أ.د.عبد الرحمن ابراهيم حمد الغنطوسي
الجامعة العراقية – العراق
أ.د. برزان مُيّسر حـــامد الحميـــد
جامعة الموصل- العراق
dr.barzan_78@yahoo.com
009647701601393
الملخص :
يتناول البحث دراسة الغزوات والسرايا والبعوث التي لم يشارك الرسولe بقيادتها والمختلف فيها, حيث يسعى البحث لتحقيق جملة من الأهداف أهمها: التعرف على الأبعاد الاستراتيجية للقيادة النبوية في مجالها العسكري, وإبراز دور التعامل النبوي مع غير المسلمين في المجال الحربي0
وقد تم التوّصل إلى جملة نتائج من أبرزها, إنّ الأصل في الإسلام هو السلم والموادعة, وما شرّع القتال إلاّ لحفظِ الدينِ والنفسِ والعرض, لذا نجد أنّ النبيّ e بعد أن أخذ بالأسباب قامَ برد عدوان المشركين وغيرهم0 ومنع التمثيل بجثث الأعداء أو تعذيب جرحاهم, والتحذير من الاعتداء على الأعداء بغير حق كالتخريب والتحريق, والنهي عن قتل غير المقاتلين كالنساء والصبيان والكهول.
الكلمات المفتاحية : الغزوات ، السرايا ، البعوث ، النبي، لم يشارك ، المختلف فيها .
Incursions, companions, and missions in which the Prophet(peace be upon him) did not participate
Prof. Dr. Abdurahman ibraheem hamd Algantossi |
College of Education University of Iraqi |
Prof. Dr.Barzan moyasir hamidalhameed |
College of Education for Human SciencesUniversity of Mosul |
Abstract:
The research deals with the study of the invasions, companies and missions that the Prophet did not participate in its leadership and its difference. The research seeks to achieve the objectives most important: identifying the strategic dimensions of the Prophet’s leadership in its military field and highlighting the role of the Prophet’s interaction with non-Muslims in the military field.
Some results have been reached, the most prominent of which is that the origin of Islam is peace and meekness, and fighting is only legislated to preserve religion, self and honour. Therefore, we find that the Prophet, after taking the reasons, repelled the aggression of the polytheists and others, prohibited mutilating the corpses of enemies or torturing their wounded, and warned against Unlawful assault on enemies, such as sabotage and arson, and the prohibition of killing non-combatants, such as women, children, and elderly people.
Keywords: invasions, brigades, missions, the Prophet, he did not participate, the difference in them.
المقدمة :
من المعلوم تاريخياً أنّ الرسولe قد غزا بنفسه الشريفة غزوات عديدة, وأرسل سريا وبعوث كثيرة, ولكنه لم يكن في جميع غزواتهِ أو سراياهُ بادئاً بقتالٍ, أو طالباً لدنيا, أو جامِعاً لمالٍ, أو راغباً في زعامةٍ, أو موّسعاً لحدودِ دولةٍ أو مملكة, بل كان هدايةً للناس, وتحريراً للعقول, ورفعاً للظلمِ, وربطاً للناس بربِّ العالمين بأعلى أساليبِ العفّةِ والشرفِ والنبلِ, مما جعل هذه الغزوات أنموذجاً للتعامل الإنساني الدولي في الحروب, كلّ ذلك شكّل حيّزاً كبيراً في حياته, رغم أنّ هناك من الغزوات والسرايا والبعوث لمْ يشارك بقيادتها, بمعنى أنه خرج للقتال لكنه لم يحصل ذلك, إما لعدم تواجد المشركين وغيرهم في ميدان القتال, أو لإنتفاء الحاجة, فاكتفى بالإقامة مع إيصال رسالة تؤكد على قوة المسلمين, وقد اشتملت تلك السرايا والبعوث على سرايا تأديبية, وبعوث دعوية, وأمنية وقتالية, أو سرايا لتحطيم الأصنام, فضلاً عن دراسة الغزوات التي فيها أصحاب السير والمؤرخون, هذه الغزوات هي موضوع الدراسة التي نحاول تسليط الضوء عليها, وبيان التفاصيل الخاصة بالمواجهة والنتائج .
– أهمية الدراسة وسبب اختيارها يرجع للأسباب التالية:
– الاسهام في سد جزء من الفراغ الموجود في بعض جوانب الدراسات المتعلقة بالسيرة النبوية0
– لارتباط الموضوع بحياة النبيّe وأصحابه الكرام رضي الله عنهم0
– فضلاً عن الرغبة في البحث والتخصص في مجال السيرة النبوية0
– أهداف الدراسة :
– الاطلاع على الغزوات والسرايا والبعوث التي لم يشارك فيها الرسولe0
– التعرف على الأبعاد الاستراتيجية للقيادة النبوية في مجالها العسكري0
– إبراز دور التعامل النبوي مع غير المسلمين في المجال الحربي0
– حدود الدراسة : البحث ضمن عصر الرسالة فقط ومحاولة الوقوف على الغزوات والسرايا والبعوث التي لم يُشارك فيها النبيe والمختلف فيها بين المؤرخين القدماء الذين تناولوا سيرة النبي الأكرم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
– مشكلة الدراسة : تكمن في عدم وجود اتفاق تام بين المؤرخين القدماء ممن تناولوا سيرة الرسولe حول السرايا والغزوات والبعوث التي لم يشارك فيه النبيe وهذا ما جعل البت والجزم بها بشكل قطعي غير ممكن وقابل للبحث والتمحيص بشكل مفتوح .
– منهج الدراسة : اعتماد الجانب التحليل النقدي من خلال استقصاء النصوص التاريخية المتعلقة بموضوع الدراسة .
– خطة الدراسة: اقتضت تقسيمها على أربعة مباحث :
المبحث الأول: تناول فيه غزوات السنة الثانية للهجرة .
المبحث الثاني: تضّمن غزوات السنوات الثالثة والرابعة والخامسة للهجرة0
المبحث الثالث: اشتمل على غزوات السنتين السادسة والسابعة للهجرة0
أما المبحث الرابع: فقد تناولنا فيه الغزوات المختلف فيها0
- وختمنا الدراسة بخاتمة أوجزنا فيها أهم النتائج التي تم التوصل إليها, وعَملُنا هذا ما هو إلاّ اجتهاد منّا في هذا المجال, وما توفيقنا إلاّ بالله عليه توكلنا وإليه نُنُيب0
المبحث الأول : وتناولنا فيه الغزوات التالية :
- غزوات السنة الثانية للهجرة :
أولاً : غزوة وَدّانْ ( الأبواء ) صفر سنة (2هـ / 623م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
وَدّان: بفتح الواو وتشديد المهملة، قرية جامعة من أمهات القرى من عمل الفرع وهي قريبة من الأبواء ، وبين رابغ وودان المدينة بتسعة وعشرين ميلاً (الحموي،1995،ج1، ص79) . وسبب هذه الغزوة , الرغبة في استكشاف الطرق التي تصل بين المدينة المنورة ومكة المكرّمة, ولم يحدث بها أي قتال, وغزوة ودّان هي: الغزوة الاولى التي غزاها النبي e بنفسه، وكانت في شهر صفر من العام الثاني بعد الهجرة النبويةِ، وحمل لواءه عمّهُ حمزة بن عبد المطلب t، وكان أبيضاً، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة (ابن هشام ، 1955، ج2 ، ص171) .
- التحركات العسكرية في هذه الغزوة :
خرج النبي e في المهاجرين خاصة من أجل أن يعترض عيراً لقريش وبني ضمرة ، فلم يلقَ كيداً ، وفي هذه الغزوة وادع مخشيَّ بن عمرو الضمري ، وكان سيد بني ضمرة في زمانه على ألاّ يغزو بني ضَمْرَة، ولا يغزوه، ولا أن يكثروا عليه جمعاً، ولا يُعينُوا عليه عدواً، وكتب بينه وبينهم كتاباً(ابن سعد، 1968، ج2 ، ص8 ) . وكانت غيبتهُ خمس عشرة ليلة (الواقدي،1989، ج1، ص11-12 ؛ ابن هشام ، 1955، ج2 ص170- 171؛ ابن سعد ، 1968، ج2 ، ص1- 4) .
ولم يحدث بين الفريقين فقد حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني(الذهبي،1985، ج1 ، ص 297) .
وقد ذكر ابن إسحاق أنَّ النبي e بَعثَ في مقامه ذلك، حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، إلى سيف البحر، من ناحية العيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين، وليس فيهم من الأنصار أحد فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاث مئة راكب من أهل مكة . فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني – كما ذكرنا – وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فأنصرف بعض القوم عن بعض، ولم يكن بينهم قتال (ابن هشام ، 1955، ج2 ص174) .
ثانياً : غزوة العشيرة : جمادى الأولى (2هـ/ 623م)
- التسمية والموقع :
والعشيرة كانت محطة أقام بها النبي e عندما غزاها وبها سميّت غزوته e. فقد ذكر المؤرخون: أنّ النبي e خرج يتعرض عير قريش التي تذهب إلى الشام واستخلف e على المدينة ابو سلمة بن عبد الاسد(ابن هشام، 1955، ج1 ، ص598 ) .
- التحركات العسكرية في هذه الغزوة :
وقد كان مسلكه eعلى نقب بني دينار، ثم على فيفاء الخبار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق(السمهودي،1955، ج3 ، ص160 ، ج4 ، ص97 ) ، فصلّى عندها فتمّ مسجده ، فصنع له عندها طعام فأكل منه وأكل الناس معه ، فرسوم أثافي البرمة معلوم هناك ، وأستسقى له من ماء يقال له: المشيرب (السمهودي،1955، ج1، ص80 وما بعدها، ج 4ص147 ) . ثم أرتحل فترك الخلائق(السمهودي،1955، ج4 ، ص69 ) ، بيسار وسلك شعبة عبدالله (السمهودي،1955،ج4، ص99) ، ثم صبّ للشاد، حتى هبط ملل (السمهودي،1955،ج4، ص150) ، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة (السمهودي،1955،ج4، ص108) ، ثم سلك فرش ملل (السمهودي،1955،ج4،ص127) حتى لقي الطريق بصخيرات الثمام(السمهودي،1955،ج4،ص41) . ثم أعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها جمادي الأولى وليال جمادي الآخرة ، ووادع فيها بني مدلج(القلقشندي،1980، ص372 ) ، وحلفائهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة, ولم يلقَ كيداً(ابن هشام ، 1955، ج2 ، ص176-177 ؛ ابن كثير، 2003 ، ج3 ، ص246-247) .
ثالثاً : غزوة بواط : ربيع الأول : سنة (2هـ/623م)
- التسمية والموقع :
كانت جبال جهينة من الأماكن التي غزاها رسول الله e وهي غزوة بواط، وقد تقدّم أنّ بواط بالضم وآخره طاء هو جبل من جبال جهينة ، بناحية رضوي ، بقرب ينبع(الحموي،1955، ج5 ، ص449) .
- التحركات العسكرية في هذه الغزوة :
كان الهدف منها استراتيجي اقتصادي بحت، هو السيطرة على قافلة تجارية لقريش كانت تمر بتلك المنطقة التي سمّيت الغزوة باسمها, وقد ذكرت المصادر أنّ النبيّ e خرج إلى بواط في شهر ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، وحمل لواءه سعد بن معاذ , وخرج في مائتين من الصحابة يعترض عير قريش ، وكان فيها أميّة بن خلف ، ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير ، فبلغ بواط ، وهي جبال جهينة من ناحية رضوي وهو قريب من ذي خُشُب(السمهودي ، 1955، ج4 ، ص68) ، مما يلي طريق الشام ، وبين بواط والمدينة نحو من أربعة برد (الفيومي، د، ت، ص32) ، فلم يلق كيداً ، فرجع إلى المدينة(الواقدي ، 1989، ج1، ص12 ؛ ابن هشام ، 1955 ،ج2 ، ص171- 172 ؛ ابن سعد ، 1968 ،ج2 ، ص1 وما بعدها ) .
رابعاً: غزوة غطفان : سنة (2هـ/ 623م)
- التسمية والموقع :
وتسمى غزوة ذي أمر(ابن سعد،1968،ج2، ص24) وكانت هذه الغزوة لخمس خلون من ذي الحجة السنة (2هـ) وقيل كانت في محرم . وقيل : بل في ربيع الأول سنة (3هـ)(ابن كثير،1976، ج5 ، ص2 ) . ويظهر أنّ الرسول e خرج في أواخر شهر محرم وعاد في أوائل شهر ربيع الأول. وكان سبب هذه الغزوة أنّ الرسول e علم أنّ بعض عشائر غطفان تجمعت لغزو المدينة (الواقدي،1989، ص164) . وقد أقام رسول الله e بالمدينة بقية شهر ذي الحجة ، ثم غزا نجداً يريد غطفان ، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان t ، فأقام e بنجد صفرا ًكله ، ثم انصرف بعدها ، ولم يلقَ حرب(الواقدي، 1989 ، ص192 ؛ ابن سعد ، 1968، ج2 ، ص24 ؛ ابن خياط ، 1397هـ ، ج1 ، ص5) .
- تحركات النبي r العسكرية في هذه الغزوة :
قال الواقدي : فندب رسول الله e المسلمين فخرج في اربعمائة رجل وخمسين ومعهم أفراس فاخذ على المنقى(السمهودي، 1955،ج2 ، ص379) . ثم سلك مضيق الخبيت (البكري،1403ه، ج1 ص193) . ثم خرج الى ذي القصة(السمهودي،1955، ج2 ، ص362 ) ، فأصاب رجلاً منهم بذي القصة يقال له: جبار من بني ثعلبة فقالوا: أين تريد ؟ قال: أريد يثرب، قالوا : وما لقومك؟ قال: لا، الا انه قد بلغني ان دعثور بن الحارث(الرازي،1952، ج3، ص441 ) في أناس من قومه نزل ، فادخلوا على رسول الله e فدعاه الى الإسلام فاسلم(الواقدي ، 1989 ، ص164 ؛ ابن كثير ، 1976 ، ج3 ، ص34 ) .
وقد ابدى دعثور بن الحارث بمعلومات للنبي e فمن ذلك انه قال للنبي e : يا محمد انهم لم يلاقوك ؛ ان سمعوا بمسيرك هربوا في رؤوس الجبال ، وانا سائر معك ودالك على عورتهم ، فخرج به النبي e وضمه الى بلال ، فاخذ به طريقا اهبطه عليهم من كثيب وهربت منه الأعراب فوق الجبال ، الا انه ينظر اليهم في رؤوس الجبال فنزل رسول e ذا أمر وعسر معسكرهم فأصابهم مطر كثير فذهب رسول الله e لحاجته فأصاب ذلك المطر فبل ثوبه وقد جعل رسول الله e وادي ذي أمر بينه وبين اصحابه(الواقدي،1989، ص164- 165 ) .
خامساً : غزوة بني سليم شوال (2هـ /624م)
ذكر المؤرخون: أنّ رسول الله e لم يتم بعد منصرفه عن بدر إلا سبعة أيام ، ثم خرج بنفسه الكريمة يريد بني سليم، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وقيل: ابن ام مكتوم ، بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم انصرف ولم يلق أحداً(ابن إسحاق ، 1978 ، ص319 ؛ ابن هشام ،1955 ،ج3 ، ص46 ؛ ابن سعد ، 1968، ج2 ، ص24 ؛ الطبري ،1387 هـ ، ج2، ص482 ) . ولم يذكر المؤرخون أي تحرك في هذه الغزوة لأنّ أغلبهم جعلها ضمن غزوة أُخرى .
سادساً : غزوة بني قينقاع/ شوال من سنة (2ه /624م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
روي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قد جمع اليهود في سوق بني قينقاع بعد وقعة بدر فقال: ” يا معشر اليهود احذروا مثل ما نزل بقريش, وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم, فقد عرفتم أني نبيّ مرسل” فقالوا: لا يغرنّك أنك لقيت أقواماً أغماراً(ابن كثير،1997، ج3, ص385 ؛ ابن هشام , 1955، ج2, ص201) لاخبرة لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة لئن قابلتنا لعلمت أناّ نحن الناس” فنزل بهم قول الحق:
(( قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَاد)) (آل عمران : 12) .
وكان سبب ذلك أنّ امرأة من العرب قدمت بحلب لها تريد بيعه في سوق بني قينقاع فجلست الى صائغ يهودي بسوق فجعل اليهود يراودونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ الى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، وهي لا تشعر به ، فلما قامت انكشفت سوأتُها ، فضحكوا بها فصاحت المرأة فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، فحملت اليهود على المسلم فقتلوه ، واستنجد أهل المسلم بالمسلمين على اليهود، فغضب المُسلمُون ، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع (ابن هشام ، 1955، ج3 ، ص50 ؛ابن سعد، 1968،ج2 ،ص19؛الواقدي ،1989، ص177؛ الطبري ،1387هـ ،ج2، ص479) .
- تحركات النبي r العسكرية في هذه الغزوة
سار النبي e الى بني قينقاع وحاصرهم في حصونهم وقذف الله في قلوبهم الرعب ونزلوا على حكمه e(الواقدي ، 1989، ج1 ، ص179 ) .
وقد سَارَ e إِلَيْهِمْ وَلِوَاؤُهُ بِيَدِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المطلب، وكان أبيض، ولم تكن الرايات ويومئذ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَحَاصَرَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً إِلَى هِلالِ ذِي الْقَعْدَةِ (ابن سيد الناس، 1993، ج1 ، ص344 ) .
سابعاً : غزوة بدر الأولى سنة (2هـ/ 623م)
- التسمية والموقع :
وتسمى غزوة طلب كرز بن جابر الفهري (ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص9) ، وتسمى ايضاً غزوة بدر الأولى(ابن عبد البر، د، ت، ص98 )، وتسمى غزوة سفوان- بفتح السين والفاء(البلاذري،1988، ج1 ، ص287 )- وكانت على رأس (2هـ) في شهر ربيع الأول(ابن سعد، 1968 ، ج2، ص9 ) . وقيل في جماد الآخرة (ابن هشام، 1955 ، ج2 ، ص251 ؛ ابن خياط ، 1397ه ، ج1 ، ص3 ) . وسبب هذه الغزوة ان كرز بن جابر الفهري(ابن الاثير، 1994، ج1 ، ص932) قد أغار على سرح المدينة ، ونهب بعض الابل والمواشي، فخرج رسول الله e في طلبه ، حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر ، وفاته كرز بن جابر، فلم يدركه ، ورجع e إلى المدينة(ابن هشام، 1955 ، ج1 ، ص601) .
وقد اسْتَعْمَلَ النبيeعَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهَا فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، وَحَمَلَ اللِّوَاءَ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t (ابن سيد الناس، 1993، ج1 ، ص263) .
- تحركات النبي r العسكرية في هذه الغزوة :
تحرك النبي e ومعه دورية قتالية مؤلفة مما يقرب من مئتي راكب وراجل، اما قوات المشركين فكانت خفيفة في هذه الغزوة وسريعة اغارت على مراعي ضواحي المدينة واستاقت بعض ابل
وأغنام المسلمين(ابن هشام، 1955 ، ج1 ، ص601) .
والهدف واضح من هذه الغزوة – التي قادها النبي e وهو مطاردة قوات المشركين وتخليص الغنم والابل المنتهبة .
وكان نتيجة هذه الغزوة ان قوات المسلمين وصلت الى وادي سفوان فلم تدرك قوات المشركين فعادت ادراجها بدون قتال ، فأقام بها النبي e بقية جمادى الاخرة ورجبا وشعبان(ابن هشام، 1955 ، ج1 ، ص601) .
ثامناً : غزوة السويق : ذي الحجة : سنة (2هـ /624م)
- الموقع والتاريخ :
وكانت سنة (2هـ) شهر ذي الحجة (السمهودي ،1955 ، ج2 ، ص396 ) واستخلف النبي e ابا لبابة t وقد حاول كفار قريش قبل يوم احد ان يصنعوا شيئاً ، ولكنهم كانوا يردون على أعقابهم . فقد ذكر المؤرخون ان أبا سفيان عندما انصرف من بدر أرادَ أن يغزو رسول الله e فخرج في مئتي راكبٍ من قريش حتى اتى العريضْ، فحرق أسواراً من النخل، وقتل رجلاً من الأنصار وحليفا له وجدهما في حرث لهما، ثم كر راجعاً (الواقدي ، 1989 ، ص182 ؛ ابن هشام ،1955 ، ج3 ، ص47 ؛ ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص20 ؛ الطبري ، 1387هـ ، ج2 ، ص483) . فخرج الرسول e في طلبه حتى بلغَ قرقرةُ الكدْرِ(الحموي ، 1955 ، ج4 ، ص326 ) . أما عن سبب تسمية الغزوة بغزوة السويق فسيأتي بيانه .
- تحركات النبي e العسكرية في هذه الغزوة
خرج النبيّ e بقوة مطاردة خفيفة وكان الهدف منها القضاء على قوة أبي سفيان وبلغ رسول الله e قرقرة الكدر. وفاته أبو سفيان والمشركون وقد طرحوا سويقاً وكثيراً من أزواجهم، يتخففون بذلك فأخذه المسلمون. فسميت غزوة السويق لهذا السبب (ابن عبد البر، د، ت ، ص148) .
المبحث الثاني : وكُرّس للحديث عن الغزوات التالية :
- غزوات السنوات الثالثة والرابعة والخامسة للهجرة :
اولاً : غزوة بحران وتسمى – ايضاً – غزوة الفرع /جمادى الأولى : سنة (3هـ /624م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
أقام رسول الله e بالمدينة شهر ربيعِ الأول، ثم غزى يريدُ قريشاً ، وأستخلف على المدينةِ ابن أم مكتوم ، فبلغ بحَران، معدناً بالحجاز، ولم يلق حرباً. فأقام هنالك شهر ربيع الآخر وجماد الأولى من سنة (3هـ) ثم انصرفَ بعدها إلى المدينة (الواقدي ، 1989 ، ص195 ؛ ابن هشام ، 1955 ، ج3 ، ص50 ؛ ابن سعد ، 1968، ج2 ، ص24 ؛ الطبري ، 1387ه ، ج2 ، ص487) .
- تحركات النبي r العسكرية في هذه الغزوة :
خرج المسلمون بثلاثمائة مقاتل بين راكب وراجل بقيادة النبي e وكان الهدف من هذه الغزوة القضاء على بني سليم قبل انجاز استحضاراتهم لقتال المسلمين(خطاب ، 1422ه، ص97) .
- المباغتة
إنّ من أهم الحوادث التي حدثت في هذه الغزوة أنه لما بلغ النبي e أنّ جمعا كبيرا من بني سليم يتهيؤون لقتاله اغذى النبي e والمسلمون السير ليباغتوا بني سليم في ديارهم حتى اذا وصلوا بحران بليلة، لقيهم رجل من بني سليم، فساله النبي e عنهم، فاخبره انهم تفرقوا وعادوا أدراجهم حين سمعوا بخروجه اليهم . وعاد الرسول e بأصحابه الى المدينة بعد أن بقي في ديار القوم ما يقرب شهرين(الواقدي ، 1989 ، ص195 ؛ ابن هشام ، 1955 ، ج3 ، ص50 ؛ ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص24 ؛ الطبري ، 1387ه ، ج2 ، ص487) .
ثانياً : غزوة حمراء الأسد / شوال : سنة (3هـ /625م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
وكانت وقعة آخر يوم السبت(الواقدي ، 1989 ، ص177 ؛ ابن هشام ، 1955 ، ج3 ، ص50 ؛ ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص19 ؛ الطبري ، 1387ه ، ج2 ، ص489) للنصف من شوال من السنة (3هـ) فلمّا كانَ من الغدْ يومِ الأحد أمرَ رسول الله e بالخروج في أثر العدو وعهد أن لا يخرج معه إلاّ من حضر المعركة(الواقدي ، 1989 ، ص325 ؛ ابن هشام ، 1955 ، ج3 ، ص107 ؛ ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص34 ؛ الطبري ، 1387ه ، ج2 ، ص534) . فاستأذنه جابر بن عبد الله أن يسمح له في الخروج معه ، ففعل وكان أبوهُ عبد الله بن عمرو بن حرام ممن استشهدَ يوم أحد في المعركة (ابن هشام ، 1955 ، ج3 ، ص107) .
- تحركات النبي e العسكرية في هذه الغزوة
لما انصرف رسول الله e من معركة أحد مساء يوم السبت باتَ في تلك الليلة على بابهِ أناسٌ من وجوهِ الأنصارِ وباتَ المسلمون يداوون جراحاتهم ، فلما صلّى رسول الله e الصبح يوم الأحد أمرَ بلالاً أن ينادي أنّ رسول الله e يأمركم بطلبِ عَدوّكم ولا يخرجُ مَعنا إلاّ مَن شِهدَ القتال بالأمس(ابن سعد ، 1968، ج2 ، ص48-49) . وقد استثني من ذلك جابر بن عبد الله فانه t قال لرسول الله e إنّ أبي خلفني يوم أحد على أخوات لي لم أشهد الحرب فأذن لي أن أسير معك ، فأذن له رسول الله e فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال غيره (ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص48-49) . وكان الهدف من هذه الغزوة اظهار قدرة المسلمين – وهم في أحلك الظروف – على التصدّي لمواجهة خصومهم وأعدائهم, وكذلك إزالة اليأس من قلوب المسلمين وإعادة هيبتهم التي خدشت في غزوة أحد, ووضعهم على طريق التفاؤل والعزّة والانتصارات0
اما بالنسبة للتحركات العسكرية للنبي e في حمراء الأسد فقد دَعا رسول الله e بلوائه وهو معقود لم يحلْ فدفعهُ إلى علي بن ابي طالب، ويقال: إلى أبي بكر الصديق y . وخرج وهو مجروح في وجهه ومشجوج في جبهته ورباعيتهِ قد شظيتْ وشفتهُ السُفلى قد كلمت في باطنها، وهو متوهن منكبه الايمن من ضربة ابن قميئة وركبتاه مجحوشتان وحشد أهل العوالي ونزلوا حيث أتاهم الصريخ وكب رسول الله e فرسه وخرج الناس معه فبعث ثلاثة نفر في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد(الواقدي ، 1989، ص337 ؛ ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص49 ) .
- المواقــد
وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه، فكبت الله تبارك وتعالى بذلك عدوهم . فانصرف رسول الله e إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة وقد غاب خمس ليال ، وكان استخلف على المدينة عبد الله بن ام مكتوم (ابن كثير، 1418ه ، ج4 ، ص48 ) .
ونستنتج منها ما يلي:
– لإيصال رسالة بأنّ الرسول e قادر على استجماع قوته مرّة أخرى بالرغم من الهزيمة التي لحقت به في غزوة أحد0
– رفع الروح المعنوية للمسلمين بعد الانكسار النفسي الذي أصابهم0
– أظهرت هذه الغزوة فضل أصحاب الرسول e وسرعة استجابتهم لأمر القيادة النبوية في الخروج للجهاد ثانية رغم ما بهم من جراح وآلام وتعب0
– كذلك علّمت – الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم – أنّ لهم الكرّة والنصرُ على أعدائهم متى استجابوا لدعوةِ اللهِ ورسولهِ, ونفضوا عنهم الضعف والفشل, وأن ّما أصابهم بالأمس – في أحدْ – إنما هو ابتلاءٌ ومحنةٌ اقتضتها إرادةُ الله وحكمتهِ, وأنّهم أقوياء أعزّة بطاعتهم لله, واستجابتهم لأوامر رسوله الكريم محمدe 0
ثالثاً : غزوة بدر الآخرة : شعبان سنة (4هـ /626م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
وتسمى بــــــ : بدر الثالثة (ابن عبد البر، د، ت، ص177)، وتسمى أيضاً بــــــــ: بدر الموعد(الطبري ، 1387، ج2 ، 88 ؛ ابن كثير ، 1418ه ، ج4 ، ص87) .
وقد اختلف المؤرخون في تحديد السنة التي وقعت فيها هذه الغزوة فقال بعضهم: إنها وقعت بعد غزوة ذات الرقاع – وقد تقدّم القول أنّ غزوة ذات الرقاع وقعت في السنة (5هـ) على الراجح والصحيح – في حين يذكرون ان غزوة بدر الثالثة وقعت في السنة (4هـ) (الواقدي ، 1989، ص286) وجزم بعضهم فقال: في شعبان من السنة الرابعة للهجرة (ابن هشام، 1955 ، ج3 ، ص220 ؛ ابن عبد البر ، د، ت ، ص177) (( وكان أبو سفيان يوم أحد نادى رسول الله e: موعدنا معكم بدر في العام المقبل. فأمرe بعض أصحابه أن يجيبه بنعم . وأقام رسول الله e منصرفه من ذات الرقاع بالمدينة … واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله ابن أُبي بن سلول ، وقيل : عبد الله بن رواحة . ثم نهض حتى أتى بدراً )) (ابن عبد البر، د ، ت، ص177 ؛ السهيلي، 2000 ، ج6 ، ص603) .
- تحركات النبي e العسكرية في هذه الغزوة
خرج النبي e ومعه ألف راكب وراجل، وكان عدد المشركون الفي رجل من قريش بقيادة ابي سفيان ، والهدف كان كسر معنويات قريش والتغلب عليها لإظهار قوة المسلمين للمشركين واليهود(خطاب، 1422ه ، ص138) .
وقد وصل المسلمون بدراً وانتظروا قريشاً هناك ، ولكن المشركين الذين خرج بهم ابو سفيان من مكة ترددوا بين الاقدام والاحجام ، فآثروا السلامة وعادوا أدراجهم إلى مكة بعد أن قطعوا مسيرة مرحلتين منها . وعاد المسلمون إلى المدينة بعد أن طال انتظارهم للمشركين ثمانية أيام ببدر وقد محت غزوة بدر الآخرة أو بدر الموعد كل أثر سيء لمعركة أحد داخل المدينة وخارجها على حد سواء(خطاب، 1422ه ، ص138) .
رابعاً : غزوة ذات الرقاع محرم : سنة (5هـ/626م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
سميّت هذه الغزوة ذات الرقاع لأنّ أقدامهم نقبت ، وقيل كانت في المحرم من السنة 4هـ وهو قول ضعيف, وكان سبب هذه الغزوة ما سمعه رسول الله e من تجمّع بني محارب وبني ثعلبة لحربه(ابن هشام ، 1955 ، ج3 ، ص213 ؛ الطبري ، 1387ه ،ج2 ، ص555 ؛ ابن عبد البر ، د ، ت ، ص176) . وقد أقام رسول الله e بعد إجلاء بني النضير بالمدينة . ثم غزا نجداً يريدُ بني محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان ، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل: استعمل يومئذ عليها عثمان بن عفان t والأول أرجح (ابن هشام ، 1955 ، ج2 ، ص46 ) .
- تحركات النبي e العسكرية في هذه الغزوة
ونهض النبيّ e حتى نزل نخلاً من منازل بني ثعلبة بنجد على بعد يومين من المدينة (ابن هشام،1955، ج3 ، ص213) كما لقي e بنخل جمعان من غطفان، فتوقفوا، إلاّ أنهُ لم يقع بينهم قتال(ابن هشام ،1955، ج3 ، ص213 ؛ ابن كثير ، 1418ه ، ج4 ، ص83) .
وقد خرج النبيّ e في أربعمائة راكب وراجل وقادهم للقضاء على بني ثعلبة وبني محارب المتحشدين للقيام بغزو المدينة ، كما كان الهدف من هذه الغزوة – أيضاً – أخذ ثأر شهداء المسلمين في بئر معونة (خطاب،1422ه، ص137) .
- المباغتة
تُعد المباغتة من أهم التحركات العسكرية التي قام بها النبيّ e فعلى الرغم من ضخامة عدد هؤلاء الأعراب المتحشدون ، إلاّ أنّ مباغتة الرسول e أربكتهم ، وتفرّقوا تاركين وراءهم نساءهم وأموالهم .
- الحراسة
الحرس والحراس جمع حارس وهو حفظ المكان والحرز والحرس يتقاربان معنى تقاربهما لفظا لكن الحرز يستعمل في الناضّ والأمتعة أكثر والحرس يستعمل في الأمكنة أكثر(الاصفهاني،2009، ص127) ، وقد قام المسلمون بعد عودتهم من الغزو بحمل ما استطاعوا من غنائم وعادوا أدراجهم إلى المدينة والظاهر من سياق الروايات أنهم كانوا في طريق عودتهم حذرين من قيام المشركين بهجوم مقابل عليهم ، فتناوبوا بالحراسة ليلاً وبقوا حذرين نهاراً إلاّ أنّ المشركين لم يقوموا بعمل ما، وعاد الرسول e بصحابته إلى المدينة بعد غياب خمسة عشر يوماً(ابن كثير،1418ه، ج4 ، ص83) .
ومن أهم الدروس المستنبطة منها ما يلي :
– قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة, فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعد ذلك, بل استكانت واستسلمت, حتى شارك بعضها في فتح مكّة وغزوة حنين0
– بيان العناية الربانية التي أحاطت بالنبيّ e وعصمته من أيدي أعدائه, مصداقاً لقوله تعالى:
) وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) [المائدة :67) .
– كما ظهرت شجاعة النبيّ e وقوة يقينه بربّه, وعفوه عمّن ظلمه0
خامساً : غزوة دومة الجندل / ربيع الاول : سنة (5هـ /626م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
انصرف رسول الله e إلى المدينة فأقام بها إلى أن انتهى شهر ذو الحجة من السنة (4ه) ، وهي في شهر ربيع الاول من السنة (5ه) ، ثم غزا e دومة الجندل مطلع السنة الخامسة من احتلاله المدينة ، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة (ابن هشام ، 1955 ، ج3 ، ص224 ؛ ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص44) . وسبب هذه الغزوة أنّ الرسول e بلغه أنّ بها جمعاً كثيراً يظلمون من مرّ بهم وإنهم يريدون غزو المدينة (ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص44) .
- تحركات النبي r العسكرية في هذه الغزوة
خرج النبي e وهو يقود ألف راكب وراجل أما المشركون فقد كانوا من القبائل البدوية التي تقطن منطقة دومة الجندل(ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص44) .
وكان الهدف من هذه الغزوة هو منع القبائل القاطنة في منطقة دومة الجندل من قيامها بقطع الطريق ونهب القوافل والقضاء على تحشّدها من مهاجمة المدينة(خطاب،1422ه، ص139) قبل أن يستفحل شأنه للأسباب الآتية :
1- إنّ السكوت على هذا التجمّع وما شاكله يؤدي بلا شك إلى تطوره واستفحاله, ثم يؤدي بعد ذلك إلى إضعاف قوة المسلمين واسقاط هيبتهم, وهو الأمر الذي يجاهدون من أجل استرداده0
2- وجود مثل هذا التجمع في الطريق إلى الشام قد يؤثّر على الوضع الاقتصادي للمسلمين, ويعرّض قوافلهم أو قوافل القبائل التي تحتمي بهم للسلب والنهب, مما يضعف الاقتصاد, ويؤدي إلى حالة من التذمّر والاضطراب0
3- و فضلاً عمّا ذُكر هناك أمر أهم من الأمرين السابقين, وهو فرض نفوذ وقوة المسلمين على هذه المنطقة برمتها(الوكيل،1995، ص169) .
- الكَمين
(كَمَنَ) اختفى وبابُهُ دَخلَ ومنهُ (الكمين) في الحرب(الرازي،1999، ص586) . حيلة وهو ان يستخفوا في مكمن حيث لا يفطن بهم ثم ينهضون على العدو على غفلة والجمع المكامن(الفيومي ، د ، ت ، ص352) (مادة كمن) . وفي هذه الغزوة خرج الرسول e بألف من المسلمين ، يكمن بهم نهاراً ويسير ليلاً ، حتى يباغت قبائل دومة الجندل في وقت لا يتوقعونه(ابن هشام ، 1955 ، ج3 ، ص224) .
- دوريات الاستطلاع :
بعد ان فرت كتائب الشرك خوفاً من لقاء المسلمين كما فرّ أهلُ دومةُ الجندلْ ، ولمْ يجدْ المسلمون أحداً ، أرسل المسلمون دوريات قتال واستطلاع للتماس مع المشركين واستحصال المعلومات عنهم، حتى يتمكن المسلمون من مطاردتهم ولمْ يتحقق لهم ما أرادوا . ثم عاد المسلمون إلى المدينةِ بعد أن أقاموا في دومة الجندل بضعة أيام(خطاب،1422ه، ص139-140) . ونستنتج من هذه الغزوة ما يلي:
– إنّ هذه الغزوة ما هي إلاّ حربٌ استطلاعية لمسح الجزيرة العربية , والوقوف على مراكز القوى فيها0
– كذلك هي حرب اعلامية تأتي على أعقاب غزوة بدر وتستثمر انتصاراتها0
– وهي حرب عسكرية أيضاً لصدّ أي هجوم محتمل تجاه المدينة0
– فضلاً عن كونها حرب سياسية لإجهاض تحركات القبائل المعادية المحتملة بعد ورورد أنباء غزوة أحد(الغضبان، د، ت،ج3، ص272) .
المبحث الثالث :وخُصصَ للحديث عن الغزوات التالية :
- غزوات السنتين السادسة والسابعة للهجرة
اولاً : غزوة بني لحيان : جماد الأولى : سنة (6هـ /625م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
بعد فتح بني قريظة أقام رسول الله e بالمدينة بقية شهر ذي الحجة ومحرم وصفراً وربيع الأول وربيعاً الآخر ، وخرج e في جمادي الأولى في الشهر السادس من فتح بني قريظة وهو الشهر الثالث من السنة(6هـ) وقيل: لغرُّة هلال شهر ربيع الأول(ابن سعد ، 1968 ، ج2 ، ص56) . من فتح بني قريظة وهو الشهر الثالث من السنة السادسة من الهجرة قاصداً بني لحيان مطالبا لثأر عاصم بن ثابت وخبيب بن عدي وأصحابهما المقتولين بالرجيع(ابن عبد البر، د، ت،ص197) .
- تحركات النبي r العسكرية في هذه الغزوة
الهدف من هذه الغزوة هو إنزال العقاب ببني لحيان الذين غدروا بدعاة المسلمين عند ماء الرجيع قبل عامين خلا، وهم ستة من كبار الصحابة اغتالت أربعة منهم وباعت الاثنين الباقيين إلى قريش، فضربت قريش عنق أحدهما وصلبت الثاني(ابن كثير، 1418ه، ج4 ، ص65) .
- تضليل العدو، وسرعة الحركة :
لقد أظهر النبيّ e أنه يريد أنْ يسلك طريقاً غير طريق بني لحيان وذلك حتى لا تعرف وجهته. فقد ذكرت المصادر أنّ النبيّ e سلك طريق الشام من المدينة على جبل يقال له غراب، ثم أخذ ذات الشمال ثم سلك المحجة من طريق مكة فاغذ السير- أي أسرع – حتى أتى وادي غرانبين أمج ، وعسفان وهي منازل بني لحيان ، فوجدوهم قد حدروا وتمنعوا في رؤوس الجبال فلما نزلها رسول الله e في مئتي راكب حتى نزل عسفان . وبعث e فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم(ابن هشام ، 1955 ، ج2 ، ص280 ؛ ابن عبد البر ، د، ت ، ج1 ، ص103) .
- التأثير على معنويات العدو :
قام الرسول الكريم محمد e بترك القسم الأكبر من قواته في غران ثم سار على رأس مائتي راكب باتجاه مكة حتى وصل الى عسفان الواقعة شمال مكة من اجل التأثير على معنويات قريش ، فلم تخرج قريش للقائه ثم عاد المسلمون إلى المدينة رغم شدة الحر ، بعد أن أثّروا على معنويات القبائل وجعلوهم يخشونَ المسلمين أشدّ خشية (خطاب،1422ه، ص170). وتترك لنا هذه الغزوة دروساً عظيمة في مجالات شتى منها :
- ضرورة سرّية أعمال التجهيزات العسكرية0
- ضرب لنا الرسول e مثلاً رائعاً في الرأفة وذلك من خلال عدم ملاحقة الأعداء إذا ولّوا مدبرين0
- رغم فرار بني لحيان، وعدم حدوث قتال معهم, إلا أن هذه الغزوة أظهرت حب ووفاء النبي e لأصحابه الذين قتلوا غدرا على يدهم ، إذ كانت هذه الغزوة بعد سنتين من استشهادهم، وما زال النبي e يذكرهم، ويدعو لهم، ويحاول معاقبة المشركين الذين قتلوهم0
- كما دلّتْ على حكمةٍ عظيمة وهي التمويه على العدو، وإرهابهِ وتخويفهِ، وإظهار القوة له إن كان في ذلك مصلح ، وعلى مشروعية المعاقبة بالمثل، بقتال وقتل من خانَ وغدرَ بالمسلمين من المشركين، حينما يكون ذلك متاحاً .
- لقد بثت هذهِ الغزوة الذعرَ والرعبَ والخوف في صفوف الأعداء في مكة وما حولها، وحقّقت هدفها، فقد أصبحت منطقة الحجاز كلها تتحسبْ وتخشى قوة المسلمين، وتتوقع في كل يوم غزواً جديداً لها0
ثانياً:ـ غزوة الحديبية / ذي القعدة : سنة (6هـ/628م)
- الموقع والتسمية والتاريخ :
وقيل: في غير هذا الوقت، فقد ذكر هشام بن عروة عن ابيه، أنّ رسول الله e خرج َالى الحديبية في رمضان، وكانت في شوال وهو وهمٌ . والصحيح أنها في ذي القعدة سنة (6هـ) .
- تحركات النبي r العسكرية في هذه الغزوة
وقد ذكر المؤرخون أنّ النبي e أقام بالمدينة بعد انصرافه من غزوة بني المصطلق في رمضان وشوال وخرج في ذي القعدة يوم الاثنين لهلال ذي القعدة(ابن سعد،1968،ج2، ص69) معتمراً ، فاستنفرَ الأعرابُ الذين حول المدينة ، فأبطأ عنه اكثرهم وخرج رسول الله e ومن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب(الواقدي ، 1989 ، ص383 ؛ ابن هشام ، 1955 ،ج3 ، ص321 ؛ الطبري ، 1387ه ، ج2 ، ص620 ) .
ثالثاً : عمرة القضاء سنة (7هـ) ، (629م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
لما رجع رسول الله e إلى المدينة من خيبر أقام فيها ربيع الاول وربيع الثاني جمادي الأول وجمادي الآخر ورجب وشعبان ورمضان وشوال وكان e يبعث في خلال ذلك السرايا – كما سيأتي بيانه في موضعه- وخرج e في شهر ذي القعدة من السنة (7هـ) قاصداً مكة لإداء العمرةَ على ما عاقد عليه قريشاً في صلح الحديبية فلمّا وصلَ ذلكَ قريشاً خرجَ أكابرهم من مكة يضمرون العداوة لله ولرسوله e ولم يقدروا على الصبر لرؤيتهِ يطوف بالبيت هو وأصحابهِ (الواقدي ، 1989، ص399 ؛ ابن هشام ، 1955، ج4 ، ص12 ؛ الطبري ، 1387ه ، ج3 ، ص23 ) .
- تحركات النبي r العسكرية في هذه الغزوة :
وكان هدفها أداء مناسك العمرة حسب شروط صلح الحديبية, وإنّ من أهم التحركات العسكرية في هذه الغزوة هو: الرمــــــل: وهو ضرب من الهرولة والمشي السريع أمام الأعداء .
والهرولة من هرول : أسرع في مشيه دون الخبب ولهذا يقال هو بين المشي والعدو وجعل جماعة الواو أصلاً(الفيومي ، د ، ت ، ص414) (مادة هرل) . دخل رسول الله e مكة وأتمّ الله عمرته، وقعد بعض المشركين بقُعيقَعان ينظرون إلى المسلمين وهم يطوفون بالبيت، فأمرهم رسول الله e بالرمل ليري المشركين أنّ بهم قوة ، وكان المشركون قد قالوا في المهاجرين قد وهنتهم حمى يثرب(ابن عبد البر، د، ت، ص221) .
ونستنتج مما تقدّم ما يلي:
1- أظهر الرّد العملي للقيادة النبوية على الإشاعة التي أطلقتها قريش من أنّ المهاجرين قد وهنتهم حمى يثرب, فأبطل الإشاعة من خلال بالهرولة وأشعرهم بقوة المسلمين, لأنّ هناك نماذج من البشر لا تنبهر إلاّ بالقوة, وإنّ العدو لا يحترم إلاّ القوي ! .
2- أنّ عمرة القضاء وما جرى فيها من أحداثٍ قد كشفت عن امورٍ مهمة منها أنّ المسلمين قد أصبحوا يشكّلون قوةً متماسكة، وصفاً وحداً، كالبنيانِ المرصوصْ يشدُّ بعضهُ بعضاً، وهذا ما جعلَ قريش تشعرُ بخطورتهم، وتفقدُ الأملَ في التغلّب عليهم، وتدركَ أنّ الخلاصَ يكمنُ في الانضمامِ إلى المعسكر الإسلامي عاجلاً أم آجلاً .
المبحث الرابع : وفيه تناولنا :
- الغزوات المختلف فيهـــــــــــا
ونعني بها الغزوات التي اختلف فيها المؤرخون: هل أنّ النبي e اشترك فيها وقاتل أم لا ؟ وهي:
أولاً : غزوة بني النضير/ ربيع الأول على رأس (4هـ) ، (625م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
أن السبب الرئيس وراء وقوع هذه الغزوة, حسبما ذكر المؤرخون والرواة أنّ الرسول e خرج إلى بني النضير في نفرٍ من أصحابهِ وكلّمهم أن يعينوهُ في دفّع ديةُ رجليْن من قبيلةِ بني كلابٍ اللذين قتلهما عمرو بنُ أمية الضمري, وكان ذلك يجب عليهم حسبَ بنودِ المعاهدة المُبرمة معهم, فقالوا نفعل يا أبا القاسم ! اجلس ههنا حتى نقضي حاجتكَ, فجلسَ إلى جنبِ جدارٍ من بيوتهم ينتظرونَ وفاءهم بما وعدوا, وجلسَ معهُ أبو بكرٍ وعمر وعلي وطائفة من أصحابهِ(الواقدي ، 1989 ، ص353 ؛ ابن هشام ،1955 ، ج3 ، ص199؛ المباركفوري, د، ت , ص280-281 )وأسيد بن حضير قيل: أنه كان معهم(الطبري ، 1387ه ، ج2 ، ص505) . ومعهم أيضاً نفرٌ من الأنصار إلى جدارٍ من جدرِهم (الواقدي ، 1989، ص353 ؛ ابن هشام ،1955، ج3 ، ص199 ؛ ابن كثير ، 1418ه ، ج4، ص74 ). فاجتمع بنو النضير ، وقالوا من رجل يصعد على ظهر البيت فيلقي على محمد صخرة فيقتلهُ ، فيريحنا منه ؟ فانا ان نجده اقرب منه الآن . فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأوحى الله سبحانه إلى الرسول e بما ائتمروا به فقام ولم يشعر أحدٌ ممن معه قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[( المائدة:11) . ففي هذه الحادثة، وفي هؤلاء اليهود من بني النضير نزلت هذه الآية(الطبري، 1415ه ، ج10، ص108) . ثم أمر الرسول e أصحابه بالتهيؤ لقتالهم وحربهم. والهدفُ من هذه الغزوة على ما يبدو هو تلقينْ كلُّ مَنْ يتآمر على المسلمين من اليهود والمنافقين والأعراب درسًا قاسيًا، وإيصال رسالةٍ مفادها أنّ قوةُ الجيش وقدرتهِ العسكرية والتخطيطية على إلحاقِ الهزيمةِ بأعتى الجيوش عددًا وعتادًا، وبثْ الرعبَ في نفوسهم 0
ونستنتج مما تقدّم ما يلي:
1- إنّ هذه الغزوة قد أظهرتْ صفات الغدرِ والخيانةَ المتأصلةَ في نفوسِ اليهودِ، وتلك حقيقةٌ تاريخية صدَّقَّها الواقع إلى يومنا هذا، وذلك سر لعنة الله التي حاقت بهم، وسجلّها الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه بقوله: ) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[(المائدة :78) 0
2- كما أظهرتْ الغزوةِ، وسورة الحشر التي نزلتْ من أجلها، أنّ من طبائعُ وصفاتِ اليهودِ والمنافقين الخوف والجبن، قال تعالى: ) لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ[(الحشر: 14 (0
3- إنّ المتأمل في هذه الغزوة، يتبيَّن له أن الله عز وجل هو الذي أخرجَ يهود بني النضير من ديارهم، في حينْ أنّ كلّ الأسباب الماديةِ كانت معهم حتى اعتقدوا أنه لا أحدْ يستطيعُ أن يخُرجهم منْ حُصونهم لمتانتهِا وقوتهَا0
4- تربية الأفراد والأمةُ على أنّ النصرَ من الله تبارك وتعالى وربطُ الأحداثِ بفاعلها الحقيقي وهو الله ربُّ العالمين، وبيان أن جنودَ الله كثيرةٌ لا يعلمها أحدْ إلا هو، لقوله عز وجل: ) وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو[(المدثر:31) 0
ثانياً : غزوة ذي قرد: وهي الغابة: سنة (6هـ /627م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
وكانت بعد الحديبية ، وقبل: خيبر على الصحيح وعند بعض المؤرخين أنها في ربيع الأول(ابن هشام، 1955 ، ج3 ، ص293 ؛ ابن سعد ، 1968، ج2 ، ص58) من السنة المذكورة .
- التحركات العسكرية في هذه الغزوة
لمّا انصرفَ رسول الله e عن بني لحيان لم يبقَ بالمدينة إلاّ ليالٍ قلائل حتى أغارَ عيينة بن حصن في بني عبد الله بن غطفان، فاكتسحوا لقاحاً0 كانت لرسول الله e بالغابة، وكان فيها ذر بن أبي ذر الغفاري وامرأته ليلى، فقتلوا الغفاري، وحملوا المرأة واللقاح(ابن سعد ، 1968، ج2 ، ص58 ) . وكان أول من أنذرهُ سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي حيث كان ناهضاً إلى الغابةِ، فلمّا علا ثنية الوداع نظرَ إلى خيل الكفارِ وأنذرَ المسلمين، ثم نهضَ في آثارهم، فأبلى بلاءً عظيماً حتى استنقذ أكثرَ ما في أيديهم ، ووقعت الصيحة في بالمدينة (ابن هشام، 1955 ج3 ، ص293 ؛ ابن سعد، 1968، ج2 ، ص58 ؛ الطبري ، 1387ه، ج2 ، ص 596 ؛ ابن كثير، 1418ه ، ج4 ، ص 105) .
وكان الهدف من هذه الغزوة هو تأديب القبائل العربية التي تمادت في عِداء الإسلام والمسلمين بإثارة الضغائن أو الإسهام في حشد الجيوش لشن الهجمات على المدينة المنورة أو من اعتدى على أملاك المسلمين, فنتج عنها غزوة ذي قرد أو الغابة 0
ونستنتج منها ما يلي :
– تعد هذه الغزوة من أكبر الغزوات التأديبية التي قادها الرسول e بنفسه ضد أعراب نجدْ, وفي مطاردتهِم وإيقافهَم عندَ حدّهم, لنشرِ الأمن والطمأنينة والسلام في الدولة الإسلامية كلها وما حولها .
– شجاعةُ الرسول e ومبادرة الصحابة عندَ النداء للجهادِ وشجاعتهم ، خاصةً سلمة بن الاكوع t الذي قاوم بمفردهِ جَمْعاً من الكفار وأرهبُهم، واستنقذَ منهم ما سرقوهُ من إبل النبيّ e .
– تعد هذه الغزوة مثالاً للحروبِ السريعةِ الخاطفة, التي تعتمدُ على انتهاز الفرصِ المناسبةِ وسرعةِ الحركة والمهارةِ الحربية, وهذا ما تجلّى من خلال موقف سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي0
– لقد اجتمعت في هذا الصحابي الجليل مهارات أهلتهُ لتحقيقِ هذهِ النتائج السريعة المذهلة, وهي قوة الإيمان بالله تعالى ورسوله e, ومن أجلِ هذا بذل كل طاقتهِ التي وهبها الله تعالى لهُ, فضلاً عن تمتعهِ بالشجاعةِ النادرة (الحميدي, 2008, ج7, ص15-17) 0
ثالثاً : غزوة وادي القرى ربيع الأول : سنة (7هـ/628م)
- التسمية والموقع والتاريخ :
والظاهر أنّ هذه الغزوة كانت في السنة (7هـ) وإن لم يذكر المؤرخون ذلك على وجه التحديد فقد كانت هذه الغزوة بين غزوة خيبر في شهر المحرم سنة (7هـ) وبين عمرة القضاء, وهذه أيضاً كانت في ذي القعدة سنة (7هـ) وهو الشهر الذي صدّه فيه المشركون عن المسجد الحرام . فعلى هذا تكون غزوة وادي القرى في سنة (7هـ) .
- التحركات العسكرية في هذه الغزوة
في هذه الغزوة انصرف رسول الله e من خيبر إلى وادي القرى، ففتحها عنوةً وقسّمها، وأصيب بها غلامٌ له أسودُ يسمّى مدعما أصابه سهمُ عائر فقتلهُ، فقالَ الناس: هنيئاً له الجنة, فقال النبيe :((كلا والذي نفسي بيده أنّ الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم وأنها لتشتعل عليه الآن ناراً )) (ابن هشام، 1955 ج2 ، ص353 ؛ الطبري ، 1387ه، ج3 ، ص 16 ؛ ابن كثير، 1418ه ، ج4 ، ص 312) .
ومن هذا نستنتج ما يلي:
– تحريم الاقتطاع من الغنائم قبل القسمة العادلة، وبيان عذاب من يفعل ذلك، ولو كان محارباً في سبيل الله .
– إنّ الهدف من الغزوة إعلاء كلمة الله, وليس جني الغنائم، وقد كان النبيّ e يكثر من دعوة أهل وادي القرى حتى أثناء القتال .
الخاتمة :
وهي تشتمل على أهم النتائج التي تم التوصّل إليها ويمكن تلخيصها في النقاط التالية :
1- إنّ العمليات الجهادية والنشاطات الدعوية كانت تسيران جنباً إلى جنب, فهي ليست أموراُ عشوائية أملتها ظروف وقتية طارئة, كما يدّعي بعض المستشرقين ولم تكن دفاعية, كما يذكر بعض الكتّاب المسلمين, وإنما غايتُها وأهدافها الأسمى إعلاءِ كلمة الله تعالى في المنطقة0
2- تميّزت بعض السرايا والبعوث ببعض الابتكارات النبوية العسكرية, مثلُ الشعار في المعركة, والهجومِ الفجري المباغت وغير ذلك, وهي دروسٍ استفادها قادة تلك السرايا في الميدان0
3- إن الأصل في الإسلام هو السلم والموادعة، وما شرع القتال إلا لحفظ الدين والنفس والعرض ، لذلك نجد أن النبي e بعد أن أخذ بالأسباب قام برد عدوان المشركين وغيرهم.
4- إنّ اهتمام القيادة النبوية ببثِ العيونِ, وتوظيف الأدلاء, وبعث الطلائعِ إلى أرضِ العدو لجمع المعلومات عنهُ, درسٌ بليغٌ للأمةِ بالاهتمامِ بهذهِ الوسائل وغيرها منِ الأسبابِ الشرعية0
5 – تعددت الاسباب في غزوات النبي e بحسب طبيعة كل مرحلة ، ففي السنة الثانية للهجرة مثلاً نجد أنه e كانت لديه غزوات كودان التي غايتها اعتراض عير قريش ، وحقق فيها عدم الاعتداء على ممتلكات المسلمين ، وكذلك الحال في العشيرة وبواط ، بينما في غطفان نجد أن الدافع هو مباغتة قوة قريش التي اجتمعت ضد المسلمين .
6 – وفي غزوات السنوات الثالثة والرابعة والخامسة نجد أن قوة المسلمين في تقدّم وتنظيم ، لذلك يصح القول أنها كانت لتأديب المشركين واليهود ، كما في بني سليم وحمراء الأسد .
7 – وهناك من الغزوات ما كان غرضها هو الثأر لشهداء المسلمين من غدر قريش وغيرها، التي غدرت بالمسلمين الآمنين كما في غزوة ذات الرقاع .
8 – وظهرت قوة المسلمين بشكل أكبر حتى غدت قوة تضاهي قوة المشركين وغيرهم من اليهود في السنوات السادسة والسابعة ، بحيث خرجت تلك الغزوات لإظهار تلك القوة كما في صلح الحديبية وعمرة القضاء .
ثبت المصادر والمراجع
- ابن الاثير، علي بن أبي الكرم (1994)، اسد الغابة في معرفة الصحابة ، تحقيق: علي محمد وعادل أحمد ، ط1، دار الكتب العلمية ، بيروت .
- ابن إسحاق ، محمد بن اسحاق بن يسار (1978)، السير والمغازي ، تحقيق: سهيل زكار ، ط1، دار الفكر بيروت .
- الاصفهاني، الراغب(2009)، المفردات في غريب القران، تحقيق: مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار مصطفى الباز، مكتبة نزار مصطفى الباز، د ، م .
- البكري ، أبو عبيد الله عبد الله بن عبد العزيز(1403ه)، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ، ط3، عالم الكتب، بيروت .
- البلاذري ، أحمد بن يحيى بن جابر (1959)، انساب الاشراف ، تحقيق: محمد حميد الله ، دار المعارف ، القاهرة .
- البلاذري, أحمد بن يحيى بن جابر(1988)، فتوح البلدان ، دار ومكتبة الهلال، بيروت .
- الحموي ، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله (1995) ، معجم البلدان ، ، ط 2، دار صادر، بيروت- لبنان .
- الحميدي، عبد العزيز بن عبدالله(2008)، التاريح الاسلامي مواقف وعبر، ج7، مركز ودود للفهارس وكتب التحقيق ، د،م .
- خطاب ، محمود شيت(1422ه)، الرسول القائد ، ط 6، دار الفكر، بيروت .
- ابن خياط ، ابو عمر خليفة (1397ه) ، تاريخ خليفة بن خياط ، تحقيق: اكرم ضياء العمري ، ط2، دار القلم – مؤسسة الرسالة ، بيروت .
- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (1985)، سير أعلام النبلاء ، تحقيق: شعيب الارناؤوط وآخرون ، ط3، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان .
- الرازي ، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر(1999)، مختار الصحاح ، تحقيق: يوسف الشيخ محمد ،ط5 ، المكتبة العصرية ، بيروت .
- الرازي ، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد (1952)، الجرح والتعديل ، ط1، دار احياء التراث العربي ، بيروت .
- ابن سعد ، محمد ين سعد بن منيع (1968)، الطبقات الكبرى ، تحقيق: احسان عباس ، ، ط 1 ، دار صادر ،بيروت- لبنان .
- السمهودي، نور الدين علي بن أحمد(1955)، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، تحقيق: محمد محيي عبد الحميد، دار الكتب العلمية ، بيروت .
- السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد(2000)، الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام ، تحقيق: عمر عبد السلام السلامي ، ط1 ، دار احياء التراث العربي ، بيروت .
- ابن سيد الناس، محمد بن محمد بن أحمد (1993)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير ، تعليق ابراهيم محمد رمضان ، ط1، دار القلم ، بيروت .
- الطبري ، محمد بن جرير(1387ه)، تاريخ الرسل والملوك ، ط2، دار التراث ، بيروت .
- الطبري، محمد بن جرير(1415ه/1995م)، جامع البيان في تأويل آي القران، تحقيق: صدقي جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت .
- ابن عبد البر، يوسف بن عبد البر (د ، ت)، الدرر في اختصار المغازي والسير ، تحقيق: شوقي ضيف ، ط2، دار المعارف ، القاهرة .
- الغضبان, محمد منير(د ، ت) , التربية القيادية , دار الوفاء , د،م .
- الفيومي ، أحمد بن محمد بن علي (د، ت)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ، المكتبة العلمية بيروت .
- الفيروز آبادي ، مجد الدين محمد بن يعقوب (2009)، القاموس المحيط ، تحقيق: مكتب تحقيق التراث، ط3، مؤسسة الرسالة ، دمشق .
- القلقشندي ، أحمد بن علي(1980)، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، تحقيق: ابراهيم الابياري ،ط2، دار الكتاب، بيروت .
- ابن كثير، أبو الفداء اسماعيل بن عمر القرشي البصري الدمشقي (2003)، البداية والنهاية ،تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن تركي ، ط1، دار هجر للطباعة والنشر، القاهرة .
- ابن كثير, أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي البصري الدمشقي(1418هـ / 1997 م ) , البداية والنهاية, تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي, ط1، دار هجر للطباعة والنشر, بيروت .
- ابن كثير، أبو الفداء اسماعيل بن عمر القرشي البصري الدمشقي (1976)، السيرة النبوية ،تحقيق: مصطفى عبد الواحد ، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت .
- المباركفوري، صفي الرحمن(د،ت) الرحيق المختوم، ط1، دار الهلال، بيروت .
- ابن هشام، عبد الملك بن هشام(1955)، السيرة النبوية ، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون ، ط2، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، ط 2، القاهرة .
- الواقدي، محمد بن عمر بن واقد (1989)، المغازي ، تحقيق: مارسدن جونس ، ط3، دار الأعلمي ، بيروت .
- الوكيل, محمد السّيد (1995)، تأملات في سيرة الرسول e ط3, دار المجتمع للنشر والتوزيع, جدّة.