نوفمبر 22, 2024 11:30 م

د. إنعام مهدي جابر خفاجة

جامعة بابل – كلية العلوم

sci.anaam.mahdi@uobabylon.edu.iq

009647806183852

الملخص

يشير مصطلح الفيدرالية الى أحد أبرز المصطلحات التي لا يزال يدور حولها نقاش كبير في الاوساط السياسية والقانونية والفكرية ، وعلى الرغم من النظريات والدراسات المتعددة التي صاغها وأولاها منظرون ومفكرون منذ أمد بعيد حوله، الا أن هذا المصطلح لم يتحول الى مفهوم تام القوام.

و تشكل الفيدرالية ابرز السمات التي تتصف بها المجتمعات في عالمنا المعاصر ، ولما لهذه السمة من خصوصية على مستوى استقرار المجتمع واستتباب آلية التنظيم السياسي في الدولة ، فالفيدرالية تجسد  إشكالية مركبة من حيث كونه يمثل حالة التعدد القومي والديني والمذهبي والعرقي فضلا عن الانعكاسات التي تولدها هذه المفردات ضمن إطار الدولة الواحدة .

The Iraqi federal state and the reasons and problems of federalism

(Between text and reality)

Dr. Inaam Mahdi Jaber Khafajah

University of Babylon – College of Science

Abstract

The term federalism refers to one of the most prominent terms about which there is still a great debate in political, legal and intellectual circles, and despite the multiple theories and studies that were formulated and first by theorists and thinkers for a long time around it, this term has not yet turned into a full-fledged concept.

Federalism is the most prominent feature that characterizes societies in our contemporary world, and because of the specificity of this feature at the level of community stability and the stability of the political organization mechanism in the state, federalism embodies a complex problem in terms of being a state of national, religious, sectarian and ethnic pluralism as well as the repercussions that this vocabulary generates within One-state framework.

مقدمة البحث

تعد الفدرالية من المفاهيم القانونية والادارية  والدستورية ذات الطابع السياسي التي ارتبطت بها الكثير من الافكار المغلوطة والمواقف المتناقضة ،كما أحيط مفهوم الفدرالية بغلاف سميك من سوء الفهم وسوء الظن , لذلك فهناك حاجة ماسة إلى جهود الكتاب القانونيين  والباحثين لاستجلاء جوهره وتمييزه عما يختلط به وتحديد مميزاته وشرحه لإزالة  سوء الفهم وتنقيته من الأفكار المغلوطة التي علقت به وتبرئته من التهم التي ألصقت به وهو براء منها وهذه محاولة متواضعة منا لألقاء الضوء على هذا الموضوع .

إن الفيدرالية هي نظام مقاسمة  السلطة واتخاذ القرارات المشتركة بين حكومتين أو أكثر, وتكون هذه الحكومة منتخبة  بحرية من الشعب وتتمتع بالسلطة على الشعب ذاته والمنطقة الجغرافية ذاتها , وهي تمنح وتحمي القدرة على صنع القرار حيث تظهر النتائج أسرع ما تظهر في المجتمعات المحلية وفي المستويات العليا للحكومة . فهي تحفظ من جهة وحدة الدولة , وكيانها السياسي , ومن جهة أخرى تمنح المقاطعات أو الاقاليم  نصيبها من السلطة والثروة والتمثيل السياسي . وبخلاف الحكم الذاتي ، فإن الاقاليم في ظل الفيدرالية تشارك وحسب حصتها في الحكومة المركزية .  كما تضمن الفيدرالية الاحترام  التام للتعددية القومية والدينية والمذهبية والسياسية, ومن ثم تقطع الطريق على قيام حكومات دكتاتورية .

مشكلة البحث

لدى بحث ودراسة  الفيدرالية بشكل عام ، تثار عدة اسئلة بشكلمستمر في  مقدمتها: لماذا تتحد الدول والولايات؟ وما هي العوامل أو الظروف التي استلزمت تبني الفيدرالية من قبل الدول المستقلة ؟ وكيف يتمتنظيم الاتحاد ؟ وكيف يتم تقاسم السلطة بين مستويات الحكومة المذكورة ؟ وما هي أوجه النقد التي يمكن أن تقدم لمصطلح الفيدرالية عامة باعتبارها اتجاها قويا في الفكر السياسي عبر تاريخه ؟ هل إن الفيدرالية هي وسيلة الى النهاية أو النهاية نفسها ؟ ولماذا تنجح بعض الاتحادات وتفشل غيرها ؟

اما دراسة الفيدرالية في العراق وبشكل خاص ، فقد واجهت التجربة  الفيدرالية  العديد من المعوقات والتحديات التي كانت عائقا أمام بناء دولة فيدرالية متكاملة ، إذ كانت هذه الامور سببا في منع إنشاء الاقاليم  الفيدرالية حسب ما نص عليه الدستور ، وكذلك سببا في التأزم الدائم للعلاقات بين حكومتي الاقليم والمركز خاصة فيما يتعلق بعملية توزيع الاختصاصات, ممدا أستدعى البحث في هذا الموضوع  للتعرف عليها أكثر .

أهمية البحث

إن موضوع الفيدرالية يتمتع بأهمية بالغة خاصة في إطار الدستور الفيدرالي في العراق, وما يترتب عليه من تعدد السلطات والدساتير والقوانين والمؤسسات الدستورية والعلاقات بين الحكومية, بحكم إن النظام الفيدرالي جداء كأفضل الحلول المطروحة للتعددية, ولحل مشكلات العراق في الوقت الحاضر.

أهداف البحث

 نسعى في دراستنا  المتواضعة هذه إلى التعرف على لمحة بسيطة عن النظام الفيدرالي, وكذلك البحث في أهم ما واجه التجربة الفيدرالية العراقية من تحديات سياسية ومعوقات قانونية , والتي كانت حائلا دون نجاح النظام الفيدرالي في العراق .

فروض البحث

 إن فرضية هذه الدراسة تستند الى مسألة تفترض أن دولا كبرى نجحت فيها الاتحادات الفيدرالية كالولايات المتحدة الامريكية  وكندا وأستراليا وغيرها ، في حين بقيت دول أخرى ناشئة تعاني من ضعف مسار الفيدرالية فيها . كذلك تعتمد الفرضية على شرط يلزم الدول الاتحادية وهو عدم تضييق اختصاصات الاقاليم ، وفي الوقت نفسه عدم تدخل الاقاليم في اختصاصات الحكومة المركزية .

وهذا مما يحد من المشاكل والخلافات التي قد تحدث بين المركز والاقاليم والذي يؤدي الى فشل الفيدرالية .

الدراسات السابقة

اعتمدت هذه الدراسة على عدد من المراجع العلمية الانكليزية والعربية ومن اهمها كتاب المفكر الغربي K.C.Wheare في كتابه Federalgovernment)  )، والمفكر اندريه هوريو في كتابه ( القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية ) ، وكتاب الفقيه مونتسكيو المعنون ( روح التشريعات ) فضلا عن كُتاب ومفكرين عرب منهم سليمان محمد الطماوي في كتابه السلطات الثلاث في الدساتير العربية وفي الفكر السياسي الاسلامي ، وكذلك كتاب اساتذة قانون عراقيون .    

منهج البحث

على مستوى منهجية البحث فقد اعتمدنا على المنهج التحليلي المقارن وذلك عبر الوقوف على المواد الدستورية الواردة في الدستور العراقي النافذ لسنة 2005  والمتعلقة بشكل خاص بالشكل الاتحادي وبيان مظاهر الوحدة والاستقلال التي تميز بها هذا الدستور ومحاولة تقييمها على ارض الواقع للتعرف على مدىنجاحها في احتواء وحماية الفيدرالية في المجتمع العراقي.

المبحث الاول : مفهوم الفيدرالية ( الدولة الاتحادية ) ونشأتها وموقف الفقه منها

 المطلب الاول : مفهوم الفيدرالية ( الدولة الاتحادية ) ونشأتها 

الفيدرالية (Federalism ) هي نظام حكم تتحد فيه الولايات وتتخلى عن بعض سلطاتها لسلطة مركزية . وعلى الرغم من صعوبة تصو ر تعريف محدد لها، مع ذلك، فإن الفيدرالية تتضمن دائما فكرة وجود صلة دائمة بين كيانات ضمن مجموعة َ اكبر . إذ ولدت  الدولة الفيدرالية من تجمع كيانات لدولة موجودة ً مسبقا وتختلف عن الدولة الوحدوية اللامركزية التي تقرر سياديا ما هي الاختصاصات الممنوحة  للمناطق (الزيدي، 2019).

وهناك من يعرفها، بانها  : شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة  مركزية  ووحدات حكومية أصغر ( الاقاليم ، الولايات ) ، ويكون كلا المستويين  المذكورين من الحكومة  معتمداً أحدهما على الاخر  ويتقاسمان  السيادة في  الدولة .

يمكن للفدرالية أن تتضمن شكل الحكومة أو التركيب الدستوري الموجودين  في الدولة الفيدرالية (https://www.marefa.org/.)

 لقد نشأت الأنظمة الفدرالية في ظروف مختلفة تماما – فكل منها كان نتيجة فريدة لاختيارات اتخذها القادة السياسيون والقوى التاريخية الكبرى. وتم اختيار الفدرالية  من أجل جمع وحدات كانت منفصلة سابقا في دولة جديدة ، أو لإعادة ترتيب دول كانت وحدية ، واحيانا كنتاج للعمليتين معا ،يعتبر كل اتحاد فدرالي ً فريدا من نوعه. ويمكن، بدون مجازفة، طرح القليل من التعميمات حول كيفية قيام وتطور الأنظمة الفدرالية وسبب ذلك غير أنه في كافة حالات التحول نحو الفدرالية، قام القادة السياسيون بإضفاء صفة دستورية على وجود مستويين للحكومة كأسلوب لتحقيق أهدافهم والتوفيق فيما بينها مع الحد من العنف – أو القضاء عليه في بعض الحالات.

ويوجد اليوم ١٩٢ دولة أعضاء في الأمم المتحدة، منها تقريبا ٢٨ دولة فدرالية. ومنذ قرن مضى لم تكن معظم الدول قائمة بحدودها الحالية، وكان لعدد قليل منها نفس الحدود منذ قرنين من الزمان. فكل دولة لها روايتها الخاصة بها فيما يتعلق بأصلها وتطورها الإقليمي والسياسي. وتتضمن تلك الروايات حروبا وثورات وزواجا بين الأسر الحاكمة وإمبراطوريات استعمارية ومعاهدات دولية ومسارات ديمقراطية سلمية وقد نشأت الأنظمة الفدرالية في ظل هذه العمليات الكبرى الهادفة لتكوين أو تطوير دولة ما من خلال عدة طرق:  

•  كانت عملية التوحد معا ً تعتبر، في بعض الحالات، أمرا محوريا لنشأة دولة فدرالية جديدة. فقد توصلت وحدات كانت منفصلة سابقا – ولايات مستقلة أو مستعمرات – إلى أن بينها مصالح مشتركة وهوية مشتركة بشكل ٍ كاف للانضمام معا في اتحاد فدرالي. ولماذا فدرالي؟ لأن الهيكل الفدرالي كان يسمح لكل وحدة بالمحافظة على قدر من استقلاليتها الذاتية مع تجميع عناصر أخرى في المجتمع الجديد .

•  قد تكون الدولة، في حالات أخرى، قد نشأت أصلا من خلال هيكل وحدي شديد المركزية (غالبا ما يكون سلطويا وغير ديمقراطي). ولكن الاختيار النهائي للفدرالية كان استجابة للضغوط السياسية الديمقراطية نحو نقل السلطات أو تحويلها بسبب تعددية الدولة اللغوية أو الدينية أو الأثنية ، وربما أيضا بسبب وجود فروق اقتصادية كبيرة بين الأقاليم. وقد تكون للأقاليم التي تضغط باتجاه الاستقلال الذاتي، في بعض الدول، كيانات سياسية مميزة في الماضي.

 • تنشأ الفدرالية، في حالات أخرى أيضا من هاتين العمليتين معا .  فقد نشأت كندا عن طريق إقامة أونتاريو وكيبيك من نظام وحدي سابق ومن ثم تمت إضافة مقاطعات جديدة. كما قامت الهند ايضا بدمج هذين المسارين (اندرسون، 2007) .

اما بالنسبة لتطور الفيدرالية فقد تطورت، على مرور الوقت، كافة الأنظمة الفدرالية. فقد خضع بعضها لتغيرات دستورية رسمية كبيرة بينما تغير البعض الآخر بشكل جوهري على الرغم من وجود دساتير مستقرة إلى حد كبير. وقد لعبت عوامل مختلفة دورا هاما للغاية في تشكيل التجارب الفدرالية، مثل إنشاء وحدات مكونة جديدة، ونمو المدن، والتحولات الاقتصادية والديموغرافية الكبيرة، والتكنولوجيات الجديدة، والتطورات السياسية العالمية والمحلية، وممارسة الديمقراطية.

يحتفظ أقدم اتحاد فدرالي، وهو الولايات المتحدة، بدستوره منذ ما يزيد على ٢٠٠ عاما مع إجراء ٢٧ تعديلا فقط على هذا الدستور. وقامت الهند بإجراء ٩٤  تعديلا على دستورها خلال ٦٠ عاما . وكان للبرازيل 7 دساتير منذ استقلالها، وللمكسيك ٦ ،وأجرت فنزويلا ٢٦ تعديلا على دستورها. واحتفظت بعض الأنظمة الفدرالية بالاستمرارية الدستورية، بينما مرت اتحادات أخرى بفترات انقطاع قانونية بسبب الثورات أو الأنظمة العسكرية. وقد تغير عدد الوحدات المكونة وخصائصها، كما سيظهر لاحقا ، بشكل كبير مع مرور الوقت في الكثير من الأنظمة الفدرالية. ومهما كان مدى التغيرات الدستورية الرسمية، فقد تطور كل اتحاد فدرالي مع مرور الوقت، وغالبا ما تم ذلك بأساليب ربما كانت ستفاجئ المؤسسين أنفسهم. فقد كان من المقرر أن تكون كل من الولايات المتحدة وأستراليا اتحادات فدرالية لامركزية ولكنها صبحت مركزية، بينما تطورت كندا، والتي كان من المفترض أن تكون مركزية ، في الاتجاه المعاكس.

وقد أدت تكنولوجيا النقل والاتصالات، في كافة الأنظمة الفدرالية المؤسسة منذ فترة طويلة، إلى تضييق المسافات وصياغة تطور مجتمعات ذات وعي سياسي داخل تلك الفدراليات. كما أن بعض أجزاء من تلك الدول ، التي ربما لم تكن موجودة في بداية تاريخ الفدرالية أو كانت تعتبر قليلة الشأن مثل غرب الولايات المتحدة وكندا والأجزاء الداخلية والشمالية من البرازيل ، اكتسبت وزنا أكبر بمرور الوقت. وكانت الحربان العالميتان، اللتان دعتا إلى حشد جهود وطنية هائلة، بالإضافة إلى نشأة دول الرفاه ، سببا في تقوية بعض الحكومات المركزية في الأنظمة الفدرالية.

اتخذت تجربة الديمقراطية أهمية شديدة في التشكيل المتغير للعديد من الأنظمة الفدرالية. وأصبحت كل من المكسيك والبرازيل أكثر فدرالية حيث نقلت الديمقراطية السلطة للعديد من المراكز والأحزاب. وتحدت الهند المشككين وحافظت على أكبر ديمقراطية في العالم ولكنها تعمل بشكل مختلف اليوم عما كانت عليه في الفترة عقب الاستقلال عندما كان حزب المؤتمر يسيطر على كل من الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بأكملها (اندرسون، 2007) .

والسؤال الذي يثار هنا ؟ هل النظام الفيدرالي هو الانسب ؟

الاجابة هو ليست الفدرالية هي الأفضل دائما ولا توجد نسخة من الفدرالية يمكن اعتبارها الافضل . فالفدرالية تبدو ملائمة خاصة لديمقراطيات بها عدد كبير من السكان أو الأقاليم، أو تعددية كبيرة في السكان تتمركز إقليميا . تتطلب الفدرالية، بمرور الوقت، أن يكون لدى نسبة كبيرة من السكان شعور بالهوية مع البلد ككل، بالإضافة إلى مجتمعات محلية على المستوى الإقليمي تتسم بالحيوية والمشاركة السياسية.

تلائم الفدرالية بعض الدول، وليس جميعها. الفدرالية هي شكل ديمقراطي من أشكال الحكم، تقوم على أساس الدستور وسيادة القانون. وقد تكون الفدرالية زائفة في بلاد غير ديمقراطية، على الرغم من وجود حالات ديمقراطية جزئية أو تحررية استطاعت فيها الهياكل الفدرالية أن تتمتع بشيء من الحياة الحقيقية.

المطلب الثاني : موقف الفقه العربي والغربي من الفيدرالية

اختلف الفقهاء والاكاديميون  العرب في تفكيك مفهوم الفيدرالية، مثلما  اختلف فيه فقهاء الغرب، إذ يرى الدكتور سليمان الطماوي  الفيدرالية بأنها أتحاد  فيدرالي  أو مركزي، باعتباره أقوى صور الاتحادات في  نطاق الدولة المركبة ، ففيه يتخذ الاتحاد صورة دائمة ، وتفقد الدول المنضمة  إليه شخصيتها الخارجية ، وتخضع كلها لحكومة مركزية تستأثر بكافة الاختصاصات الخارجية، وبكثير من الشؤون الداخلية التي ينص عليها الدستور الاتحادي. مع ذلك فالدول الاعضاء أو الولايات أو الاقاليم أو الاقطار تحتفظ بجانب كبير من الاختصاصات الداخلية، لافي  المجال الاداري فحسب، ولكن في نطاق القضاء والتشريع ، ومن ثم فإنه يكون لكل منها سلطة تشريعية محلية وسلطة قضائية وسلطة تنفيذية (الطماوي، 1974) .

وهو ما أكده الاستاذ اسماعيل مرزه، عندما وصف الفيدرالية بأنها ( اتحاد مركزي ) يقوم بناء على دستور  تخضع بموجبه عدة دول لنظام ٍّ قانوني شامل ، تفقد هذه الدول شخصيتها الدولية لصالح دولة الاتحاد التي  تختص اختصاصاً مانعاً، بممارسة  السيادة الخارجية، كما تشترك  حكومتها مع الدول الاعضاء في  كثير من الاختصاصات في  ميدان السيادة الداخلية (مرزة، 1969) .

غير أن هنالك من يرى بأنها اتحاد عد ة دول في شكل دولة  واحدة هي الدولة الفيدرالية، بمقتضى دستور اتحادي مع بقاء سلطات الحكم موزعة بين الدول الاعضاء في الحدود التي تتكفل وثيقة الاتحاد ببيانها، مع تمتع  كل من الدولة الفيدرالية والدول الاعضاء بالشخصية القانونية الدولية (عثمان، 1977) .

وهناك من يصف الفيدرالية بانها اتحاد دستوري باعتبار أن مثل هذا الاتحاد ينشأ بواسطة دستور لا بمعاهدة دولية فتتحول بموجب هذا الاتحاد الدول من أشخاص دولية  مستقلة  الى أشخاص دستورية داخلية تخضع مباشرة للقانون الداخلي ( الدستور )وكذلك تتحول العلاقات فيما ما بينها من علاقات دولية الى علاقات دستورية تقوم على اسس اتحادية (بشير، 1971) .

ولكن هل هناك تعريف اسلامي  للفدرالية (القطبي) ؟

قال تعالى : (( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم )) (سورة الحجرات ، الاية 13 ).

فهذه الآية  تعد من الآيات التي يمكن  الاستدلال بها على وجود د اساس فكرة الفيدرالية في القران الكر يم , فالتقسيم الذي يوجد  في هذه الآية  يدل على إن تقسيم البشر إلى قوميات وأمم هو سنة إلهية ليسهل التعامل بين بني البشر  ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) وهي  جمع  شعب وهو  الحي  العظيم  مثل مضر وربيعة وقبائل هي دون الشعوب كبكر من ربيعة وتميم من مضر هذا قول اكثر المفسرين وقيل الشعوب دون القبائل انما سميت بذلك لتشعبها وتفرقها .

عن الحسن ( عليه السلام ) قيل اراد بالشعوب الموالي وبالقبائل العرب في رواية عطا ابن عباس والى هذا ذهب قوم فقالوا الشعوب من العجم والقبائل من العرب والاسباط من بني اسرائيل وروي ذلك عن الصادق ( عليه السلام ) .  

 اما موقف الفقه الغربي من الفيدرالية فنعرض هنا وجهات نظر لبعض الفقهاء الغرب ، فوفقــاً لكينيــث كلينتــون ويــر K.C.Wheare)) ، فــإن الاتحــاد الفيدرالي هــو: ( طريقــة تقســيم الســلطات بحيــث تكــون الحكومــات العامــة والاقليمية ، داخــل حيز واحد منسقة ومستقلة ) (K.C.Wheare, 1964) .

وهناك من يرى في الفيدرالية بانها نظرية تعبر عن الاتحاد الحر بين افراد البشر والجماعات والدول ، وهي الشكل المثالي للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . والمظهر الاساس  لهذه النظرية هو التعددية، واتجاهها الاساسي التنسيق، والمبدأ الناظم لها هو التضامن. وإذا كان المبدأ الديمقراطي  يهدف الى  الغاية نفسها ، لأنه يتجه الى  اشراك  الافراد في تكوين القرارات التي تلزمهم، فإن الديمقراطية لا تعني  الا بمشاركة الافراد على أنهم أفراد، أما الفكرة الاتحادية فتتجه الى تغليب مشاركة الجماعات والدول (https://www.marefa.org/.) . 

وقد عرفها الفقيه ( اندريه هوريو ) بانها : ( شركة دول لها في ما بينها علاقات  قانونية داخلية ) (أي قانون دستوري) بموجبه تقوم دولة اعلى فوق الدول المشاركة (هوريو، 1974) .

اما مونتسكيو(Montesquieu)  فقد فسرها بانها : ( ……. تعاقـد تقبـل بموجبه عـدة كيانات سياسية أن تصبح (مواطنات(،في دولة اكبر منها تطمع الى تكوينها ، فهي مجتمع مجتمعات ، يمكنه ان يتوسع بانضمام اعضاء جدد اليه ) (زعيتر، 1953) .

خلاصة الامر  فأن الفيدرالية تعني نظام سياسي عالمي وذات طابع دستوري يقوم على اتفاق عدة دول  أو أقاليم على إقامة اتحاد فيدرالي فيما بينها والفيدرالية نقيض الدكتاتورية التي تتميز بمركزية شديدة , وترتبط الفيدرالية بمبدأ حق تقرير و بمبدأ الدفاع عن حقوق الاقليات  والقوميات الدينية . فالفيدرالية إذا نظام تقسم فيه سلطة الحكم بين الحكومة المركزية وحكومات أخرى إقليمية أدنى منها في السلطة ويكون لكل حكومة السلطة العليا في محيطها . وان الاختلافات في مفهوم الفيدرالية  يختلف من بلد لأخر وبين  المفكرين  أنفسهم، وبحسب طبيعة النظام الفيدرالي المقصود  ، إذ إن تنوع الانظمة يفضي الى  تنوع المفاهيم  التي تصفها وتحدد معاييرها ومرتكزاتها.

المبحث الثاني : دواعي الفدرالية في العراق واشكاليتها في الدستور العراقي

المطلب الاول : موقف الدستور العراقي النافذ لعام 2005 من الفيدرالية ودواعيها في العراق

لم تتضمن الدساتير العراقية السابقة لعام ٢٠٠٣ أية إشارة صريحة وواضحة للفدرالية كتلـك  التي أشار إليها قـانون إدارة الدولـة لعـام ٢٠٠٣ ودسـتور العـراق لعـام ٢٠٠٥ ، الـذي صـيغ لدولـة  اتحادية فدرالية ، وقد جاءت الفيدراليةكحل لإشكالية التنوع الاجتماعي الخاص بالمجتمع العراقي الواضح المعالم من ناحية القومية والعرق واللغة والدين ، وتظهر اهمية الشكل الاتحادي للدولة من حيث كونه يخلق جوا من الاستقرار والطمأنينة لكافة الجماعات المتنوعة ضمن اطار دولة واحدة ويؤدي بالتالي الى تلافي العنف والصراع الذي قد تنقاد له الجماعات المختلفة اجتماعيا مما ينعكس سلبا على استقرار كيان الدولة وضمان ديمومتها .

فبعد انهيار  النظام السياسي العراقي بتاريخ : 9 نيسان  2003 ، وإقامة نظام سياسي جديد مختلف من عدة نواحي ، وحدوث تطور قانوني كبير  فيما يتعلق بتبني  أسلوبي اللامركزية الإدارية الإقليمية ، واللامركزية السياسية على حد سواء، لعل من اهمها تحول الدولة من بسيطة إلى مركبة ، ومن المركزية إلى اللامركزية في مباشرة وظيفتي الحكم والإدارة (الشكراوي، 2011) .  

وبدأ هذا التطور القانوني بإصدار قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بتاريخ 8/3/2004، واعتبر هذا القانون بمثابة القانون الأعلى في الدولة ، ويكون ملزما في كافة أنحائها بدون استثناء وظل نافذا إلى حين صدور الدستور العراقي عام 2005 وتشكيل الحكومة بموجبه . ولغرض تقييم  قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية  لعام 2004 ، فإنه يعتبر نقطة تحول في التطور الدستوري في العراق ، حيث  تم تحويل  شكل الدولة العراقية بموجبه من موحدة بسيطة  إلى مركبة اتحادية  فدرالية ، وما انطوى على ذلك التحول في الابتعاد عن أسلوب المركزية الإدارية وتبني أسلوب اللامركزية  الإدارية  الإقليمية  (الشكراوي، 2011).

 اما بالنسبة لدستور جمهورية  العراق لعام 2005 فقد اكد في الباب الأول المعنون بالمبادئ الأساسية وبالتحديد في المادة (1) على أن : ( جمهورية  العراق دولة مستقلة ذات سيادة ، نظام الحكم فيها جمهوري  نيابي  (برلماني) ديمقراطي اتحادي .  أما الفصل الأول منه و المعنون بالأقاليم ، فقد أكد المشرع فيها  على كل من اللامركزية  الإدارية واللامركزية  السياسية  معا و بدون الفصل أو التمييز بينها .

فقد ورد في هذا الدستور أن النظام الاتحادي في جمهورية العراق يتكون  من : ” عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية ” (المادة 113 من الدستور ) .

وأقر الدستور عند نفاذه إقليم كردستان وسلطاته  القائمة إقليما اتحاديا ، وكذلك الأقاليم  الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه (المادة 114 من الدستور ) .

وطلب الدستور من مجلس النواب أن يشرع قانوناً يحدد الإجراءات التنفيذية الخاصة  بتكوين الأقاليم بالأغلبية البسيطة (المادة 115 من الدستور ) . ونظم حق كل محافظة او أكثر بتكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه  يقدم بإحدى الطريقتين الآتيتين (المادة 116 من الدستور ) .

الطريقة الأولى : طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين  الاقليم .

الطريقة الثانية : طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين  الاقليم .

ومنح الدستور كل إقليم حق وضع دستور له يحدد هيكل  سلطاته ، وصلاحياته ، وآليات ممارستها ، بما لا يتعارض  مع الدستور الاتحادي (المادة 117 من الدستور ) . ونظم الفصل الثالث مسألة تحديد العاصمة بغداد بحدودها البلدية كعاصمة لجمهورية العراق ، والتي تمثل بحدودها الإدارية محافظة بغداد ، وأحال الدستور تنظيم وضع العاصمة  بقانون ، ولم يجز  انضمام العاصمة لأي اقليم  (المادة 121 من الدستور ). وفيما  يتعلق  بالفصل الرابع المعنون بالإدارات المحلية  ، فقد ورد في الدستور أنه يضمن  الحقوق الإدارية والسياسية  والثقافية  والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان ، والكلدان  والآشوریین ، وسائر المكونات الأخرى ، وأحال تنظيم ذلك إلى القانون (المادة 122 من الدستور ) .

ويتضح جليا مما ذكرنا  أن المشرع الدستوري قد وقع في مطب الخلط فيما بين  المطالب أو الحقوق القومية  من جهة ، و تطبيق أسلوبي اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية من جهة  أخرى . 

بالنسبة للتنوع القومي في العراق فقد اشار الدستور النافذ 2005 الى إن ( العراق بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب  , وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها وجزء من العالم الاسلامي ) (المادة 2 من الدستور ) ، ,أن هذه المادة تشير بان التنوع القومي  بالإضافة الى التنوع الديني والمذهبي  هي الاساس  المكون للشعب العراقي .

كذلك اعترف الدستور بالتنوع اللغوي في العراق حيث نص على ان(اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق …… ( (المادة 4 فقرة اولا من الدستور ) . ,وهناك لغات  رسمية على النطاق المحلي للأقليات  التركمانية والسريانية وفي أماكن تواجدهم فقد نص الدستور على ان  ( اللغة  التركمانية واللغة السريانية  لغتان رسميتان في  الوحدات الادارية يشكلون فيها كثافة سكانية(  (عطية، 2016) .

المطلب الثاني : اشكاليات تطبيق الفيدرالية في العراق

بحثنا سابقا ان الدستور العراقي النافذ قد اخذ بالشكل الاتحادي ونظام الفيدرالية وهـو متقـدم بأشـواط كثيـرة علـى دسـاتير المنطقـة العربيـة ودول الجـوار مـن حيـث إقـرار الدســتور للقواعــد والمعــايير الأساســية فــي الحكــم الــديمقراطي، واللامركزيــة، والفدراليــة الاتحاديــة ، والحقوق والحريات الأساسـية والمدنيـة . غيـر ان الدسـتور يفتقـر الـى وسـائل حمايـة هـذه القواعـد وهـذه الحريــات ، كمــا ان الدســتور ينطــوي علــى مــواد غامضــة متناقضــة كثيــرة . ويتضــمن نقاطــا خلافيــة بصدد الفيدرالية وتوزيع المـوارد الطبيعيـة ، أو ثغـرات فـي وجـود المؤسسـات والمفوضـيات مثـل مجلـس الاتحاد ( النصف الثاني الجديد من البرلمان ) ، زد على هذا ان الدستور يقوم على فراغات تشريعية تزيـد علـى السـتين قانونـا تنتظـر مـن يسـنها ، وعلـى فراغـات مؤسسـاتية قضـائية وقانونيـة واقتصـادية ،  تنتظر من ينشئها . وبهذا المعنى يرتكز الدستور على فراغات قانونية وفراغات مؤسساتية .

تبنى دستور عام 2005 النافذ نظام المجلسين على اعتباره احد مقومات النظام الفيدرالي  وقسم الدستور  العمل التشريعي  بين مجلس النواب  ومجلس الاتحاد , فمجلس النواب يتكون من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد  لكل مائة الف  نسمة من نفوس العراق  يمثلون الشعب العراقي بأكمله , يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر , ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه .

إما المجلس الاخر هو مجلس الاتحاد  فقد اوضحت  المادة ( 65 ) آلية تكوين مجلس الاتحاد , إذ نصت على أن يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى  بمجلس الاتحاد  يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته, وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب والجدير بالذكر ان المادة 137 من الدستور قضت بتأجيل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد اينما وردت فيه الى حين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية الثلثين بعد دورته الانتخابية الاولى التي يعقدها بعد نفاذ الدستور الا ان هذا القانون لم ير النور لحد الان . ولعلـه يـراد بـذلك تشـجيع البرلمـان علـى التـأني فـي كتابـة التشـريع الخـاص بمجلـس الاتحـاد وان يأخذ فسحة أطول من الوقت لذلك ، بدل ان يشعر بالغيرة والتنافس من هذه الهيئـة البرلمانيـة الجديـدة  بما سيكون لها من صلاحيات (صالح، 2009) .

يلاحظ ان الغاية من  هذا الاسلوب يتمثل في انه يحافظ على مبدأ التوازن بين الولايات حتى لا تطغى الولايات الكبرى على الولايات الصغرى ، كما ان هذا الترتيب تمكن الولايات الصغيرة للتعبير عن مصالحها واهدافها بصورة فعالة في الحالات التي تتباين المصالح الاقليمية فيها وخصوصا المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

 نجد ان الدستور العراقي  قـد أغفـل الأهميـة التـي يشـكلها مجلـس الاتحـاد . فعلـى الـرغم مـن ان الدسـتور قـد نـص فـي الفصـل الأول مـن البـاب الثالـث الخـاص بسـلطات الاتحـاد فـي المـادة (٤٨ ) علـى ان السـلطة التشـريعية الاتحاديـة تتكـون مـن مجلـس النــواب ومجلــس الاتحــاد ، إلا إننــا نجــد ان المشــرع قــد خصــص هــذا الفصــل لتبيــان كــل ما يتعلق بمجلس النواب فقط، أما مجلس الاتحاد فانه قد خصص له المادة (٦٥ ) فقط والتي نصت على ان ) يــتم إنشــاء مجلــس تشــريعي يــدعى بمجلــس الاتحــاد يضــم ممثلــين عــن الأقــاليم والمحافظـــات غيــر المنتظمة بإقليم ، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانون يسن  بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب ) .

أي أن تفاصــيل الغــرض مــن مجلــس الاتحــاد وصــلاحياته ، وواجباتــه ، واجراءات تشكيله واختيـاره أسـقطت بالكامـل مـن الدسـتور، علـى أمـل ان يتـولى مجلـس النـواب إصـدار لائحـة تشـريعية لمـلء هـذا الفـراغ . والواقـع ان تشـكيل مجلـس الاتحـاد و هـو شـق مهـم مـن البرلمـان علـى يـد مجلــس النـواب وهـو شـق ثـان مـن البرلمـان ، أمـر غريـب تمامـا . فـذلك يعنـي ان جـزءا مـن البرلمـان (مجلـس النـواب) سـيحظى بسـلطة مطلقـة تـتحكم بقـوام وتكـوين الجـزء الأخـر مـن البرلمـان نفسـه . ولعـل هـذا  الأمر هو من ثمار العجلة في وضع الدستور  .

الاشكالية الاخرى التي يثيرها تطبيق الفيدرالية في العراق هو اشكالية تأسيس الاقاليم وبما ان  دسـتور العـراق لعـام ٢٠٠٥ تميز بوضـع الفدراليـة ( الاتحاديـة ) كمبـدأ شـامل للعراق ويتكــون النظــام الاتحـــادي مــن عاصـــمة وأقــــاليم ومحافظـــات لامركزية وادارات محلية .

إن مـن أهـم المآخـذ علـى الدسـتور لاسـيما فـي المـواد الخاصـة بالأقـاليم انـه أقـر مسـبقا بـإقليم ” كردســتان وســلطاته القائمــة ، إقليمــا اتحاديــا ” حســب الفقــرة الأولــى مــن ( المــادة ١١7 ) وبالأقــاليم الجديدة التي تؤسس وفقا لأحكامه ” حسب الفقرة الثانية المادة ١١٧ . دون ان يحــدد مــاهي القــوانين التـــي تؤســـس عليهــا هــذه الأقــاليم . وتــرك مســـألة ســـن قـــانون يحــدد الإجـراءات التنفيذيـة الخاصـة بتكـوين الأقـاليم إلـى مجلـس النـواب علـى ان يتولوهـا فـي مـدة لا تتجاوز ستة أشهر من تأريخ أول جلسة ( حسب المادة (١١٨ . (

هنا تكمن إشكالية المسألة فكيف يمكن إيجاد تقسيم للأقاليم يخرج عن تأثير الكتل والتيارات المتناقضــة فــي مجلــس النــواب نفســه.

الإشــكالية الأخــرى التــي تثيرهــا المــادة ١١٨ انــه بإمكــان مجلــس النــواب وبالأغلبيــة البســـيطة للأعضـاء الحاضـرين أن يقـروا القـانون الــذي يحــدد الإجــراءات الخاصـة بتكــوين الإقلـيم  .

وهذا يؤدي الى عدة سلبيات وهي ان تكون رغبة التيارات والكتل السياسية بتكوين اقاليم وفق رغباتها الشخصية وبهـذا يمكنهـا ان تحصـل علـى الموافقـة بتكـوين أي اقليم بلا عناء حتى وان كان ذلك الإقليم مكون على اساس طائفي . وكذلك هـذه المـادة اسـتهانة بمسـألة مهمـة وغايـة فـي الخطـورة وهـي مسـألة تقسـيم الـبلاد علـى أقاليم وتركها تخضع لرغبات التيارات المختلفة . إزاء ذلـك كـان علـى المشـرع العراقـي ان يتجـاوز كـل تلـك الإشـكاليات بـان يحـدد مسـبقا القـانون الخـاص بتكوين الأقاليم أو على الأقل تحديد الشروط والضوابط الواجب مراعاتها عند تكوين الأقاليم .

الاشكالية الاخرى التي يثيرها تطبيق الفيدرالية في العراق هي كيفية توزيع الموارد والثروات حيث جاءت المادة ١١١ لتقر ان النفط والغـاز هـو ملـك كـل الشـعب العراقـي لكنهـا تسـارع إلـى إضـافة عبـارة (فـي كـل الأقـاليم والمحافظـات) ممـا يخلـق الالتبـاس وعـدم الفهـم فلـيس واضـحا ان كانـت منـافع هـــذه المــوارد تــوزع توزيعــا متســـاويا فــي عمـــوم الــبلاد أم تقاســمها مــع الوحـــدات الصـــغرى ( المقصود بها المحافظات والاقاليم ) .

وكذلك المادة (112 ) من الدستور حددت بان تقوم الحكومـة الاتحاديـة بـإدارة الـنفط والغـاز المسـتخرج مـن الحقـول الحاليـة مـع حكومات الأقـاليم والمحافظـات المنتجـة، علـى ان تـوزع وارداتهـا بشـكل منصـف يتناسـب مـع التوزيع السـكاني فـي جميـع أنحـاء الـبلاد، مـع تحديـد حصـة لمـدة محـددة للأقـاليم المتضـررة، والتـي حرمـت منهـا بصـورة مجحفـة مـن قبـل النظـام السـابق، والتـي تضـررت بعـد ذلـك بمـا يـؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون. تقـــوم الحكومــة الاتحاديــة وحكومــات الأقــاليم والمحافظــات المنتجــة معـــا برســـم السياســـات الاستراتيجية اللازمـة لتطـوير ثـروة الـنفط والغـاز ، بمـا يحقـق أعلـى منفعـة للشـعب العراقـي،  معتمدة احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار (صالح، 2009).

ان ما يؤخذ على المادتين اعلاه أنها لا تحدد كيفية إدارة النفط والغاز المستخرج ، وكأن السـلطة الاتحاديـة مسـاوية لسـلطة الأقـاليم المنتجـة فـي إدارة الثـروات، فـي حـين يحـرم الأقـاليم والمحافظـات غيـر المنتجـة مـن مسـؤولية إدارتهـا.  وهو ما يتعارض مع مبادئ الفيدرالية التي جعلت استخراج الثروات وتوزيعها واستثمارها من صلاحية الحكومة الاتحادية وذكرت المادة عبارة ( منصف) وعبارة ( الاقاليم المتضررة )  ولم تحدد ما هو معيار الانصاف وكذلك من هي الاقاليم المتضررة في حين ان محافظات العراق جميعها متضررة . وكذلك لم تذكر هذه المادة المعادن الاخرى ولم يذكر الدستور تنظيمها او حتى في حالة اكتشافها ما هو القانون الواجب التطبيق . اذن كان على المشرع العراقي ان ينظم جميع تلك الحالات .   

الخاتمة

وفي ختام هذا البحث البد لنا من وقفة متأملة لتحديد أهم النتائج التي توصلنا إليها والإشارة بعد ذلك إلى أهم ما يطرح من توصيات تحقيقا للفائدة العلمية .

النتائج

1-  إن الفيدرالية نظام سياسي يفترض فيه تنازل عدد من الدول أو الدويلات أو القوميات الصغيرة في أغلب الأحيان عن بعض صلاحياتها وامتيازاتها واستقلاليتها لمصلحة سلطة عليا موحدة تمثلها على الساحة الدولية وتكون مرجعها في كل ما يتعلق بالسيادة والأمن القومي والدفاع والسياسة الخارجية ،  إن الفيدرالية اليوم هي إحدى أشكال الحكم الناجحة التي تسمح للتنوع الاجتماعي في الدول بالتعبير عن الهويات الذاتية لمكوناته مع الابقاء على  رابط الوحدة في  ظل الاتحاد الفيدرالي ، لاسيما في عصر  العولمة وإفرازاته الثقافية والحضارية .

2- تختلف الدول الفيدرالية في دساتيرها وطرق تشكيلها وعدد الوحدات المكونة لها, باختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدولية والسياسية التي أدت إلى تأسيسها.

3- لقـد وضــع الدســتور تصـورا لحـل المعضــلات العراقيــة المتمثلــة فــي الفدراليـة كآليــة لمنـع عــودة الدكتاتوريـة والمركزيـة الصـارمة فـي الحكـم وطريقــة لاقتسـام الثـروات ، ونظـام الحكـم .

4- تتميز الدولة الفيدرالية بمظاهر متعددة وهي الوحدة ، والاستقلال والمشاركة و من المهم العناية في توزيع السلطات بشكل دقيق وواضح بين الحكومات الاتحادية  وحكومات الاقاليم  المنضوية تحتها, إذ إن النصوص غير الواضحة والغامضة في الدستور والقوانين الاساسية تؤدي غالبا إلى التشابك والتداخل .

5- إن اقامة الأقاليم الفيدرالية ، يعتبر حقا  دستوريا ، ولكن التمتع  بهذا  الحق  بحاجة الى توافر  المقومات الاقتصادية والجغرافية ، فضلا عن التوقيت المناسب لا نجاحه .

6- لقد اثبتت وقائع التاريخ ان السلم والاستقرار لن يسودا في دولة تضم قوميات متعددة مالم تشعر كل قومية بان حقوقها القومية مصانة وبانها تحكم نفسها بنفسها وتساهم في بناء وتطوير حياتها . والنظام الفيدرالي يعتبر في نظر الجميع من افضل الاشكال الملائمة للدول ذات القوميات المتعددة مثل العراق ، ذلك ان هذا النظام لا يستهدف فقط الى ضمان الحكم الذاتي للأقاليم او للدول الاعضاء في الدولة الفيدرالية ، بل الى تقوية السلطة المركزية في الامور المتعلقة بسياسة الدولة العليا وترسيخ كيان الدولة ذاتها .

7-تنجح الفدرالية على أفضل ما يكون عندما يتوفر احترام ٌ واسع لسيادة القانون، وثقافة التسامح والتكيف بين الجماعات السكانية، والعناصر الهامة للهوية المشتركة. وقد تلعب التدابير المؤسسية ً دور ً ا هاما في ذلك. وعلى الرغم من أن بعض الأنظمة الفدرالية قد تمكنت من تخطي فترات صعبة للغاية، إلا أن النظام الفدرالي بالتأكيد يعمل على أفضل نحو داخل المجتمع الذي يحترم سيادة القانون واستقلالية المحاكم. ويحتاج الأمر، في المجتمعات شديدة التعددية ثقافة سياسية  من التسامح والتكيف مع الآخر. ويمكن، في الأنظمة الفدرالية التي بها انقسامات إقليمية شديدة على أساس الخطوط العرقية أو اللغوية أو الدينية، تعزيز استقرار النظام الفدرالي إذا تجاوزت الثقافة العامة مجرد التسامح مع التعددية إلى الاعتناق الفعال للتعددية كجزء من القيم التي ّ تعرف البلاد وتمنحها قيمتها. ويمكن ً أيضا أن تساعد التدابير المؤسسية المجتمعات في إدارة الصراعات الخاصة بها، غير أن المؤسسات وحدها ليست كافية: إذ لا بد من وجود التزام أوسع داخل المجتمع نحو روح التعددية .

8-إن الانتقاد  الموجه  للنظام الفيدرالي  على أساس انه يهدد وحدة الدولة ويؤدي الى الانفصال ، هو انتقاد ٍ غير دقيق ّ لان  الانظمة الفيدرالية التي فشلت وأدت الى الانفصال لم  تكن مشاكلها بسبب تبني النظام الفيدرالي  كنمط للحكم، وانما بسبب ضعف المؤسسات  الديمقراطية أو غيابها، فسبب فشلها يعود الى  طابعها الغير  ديمقراطي  اكثر  من طابعها الفيدرالي . وبالفعل لم يشهد التاريخ أي ٍ حالة أدت الى تحلل الاتحادات الفيدرالية الديمقراطية  الحقيقية مهام كانت متنوعة. لذلك نجد أن الكثير من الانظمة الدستورية الاطول عمراً ّ اليوم في أي ٍ مكان ٌ من العالم هي اتحادات فيدرالية ٍ لازالت  تعمل بصفة ٍ أساسية وفق دساتيرها  الاصلية  مثل  الولايات المتحدة الامريكية 1789 وسويسرا  1848 وكندا  عام 1867 واستراليا 1901 .

9- تبين لنا ان النظـام الاتحـادي فـي العـراق يـراد لـه ان لا يكون اتحـادا فيـدراليا كمـا هـو شـأن الاتحـادات الفيدراليـة فـي العـالم ، والتـي تقـوي الـبلاد وتحـافظ علـى وحـدتها وسـلامتها اتحادا مختلطا يجمع بين الفدرالية والكونفدرالية . وهـذا مـا تؤكـده مسـألة مـنح صـلاحيات واسـعة للأقـاليم والتـي قـد تـؤدي إلـى إلغـاء سـلطة الدولـة الاتحادية لتنتج دولة لا مركزية إلى حد بعيد ، يقتصر عملها في الشؤون الخارجيـة والـدفاع والسياسـة النقدية والاقتصادية والمالية، وكل ماعدا ما تقدم سيكون من صلاحية الأقاليم أو المحافظات ، أو فـي بعض الصلاحيات المشاركة مع السلطة الفيدرالية ، وذهب الدستور إلى ابعـد مـن ذلـك حينمـا أعطـى السـيادة لقـوانين الأقـاليم أو المحافظـات عنـد حصـول أي اخـتلاف مـع القـوانين الفيدراليـة ، الـى درجـة منح الأقاليم حق تعديل أو عدم تطبيق القوانين الفدرالية في أراضيها.

10- ولعلّ خلاصة  ما يمكن  الوصول إليه في  دراستنا هذه بشأن الفيدرالية، هو بقاء مصطلحها غير متفق عليه، ومفهومها يكتنفه الغموض والاختلاف . أما بخصوص تطبيقاتها، فهي قد تنجح في  بلد ٍ ما ولكنها قد لا تنجح  في  غيره ، فلكلّ بيئة مجتمعية محدداتها التي قد تمنعها من أن تؤسس لقيام فيدرالية ناجحة أو قد لا تنجح في  ذلك.  

التوصيات

1- نوصي المشرع العراقي بإعادة النظر في المادة ( 112 )من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 والمتعلقة بآلية توزيع ثروتي النفط والغاز وذلك كون المادة المعنية جاءت بصيغة غامضة انعكست على علاقة الحكومة الاتحادية مع إقليم كردستان فضلا عن عرقلة قانون النفط والغاز عليه نرى ضرورة التصريح بمسؤولية الحكومة الاتحادية منفردة بإدارة ثروتي النفط والغاز مع ضمان التوزيع العادل لإيرادات هاتين الثروتين .

2-نوصي المشرع العراقي إن يعيد النظر في المادة ( 65  )من الدستور والمتعلقة بتشكيل مجلس الاتحاد إذ نصت المادة المذكورة على إن يكون تكوين المجلس وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب. والملاحظ على هذا النص انه يؤدي إلى إضعاف مجلس الاتحاد من الناحية القانونية ويجعله تابعا لمجلس النواب من ناحية  اختصاصاته أو الانتقاص منها, لذا نرى إن تتضمن هذه المادة الدستورية على شروط العضوية والاختصاصات الرئيسية للمجلس ليكون بذلك متوازنا من الناحية القانونية مع مجلس النواب .

  1. نص قانون الاجراءات  التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم  ( رقم 13 ) لسنة 2008 في المادة ( 6 ) منه على ان ( يكون الاستفتاء ناجحا إذا حصل على أغلبية المصوتين من الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم الانضمام إلى إقليم ) . فهذه المادة خاصة بالمحافظات التي ترغب في الانضمام  إلى إقليم ولم تتحدث عن المحافظة التي تروم التحول إلى إقليم . لذلك يجب على المشرع معالجة هذا الامر الذي لم ينتبه له أعضاء مجلل النواب عند تشريعهم لهذا القانون وبسرعة كبيرة لان عدم معالجته يشكل عقبة أمام المحافظات التي تروم التحول إلى أقاليم  .

المراجع

https://www.marefa.org/. (بلا تاريخ). الفيدرالية ، الموسوعة العربية الحرة .

K.C.Wheare. (1964). Federalgovernment . London : Oxford Unoversity Press .

اسماعيل مرزة. (1969). القانون الدستوري. بيروت.

الأستاذ الدكتور علي ھادي حمیدي الشكراوي. (2011). اشكالیة نشأة الأقالیم الفیدرالیة في العراق بین النص القانوني والواقع السیاسي.

الشافعي محمد بشير. (1971). القانون الدولي العام في السلم والحرب. الاسكندرية: منشأة المعارف للنشر والتوزيع.

المادة 113 من الدستور . (بلا تاريخ).

المادة 114 من الدستور . (بلا تاريخ).

المادة 115 من الدستور . (بلا تاريخ).

المادة 116 من الدستور . (بلا تاريخ).

المادة 117 من الدستور . (بلا تاريخ).

المادة 121 من الدستور . (بلا تاريخ).

المادة 122 من الدستور . (بلا تاريخ).

المادة 2 من الدستور . (بلا تاريخ).

المادة 4 فقرة اولا من الدستور . (بلا تاريخ).

اندريه هوريو. (1974). القانون الدستوري والمؤسسات السياسية / ترجمة علي مقلد وشفيق حداد وعبد الحسن سعد. بيروت: الاهلية للنشر والتوزيع.

باقر ياسين. (تموز, 2006). رؤية في مستقبل العراق – سـت ولايـات فدراليـة علـى أسـاس جغرافـي. مجلة دراسات عراقية، صفحة 53.

جورج اندرسون. (2007). مقدمة عن الفيدرالية ، منتدى الانظمة الفيدرالية. اوتاوا ، كندا.

د. علي القطبي. (بلا تاريخ). بحث حول الفيدرالية ، القسم الاول.

سليمان محمد الطماوي. (1974). السلطات الثلاث في الدساتير العربية وفي الفكر السياسي الاسلامي / دراسة مقارنة. القاهرة: دار الفكر العربي.

سورة الحجرات ، الاية 13 . (بلا تاريخ).

عمار تركي عطية. (2016). التنوع الاجتماعي واثره في شكل الدولة الاتحادي. مجلة ابحاث القانون، الصفحات 187-295.

محمد فتوح محمد عثمان. (1977). رئيس الدولة يف النظام الفيدراي. القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب .

مونتسكيو / ترجمة عادل زعيتر. (1953). روح التشريعات. القاهرة: دار المعارف للنشر.

نغم محمد صالح. (2009). الفيدرالية في الدستور العراقي لسنة 2005 الواقع والطموح. مجلة دراسات دولية .

وليد كاصد الزيدي. (2019). الفيدرالية دراسة في المصطلح والمفهوم والنظرية (المجلد الاولى). العراق: المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية/ العتبة العباسية المقدسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *