نوفمبر 22, 2024 11:07 م

د. عبد الله حدادي،

 دكتوراه في الأدب الحديث ، جامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، المغرب.

نقول  :

تروم هذه المقالة  استيضاح الأسباب التي هيأت للتبئير النقدي على فعل القراءة أن يحول طريقة التفكير في الأدب، ويفسر اشتغال النص من خلال الدور الذي يلعبه المرسل إليه في تكونه، وكذا في فهمه وتأويله؛ لأن الأدب يشيد تواصلا مؤجلا بين كتاب ما وقراء ليسوا، على جهة الضرورة واللزوم، معاصرين لبعضهم البعض، ولا حاضرين جميعهم في المكان عينه. لقد شكلت وشاجة العلاقة بين النص والقراءة الأس الحافز، لدوائر النقد الأدبي، على إنسال تفريعات على قدر كبير من التنوع، بصدد صنوف القراء وأنماط القراءة، هذه الأخيرة التي سُلط عليها الضوء، ضمن نظرية التلقي، بوصفها منظومة من الاستراتيجيات الذهنية وجملة الآليات الإدراكية والنفسية والثقافية التي تحصل عند مواجهة نص ما، وتمتلك بناء ينتصب موازيا لبناء النص ومتحاورا معه. وأيـًّا ما كان من أمر استفادة نظرية التلقي من غيرها من المناهج والنظريات، فإن الأوكـد أنها استطاعت أن تشيد لنفسها موقعا مائـزا على جغرافية النظرية النقدية المعاصرة، ذلك أن مدرسة كونستانس الألمانية وإن نهلت أصولها من منابع فكرية مختلفة واعتمدت مصادر إمداد نظرية متنوعة، فإنها مع ذلك ستكون لها ميزتها الخاصة في تطوير كثير من المفاهيم التي وجدت قبلها، وصوغ فرضيات جعلتها قمينة بأن تخلق مسافتها النظرية والفنية الخاصة، لتعلن عن نفسها بوصفها إبـدالا حقيقيا أسهم في انبثاق زوايا نظر جديدة يممت شطر المتلقي/القارئ، باعتباره عنصرا طالما أُهمل ضمن أثافي الفاعلية الأدبية، مما وعـد بتحقق سانـحة تبلور تصور أشمـل للظاهرة الأدبية يؤدي إلى فهم لها أعمـق.

مقدمة

أسفرت نظرية التلقي عن نفسها بوصفها منعطفا حاسما في تاريخ النقد الأدبي، بالتفاتها إلى عنصر عملت البداهة على إقصائه من دائرة الاهتمام الفاعل ضمن أقطاب التواصل الأدبي. لقد مرت حقبة تم فيها الاهتمام بالمؤلف وتصرمت حقب أخرى تضخمت فيها حظوة النص، لتدق في النهاية ساعة القارئ. هكذا، جاءت نظرية التلقي ضمن الأرضية الماهدة لها، والمتمثلة في جماعة كونستانس، مسكونة بهاجس مجاوزة القصور الذي اعتور نظريات النقد المتجهة إلى مصدر النص(المؤلف)، أو تلك التي يممت شطر النص، في ذاته ولذاته.

ضمن هذا الأفق، يستعلن تأكيد دور القارئ في صوغ أدبية النص، بوصفه التعديل الأساسي الذي طـرأ على نظرية الأدب بعد منتصف القرن العشرين، بعد أن تنبهت نظرية التلقي إلى أن النقاد بتبئيرهم البحث الأدبي على الكاتب والعمل الأدبي قد اختزلوا النسق العلائقي دون موجب لذلك. إذ يجب على هذا النسق أن يأخذ متلقي الرسالة الأدبية (الجمهور القارئ) بعين الاعتبار، فتلك ضرورة لا محيد عنها؛ ذلك أن النص لا يتحقق أنطولوجيا إلا بالقراءة ولأن الأدب والفن لا يصيران صيرورة تاريخية ملموسة إلا بواسطة تجربة القارئ.

مشكلة الدراسة: لا جرم أن التفاعل بين النص والقارئ هو أس فعل القراءة من منظور جمالية التلقي، لكن السؤال الملحاح الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف السبيل إلى تعقل هذا التفاعل وجعله موضوعا لدراسة منهجية متعينة؟ فإذا كان مُهما القول إن عملية القراءة هي ما يضمن تحقق النص، فإنه من المهم أيضا أن يكون في الوسع تجاوز مستوى التوصيف الحدسي لفعل القراءة ولماهيته. لكن، كيف يتأتى لنا هذا التجاوز لضبط فعل القراءة نظريا ودراسته أثناء تحققه الفعلي، ثم، ضمن مستوى ثانٍ، كيف يمكن تعرف ما يفرزه هذا الفعل من أنماط تتصل به وبممارسيه؟

أهمية الدراسة: تؤول أهمية هذه الدراسة إلى كونها تروم رفع اللبس عن مفهوم القراءة ومحوري قيمته في تحقق النص ضمن النظرية النقدية الحديثة عموما، وعبر اجتهاد نظرية التلقي على جهة التخصيص، وكذا تقصي أنماط الفعل القرائي وأنواع الذوات الناهضة به والمترجمة لإوالياته.

أهداف الدراسة: تنشد هذه الدراسة بلوغ الأهداف الآتية:

  • تجلية قيمة نشاط القراءة في تحقق النص ووجوده؛
  • تأكيد دور القارئ وفاعليته ضمن الدوائر النقدية الحديثة والمعاصرة؛
  • ربط العناية بالقارئ وأدواره وقيمة نشاطه، ضمن نموذج تفسيري واضح ومتماسك، بنظرية التلقي.

منهجية الدراسة: ارتضى الباحث الاعتماد على المنهج الوصفي والتحليلي، في سبيل رصد قيمة القراءة، بوصفها فعلا منتجا خلاقا، في تحقق النص أنطولوجيا، واقتفاء سيرورة الوعي بهذه القيمة والتنظير لها.

مفهوم القراءة لغة واصطلاحاً

يورد معجم لسـان العرب في مادة [قرأ] الدلالات الآتية: «قرأت الشيء قرآنا: جمعته وضممت بعضه إلى بعض (…) ومعنى قرأت القرآن: لفظت به مجموعا أي ألقيته (…) وأقرأ الصحابة أي أتقن للقرآن وأحفظ. (…) وقرأ واقترأ، بمعنى، بمنزلة علا قرنه واستعلاه (…). وقارأه: دَارسه (…) وتقرأ: تفقه (…) وقال بعضهم: قرأت تفقهت» (ابن منظور، بدون تاريخ: 128-129-130).

وباستحضار معاني لفظة قراءة ضمن الثقافة العربية، يسجل محمد الدغمومي (1999م) أنه لم يتحدد لهذه اللفظة سياق نظري يخصصها بوصفها فعلا معرفيا نوعيا «(…) إذ بقيت، وما تزال إلى يومنا هذا، حاملة لمدلول عام يرتبط بكل فعل ينقل النظر من الحرف إلى الفهم» (ص. 273.)، وهو الأمر الذي نلمس تبعاته في التعريف الذي يقترحه معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، حيث «(القراءة) هي فك كود الخبر المكتوب، وتأويل نص أدبي ما» (علوش، بدون تاريخ: 100).

غير أن الحاصل اليوم، هو أن مفهوم القراءة قد تجاوز الإحالة على الفعل المسلط على ما هو مكتوب حصرًا، ذلك أنه قد أصبح «(…) لفعل “قـرأ” المتعدي، في النقد المعاصر، استعمالات كثيرة ومتنوعة (قرأت النص واللوحة والمدينة والجسد…)» (بنحدو، 1988م: 19). ولعل هذا الأمر هو ما جعل من مفهوم القراءة مفهوما فَلـوتاً ليست له أداوت واضحة ولا مرجعية قارة ولا موضوع خاص، ويمكن أن يظهر في كل مرة ضمن احتمال مفهومي مختلف (الدغمومي، 1999م: 273).

وعموما، فإن القراءة إذا أطلقت في الدراسات المعاصرة، تجيء موصولة بالدلالات الآتية:

«التلقي الإيجابي للنصوص، لا الاستسلام لها والوقوع في أسرها.

معرفة الطريقة التي كتب بها النص، أي كيفية تشكله.

القراءة بناء يحاور النص من أجل التوصل إلى ما يشكل تفرده وتميزه عن سواه من النصوص؛ ومن ثم معرفة سر خلوده والاهتمام به على مر العصور.

القراءة عملية غير محايدة، تقتضي تدخل القارئ بمعارفه المسبقة وذخيرته المكتسبة من خلال قراءاته السابقة لنصوص مماثلة.

القراءة تـأويـل» (المتقن، 2004م: 18).

ليست القراءة، إذن، عند النقاد والباحثين المعاصرين ذلك الفعل البسيط الساذج المتصل بمسح النص بصريا؛ وليست هي أيضا بالقراءة التقبلية التي نكتفي فيها، عادة، بتلقي الخطاب تلقيا سلبيا اعتقادا منا أن معنى النص قد صيغ نهائيا وحدد فلم يبق إلا العثور عليه كما هو، أو كما كان نية في ذهن الكاتب. إنها  بالأولى فعل خلاق يقرب الرمز إلى الرموز ويضم العلامة إلى العلامة (الواد، 1988م: 72).

نظرية التلقي: نحو براديغم جديد للقراءة

كانت نظرية التلقي بمثابة تغير حقيقي في النموذج النظري لدرجة أن الشعرية خلال العقود الأخيرة يمكن أن توصف بحق بأنها “شعرية القراءة” (إيفانكوس، 1992م: 119)، بعد أن أصبحت قـراءة النص هي الأكـثر استئثارا بالاهـتمام والأكثر استحواذا على أسئلة النظرية الأدبية وافتراضاتها، حيث اكتسبت أهمية كبيرة لم تحظ بمثلها عبر تاريخ النقد كله، كما صاحب ذلك ازدياد كبير في تقدير فاعلية دور القراءة والتلقي في عملية فهم النص واكتشافه وإنتاجه وتشكيله وتصنيعه، فعد التلقي في أحد أهـم مظاهره وأخطرها بمثابة إعادة إنتاج وتصنيع للنص من جديد، وذلك بعد أن تم انجازه بصورة أولية مفـتوحة من قبل مؤلفه. من هنا، لـيس بالإمكـان تصور النص في وجوده المتعـين إلا من خلال تحقـقه في التلـقي والقراءة، فأن تعرف ما هو النص هو أن تعرف كيف قرئ، وكيف تم تـلقيه في سلـسلة القراءات والتلـقيات المتعاقبة والمتداخلة، حيث النص لا يعيش إلا من خلال الـقارئ ومن خلال تاريخ اشتغال المتلقي به، بل لا معنى لنص حتى يقرأه شخص ما ويمنحه دلالة معينة (كاظم، 2003م: 12)، وبدا التحويل المنهجي الذي طرأ على تحليل النص بالاستناد إلى نظرية التلقي، ينم عن إدراج (فعل الفهم) في القراءة، وجعل نتائجه بنية من بنيات النص، وتمظهر الفهم بوصفه القسيم المعرفي للذات. وما ينتج عنه من تباين الاستـنتاجات لتباين الذوات المعرفية (موسى صالح، 2001م: 53)، إذ حولت نظرية التلقي مركز الثقل في الدوائر النقدية بوصلها الأدب بوظيفـته التواصلية التي حجبتها البنيوية النصية وتجاوز النظر إلى الكتابة بوصفها فعلا لازما، حيث أمست هذه الأخيرة غير منفصلة عن “قول شيء ما لشخص ما”. ولذلك سننهي مسيرتنا عبر حقول النقد الأدبي محاولين أن نستوعب كيف استطاع التبئير النقدي على فعل القراءة أن يحول طريقة التفكير في الأدب، ويفسر من الآن فصاعدا اشتغال النص من خلال الدور الذي يلعبه المرسل إليه في تكونه، وكذا في فهمه وتأويله؛ لأن الأدب يشيد تواصلا مؤجلا بين كتاب ما وقراء ليسوا بالضرورة كلهم معاصرين لبعضهم البعض، ولا حاضرين جميعهم في المكان نفسه (موريل، 2005م: 100).

من منظور جمالية التلقي، لا ينفصل النص الذي يقرأ عن تاريخ تلقيه، فتاريخ التلقيات والقراءات الخاص بنص ما، هو الذي يمكننا من فهمه بعد أن أنجز وصار ماضيا. إن التلقي بهذا المدلول، سانحة يتجاوز فيها كل من النص والمتلقي ذاتهما ليمتدا خارج حدودهما، ذلك أن النص لا يتحقق إلا من خلال القارئ، والقارئ لا يحقق شرط وجوده إلا من خلال فعل القراءة. تأسيسا على الآنف، لا يعد التلقي توصيفا لحالة استقبال سلبي لنص ناجز سلفا بصورة تامة ومنتهية، بل هو فاعلية نشطة بها يتاح للنص أن يتحقق ويتجسد. فالنص الأدبي حتى وإن كان شكلا منتهيا ومغلقا ومنظما في غاية الكمال، ومضبوطا بدقة، فإنه مع ذلك يبقى “مفتوحا”، على الأقل لكونه قابلا للتأويل بصور مختلفة (الإدريسي، 2000م: 16)، حيث إن النص، من هذا المنظور، وجود ناقص، أو لعله مشروع وجود لا يقتنص من إمكانيات النص إلا بعضها. تبعا لذلك، ينجلي النقص بما هو السمة المشتركة بين النص والقارئ على حد سواء، وفي هذا النقص، تحديدا، يكمن سر احتياج كل منهما إلى الآخر وارتهانه أنطولوجيا به.

لا مراء أن احتفاء نظرية التلقي بالقارئ والقراءة، وصلتهما بالنص، والنتائج المترتبة عن هذه الصلة، إنما هو تبئير على الجانب التواصلي في نظرية الأدب، وذلك نظرا لكون الظاهرة الأدبية، مثلما يؤكد (ميكائيل ريفاتير) (Michael Riffaterre) (1997م)، «(…) ليست في المؤلف، كما ظن النقاد زمنا طويلا، ولا في النص المعزول، بل هي في جدلية بين النص والقارئ» (ص. 7).

لقد تضامنت نظرية التلقي مع اتجاهات ما بعد البنيوية في نبذ الشكل الواحد للمعنى، وتقويض مبدإ الإيمان بالملفوظ اللساني دليلا وحيدا، أو وسيطا وحيدا لبناء جمالية للنص ومحاورة بنيته. وخطا منهج القراءة ونظرية التلقي خطوات أشد إيغالا في تشييد جمالية من نوع خاص، استقت أصولها من الفلسفة الظاهراتية التي تجعل من الذات مصدرا أولا للفهم. فصارت الذات المتلقية، ضمن هذا الأفق، قادرة على إعادة إنتاج النص بواسطة فعل الفهم والإدراك، ومتمكنة بذلك من إفسال تعددية المعنى وتشقيق وجوه لانهائية من بنيته، مما يجعله قادرا على الديمومة والخلود بفعل الحوارية المستمرة بين بنية النص وبنية المتلقي (موسى صالح، 2001م: 52)، ولعل هذا ما دفع محمد مفتاح (1993م) إلى اعتبار أن نظرية التلقي تنزع إلى تحليل النص ضمن ما أسماه بـ “الإبستيمولوجية التشييدية”، التي شعارها: «لا شيء معطى، وإنما كل شيء مبني» (ص. 45).

يتعارض هذا الطرح جوهريا، مع ذلك الذي شيدته المقاربات المشدودة إلى النص، والمعنية بتحليل هذا الأخير في ذاته ولذاته، كما هو الشأن عند الشكلانيين الروس والنقد الجديد والبنيوية وغيرها، حيث انصب التأكيد دائما على النظر إلى النص الأدبي بوصفه )معطى( موضوعيا، يحوز وجودا مستقلا عن أي أشكال الارتباط، سواء بالقارئ أم بالمجتمع أم بالمؤلف. فقد كان النص، بحسب أشهر الاستعارات، عبارة عن “جرة حسنة الصنع” أو “أيقونة لفظية”؛ أي معطى ناجزا ومكتفيا بذاته. ويؤول إلى هذا التصور الأيقوني الشائع عن النص، دور حاسم في توجيه النقد الحديث إلى الاهتمام بالنص في ذاته ولذاته، والوقوف، ضمن أشراط التحليل المحايث، عند مستوى الكلمات والأصوات والتراكيب والمقاطع… من ثم، فإن اقتضاء دراسة النص، بوصفه معطى موضوعيا، يفترض وصفه بصورة )محايثة(، وبـــ)وفاء( تام دونما تدخل من ذات القارئ أو المؤول، حيث لا يتم هذا الوفاء التام للنص إلا على حساب إمحاء حضور القارئ ومحق وجوده. فأي تهاون في الوفاء للنص إنما يورث، على جهة الضرورة واللزوم، اقتراف محذور “المغالطة التأثيرية” (affective fallacy) الذي شدد النقاد الجدد على كونه خطأ في التقويم والتأويل (كاظم، 2003م: 24-25)؛ أي الخلط بين ما هو للنص، وما هو من نتائجه وتأثيراته في القارئ، وهي التأثيرات ذاتها التي طالما أكدت نظرية التلقي تعذر فهم النص بمبعد عنها.

وبطبيعة الحال، لا تشكل الاتجاهات المختلفة التي تنضوي تحت إطار نظرية التلقي نقدا موحدا من الناحية المفهومية، بل تمثل مجموعة متباينة من المنطلقات والمناهج والأدوات (موسى صالح، 2001م: 41)، «فـنظرية التلقي ليست نظرية واحدة، وإنما هي نظريات كثيرة (…)» (إيفانكوس، 1992م: 124)، ولعله الأمر الذي دفع (رمان سلدن) (Raman Selden) (1998م) إلى أن يؤطر الحديث عن نظرية التلقي، ضمن كتابه النظرية الأدبية المعاصرة، تحت تسمية: “النظريات المتجهة إلى القارئ: نظريات القارئ”، بصيغة الجمع لا الإفراد. غير أن هذه النظريات، وإن اختلفت رؤى وأدوات، فإنها تتفق فيما بينها، على الأقل، في أمرين، حسبما يلاحظ محمد المتقن (2004م: 12)، هما:

نبذ الدور التقليدي للقارئ، ومنحه دورا حاسما في تحديد المعنى.

كون النص، في تصور هذه النظريات، لا يحمل معنى جاهزا، فالقارئ هو من يملأ فراغات النص ويشغل بياضاته بشكول المعنى.

وبما أن لا نص يوجد بغير نشاط القراءة، فإن هذه الأخيرة تنتصب فاعلية تنقل النص، أي نص، من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، فهي التي تحيل النص إلى معنى، وتجعله قولا معلنا عبر فاعليتها الخلاقة (المتقن، 2004م: 19). بهذا، تفصح نصية النص عن تحققها بفضل فعل القراءة وفاعليته، ذلك أن «النص خذروف عجيب (…) لأجل استعراضه أمام العين لابد من عملية حسية تسمى: القراءة. وهو يدوم مادامت القراءة، وفيما عدا هذا لا يوجد سوى علامات سود على الورق» (سارتر، د.ت: 43)، إن هذه العلامات السود التي يتحدث عنها (جان بول سارتر) (Jean-Paul Sartre) هي، على وجه التحديد، ما يظهر عليه النص قبل أن يطوله فعل القراءة. فالنص قبل القراءة، أي قبل تعلق الوعي به، مجرد هيكل فارغ لا يقدم إلا “مظاهر خطاطية” جوفاء. على هذا النحو، يتجسم النص بوصفه نـزهة يقوم فيها المؤلف بوضع الكلمات ليأتي القراء بالمعنى (إيكو، 2004م: 22)، «إذا، فالنص إن هو إلا نسيج فضاءات بيضاء، وفرجات ينبغي ملؤها، ومن يبثه يتكهن بأنها (فرجات) سوف تملأ (…). إن النص غالبا ما يتطلب إعانة أحدهم لكي يتحقق عمله» (إيكو، 1996م: 63-64).

تنتصب القراءة في الفعل النقدي، باعتبارها عتبة التأويل الأولى، التي تُسهم في بنائه، وتُتيح له المعطيات الأولية المجمعة من النص لإنتاج ذاته، هذا التأويل الذي لا يتحقق إلا بالتصرف في تلك المعطيات (محصلة القراءة) والاشتغال بها وعليها.

وإذا جاز لنا أن نجازف باستعارة مقولتي (الفهم) و(التفسير) الآيلتين إلى الإرث البنيوي التكويني، قلنا إن مفهوم القراءة ألصق بمرحلة الفهم، في حين يعتبر التأويل بمرحلة التفسير ألحق.

إن دفاعنا عن هذه التراتبية (متقدم/ متأخر) لا يمنع من أن نقول إن تأويل نص يبدأ حين الشروع في قراءته، ذلك أن هذه التراتبـية لا تفرض ضرورة فاصلا زمنيا طويلا بين العمليتيـن، بحيث يمكن أن تتم العمليات في شبه تواقـت، لكن مرحلة القراءة تبقى، مع ذلك، الأسبق أنطـولوجيا بل ومنطقيا أيضا، فالقراءة، هي العتبة الأولى في العملية النقدية والخطوة الأولى لإنتاج التأويل.

أنماط القـراءة

لعل المتأمل في النتاج النظري المتحصل من تعيين أنماط القراءة، ليندهش إزاء العدد الهائل لتفريعاتها، ولا بأس في هذا السياق من التأشير على بعض أنماط القراءة بما يقرب وضعية التنوع تلك.

يقترح (ميكائيل ريفاتير) (Michael Riffaterre)، مثلا، ضربين من القراءة تشكلان مرحلتين مختلفتين في الاقتراب من الكون النصي للعمل الأدبي، ولكنهما تتكاملان بحيث تمهد أولاهما للثانية؛

القراءة الاستكشافية، وفيها يتم الاحتكاك الأولي بالنص وخلالها يجري التفسير الأول لـه.

القراءة الاسترجاعية، وهي قراءة تأويلية يعمد خلالها القارئ إلى “استرجاع” ما قرأه واستحضاره أثناء محاولة فهم النص وتأويلـه (المتقن، 2004م: 21).

أما عند (رولان بارت) (Roland Barthes) فنلفي تحديدات لأنماط أخرى للقراءة، يمكن تعرفها كالآتي:

قراءة مهووسة تتلذذ بإنتاج خطاب ميتا-نصي يـوازي ويناظـر خطاب النص الأدبي.

قراءة عصابية تندفع منجذبة إلى كون النص والانغمار في التباساته.

قراءة انفصامية (بارونية) تنتج نصا استيهاميا على هامش النص الأدبي.

قراءة ملتذة أو فيتيشية تتحسس مناطق من جسد النص وتتلذذ بها (الدغمومي، 1999م: 270-271).

وفي خطاب النقد العربي الحديث يورد كل من فاضل ثامر ورشيد بنحدو مصطلحات قرائية عديدة، بحيث نجد عند الأول مصطلح القراءة العمودية والقراءة الأفقية والقراءة الاستنساخية (ثامر، 1988م: 94)، أما الثاني فيورد مصطلح القراءة العارفة والقراءة المستهلكة (المتقن، 2004م: 22)، ونجد عند سعيد علوش مصطلح القراءة الجمعية، وهي تأويلات متعددة لنص عبر مستويات مجازية غالبا (علوش، د.ت: 100)، وعند إدريس بلمليح نلفي مصطلح القراءة التفاعلية (بلمليح، 2000م: 10)، في حين يقترح صلاح بوسريف (2005م) مصطلح القراءة العارفة، قاصدا تلك القراءة التي تنبثق: «(…) محكومة بشرطها المعرفي الذي تتخذه وسيلة عمل، وبه، أو من خلاله تبرر ما تصل إليه من نتائج (…). القراءة العارفة، بهذا المعنى، تخدم المعرفة، وتساهم في بناء التصورات والمفاهيم، كما تقترح أفق التحولات الممكنة التي يكون النص ملاذها» (ص. 7).

تأسيسا على ما تقدم، يغدو من البدهي الإقرار بأن التعدد الواسم لمفهوم القراءة وأنوعها، سيطول، بالتبعية، أنماط الذوات الممارسة لها، تعدد لا يني يؤكد دور القارئ في رسم قسمات القراءة والنص على حد سواء، فبدونه لا تحقق القراءة حضورها الأنطولوجي، مثلما لا يتاح للنص العبور من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل.

أنواع القــراء

اجتهدت النظرية النقدية المعاصرة اجتهادات ثرة باتجاه محاولة تحديد هذه الذات القارئة، حتى تتمكن تاليا من فهم مختلف أفعالها. فقد أدى «(…) الاهتمام المتزايد بالقراءة وأنماطها إلى كثير من التفريع فيما يتعلق بالقارئ، وقد كان لعامل الترجمة المضاعفة دور كبير في تعدد أنواع القراء. فالاختلاف في ترجمة المصطلح يوهم بأننا إزاء مفاهيم متعددة، ولكن عند التمعن، ينجلي الأمر، لنجد أنفسنا أمام مصطلح واحد بتسميات مختلفة» (المتقن، 2004م: 23).

غير أن الترجمة سواء أكانت بسيطة أم مضاعفة، ليست السبب الرئيس “ذي الدور الكبير” – حسب تعبير المتقن- المفسر لهذا التفريع الشديد في أنماط القراء، ذلك أن في داخل تعقد فعل القراءة في ذاته، وتعدد مستوياته وأبعاده، ينتصب السبب الأهم المولد لهذا القدر من التفريع في أنماط القراء.

 فقول محمد المتقن الآنف وإن أشّر إلى جانب من تجليات الظاهرة، فإنه مع ذلك لم يوفق إلى تحديد أصلها. ويكفي تدليلا على ذلك أننا نلفي، حتى في ظل اللغة المصدر، تفريعات لأنماط القراء لا حصر لها، مما سينعكس بداهة على ترجمتها إلى اللغة/اللغات الهدف.

وإذا كان الحال على ما قدمنا، فإن الاسترسال في استقصاء جميع أنواع القراء مطلب ليس هاهنا مقامه. وعليه، سوف يتم الاكتفاء، بالمقابل، بالوقوف عند بعض من أهم أنواع القراء وأكثرها شيوعا، كما أفرزتها اجتهادات النظرية النقدية المعاصرة، أنواع نُجمل الحديث عنها في أربعة أساسية.

أ- القارئ النموذجي

إنه عند (فولفغانع إيزر) (Wolwgang Iser) (1987م) «القارئ الذي نرجع إليه في الغالب، والذي يصعب جدا تحديد جوهره، بل إننا نستطيع أن نذهب إلى حد اعتبار الناقد الأدبي أو فقيه اللغة بمنزلة جوهر لهذا التجريد» (ص. 29). وهو عند (ميكائيل ريفاتير) (1993م) مجموعة من المخبرين الذين يلتقون دائما عند النقط المحورية في النص، وبالتالي يؤسسون وجود “واقع أسلوبي” عبر ردود أفعالهم المشتركة، والقارئ النموذجي مثل أداة استطلاع لمنبهات النص ولاكتشاف كثافة المعنى الكامن المسنن فيه فضلا عن كونه معيارا يساهم في إقصاء الذاتية من ردود أفعال القراء مما يجعله أداة لتحقيق قراءة موضوعية تستند إلى المؤشر الأسلوبي باعتباره حافزا نصيا وعنصرا هاما في خلق التفاعل بين النص والقارئ (ص. 54).

أمـا القـارئ النموذجي الذي يبسط (أمبرتو إيكو) (Umberto Eco) (1996م) الحديث عنه فإنه لا يحضر بصفته القارئ الذي يشارك ويتفاعل مع النص فحسب، بل إنه يولد إلى حد كبير من النص نفسه. يقول (إيكو)  (2005م) في سبيل توضيح ما يعنيه بمفهوم القارئ النموذجي: «(…) إنه قارئ نوعي يتوقعه النص باعتباره محفلا للتعاون. فإذا استهل نص ما بـ”حدث ذات يوم…” فإنه يرسم علامة تقود إلى انتقاء مباشر لقارئه النموذجي الذي سيكون بالضرورة طفلا أو شخصا مستعدا لقبول قصة لا تكثرت للحس المشترك» (ص. 28).

ب – القارئ الخبير أو المؤهل

إن هذا القارئ، حسب توصيف إدريس بلمليح (2000م) «(…) يسعى باستمرار إلى إخصاب مضامين النصوص وتوسيع دائرة المعلومات التي تنطوي عليها، هادفا إلى اعتبار النص وثيقة للأفكار والأحاسيس التي تنقلها اللغة، وتمررها عبر مسالكها الوعرة ومساربها الضيقة» (ص. 8)، وهو الأمر الذي دفع ناقدا مثل (خوسيه ماريا بوثويلو إيفانكوس) (José Maria Pozuelo Yvancos) (1992) إلى الإلماع إلى أن القارئ المؤهل موصول بمعنى القراءة المتخصصة أو القراءة النقدية (ص. 141).

ج- القارئ المقصـود

يحيل هذا المفهـوم على تـلك «الذات الجماعية التي عاشت الأوضاع التاريخية للمبدع، فتوجه إليها النص حين ظهوره المبدئي، ثم الذات القادرة على أن تعيد تصورات المقصد المباشرة لهذا النص، في إطار نوع من التكامل بينها وبين المقصد، أي أنها استمرار له، وتقـمص جديد لفعله» (بلمليح، 2000م: 8). هكذا، «(…) فالقارئ المقصود باعتباره قاطنا تخيـيليا في النص لا يمكن أن يجسد، فحسب، مفاهـيم وتقاليد الجمهور المعاصر، بل أيضا رغبة المؤلف سواء في الارتباط بهذه المفاهـيم أو الاشتغال عليها» (إيزر، د.ت: 27-28).

د- القارئ الضمني

يذهب (إيـزر) (1994) إلى أن مفهوم “القارئ الضمني” يحيل إلى «بنية نصية تتوقع حضور متلق دون أن تحدده بالضرورة» (ص. 30)، إن الأمر لا يمكن أن يتعلق بقارئ ملموس، تاريخي أو معاصر، بل إن القارئ المقصود هو بالضرورة نموذج تجريدي، وحادث عارض تبنى خصائصه قبليا باستقلال عن كل وجود عياني حقيقي (إبش: 13). على هذا النحو، يبين (إيـزر) (1994) مفهومه للقارئ الضمني، داخل كتاب فعـل القـراءة، كما يأتي: «هكذا عندما يتعلق الأمر بالقارئ في الفصول التالية من هذا الكتاب، فإنه يجب أن نفهم بنية القارئ الضمني القائمة داخل النصوص (…) فالقارئ الضمني لا يملك وجودا حقيقيا لأنه يجسد مجموع التوجهات الأولية التي يقترحها نص تخييلي على قرائه الممكنين والتي هي شروط تلقيه. نتيجة لذلك فإن القارئ الضمني ليس منغرسا في جوهر تجريبي، بل هو متجذر داخل بنية النصوص نفسها» (ص. 60).

أما عند (أمبرتو إيكو) (1996م) فالقـارئ الضمنـي هو قارئ «(…) يوصله نشـاطه التعـاوني إلى أن يستخرج من النص مـا لا يقولـه، وإنمـا يفترضه، ويعدنـا به، ينطوي عليه أو يتضمنه، وكذا إلى ملء الفضاءات الفارغة، وربط ما يوجد في النص بغيره مما يتناص معه، حيث يتولد من هذا التناص ويذوب فيه» (ص. 87).

ختام القول

يجمل التنويه بعد كل ما تقدم، إلى أنه مهما يكن من أمر تعدد توصيفات الجهد القرائي ومسميات فعل القراءة، وأنماط الذوات القائمة به، فإن هذا الفعل، ضمن الأفق النظري الذي رسمته جمالية التلقي خاصة، صار ينأى بنفسه عن الوصفية الساذجة، ليستعلن، في مقابل ذلك، جهدا مخصبا يخلق النص أنطولوجيا ويسهم في تحققه.

التوصيات

* العناية بالقراءة وأدوارها الحاسمة في مقاربة النص الأدبي وتعرف حدوده، ووجوب النظر إليها بوصفها نشاطا خلاقا وفعلا بنائيا لا يتحقق النص أنطولوجيا بمبعد عنه.

 المراجع :

ابن منظور، محمد بن مكرم (بدون تاريخ). لسان العرب. ج1. بيروت: دار صادر. ط1.

أبو زيد، نصر حامد (1997م). النص، السلطة، الحقيقة. بيروت- لبنان/ الدار البيضاء- المغرب: المركز الثقافي العربي. ط1.

الإدريسي، رشيد (2000م). سيمياء التأويل: الحريري بين العبارة والإشارة. الدار البيضاء: شركة النشر والتوزيع المدارس. ط1.

إيزر، فولفجانج (1994م). فعل القراءة: نظرية جمالية التجاوب في الأدب. تر. حميد لحميداني والجلالي الكدية. فاس: منشورات مكتبة المناهل. ط1.

إيفانكوس، خوسيه ماريا بوثويلو (1992م). نظرية اللغة الأدبية. تر. حامد أبو أحمد. القاهرة: دار غريب. ط1.

إيكو، أمبرتو (1996م). القارئ في الحكاية: التعاضد التأويلي في النصوص الحكائية. تر. أنطوان أبو زيد. الدار البيضاء- المغرب/ بيروت- لبنان: المركز الثقافي العربي. ط1.

إيكو، أمبرتو (2004م). التأويل: بين السيميائيات والتفكيكية. ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد. الدار البيضاء- المغرب/ بيروت- لبنان: المركز الثقافي العربي. ط2.

إيكو، أمبرتو (2005م). ست نزهات في غابة السرد. ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد. الدار البيضاء-المغرب/بيروت-لبنان: المركز الثقافي العربي. ط1.

بلمليح، إدريس (2000م). القراءة التفاعلية: دراسات لنصوص شعرية حديثة. الدار البيضاء: دار توبقال للنشر. ط1.

بوحسن، أحمد (1993م). نظرية التلقي والنقد الأدبي العربي الحديث. ضمن مؤلف مشترك: نظرية التلقي: إشكالات وتطبيقات. الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية. ط1.

تودوروف، تزفيطان (1990م). الشعرية. تر. شكري المبخوت ورجاء بن سلامة. الدار البيضاء: دار توبقال للنشر. ط2.

الدغمومي، محمد (1999م). نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصر. الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية. ط1.

ريفاتير، ميكائيل (1993م). معايير تحليل الأسلوب. ترجمة وتقديم وتعليقات: حميد لحميداني. فاس: منشورات دراسات سال. ط1.

ريفاتير، ميكائيل (1997م). دلائليات الشعر. ترجمة ودراسة: محمد معتصم. الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية. ط1.

سارتر، جان بول (1984م). ما الأدب؟. ترجمة وتقديم وتعليق: محمد غنيمي هلال. بيروت: دار العودة. ط1.

ستروبنسكي، جان (2004م). نـحو جمالية للتلقي. ضمن مؤلف مشترك: نظرية الأدب في القرن عشرين. ترجمة وإعداد محمد العمري. الدار البيضاء: إفريقيا الشرق. ط2.

سلدن، رامان (1988م). النظرية الأدبية المعاصرة. تر. جابر عصفور. القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع. ط1.

كاظم، نادر (2003م). المقامات والتلقي: بحث في أنماط التلقي لمقامات الهمذاني في النقد العربي الحديث. بيروت: المؤسسة العربية للدراسة والنشر. ط1.

المتقن، محمد (2004م). في مفهومي القراءة والتأويل. مجلة عالم الفكر. ع. 2. المجلد 33. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 7-47.

مفتاح، محمد (1993م). من أجل تلق نسقي. ضمن مؤلف مشترك: نظرية التلقي إشكالات وتطبيقات. الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية. ط1.

موسى صالح، بشرى (2001م). نظرية التلقي: أصول وتطبيقات. الدار البيضاء- المغرب/ بيروت- لبنان: المركز الثقافي العربي. ط1.

ناظم، حسن (1994م). مفاهيم الشعرية: دراسة مقارنة في الأصول والمنهج والمفاهيم. الدار البيضاء- المغرب/ بيروت- لبنان: المركز الثقافي العربي. ط1.

نصر، عاطف جودة (1996م). النص الشعري ومشكلات التفسير. القاهرة: دار نوبار للطباعة. ط1.

الواد، حسين (1988م). مناهج الدراسات الأدبية. الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة. ط4.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *