوامل القوة الكامنة الناعمة وفق النظرية البنائية, وعوامل القوة الكامنة اللزجة وفق النظرية الليبرالية.
اولا \ عوامل القوة الكامنة الصلبة
وهي جميع العوامل الملموسة المتراكمة التي تفرزها البيئة الداخلية الامريكية التي اشرنا اليها سابقا مضافا اليها التحالفات الدولية الاستراتيجة او الانية للولايات المتحدة مع بعض دول العالم وعلى راسها حلف الناتو, فضلا عن المنظمات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة, واهمها منطمة الامم التحدة ومجلس الامن الدولي ,والتي تمثل الخصائص الفعلية لتعريف القوة الصلبة وفق النظرية الواقعية والواقعية الجديدة في النظام الدولي من انها القدرة على ارغام الاخرين من الوحدات الدولية المتصارعة او المتنافسة بالقبول وفعل اشياء لايودون فعلها بسبب ردود الفعل الاستباقية المباشرة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها, او بسبب الردع الاستراتيجي الامريكي على ارض الواقع, حيث تقدم النظرية الواقعية في العلاقات الدولية قواعد اساسية واضحة للقوة الكامنة تنطبق بشكل مثالي على الحالة الامريكية عندما تتبع سياسات الكبح حسب راي الواقعيون الدفاعيون, اوسياسات الهجوم والانخراط في الحرب وفق رؤية الواقعيون الهجوميون على افتراض اغتنام الفرص بوجود القوة الكامنة التي تمنح القوات المعاباة فرص التفوق والحسم ( ميرشيمر, 2001 , 20 -19 ).
وهناك فروقات كثيرة بين الواقعيين الدفاعيين والهجومين في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر للنظر في القوة الكامنة الصلبة للولايات المتحدة, حيث يعتقد الواقعيون الدفاعيون ان عدد قليل من الحروب المباشرة اوغير المباشرة المعاصرة التي خاضتها الولايات المتحدة انتهت بتعزيز القوة الكامنة لديها بسبب سلوك الخصوم الذي يميل دوما الى التوازن في المواجهة بما يعكس ردود افعال عكسية في تحقيق المكاسب الاولية, فالغزو الامريكي او التهديد به لايعطي تعريف واضح للقوة الكامنة الصلبة من حيث الموضوع, بينما يعتقد الواقعيون الهجوميون ضرورة التلويح والتهديد الدوري بالانخراط بالحرب لانها تعود بمكاسب ضخمة في تعزيز القوة الكامنة للولايات المتحدة رغم التحديات المكلفة على المدى القصير في القوة المعباة, ويعزون ذلك الى الطبيعة الفوضوية لبنية النظام الدولي الذي تفرض على الولايات المتحدة اغتنام الفرص للتحسين المستدام في قوتها الكامنة وان تكافح في سياساتها التوسعية من خلال بناء قوتها النسبية وكراه الخصوم المحتملين للرضوخ والتعاون , وطبقا لكل ذلك يعتقد الواقعيون الجدد ان القوة الكامنة الصلبة للولايات المتحدة تكمن في عقول الخبراء الاستراتيجين وصناع القرار لتحليل بنية النظام الدولي بغرض فهم وتفسير سلوك الخصوم المحتملين من اجل الردع والكبح الاستراتيجي ( كينث والتز, 1979 , م, ا).
ثانيا \ عوامل القوة الكامنة الناعمة
يقول جيمس ت. فاريل ان امريكا رحبه الى الحد الذي يجعل كل مايقال عنها صحيحا, والعكس صحيح كذلك ( ستيفنسون, 2001 , 9 ), ويمكن ان تعبر هذه المقولة عن الثقافة العالمية التي تمتلكها الولايات المتحدة والتي منحتها القدرة على وضع مجموعة القواعد والمؤسسات المهمة التي تنظم مجمل النشاطات المؤاتية في العلاقات الدولية حتي باتت من مصادرها الرئيسية من جهة, ومن جهة اخرى اصبحت تمثل اهم عوامل القوة الكامنة الناعمة في الشؤون الخارجية الامريكية ( جوزيف ناي, 2002 , 10 ), والقوة الكامنة الناعمة هي القدرة على التاثير في الاخرين من الوحدات الدولية وتحقيق الاهداف من خلال الجاذبية و بالانسجام مع مصالحهم الخاصة بحيث تنتج السلوك المرغوب او جعلهم يوافقون عليه من خلال عنصر الاقناع باتباع عنصر الاعراف والمؤسسات ( كوهين, ناي, 1998, 86 ).
والقوة الكامنة الناعمة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر هي انعكاس رمزي ضئيل لماضي الدولة في السيطرة على موارد القوة غير الملموسة التي اشرنا اليها سابقا وليس نوعا مبتكرا من القوة, وهي اولا واخيرا تسيطر على الاجندة العالمية بمعني السيطرة على مؤسسات السياسة العالمية منذ بداية القرن العشرين واندلاع الحرب العالمية الاولى, وتمتاز القوة الكامنة الناعمة الامريكية باستحالة مقاومتها من الدول الاخرى لانها نابعة من الوجدان الحضاري لوجدان المجتمعات الانسانية في تلك الدول وهي نتاج ثقافة عالمية حيوية ومتجددة بدينامية فوائد القوة من التكنولوجيا والعولمة واللغة والقيم الديمقراطية التي تزيد من التفاعل بين الوحدات والمجتمعات الدولية , ولايمكن باي شكل من الاشكال حصر القوة الكامنة الناعمة في التفكير الاستراتيجي المعاصر لانها متغيرة بشكل رحب وواسع بفعل التفوق الثقافي والتقني الذي يفرضه العصر الامريكي ونظام القطب الواحد رغم المحولات الطموحة لعدد من الدول المتقدمة في اللحاق بركب هذة القوة الكامنة المهيمنة ( كوهين, ناي, 1998, 95 – 82 ).
وتقوم القوة الكامنة الناعمة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر على اساس النظرية البنائية في العلاقات الدولية على اعتبار اشارت له اول مرة مارثا فينمور وهو ان هذه القوة الناعمة هي قوة مكتسبة ورثتها الولايات المتحدة وبعض الدول الاوربية من ثلاث انظمة دولية مختلفة حكمت العالم منذ القرن الثامن عشر الى نهاية القرن العشرين باغراض تغييرية وافكار تهديد مختلفة, هي نظام توازن القوى ونظام التوافق ونظام الثنائية القطبية , وعليه فان القوة الكامنة الناعمة في التفكير الامريكي المعاصر هي الانتصار لنظام متطور وجديد يسعى لترويج قيم الديمقراطية و اليبرالية والراسمالية وحقوق الانسان هو نظام القطب الامريكي الواحد, وكما يعتقد اصحاب البنائية فان معايير هذه القوة هي معايير اجتماعية يمكن ان تفرض ارادتها من خلال الاعمال الجماعية واعمال الافراد عندما يحدث ذلك عبر الاقناع واحداث التغيرات المعيارية الكبرى في قرارات الخصوم ( فينمور, 2003 , 94 ).
ثالثا \ عوامل القوة الكامنة اللزجة
رغم حيوية وتاريخية موضوع القوة الكامنة اللزجة في التفكير الاستراتيجي الامريكي , الا ان والتر راسل هو اول من وصف اصطلاحا القوة الامريكية الكامنة اللزجة في الشؤون الخارجية بانها جميع المؤسسات والسياسات الاقتصادية التي توقع الاخرين في فخ النفوذ الامريكي بجاذبية لزجة بادوات نظام النقد العالمي وحرية التجارة والعولمة والتكامل الاقتصادي بما في ذلك شبكة الديون والمديونيات والاستثمارات بين الولايات المتحدة والحكومات الاجنبية, والتي تجبر هذه الحكومات والشركات العالمية على دعم الازدهار الامريكي للدفاع عن مصالحها الكبرى ( راسل, 2004 , 48 ), وتفسر لنا هذه القوة الكامنة اللزجة تدفق رؤوس الاموال العالمية الى الولايات المتحدة بشكل منقطع النظير حتى وصف تلك الظاهرة برنانكيه وهو رئيس سابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي بتخمة الادخار العالمي وجاذبية الولايات المتحدة بانها افضل مكان صالح للاقراض والاستثمار ( ديبل, 2009 , 330 -229 ), وهو مايعزز دور الدولار باعتباره المعيار النقدي العالمي , كما ان هذه الجاذبية اللزجة والشهوة العالمية في الاموال والاصول الامريكية قوة كامنة توطد الهيمنة الامريكية وتعززها ( ليفي, براون, 2005 , 200).
ولما كانت القوة الامريكية الكامنة اللزجة في الشؤون الخارجية هي تعبير عن السياسات والمؤسسات البيروقراطية في البيئة الداخلية فهي نتاج النظرية البيروقراطية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر وفق نظرية المؤسسية الليبرالية الجديدة حيث ينظر انصار هذه النظرية الى ان الفوضى في النظام الدولي تدفع الدول المستقلة الى التصرف بما ينسجم مع مصالحها الخاصة, وان نتاج التفاعل بين الوحدات الدولية على اساس مؤسساتي هو نتاج ايجابي بالقوة الكامنة حيث ان المؤسسات تلطف سلوك الدولة عندما توفر اطارا للتفاعلات, وهي من اهم النقاط الحيوية التي تقلص الخداع وتسهل الشفافية فتمنح القوة الكامنة الامريكية درجة من الجاذابية لايمكن الابتعاد عن مدارها كونها قوة كامنة لزجة ( منغنست, اريغيون, 2013 , 159 ) , واخيرا يمكن ان نقول ان القوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر بمفهومها الصلب او الناعم اواللزج تتظمن ظواهر متباينة ومتفاوتة الا انها مترابطة جدلا بموارد الدولة الملموسة وغير الملموسة في البيئة الداخلية من جهة, وبالاعبيين الدوليين والبيئة الدولية من جهة اخرى, وعلية يمكن حصر النتائج التي توصلت اليها الدراسة بالاتي.
النتائج
اولا \ القوة الكامنة البنيوية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية ترتبط بالنظام الدولي اكثر من ارتباطها في البيئة الداخلية للدولة رغم انها من نتاج هذه البيئة, الا انها تنتمي للبيئة العالمية عندما تؤثر في الامكانات والقيود التي تعمل الدول من خلالها اكثر من القوة المعباة التي تمتلكها نفس هذه الدول.
ثانيا \ القوة الامريكية الناعمة الكامنة انعكاس رمزي ضئيل لماضي الولايات المتحدة من خلال السيطرة على الموارد, وعلى النتائج والاجندة في معظم السياسة العالمية وفق النظرية البنائية في العلاقات الدولية, وبفضل سيطرتها على النظام الدولي المعاصر منذ انتصارها في الحرب العالمية الثانية وتجميد الفوائد الاستراتيجية لمصالحها القومية مثل نشر ثقافتها ولغتعا في ارجاء العالم , او مثل هيمنة عملتها الوطنية على الاقتصاد العالمي.
ثالثا \ ان مفهوم القوة الناعمة والقوة اللزجة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية يركز على الفوائد والاقلال من القيود في قيادتهم للنظام الدولي , بمعنى الاكثار من الفوائد والتقليل من القيود التي يحاول الخصوم او المنافسون فرضها.
رابعا \ ان القوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي المعاصر في الشؤون الخارجية يمكن ان تتحول الى قوة فعلية معباة عندما تاخذ الحكومة اي من موارد الدولة والمجتمع الملموسة منها وغير الملموسة وتحولها الى ادوات في ادارة الشؤون الخارجية.
خامسا \ التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر بالقوة الكامنة يقوم على اساس السيطرة على اللاعبين الدوليين بنفس القدر من السيطرة على النتائج.
سادسا \ من اهم ابعاد مفهوم القوة الكامنة في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية هو التمييز بينها وبين مفهوم القوة المعباة والقوة الفعلية والقوة المتاحة.
التوصيات
اولا \ في عالم تسوده الفوضى ليس هناك من خيار للدول المستقلة سوى امتلاك عوامل القوة بكل انواعها ومنها القوة الكامنة للحفاظ على بقائها .
ثانيا \ ترجيح العوامل غير الملموسة للقوة الكامنة في الدولة والمجتمع ومنها :
1 – التاكيد على التلاحم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
2 – تعظيم الروح الوطنية والارادة والتصمييم.
3 – تعزيز النظام السياسي للدولة المفعم بقيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان.
المصادر باللغة العربية
1 – تيري ل. ديبل ، استراتيجية الشؤون الخارجية ، ترجمة وليد شحادة ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 2009 .
2- كارين أ . منغنست ، إيفان م. أريغوين ، ، مبادئ العلاقات الدولية ، ترجمة حسام الدين خضور ، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع ، دمشق – سوريا ، ٢٠١٣
٣- دوغلاس ك سنتيفنسون ، الحياة و المؤسسات الأمريكية ، ترجمة ، امل سعيد ، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ، عمان – الاردن ، ٢٠٠١ .
٤- نعمة ، كاظم هاشم، العلاقات الدولية ، مراجعة مندوب الشالجي ، بغداد – كلية القانون السياسية، ١٩٩٧ .
المصادر باللغة الإنكليزية
1 – Donald punchala, International politics Today (New York padd), 1971
2- Itansd.norgenthau, politics Among Nations:The struggle for power and
peace, fifth ed, Rev(New York: Alfred A.knopf,1978.
3- David A. Baldwin, power Analysis and world politics:Nou Trends rersus old
Tendencies,in Klass , Knorr , ed , power strategy, and security
( Princeton,N,J; Princeton university pross 198) .
4- Robert A. Dahlia , power in David L. sills, ed , International Encyclopaedia of The social sciences Vol .12 (New York: MacMillan/Free press) 1968.
5- K.j.Holsti , International politics: A Frame work for Analysis, 6th ed .(New
York , Prentice, Italy 1992 .
6- Josephs Nye , power and International (Boston: Little Brown. 1977 .
7- Jeffrey Hart, Three Approaches to the Measurements of power in
international, Relations, International organizations (30 spring) , 1976 .
8- David A, Baldwin, Economic statecraft (Princeton NJ: Princeton university
press)1985.
9- Robert J. Lieber , The American Era : power and strategy for the 21st century
( New York: Cambridge university press) 2005 .
10 – Stephen G . Brooke and William (. Wohlforth , American primacy in
perspective, Foreign Affinits 81 July
11- Frederick Kempe, A Qestion of Clout : American Has Never Been stronger ,
But It’s Global Influence is waning wall street Journal (October 17) , 2005 .
12-George modeleski , A theory of foregn policy (New York : praeger , 1962) .
13- Paul Kennedy, Grand strategy in war and peace (New Itaven,: Yale
university press ) 1991.
14- Stephen G. Brooke, Dueling Realisms , International organizations 51
(summer 1997) .
15- Aaron L. Fried berg: The strategic Implications of Relative Economic
Decline political science Quarterly 104 ( Fall 1989).
16-Georg Bush and scowcroft , A world Transformed ) New York: A lfred A
knonf , 1998.
17- Rebert Gilpin, U.s power and The multinational, Corporation (New York:
Basic books , 1975).
18- puul Kennedy, The Rise and fall of the Great power ( New York: Random
House 1987).
19- Joan Edelman spero, The politics of international Economic Relations 4th
(New York: st . Martin’s press, 1990).
20- David J. Rothkopf, Greatness The Upon The, Chapter 3 in security Council
and the Architect of American power ) New York: public Affairs, 2005 ) .
21 – David H. Levey and stuarts. Brown the over stvetch myth, foreign Affairs
48 (march/April 2005)
22-GDP : Brook and Wohlfh American primacy in perspective p.22 ; R&D : Adam
segal, Is Americal sing It’s Edge, Foreign Alf airs 83 )November/December
2004) .
23-papers and patents, freedmen, The world is flat, 2005 p 26-270
24- A.F.K. Organski world politics, landed (New York: Alfred A . Knonf, 1908) .
25- stape Walt, All iance formation and the Balances of world power,
International security, (spring, 1985).
26- Tomas E . Ricks , where Does lraq stand A mong U.s wars? Washington post
(may 31,2004).
27- The National security strategy of the United states of America (Washington,
Dc : the white House September 2002).
28- Chas w . Freeman, Arts of power: statecraft and Diplomacy (Washington,
DC US . Institute of peace press 1997).
29- John J . Mear sheimer , The tragedy of Grat power politics (New York:
Noton 2001).
30- Kenneth N. Walts, Theory of International politics (Reading M A: Addison
Wesley. 1979).
31- Robert O . Keohane and Joseph s. Nge , dr , power and Interdependence in
the Information Age, foreign Affairs (September/October 1998).
32- Joseph s . Nye, Jr, the paradox of America power: Why the world’s only
superpowers can’t Golf A lone ( New York: Otford university press, 2002) .
المواقع الإلكترونية
1-https://www.jstor.org/stable/40720446
2-https://www.usip.org/publications/1997/06/arts-power
3-https://www.jstor.org/stable/48615827
4-https://www.nytimes.com/2006/07/25/books/25kaku.html
5-https://www.jstor.org/stable/20034270