د. بوتان عثمان دزه يى
القائم بأعمال العراق لدى المملكة المغربية/ الرباط
ملخص
إن موضوع الرقابة على المعاهدات الدولية يحتل أهمية بالغة، كونه يحمي قدسية وعلوية الدستور، وهذه الرقابة تأخذ اشكالا وأساليب بحسب النظام القانوني في لكل دولة ودستوريها ، فمنها من يعطي حق الرقابة للسلطة التشريعية ، ومنها من يسندها إلى سلطة سياسية مستقلة ، ومنها من يخضعها للرقابة القضائية على نحو ما موجود في العراق.
وعلى الرغم من أن دستور العراق لسنة 2005 لم يعالج مسألة رقابة المعاهدات والاتفاقيات الدولية بشكل تام إذ تبيّن عبر البحث أن الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في العراق هي رقابة قضائية لاحقة عند دخول المعاهدة حيز النفاذ، ويتم اخضاع المعاهدة للرقابة بالطريقة نفسها التي تخضع بها القوانين العادية للرقابة، وسكوت المشرع الدستوري العراقي عن تحديد مكانة المعاهدة وقيمتها القانونية لا يتفق مع ما تسير عليه غالبية الدساتير في تحديدها القيمة القانونية للمعاهدة، وهذا الموقف السلبي للدستور العراقي تجاه المعاهدات الدولية ، وعدم منحها علويّة داخل النظام القانوني الداخلي لا يمكن تبريره، خصوصاً بعد ما شهده العراق من تغيير جذري في طبيعة النظام السياسي وتحويله الى نظام ديمقراطي نيابي فيدرالي.
Constitutional oversight of international treaties in Iraq
Dr Bhutan Osman Dze Yi
The Chargé d’Affairs of Iraq to the Kingdom of Morocco/ Rabat
Abstract
The issue of oversight of international treaties is of great importance, as it protects the sanctity and supremacy of the constitution, and this oversight takes forms and methods according to the legal system in each country and its constitutions. Somehow it is in Iraq.
Although the 2005 Constitution of Iraq did not fully address the issue of oversight of international treaties and agreements, it was found through research that oversight of the constitutionality of international treaties in Iraq is a subsequent judicial oversight upon entry into force of the treaty, and the treaty is subject to oversight in the same way that ordinary laws are subject to The Iraqi constitutional legislator’s silence about determining the status and legal value of the treaty does not agree with what most constitutions follow in determining the legal value of the treaty. Iraq from a radical change in the political system and transforming it into a democratic, representative and federal system.
مقدمة
بعد تطور العلاقات الدولية أصبحت المعاهدات وسيلة مهمة من وسائل التعامل الدولي بين الدول وبين المنظمات الدولية، إذ إن المعاهدات الدولية عملت على تنظيم العلاقات السياسية والعسكرية والتجارية … وإلى غير ذلك من العلاقات الدولية، ولأهمية المعاهدات وعدم تعارضها مع النظام القانوني داخل الدولة، ظهرت الحاجة إلى الرقابة الدستورية، وبما إن الدستور هو الذي ينشئ النظام القانوني فأن قواعده تحتل المكانة العليا في النظام، ولا يجوز مخالفة هذه القواعد سواء أكان ذلك بعمل مادي أم قانوني، وهنا يأتي دور الرقابة في التحقق من مدى توافق او تعارض نصوص المعاهدات الدولية مع قواعد الدستور ، كون قواعد الدستور هي القواعد الأسمى التي لا يجوز مخالفتها، وإذا ما خالفت نصوص المعاهدات الدولية قواعد الدستور فأننا حينئذ أمام مشكلة تنازع الاختصاص، ويتطلب من الجهة المختصة بالرقابة الطعن لدى الجهات التمييزية العليا.
من هذا المنطلق يأتي البحث لمعالجة مشكلة الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في العراق، التي يختص بها القضاء العراقي إذا ما تعرضت المعاهدة عند تطبيق النصوص لمخالفة الدستور، كون المعاهدة في العراق تصدر بقانون وإن اقرار الرقابة الدستورية على القوانين في العراق قد منحت للمحكمة الاتحادية العليا على نحو ما جاء في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، ومن ثم في الدستور العراقي الدائم لسنة 2005.
فرضية البحث: يقوم البحث على فرضية مفادها إن وجود الرقابة الدستورية على المعاهدات في العراق يحقق مبدأ الاستقرار السياسي الداخلي والخارجي، ويعمل على توزيع الاختصاصات والفصل بين السلطات وعليه يساعد على ترسيخ النظام ويدعم مرتكزات الدولة الديمقراطية.
مشكلة البحث: تتعلق مشكلة البحث في تحديد القيمة القانونية للمعاهدة الدولية ، وميدان الرقابة الدستورية عليها في العراق لاسيما أن العراق يمتلك قضاءً مستقلاً في ظل دستور عام 2005، لكن تبقى بعض التساؤلات الفرعية ممكن طرحها على النحو الآتي :
– ما آلية إبرام المعاهدات الدولية في العراق ، وما متطلباتها؟
– كيف تكون آلية نفاذ المعاهدات الدولية في العراق ؟
– إلى أي مدى يتم تطبيق الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في العراق؟
هدف البحث: يهدف البحث إلى بيان القيمة القانونية للمعاهدات الدولية في العراق، عبر تحليل النصوص القانونية، ومعرفة الجهة المناط إليها الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية، في ظل دستور عام 2005.
أهمية البحث: تأتي أهمية البحث من أهمية الحاجة للرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية في حالة احتمال التعارض بين القوانين الوطنية والدولية، بعدما شهد العراق مزيداً من الإنضمام إلى المعاهدات الدولية، ذات البعد السياسي والاقتصادي ..الخ.
منهج البحث: لبيان الرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية في العراق كان لزاماً علينا اتباع المنهج التحليلي للقوانين الصادرة والنافذة في العراق واستعمال المنهج الاستقرائي للنصوص والقوانين التي تخص المعاهدات الدولية، بغية الوصول إلى هدف البحث.
هيكلية البحث: قسم البحث على ثلاثة مباحث رئيسة فضلاً عن المقدمة والخاتمة، يبحث المبحث الأول آلية إبرام المعاهدات الدولية في العراق، ويخصص المبحث الثاني تنفيذ نصوص المعاهدة الدولية، وأخيراً يتطرق المبحث الثالث إلى ميدان الرقابة على المعاهدات الدولية في العراق.
المبحث الأول
آلية إبرام المعاهدات الدولية في العراق
تخضع اجراءات إبرام المعاهدات في العراق لنصوص الدستور ولقانون عقد المعاهدات رقم (35) لسنة 2015، الذي ألغى في المادة 30 منه قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979([1])، ذلك القانون الذي بقي سارياً على مدى 12 سنة بعد سقوط النظام السابق وبالرغم من أن البعض يرى أن قانون رقم 111 لسنة 1979 يُعدّ لاغياً منذ صدور الدستور؛ لكون الدستور العراقي لسنة 2005 في الفقرة 13 منه اعٌدّ أي نص مخالف لأحكام الدستور مُلغى ، إلا أن الحقيقة المثبتة إن الدستور نفسه قد نص على استمرار القوانين والتشريعات نافذة لحين إلغائها أو تعديلها وفقاً لأحكام الدستور.
إن الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 أقر بوجود ثلاث مستويات للسلطات الاتحادية مؤكداً الترتيب الذي آرساه قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية بوجود ثلاث مستويات للنظام الفيدرالي هي الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم، وحكومات المحافظات، ونص الدستور الدائم على أنه “يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم.. ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية”([2])، ويحدد دستور 2005 في المادة 110، في الفقرة اولاً “رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الإقتراض والتوقيع عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية” بأنها تعد من الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية([3])، ووفق هذا النص الدستوري الصريح ما يزال الغموض لصلاحية إبرام المعاهدات في العراق التي تعطي الحق في إبرام المعاهدات للسلطات الاتحادية حصراً.
المطلب الأول
المتطلبات القانونية والدستورية لإبرام المعاهدة
إن ما يسري على العراق يسري على أية دولة تضع أسس ومتطلبات قانونية ودستورية وتعليمات توضح التطبيقات العملية لآلية إبرام الاتفاقيات والمعاهدات، وبداية لم تميّز الفقرة الأولى من المادة (1) من قانون عقد المعاهدات رقم (35) لسنة 2015 في التسمية بين الاتفاق والمعاهدة والبروتوكول والاتفاقية ومذكرة التفاهم والرسائل والكتب المتبادلة فليس المعيار في التمييز هو التسمية طالما أن هذا الاتفاق (باختلاف تسمياته) هو اتفاق للإرادات بين حكومة جمهورية العراق وغيرها من اشخاص القانون الدولي العام (دولاً ومنظمات دولية اقليمية أو غير اقليمية).
أولاً: الأسس القانونية لإبرام المعاهدات
يحدد قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015 الأسس القانونية لإبرام المعاهدات والاتفاقيات فقد عرف المعاهدة ومستلزمات المفاوضات، ووفقاً للمادة الرابعة يعرض مشروع المعاهدة قبل التفاوض على مجلس شورى الدولة ووزارة الخارجية والجهات ذات العلاقة([4])، وأوضحت المادة 7 من القانون تحرير المعاهدة ولغة المعاهدة أن تكون باللغة العربية ، واللغة التي تعتمدها الدولة المفاوضة على أن تكون للغتين ذات الحجية القانونية، أو بإحدى اللغتين الانكليزية أو الفرنسية إذا اقتضت ضرورات المفاوضات اعتماد أحداهما لغة للمعاهدة([5])،واختصت المادة الثامنة من الفصل الخامس من قانون عقد المعاهدات ضوابط عنوان المعاهدة الثنائية أي الاسم الذي اتفق عليه ، وأن يراعى تقديم اسم جمهورية العراق على الاسم الرسمي للدولة المفاوضة، في النسخة الأصلية العائدة لجمهورية العراق([6])،واختصت المادة التاسعة الديباجة ، وتعني مقدمة المعاهدة ويتضمن اسم جمهورية العراق والدولة المفاوضة وملخص بالمبررات والأغراض الأساس لعقد المعاهدة، أما المتن فهو مجموعة احكامها الموضوعية ، وتوزع هذه الاحكام بين مواد متسلسلة وتقسم على مواد([7])، وأخيراً ورد في المادة 11 من قانون رقم 35 لسنة 2015، ان يتضمن احكاماً ختامية تشير في مواد مختلفة إلى المسائل الآتية([8]):
- الاجراءات التي تدخل المعاهدة بمقتضاها حيز التنفيذ.
تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ.
مدة نفاذ المعاهدة وطريقة تمديدها.
طريقة تعديل المعاهدة أو إعادة النظر فيها.
طريقة إنهاء المعاهدة.
طريقة تسوية المنازعات التي تنشأ عند تطبيق المعاهدة أو تفسيرها.
اللغة التي وثقت بها المعاهدة، وبيان حجيتها مع مراعاة ما ورد في المادة السابعة من الاحكام المنصوص عليها.
ويلاحظ أن أغلب المعاهدات التي عقدها العراق جعلت من اللغة الانكليزية لغة ثالثة حجية لها إلى جانب اللغات المستخدمة في تحرير المعاهدة ، ويعول على النص الإنكليزي في حال الاختلاف في تفسير النصين العربي والنص الأجنبي الأخر، مثال ذلك ما جاء في اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات بين حكومة جمهورية العراق وحكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية، إذ استخدمت اللغات العربية والالمانية والإنكليزية وفي حال الاختلاف في تفسير النصين العربي والألماني يعول على النص الإنكليزي([9])، ونحو ما جاء في اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين حكومة جمهورية العراق وحكومة جمهورية البرازيل الاتحادية، إذ استخدمت اللغات العربية والبرتغالية والإنكليزية، وفي حال الاختلاف في التفسير يعول على النص الإنكليزي([10]).
فضلاً عن ذلك بيّن القانون موادا متنوعة ، ومنها اعتماد توثيق المعاهدات والإلتزام بها، والتوقيع عليها وفقاً لنص المادة 15 والمادة 16 واجراءات التصديق الواردة في الفصل التاسع (التصديق والإنضمام) وفق المادة 17 التي اشترطت موافقة مجلس النواب على قانون تصديق المعاهدة أو قانون الإنضمام إليها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب، عدا بعض الحالات التي تتطلب حصول موافقة أغلبية الثلثين، مثل معاهدات الحدود والمعاهدات التي تمس السيادة العراقية، ومعاهدات الصلح والتحالفات الأمنية والعسكرية ومعاهدات تأسيس المنظمات والإنضمام إليها([11])،واشتملت المادة 19 على آلية دخول المعاهدات حيز النفاذ والمصادقة عليها، وبذلك يكون القانون قد رسم آلية التفاوض وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية ونفاذها([12])، ونصت المادة 27 من قانون عقد المعاهدات الفقرة رابعاً على أنه “تتولى وزارة الخارجية إعداد وثيقة التفاوض والتوقيع على المعاهدة وأرسالها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لاستحصال الموافقة على التوقيع عليها وترسل النسخة الأصلية من هذه الوثيقة إلى الجهة المختصة لإتخاذ ما يلزم”([13])، وتلزم الفقرة خامساً الجهة المختصة بالتوقيع أرسالها مع وثيقة التخويل بالتفاوض والتوقيع إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لاستحصال موافقتها عليها وأرسالها إلى مجلس النواب لتنظيم عملية المصادقة عليها([14]).
وفيما يخص ما ورد في الدستور العراقي لسنة 2005 بخصوص الاتفاقيات والمعاهدات، فقد اناطت المادة 80 من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 لمجلس الوزراء صلاحية التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله([15])، هنا نرى أن سلطة التفاوض والتوقيع على المعاهدات هي حصرياً بيد مجلس الوزراء([16]).
مع العلم أن وثيقة التفويض الممنوحة والمتعارف عليها دولياً، تخول المندوب إمكانية التفويض ، وتحرمه من صلاحية التوقيع إلا إذا منح هذه الصلاحية، ورئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية يُعدّون هم الممثلون عن دولهم فيما يتعلق بالتصرفات كلها المتصلة بالتوقيع على المعاهدة وارتضاء الإلتزام بها، وبناءً على ذلك فهم غير مطالبين بتقديم وثائق تفويض لهذه الاغراض([17])،فضلا عن أنه يستثنى من أوراق التفويض رئيس البعثة الدبلوماسية المعتمدة لدى الدولة التي يتم التفاوض مع ممثليها، أو رئيس البعثة الدائمة لدى أحدى المنظمات الدولية الخاصة بالتفاوض مع المنظمة ذاتها، ففي هذه الحالات لا يحتاج الأمر لأوراق تفويض؛ لكونهم يتمتعون بحكم المنصب بصلاحية التفاوض([18])، وليس التفويض تخويل المفوض بتمثيل الدولة التي يتفاوض ويوقع نيابة عنها فحسب، فهو أيضاً ضمان للطرف الأخر من المعاهدة بأن الشخص الذي تتعامل معه هو مفوض من دولته([19]).
أما في العراق فيستثنى من وثيقة التفويض (التخويل بالتوقيع على نحو ما يسميها القانون العراقي)، رئيس الوزراء وفقاً للمادة 80 الفقرة سادساً من الدستور العراقي النافذ بعدّه رئيساً للوزراء، ولكنه يحتاج إلى استصدار وثيقة التخويل بالتوقيع عند توقيعه على أية اتفاقية أو معاهدة باسم جمهورية العراق بصفته وزيراً بالوكالة أو رئيساً لجهة غير مرتبطة بوزارة بالوكالة وليس بصفته رئيساً للوزراء، و يستلزم حصول رئيس الجمهورية ونوابه ونواب رئيس الوزراء ووزير الخارجية على وثيقة التفويض عند التوقيع على أية اتفاقية أو معاهدة باسم جمهورية العراق إذ ان العراق لم ينضم إلى الآن لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 التي تعفي رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية في المادة السابعة الفقرة الثانية من إبراز وثائق التفويض عند اجراء أي تصرف يتعلق باتفاقية دولية([20]).
وحسب القواعد الدولية لعقد المعاهدات فأنه بعد اتفاق المفاوضين على وجهات النظر تبدأ المرحلة الآتية وهي تحرير المعاهدة، أي كتابة الاتفاق الذي جرى بينهم، وعلى الرغم من أنه ليس هناك ما يمنع قانوناً من عقد المعاهدة بصورة شفهية، إلا أن الدول لا تلجأ لذلك لصعوبة اثبات ما اتفق عليه، وما يتبع ذلك من خلافات ومنازعات قد تثور بشأنه([21]). ولذلك نجد العراق يركز على تحرير المعاهدة، وليس عقدها شفهياً؛ لكون اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969، تحدد اقتصارها في تطبيق قواعد الاتفاقية على المعاهدات المكتوبة والمبرمة بين الدول وبعضها الأخر([22])، وبعد تحرير المعاهدة يوقع عليها مندوبي الدول المتفاوضين، والأصل أن هذا التوقيع لا يكفي كقاعدة عامة لإلتزام الدول بالمعاهدة، وإنما ينحصر أثره القانوني في توثيق المعاهدة بين الأطراف وذلك لأن التوقيع يعد عادة قبولاً مؤقتاً ويجب ،أن يليه إجراء يفيد قبول المعاهدة بصفة نهائية وهو التصديق([23]).
ثانياً: التطبيق العملي لمراحل إبرام المعاهدات في العراق
تمر المعاهدة أو الاتفاقية بمراحل عدة لتدخل حيز التنفيذ، وتختلف هذه المراحل باختلاف الجهة الموقعة عليها (فيما إذا كانت الحكومة العراقية من جهة أو وزارة عراقية أو جهة غير مرتبطة بوزارة من جهة أخرى) من دون الأخذ بنظر الأعتبار موضوع الاتفاقية فيما إذا كانت اقتصادية أو عسكرية أو صحية.. الخ. ويمكن تقسيم هذه المراحل، وفقاً للتطبيق العملي لقانون عقد المعاهدات العراقي الساري واعمامات الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتعليمات وزارة الخارجية بهذا الشأن، على النحو الآتي :
1. ابتداءً تقترح الجهة العراقية ذات العلاقة (الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة) مشروع الاتفاقية أو المعاهدة على الأمانة العامة لمجلس الوزراء لغرض الحصول على الموافقة (المبدئية) الأولية للسير في اجراءات إعداد مشروع الاتفاقية أو المعاهدة، لأجل التفاوض بشأنها مع الجهات الأجنبية (حكومة أو وزارة أو منظمة دولية)([24]).
2. بعد حصول موافقة الأمانة العامة لمجلس الوزراء المبدئية يتم عرض مشروع المعاهدة أو الاتفاقية على وزارة الخارجية لغرض بيان الرأي السياسي وملاحظاتها الموضوعية بشأنها ومن ثم تقوم وزارة الخارجية بمفاتحة الجهات الأجنبية بالموضوع عبر بعثاتها في الخارج أو الممثليات الدبلوماسية لتلك الدول داخل جمهورية العراق، وفي حالة ورود المشروع من قبل جهة أجنبية تقوم وزارة الخارجية العراقية بعرضه على الجهات ذات العلاقة في الحكومة العراقية وفي حال قناعتها بجدوى التوقيع عليه تقوم (بناء على اقتراح من وزارة الخارجية) بعرضه على الأمانة العامة لمجلس الوزراء لغرض استحصال موافقتها المبدئية بشأنه([25]).
3.بعد الاتفاق على صيغة مشروع نهائي للاتفاقية أو المعاهدة مع الجهة الأجنبية (التي تعقد بين وزارتين وليس بين حكومتين) تفاتح الجهة ذات العلاقة الأمانة العامة لمجلس الوزراء لغرض الحصول على الموافقة عليها ، وذلك بعد استمزاج راي الوزارة والجهات العراقية الأخرى ذات العلاقة بالموضوع كوزارة المالية مثلاً في حالة وجود إلتزامات معينة تتعلق بإعفاء من ضرائب أو رسوم معينة، وبعد حصول موافقة الأمانة العامة لمجلس الوزراء بشأن ذلك يستطيع الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة التفاوض على الاتفاقية أو المعاهدة من دون الحاجة إلى استصدار وثيقة تخويل من لدن دولة رئيس الوزراء طالما أن التوقيع سيكون باسم الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة وليس باسم الحكومة العراقية ويكون التوقيع على هذه الاتفاقية أو المعاهدة (حاله حال التوقيع على الاتفاقيات أو مذكرات التفاهم التي تعقد باسم حكومة جمهورية العراق) بحضور ممثل عن وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية حصراً([26]).
4.في حالة الرغبة بعقد الاتفاقية أو المعاهدة باسم جمهورية العراق يتم إرسال نسخة المشروع التي تم التفاوض عليها مع الجهة الأجنبية المعنية إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، وذلك بعد استحصال الموافقة الأولية من الأمانة العامة قبل التفاوض([27])، وكذلك يجب أن يتم عرضها على الوزارات العراقية والجهات غير المرتبطة بوزارة المعنية لبيان رأيها بشأنها وتقوم الأمانة العامة لمجلس الوزراء في حالة الاقتناع بجدوى الاتفاقية والخطوط العامة التي تم الاتفاق عليها مع الجانب الأخر بعرض مشروع الاتفاقية على وزارة العدل/ مجلس شورى الدولة وذلك تنفيذا لأحكام قانون المجلس رقم (65) لسنة 1979 المعدل لغرض استصدار مشورة قانونية من المجلس بشأنه إذ يقوم المجلس بتدقيق الجوانب الشكلية والموضوعية لمشروع الاتفاقية أو المعاهدة واستمزاج ملاحظات الجهات العراقية المعنية ، ويبين الراي بشأنها عبر الملاحظات التي ترد في المشورة القانونية الخاصة بها مع ملاحظة أن عرض مشاريع الاتفاقيات على وزارة العدل/ مجلس شورى الدولة لبيان رأيه فيها يشمل (فقط) تلك التي ستعقد بين جمهورية العراق وحكومات الدول الأخرى أو المنظمات الدولية (ولا يشمل) ما سيعقد بين وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة عراقية ونظيرتها أو نظيراتها الاجنبية إذ لا يتم عرض مشروع الاتفاقية على مجلس شورى الدولة في هذه الحالة، وتدخل الاتفاقية الموقعة بين وزارتين حيز التنفيذ من تاريخ التوقيع عليها على أن يتم إيداع النسخة الأصلية الموقعة لدى وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية وترسل نسخة موقعة بكل اللغات التي تم الاتفاق عليها ، وتم تحرير الاتفاقية بها إلى الامانة العامة لمجلس الوزراء وبهذا تدخل الاتفاقية المعقودة بين وزارة عراقية ونظيرتها الأجنبية حيز التنفيذ([28]).
5. أما الاتفاقية التي تعقد باسم حكومة جمهورية العراق وبعد وصول المشورة القانونية من وزارة العدل / مجلس شورى الدولة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء بشأنها فأن الأمانة العامة غالباً ما تأخذ بأغلب هذه الملاحظات ولا تلزم بأخذ جميع الملاحظات إذ إن رأي مجلس شورى الدولة رأيا استشاريا وليس رأيا إلزاميا، وبعد ذلك يدرج مجلس الوزراء مشروع الاتفاقية بصيغتها المعدلة وفقاً لملاحظات مجلس شورى الدولة وقناعات المجلس على جدول أعمال جلساته لغرض مناقشتها والموافقة عليها. بعد ذلك يصدر مجلس الوزراء قراراً بقبول مسودة الاتفاقية وتوجيهاً لوزارة الخارجية بإعداد وثيقة التخويل للوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة للتوقيع على الاتفاقية مدار البحث باسم حكومة جمهورية العراق مع من تخوله الجهة الاخرى للتوقيع عليها.
6.تقوم وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية بإعداد وثيقة التخويل بالتوقيع (وثيقة التفويض) ويوقع عليها وزير الخارجية وترسل إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لاستحصال توقيع رئيس الوزراء عليها، وبعد التوقيع تعاد إلى وزارة الخارجية / الدائرة القانونية لتقوم بدورها بإرسالها إلى الوزير المعني الذي سيقوم بالتوقيع على الاتفاقية مع ضرورة تأكيد استلام هذه الوثيقة من لدن الجهة المعنية بالإستلام في الوزارة التي سيقوم وزيرها بالتوقيع على الاتفاقية وليتسنى لوزارة الخارجية تسمية مرشحها لحضور التوقيع وليتسنى لها أيضاً مفاتحة الجهة الأجنبية ذات العلاقة عبر القنوات الدبلوماسية لتحديد زمان ومكان التوقيع على الاتفاقية وترسل في الوقت نفسه الصيغة النهائية للاتفاقية إلى تلك الجهة لتوحيد النصوص لدى الجانبين، وتحتفظ وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية بنسخة من وثيقة التخويل بالتوقيع([29]).
7.عند تحديد موعد ومكان التوقيع بالتنسيق بين الطرفين (الأطراف) تقوم وزارة الخارجية بإشعار الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة ذات العلاقة لتحديد موعد السفر لأجل التوقيع أو موعد التوقيع داخل العراق ، والمكان الذي يتم فيه التوقيع؛ لكي تقوم الوزارة المعنية بتهيئة العدد الكافي من النسخ للتوقيع ، وباللغات التي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.
8. بعد التوقيع على الاتفاقية من قبل الشخص المخول بالتوقيع من قبل الطرفين ترسل الاتفاقية إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لغرض الموافقة عليها بعد التأكد من مطابقتها بشكل عام للنص الذي وافقت عليه الأمانة العامة ومجلس الوزراء ، وانسجامها مع احكام قانون عقد المعاهدات العراقي النافذ.
9. تقوم الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإرسال نسخة من الاتفاقية أو المعاهدة الموقعة إلى مجلس النواب العراقي بوساطة السيد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب لغرض عرضها على المجلس واستحصال موافقته عليها تمهيداً لاستصدار قانون المصادقة عليها بموجب احكام الدستور العراقي النافذ.
10. بعد وصول مشروع الاتفاقية أو المعاهدة الموقعة إلى مجلس النواب يقوم المجلس بإدراج الاتفاقية على جدول أعمال جلساته ومن ثم تقرأ الاتفاقية من لدن اللجنة القانونية أو الاقتصادية أو اللجنة ذات الاختصاص ثلاث قراءات ليوافق عليها المجلس بعد ذلك إذا لم يجد في موادها ما يتعارض مع احكام الدستور والقوانين العراقية النافذة والتزامات حكومة جمهورية العراق الدولية والاقليمية([30]).
11. ترسل الاتفاقية أو المعاهدة التي وافق عليها مجلس النواب إلى ديوان الرئاسة لغرض استحصال مصادقة رئيس الجمهورية عليها، وتكون مصادقاً عليها (حكماً) إذا مرت عليها خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها ولم يصادق عليها رئيس الجمهورية.
12. ترسل نسخة من الاتفاقية ونسخة من قانون تصديقها من لدن ديوان الرئاسة أو وزارة الخارجية الى وزارة العدل / دائرة الوقائع العراقية لغرض نشرها في الجريدة الرسمية لجمهورية العراق([31]).
13. تقوم وزارة الخارجية/ الدائرة القانونية بإرسال مذكرة دبلوماسية إلى ممثلية الدولة الموقعة على الاتفاقية في بغداد أو العواصم الأخرى (بحسب الأحوال) أو إلى إحدى ممثليات جمهورية العراق في الخارج لتشعر وزارة الخارجية تلك الدولة (أو مقر المنظمة الدولية بحسب الأحوال) باستكمال جمهورية العراق لإجراءات التصديق الداخلية على الاتفاقية أو المعاهدة وفقاً للقانون العراقي لتقوم وزارة خارجية تلك الدولة (أو مقر المنظمة الدولية التي عقدت الاتفاقية معها) بإبلاغ الجهة الموقعة او ذات العلاقة بتصديق العراق على تلك الاتفاقية أو المعاهدة([32]).
14. تدخل الاتفاقية أو المعاهدة الموقعة باسم حكومة جمهورية العراق حيز التنفيذ من تاريخ أخر مذكرة دبلوماسية بين الطرفين (العراق من جهة والدولة او المنظمة الدولية من جهة اخرى) تفيد باستكمال اجراءات التصديق الوطنية للاتفاقية أو المعاهدة لدى الطرفين، وهو الشكل الغالب من اشكال دخول الاتفاقية حيز التنفيذ.
15. إن أهم آثار الاتفاقيات أو المعاهدات الثنائية الدولية هي إمكانية الاستفادة من احكامها من تاريخ دخولها حيز التنفيذ وبالمقابل تلتزم الحكومة العراقية أو الوزارة المعنية (بحسب جهة التوقيع) بكل الإلتزامات المترتبة عليها قانوناً، ووفقاً للمبادئ العامة للقانون الدولي العام يعدّ التاريخ الذي تؤرخ فيه أخر مذكرة دبلوماسية تفيد بإنتهاء اجراءات التصديق الوطنية هو تاريخ دخول الاتفاقية او المعاهدة حيز التنفيذ وليس تاريخ العلم او تاريخ وصول المذكرة إلى الطرف الأخر([33]).
16. لا يجوز مطلقاً أن تتضمن الاتفاقية او المعاهدة الموقعة بين العراق وحكومة دولة اخرى او منظمة دولية اي نص قانوني يشير إلى دخولها حيز التنفيذ من تاريخ التوقيع عليها ؛لأن ذلك سيعني وجود حالة عدم دستورية مزدوجة: إذ سيتعارض هذا النص مع احكام المادة 61 الفقرة رابعاً من الدستور العراقي النافذ التي تمنح مجلس النواب العراقي صلاحية الموافقة على الاتفاقيات الدولية، كما انها تتعارض مع احكام المادة 73 الفقرة ثانياً من الدستور التي تنص على صلاحية رئيس الجمهورية بالتصديق على الاتفاقيات الدولية التي تعقدها حكومة جمهورية العراق([34])، فهذا سيجرنا إلى موضوع التصديق الناقص([35]).
وأخيراً فأن اتباع السياقات القانونية الصحيحة في عقد الاتفاقيات والمعاهدات وفقاً للآلية الدستورية وقانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015، تجنباً من مسألة التعارض بين القانون الدولي والقانون العراقي الداخلي، يضفي إلى احترام العراق لإلتزاماته الدولية.
وإن الدور الذي تضطلع به وزارة الخارجية هو دور حيوي في متابعة المعاهدات والاتفاقيات لذلك تنسب اشراك موظف من الدائرة القانونية قسم المعاهدات ضمن الوفد المكلف بالتفاوض، وحصلت خروقات كثيرة أدت الى عَدّ الاتفاقيات والمعاهدات غير نافذة تجاه الحكومة العراقية ولم ترتب عليها أي التزامات قانونية ، من ذلك قيام وفد برئاسة السيد وكيل وزارة النقل بزيارة ايران للمدة من 19- 22/1/2012، والتوقيع على محضر اجتماع وثلاث مذكرات تفاهم في مجالات النقل البحري والجوي وسكك الحديد من دون علم أو اشراك ممثل عن الدائرة القانونية في وزارة الخارجية العراقية، وقبل التشاور مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء وتزويدها بمشروع مذكرة التفاهم([36]).
المطلب الثاني
تصديق المعاهدة الدولية
يعد التصديق اجراء قانونيا مهما ومسألة في غاية الخطورة فقد وقع العراق في اشكالية قرار مجلس الامن عام 1990، عندما ادعى العراق بأن اتفاقية الحدود الموقعة في بغداد مع الكويت في 4 اكتوبر من عام 1963، لم يتم التصديق عليها، ولم يوافق مجلس الأمن على العراق من الاتفاقية كون الاتفاقية لم تنص على التصديق وقد تم تسجيلها في الأمم المتحدة بمجرد التوقيع عليها([37]).
وبالرجوع إلى قانون عقد المعاهدات النافذ رقم 35 لسنة 2015، نجد أن التصديق على المعاهدة الدولية يأتي بموجب احكام المادة 17 إذ نصت على أنه يخضع إلتزام جمهورية العراق بالمعاهدات المعقودة وفقاً لاحكام هذا القانون إلى موافقة مجلس النواب على قانون التصديق على المعاهدة أو قانون الإنضمام عليها بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس، عدى بعض المعاهدات التي يجب حصول الموافقة عليها بأغلبية الثلثين([38])، أي أن التصديق هو من اختصاص مجلس النواب، وهو ما يقره الدستور العراقي لعام 2005 في المادة 61/رابعاً بأن “تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب”([39])، وبعد موافقة مجلس النواب، يتولى رئيس الجمهورية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بموجب المادة 73/ثانياً من الدستور العراقي لعام 2005([40]). وأن لمجلس النواب في الدستور العراقي النافذ سلطة تقديرية مطلقة في التصديق من عدمه، ولعل المبرر لذلك كون مجلس النواب ممثل الشعب الذي انتخبه ويجب أن يعبر عن مصالحه عند التصديق من عدمه على المعاهدات الدولية؛ ولذلك فان عملية التصديق على المعاهدة تتطلب إصدار قانون من لدن مجلس النواب يوافق عليه الثلث من عدد اعضائه ، ثم يصار إلى نشره في الجريدة الرسمية وذلك حتى يمكن القول بنفاذ المعاهدة داخل الدولة([41]).
من ذلك يتبين أن الدستور العراقي لسنة 2005 قد تبنى ألية التصديق المجتمعة إذ تتم المصادقة على المعاهدات الدولية باتفاق السلطة التشريعية ورئيس الدولة، على نحو ما جاء في نص المادة 61/ رابعاً من الدستور الأنفة الذكر، والمادة 73/ ثانياً من الدستور التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية “يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الآتية:… ثانياً: المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بعد موافقة مجلس النواب، وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها”، ومن استعراض هذين النصين يبدو أن مجلس النواب يضطلع بالدور الفعلي بعملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وليس لرئيس الجمهورية في ذلك سوى الدور الشكلي البروتوكولي، بدليل ان المادة 73 من الدستور تفترض المصادقة على المعاهدة من لدن رئيس الجمهورية بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ احالتها عليه وما يؤكد ما نذهب إليه أن المادة 88 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على أن لجنة العلاقات الخارجية “تختص هذه اللجنة بما يأتي:… رابعاً: دراسة الاتفاقات والمعاهدات السياسية بالتعاون مع اللجنة القانونية”، وتنص المادة 127 من النظام نفسه على أن “تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية الثلث من أعضاء مجلس النواب”، ويبدو أن نص المادة 88 من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي ، وكأنه متعارض في صياغته وفحواه مع نص المادتين 61/ رابعاً من الدستور والمادة 127 من النظام الداخلي لمجلس النواب، إذ حددت المادة 88 من النظام الداخلي اختصاص لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بدراسة الاتفاقيات والمعاهدات السياسية الدولية، في الوقت الذي ذهبت اليه المادة 61/ رابعاً من الدستور والمادة 127 من النظام الداخلي إلى أن مجلس النواب يختص بالمصادقة على جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية من دون تحديد نوعها، ومن المؤكد أنه لا مجال هنا لأعمال قاعدة الخاص يقيد العام ولكن اعمال التدرج القانوني التي تقضي بالضرورة تغليب النص الدستوري على ما سواه من النصوص، وبالتالي فان مجلس النواب يختص بالمصادقة على جميع المعاهدات السياسية منها وغير السياسية([42])، وهو بدوره يمارس الألتزام النهائي بالمعاهدات الدولية عن طريق أما المصادقة على المعاهدات الدولية أو رفضها، ففي حالة المصادقة عليها لابد أن يكون ذلك بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضائه، وإلا فأن امتناع المصادقة من شأنه أن ينهي أو يعدل المعاهدة، وقد سبق وأن امتنع مجلس النواب عن الموافقة على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقع عليها مع تركيا في 23/3/2009، بسبب عدم النص فيها على حصة مائية للعراق في مياه دجلة والفرات استناداً إلى الاعلإن الاستراتيجي الموقع عليه بين العراق وتركيا في 10/7/2008([43]).
المبحث الثاني
تنفيذ نصوص المعاهدة الدولية
إن القانون الدولي العام لم يبين الوسائل أو الطرق والأساليب التي يتم بها دمج قواعده داخل النظم القانونية الداخلية لكل دولة ؛ لأن القانون الدولي لا يحدد إلا الآثار المترتبة على إبرام المعاهدات الدولية دولياً، أي فيما بين الدول، من دون أن يحدد الآثار التي تترتب على إبرامها داخل الدولة، لأن هذه المسألة متروكة لمحض إرادة وحرية كل دولة ، لتختار الأسلوب المناسب لإدخال المعاهدة في بنائها القانوني الداخلي وحسب احكام الدستور الخاص بها، رغم ذلك فأن تنفيذ او تطبيق المعاهدات داخل الدولة قد يؤدي أحياناً الى حصول تعارض بين المعاهدة وبين احكام تشريعاتها الداخلية، وفي سياق البحث بهذا الموضوع لابد من بحث نفاذ المعاهدات الدولية وفق النظام القانوني في العراق ، ثم حل التنازع بين المعاهدات الدولية والقانون الداخلي العراقي في كل مطلب على نحو مستقل.
المطلب الأول
نفاذ المعاهدات الدولية وفق النظام القانوني في العراق
جرى العرف الدولي على أن بعض المعاهدات لا تصبح نافذة أو سارية في مواجهة أطرافها بمجرد التوقيع عليها من لدن ممثل الدولة وأنما يلزم لنفاذها وسريانها القيام بإجراء لاحق من طبيعة داخلية هو التصديق، ثم النشر، وإذا كان الدستور العراقي يثير اشكاليات وتساؤلات عدة ، فأن الاشكالية الكبرى تكمن في عدم تحديده لآلية معينة لنفاذ المعاهدات في النظام القانوني الداخلي، وفي جميع الأحوال يجب نشر المعاهدة في الجريدة الرسمية.
إن الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 لا يشير لا في المادة 61/ رابعا ولا في المادة 80/ سادسا إلى كيفية نفاذ المعاهدة ولا طريقة تنفيذها في القانون العراقي، مخالفاً بذلك معظم دساتير الدول التي تتضمن نصوصاً واضحة بهذا الشأن([44])، ونظراً لغياب النصوص الدستورية المتعلقة بكيفية نفاذ المعاهدات في العراق، عليه سيتم الرجوع لقانون عقد المعاهدات العراقي رقم 35 لسنة 2015، الذي بإمكان مجلس النواب الموافقة على المعاهدات والاتفاقيات وفقاً لأحكامه، إذ خصص قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015 المادة 19 لنفاذ المعاهدات، ولكن من الناحية العملية فأن المعاهدات الثنائية أو متعددة الأطراف التي يبرمها العراق تدخل حيز النفاذ في القانون الدولي بصدور قانون التصديق أو الإنضمام بعد نشره في الجريدة الرسمية([45])، فإذا كان التصديق هو اجراء لازم في مرحلة إبرام المعاهدات الدولية حتى تصبح المعاهدة ملزمة على النطاق الدولي، فأن النشر في الجريدة الرسمية هو اجراء داخلي لازم لاكتساب المعاهدة قوة القانون الداخلي النافذ، لأنه هو الذي يكفل ضمان اتصال علم الأفراد والسلطات بالقاعدة القانونية الاتفاقية في النطاق الوطني، وإن نشر المعاهدات الدولية يشكل فضلا عن كونه وسيلة تمكن المحاكم من تدقيق مدى قيام السلطات المختلفة بإبرام المعاهدات باحترام القواعد والمتطلبات الدستورية، فأنه شرط لحجية المعاهدات ويسمح بوضع النظام القانوني للمعاهدات ضمن مصادر القانون الداخلي، وإن الرقابة على احترام القواعد الدستورية الداخلية متاحة بسهولة لرجوع القاضي الى الجريدة الرسمية للدولة، إذ توجد جميع المعلومات الضرورية مخزونة فيها، كالتوقيع والمصادقة أو الموافقة، وقانون الإجازة بالتصديق إو الموافقة، وتاريخ دخول الاتفاق المثار أمام المحكمة حيز النفاذ إذ إن مرسوم النشر يلعب دور المعيار الدائم لرقابة القاضي، ولذلك نص الدستور العراقي لسنة 2005 في المادة 129 منه على إنه “تنشر القوانين في الجريدة الرسمية، ويعمل بها من تاريخ نشرها، ما لم ينص على خلاف ذلك”([46])، واشترطت المادة 27 من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015، على أن تقوم وزارة العدل بنشر المعاهدة وقانون التصديق عليها أو الإنضمام إليها في الجريد الرسمية، والجريد الرسمية في العراق هي جريدة الوقائع العراقية.
إذاً فنشر المعاهدة في جريدة الوقائع العراقية هو اجراء جوهري ولازم ويجسد ادراجها في النظام القانوني العراقي، فإذا لم يتم نشر المعاهدة فإنه يكون قد تخلف شرط من الشروط التي تجعلها صحيحة قانوناً وعليه تكون المحاكم غير ملزمة بتطبيق هذه المعاهدات، لعدم علم الأفراد بها من جهة، ولتخلف شرط من شروط إسباغ صفة القانون على احكامها من جهة اخرى، وعلى الرغم من أن المشرع العراقي قد أصدر قانون النشر في الجريدة الرسمية رقم 78 لسنة 1977، وتطلبت الفقرة الأولى من المادة الثالثة منه على ضرورة نشر المعاهدات والاتفاقيات الدولية وما يلحق بها من قوانين تصديقها في الوقائع العراقية، إلا إنه وبالإطلاع على سلسلة المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمها العراق وصادق عليها بقانون، نجد أن الجهات التنفيذية المختصة ومنذ مدة طويلة لاتزال لم تقم بنشر العديد منها، بل اكتفت بنشر قانون التصديق أو الإنضمام من دون نص المعاهدة، إذ إن نسبة المعاهدات التي قامت بنشرها في المدة ما بين 1977 إلى عام 2007 بلغت 27.7% فقط أي أن 72.3% من نصوص المعاهدات والاتفاقيات ما زالت غير منشورة، وعليه هي غير نافذة في النظام القانوني الداخلي العراقي، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تمكن الأفراد من التعرف على حقوقهم وحرمانهم من اللجوء إلى المحاكم للمطالبة بها أو الاحتجاج بها في حالة الاعتداء على حقوقهم وحرياتهم إذا ما تعلقت المعاهدة بحقوق وحريات الإنسان([47]).
وخلاصة الموضوع أن الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 لم يعالج مشكلة كيفية نفاذ المعاهدات في النظام القانوني الداخلي، مما يخلق المشاكل والصعوبات بشأن امكانية تطبيق المعاهدات من جانب المحاكم ولاسيما تلك المتعلقة بحقوق وحريات الافراد.
ومما سبق تبين لنا أن ما يجري عليه العمل في العراق هو أن المعاهدة المبرمة وفقاً للمتطلبات الدستورية وبعد أن يتم التصديق عليها بقانون التصديق أو الإنضمام من لدن مجلس النواب، وبعد أن يتم نشر تلك المعاهدة مع قانون تصديقها أو الإنضمام إليها في جريدة الوقائع العراقية استناداً إلى المادة 27 من قانون عقد المعاهدات العراقي لسنة 2015 تصبح نافذة داخل العراق وتكتسب قوة القوانين العادية، إذا كيف سيحل التنازع بين المعاهدة والقوانين العادية؟.
المطلب الثاني
حل التنازع بين المعاهدات الدولية والقانون الداخلي العراقي
بما إن المعاهدة الدولية بعد المصادقة عليها من لدن العراق ونشرها في الجريدة الرسمية تعدّ بمنزلة القانون الداخلي وتكون نافذة حسب ما اشارت إليه المادة 129 من الدستور العراقي لسنة 2005، وتعدّ ملزمة للأفراد والدولة بجميع سلطاتها إلا إنه قد يحصل تنازع ما بين نصوص المعاهدة ونصوص أخرى من قانون داخلي عند تطبيق احكام المعاهدة من لدن القاضي، فقد تنظم المعاهدة حالة لم يسبق للقانون الداخلي تنظيمها، وقد تعنى بتنظيم حالات سبق وأن نظمها القانون العراقي، وقد تتفق احكام المعاهدة مع احكام القانون الداخلي ، وقد يكون بين احكام كل منهما تناقض أو تعارض، وحل هذا التنازع من قبل القاضي يتوقف على وجود نص صريح يقضي بتغليب المعاهدات على القانون الداخلي أو إنعدامه.
أولاً: في حالة وجود نص صريح يقضي بأفضلية المعاهدة على التشريع الداخلي: حينها يطبق القاضي احكام المعاهدة ويهمل النص التشريعي الداخلي، وهذا ما ذهب إليه قانون إعادة المجرمين رقم 31 لسنة 1923 إذ نصت المادة 16 “لا يؤثر هذا القانون في احكام المعاهدات والاتفاقيات التي تعقد لإعادة المجرمين وتعدّ احكام هذا القانون معدلة على مقتضاه”([48])، وأكدت المادة 29 من القانون المدني على حكم عام يسري في جميع الأحوال التي يتعارض فيها نص مع معاهدة دولية ، إذ تنص على أنها لا تطبق احكام المواد السابقة في أحوال تنازع القوانين إذا وجد نص على خلافها في مبادئ القانون الدولي الخاص أو معاهدة دولية نافذة في العراق([49]).
ثانياً: في حالة عدم وجود نص صريح ففي هذه الحالة يفرق الفقه فيما إذا كانت المعاهدة سابقة أم لاحقة على القانون الداخلي، في الحالة الأولى فأن القاضي يميز بين حالتين: حالة السكوت أو غموض التشريع اللاحق على المعاهدة ليظهر موقفه من المعاهدة، وحالة ثبوت نية المشرع بوضوح وصراحة في مخالفة بنود المعاهدة السابقة، ففي حالة السكوت يفترض القاضي إن المشرع لم يقصد مخالفة المعاهدة السابقة، بل إنه اراد ضمناً الاحتفاظ بها وتطبيقها إلى جانب تطبيق احكام التشريع اللاحق ومن ثم يسعى القاضي للتوفيق بين المعاهدة والتشريع اللاحق، ويحقق القاضي ذلك على أساس أن كل تشريع يتنازع مع معاهدة سابقة إنما يترك مجالاً لأعمالها ووسيلة هذه الأعمال هي استثناء الحالة التي يمكن فيها تطبيق المعاهدة من حكم التشريع اللاحق، فالمعاهدة تعقد بين العراق ودول بعينها ، وعليه يفترض القاضي أن المقصود من التشريع اللاحق الذي يتعارض مع المعاهدة هو تطبيقه على الاجانب ممن لا تكون بلادهم طرفاً في تلك المعاهدة.
أما في حالة وضوح نية المشرع في مخالفة احكام المعاهدة السابقة، فيتعذر على القاضي التوفيق بين المعاهدة والتشريع اللاحق فيضطر القاضي إلى تطبيق التشريع اللاحق ويهمل احكام المعاهدة السابقة ؛ لأن القاضي ملزم بأوامر مشرعه الواردة في التشريع أما المعاهدة فهي تلزم الدولة وهي من تتحمل تبعة المسؤولية الدولية المترتبة على الإخلال بالمعاهدة.
الحالة الثانية عندما تكون المعاهدة لاحقة على التشريع الداخلي، هنا لا يلقي القاضي أية صعوبة اذ يطبق نصوص المعاهدة ويهمل القانون الداخلي، وذلك بالإستناد إلى المبدأ الذي يحكم تنازع القوانين من حيث الزمان، اي مبدأ نسخ القانون السابق بالقانون اللاحق([50])، فالمعاهدة لا تطبق في العراق حتى تسن بقانون جديد ينال موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب ويصدق من رئيس الجمهورية([51]) وتنشر في الجريدة الرسمية، حسبما نصت المادة 129 من الدستور التي اوجبت نشر القوانين في الجريدة الرسمية لكي يعمل بها من تاريخ نشرها مالم ينص على خلاف ذلك، إذن فالمعاهدة تعدّ تشريعاً واجب التطبيق تنسخ وتلغي القانون القديم الذي يتعارض معها([52]).
المبحث الثالث
ميدان الرقابة على المعاهدات الدولية في العراق
لا تثير الرقابة القضائية على دستورية المعاهدات الاشكال والخلاف في البلدان التي نصت دساتيرها صراحة على ان للمعاهدة قيمة قانونية مساوية للقوانين أو أعلى منها واسندت مهمة الرقابة لقضاء دستوري متخصص، وبخلاف الدساتير التي حددت القيمة القانونية للمعاهدة والجهة التي تتولى الرقابة عليها، نجد أن الدستور العراقي يثير الاشكال بشأن تحديد علوية أي من القانونين، القانون الداخلي (الدستور والتشريع)، أم القانون الدولي متمثلاً بالمعاهدة، وما يفاقم حجم هذا الاشكال تردد القضاء في الاجتهاد في المسائل الخلافية أو التي لم يحسمها المشرع بنص صريح، كما يثار الاشكال الأخر في الدساتير الجامدة ومنها الدستور العراقي بشأن القضاء المختص برقابة دستورية المعاهدات الدولية فهل يتحدد بقمة الهرم القضائي (المحكمة العليا، النقض، التمييز) أم المحاكم جميعها بمختلف درجاتها ممارسة هذا الاختصاص كونها الحارس الأمين على الشرعية الدستورية والقانونية على نحو ما موجود في الولايات المتحدة الامريكية.
وفي ظل هذه الاشكالات يفسح الباب واسعاً للاجتهاد والاختلاف الفقهي بشأن علويّة القانون الداخلي ام الدولي، ومن له الحق في ممارسة الرقابة على المعاهدات، هل تتحدد هذه الصلاحية بقمة الهرم القضائي أم للقاعدة ممارستها؟ هل يقتصر الطعن على مؤسسات الدولة الدستورية ام للشعب مثل هذا الاختصاص وهل تكون الرقابة سابقة على تصديق المعاهدة أم لاحقة لها؟ وهل يجرأ القاضي على توجيه الأمر للسلطة التنفيذية للمثول أمام السلطة المختصة بالتصديق إذا لم تتبع الاجراءات الدستورية في عقد المعاهدة؟
ويرى البعض ونحن معهم في هذا الرأي أن القضاء في الدول العربية بشكل عام لا يمكنه الفصل في مسألة لم ينطها به الدستور او القانون صراحة، خشية من اتهامه بالمخالفة، ومن المؤكد أن لهذه المخاوف ما يبررها في ظل غياب الحصانة القضائية بل أن القضاء الوطني في الدول العربية وهو بصدد تطبيقه احكام المعاهدة الدولية على النزاع المعروض عليه غالباً ما لا يجرأ على توجيه الأمر للسلطة التنفيذية لاستيفاء اجراءات المصادقة على المعاهدة إذا ما وقف على مخالفة بشأن هذه الاجراءات، لأن مثل هذا الامر قد يفسر على أنه تدخل في عمل السلطة التنفيذية ومخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات لاسيما وأنه سينتهي بالضرورة إلى تعطيل تطبيق احكام المعاهدة، وبافتراض إن القضاء في الدول العربية ومنها العراق قد مارس دوره المفترض في حماية الدستور وعلويته، فقد يثار الإشكال بشأن المصلحة المعتبرة في الطعن، فهل يتم الطعن بناءا على مصلحة ذاتية شخصية ام يشترط ان تمس المعاهدة مصلحة عامة (دعوة موضوعية)؟ وهل ستكون الرقابة سابقة على تصديق المعاهدة أم لاحقة لها؟ ولكل ميزاتها ومأخذها، فالرقابة الوقائية السابقة تقتضي بالضرورة عدم وضع أي تعهد دولي موضع التنفيذ قبل التحقق من عدم مخالفته للدستور، بخلاف الرقابة العلاجية اللاحقة إذ تخلق الريبة لدى شركاء الدولة في المعاهدة اذا ما علمنا ان اساس العلاقات الدولية يقوم على الثقة والوفاء بالالتزامات، وبالمقابل قد توصف الرقابة السابقة بالمتسرعة أو غير المتأنية وتعتمد النصوص على نحو ما هي، في الوقت الذي قد تبرز فيه ايجابيات النص وسلبياته ومدى مطابقته للدستور إلا بعد تطبيقه فالأخير قد يعطي معنى مختلف للنص التشريعي، وفي معرض ترجيح كفة أحدى الرقابتين على الأخرى، نرى المبرر الأقوى لترجيح كفة الرقابة الوقائية على العلاجية أنها تضع حدا لسجال داخلي ودولي قد يطول وقد تنتهي آثاره إلى المساس بسمعة الدولة والثقة بها، وبقاء هذا الاشكال لترجيح أي الرقابتين الوقائية أم العلاجية قائماً من دون حل ينتهي بالضرورة إلى إثارة اشكال أخر بشأن تحديد من له الحق في الطعن أمام القضاء، فهل سيمنح للأفراد فضلا عن الجهات الرسمية وهو امر يقتضي بالضرورة أن تكون الرقابة علاجية لاحقة أم تنفرد السلطة الرسمية به من دون الأفراد([53]).
وفي هذا المبحث نبحث مطلبين، يعالج المطلب الأول مكانة المعاهدة وقيمتها القانونية في العراق، فيما يختص المطلب الثاني برقابة القضاء على دستورية المعاهدات الدولية في العراق وتكوين المحكمة الاتحادية العليا التي تسند إليها مهمة الرقابة على دستورية القوانين.
المطلب الأول
مكانة المعاهدة في النظام القانوني للعراق
في إطار الدساتير الجامدة لامعنى للبحث في الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية قبل البحث في القيمة القانونية للمعاهدة، والواضح إن العراق من الدول التي لم تحدد القيمة القانونية للمعاهدة الدولية وإن تبنى قضاءً دستورياً مستقلاً وفق دستور عام 2005، فالدستور العراقي النافذ لسنة 2005، وقانون عقد المعاهدات العراقي رقم 35 لسنة 2015، سكتا عن تحديد مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني العراقي، والتزما جانب الصمت إزائها، وحتى المادة الثامنة من الدستور العراقي لسنة 2005، التي نصت على (يراعى العراق مبدأ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية)، فإنها عبارة عامة وغامضة جداً، وعرضة لتفسيرات مختلفة، ويرى بعض أصحاب الاختصاص أن هذه الصياغات أو العبارات العامة التي يستخدمها الدستور العراقي لا يمكن عدّها إقراراً لسمو القانون الدولي ومن ضمنها المعاهدات الدولية على القانون الداخلي([54])، ولا شك إن خلو الدستور العراقي النافذ من بيان مكانة المعاهدات الدولية في النظام القانوني العراقي، يؤدي ذلك إلى ظهور مشكلة التنازع بين المعاهدة المبرمة أو التي ستبرمها جمهورية العراق وبين القوانين الداخلية، إذ أغفل الدستور العراقي كلية التعرض إلى مشكلة العلاقة بين القانون العراقي والقانون الدولي، فلم يتعرض الدستور ولا قانون عقد المعاهدات إلى مسألة التناقض بين المعاهدات التي تبرمها الدولة والقوانين الداخلية، ولا يوجد في قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 ما يشير إلى التعارض بين القانون الدولي والداخلي([55]).
وفي هذه الحالة فأن احكام المعاهدة لا تتفوق على احكام القانون الداخلي المتعارضة معها سواءً أكان هذا القانون سابقاً ام لاحقاً لها، وبما أن كل معاهدة في العراق يتم التصديق عليها بقانون تصديق أو إنضمام طبقاً للأحكام المنصوص عليها في الدستور وقانون عقد المعاهدات وما جرى عليه العمل في العراق، فأن نشر المعاهدة مع قانون تصديقها في جريدة الوقائع العراقية يجعلها تعامل معاملة القانون، وهذا يعني إمكانية تعديل أو الغاء معاهدة دولية تمت المصادقة عليها بقانون لاحق.
ومن كل ما تقدم يتضح لنا أن الدستور العراقي النافذ سكت عن تحديد مكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الداخلي، ولم تحظَ المعاهدة بمكانة متميزة فيه، بل ولا تسمو حتى على القوانين العادية التي يسنها مجلس النواب وهذا خلافاً للمبدأ القاضي بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي.
المطلب الثاني
الرقابة القضائية على دستورية المعاهدات الدولية في العراق
إن انتقال العراق في ظل دستور عام 2005 من دولة بسيطة إلى دولة اتحادية, وانتقال نظام الحكم من النظام الرئاسي إلى البرلماني واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات والتأكيد على احترام الحقوق والحريات الأساسية سواء في وثيقة قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية أو في وثيقة الدستور الحالي, كذلك النص على مبدأ استقلالية السلطة القضائية والضمانات التي يتمتع بها القضاة من خلال إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وجعله مستقل عن وزارة العدل, وعدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في استقلال القضاء, وحفاظا على صيانة الوثيقة الدستورية كان لابد من إنشاء محكمة عليا للحفاظ على سيادة القانون وتحقيق العدالة، فأراد المشرع الدستوري أن يوضح معالم الدولة القانونية الجديدة عن طريق النص على إنشاء محكمة اتحادية عليا تختص بالرقابة على دستورية القوانين إلى جانب اختصاصات أخرى مهمة، فهل لهذا القضاء فرض الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية؟ وهل يستطيع القضاء الفصل والاجتهاد بما لم ينص عليه الدستور أو القانون؟
أولاً: تكوين المحكمة الاتحادية العليا
اُنشات المحكمة الاتحادية العليا، وفق الدستور العراقي لسنة 2005، أذ نص الدستور في المادة 92 منه على أن المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً وادارياً، تتكون من عدد من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب([56])، ولم يسن قانون جديد للمحكمة إلى حد الآن بيد أن القانون النافذ هو قانون المحكمة الاتحادية العليا بموجب الأمر التشريعي رقم 30 لسنة 2005 الصادر في مدة نفاذ قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية([57]).
وتمارس المحكمة الاتحادية العليا الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، والمحكمة هنا تنظر في شرعية القوانين والأنظمة النافذة, وتكون رقابتها لاحقة ولا تنظر في مشروعات أو مقترحات القوانين قبل صدورها.
ولم يكن من بين اختصاصات المحكمة الاتحادية بموجب قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية, ولا في قانون المحكمة رقم 30 لسنة 2005 تفسير النصوص الدستورية, إلا أن الدستور الدائم في المادة 93/ ثانيا منه أضاف هذا الاختصاص إلى اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا, وحسنا فعل المشرع الدستوري عندما أضاف هذا الاختصاص إلى المحكمة وذلك تلافيا لما قد يحدث من جدل حول تفسير نصوص الدستور, إضافة إلى ما قد يحدث مستقبلا بشأن تنازع القوانين, وخير من يقوم بهذه المهمة المحكمة الاتحادية العليا، وعلى ضوء هذا البند الخاص بتفسير نصوص الدستور وبعد أن انتهى العمل بقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 يجب أن يعدّل قانون المحكمة وكذلك النظام الداخلي للمحكمة تماشيا مع ما قرره الدستور الدائم لعام 2005, وهنا تقع مهمة تعديل القانون أو سن قانون جديد على عاتق مجلس النواب استنادا إلى أحكام المادة 92/ ثانيا من الدستور, وبما أن الدستور لم يكشف من له الحق طلب التفسير فقد أخذت طلبات التفسير تصل إلى المحكمة الاتحادية العليا من السلطات الدستورية, التشريعية والتنفيذية والقضائية, والمحكمة تستند في تفسيرها لنصوص الدستور إلى أحكام المادة 93/ثانيا منه، ولابد لطلب التفسير من ضوابط تحدده بأن يكون النص المطلوب تفسيره قد أثار خلافا في التطبيق وان يكون ذا أهمية تستدعي تفسيره تفسيرا واحدا تحقيقا لوحدة تطبيقه ولا يقتصر تفسير المحكمة الاتحادية العليا لنصوص الدستور فقط وإنما يتعدى ذلك إلى تفسير نصوص القانون العادي([58])، وبما أن المعاهدة بعد تصديقها تنشر بقانون في الجريدة الرسمية فطبيعي ان تكون من بين النصوص الخاضعة لتفسير المحكمة الاتحادية العليا.
ومن ضمن اختصاصات المحكمة أيضاً، الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، و المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الأقاليم أو المحافظات، والبت في الإتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب، والفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في أقليم([59])، ونقطة التقدم في اختصاص المحكمة أنه يمكن لكل من مجلس الوزراء أو ذوي الشأن وحتى الافراد حق الطعن المباشر لدى المحكمة في حال مخالفة القوانين ، ومن ضمنها المعاهدة لمضامين الدستور أي أنه حتى لو لم يتم لهذه المعاهدة من تطبيق عملي فأنه يمكن الطعن بها طالما قد شابها مخالفة لاحد نصوص الدستور([60]).
ثانياً: طرق الرقابة التي تمارسها المحكمة الاتحادية العليا
إن طرق وأساليب الرقابة القضائية في الدول، هي أما أن تتم بطريقة الدفع الفرعي وهي رقابة الإمتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور أو رقابة الدعوى المباشرة وتسمى أيضا الدعوى الأصلية أو (دعوى الإلغاء), أو بطريقة المزج بين الدعوى الأصلية المباشرة والدفع بعدم الدستورية ويتم الأسلوب الأخير بان يتقدم الأفراد بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام المحاكم, فان اقتنعت بجدية الطعن، تقدمت به إلى المحكمة الدستورية، وهذه الطريقة تفترض وجود دعوى يراد فيها تطبيق قانون معين فيدفع أحد الخصوم بعدم دستورية هذا القانون, وفي هذه الحالة لا تفصل المحكمة في صحة الدفع بل تؤجل النظر في الدعوى وتحيل الطعن في دستورية القانون إلى المحكمة الدستورية التي يكون لحكمها حجية مطلقة تجاه الكافة.
ويبدو إن الرقابة التي تمارسها المحكمة الاتحادية العليا في العراق تتمثل:
- بأسلوب المزج بين طريقتي الدفع الفرعي والدعوى الأصلية: ويتم الطعن في دستورية القوانين بحسب هذا الطريق بأسلوبين:
- أن يتم الطعن عن طريق المحاكم بطلب من تلقاء نفسها عبر نظرها في دعوى ومن دون الدفع من لدن المتقاضيين ويتضح هذا من نص المادة 3 من النظام الداخلي للمحكمة إذ ورد: “إذا طلبت إحدى المحاكم من تلقاء نفسها أثناء نظرها دعوى البت في شرعية نص في قانون أو قرار تشريعي أو نظام أو تعليمات يتعلق بتلك الدعوى فترسل الطلب معللا إلى المحكمة الاتحادية العليا للبت فيه ولا يخضع هذا الطلب إلى الرسم”([61]).
وهذا النص أعطى للمحاكم على اختلاف درجاتها أثناء نظرها دعوى مدنية أو جزائية, عندما تجد أن النص القانوني أو القرار أو التعليمات أو النظام واجب التطبيق على وقائع الدعوى مخالف للدستور فلها أن تطلب من تلقاء نفسها البت في شرعية النص وترسل طلبا معللا إلى المحكمة الاتحادية العليا غير خاضع للرسم, وهنا فان محكمة الموضوع لا تلغي النص وإنما تحيله إلى المحكمة الاتحادية العليا التي تقوم بدورها التحقق من دستورية أو عدم دستورية النص المحال إليها من محكمة الموضوع, والإلغاء يكون من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا دون غيرها.
أن يدفع احد الخصوم في دعوى تنظرها احد المحاكم بأن النص القانوني أو القرار المراد تطبيقه عليه غير دستوري فيكلف الخصم بتقديم هذا الدفع بدعوى فتبت هي في قبول الدعوى فإذا قبلتها ترسلها مع المستندات إلى المحكمة الاتحادية العليا للبت بعدم الشرعية وفق تفصيل أوردته المادة 4 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا التي جاء فيها “إذا طلبت إحدى المحاكم الفصل في شرعية نص في قانون أو قرار تشريعي أو تعليمات أو أمر بناء على دفع احد الخصوم بعدم الشرعية فيكلف الخصم بتقديم هذا الدفع بدعوى, وبعد استيفاء الرسم عنها تبت في قبول الدعوى فإذا قبلتها ترسلها مع المستندات إلى المحكمة الاتحادية العليا للبت بعدم الشرعية وتتخذ قرارا باستئخار الدعوى الأصلية للنتيجة, أما إذا رفضت الدفع فيكون قرارها بالرفض قابلا للطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا”([62]).
نجد أن هذا النص جاء خاليا من تحديد مدة للخصم في رفع الدعوى هذه ؛ لأن تحديد المدة يعطي رؤية للمحكمة للتحقق من أن رغبة الطاعن أمامها جدية وليس مجرد كسب الوقت أو إضاعته, وهنا يبدو الخلل في عدم تحديد مدة محددة وعليه يجب معالجة هذه المسألة. هذا وتقرر المحكمة تأخير الدعوى التي تنظرها أصلا إلى حين البت من المحكمة الاتحادية العليا في دستورية القانون المراد تطبيقه من عدمه([63]).
- 2. طريقة الدعوى الاصلية (دعوى الإلغاء): الأسلوب الأخر الذي اتبعته المحكمة الاتحادية العليا للرقابة على دستورية القوانين هو طريق الدعوى الأصلية أو المباشرة, وهو ما يتبين من نص المادة الخامسة من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا إذ جاء في النص أنه “إذا طلبت إحدى الجهات الرسمية بمناسبة منازعة قائمة بينها وبين جهة أخرى الفصل في قانون أو قرار تشريعي أو نظام أو تعليمات أو أمر فترسل الطلب بدعوى إلى المحكمة الاتحادية العليا معللا مع أسانيده وذلك بكتاب موقع من الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة”([64]).
وهذه المادة تطرقت إلى المنازعات التي قد تنشأ بين جهة رسمية و جهة أخرى سواء أكانت تلك الجهة رسمية أو غير رسمية، ومن ثم فان إقامة الدعوى من تلك الجهة يفترض وجود منازعة قائمة وأن تقدم الأسباب بكتاب موقع من الوزير إذا كانت جهة رسمية مرتبطة بوزارة, أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة ويطلق على هذه الدعوى بالدعوى المباشرة أو دعوى الإلغاء.
وتستند المحكمة الاتحادية العليا في اختصاصها هذا إلى نص المادة (4/ ثانيا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30 لسنة 2005) التي نصت على ان ((الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة من أية جهة تملك حق إصدارها وإلغاء التي تتعارض منها مع أحكام قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية, ويكون ذلك بناءا على طلب من محكمة أو جهة رسمية أو من مدع بمصلحة))([65]).
ومن الجدير بالذكر أن هذا النص يسمح لكل مدع بمصلحة بما في ذلك الأفراد أن يرفعوا الدعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا للنظر بشرعية القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة من أية جهة تملك حق إصدارها وإلغاء التي تتعارض منها مع أحكام الدستور.
ثالثاً: حجية الأحكام الدستورية
نص الدستور على إن أحكام المحكمة الاتحادية العليا في الدعوى الدستورية وقراراتها ملزمة لكافة سلطات الدولة كما ورد في المادة 94 من دستور سنة 2005، وهذا ما ذهبت إليه ايضاً المحكمة الاتحادية العليا في المادة (5/ ثانياً) من قانونها رقم 30 لسنة 2005 التي نصت على أنه “الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا باتة”([66]).
من ذلك نخلص الى ان المحكمة الاتحادية العليا هي واحدة من اهم الهيئات التي ستنظم عمل الدستور، من حيث تفسيره وحل المنازعات، واختصاصها بالرقابة على دستورية جميع القوانين والانظمة والتعليمات السارية المفعول بما في ذلك المعاهدات، حيث يترتب على مبدأ المساواة القانونية بين القانون العادي والمعاهدات الدولية المدمجة في النظام الداخلي نتيجة مفادها سمو القواعد الدستورية على القواعد الدولية الاتفاقية، إذ وفقاً للمادة 13 من الدستور العراقي النافذ التي تقر بعدم جواز سن قانون يتعارض مع الدستور طبقا للمبادئ العامة في القانون الدستوري، يعد الدستور القانون الأسمى والاعلى في العراق، ويعد باطلاً كل نص قانوني أخر يتعارض معه، وهذا يعني أن المعاهدة التي يصدر بشأنها قانون تصديق أو انضمام يمكن أن تكون عرضة للبطلان اذا كانت متعارضة مع الدستور من دون الحاجة إلى التعرض لمسالة التعارض بين الدستور والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، لأن الدستور العراقي ما من شأنه مواجهة التعارض بين الدستور والمعاهدة، وأن المحكمة الاتحادية العليا لا تجد مناصاً من الحكم ببطلان هذه المعاهدة إذا ما طلب اليها ممارسة وظيفتها في الرقابة على دستورية القوانين استناداً الى المادة 93 من الدستور، وإن أدى ذلك إلى تحمل العراق للمسؤولية الدولية نتيجة انتهاكه لإلتزاماته الدولية الناجمة عن تلك الاتفاقية أو المعاهدة.
الخاتمة
نستخلص مما سبق أن موضوع الرقابة على المعاهدات الدولية يحتل أهمية بالغة، كونه يحمي قدسية وعلوية الدستور الذي يضع أساس الدولة القانوني، وأن هذه الرقابة تأخذ اشكالا واساليب حسب النظام القانوني والدستوري في كل دولة، وأن العراق يخضعها للرقابة القضائية، رغم ان دستوره لسنة 2005 لم يعالج مسألة رقابة المعاهدات والاتفاقيات الدولية بشكل تام، غذ ان الدستور العراقي النافذ سكت عن تحديد مكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الداخلي، ولم تحظَ المعاهدة بمكانة متميزة فيه، بل لا تسمو حتى على القوانين العادية التي يسنها مجلس النواب وهذا خلافاً للمبدأ القاضي بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي.
إن الدستور العراقي لم يحدد القيمة القانونية للمعاهدة أصلاً، وبما أن هدف البحث يكمن بمعرفة القيمة القانونية للمعاهدة في العراق وميدان الرقابة الدستورية عليها وهذا ما بيناه في في الدراسة، فنحن لم نبلغ الغاية المثلى من دراستنا هذه لصعوبة موضوع البحث وقلة مراجعه، فقد كانت عملية جمع المعلومات ليست بالسهولة المتصورة، لكن ذلك لا يعني عدم المساهمة مع من سبقنا في دراسة الموضوع، من إبداء بعض النتائج والتوصيات.
الاستنتاجات :
عن طريق البحث في إنعقاد المعاهدات الدولية والإطلاع على بعضها توصلنا إلى النتائج الآتية في التطبيق على حالة العراق:
إن الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية في العراق هي رقابة قضائية لاحقة على دخول المعاهدة حيز النفاذ، ويتم اخضاع المعاهدة للرقابة بالطريقة نفسها التي تخضع بها القوانين العادية للرقابة.
- مصادقة مجلس النواب العراقي على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي الأعضاء لا يعني إخضاع المعاهدة لرقابة السلطة التشريعية على دستوريتها.
- سكوت المشرع الدستوري العراقي عن تحديد مكانة المعاهدة وقيمتها القانونية لا يتفق مع ما تسير عليه غالبية الدساتير في تحديدها القيمة القانونية للمعاهدة.
- لا يمكن تبرير الموقف السلبي للدستور العراقي تجاه المعاهدات الدولية وعدم منحها علوية داخل النظام القانوني الداخلي، خصوصاً بعد ما شهده العراق من تغيير جذري في طبيعة النظام السياسي وتحويله إلى نظام ديمقراطي نيابي فيدرالي.
التوصيات
- بما إن مهمة الرقابة على المعاهدات قد انيطت إلى المحكمة الاتحادية العليا، وإن الرقابة تتطلب نوع عالي من الاستقلالية، فيجب أن يكون رئيس وأعضاء المحكمة مستقلين لا يكون لهم أي ارتباط سياسي تجاه أي حزب أو كيان أو حركة لضمان الاستقلالية والحياد في العمل.
- الرقابة السابقة هي الأسلوب الأمثل للرقابة على دستورية المعاهدات الدولية لأنها افضل وسيلة لضمان عدم التعارض بين نصوص المعاهدة مع احكام الدستور، ولأنها ترفع عن الدولة حرج كبير انطلاقاً من مسؤوليتها الدولية.
- امتناع مجلس النواب عن المصادقة على المعاهدات المخالفة للدستور، وفي حالات الضرورة القصوى فأن المصادقة على المعاهدة المخالفة لنصوص الدستور لا يجوز أن تتم إلا بعد تعديل الدستور.
- ضرورة إنضمام العراق لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تعفي رئيس الدولة ووزير الخارجية من وثائق التفويض وفقاً للمادة السابعة، إذ يعدّون ممثلي لدولهم ولا حاجة لأوراق التفويض.
- عدم امتلاك رئيس الجمهورية لصلاحية إبرام المعاهدات، إذ حصر الدستور صلاحيته فقط بالتصديق على المعاهدات والاتفاقيات بعد موافقة مجلس النواب طبقا للمادة 73/ثانيا من الدستور يتعارض مع التعامل الدولي والمادة 7/ثانيا/أ من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969.
- احتراماً لسيادة الدولة العراقية ومصداقيتها تجاه الدول المشاركة معها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية كان ينبغي على مجلس النواب عند تشريع قانون رقم 35 لسنة 2015، أن يحل الاشكاليات المتعلقة بمكانة المعاهدة كافة وعملية الرقابة الدستورية عليها، ومواكبة التغيير الحاصل في طبيعة النظام السياسي الفيدرالي، فلابد من منح الأقاليم بعض السلطات فيما يخص التفاوض والتوقيع على بعض المعاهدات التي تخدم مصلحة الاقليم وترفع المستوى الاقتصادي لسكانه، وبما لا يتعارض مع المصلحة العليا للدولة الاتحادية، ولا يتناقض مع السياسة الخارجية الوطنية، وأن الدولة الاتحادية عند إبرامها للمعاهدات فان موضوع المعاهدة في بعض الأحيان يدخل في نطاق الأقليم ومصلحته، لذا فان التنسيق والتشاور بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم يصبح ضروري جداً.
المصادر
اولاً: الوثائق
1. دليل المعاهدات، وثائق قسم المعاهدات التابع لمكتب الشؤون القانونية للجمعية العامة للأمم المتحدة، منشورات الامم المتحدة، 2001.
2. مذكرة السفارة العراقية في طهران المرقمة س/200 في 25/1/2012.
3. نص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969.
4. نص الدستور العراقي لسنة 2005.
5. نص القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951.
6. نص قانون اعادة المجرمين رقم 31 لسنة 1923.
7. نص قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005
8. نص قانون رقم 60 لسنة 2012، قانون اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات والبرتوكول الملحق بها بين حكومة جمهورية العراق وحكومة جمهورية المانيا الاتحادية.
9. نص قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
10. نص قرار مجلس الامن رقم (687) لعام 1991.
11. نص مسودة اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين حكومة جمهورية العراق وحكومة جمهورية البرازيل الاتحادية.
12. النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2005.
13. وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، الاعمام المرقم ق/2/1/11/ 5611 في 27/4/2006.
14. وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، الاعمام المرقم ق/2/4/11/23105/ في 22/ 6/ 2010.
15. وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، م/ التفاوض والتوقيع، المرقم ق/2/4/11/ 6398 في 19/2/2012.
16. وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، العدد 9 في 4/2/2012
17. وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، قسم المعاهدات الدولية.
ثانياً: الكتب
1. احمد ابو الوفا، القانون الدولي والعلاقات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010.
2. عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، ط4، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الاردن، 2009.
3. عصام العطية، القانون الدولي العام، ط3، المكتبة القانونية، بغداد، 2010.
4. علي صادق ابو هيف، القانون الدولي العام، منشأة المعارف، الاسكندرية، دون سنة نشر.
5. علي يوسف الشكري، مباحث في الدساتير العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014.
6. لقمان عمر حسين، مبدأ المشاركة في الدولة الفيدرالية: دراسة تحليلية مقارنة، منشورات زين الحقوقية، لبنان، مكتبة السنهوري، بغداد، 2011.
ثالثاً: الرسائل والاطاريح الجامعية
1. حسن ناصر طاهر المحنة، الرقابة على دستورية القوانين: العراق نموذجاً، رسالة ماجستير في القانون العام، مقدمة الى كلية القانون والعلوم السياسية، الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، دهوك، 2008.
2. لقمان عمر حسين، الاختصاصات الدستورية لابرام المعاهدات في الدولة الفيدرالية: دراسة تحليلية مقارنة، اطروحة دكتوراه مقدمة الى مجلس كلية القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين، اربيل، 2013.
رابعاً: البحوث والدراسات
1. صلاح البصيصي، المعاهدة الدولية والرقابة عليها في ظل الدستور العراقي الجديد، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والادارية، العدد 12، المجلد 2، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة الكوفة، 2009.
2. عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، نفاذ المعاهدات الدولية ومكانتها في النظام القانوني الداخلي العراقي: دراسة تحليلية، مجلة القانون والسياسة، السنة السابعة، العدد السادس، 2009.
خامساً: الصحف
1. جريدة الوقائع العراقية العدد 4383، في 12 تشرين الاول 2015.
2. جريدة الوقائع العراقية، العدد 3996، في 17 اذار 2005.
3. جريدة الوقائع العراقية، العدد 4254، في 15 تشرين الاول 2012.
سادساً: المصادر باللغة الاجنبية
1. Carle Zyemanic, The Vienna Convention on the law of treaties, United
Nations Audiovisual Library of International Law, United Nations, 2010.
2.Sinclair. I, The Vienna convention on the law of Treaties, Manchester University press, Manchester, 1984.
سابعاً: شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)
1.زهير الحسني، النظام القانوني للمعاهدات الدولية في القانون الدستوري والعراقي، بحث منشور في مجلة التشريع والقضاء، على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، على الرابط الآتي: http://tqmag.net/body.asp?fild=news.arabic.
[1]) تنص المادة 30 على انه يلغى قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979، ينظر: نص القانون المنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد (4383) في 12 تشرين الاول 2015.
[2]) نص المادة 116 من الدستور العراقي الدائم لسنة 2005.
[3]) لقمان عمر حسين، مبدأ المشاركة في الدولة الفيدرالية: دراسة تحليلية مقارنة، منشورات زين الحقوقية، لبنان، مكتبة السنهوري، بغداد، 2011، ص329.
[4]) المادة الرابعة من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[5]) الفقرتين ثانياً وثالثاً من المادة السابعة من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[6]) المادة الثامنة من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[7]) المادة التاسعة والمادة العاشرة من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[8]) المادة الحادية عشرة من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[9]) قانون رقم 60 لسنة 2012، قانون اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات والبرتوكول الملحق بها بين حكومة جمهورية العراق وحكومة جمهورية المانيا الاتحادية، جريدة الوقائع العراقية، العدد 4254، في 15 تشرين الاول 2012.
[10]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، مسودة اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين حكومة جمهورية العراق وحكومة البرازيل الاتحادية.
[11]) ينظر: نص المادة 17 من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[12]) راجع المواد بالتفصيل: قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[13]) نص الفقرة رابعاً من المادة 27 من الفصل الخامس عشر (احكام اجرائية)، من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[14]) ينظر الفقرة خامساً من المادة 27، من قانون عقد المعاهدات العراقي رقم 35 لسنة 2015.
[15]) الفقرة السادسة من المادة 80 الباب الثالث، السلطة التنفيذية، مجلس الوزراء، الدستور العراقي لسنة 2005.
[16]) الفقرة الثانية من المادة 73، الباب الثالث، السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية، الدستور العراقي لسنة 2005.
[17]) دليل المعاهدات، وثائق قسم المعاهدات التابع لمكتب الشؤون القانونية للجمعية العامة للأمم المتحدة، منشورات الامم المتحدة، 2001، ص58.
[18]) يراجع المادة السابعة من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969.
[19]) Sinclair. I, The Vienna Convention on the law of Treaties, Manchester University Press, Manchester, 1984, p.31.
[20]) تنص المادة الخامسة الفصل الثالث (المفاوضات)، من قانون عقد المعاهدات العراقي رقم 35 لسنة 2015، على ان (اولاً: يمثل رئيس مجلس وزراء جمهورية العراق بحكم منصبه دونما حاجة لإبراز وثائق تفويض لغرض القيام بالاعمال المتعلقة بعقد المعاهدة.
ثانياً: يعد وزير الخارجية ممثلاً لجمهورية العراق بحكم منصبه دونما حاجة الى ابراز وثائق تفويض لغرض التفاوض في شأن عقد معاهدة.
ثالثاً: يسمي مجلس الوزراء الشخص المخول بتمثيل جمهورية العراق لغرض التفاوض في شأن عقد معاهدة او اعتمادها او توثيقها او الاعراب عن موافقتها على الالتزام بها.
رابعاً: في غير ما هو منصوص عليه في البند (اولاً وثانياً) من هذه المادة يعد الشخص ممثلاً لجمهورية العراق لغرض التفاوض في شأن عقد معاهدة او توثيقها او الاعراب عن موافقة جمهورية العراق على الالتزام بها اذا ابرز وثيقة تفويض اصولية).
[21]) علي صادق ابو هيف، القانون الدولي العام، منشأة المعارف، الاسكندرية، دون سنة نشر، ص576.
[22]4) Carle Zyemanic, The Vienna Convention on the law of treaties, United Nations Audiovisual Library of International Law, United Nations, 2010.
[23]) احمد ابو الوفا، القانون الدولي والعلاقات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010، ص ص59-60.
[24]) وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، الاعمام المرقم ق/2/1/11/ 5611 في 27/4/2006.
[25]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، قسم المعاهدات.
[26]) وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، الاعمام المرقم ق/2/4/11/23105/ في 22/ 6/ 2010.
[27]) وثائق الامانة العامة لمجلس الوزراء، الدائرة القانونية، م/ التفاوض والتوقيع، المرقم ق/2/4/11/ 6398 في 19/2/2012.
[28]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، قسم المعاهدات.
[29]) المصدر نفسه.
[30]) المصدر نفسه.
[31]) المصدر نفسه.
[32]) المصدر نفسه.
[33]) المصدر نفسه.
[34]) المصدر نفسه.
[35]) التصديق الناقص هو ان يعمد رئيس الدولة إلى التصديق على المعاهدات الدولية من دون الرجوع مسبقاً الى السلطة التشريعية وأخذ موافقتها و يشترط دستور الدولة، فالتصديق الناقص عمل غير مشروع وعليه فأن الدولة لا تستطيع الادعاء ببطلان المعاهدة بدعوى أن التصديق الذي اجراه رئيسها غير مشروع عندئذ لا تلومن الا نفسها، وخير تعويض يمكن أن يترتب على مسؤولية الدولة عن أعمال رئيسها هو إبقاء المعاهدة نافذة منتجة لأثارها، وقد ظهرت في ذلك اربع نظريات للمزيد انظر: عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، ط4، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الاردن، 2009، ص271، وكذلك انظر: عصام العطية، القانون الدولي العام، ط3، المكتبة القانونية، بغداد، 2010، ص133 وما بعدها.
[36]) وثائق وزارة الخارجية العراقية، الدائرة القانونية، العدد 9 في 4/2/2012، استناداً الى مذكرة السفارة العراقية في طهران المرقمة س/200 في 25/1/2012.
[37]) انظر الفقرة أ /2 من قرار مجلس الامن رقم (687) لعام 1991 .
[38]) ينظر: نص المادة 17 من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015.
[39]) نص المادة 61/ رابعاً من الدستور العراقي لعام 2005.
[40]) راجع المادة 73/ ثانياً من الدستور العراقي لعام 2005.
[41]) صلاح البصيصي، المعاهدة الدولية والرقابة عليها في ظل الدستور العراقي الجديد، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والادارية، العدد12، المجلد2، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة الكوفة، 2009، ص ص246-247.
[42]) علي يوسف الشكري، مباحث في الدساتير العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014، ص ص450- 451.
[43]) زهير الحسني، النظام القانوني للمعاهدات الدولية في القانون الدستوري والعراقي، بحث منشور في مجلة التشريع والقضاء، على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، على الرابط التالي:
http://tqmag.net/body.asp?fild=news.arabic&id=1300.
[44]) لقمان عمر حسين، الاختصاصات الدستورية لابرام المعاهدات في الدول الفيدرالية: دراسة تحليلية مقارنة، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين، اربيل، 2013، ص223.
[45]) تنص المادة 27 من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015، في الفقرة سابعاً، على انه “تقوم وزارة العدل بنشر المعاهدة وقانون التصديق عليها او الانضمام اليها في الجريدة الرسمية”.
[46]) لقمان عمر حسين، الاختصاصات الدستورية لابرام المعاهدات في الدول الفيدرالية، المصدر السابق، ص224.
[47]) لقمان عمر حسين، مبدأ المشاركة في الدولة الفيدرالية: دراسة تحليلية مقارنة، منشورات زين الحقوقية، لبنان، مكتبة السنهوري، بغداد، 2011، ص225.
[48]) ينظر: نص المادة 16 من قانون اعادة المجرمين رقم 31 لسنة 1923.
[49]) ينظر: نص المادة 29 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951.
[50]) عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، نفاذ المعاهدات الدولية ومكانتها في النظام القانوني الداخلي العراقي: دراسة تحليلية، مجلة القانون والسياسة، السنة السابعة، العدد السادس، 2009، ص168.
[51]) تنص الفقرة سادساً من المادة 27 من قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015، على انه “تقوم رئاسة الجمهورية بالمصادقة على المعاهدة بعد موافقة مجلس النواب عليها”.
[52]) صلاح البصيصي، المصدر السابق، ص250.
[53]) علي يوسف الشكري، مباحث في الدساتير العربية، المصدر السابق، ص471 وما بعدها.
[54]) عبد الفتاح عبد الرزاق محمود، المصدر السابق، ص ص153-154.
[55]) زهير الحسني، النظام القانوني للمعاهدات الدولية في القانون الدستوري والعراقي، بحث منشور في مجلة التشريع والقضاء، على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، على الرابط التالي:
http://tqmag.net/body.asp?fild=news.arabic&id=1300.
[56]) نص المادة 92 من الدستور العراقي لسنة 2005.
[57]) تم نشر قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005، في جريدة الوقائع العراقية في العدد 3996، السنة السادسة والاربعون، في 17 اذار 2005.
[58]) حسن ناصر طاهر المحنة، الرقابة على دستورية القوانين: العراق انموذجاً، رسالة ماجستير في القانون العام، مقدمة الى كلية القانون والعلوم السياسية، الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، دهوك، 2008، ص125 وما بعدها.
[59]) المادة 93 من الدستور العراقي لسنة 2005.
[60]) صلاح البصيصي، المصدر السابق، ص253.
[61]) المادة 3 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2005.
[62]) المادة 4 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2005.
[63]) حسن ناصر طاهر المحنة، المصدر السابق، ص ص118-119.
[64]) المادة 5 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا.
[65]) حسن ناصر طاهر المحنة، المصدر السابق، ص119.
[66]) المصدر نفسه، ص130.