نوفمبر 22, 2024 1:39 م
15

مونة جنيح

دكتورة في الحقوق

أستاذة زائرة بجامعة عبد المالك السعديكلية العلوم القانونية والاقتصادية

والاجتماعية ـ تطوانالمملكة المغربية

jiniah.mouna@gmail.com

+212668836281

الملخص:

استشعر المجتمع الدولي بمخاطر الجريمة البيئية وعواقبها خاصة بعد أن شهد وقوع العديد من الحوادث والجرائم البيئية المفجعة، التي كشفت عن عجز وقصور النظم القانونية التقليدية في ضوء التغيرات والتطورات الحاصلة في المجال البيئي، نظرا لاختلاف وتنوع وسائل ارتكاب الجرائم المضرة بالبيئة وتعدد مرتكبيها بصورة معقدة. لذلك سيتناول هذا البحث ماهية الجريمة البيئية كبعد من أبعاد التنمية المستدامة والحماية المخصصة لها من خلال الجهود الدولية المبذولة والمتجلية في إبرام الاتفاقيات والمعاهدات والمؤتمرات الدولية التي تعنى بحماية البيئة بمختلف عناصرها “البرية والبحرية والجوية”؛ ووضع نصوص قانونية للحد من انتشار ها بشكل يساهم في محاولة إيجاد حلول للتصدي للتحديات والاعتداءات التي تقع على البيئة، بهدف إعادة التوازن البيئي لها ووضع حلول تكفل حماية أفضل لها.

الكلمات المفتاحية: حماية البيئية، التنمية المستدامة، الاليات، الرهانات، المجتمع البيئي…

“Environmental crime and after sustainable development”

Dr MOUNA JNIAH

Doctor of Laws

Visiting professor at Abdelmalek Al-Saadi University

College of Legal and Economic Sciences

And social – Tetouan

The Kingdom of Morocco

Abstract:

 The international community has felt the dangers and consequences of environmental crime, especially after experiencing many tragic environmental incidents and crimes, which have revealed the deficit of traditional legal systems due to environmental changes and the development of diverse means of committing crimes that are harmful to the environment and the complex multiplicity of perpetrators. This research will therefore examine what environmental crime is as one of the dimensions of sustainable development and protection allocated to it through international efforts initiated and demonstrated in the conclusion of international conventions, treaties and conferences dealing with the protection of the environment in its various components, “land, sea and air”; The development of legal texts to reduce it and contributes in finding solutions to address environmental challenges and abuses, to restore environmental balance and develop solutions that better protect it.

Keywords: environmental protection, sustainable development, machinery, bets, environmental community…

.

مقدمة:

تختلف مظاهر الإجرام البيئي وتتعدد الانتهاكات والتجاوزات الواقعة على البيئة في ظل غياب الوعي البيئي وعدم مواكبة التشريعات البيئية لمخاطر التلوث البيئي المتفاوتة الخطورة.، لذلك تطرح مسألة الخوض في موضوع “الجريمة البيئية وبعد التنمية المستدامة” الكثير من النقاشات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، خاصة أمام الثورة التكنولوجية والعولمة المتطورة والنمو السريع في العمران والتزايد المستمر في السكان، بالإضافة الى المخلفات الصناعية وارتفاع كميات الملوثات نهيك عن الجرائم التي يقترفها الأفراد في حق البيئة الهوائية أو المائية أو الترابية…،مما يشكل تهديدا لاستقرار أمن المجتمع ومخالفة قواعده ونظمه القانونية ومعيقا للبعد البيئي للتنمية المستدامة Sustainable development »«والتي تمثل حلقة وصل بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع باعتبارها حق أساسي من حقوق الإنسان.

ووفقا لهذا أصبحت البيئة تستأثر اهتمام الدول والشعوب بمختلف انتماءاتها وموقعها في الخريطة الدولية، وعقب ادراك المجتمع الدولي للآثار السلبية لتلوث البيئة والتي تؤثر على الصحة العامةوالحياة البرية (الفيل عدنان، 2012، صفحة 20)أبرمت الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية وتم اصدار تشريعات ومقتضيات داخلية للدول، وانعكس هذا الاهتمام على مختلف المستويات الدولية والإقليمية والمحلية للحد من مخاطر الإجرام البيئي والتلوث ومواجهة المخاطر الراهنة، فعملت كل دولة في نطاق سيادتها الإقليمية على اصدار القوانين الجنائية الخاصة بها لحماية البيئة، كماارتبطت البيئة بمفهوم التنمية المستدامة من أجل الحفاظعلى قاعدة الموارد المادية والبيولوجية وعلم النظم الإيكولوجية والنهوض بها(الدلالي الشحي هشام بن عيسى بن عبد الله، 2017، صفحة 30.)، فتظهر علاقة البيئة مع كل من العنصر الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي على استمرارية نوعية الحياة(Robeyns I, 2007, p. 30).

ويسعى البعد البيئي للتنمية المستدامة للحفاظ على البيئة من خلال وضع برنامج تعاوني لدعم التربية البيئة وتطويرها، وتشجيع التنمية المستدامة من خلال الاشتغال على القضايا البيئية والتعاون الدولي ووضع خطط سريعة وفعالة للحد من الجرائم البيئية، وتحقيق نوعية أفضل للسكان وتعزيز وعيهم بالمشكلات البيئية القائمة من خلال إعداد وتنفيذ برامج ومشاريع التنمية المستدامة المرتكزة على التنوع البيولوجي والمحيطات والغابات والثروات والموارد المكتشفة، ومعالجة التحديات المتعلقة بها بحلول سنة 2030،الا أن مخاطر الجرائم البيئية واثارها في العصر الحديث تتزايد بشكل مستمر ما استدعى ضرورة وقف الانتهاكات والجرائم الضارة بالبيئة للحفاظ على الموارد المادية والطبيعية وتحقيق التنمية المرجوة في بعدها البيئي، وذلك عن طريقاتخاذ الإجراءات القانونية والوقائية لمحاربة الجريمة البيئية وتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي يتلائم مع قدرات البيئة من أجل تحقيق رهان التنمية المستدامة، الذي يشكل هدفا رئيسيا سعت الى تحقيقه جل القوانين المؤطرة للبيئة نظرا لما لها من أهمية في حياة الإنسان ولدى باقي الكائنات الحية.

مشكلة البحث: لا جدال في أن الحق في بيئة سليمة ومتوازنة يعد مصلحة مجتمعية غير أن هذه الدراسةتثيرعدة إشكاليات أبرزها: ما هو الأساس القانوني المؤطر للجريمة البيئية؟ وما هي سبل تحقيق التنمية المستدامة في ظل المعيقات والتحديات التي تواجه البيئة؟وإلى أي حد استطاعت الجهود الدولية والوطنية التصدي للإجرام البيئي وتحقيق التنمية المستدامة؟

أهمية البحث:تزايد الاهتمام بموضوع البيئة على المستوى العالمي والوطني على حد سواء من أجل ضمان تحقيق الاستدامة البيئية ومدى احترام الضوابط والمعايير الدولية التي أرستها الاتفاقيات الدولية، وبذلك تنبع أهمية البحث في كونه يسلط الضوء على الجريمة البيئية وبعد التنمية المستدامة والتيأصبحت محل نقاش واسع في المحافل الدولية، لكونها تعالج قضية ذات أولوية تتعلق بالحياة البشرية ومقومات وجودها باعتبارها من المصالح الضرورية المستوجبة الحماية من جهة ولكونها من الجرائم التي تستدعي التعاون الدولي لمواجهتها من جهة ثانية، بالإضافة إلى أنه سيبرز مدى ضرورة الاهتمام بالمشكلات البيئية تحقيقا للتنمية المستدامة وحماية البيئة من المخاطر.

أهداف البحث:يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء علىالحماية البيئة في ظل التنمية المستدامة، وذلك من خلال إرساء المقتضيات الدولية والقواعد الجنائية على حد سواء في التشريعات الدولية والوطنية المختصة بحماية البيئية من المخاطر والجرائم التي تطالها، بالإضافة إلى تحديد ماهية الجريمة البيئية وخصائصها للتوصل إلى إقرار حماية فعالة للبيئية، وذلك في اطار محاولة الإحاطة بأشكال التعاون الدولي والوطني لمكافحة الجريمة البيئية من قبل الدول وتحقيق ما يعرف بالاستدامة البيئية، كما يهدف البحث أيضا إلى اقتراح بعض المقترحات الملائمة في ضوء ما توصل اليه.

حدود البحث: تكمن حدود البحث في استقراء المفاهيم الأساسية المتعلقة بهذا البحث، حيث ستقتصر منالناحية الموضوعية على تحديد ماهية الجريمة البيئية وخصائصها، ومن أجل مكافحة هذا النوع من الجرائم المستحدثة سنتطرق لحماية البيئة من خلال التعاون الدولي والوطني المسخر لمكافحة الجريمة البيئية بأصنافها، فيما تجلت الحدود المكانية للبحث في التطرق للاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية التي تعمل على حماية البيئة، بالإضافة إلى دراسة بعض القوانين المغربية التي شرعت في المجال البيئي لمكافحة الجريمة البيئية، وقد أجري هذا البحث من ناحية الحد الزماني خلال سنة الفين وثلاثة وعشرون.

فرضيات البحث: ان تجدد واختلاف الإشكاليات التي تطرحها الجريمة البيئية وتنوع المشكلات المرتبطة بالتنمية المستدامة؛ استدعى معالجتها دوليا ووطنيا للمحافظة على الموارد الطبيعية والبشرية، والعمل على الحد من تلوث البيئة والتدخل اللاعقلاني للإنسان،

هذا وتعتبر الجريمة البيئة ظاهرة متفشية على الصعيدين الوطني والدولي مما تتطلب معه وضع قواعد قانونية وإجراءات ذات طابع وقائي وردعي في نفس الوقت لتحقق الحماية الجنائية المطلوبة للمنظومة البيئية،

كما أن الجرم البيئي لا يتخذ شكل معين بل تتعدد وتختلف أساليب ارتكابه خاصة في ظل التطور الصناعي واستغلال الموارد الطبيعية والحيوانية واستنزافها، ومدى تأثيره القوي على التنمية المستدامة.

منهج البحث:اقتضت طبيعة البحث الاعتماد على المنهجين: الوصفي والتحليلي لدراسة عدد من الأدوات الرئيسية والمساعدة ذات الصلة والمتعلقة بالجريمة البيئية وبالتنمية المستدامة لاستخلاص نتائجها.

خطة البحث:تم تقسيم البحث إلى مبحثين على النحو التالي:

المبحث الأول: البيئة كقيمة جديدة من قيم المجتمع وبعد من أبعاد التنمية المستدامة،

المبحث الثاني: التعاون الدولي والوطني لمكافحة الجريمة البيئية وتحقيق رهان التنمية المستدامة،

المبحث الأول: البيئة كقيمة جديدة من قيم المجتمع وبعد من أبعاد التنمية المستدامة

تطرقت العديد من المؤتمرات والندوات الدولية لمفهوم البيئة والتنمية المستدامة ووفقا لوجهات نظر مختلفة تعددت التعاريف المطروحة حول تحديد هذين المفهومين باعتبار مصطلح البيئية مصطلح غامض ومعقد، ويعود هذا إلى مجموعة من السلوكيات التي تقع ضمن هذا المفهوم،وعليه سنتطرق من خلال هذا المبحث إلى ماهية الجريمة البيئية والتنمية المستدامة في المطلب الأول، وخصائص الجريمة البيئية وتصنيفاتها في المطلب الثاني.

المطلب الأول: ماهية الجريمة البيئية والتنمية المستدامة

أصبحت الجريمة البيئية معضلة دولية متنامية تتجاوز تداعياتها الحدود الوطنية – ما قد يهدد الأمن والسلم الدوليين – خاصة وأنها تمس الموارد الطبيعية البيئية وتهددمستقبل الإنسان وديمومة الحياة(الطاهر الثابت، 2023)، وفي هذا الصدد فقد تعددت واختلفت تعاريف أهل الاختصاص في الأنظمة المختلفة في محاولة منهم بالتعريف بها، نظرا لاختلاف عناصرها الطبيعية والحضارية ولكون معظم التعريفات تتحدث عن الجريمة البيئية كمصطلح التلوث( زريكي يمينة، سنة 2021، صفحة 13)، ولكن وبصبغة مغايرة وردت تعاريف أخرى عديدة نقتصر من خلالها على التعريف التالي: أن” الجريمة البيئية هي كل سلوك سلبيأو ايجابي قد يرتكب بطريقة إرادية أو غير إرادية من شخص طبيعي أو معنوي فيضر بالبيئة أوأحد عناصرها بصورة مباشرة أو غير مباشرة(رشيد سالم نعمة، 2015، صفحة 100) فيؤدي إلى الاضرار بالكائناتأو الموارد الحية أو غير الحية، الأمر الذي يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية، وهي بذلك الأفعال المحظورة شرعا أو قانونا والتي تحدت تلوثا في البيئة أو تلحق بها ضرر يصدر عن شخص طبيعي أو معنوي يضر أو يحاول الإضرار بأحد عناصر البيئة(فهمي خالد مصطفى ، طبعة سنة 2011، صفحة 324) لكونها تتحقق بغض النظر عن انصراف الإرادة في تحقيق النتيجة الاجرامية، وهو ما يعتبر مخالفا للقواعد النظامية التي تحظر ذلك الاعتداء وبيان العقوبات المقررة لها(هلال أشرف، 2005، صفحة 34).

ولا تنئ الجريمة البيئية عن غيرها من الجرائم وذلك بخضوعها للقواعد العامة للجريمة والتي تتطلب الأركان الأساسية للجريمة “الركن الشرعي والمادي والمعنوي” لترتيب المسؤولية الجنائية، ويعد الركن المادي أهم أركان هذه الجريمة والمتمثل في ذلك السلوك الإجرامي البيئي المتجلي في النشاط المادي الخارجي المكون للجريمة والسبب في إحداث ضررها،وقد يكون هذا السلوك إيجابيا متمثلا في قيام الشخص بحركات عضوية إرادية تؤدي الى نتيجة كالقيام بفعل عمدي من شأنه تلويث البيئة ورمي النفايات والأوساخ، أو قد يكون سلوك سلبي يقوم على الامتناع ويتجسد في امتناع الجاني عن إضافة أو إدخال عناصر حيوية إلى داخل الوسط البيئي مما يؤدي إلى الإخلال بالتوازن البيئي، كامتناع صاحب المنشأة عن اتخاذ بعض التدابير اللازمة لمنع التسرب الغازات والأبخرة المضرة  بالصحة الإنسانية كما قد يكون سلوكا مستمرا أو بسيطا أو اعتياديا مجرم في ذاته(اسلام سلمى محمد، سنة 2016، صفحة 36)، فيما تعتبر النتيجة الإجرامية في الجرائم البيئية مسألة معقدة من ناحية التبعية المادية للجريمة (هل هي جريمة ضرر أم جريمة خطر) ومن ناحية النطاق الزمني( هل هي جرائم بيئية وقتية أو جرائم بيئية مستمرة ومتجددة) أما من ناحية النطاق المكاني للنتيجة الإجرامية فإن الجريمة البيئية قد تتجاوز حدود المكان الذي ارتكبت فيه أي أنه ليس لها مكان معين، بينما تتجلى العلاقة السببية في أن يكون فعل الجاني قد تسبب في إحداثها، بمعنى أن تكون النتيجة مرتبطة بالفعل وناتجة عنه.

هذا ويتطلب الركن المعنوي في الجريمة البيئية في ضرورة توفر النية وإرادة الجاني في ارتكاب الفعل الإجرامي، وقد يتخذ صورتين في إطار الجريمة البيئية: إما العمد “القصد الجنائي” أي أن تنصرف إرادة الجاني الى ارتكاب فعل التلويث مثلا وهو على علم بالسلوك الاجرامي الذي يصدر منه ليحقق غرض محدد وبلوغه للنتيجة المعاقب عليها، وإما أن تتخذ الجريمة البيئية صورة الخطأ الغير عمدي الصادر عن خطأ غير إرادي نتيجة اهمال مثلا وعدم أخذ الحيطة والحذر.

وقد أولى المنتظم الدولي نتيجة انتشار الجرائم البيئية وتفاقم مشكلاتها اهتماما كبيرا بقضايا البيئة والتنمية بصورة أساسية في ستينيات القرن الماضي، حيث نشأ وتطور مفهوم التنمية المستدامة في إطار دولي من خلال ندوة الأمم المتحدة حول البيئة بستوكهولم في تقرير دولي لحماية الطبيعة المعنون ب Union International pour la conservation de la Nature (UICN)، كما نصت المادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 31/128 المؤرخ في ديسمبر 1986 على أن” الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة الإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما”، وعرفت التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تستجيب لحاجات الأجيال الحاضرة  دون تعريض للخطر قدرة الأجيال القادمة للاستجابة لحاجاتها، أي أنها تلبي الاحتياجات الحالية الراهنة دون الانتقاصمن قدرات الأجيال القادمة في تلبية حاجاتهم،(بينرجيمس كلود دوفوسلو، 2000، صفحة 62)، وقد ركز هذا التعريف على ضرورة نقل بيئة طبيعية مقبولة وقادرة على توفير الشروط الضرورية لاستدامة التنمية ووجود نشاط بشري للأجيال القادمة بعدما استعملتها الأجيال الحاضرة، كما عرف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة التنمية المستدامة بأنها تحسين نوعية الحياة مع العيش ضمن القدرة الاستيعابية للنظم البيئية الداعمة، ولهذا فإن تحديد علاقة البيئة بالتنمية المستدامة تقوم على أساس مبدأ المرونة وقدرة النظام البيئي على المحافظة على السمة الإيكولوجية وقدرتها على التكيف.

ورسخ مفهوم البيئة والتنمية من خلال ندوة الأمم المتحدة بستوكهولم حيث تم التركيز على موضوعات التلوث في الماء والهواء على مستوى البيئات المحلية، ومشكلات النمو الحضري، وطرق المحافظة على البيئات وحمايتها، والوقوف في وجه أخطار القوى النووية فتضمن أولا لوثائق الدولية التي تحدثت عن العلاقات الدولية وشؤون البيئة وطرق التعامل معها، (أبو راضي إبراهيم عيسى علي، فتحي عبدالعزيز، سنة 2004، الصفحات 317-318)، كما عقدت عدة مؤتمرات تحضيرية لقمة الأرض أهمها مؤتمر برجين سنة 1991   بلدان الأوروبية المنعقد في النرويج، ومؤتمر بانكوك سنة 1991 في تايلاند، بالإضافة إلى مؤتمر مكسيكو سيتي لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي سنة1991 ومؤتمر نيروبي سنة1991  والذي تم فيه وضع مشروع ميثاق الأرض على قمة ريو، لينعقد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة (قمة الأرض) بريو دي جانيرو  وصدور الإعلان الصادر عنه بالبرازيل سنة 1992تحت عنوان “البيئة والتنمية” إلى جانب بروتوكول كيوتو سنة 1997 الذي اهتم بالأساس بقضية تغير المناخ والزم الدول بمعايير محددة لانبعاثات الغازات المسببة للتغيرات المناخية.

وفي هذا الصدد وضعت القمة العالمية حول التنمية المستدامة جوهانسبورغ لسنة2002 الأسس والقواعد الأساسية لتمكين الدول من تنفيذ الاتفاقيات والمبادئ التي تمخضت عن المؤتمرات البيئية العالمية، بهدف تحقيق التنمية المستدامة القائمة على حماية البيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وباعتبار البيئة من الشروط الأساسية والضرورية لوجود نشاط بشري والحفاظ على الوسط الطبيعي والحيوي ونقله سليما للأجيال القادمة، فإنه لابد من حماية الموارد الطبيعية اللازمة لإنتاج المواد الغذائية،والمحافظة على الجو والحد من انبعاث الغازات، وحماية المناخ من الاحتباس الحراريوالحيلولة دون تدهور طبقة الأوزون الحامية للأرض…الخ، ووضع  أهداف جديدة للتصدي للمشاكل البيئية الصعبة، (Karen Delchet، 2003، الصفحات 11-12)، ولهذا  فإن تجسيد المفهوم الحديث للتنمية يتطلب التغلب على عقبات وتحديات كثيرة أهمها مشكلة البيئة من خلال الربط بين السياسات التنموية والبيئية مع التركيز على أبعاد التنمية المتواصلة(زغيب, شهرزاد ولمياء عماني، سنة 2011)، ومعنى هذا أن مفهوم التنمية المستدامة ذات الصلة المباشرة بالبيئة يقدم إطار عاما للجمع بين سياسات التنمية واستراتيجيتها الطويلة المدى والتي تعتمد على الإمكانيات الحاضرة من خلال التخطيط لها لأطول فترة زمانية مستقبلا على أن تراعي احتياجات الأفراد والموارد الطبيعية وتحافظ على المحيط الحيوي للبيئية الطبيعية في ظل تنمية متكاملة تقوم على التنسيق والانسجام داخل المنظومة البيئية بما يحافظ عليها ويحقق التنمية المنشودة والأمن البيئي للمدن وللمجتمعات المستدامة.

المطلب الثاني: خصائص الجريمة البيئية وتصنيفاتها

تتعدد أنماط الجرائم البيئة وتختلف صور ارتكابها، وغالبا ما ترتبط بالاستغلال غير القانوني للطبيعة (النباتات، الحيوانات البرية والتلوث والتخلص من النفايات وتجارتها…)، لذلك تنفرد الجريمة البيئية بمجموعة من الخصوصيات تميزها عن الجرائم الأخرى من بينها:

ـ صعوبة تحديد أركان الجريمة البيئية وعناصرها وشروط قيامها، فتحديد الطبيعة القانونية للجرائم البيئية أفرزت نقاشات فقهيةمتباينة من حيث الآراء، فمنهم من يعتبر الجريمة البيئية جريمة مادية ومنهم من يذهب إلى خلاف ذلك ويعتبرها جريمة شكلية، ولعل الجريمة المادية كقاعدة عامة هي التي تستدعي الركن المادي وتحقق النتيجة الإجراميةوتعتبر الجريمة البيئية أهم تطبيق لها،( سوط توفيق، سنة 2007، الصفحات 50-51)، بالإضافة إلى أنها قد تكون من جرائم الخطر والتي تتمثل في التهديد بالإهدار للمصلحة أو الحق الذي يحميه القانون إذ أن هذا الإهدار يكون وفقا للتسلسل الطبيعي للأحداث.( وناس يحي، سنة 2007، صفحة 60).

ـ صعوبة اكتشاف الجريمة البيئية تمتاز بعض الجرائم البيئية بالغموض كتلك المتعلقة بتلويث الهواء بغاز سام لا لون له ولا رائحة، ومن ثم فإن مسألة اكتشافه بسرعة أمر صعب، اذ لا يؤتى ذلك إلا عن طريق أجهزة وتقنيات خاصة تكشف تلوث الهواء ودرجته ونوعية المادة الملوثة، بالإضافة إلى أن تأثير هذه الجرائم قد لا يظهر على الضحية إلا بعد مرور فترة زمنية معينة، كتأثير عواد صانع الإسمنت على العمال أو السكان مثلا. (هلال أشرف، 2011، صفحة 28).

ـ اتساع مسرح الجريمة البيئية وامتداد أثرها تتميز الجريمة البيئية باتساع مكان وقوعها ونطاقها اللامتناهي فالبيئة الهوائية مثلا لا يوجد ما يحدها، كما أن انتشار بقعة الزيت في البيئة المائية حسب الكمية التي تم تسريبها يصعب معه السيطرة على مثل هذه الجرائم في وقت قصير أو منع انتشارها، والذي عادة يكون بصفة سريعة نظرا لطبيعة مكونات البيئية وعناصرها.( هلال أشرف، صفحة 28) ما يجعل مسرح جريمتها مسرحا مفتوحا وقد تمتد الآثار الناجمة نتيجة الإجرام البيئي لفترة زمنية طويلة.

ـ كثرة عدد الضحايا ينطلق وجود الجريمة البيئية كأحد أنواع الجرائم المعروفة من أهمية الضحية الذي لا تنال فرد أو مصلحة بذاتها بل تنال مجموع أفراد أو مصالح المجتمع البشري لكونها جريمة مستقلة بحد ذاتها، وهي بذلك ذات طبيعة نسبية من الصعب تحديد معيار دائم وسليم لها، فالعديد من الجرائم المقننة في القانون الدولي تتسم بالنسبية؛ كما أنه يصعب حصر جرائم الاعتداء على البيئة(محمد خالد جمال رستم، 2006، صفحة 162)، ولاسيما إذا وقعت في المناطق السكنية أو التي تكثر فيها التجمعات البشرية.

ـ جريمة وطنية أو دولية عابرة للحدود ومعنى هذا أنه من الممكن أن ترتكب الجريمة البيئية داخل الحدود الوطنيةفتعد اعتداء واضحا على المقتضيات والأحكام العامة التي تسعى للحفاظ على التوازن البيئي، كقيام شخص بصرف المواد المشعة واغراقها في البيئة المائية للبلد الذي يقطن به مثلا، وقد ترتكب خارج الحدود الجغرافية  للدول لاسيما إذا تعلق الأمر بجرائم تلويث البيئة الهوائية وما قد تكتنفها من صعوبات للسيطرة عليها فتنتقل من دولة الى أخرىنتيجة الانتشار السريع للهواء الملوث بسبب سرعة الرياح ودرجة الحرارة  الخاصة بالجو مثلا،وهو ما أهل هذا النوع من التلوث لأن يتصدر قائمة أخطر الجرائم البيئية.

ومن جهة أخرى تصنف الجرائم البيئية حسب طبيعتها إلى جرائم ماسة بالبيئة الجوية، والجرائم الماسة بالبيئة المائية والبحرية، والجرائم الماسة بالبيئة البرية، كما يمكن تصنيفها حسب خطورتها إلى الجنايات والجنح والمخالفات، وقد تم على المستوى الدولي تجريم مجموعة من أشكال وصور الجريمة البيئية من بينها نجد(Banks D. Daviesl ، 2008، الصفحات 1-2):(الاتجار غير المشروع بالحياة البرية في الأنواع المهددة بالانقراض بما يتعارض مع اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات المعرضة للانقراضCITES  ؛أو تهريب المواد المستنفدة للأوزون ODS بما يتعارض مع بروتوكول مونتريال لعام 1987 بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، بالإضافة الى الإغراق والاتجار غير المشروع في النفايات الخطرة بما يتعارض مع اتفاقية بازل لعام1989  بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والنفايات الأخرى والتخلص منها عبر الحدود، الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم بما يخالف الضوابط التي تفرضها مختلف المنظمات الإقليمية لإدارة مصائد الأسماك، قطع الأشجار بشكل غير قانوني وما يرتبط به من تجارة الأخشاب المسروقة في انتهاك للقوانين الوطنية…).

واعتبارا لأهمية وخطورة النتائج المترتبة عن الجريمة البيئية، فقد تنبهت مختلف الدول لانتشار أشكال الجريمة البيئية ومشاكلها، مما فتح المجال أمام هذه الدول لتكثيف جهودها الدولية والعمل على تأطير المسألة من الناحية القانونية والاقتصادية والاجتماعية وكذا المؤسساتية للوصول الى الأهداف السبعة عشر وتحقيق التنمية المستدامة ووضع حل للوضعية البيئية.

المبحث الثاني: التعاون الدولي والوطني لمكافحة الجريمة البيئية وتحقيق رهان التنمية المستدامة                   

أصبح الاهتمام بالبيئة وحمايتها من المخاطر التي تهدد حياة البشرية يتطلب تظافر الجهود والتعاون من قبل مختلف المجتمعات الدولية كأولوية تستلزم حماية الانسان والأجيال القادمة، فما كان منها إلا أن تعقد مجموعة من المؤتمرات وتبرم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية، ولمزيد من توضيح سيتم التطرق لحماية البيئة من المخاطر على المستوى الدولي في المطلب الأول، وحماية البيئة من المخاطر على المستوى الوطني في المطلب الثاني من هذا المبحث.

المطلب الأول: حماية البيئة من المخاطر على المستوى الدولي

يعتبر القانون الدولي للبيئةقانون حديث العهد(Philippe Malingrey، صفحة 2)، يتضمن مجموعة من القواعد القانونية الدولية التي تتخذ موضوعا لها حماية البيئة، ويكمن هدفه في حماية البيئة من التدمير وعدم التوازن الذي يمكنه أن يهدد السير العادي للحياة، واتساقا مع ذلك تم في إطار الثورة الاقتصادية والتكنولوجية إغناء حصيلة من المعرفة والمكتسبات، إلا أنه وبالموازاة حدث استنزاف في الموارد الطبيعية مما أدى إلى إخلال في الموازين الدقيقة للبيئة، فعمل المجتمع الدولي على محاولة تكثيف الجهود وتوطيد التعاون من أجل المواجهة الحاسمة والفعالة لقضايا البيئة خاصة أمام المخاطر التي تحدق بها، ووضع تشريع دولي من خلال نصوص أساسية تحاول التوفيق بين البيئة والتنمية المستدامة وتوفير حق الإنسان في بيئة سليمة وآمنة؛ لينعكس هذا الاهتمام الدولي بحماية البيئة في إصدار إعلان التقدم والانماء في الميدان الاجتماعي سنة 1969 والذي نصت مادته 13 على أن حماية البيئة البشرية وتحسينها يجب أن يكون أحد الأهداف المنشودة من وراء التحقيق التدريجي للتقدم والانماء الاجتماعي، بالإضافة إلى إعلان ستوكهولم الصادر عن مؤتمر استوكهولم  لسنة 1972وهو ميلاد القانون الدولي للبيئة، والذي من خلاله تم التأكيد على حماية البيئة وتحسينها كضرورة للتطور الطبيعي والشفوي للشعوب(Philippe Malingrey، صفحة 3)، وساهم الاهتمام الدولي فيإبرام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة وإدخال قانون البيئية ضمن أنشطته، وكذا تطوير القانون الدولي للبيئة بواسطة المنظمات الدولية المتخصصة والمنظمات الدولية الإقليمية( الجنزوري عبد العظيم، 1999، صفحة 86)، بالإضافة إلى إعلان لاهاي الذي يربط الحماية البيئية بحق الإنسان في الحياة وينادي بزيادة السلطة المؤسساتية الجديدة والممنوحة لجمع المعلومات واتخاذ قرارات فعالة بشأن المحافظة على الغلاف الجوي(حسونة محمد علي، سنة 2014، صفحة 102)،كما أكد الميثاق العالمي للطبيعة سنة 1982على ضرورة حماية الطبيعة في إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية المصادر الطبيعية من الدمار إلى جانب مؤتمر ريو دي جانيرو(Mohamed Ali mekoir , 1988, p. 177)؛ وفي ذات السياق تم اعلان مجموعة من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة لحماية البيئة من التلوث وابرام عدة اتفاقيات دولية، وكانت اول المحاولات الدولية لحماية البيئة البحرية من تلوث البحار بزيت البترول تلك التي عقدت في لندن سنة 1945تلاها العديد من الاتفاقيات الدولية من بينها نجد:(الاتفاقية الخاصة بمنع التلوث الناتج عن السفن، الاتفاقية الخاصة بالاستعداد والاستجابة والتعاون في حالة التلوث النفطي والبرتوكول التابع لها، الاتفاقية الخاصة بحماية واستخدام مجاري المياه عبر الحدود والبحيرات الدولية والبروتوكول الخاص بالمياه والصحة…)،والتي جاءتبقواعد قانونية معينة للتصدي ومواجهة تلوث البحار على المستوى الإقليمي أو على مستوى الدولي، سواء كان التلوث من مصدر محدد أو مصادر متعددة،(محمد مصطفى يونس، 1996، صفحة 13).

هذا وقد وضعت منظمة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها والمعنية بالبيئة العديد من الاتفاقيات لحماية البيئة الهوائية، ونصت على ضرورة التعاون في مجال مكافحة التلوث وحماية الإنسان والبيئة المحيطة به من تلوث الهواء واتخاذ الإجراءات الكفيلة للحد بأقصى قدر ممكن من تلوث الهواء،أو تقليله تدريجيا ثم منعه بما في ذلك التلوث بعيد المدى للهواء الذي يعبر الحدود ويتسبب فيتلويث بيئات الدول الأخرى (محمد علي حسونة، صفحة 94).

بينما هدفت الاتفاقيات الخاصة بحماية البيئة البرية بدورها الى حماية صحة الإنسان والبيئة من الاثار الخطيرة للأسلحة الكيماوية أو الاثار الناتجة عن الحوادث الصناعية؛ كما كان الهدف من المؤتمر الدولي حول الجريمة البيئية المنعقد من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP بالشراكة مع وزارتي البيئة والعدل الإيطاليتين بروما سنة 2012 بعنوان: “الجريمة البيئية التهديدات الحالية المتصاعدة”، مناقشة كيفية المضي قدما لمعالجة قضايا البيئة بطريقة أكثر فعالية وكفاءة ودراسة تأثيرات الجرائم البيئية واقتراح توصيات لحل المشكلة ووضع خطة عمل لمكافحتها(بوغالم يوسف، سنة 2015، صفحة 80). وفي هذا الصدد، يمكن القول،ان إبرام الاتفاقيات أو وضع استراتيجياتالتنمية أو صياغة سياسات دولية وإقليمية ومحلية لحماية البيئة ومواردها من أجل الحفاظعلى التوازن الطبيعي للبيئة والتجدد التلقائي لمواردها واستمرار التنمية وادامتها، لازال يتطلب تدعيم وتعزيز التعاون الدولي في مجال مواجهة الجريمة البيئية والتصدي لها والعمل على اقتراح أساليب حديثة وتطبيقيها وتفعيل الحلول المناسبة في إطار الجهود الدولية المبذولة لمعالجة واقع قضايا البيئة والتنمية المستدامة.

المطلب الثاني: حماية البيئة من المخاطر على المستوى الوطني

تولي المملكة المغربية شأنها شأن باقي الدول والتشريعات المقارنة اهتماما كبيرا بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وقد ترجم هذا الاهتمام بتعزيز الاطار القانوني والمؤسساتي للمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة في ظل التحديات الكونية الحالية، الأمر الذي حدى بالمملكة المغربية إلى إحداث مجموعة من المؤسسات والأجهزة التي تعنى بحماية البيئة منذ سنة 1972 وتأسيس المجلس الوطني للبيئة سنة 1995 وبموجب دستور المملكة سنة 2011تم إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛مما يعد اعترافا بقيمة البيئة ومكانتها داخل المجتمع المغربي، فمن حق المواطنين أن يعيشوا في بيئة طبيعية ملائمة لحياتهم خالية من مخاطر التلوث ومضار التسممات  البيئية التي عانت منها بعض المجتمعات في النصف الثاني من القرن الماضي، وهو ما أدى إلى ازدياد الوعي بمخاطر الإجرام  البيئي، فاتجهت أغلب الدول نحو تأكيد هذه القيمة الجديدة في قوانينها ودساتيرها؛ (وهو التوجه الذي أكده المشرع المغربي من خلال دستور سنة 2011 الذي تضمن في المادة 19 منه الإشارة إلى مساواة الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق البيئية إيمانا منه بأهمية هذه الحقوق وإقرارا منه لما تشكله من أولوية قصوى كمصلحة مجتمعية لا محيد عن حمايتها جنائيا).

وقصد المحافظة على البيئة من كل أنواع المخاطر واستصلاحها عززت المملكة الترسانة القانونية الخاصة بحماية البيئة من خلال التنصيص على مجموعة من المقتضيات القانونية من قبل القانون 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة الذي أرسى القواعد والمبادئ العامة للسياسة الوطنية في مجال حماية البيئة واستصلاحها، وقانون رقم 49.17 المتعلق بالتقييم البيئي والذي جاء ليعوض القانون رقم  12.03 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة، والقانون 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، بالإضافة الى القانون رقم28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها،وقانون الإطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة،والذي اعتبر التنمية المستدامة من خلال المادة 9 منه بأنها: مقاربة للتنمية ترتكز على عدم الفصل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للأنشطة التنموية والتي تهدف الى الاستجابة لحاجيات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المقبلة، كما حدد الأهداف والمبادئ والحقوق والواجبات للنهوض بالشأن البيئي قصد حماية الأنظمة البيئة المتنوعة وفق المقتضى الدستوري المتعلق بالحكامة البيئية، بغية الوصول إلى التنمية المستدامة في الموارد البيئية وتفعيل مقتضيات قواعد المسؤولية والمراقبة البيئية…الخ

وإذا ما تأملنا في القوانين التي شرعت في المجال البيئي نجد أنه تمتجريم مجموعة من الجرائم الماسة بالبيئة من قبل الجرائم الواقعة على البيئة “المائية” كتلوث البحار،وهو ما عرفته المادة 3من القانون المتعلق بحماية واستصلاح البيئة 1. رقم 03-11بأنه ” القاء أو ادخال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في البيئة البحرية لأية مواد من شأنها إلحاق أضرار بالكائنات والنباتات البحرية، وان تكون مصدر خطر على الصحة البشرية وعائقا لمختلف الانشطة البحرية بما في ذلك صيد الاسماك والاستعمالات الاخرى غير المشروعة لمياه البحر وافساد لنوعية وجود هذه المياه”، وبذلك جرم تلوث البحار بالنفط والمواد البترولية والكيميائية والمواد السامة والنفايات ومختلف المواد ذات الضرر بالمياه البحرية التي تلقى في المياه إما من طرف المقاولات الصناعية أو السفن الناقلة، فإذا كان التصريف عمدا أو نتيجة تقصير مع معرفتهم باحتمال أن تنتج أثارا ضارة ويخضع للخطر، فإن المسؤولية الجنائية في هذه الحالة تصبح قائمة، ويعفى من ذلك الأحوال التي ترخص بها الحكومة والتي ترمي إلى مكافحة حوادث التلوث وغيرها من الجرائم الاقتصادية وجرائم تلويث البيئة الذي تتسبب فيها المؤسسات الاقتصادية والمنشآت الصناعية وكذا الجمعيات والشركات، مما يقتضي تطوير أحكام المسؤولية الجنائية في جرائم مخاطر البيئة التي ترتكب في اطار ممارسة الاشخاص المعنوية لأنشطتها بما يضمن تجريم الافعال الملوثة للبيئة وتنفيذ العقوبات المقررة التي يقضي بها، كما جاء في المادة 330/1 من قانون العقوبات الالماني “التي تجرم واقعة تسريب او تصريف مواد ضارة أو سامة في الهواء أو المياه أو التربة بكيفية من شأنها التعريض لخطر الموت أو الاصابة الجسدية الخطيرة”، بالإضافة الى إدراج نصوص تسري على مناطق اقليمية في هذا الخصوص، على سبيل المثال الاتفاقية الدولية للوقاية من تلوث البحار بالزيت، والتي تعتبر أول أداة دولية متعددة الاطراف تعقد بهدف حماية البيئة وتنفذ في أكثر من 65 دولة وكان الغرض منها حماية السواحل من التلوث بالزيت، بالإضافة الى اتفاقية برشلونة التي تتعهد الدولة المنظمة لها باتخاذ كافة الإجراءات بما يتفق  والقانون الدولي لمنع التلوث ومكافحته والتخفيف من اثاره في منطقة البحر الابيض المتوسط الناجم عن التخلص من مخلفات السفن وضمان التنفيذ الفعال للاتفاقية في المنطقة من خلال القواعد المعترف بها على المستوى الدولي، وأحكام الرقابة على هذا النوع من التلوث( الالفي عادل ماهر، 2009، صفحة 404)، كما تم تجريم الجرائم الواقعة على البيئة الهوائية أيضاوالتي من شأنها المساس بسلامة الهواء، وحظرت على نحو يعرض للعقوبات الجزائية حيازة أو استعمال آلات أو محركات أو مركبات التي من شأنها تلويث الهواء وأخضعت كل المصانع وكافة المقاولات والمؤسسات ذات الصلة لرقابة دقيقة واشراف من قبل وزارة البيئة،(حسين علام عبد الرحمان، 1985، صفحة 103)، وهو ماأوجبه المشرع المغربي من خلال قانون حماية واستصلاح البيئة من خلال حماية البيئة ضد كل أشكال التلوث التي تساهم في تدهور جودة الهواء وفي اضعاف طبقة الاوزون ومنع انبعات المواد الملوثة خاصة الدخان والغازات السامة المسببة للتآكل أو المشعة في الهواء بصفة تفوق الحدود المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية، وذلك حسب المادة 31 من نفس القانون إلى جانب تجريم مختلف صور الجرائم الواقعة على البيئة البرية والبحرية والجوية والعديد من الافعال التي تتعرض لها البيئة بغية حماية العناصر الأساسية للبيئة.

ونظرا للارتباط الوثيق بين البيئة وبعد التنمية المستدامة حرصت المملكة المغربية على احداث مجموعة من الأجهزة المكلفة بحماية البيئة من المخاطر والعمل على إيجاد توازن بين مختلف المصالح خاصة الاقتصادية والاجتماعية والايكولوجية والتنسيق بين هذه الأجهزة والمؤسسات المتدخلة في حماية البيئة ومنها باختصار:

ـ المرصد الوطني والمراصد الجهوية للبيئة والتنمية المستدامة الذي يعمل على تتبع حالة البيئة بالمغرب، وإنجاز الدراسات والبحوث ومتابعة مؤشرات التنمية المستدامة ومعالجتها، كما يتضمن شبكة المراصد الجهوية الموزعة على جهات المملكة، والتي تقوم بنفس المهمة على المستوى الجهوي والمحلي بتنسيق مع مختلف الشركاء من سلطات محلية ومجالس منتخبة وفاعلين اقتصاديين ومعاهد عليا وجمعيات المجتمع المدني.

ـ المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث والذي يتكلف بالدراسات ومراقبة التلوث، ويساهم في وضع شبكة المراقبة وقياس جودة البيئة، كما يحلل ويستثمر النتائج انطلاقا من معايير ومؤشرات الجودة.

ـ المجلس الوطني للبيئةيعتبر هيئة للتشاور والتنسيق والاقتراح وهو الساهر على ادماج الاهتمامات البيئية في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، هذا ويقوم بدراسة مشاريع النصوص القانونية والتشريعية وتتبع الدراسات.

ـ مؤسسة محمد السادس للبيئة ومؤسسة التربية البيئية تحيل المؤسسة عند تنفيذ برنامج عملها الى الالتزامات التي تعهد بها المغرب خلال قمة ريو سنة 1992 وسنة 2012 وجوهانسبورغ سنة 2002؛ والتي ترجمتها المملكة المغربية في ميثاق البيئة والتنمية المستدامة والقانون الاطار ذي الصلة والاستراتيجيات الوطنية المنبثقة منها، بالإضافة الى انخراطها في برنامج الأمم المتحدة وأهدافه للتنمية المستدامة في أفق 2023 وكذلك أجندة الاتحاد الأفريقي لسنة 2063؛ وتتمثل المهمة الأساسية للمؤسسة في التربية والتوعية بآثار الأنشطة البشرية على البيئة والتي ستمكن الأجيال الناشئة من التحلي بتصرفات وسلوكيات أخلاقية واعية من أجل تنمية متطورة، وخدمة المصلحة العامة من خلال تعزيز التضامن وتبادل التجارب والخبرات والتحقيقات من أجل مقاربة بيئية للتنمية وحماية البيئة والثروات الطبيعية، هذا وقد انخرطت مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة سنة 2002 في مؤسسة التربية البيئية الموجودة بكوبنهاكن بالدانمارك، والتي ترتبط مهمتها بكل بلد عضو فيها من خلال منظمة غير حكومية يكون الفاعل فيها المكلف والمنفذ بإنجاز مختلف البرامج.

وبذلك تسعى المملكة المغربية إلى مواكبة التطورات الحاصلة في المجال البيئي ووضع سياسة بيئية فعالة لتحقيق الأهداف المرجوة منها وإيجاد التوافق بين مختلف المؤسسات الساهرة على تنفيذها، مع الحرص على التنسيق وتبادل الخبرات في إطار التعاون الدولي لتتظافر جهود مختلف الدول وتقوية انخراطها في جل الاتفاقيات الدولية والإقليمية للتصدي للجرائم البيئية على نحو يعزز ويدعم سبل التعاون والتنسيق فيما بينها في مواجهتها وحمايتها.

وختاما، يمكن القول أنه وفي ظل التغيرات والتحولات المناخية الحاصلة حول العالم، أصبح لا يخفى على أحد أن الجريمة البيئية في الوقت الراهن تعد من قضايا العصر التي تعنى بالاهتمام الدولي والمحلي لتحقيق الامن البيئي والمحافظة على البيئة وعناصرها من التلوث والاخطار التي تهددها وتأمين احتياجات المجتمع لتمكنه من تحقيق التنمية والاستقرار، وعليه فإننا نوصي ببعض التوصيات:

  • تأكيد حق الإنسان في بيئية صحية خالية من المخاطر وجميع أنواع التلوث، باعتبار هذا الحق أحد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان،
  • ترسيخ وتنمية فكرة المواطنة البيئية من خلال تعميم الثقافة البيئية والوعي البيئي وزرعهما لدى مختلف الفئات العمرية والاجتماعية لتحقيق التنمية المستدامة،
  • ضرورة توحيد التشريعاتالمتعلقة بالبيئية والتنمية لتشكل ردعا كافيا لبعض الاشخاص والشركات وحتى لبعض الدول، مع التزام الدول بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة،
  • العمل على تطبيق وتنفيذ النصوص التنظيمية لحماية البيئة الحيوية من جميع أشكال التلوث سواء على الجوية أو الهوائية أو البحرية،
  • ينبغي للسياسات البيئية لجميع الدول أن تعزز القدرة الإنمائية لديها في الحاضر والمستقبل، لأن غياب وضع هذه السياسات سبب كافي يحول دون تحقيق التنمية واستدامتها،
  • تنظـيم المؤتمرات الدوليــة والوطنية والنــدوات والملتقيات التــي تبــين الانتهاكات التــي تتعـرض لهــا البيئــة البحث عن إيجاد حلول مناسبة،
  • تفعيل دور اللجنة الوطنية واللجان الإقليمية للبيئة ودعم وتطوير جهاز الشرطة البيئية،
  • فتح افاق التعاون الدولي بين الدول وتبني تجارب الدول في مجال التنمية المستدامة واكتساب الخبرات والمهارات المتبادلة،
  • تفعيل دور الإعلام في مجال التوعية البيئية في مختلف وسائله.

 

لائحة المراجع

  1. الالفي عادل ماهر. (2009). الحماية الجنائية للبيئة واتفاقية لندن والملحق التابع لها سجل المعاهدات بالأمم المتحدة. جامعة المنصورة: دار الجامعة الجديدة للنشر.
  2. الجنزوري عبد العظيم. (1999). الاتحاد الأوروبي. مصر: درا النهضة العربية القاهرة.
  3. زريكي يمينة. (سنة 2021). الجريمة البيئية والعقاب عليها في القانون الجنائي الخاص للمؤسسات وقوانين البيئة. الجزائر: جامعة الجيلالي اليابس سيدي بلعباس،.
  4. سوط توفيق. (سنة 2007). تأليف الحماية الجنائية للبيئة في القانون المغربي دراسة مقارنة، الرباط،: جامعة محمد الخامس السويسي.
  5. وناس يحي. (سنة 2007). الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر. تأليف أطروحة دكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة تلمسان،.
  6. أبو راضي إبراهيم عيسى علي، فتحي عبدالعزيز. ( سنة 2004). تأليف جغرافية التنمية والبيئة؛ بيروت: الطبعة الأولى، دار النهضة العربية.
  7. اسلام سلمى محمد. (سنة 2016). الجرائم الماسة بالبيئة في التشريع الجزائري. جامعة محمد خيضر، بسكرة،، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق .
  8. الدلالي الشحي هشام بن عيسى بن عبد الله. (2017). حق التنمية المستدامة في قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان. تأليف رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط.
  9. الطاهر الثابت. (2023). الجرائم البيئية. https://medicalwaste.org.
  10. الفيل عدنان. ( 2012). المنهجية التشريعية في حماية البيئة (دراسة مقارنة). تأليف الطبعة الأولى الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
  11. بوغالم يوسف. ( سنة 2015). المساءلة عن الجرائم البيئية في القانون الدولي. مصر: الطبعة الأولى مركز الدراسات العربية.
  12. بينرجيمس كلود دوفوسلو. (2000). تأليف إدارة البيئة من أجل جودة الحياة. القاهرة: مركز الخبرات المهنية للإدارة بميلا.
  13. حسونة محمد علي. ( سنة 2014). مسؤولية الدولة عن أضرار التلوث البيئي. الإسكندرية: دار الفكر العرب.
  14. حسين علام عبد الرحمان. (1985). الحماية الجنائية لحق الانسان في بيئة ملائمة. القاهرة: دار النهضة الشرق.
  15. رشيد سالم نعمة. (2015). الحماية الجنائية للبيئة من التلوث ـ دراسة مقارنة (المجلدات المجلد -13). (م. م. سلام مؤيد شريف، المحرر) مجلة جامعة كربلاء العلمية،.
  16. زغيب, شهرزاد ولمياء عماني. (سنة 2011). تأليف البيئة والتنمية المستدامة (المجلد العدد السادس) مجلة العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية.
  17. فهمي خالد مصطفى . (طبعة سنة 2011). الجوانب القانونية لحماية البيئة من التلوث. القاهرة: دار الفكر العربية الإسكندرية.
  18. محمد خالد جمال رستم. (2006). التنظيم القانوني للبيئة في العالم. بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية.
  19. محمد مصطفى يونس. (1996). حماية البيئة البحرية من التلوث في القانون الدول العام. مصر: دار النهضة العربية، القاهرة،.
  20. هلال أشرف. (2005). الجريمة البيئية بين النظرية والتطبيق (الإصدار الطبعة الاولى). القاهرة: مكتبة الآداب للنشر.
  21. هلال أشرف. (2011). التحقيق الجنائي في جرائم البيئة. القاهرة مصر: ، دار النهضة العربية،.

 

لائحة المراجع بالأجنبية

  1. and Van der veen,R.J Robeyns I. (2007). Sustainable quality of life: Conceptual analysis for policy-relevant empirical specification. Journal of research and rural planning.
  2. Banks D. Daviesl . (2008). Environmental Crime A threat to our future, ENVIRONMENTAL INVESTIGATION. AGENCY, U.K.
  3. Karen Delchet. (2003). qu’est-ce que le développement durableFrance: collection A savoir.
  4. Mohamed Ali mekoir . (1988). Etudes en droitde L’Enveronnement ? Editions OKAD Imprimerie NAJAH EL Jadida.
  5. Philippe Malingrey. Introduction au droit de l’environnement. Edition TEC&DOC.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *