نوفمبر 23, 2024 4:27 ص

د. رانيا الصاوي عبده عبد القوي

قسم علم النفس – كلية التربية-جامعة 6 أكتوبر

Rania_elsawy2@hotmail.com

00201090711093

ملخص

هدفت الدراسة الراهنة إلى رصد دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة من خلال مجموعة من المحاور الرئيسية تضمنت مفهوم التنمية المستدامة والمجتمع المدني وطبيعته، ورصد أبرز أهداف التنمية المستدامة التي ينعكس أثرها على وظائف المجتمع المدني لرصد معايير قياس فعالية المجتمع المدني وإبراز دور مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ التنمية المستدامة في ضوء الإطار النظري والدراسات السابقة، واستعانت بالمنهج الوصفي التحليلي لتغطية جوانب الموضوع فيما يتعلق بتوضيح مفهوم المجتمع المدني والتنمية المستدامة، والمنهج التاريخي وذلك لتتبع المراحل التاريخية للاهتمام بمسألة البيئة وأهمية المجتمع المدني ومؤسساته في حمايتها، للخروج بمجموعة من التوصيات تنعكس إيجابيا في تحقيق المزيد من التنمية المستدامة.

الكلمات المفتاحية:

 مؤسسات المجتمع المدني. وظائف المجتمع المدني.التنمية المستدامة.وظائف المجتمع المدني. معايير قياس فعالية المجتمع المدني.

The role of civil society institutions in achieving

 sustainable development

Dr Rania Al-Sawy Abdo Abdel-Kawi

Department of Psychology – College of Education

October 6 University

Summary

The current study aimed to monitor the role of civil society institutions in achieving sustainable development through a set of main axes that included the concept of sustainable development and civil society and its nature, and to monitor the most prominent sustainable development goals that are reflected in the functions of civil society to monitor criteria for measuring the effectiveness of civil society and highlight the role of civil society institutions In implementing sustainable development in light of the theoretical framework and previous studies, and I used the descriptive-analytical method to cover aspects of the topic with regard to clarifying the concept of civil society and sustainable development, and the historical approach in order to trace the historical stages of concern for the issue of the environment and the importance of civil society and its institutions in protecting it, to come out with a set of recommendations that are positively reflected in Achieving more sustainable development.

Keywords:

1. Civil society institutions.

2. Civil society functions.

3. Sustainable development.

4. Civil society jobs.

5. Criteria for measuring the effectiveness of civil society.

مقدمة البحث

تتفاوت النظرة إلى دور مؤسسات المجتمع المدني في التنمية بين معارض يعتبر أنها خطر على الاستقرار الاجتماعي وعلى الثقافة المحلية كونها نموذجا غربيا ذا ثقافة غريبة، وبين مؤيد يرى فيها شريكا يساهم في توعية المجتمع، وتمكينه للمشاركة والانخراط في تحسين معيشة المواطنين، قد يكون هذا التفاوت ناتجا عن الاختلاف في فهم المجتمع المدني، لا بل في القصور في فهم التعريف العام المعتمد للمجتمع المدني بما هو “المجال خارج السلطة والسوق والعائلة، حيث ينتظم الأفراد والمؤسسات بمختلف أشكالهم وانتماءاتهم للدفاع عن المصالح المشتركة”، أو ربما يعود الانطباع الخاطئ عن المجتمع المدني إلى التشوهات في تكوينه وممارساته.

فقد شهدت العقود الماضية تناميا لحضور وتأثير منظمات المجتمع المدني على كافة المستويات الدولية كما أوضح كل من: (قاسم:2007، غنيم:2007) لاسيما في المسارات التي نظمتها الأمم المتحدة حول التنمية وحقوق الإنسان والبيئة وغيرها، ووطنية خاصة في إطار الشراكات والمساهمات في التخفيف من التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الظروف الحياتية للمواطنين.

لتلافي تأثير التجارب السلبية لمنظمات المجتمع المدني لا بد من اعتماد معايير لقياس أدائها وتحديد دورها من خلال هذه المعايير، ومن هذه المعايير، المستوى التنظيمي للمنظمة وتقييم الأثر الاجتماعي والسياسي والبعد التنظيمي والهيكلي لاسيما الشفافية والإدارة الرشيدة وتداول السلطة والقيم كالرؤية والأهداف ووسائل العمل ومستوى المشاركة المدنية في أعمالها وأنشطتها والبيئة الخارجية التي تعمل فيها، وفي كل من هذه المعايير، يمكن اعتماد مؤشرات تساعد على قياس أدائها وبالتالي تكوين صورة حقيقية عنها، وبذلك يكون التقييم موضوعيا وواقعيا.

من الأهمية بمكان فهم الأدوار الأساسية التي يمكن لمنظمات المجتمع المدني كما أشار كل من: (ملاوي:2008، كامل: 2008) أن تلعبها في عملية التنمية لكي تتمكن من صياغة البرامج الملائمة لمشاركتها في كل مراحل العملية التنموية، وبالتالي لا يجوز تحميل منظمات المجتمع المدني نتائج غياب السياسات الوطنية والرؤية التنموية التي تقع ضمن مسؤوليات الدولة أو انعكاسات استشراء آليات السوق نتيجة غياب الأنظمة التي تحمي المجتمع منها.

لذا يتمحور موضوع هذه الدراسة حول دور المجتمع المدني في حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة التي شغلت تفكير الكثير من العلماء والكتاب، إذ هذا الموضوع لم ينل حقه من الاهتمام والبحث بشكل كاف.

مشكلة البحث

تأكد للعديد من الحكومات أنها لا تستطيع أن تحل كل مشاكلها وأزماتها لوحدها، وأنه بات من الضرورة أن يسهم المجتمع المدني بمؤسساته من نقابات وجمعيات في حل هذه المشاكل وكذا في تحقيق التنمية الاقتصادية ومن ثمة المستدامة للحاق بركب الدول المتقدمة، باعتبار أن المشكل البيئي أصبح من المشاكل الكبيرة التي تؤثر على حياة الأفراد في الحاضر والمستقبل.

فالمجتمع المدني كما أشار كل من: (ملاوي:2008، كامل: 2008) هو الذراع الأيمن للحكومات ليس فقط في عملية التنمية ولكن أيضاً في السعي إلى تعبئة موارد وطاقات معطلة سواء اقتصادية أم بشرية، وإشراك مختلف فئات المجتمع في هذه العملية وعدم ترك أحد خارجها عرضة للعوز والحرمان، وذلك بما يسهم به من دور فاعل بالمجتمع في مختلف ميادين تحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر، والعمل الخيري والثقافي والبيئي والاجتماعي والتعليمي ومحو الأمية.

و تهدف العلمية إلى الاهتمام بالمجتمع المدني وكذا بمؤسساته لضمان تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة من جهة والحفاظ على التوازن البيئي من جهة أخرى باعتباره الشريك الأساسي للحكومة والذي يلعب دورا كبيرا في تحقيق التنمية بشكل عام.

في ضوء ما تقدم تتمثل مشكلة هذه الدراسة في الآتي: التعرف على دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة وما هي طبيعة هذا المجتمع.

وللإجابة عن مشكلة هذه الدراسة ينبغي الإجابة عن الأسئلة الآتية:

  1. ما مفهوم التنمية المستدامة؟
  2. ما هو المجتمع المدني وطبيعته؟
  3. ما هي أهداف التنمية المستدامة؟
  4. ما هي وظائف المجتمع المدني؟
  5. ما هي معايير قياس فعالية المجتمع المدني؟
  6. ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ التنمية المستدامة؟

أهمية البحث:

تكمن أهمية هذه الدراسة في تناول مسألة التنمية المستدامة ودور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيقها، لاسيما وأنها شهدت اهتماما ملحوظا بعد ظهور العديد من المفاهيم الحديثة التي شاعت مؤخرا في الأدب التنموي المعاصر، وخاصة مفهوم “التنمية المستدامة”، وقد أصبحت الاستدامة مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالم الصناعي والنامي على حد سواء، وللمجتمع المدني دور محوري في عملية التنمية بصفة عامة والتنمية البيئية بصفة خاصة، بل إن تلك الأهمية تعاظمت في العقود الأخيرة نتيجة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتتجسد أهمية المجتمع المدني في منظماته التي تستطيع أن تساهم في التنمية المستدامة إسهاما حقيقيا إذا نجحت في بناء الوعي التنموي واستقراره وتوظيفه من خلال مشاركة حقيقة وفاعلة في العملية التنموية.

أهداف البحث:

نتيجة للتغيرات الحاصلة في عالمنا المعاصر سواء من منظور التكتلات الاقتصادية أم من ناحية التحالفات السياسية، أم من ناحية ظهور العولمة وما تبعها من انفتاح، برز دور مؤسسات المجتمع المدني كشريك أساسي للحكومة، وكمساهم في تحقيق التنمية وفي تحمل المسؤولية، إذ كان لمؤسسات المجتمع المدني دور في إيجاد التوازن بين النظام البيئي وكذلك النظام الاقتصادي للحفاظ على الموارد الطبيعية.

لذا هدفت الدراسة الراهنة إلى رصد دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة من خلال مجموعة من المحاور الرئيسية تضمنت مفهوم التنمية المستدامة والمجتمع المدني وطبيعته، ورصد أبرز أهداف التنمية المستدامة التي ينعكس أثرها على وظائف المجتمع المدني لرصد معايير قياس فعالية المجتمع المدني وإبراز دور مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ التنمية المستدامة.

الدراسات السابقة

تعددت الدراسات التي تناولت منظمات المجتمع المدني من خلال التركيز على مصطلح المجتمع المدني ودراسة كيفية تشكيلها والأدوار التي تقوم بها المنظمات في العديد من البلدان، ويمكن التمييز بين ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: الدراسات التي تناولت المجتمع المدني عامة:

دراسة بعنوان (Cohen,etc.,1994) تناولت الدراسة النظريات المختلفة التي تحدثت عن مفهوم المجتمع المدني بداية من المفكرين القدامى مثل: (Thomas Hobbes  Montesquie, Aristotle, ) وصولا إلى مفكري القرن العشرين مثل: (Talcott Parsons, Antonio Gramsci )، كما تناولت النقد الذي تعرضت له تلك النظريات على مر التاريخ.

دراسة ((Baker,etc.,1998 تناولت المجتمع المدني من الناحية النظرية؛ حيث أنها أشارت إلي التطور في مفهوم المجتمع المدني، وحاولت التوصل إلي العلاقة بين مفهوم المجتمع المدني وعملية التحول الديمقراطي وذلك من خلال التعرف علي أطروحات من مختلف مناطق العالم في أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا وأفريقيا وكيفية رؤية تلك المناطق لمفهوم المجتمع المدني وعلاقته بالتحول الديمقراطي وفي النهاية حاولت الدراسة التوصل إلي نظرية شاملة عن المجتمع المدني وعلاقته بالديمقراطية. وأكدت الدراسة على أن المجتمع المدني في حاجة إلى مناخ ديمقراطي حتى يزدهر وفي نفس الوقت هو يعد مؤشر للديمقراطية، وأن مفهوم المجتمع المدني يرتبط بالديمقراطية الليبرالية ومعتقداتها.

دراسة (قنديل: 2005) بعنوان مؤسسات المجتمع المدني قياس الفاعلية ودراسة حالة، حيث سعت إلى دراسة طرق تحليل وقياس فاعلية مؤسسات المجتمع المدني، وأشارت إلى ضرورة توافر البيانات اللازمة والتوافق حول مفهوم محدد قبل تحديد المؤشرات حتى يسهل قياس الفاعلية، وقامت بتحديد بعض النماذج التي يمكن من خلالها قياس فاعلية تلك المنظمات، حيث حلل فاعلية المنظمات في تحديد السياسات العامة، وأيضا في مجال تمكين المرأة ودمجها في عملية التنمية ومدى اهتمام هذه المنظمات بقضايا المرأة، كما حلل فاعلية الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني في مجال التعليم والصحة، وتناولت ظاهرة المنظمات الدفاعية والحقوقية من خلال تكوينها وأدوارها وكيفية دراسة فاعليتها.

تناول (أفندي: 2006) دراسة المنظمات غير الحكومية كمدخل تنموي) ظاهرة المنظمات غير الحكومية، وسعى لتوضيح أسباب تنامى هذه المنظمات وتحليل رؤى ورسالات بعض هذه المنظمات والبيئة التي تعمل فيها، كما تطرق الباحث إلى طبيعة العلاقة بين هذه المنظمات والحكومة واهتم بتقديم بعض النماذج، كما انتقل الباحث لدراسة البناء المؤسسي للمنظمات غير الحكومية وموارد وطرق تمويل تلك المنظمات، وقد أكد الباحث على أهمية تطوير تلك المنظمات للأداء الذي تقوم به وأن تسعى لبناء جسور تعاون مع غيرها، وأن تضع الحكومات التشريعات المناسبة لتلك المنظمات.

تناول (بشارة:2012) المجتمع المدني “دراسة نقدية” التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني لدى مفكري العقد الاجتماعي وعند أفكار القوميين مثل هيجل ثم المجتمعات البرجوازية والصراع بين الطبقات عند الماركسيين، وكان الكاتب يسعى إلى توضيح المفهوم الحقيقي للمجتمع المدني خصوصا بعد زاد التركيز عليه بعد قيام موجة الثورات في الوطن العربي.

من خلال العرض السابق تستفيد الباحثة منه في معرفة التطور التاريخي للمفهوم وعلاقته بالديمقراطية، وكيفية انتقاله للمجتمعات العربية وأيضا في معرفة تكوين المنظمات وكيفية قياس فاعليتها، لكن نلاحظ تركيز الدراسات على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لتلك المنظمات وعدم التركيز على الدور السياسي لتلك المنظمات وأثرها على التحولات السياسية للمجتمعات.

الاتجاه الثاني: الدراسات التي تناولت المجتمع المدني في الوطن العربي:

تناول (المديني، 1997) دراسة تطور مفهوم المجتمع المدني وتاريخ المجتمع المدني في المنطقة العربية بداية من ظهور الإسلام وقيام الدولة الإسلامية وفترة الخلافات المختلفة، مروراَ بالتاريخ الحديث في القرن التاسع عشر وفترة الاستعمار، وصولاَ لفترة ما بعد الاستقلال وركز على حالة مصر والجزائر ولبنان وتونس.

تناول(الصبيحي:2000) مفهوم المجتمع المدني وتطوره سواء في الفكر الغربي أو العربي مركزاً على جذوره في الوطن العربي موضحاً خصائص منظمات المجتمع المدني، كما تناول تطور مؤسسات المجتمع المدني داخل الوطن العربي والمشكلات التي تواجه هذه المنظمات في محاولة لتقديم رؤى مستقبلية لوضع هذه المنظمات داخل الوطن العربي. وأكد الباحث على أهمية وجود تلك المنظمات لتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي للدول العربية، كما أنها أساس لوجود الديمقراطية.

دراسة (علوان،2011) تناولت تلك الدراسة في البداية تعريف للمجتمع المدني ثم تطرقت إلي مدي ملائمة هذا التعريف للواقع العربي، ثم ركزت الدراسة بعد ذلك على واقع المجتمع المدني في الدول العربية المختلفة مثل مصر والأردن والكويت وغيره وذلك عن طريق النظر إلى منظمات المجتمع المدني المختلفة مثل النقابات والجمعيات الأهلية والجمعيات الحقوقية وغيره، ثم أشارت إلي أهم الإشكاليات التي تواجه تلك المنظمات من إشكالية تمويل وضعف التماسك والتكوينات الاجتماعية التقليدية. وقد أكدت الدراسة في النهاية على محدودية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية في الدول العربية نتيجة لعدة أسباب أهمها طبيعة تلك المنظمات وطبيعة النظام الحاكم وضعف مقومات الديمقراطية.

دراسة (Melzt, Danielle,2016 ) تناولت الدراسة دور الذي لعبه المجتمع المدني بعد الثورات التي حدثت في مصر وتونس وليبيا وخاصة في احتواء الخلافات المختلفة وتقليل احتمالية العنف، وقد توصلت تلك الدراسة إلى أن المجتمع المدني القوي بعد الثورات يتمكن من تقليل نسبة العنف الثوري؛ حيث أنه يفتح الباب لنقاش مختلف الآراء ويلعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة، وفي نفس الوقت توصلت الدراسة إلى أن هذا الدور الهام للمجتمع المدني يتأثر بعوامل مختلفة أهمها القانون المنظم للمجتمع المدني والجيش والقوة العسكرية الخارجية؛ حيث أن تلك العوامل وغيرها قد تفرض قيودًا تحد من دور المجتمع المدني أو قد تساعد المجتمع المدني أن يمارس دوره بفاعلية.

من خلال العرض السابق فإن الباحثة تستفيد من هذا الاتجاه من خلال معرفة الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في الوطن العربي وبالأخص في مصر، وكيف تم التعامل مع المجتمع المدني الذي يعد مفهومًا غربيًا في الأساس، ومحاولة الاستفادة من الخبرات المختلفة للدول العربية في تعاملها مع منظمات المجتمع المدني المختلفة. ولكن في نفس الوقت من الممكن أن نلاحظ أن هناك قلة في الدراسات الأكاديمية التي تناولت المجتمع المدني في الوطن العربي، وأيضًا نجد أن الدراسات التي تناولت هذا الموضوع لم تركز على فترة زمنية حديثة نسبيًا، وهذا ما سوف يسعي الباحث إلي دراسته من خلال دراسة دور منظمات المجتمع المدني في مصر في الفترة من 2011 وحتى 2016.

الاتجاه الثالث: الدراسات التي تناولت المجتمع المدني في مصر:

دراسة (قنديل،2006) تناولت الدراسة خريطة المجتمعات المدنية في مصر خلال القرن العشرين من خلال تحليل بذور نشأة المجتمع المدني في عهد محمد على وخلفاؤه، ثم تناولت عصر ازدهارها في فترة العهد الليبرالي وتراجعها بعد ثورة يوليو حتى عام 1970 نتيجة لهيمنة الدولة، ثم عودة الدور مرة أخرى، وقد ركزت على الأدوار التي قامت بها المنظمات في الألفية الثالثة حتى عام 2005.

دراسة (قنديل: 2015) تناولت تأثير الثورتين التي شهدتهما مصر مؤخرا على منظمات المجتمع المدني حيث أدت الثورات إلى حدوث تغييرات في الحياة السياسية اليومية، وأيضاً تغييرات تشريعية خاصة بالمجتمع المدني الأمر الذي انعكس بدوره على بنية هذه المنظمات وتغييرها وأيضاً التأثير على أنشطة المنظمات ووظائفها المختلفة.

تستفيد الباحثة من هذه الدراسات في معرفة التطور التاريخي للمجتمع المدني في مصر وخاصة التحولات التي شهدتها بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو والإطار القانوني للمجتمع المدني في إطار تأسيس دستور جديد، إلا أن الدراسات لم تركز على العوامل والتحولات بعد الثورتين التي أثرت على دور ونشاط المجتمع المدني في مصر والتحديات التي واجهتها.

منهج البحث:

في ضوء الإطار النظري والدراسات السابقة، واستخدام المنهج الوصفي التحليلي لتغطية جوانب الموضوع فيما يتعلق بتوضيح مفهوم المجتمع المدني والتنمية المستدامة، للخروج بمجموعة من التوصيات تنعكس إيجابيا في تحقيق المزيد من التنمية المستدامة.

مصطلحات البحث:

  1. المجتمع المدني Civil society

يعد مفهوم المجتمع المدني واحد من المفاهيم الهامة في العلوم الإنسانية، والذي نشأ وتطور مع تطور علم السياسة وتم تناوله من جانب العديد من المفكرين. وظل هذا المفهوم محور جدال ونقاش على مر العصور بداية منذ عصر الحضارة اليونانية في كتابات أفلاطون وغيره من المفكرين وصولاَ إلى العصور الحديثة، وقد صاحب ذلك وجود عدد من الأطروحات الهامة التي قدمت تعريفات مختلفة للمفهوم تتماشى مع طبيعة العصر الذي نشأت فيه.

عرف المجتمع المدني كل من: (قنديل: 2006، عبد الحميد: 2010) على أنه ” جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبى عن سلطة الدولة وعن أرباح الشركات في القطاع الخاص، أي أن المجتمع المدني عبارة عن مؤسسات مدنية لا تمارس السلطة بالمفهوم السياسي ولا تستهدف أرباح اقتصادية”.

هناك العديد من العوامل التي ساعدت على انتشار مفهوم المجتمع المدني عالمياً وانتقاله إلى المنطقة العربية كما أوضح كل من: (قنديل: 2008، بشارة: 2012) أهمها:

  • انتشار الرأسمالية والانتقال إلى اقتصاد السوق وخصخصة القطاع العام بعد انهيار الاشتراكية في أوروبا الشرقية.
  • انتشار الأفكار الديمقراطية في كثير من البلدان العربية.
  • تبني بعض الحكومات العربية لخطوات الإصلاح السياسي وتخفيف الضغط على المجتمع المدني وإطلاق الحريات.

نلاحظ أن هناك تعدد في المدارس والنظريات التي تناولت مفهوم المجتمع المدني بالتالي نجد أن هناك أكثر من تعريف، وتظهر إشكالية المفاهيم باعتبار أن مفهوم المجتمع المدني واحد من مفاهيم العلوم الإنسانية وخاصة العلوم السياسية. ويعد أطروحة (Antonio Gramsci) من أكثر النظريات شمولاً وتلقى قبولاً كبيرًا بين الباحثين، كما يعد تعريف دكتور عبد الغفار شكر من أهم أبرز التعريفات التي تعبر عن المجتمع المدني بمؤسساته وأشكاله المنتشرة في المجال العام في الوقت الحالي.

  • التنمية المستدامة Sustainable Development

في ظل التنافس العالمي بين الدول على النهوض بكافة قطاعات الدولة، واكتساب الميزة التنافسيّة في الأسواق الدوليةـ والتمكن من الوقوف بقوة في ساحة الأعمال الدوليّة بشتى مجالاتها أضحى مفهوم التنمية أساساً لتمكين الدولة اقتصاديّاً وسياسياً واجتماعياً وعسكرياً وديمغرافياً، حيث تسعى الدول إلى تحقيق التنمية المستدامة الداخليّة لنفسها بهدف الحفاظ على سيطرتها على مواردها الداخليّة وعلى حكمها، ومنع تدخل القوة الأخرى المهيمنة، والتي تهدف بشكل رئيسي إلى السيطرة عليها واستنزاف طاقاتها ومواردها والتحكم بها، بحجة النهوض بها وإعادة تأهيلها، مما جعل هذا القطاع التنموي أساساً لتحقيق الحياة الكريمة للشعوب أولاً، ثم للاحتفاظ بالاستقلاليّة والحق في صنع القرارات ثانياً، ونظراً لأهمية هذا القطاع اخترنا أن نتحدث بشكل موسع في هذا المقال عن مفهوم التنمية المستدامة. ( Mohammed Yousef,2011)

كما تعرف التنمية المستدامة بمفهومها الشامل والعام على أنّها عبارة عن نشاط شامل لكافة القطاعات سواء في الدولة أم في المنظمات أم في مؤسسات القطاع العام أو الخاص أو حتى لدى الأفراد، حيث تشكل عملية تطوير وتحسين ظروف الواقع، من خلال دراسة الماضي والتعلم من تجاربه، وفهم الواقع وتغييره نحو الأفضل، والتخطيط الجيد للمستقبل، وذلك عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد والطاقات البشريّة والمادية بما في ذلك المعلومات والبيانات والمعارف التي يمتلكها المقيمون على عملية التنمية، مع الحرص على الإيمان المطلق بأهمية التعلم المستمر واكتساب الخبرات والمعارف وتطبيقها، ولا تقتصر التنمية على جانب واحد أو مجال واحد فقط من المجالات الحياتيّة بل تشمل التنمية الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية والعسكريّة والإنسانية والنفسية والعقلية والطبيّة والتعليمية والتقنية وغيرها، بحيث تهدف بشكل رئيسي إلى رفع وتحسين مستوى المعيشة لدى الأفراد، وضمان معيشة أفضل للأجيال القادمة. (حداد، 2006)

نتائج البحث:

تم استعراض نتائج البحث في ضوء محاوره كما يلي:

المحور الأول: مفهوم التنمية المستدامة

كثر الكلام حول مفهوم التنمية المستدامة في الأدبيات العالمية للتنمية وتقارير المنظمات الدولية باعتبارها محورا جوهريا في بناء السياسات العامة للدول، حيث بدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر، وتعتبر الاستدامة نمطاً تنموياً يمتاز بالعقلانية والرشد، ويتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترقى إلى النمو من جهة، ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى.

أصبح العالم اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخلف، هي السبيل الوحيد لضمان الحصول على مقومات الحياة في الحاضر والمستقبل.

لقد استحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والتنمية العالمية، حيث أصبحت الاستدامة التنموية، مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالم النامي والصناعي على حد سواء، تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها، حيث عقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات، ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها، إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا، بوصفه مفهوما وفلسفة علمية، ومازال هذا المفهوم يفسرُ بطرق مختلفة من الكثيرين، ولذلك فقد تم التطرق في هذا المطلب إلى تعريف التنمية المستدامة في الفرع الأول، ثم أبعاد التنمية المستدامة في الفرع الثاني.

يرجع ظهور مصطلح التنمية المستدامة إلى ظهور تقرير لجنة ( بوتلاند ) والذي صاغ أول تعريف للتنمية المستدامة، على أنها التنمية التي تلبي الاحتياجات الحالية الراهنة دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجياتهم (اللجنة العلمية للبيئة والتنمية:1989).

حيث شهد مفهوم التنمية المستدامة تطورا كبيرا منذ بداية الستينات من القرن الماضي إلى اليوم. Frank Dominique; 2005)) ففي عقد التنمية الأول الذي تبنته الأمم المتحدة (1960-1970) ، اقترن مفهوم التنمية المستدامة بالنمو الاقتصادي، مثل الدخل القومي والدخل الفردي (عيسى: 2008).

 في العقد الثاني للتنمية (1970-1980)، اكتسب مفهوم التنمية أبعاداًً اجتماعية وسياسية وثقافية، بجانب البعد الاقتصادي، وخلال عقد التنمية الثالث (1980-1990) اكتسب مفهوم التنمية بعدا حقوقيا وديمقراطيا يتمثل في المشاركة العامة في اتخاذ القرارات التنموية الخاصة بالحكم الراشد، أما عقد التنمية الرابع 1990 فقد شهد نقلة نوعية في مفهوم التنمية، حيث تأكد مفهوم التنمية المستدامة بشكل واضح في إعلان ( ريو) لعام 1992 الذي تضمن مبادئ تدعو إلى ضرورة تحقيق العدالة بين الأجيال في توزيع الموارد الطبيعية. Frank Dominique; 2005))

كما تجدر الإشارة إلى أن التنمية المستدامة تعاني من التزاحم الشديد في التعريف والمعاني، فأصبحت المشكلة ليست غياب التعريف وإنما في تعدد وتنوع التعريفات نذكر أهمها:

ففي تقريره مبادرة من أجل التغيير، عرف (James Gustave (Gus) Speth) مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للتنمية المستدامة بأنها: “تنمية لا تكتفي بتوليد النمو وحسب، بل توزيع عائداته بشكل عادي أيضا، وهي تجدد البيئة بدل تدميرها، وتمكن الناس بدل تهميشهم، وتوسع خياراتهم وفرصهم، وتؤهلهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر في حياتهم، إنها تنمية لصالح الفقراء والطبيعة والمرأة وتستند على النحو الذي يحافظ على البيئة، وهي تنمية تزيد من تمكين الناس وتحقيق العدالة فيما بينهم”. (دونانو رومانو:2003، 52).

و تعرف التنمية المستدامة بأنها: “مسار قائم على المشاركة ورشادة الحكم الديمقراطي للخيارات المجتمعية المشتركة” (Antoine Da gumbo, 2003)

عرفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة التنمية المستدامة بأنها:” إدارة وحماية قاعدة الموارد الطبيعية، والتغيير المؤسسي لتحقيق واستمرار وإرضاء الحاجات الإنسانية للأجيال الحالية والمستقبلية، بطريقة ملائمة من الناحية البيئية ومناسبة من الناحية الاقتصادية، ومقبولة من الناحية الاجتماعية”. ( عبد الرحمان،2007)

الخلاصة أن التنمية المستدامة على الصعيد الاقتصادي؛ أنه على الدول المتقدمة إجراء خفض في استهلاك الطاقة والموارد، أما بالنسبة للدول النامية فتعني توظيف الموارد من أجل رفع مستوى المعيشة والحد من الفقر، وعلى الصعيد الاجتماعي والإنساني فإنها تعني السعي من أجل استقرار النمو السكاني، ورفع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية خاصة في الأرياف، وعلى الصعيد البيئي؛ فهي تعني حماية الموارد الطبيعية والاستخدام العقلاني والأمثل للأراضي الزراعية وخاصة الموارد المائية، وأيضا على الصعيد التكنولوجي هي نقل المجتمع إلى عصر الصناعات النظيفة غير الملوثة للبيئة، والتي تستخدم تكنولوجيا منظفة للبيئة، والتي تنتج الحد الأدنى من الغازات الملوثة والحابسة للحرارة والضارة لطبقة الأوزون.

إن القاسم المشترك لهذه التعريفات، أنه لكي تكون هناك تنمية مستدامة يجب ألا نتجاهل المحيط البيئي، وألا تؤدي إلى دمار واستنزاف الموارد الطبيعية، وإعطاء تحول تقني للقاعدة الصناعية والتكنولوجية السائدة. (اللجنة العلمية للبيئة والتنمية:1989).

كذلك التركيز على ضرورة الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، والحد من التدهور البيئي الناجم عن الطفرة الصناعية والعمرانية والسكانية، التي شهدها العالم مؤخرا، وذلك من أجل ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

المحور الثاني: المجتمع المدني وطبيعته

لا شك بأن الأديان السماوية كانت سباقة في الدعوة إلى العمل الخيري بجميع أشكاله، أما على المستوى الوضعي فقد نشأ مفهوم المجتمع المدني أول مرة في الفكر اليوناني حيث أشار إليه أرسطو باعتباره “مجموعة سياسية تخضع للقوانين”، أي أنه لم يكن يميز بين الدولة والمجتمع المدني، تطور هذا المفهوم في القرن الثامن عشر حيث بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع وبدأت حركة الجمعيات بالتبلور كنسق يملك الأحقية في الدفاع عن الحق في الحرية ضد مخاطر الاستبداد السياسي.

لذا سوف نتناول هذا المحور من منظورين: الأول مفهوم المجتمع المدني في الحضارة الغربية، والثاني مفهوم المجتمع المدني في الفكر العربي والإسلامي.

ظهر مفهوم المجتمع المدني بصورته الأولى في أوروبا، حيث كان مرتبطاً بنظرية العقد الاجتماعي، وهذه النظرية اعتبرت أنّ تأسيس السلطة ينبغي أن يكون نتيجة اتفاق بين الحكام والشعب أي بين الدولة وأفراد المجتمع، وأنّ السيادة يجب أن تكون بيد الشعب، ومهدت لقيام منظومة علمانية من أجل إلغاء مفهوم السلطة الدينية، علماً أنّ هذه النظرية ساهمت في ظهور الديموقراطية القائمة على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وأدّت إلى صياغة مواثيق ودساتير تحمي المجتمع من سيطرة الدولة، وتتيح للمؤسسات المدنية المشاركة في العملية السياسية، وتطورت الديموقراطية وأصبحت ميداناً عملياً يتعرّف فيه الأفراد على كيفية ممارسة أصولها، لتصبح ثقافة تتعمق داخل الجميع، سواء على الصعيد الاجتماعي، أم السياسي، أم العائلي.

Alagappa, Muthiah., 2004))

كما أشار كل من: (Edwards, Michael., 2004 ، Zaleski, Pawel., 2008 ) إلى المجتمع المدني بأنه شبكة التنظيمات التطوعية الحرة المسؤولة عن ملء المجال العام بين الدولة والأسرة، وعن تحقيق المصالح المعنوية والمادية لأفرادها، والاستمرار بالدفاع عن هذه المصالح في إطار الالتزام بمعايير وقيم الاحترام، وبالتراضي، وبالتسامح السياسي والفكري، وبقبول الاختلاف والتعددية، وبإدارة الاختلاف والصراعات إدارة سلمية، وهناك خلاف حول تعريفه نتيجة تعدد أساليب التوظيف الفكري للمفهوم، واستعماله من قبل قوى متعددة الاتجاهات، وفي هذا المقال سنعرفكم عليه أكثر.

أولًا: مفهوم المجتمع المدني في الحضارة الغربية:

كانت هناك محاولات لعدد من المفكرين في العصور الكلاسيكية لتعريف المجتمع المدني من أبرزها محاولات أفلاطون لإنتاج ما يعرف بالمجتمع المدني في ظل الظروف التي كان يعيش فيها حيث يواجه مشكلتين هما الفساد والتحلل اللذان نتجا عن تغليب المصلحة الخاصة، لذلك رأى إن وجود مثل هذا المجتمع سيؤدي إلى تعاظم المصلحة العامة على الخاصة وسيخلق التنوع ويضمن تقسيم العمل، كما أن أرسطو أكد على أهمية وضرورة وجود المجتمع المدني الذي يسود فيه الاجتماع على الروابط الإنسانية أثناء بحثه عن الكمال الأخلاقي الإنساني. (جون إهرنبرج، 2008: 31-39)

أما (Marcus Tullius Cicero) فكان يرى أن تنظيم المجتمع المدني ضروري للتغلب على الخطر الفوضوي في عالم المصالح الخاصة كما أن التنظيم يتم وفقا لمبادئ العقل التي تتماشي مع الطبيعة البشرية، فالأفراد لديهم ميول فطرية نحو الارتباط ببعضهم البعض مع التأكيد على أهمية وجود المؤسسات اللازمة لتأصيل الروابط الاجتماعية. (جون إهرنبرج، 2008: 64-65) كانت هناك محاولات للتنظير في مفهوم المجتمع المدني في العصور المسيحية الوسطى كانت تقوم على فكرة النقص والضعف الإنساني حيث أن البشر خطائين واعتبار أن المبادئ المسيحية هي الأساس الذي يتم من خلاله تنظيم المجتمع المدني (جون إهرنبرج، 2008: 76-77)

كانت البداية الحقيقية لتكوين مفهوم المجتمع المدني بعد سقوط النظام الإقطاعي وظهور الرأسمالية كطبقة جديدة حيث ارتبط المفهوم ببروز المجتمع الرأسمالي ونشأة الدولة القومية وانتشار الأفكار الليبرالية في أوروبا، والتي تسعي للتأكيد على حرية الأفراد وفقا للعقل والمنطق وحقوق الإنسان وسيادة الشعب، ومع بروز مفكري العقد الاجتماعي نشأ مفهوم المجتمع المدني فقد جاءت نظرية العقد الاجتماعي أو الحق الطبيعي في مقابل فكرة الحق الإلهي للملوك حيث أصبحت شرعية الحكم تأتي من إرادة الشعب وليس من الله وقد اتفق المفكرين حول وجود حله طبيعة أولى إلا أنهم اختلفوا حول تفسير حالة الطبيعية.

مفكري العقد الاجتماعي:

نجد أن (Thomas Hobbes) يرى أنها كانت حالة صراع وحرب وكان يري أن حياة الإنسان بائسة وقصيرة، كان الأفراد متساويين في الحقوق الطبيعية وحيث أن كل فرد كان له الحق في استخدام قوته وفقا لإرادته للمحافظة على حياته، لذلك كان لابد من أن يجدوا حلاً للخروج من هذا الصراع الدائم، فكانت فكرة العقد الاجتماعي حيث يتنازل فيه جميع الأفراد عن كافة حقوقهم الطبيعية لشخص يتولى أمرهم ويكون صاحب سيادة وقوة مطلق، بالتالي فإن المجتمع المدني ينشأ من خلال العقد الاجتماعي. (مجاهد،2013: 363-369)

أما (John Locke) فقد كان له نظرة تفاؤليه حيث رأي أن الطبيعة البشرية خيرة فكانت حالة الطبيعة حالة حرية يتصرف فيها الأفراد وفقًا لقوانين الطبيعة ويحترم حقوق الآخرين لكن من ناحية أخرى افتقدت الحالة الطبيعية للجانب التنظيمي كما أن الأفراد تفسر القانون وفقا لرؤيتهم ومصلحتهم فكان لابد من إنشاء مجتمع مدني يضمن لهم وجود سلطة عليا تنظم أمورهم وتفسر لهم القوانين. (مجاهد،2013: 382-391)

كما يرى (Jean-Jacques Rousseau) أن العقد ينشئ الدولة ويكون التنازل عن الحقوق للإرادة العامة المتمثلة في الجماعة، وبالتالي تصبح السلطة للجميع، ونجد أن روسو قد أدخل تطورًا جديدًا لمفهوم المجتمع المدني وهو السيادة للشعب حيث يرى أنها مطلقة ولا يمكن التنازل عنها. (قنديل: 2005)

و أشار (السيد،2004: 5-6) أن رؤية (Georg Wilhelm Friedrich Hegel ) جاءت حديثة عن سابقيه حيث أنه ميز لأول مرة بين الدولة والمجتمع المدني وبني أفكاره بداية من الفترة التي سبقت وجود مجتمع سياسي وهي تشبه حالة الطبيعة عند مفكري العقد الاجتماعي ويري أن هذه المرحلة يغلب عليها الصراع والفساد والانحلال وبالتالي توصل هيجل إلى ضرورة إلزام المجتمع المدني للخضوع إلي الدولة لأنها هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق النظام وإنهاء الصراع.

يرى (Georg Wilhelm Friedrich Hegel) أن المجتمع المدني هو “المجال الحيوي لرغبة الإنسان في الاعتراف بالذات” كما أن المجتمع المدني ينشأ عن التعاقد بين أفراد مستقلين، والمجتمع المدني هو الذي يضم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وهو الوسيط بين الفرد والدولة. يختلف المجتمع المدني عن الدولة في أن الدولة تسعي دائماً لتحقيق المصالح العامة لكافة أفراد المجتمع وغايتها دائماً الأخلاقية المشتركة، وبالتالي فإن المجتمع المدني لا يوجد إلا في الدول التي تتمكن من حل الاختلافات التي توجد في داخله، سواء كانت هذه الدول ديمقراطية أو غير ديمقراطية.

من الواضح أن رؤية (Georg Wilhelm Friedrich Hegel) جاءت متأثرة بواقع التأخر الاقتصادي الذي كانت تعاني منه ألمانيا في ذلك الوقت، وقد رأي من خلال تحليله أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة يكمن في وجود دور حاسم للدولة الألمانية؛ حيث تتدخل الدولة لتضع السياسات التنموية وتعرضها على المواطنين الألمان.

كما أوضح (حسن،2008: 5) أن أفكار (Karl Marx) جاءت عن المجتمع المدني نابعة من فكرة الصراع الطبقي وعلى خلاف هيجل عمل ماركس علي كسب المفهوم صورة واقعية مادية، فكان يري أن المجتمع المدني هو ذلك الفضاء الذي يستطيع فيه الفرد أن يتحرك مدافعاُ عن مصالحه الشخصية وعالمه الخاص وبالتالي هو مجال للصراع الطبقي الذي تظهر فيه الاختلافات الطبقية بكل وضوح وهو حلبة للتنافس حول المصالح الاقتصادية. من هنا فإن المجتمع المدني يرتبط بالبنية التحتية بما تحويه من أنشطة وعلاقات، لذلك فإن المجتمع المدني عند ماركس أوسع من الدولة حيث أنه يمتد إلى خارج حدودها، وبالتالي فهو يقوم بتنظيم وتقويم الدولة.

يرى (Karl Marx) أن ثورة البروليتاريا سوف تؤدي إلى زوال التفرقة بين الطبقات وسوف تؤدي إلى ظهور المجتمع الشيوعي المتجانس فيختفي الصراع الطبقي، وتنتهي الحاجة إلي المجتمع المدني، وبالتالي فإن كارل ماركس يربط اختفاء المجتمع المدني بانهيار الدولة.

و أشارت (قنديل:2008) أن رؤية (Antonio Gramsci) عن نجاح الأحزاب الشيوعية في الوصول إلى السلطة في روسيا وعدم نجاحها في الوصول إلي السلطة في الدول الديمقراطية هو أن الدولة في المجتمعات الديمقراطية لا توجد بمفردها إنما يحيط بها عدد من الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والكنيسة وغيرها والتي تمثل المجتمع المدني عند (Antonio Gramsci)، المجتمع المدني عند (Antonio Gramsci ) “هو التركيب المتشابك والمعقد الذي يلتقي فيه نسيج متداخل من التنظيمات الأيديولوجية”، ويرى أن الدولة ليست وحدها من يقوم بنشر الأيدولوجيا بل أن المجتمع المدني يستطيع نشر ذلك من خلال المثقفين وبالتالي فإن هيمنة المجتمع المدني لا تقوم علي القهر فقط بل أيضًا علي القبول، وقد فرق (Antonio Gramsci) بين نوعين من المثقفين هما: المثقف التقليدي والمثقف العضوي حيث يري أن الأخير له دور كبير في الهيمنة وتوجيه الأفكار، وقد منح (Antonio Gramsci) الأحزاب السياسية أهمية كبري نظراً لأن له دور كبير في المجتمع لتحقيق الهيمنة.

أكد (Antonio Gramsci) في تحليله على البنية الفوقية للمجتمع وميز بين مستويين: الأول هو الذي يضم مؤسسات المجتمع المدني، والثاني هو المجتمع السياسي أو الدولة، وأكد على أن العلاقة بينهم تتميز بصورة من صور الصراع حيث يستطيع المجتمع المدني في بعض الأوقات التصدي لأجهزة الدولة القمعية.

ثانيًا: مفهوم المجتمع المدني في الفكر العربي والإسلامي:

يعد مصطلح المجتمع المدني مصطلحاً غربي التنشئة وكانت الصورة الأقرب للمجتمع المدني في المجتمعات العربية هي “المجتمع الأهلي” ونجد أن المصطلحات العربية القريبة من المجتمع المدني تستخدم مصطلح الجمعية الذي يعبر عن تجمع إرادي لمجموعات بغرض تحقيق أهداف معينة، كما أن مصطلح الجمعية قد ارتبط بالأهلية مما يعني أنه ليس له علاقة بالدولة وأجهزتها.

كانت هناك محاولات تحليلية للفارابي وابن خلدون نتج عنها تصورات تشبه المجتمع المدني وذلك من خلال إضافة الفارابي البعد الكوني لمفهوم المدينة، بينما أدخل ابن خلدون الحركية التاريخية في المجال السياسي والاقتصادي.

نلاحظ أن هناك تعدد في المدارس والنظريات التي تناولت مفهوم المجتمع المدني بالتالي نجد أن هناك أكثر من تعريف، وتظهر إشكالية المفاهيم باعتبار أن مفهوم المجتمع المدني واحد من مفاهيم العلوم الإنسانية وخاصة العلوم السياسية، ويعد أطروحة (Antonio Gramsci) من أكثر النظريات شمولاً وتلقى قبولاً كبيرًا بين الباحثين، كما يعد تعريف دكتور عبد الغفار شكر من أهم أبرز التعريفات التي تعبر عن المجتمع المدني بمؤسساته وأشكاله المنتشرة في المجال العام في الوقت الحالي.

المحور الثالث: أهداف التنمية المستدامة.

تسعى التنمية المستدامة من خلال آلياتها ومحتواها، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، التي تصبوا إليها، والقواعد التي تتحقق من جرائها، والتي يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:

  • تحسين ظروف معيشة الفقراء، حيث أن التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كانت الاستراتيجيات التي تتم صياغتها وتنفيذها مستدامة من الناحية البيئية والاجتماعية، وهذا ما يتطلب تعزيز السياسات والإجراءات والحوافز التي تشجع على السلوك الراشد بيئيا والمتوافقة مع القيم الاجتماعية والمؤسساتية والمشاركة الكاملة للمستفيدين من عملية التنمية وخاصة الفقراء منهم. (دونانو رومانو:2003)

الإشباع العادل للحاجات الأساسية للإنسان انطلاقا من حقه في البقاء، وهذا ما يتطلب تضامنا بين الأجيال الحاضرة والمستقبلية وتعزيز التنمية البيئية.

  • الاستقلالية في اتخاذ القرارات وتبني نموذج تنموي داخلي يلبي احتياجات الشعوب وتعريفها بحرية، واختيار نمط الحياة المناسب لها، والمتوافق مع السياق التاريخي والمؤسسي والإيكولوجي والثقافي لأفرادها، فالتنمية المطلوبة هي التنمية التي تنبع جذورها من خصوصيات المجتمع، والقائمة على العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. (دونانو رومانو:2003)
  • تعزيز الحكمة الإيكولوجية من خلال البحث عن تنمية متوافقة مع البيئة، ولذلك فإننا في حاجة إلى بوصلة أخلاقية تقودنا إلى القرن الواحد والعشرين، أساسها المبادئ المستديمة لتلبية الاحتياجات الإنسانية. (دونانو رومانو:2003)

وذلك من أجل التمكين والمشاركة والحراك والتماسك الاجتماعي، والمحافظة على الهوية الثقافية والتطوير المؤسساتي، أي العمليات التي توحد فيها الجهود الشعبية مع السلطات الحكومية، تحسبا للأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات، وتحقيق التكافؤ لهذه المجتمعات في إطار حماية الأمة، وتمكينا لها من الإسهام الكامل في التقدم القومي. (صابر، 1987: 116-118)

حسب تقرير الأمم المتحدة حول تقدم الشعوب عام 1998، يشير إلى أنه (سيأتي اليوم الذي يقاس فيه تقدم الشعوب ليس بالقوة العسكرية والاقتصادية، ولا فخامة العواصم وعمائرها الشامخة، ولكن بسلامة وصحة وتعليم رعاياها، وبالفرص المتاحة لهم للعمل والكسب العادل، وبقابليتهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر على حياتهم، وباحترام حقوقهم وحرياتهم السياسية، وباستعدادهم لرعاية العاجزين والضعفاء والأطفال القاصرين. (الطالب، 1999: 374-375)

 ذلك لأننا نعيش في كوكب محدود الموارد، وعلينا أن نعرف كيف نعيش تحت السقف الإيكولوجي، الذي يضمن ديمومة الموارد ويحددها.

  • ضمان التخطيط التشاركي بشكل يسمح بإعادة توزيع السلطات والأدوار بين الدولة والسوق والمجتمع المدني، والتركيز على كيفية إدارة المخاطر والحفاظ على الأصول البيئية والاجتماعية. (البنك الدولي،2003: 15)
  • حماية البيئة الطبيعية من خلال التركيز على العلاقات بين نشاطات البشر والبيئة، والتعامل مع النظم الطبيعية باعتبارها أساسا لحياة الإنسان، ومن ثمة فهي تهدف إلى تحسين رأس المال الطبيعي وترقية الموارد الطبيعية وحماية الأنظمة الإيكولوجية للبشر واستغلالها بشكل عقلاني. (Missimer, M.,etc.,2010)
  • تعزيز الوعي البيئي من خلال تنمية الشعور بالمسؤولية البيئية والمشاركة في إعداد وتنفيذ وتقييم برامج ومشاريع التنمية المستدامة، حيث تتطلب تغييرا في سلوكيات المواطنين والشركات والحكومات والمؤسسات الدولية في مواجهة المخاطر التي تواجه الإنسان، كغياب العدالة الاجتماعية والمخاطر البيئية والصحية والتغير المناخي. (غنيم، أبوزنط،2007: 33)

من الأهداف السابقة يتبين لنا بأن الاستدامة ليست فقط مسألة بيئية، بل أنها تتعامل مع التغيرات والمشاكل في مجالاتها البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

  • ربط التكنولوجيا الحديثة بما يخدم أهداف المجتمع، وذلك عن طريق توعية السكان بأهمية التكنولوجيات المختلفة لعملية التنمية، وكيفية استعمال التكنولوجيات الحديثة في تحسين نوعية حياة المجتمع وتحقيق أهدافه المنشودة، دون أن ينجم عن ذلك مخاطر أو على الأقل تكون هذه المخاطر تحت السيطرة بإيجاد حلول مناسبة لها. (غنيم، أبوزنط،2007: 28-30)
  • تحقيق الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية، وذلك باستعمال الموارد الطبيعية وتوظيفها بصورة عقلانية دون استنزافها أو تدميرها، لأن السبب الرئيسي للاستنفاد المستمر للموارد الطبيعية هو أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة خاصة في الدول المتقدمة صناعيا، مما أدى إلى عدم استطاعة كوكب الأرض على تحمل أنماط الاستهلاك السائدة في الدول الصناعية على نطاق عالمي. ( Hallstedt, S.,etc.,2010)

من الأهداف السابقة يتبن لنا أن التنمية المستدامة، لا يمكن حصرها في الحدود الطبيعية للبعد البيئي، بل هو مفهوم واسع يستوجب أبعاداً سياسية واجتماعية، إلى جانب البعد الاقتصادي، فهي تنمية تفاعلية حركية، تأخذ على عاتقها تحقيق الموائمة والموازنة بين الأركان الثلاثة: البشر والموارد البيئية والتنمية الاقتصادية، والتنمية المستدامة هي تنمية ذات قدرة على الاستمرار والاستقرار من حيث استخدامها للموارد الطبيعية، والتي تتخذ من التوازن البيئي محورا أساسيا لها، يهدف إلى رفع المستوى المعيشي من جميع جوانبه، مع تنظيم الموارد البيئية والعمل على تنميتها.

المحور الرابع: وظائف المجتمع المدني.

تظهر أهداف المجتمع المدني وخصائصه من خلال اضطلاع هذا المجتمع بمجموعة من المهام المجتمعية التي يقوم بتنفيذها، وفق عدّة استراتيجيات ووسائل لا تخرج عن الإطار القانوني للدولة أشار إليها كل من: (الصبيحي: 2000، قنديل:2006، كامل: 2008، عبد الحميد: 2010)، وهي كما يأتي:

  • توفير الخدمات للمجتمع من خلال المؤسسات غير الحكومية والخاصة والهيئات الخيرية.
  • ·         تنفيذ البرامج التنموية بوصفها ممولا للعمل الحكومي، من خلال ما تمتلكه من قدرات فنية وتقنية عالية، خاصة في الأرياف والمناطق النائية والمناطق التي يضعف التواجد الحكومي فيها، بفعل ديناميتها في التحرك، في حالات مثل: ما بعد انتهاء الصراعات وفي والإغاثات في الكوارث وما بعدها.
  • ·         العمل على تقوية المجتمعات المحلية وتمكينها من خلال التدريب، وبناء القدرات، وتنمية المهارات، المتعلقة بكافة المجالات التي تحتاجها تلك المجتمعات، وضمن المجالات التنموية مثل: التخطيط الاستراتيجي وصياغة البرامج التنموية وتنفيذها وتوسيع المشاركة الشعبية فيها.
  • ·         المساهمة في رسم السياسات الخطط العامة والتخطيط لها على المستويين الوطني والمحلي، واقتراح البدائل والتفاوض عليها، كما تساهم في استقطاب الرأي العام وكسب التأييد من أجل التأثير في السياسات العامة، من خلال التشبييك مع الجمعيات المختلفة وتنسيق المجهودات في سبيل تحقيق الهدف.
  • ·         إحياء الفروض الكفائية، من خلال تكوين الجمعيات والمراكز وهيئات وقفية التمويل، وقبول التبرعات والمنح من الأفراد والمؤسسات، التي تخصص لمؤسسات المجتمع المدني أموالا ثابتة من أوقاف خاصة بها، مستقلة فيها عن إدارة الجهات الحكومية، مما يمنح مؤسسات المجتمع المدني ديناميكية وحركة وفاعلية، للنهوض بالشباب.
  • ·         القيام بالعديد من عمليات العصف ذهني التي من شأنها إطلاق الطاقات والرؤى المبدعة لتخيّل مستقبل الوطن، واستشراف آفاقه.
  • ·         المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للدولة، بما يصب في مصلحة القانون والدولة والأفراد.

المحور الخامس: معايير قياس فعالية المجتمع المدني.

إذا كان لمؤسسات المجتمع المدني أهدافا تسعى لتحقيقها حيث تنتهي بإشباع احتياجات المجتمع من خلال دورها الخدمي والخيري وتفعيل المشاركة الواعية والفاعلة في إحداث التنمية المستدامة وتطوير الوعي بكافة أنواعه لدى جميع شرائح المجتمع، فإنه يجب أن تكون هناك معايير تقاس بها تلك الأهداف، التي تسعى هذه المؤسسات من خلالها ومن خلال أدوارها المتعددة لتحقيق التنمية بالتعامل مع البيئة ومقوماتها الأمنية للحفاظ على التوازن البيئي والموارد الطبيعية ويمكن التعبير عن هذه المعايير من خلال:

  • كيفية إدارة الموارد الطبيعية.
  • الحفاظ على التراث الثقافي وتحقيق الإنتاج والاستهلاك المستدام.
  • رفع الوعي العام والدعم المؤسسي وبناء القدرات.
  • تحسين تخطيط الموارد وتحسين الصحة العامة.
  • رفع درجة انتماء الأفراد واحترامهم لبيئتهم ومجتمعاتهم.
  • توفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة وتوفير بيئة أفضل للمعيشة والعمل.
  • تحقيق اللامركزية في إدارة النظم البيئية لتحقيق التنمية المستدامة.
  • القضاء على مشاكل الفقر والبطالة ومشاكل المرأة والأمن الغذائي.

المحور السادس: دور مؤسسات المجتمع المدني في المساهمة في تنفيذ آليات التنمية المستدامة.

سنتوسع هنا في اهم مؤسسات المجتمع المدني التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة كما أشار كل من: (Brodhag, C., & Taliere, S. 2006)، مرعي:2016):

– دور الأسرة: تلعب الأسرة دورا هاما في تنشئة أجيال تعي جيدا ماهية البيئة وماهية مخاطرها على المجتمع وذلك من خلال القدوة الموجودة لدى الأب والأم حال الاهتمام بالنظافة والاستخدام الرشيد لكل شيء حتى يتم التقليل أو الحد من تأثير استخدام الفرد السيئ للبيئة الهدف هو إضافة عضو نافع يعي جيدا الأخطار المحيطة بالبيئة يكون قدوة لأهله.

  • دور المؤسسات التعليمية: دورها مكمل لدور الأسرة في الارتقاء بسلوك الطفل في المدرسة حيث توجد إدارات للبيئة بالمدارس تسهم في رفع الوعي البيئي، ويجب أن تتضمن المناهج الدراسية مقررا مستقلا عن البيئة وضرورة القيام بأنشطة تخدم البيئة.
    • دور العمال والنقابات العمالية: من خلال تعريف العمال بأضرار الاستخدام السيئ لبعض التكنولوجيات الملوثة للبيئة والتي قد تسبب لهم الأمراض وهنا تطالب النقابات بضرورة الحصول على تكنولوجيات نظيفة وتحقيق المناخ الجيد للعمل.
    • دور العلماء: ضرورة عقد ندوات سواء في المحافل الدولية العامة أم الخاصة أم في وسائل الإذاعة والتلفزيون يوضح فيها العلماء كيفية المحافظة على البيئة.
    • دور النوادي الاجتماعية والرياضية: يستغل وجود صفوة المجتمع لإبراز دور الأفراد في التوعية المستدامة لمخاطر التلوث وخاصة لصغار السن من أبناء وأحفاد الأعضاء أو عن طريق عقد ندوات يدعى لها المتخصصون.
    • دور الإعلام في تحقيق التنمية المستدامة: نجاح التنمية المستدامة يتطلب حسن الإدارة البيئية للمشاريع الإنمائية بحيث يدمج محور الحفاظ على البيئة في هذه المشاريع، أيضا إجراء التقييم البيئي المستمر للمشاريع التنموية ونشر الوعي البيئي والتربية والتدريب والتثقيف وبالتالي نجد أن هناك ارتباط وثيق بين التنمية المستدامة والإعلام.
    • دور المؤسسات الدينية: تلعب المؤسسات الدينية من المساجد وغيرها دورا كبيرا في توعية الناس من خلال الدروس، الخطب الأسبوعية والندوات لإبراز مساوئ التلوث البيئي على الطبيعة.
    • دور المجالس الشعبية المحلية في المدن والقرى: على المجالس الشعبية المحلية القيام بدورها في خلق التنمية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والثقافية في كافة مناحي المجتمع المحلي، القيام بدورها التنموي والحفاظ على البيئة ورقابة سلبيات الوحدات التنفيذية وفرض عقوبات على المخالفين، إعادة إصلاح ما أفسده البعض من خلال محور الإصحاح البيئي في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.

خاتمة البحث:

توصل البحث إلى أن هناك دور كبير لمؤسسات المجتمع المدني في تحقيق التنمية بصفة عامة والتنمية المستدامة بصفة خاصة، نتيجة للتحولات والتطورات العالمية التي شهدتها الاقتصاديات العالمية، ومع تطور مفهوم التنمية من التنمية الاقتصادية إلى التنمية المستدامة التي تعمل على تحقيق التوازن بين الجانب البيئي من جهة والجانب الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى أصبحت الحاجة إلى المجتمع المدني وكذا إلى منظماته لحل المشكلات والأزمات وكذا لنشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع.

التوصيات:

  • إن منظمات المجتمع المدني تلعب دورا جوهريا في تحقيق التنمية البيئية وكذا المستدامة وتكمن هذه الأدوار في إشراك مؤسسات المجتمع المدني في وضع خطط التنمية.
    • ضرورة الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني والجمعيات التي تمتلك خبرة متنامية ومتطورة في مجال حماية البيئة.
    • إيجاد آليات للتواصل والتنسيق بين المنظمات الدولية والمحلية التي تمثل المجتمع المدني وكذا الحكومات لأجل تحقيق أكبر قدر من التعاون والحصول على البيانات والمعلومات وتبادل الخبرات.
    • ضرورة تحقيق تنمية مستدامة فعلية تكون الأبعاد الثلاثة محققة فيها (اقتصادية، اجتماعية، بيئية) حيث تضمن تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بمتطلبات الأجيال المستقبلية.
    •  

المراجع

  1. أفندي، عطية حسين. (2006). المنظمات غير الحكومية مدخل تنموي، جامعة القاهرة، كلية اقتصاد وعلوم سياسية، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  2. بشارة، عزمي. (2012). المجتمع المدني دراسة نقدية، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، ط6، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  3. البنك الدولي. (2003). تقرير حول التنمية المستدامة في عالم دائم التغير، التحول في المؤسسات والنمو ونوعية الحياة، البنك الدولي، واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية.
  4. جون إهرنبرج. (2008). المجتمع المدني التاريخ النقدي للفكرة، ترجمة: على حاكم وحسن ناظم، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان.
  5. حداد، ريمون. (2006). نظرية التنمية المستدامة، برنامج دعم الأبحاث في الجامعة اللبنانية، بيروت، لبنان.
  6. حسن، إيمان. (2008). دور المجتمع المدني في قضية الإصلاح السياسي في مصر (1974-2005)، رسالة ماجيستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسة، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  7. دونانو رومانو. (2003). الاقتصاد البيئي والتنمية المستدامة، المركز الوطني للسياسات الزراعية، وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، دمشق، سوريا.
  8. السيد، حسن محمد سلامة. (2004). العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في مصر مع إشارة إلى الجمعيات الأهلية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  9. صابر، محي الدين. ( 1987). قضايا التنمية في التنمية في المجتمع العربي، الدار التونسية للنشر، تونس.
  10. الصبيحى، أحمد شاكر. (2000). مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان.
  11. الطالب، الهام. ( 1999). المرأة المسلمة والتنمية، الدورة الخامسة، حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام، جامعة الصحوة الإسلامية، الدار البيضاء، المغرب.
  12. عبد الحميد، انجي محمد. (2010). دور المجتمع المدني في تكوين رأس المال الاجتماعي: دراسة حالة للجمعيات الأهلية في مصر، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  13. عبد الرحمان، محمد عبد الرحمان. (2007). التنمية البشرية ومعوقات تحقيق التنمية المستدامة في الوطن العربي، التنمية البشرية وأثرها على التنمية المستدامة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، القاهرة، ص7.
  14. علون، ابتسام حاتم. (2011). واقع المجتمع المدني في الوطن العربي، مجلة كلية آداب، العدد 98، متاح علي:

http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=73484

  1. عيسى، محمد عبد الشفيع. (2008). مفهوم ومضمون التنمية المحلية ودورها العام في التنمية الإجمالية، مجلة بحوث اقتصادية عربية، العددان 43_44، صيف وخريف، مركز دراسات الوحدة العربية، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  2. غنيم، عثمان محمد و أبو زنط، ماجدة. (2007). التنمية المستدامة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، المملكة الأردنية الهاشمية.
  3. قاسم، خالد محمد. (2007). إدارة البيئة والتنمية المستدامة في ظل العولمة المعاصرة، الطبعة الأولى، الدار الجامعية بالإسكندرية، جمهورية مصر العربية.
  4. قنديل، أماني. (2005). مؤسسات المجتمع المدني قياس الفاعلية ودراسة حالة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  5. قنديل، أماني. (2006). المجتمع المدني والدولة في مصر من القرن ال19إلى عام 2005، مركز المحروسة، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  6. قنديل، أماني. (2008). الموسوعة العربية للمجتمع المدني، مكتبة الأسرة، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  7. قنديل، أماني. (2015). التحولات في بنية ووظيفة المجتمع المدني بعد الثورات في مصر، أفاق سياسية، العدد13، المركز العربي للبحوث والدراسات، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  8. كامل، مها. (2008). تفعيل دور المجتمع المدني لتعزيز مشاركته في عملية التنمية، ورقة مقدمة في المؤتمر الدولي الأول حول دور المجتمع المدني في القمة الاقتصادية، التنموية والاجتماعية، شراكة من اجل التنمية، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  9. اللجنة العلمية للبيئة والتنمية. (1989). مستقبلنا المشترك، ترجمة محمد كامل عارف، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عدد 142، الكويت.
  10. مجاهد، حورية توفيق. (2013). الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  11. المديني، توفيق. (1997). المجتمع المدني والدولة السياسية في الوطن العربي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا.
  12. مرعي، إسراء جبريل رشاد. (2016). المجتمع المدني ومساهمته بتنفيذ آليات التنمية المستدامة في إطار محاور استراتيجية ٢٠٣٠، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  13. ملاوي، أحمد إبراهيم. (2008). أهمية منظمات المجتمع المدني في التنمية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد24، العدد الثاني، سوريا.    
  14. Alagappa, Muthiah.,(2004). Civil Society and Political Change in Asia. Stanford: Stanford University Press, ISBN 0-8047-5097-1
  15. Antoine Da gumbo. (2003). Développement durable; éthitique du changement, conceptinitégrateur, principe d’action, in développement durable et aménagement du territoire, press polytechniques et universitaire Romonde swise, Pp.26.
  16. Baker, Gidoen,.(1998). Civil society and democratization: An inter-regional comparison, PhD thesis, (The University of Leeds: Department of politics, September 1998)
  17. Brodhag, C., & Taliere, S. (2006). Sustainable development strategies: Tools for policy coherence. Natural Resources Pp.136-145.
  18. Cohen, Jean & Arato, Andrew, (1994). Civil society and political theory, (First edition, USA: MIT Press, 1994)
  19. Edwards, Michael.,(2004). Civil Society. Cambridge, England: Polity Press, ISBN 0-7456-3133-9.
  20. Frank Dominique ;.( 2005). jalons pour une histoir de la nation de dévloppement durable »,monde en dévloppement ,vol33,n129, Pp.25
  21. Hallstedt, S., Ny, H., Robèrt, K-H. & Broman, G.,( 2010). An approach to assessing sustainability integration in strategic decision systems’, Journal of Cleaner Production 18: Pp. 703–712

http://scholar.colorado.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=2301&context=honr_theses, accessed on: 11/02/2017

  • Melzt, Danielle, (2016). Civil society in Arab spring: Tunisia, Egypt and Libya, Undergraduate Honors Theses, (University of Colorado: Department of political science, March 2016), available on:
  • Missimer, M., Robèrt, K.-H., Broman, G., & Sverdrup, H. (2010). Exploring the possibility of a systematic and generic approach to social sustainability. Journal of Cleaner Production 18, Pp. 1107-1112.
  • Mohammed Yousef. (2011). Ecological Sciences for Sustainable Development”، http://www.unesco.org,
  • Zaleski, Pawel., (2008). `Tocqueville on Civilian Society: A Romantic Vision of the Dichotomic Structure of Social Reality’, Archiv für Begriffsgeschichte Bd. 50/2008

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *