نوفمبر 23, 2024 4:03 ص
20

د . عماد فاضل فيصل

المديرية العامة لتربية محافظة الديوانية في جمهورية العراق \ اعدادية الشامية المهنية المختلطة

Imadfadhilo99@gmail.com

009647813992551

الملخص

تبدا هذه الدراسة في ملخص تنفيذي تندرج ضمنه اهداف البحث في العلاقة بين تطور الافكار الاقتصادية والممارسات الاقتصادية في العلاقات الدولية وفق النظريات الاقتصادية والسياسات الحاكمة, وباليات المنهج الوصفي ومنهج التحليل المقارن, فضلا عن المنهج التاريخي الذي كان ضروريا لادراك اشكالية البحث عندما يكون هناك نوعين من التفكير الاقتصادي والسياسي احدهما  معرفي انطباعي مرتبط بالفلسفة الاجتماعية قبل عصر النهضة, والاخر علمي ممنهج بعد عصر النهضة وقيام النظريات الكبرى في الاقتصاد السياسي, وعلى اعتبار ان الافكار الاقتصادية ليست تركيبات منطقية مجردة فان تطورها مرتبط بعناصرها الرئيسية, لذلك خصص المبحث الاول اطارا مفاهيمنا لدراسة الترابط الجدلي بين مفهوم النظرية الاقتصادية والمنهج الاقتصادي والمذهب الاقتصادي, فضلا عن الفلسفة والسياسة الاقتصادية , كذلك دراسة وتعريف الاسس النظرية للممارسة الاقتصادية في العلاقات الدولية.

واختص المبحث الثاني لدراسة تطور الافكار الاقتصادية من خلال التحليل والمقارنة والمقاربة مع الانماط الاقتصادية السائدة المرتبطة بالفلسفة الاجتماعية والمعتقدات الدينية في العصور القديمة والوسيطة, ومع النظريات الاقتصادية في العصور الحديثة والمعاصرة التي بينت اصول واسس الافكار الاقتصادية المنظمة منذ النشاة والتوسع الرأسمالية الماركنتيلي , مرورا بالافكار الاقتصادية الفيزوقراطية, فالكلاسيكية, والرومانسية والاصلاحية, الى الافكار الاقتصادية الاشتراكية, كذلك دراسة اهم المدارس الاقتصادية في العصر الحديث والمعاصر, بدا من المدرسة الحدية, ومدرسة التوازن العام, والمدرسة الكينزية, والمدرسة النفوذية وتيارتها الرئيسية, ومدرسة التبعية كاحدى المدارس التي نمت في احضان العالم الثالث.

 

وتضمن المبحث الثالث دراسة نماذج من الممارسات الاقتصادية المعاصرة في العلاقات الدولية مثل الشركات متعددة الجنسية, والتجارة والتمويل الدولي, والعولمة والاندماج الاقليمي, واسواق الطاقة, فضلا عن الازمات الاقتصادية العالمية, وذلك على ضوء الاسس النظرية للمدارس الاقتصادية الحديثة والمعاصرة التي اشرنا اليها مقارنة بالنظريات السياسية الكبرى المتنافسة في العلاقات الدولية من منظور اقتصادي , وهو المنظور الليبرالي بخياريه الماركنتيلي الدولاني والعقلاني, والمنظور الراديكالي, والمنظور البنائي., واختتمت هذه الدراسة بعدد من الاستنتاجات والتوصيات.

الكلمات المفتاحية:

الافكار الاقتصادية, العلاقات الدولية, النظريات الاقتصادية , المنظورات المتنافسة, الممارسات الاقتصادية.

 

The development of economic ideas and theoretical foundations for application in international relations

Dr. Imad Fadhil Faisal

General Directorate of Diwaniyah Governorate

in the Republic of Iraq

 

Abstract

This study begins with an executive summary, which includes the objectives of the research in the relationship between the development of economic ideas and economic practices in international relations according to economic theories and governing policies, the mechanisms of the descriptive approach and the comparative analysis approach, as well as the historical approach that was necessary to realize the problematic of the research when there are two types of thinking The economic and political one, one of which is cognitive and impressionistic, linked to social philosophy before the Renaissance, and the other is systematically scientific after the Renaissance and the emergence of major theories in political economy. Considering that economic ideas are not abstract logical combinations, their development is linked to their main elements, so the first topic devoted our concepts framework to study the dialectical interdependence between the concept of economic theory, economic method and economic doctrine, as well as philosophy and economic policy, as well as studying and defining the theoretical foundations of economic practice in international relations The second topic was devoted to studying the development of economic ideas through analysis, comparison and approach with the prevailing economic patterns associated with social philosophy and religious beliefs in ancient and medieval times, and with economic theories in modern and contemporary times that showed the origins and foundations of organized economic ideas since the inception and expansion of Mercantilian capitalism, through the physiocratic economic ideas classic, Romanticism and reformism, to socialist economic ideas, as well as studying the most important economic schools in the modern and contemporary era, beginning with the marginal school, the general equilibrium school, the Keynesian school, the influential school and its main current, and the dependency school as one of the schools that grew in the embrace of the Third World.

The third topic included the study of models of contemporary economic practices in international relations such as multinational companies, international trade and finance, globalization and regional integration, energy markets, as well as global economic crises, in light of the theoretical foundations of modern and contemporary economic schools that we referred to compared to major political theories Competing in international relations from an economic perspective, which is the liberal perspective with its statist and rationalist options, the radical perspective, and the constructivist perspective. This study concluded with a number of conclusions and recommendations

Keywords

Economic ideas, international relations, economic theories, competing perspectives, economic practices.

 

المقدمة

على ضوء فلسفة التفاعل الجدلي بين اساليب نمو المنهج العلمي ونمو النطرية  العلمية باعتبار ان التفكير  والتنظير بلا ملاحظة ومنهج او بالعكس عاجز ان يوصل الباحث الى حقائق دقيقة ذات معنى , وانما الى تجريدات غير مبرهنة , نسعى في هذه الدراسة تتبع اواصر الصلة بين تطور الافكار الاقتصادية وبين وقائع الاقتصاد الدولي المعاصر وفق النظريات السياسية في العلاقات الدولية بمنهج وصفي بغية التحليل المقارن للسياسات الاقتصادية المعاصرة التي تحكم العالم , ولادراكنا نسبية الافكار الاقتصادية وخضوعها للظروف التاريخية عمدنا التمييز بين الافكار الاقتصادية الحديثة والمعاصرة باعتبارها نظريات تخضع لقوانين موضوعية علمية , وبين الافكار الاقتصادية القديمة والوسيطة باعتبارها مذاهب اقتصادية تساير الفلسفات والمثل الاجتماعية المعاصرة لها.

 

وجهدنا بداية البحث الى تعريف الافكار الاقتصادية من خلال دراسة اهم عناصرها الاساسية وهي : اولا- النظرية الاقتصادية او التحليل الاقتصادي ,وهي جميع الفرضيات التي تحكم الظاهرة الاقتصادية وعلاقاتها المختلفة وترصد وتحلل السلوك الاقتصادي وتشخص وتدرك الالية التي تسيرها وتصنف القوانين التي تحكمها, ثانيا – السياسية الاقتصادية , وتعني افضل الوسائل الممكنة التي تعتمدها الدول لتحقيق اهداف معينة, ثالثا –المذاهب الاقتصادية, وهي مجموعة الاراء التفضيلية لنظام اقتصادي على نظام اقتصادي اخر والتي تنطلق من الظواهر الاقتصادية المعاشة في مرحلة تاريخية معينة, رابعا – المنهج الاقتصادي بطريقيه الرئيسين الاستنتاجي والاستقرائي, خامسا – الفلسفة الاقتصادية, وهي ادراك تطور الفكر الاقتصادي وفقا لاتجاهات الفلسفة العامة عموما والفلسفة الاجتماعية على وجه الخصوص.

 

ووفقا لذلك ذهبت الدراسة وفق بحث منهجي الى السعي الحثيث في اغوار الفكر الاقتصادي الممتد عبر الاف السنين منذ عصر فجر السلالات لتلمس الصلة العضوية بين التطور التاريخي للفكر السياسي والفلسفة الاجتماعية وبين تطور الافكار الاقتصادية, فقد سعى البابليون في اقامة المعابد للالهة كسبيل لتعزيز السلطة عندما كان الاله يختار الملك لحكم المدينة حيث كانت اولى مهامه ترميم المعابد وبنائها وتقسيم الاراضي بين الرعية والمعبد باعتباره مانح الارض حتى تحولت اراضي المعابد في زمن الامبراطورية الاكدية الى اراض حكومية, وقدمت اثينا للعالم شذرات من الافكار الاقتصادية كانعكاس لصنوف المعرفة في الفلسفة والسياسة والاخلاق, حيث قدمت بداية لمراحل انحلال المشاعة البدائية مع التقدم النسبي في قوى الانتاج حتى ظهرت الفرصة المؤاتية للتبادل التجاري مع المدن المجاورة.

 

ورغم ان الحضارة الرومانية لم تخلف تراثا مميزا في التحليل الاقتصادي باعتبارها امتدادا للعلوم والفلسفة الاغريقية, الا ان الاحوال الجغرافية المناسبة ووفرة الموارد الطبيعية وتوسع الدولة ووجود مجتمع زراعي  وتجارة محدودة وتقسيم صارم للطبقات الاجتماعية  نتاج غزو المستعمرات عزز بعض الافكار الاقتصادية كصراع بين مصالح الفقراء والاغنياء مثل نسبة الضرائب  والصراع الاجتماعي , وكان العصر الوسيط امتدادا طبيعيا للعصور القديمة رغم ظهور المذاهب الاقتصادية التي تظمنتها الرسالات السماوية وعلى وجه الخصوص  الديانة المسيحية و الرسالة الاسلامية, فعلى سبيل المثال لا الحصر كان توماس الاكويني من ابرز اعلام  المذاهب الكنسية وبالخصوص المدرسة السكولائية, بينما كان ابن خلدون والمقريزي من ابرز اعلام المذاهب الاقتصادية في العصور الاسلامية ,و تعد العصور الوسطى تمهيدا طبيعيا للافكار الاقتصادية في العصور الحديثة باعتبارعناصرها الاساسية مثل توزيع الملكية وعلائق توزيع الثروات, فضلا عن التبادل التجاري بين الغرب والشرق .

 

وتعززت الافكار الاقتصادية  في العصور الحديثة بظهور النظريات الاقتصادية الكبرى بعد عصر النهضة من النظرية الماركنتيلية او الراسيمالية التجارية الكلاسيكية ورائدها ادم سمث في اطروحة ثروة الامم الى المدرسة الفريدمانية النقودية وتيارتها , ومن نظرية ريكاردو في التوزيع وتحليل الريع الى المدرسة الكنزية واطروحة النظرية العامة مرورا بنظرية فائض القيمة لكارل ماركس ومدرسة  المنفعة الحدية ونظرية التوازن العام ورائدها ليون والراس, كذلك بظهور النظريات السياسية في العلاقات الدولية في العصر الحديث من النظرية العقلانية واليبرالية الى النظرية الراديكالية والنظرية البنائية,  تتبعت الدراسة اثر هذه الاسس النظرية على الافكار الاقتصادية للمماراسات المعاصرة في الاقتصاد العالمي مثل التمويل والتجارة والتنمية الدولية,  والعولمة والشركات العابرة للحدود والاندماج الاقتصادي , وغيرها من الممارسات الاقتصادية في العلاقات الدولية.

 

هدف البحث

تهدف الدراسة الى بيان حقول التقارب بين النظريات السياسية في العلاقات الدولية وتطور الافكار الاقتصادية واثر ذلك في الممارسات الاقتصادية على الساحة الدولية.

 

اشكالية البحث

 

تكمن اشكالية البحث في الفصل المنهجي من خلال الاسس النظرية والممارسة الفعلية في العلاقات الدولية   بين الجدل التفاعلي لنوعين من التفكير الاقتصادي احدهما فكر معرفي عام ذو صبغة انطباعية , والاخر فكر علمي ممنهج ومتخصص.

 

منهج البحث

 

اعتمد الباحث المنهج الوصفي , ومنهج تحليل النظم, والمنهج المقارن, فضلا عن المنهج التاريخي.

 

هيكلية البحث

 

تضمنت الدراسة ثلاثة مباحث , كان المبحث الاول اطارا مفاهيميا عن ماهية الافكار الاقتصادية والنظريات السياسية ذات الصلة بها في العلاقات الدولية ,  ودرس المبحث الثاني مراحل تطور الافكار الاقتصادية القديمة والوسيطة, فضلا عن المراحل الحديثة والمعاصرة, بينما اختص المبحث الثالث بتحليل ومقاربة التفكير الاقتصادي المعاصر والممارسات الاقتصادية على الساحة الدولية, واختتمت الدراسة بعدد من النتائج والتوصيات.

 

نتائج البحث

 

توصلت الدراسة الى عدد من النتائج  التوصيات وكان من اهم النتائج بقاء الازدواجية الراسمالية تحكم الممارسات الفعلية في الاقتصاد العالمي من خلال الادوار التي تلعبها المؤسسات الاقتصادية الدولية والشركات متعددة الجنسية في الاقتصاد السياسي الدولي رغم مااحدثته اسواق الطاقة من تغيير في العولمة الاقتصادية بثبات الاختلاف بين اصحاب النظرية الليبرالية  من المركنتيلين والعقلانيين.

 

المبحث الاول

 

ماهية الافكار الاقتصادية والاسس النظرية ذات الصلة بها في العلاقات الدولية

 

يمكن دراسة ماهية الافكار الاقتصادية وتحديد تعريف دقيق لها من خلال دراسة اهم عناصرها الاساسية مثل المناهج والنظريات الاقتصادية او التحليل الاقتصادي, والسياسات والمذاهب والفلسفات الاقتصادية, وقد كرس المطلب الاول لذلك, اما المطلب الثاني فدرس الاسس النظرية ذات الصلة بها في العلاقات الدولية وهي النظرية الواقعية, والنظرية الليبرالية, والنظرية الرايديكالية, والنظرية البنائية.

 

المطلب الاول \ ماهية الافكار الاقتصادية

 

لما كانت الافكار الاقتصادية هي سسلسلة مترابطة من التركيبات المنطقية المترابطة غير المجردة فلا يمكن تعريفها الا من خلال ادراك عناصرها الاساسية وهي :

 

اولا \ النظرية الاقتصادية او التحليل الاقتصادي Economic theory or Economic analysis

 

وهي بيان القوانين والروابط الاقتصادية التي تحكم العلاقات بين الاطراف المختلفة والكشف عن الظواهر الاقتصادية واسبابها وردود الافعال التي يمكن ان تحدثها في السلوك الاقتصادي باعتبارها انعكاس للواقع, كذلك رصد التناقض الاساسي بين الطابع الاقتصادي والطابع الاجتماعي مثل التناقض الاقتصادي للانتاج والطابع الاجتماعي لملكية وسائل الانتاج الذي يفسر الدورة التجارية Cycle Prissiness حسب النظريات الاقتصادية الحديثة والمعاصرة ( لانكة وكالنسكي, 1967 ,ص. 314 ), فالتفكير الاقتصادي الحديث والمعاصر المحكوم بالنظرية لايخرج عن سياق كشف القوانين التي تحلل الظاهرة الاقتصادية دون اصدار اي احكام عليها وهو يتطابق مع التفكير العلمي التجريبي ودوره في الكشف عن الظواهر الطبيعية وبيان القوانين التي تخضع لها وفقا للنظريات العلمية ذات الصلة دون الحكم عليها ( المعموري, 2006 ,ص. 20 ).

 

ثانيا \ المنهج الاقتصادي الاستنتاجي والاستقرائي Economic Deductive and Inductive

 

1 – المنهج الاستنتاجي

 

ويرتكز فيه دوما الوصول الى النتائج من مقدماتها على مبدا عدم التناقض المنطقي حيث تكون النتيجة المستنبطة مساوية لمقدمتها او اصغر منها فيسلك هذا المنهج في التفكير والاستدلال طريقه من العام الى الخاص بمعنى انه يسير من الكلي الى الفردي ومن المبدا العام الى التطبيقات الخاصة, كما يبرهن هذا المنهج حتمية صدق النتائج اذا صدقت المقدمات على اساس منطقي وهو ان افتراض صدق المقدمات دون نتائج يستبطن تناقضا منطقييا مادامت النتيجة مستنبطة بكامل حجمها في تلك المقدمات, وعليه يكون هذا الاستدلال صحيح من الناحية المنطقية ( الصدر, 2002 ,ص. 19 ), ويقتضي هذا المنهج التحقيق في صحة المقدمات وان لاتكون متعسفة وغير ملموسة استنادا الى مايعرف بالحقائق الاعتيادية تجنبا لاشكالية التجريد والاطلاق, وكان هذا المنهج سائدا في العصور القديمة والوسيطة متماشيا مع الفلسفة المطلقة حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر حين تطرف الماركنتيليون في استخدام المنهنج الاستقرائي رغم تمسك         الفيزوقراط الفرنسيون والكلاسيك الانكليز واقطاب المدرسة النمساوية بهذا المنهج الاستنتاجي , اما  الباحثون المعاصرون فيميلون غالبا الى استخدام المنهج الاستنتاجي والمنهج الاستقرائي معا ( المعموري, 2006 ,ص. 25 ).

 

2 – المنهج الاستقرائي

 

وهو الاستدلال السائر من الخاص الى العام على اساس ان النتائج المختبرة لصياغة القوانين التجريبية العامة ( Empirical Laws ) حيث تكون هذه النتائج اكبر من مقدماتها, وبذلك يشمل المنهج الاستقرائي الاستنتاج العلمي القائم على اساس الملاحظة والتجربة, ويختلف المنهج الاستقرائي الحديث والمعاصر عن المنهج الاستقرائي القديم حسب المنطق الارسطي الذي يقسم الاستقراء الى كلي وجزئي بينما  يعتبرالاستقراء المعاصر ان الاستقراء الكلي هو استنباطا يدخل في خانة المنهج الاستنتاجي, وعليه يفرق المنهج الاستقرائي الحديث والمعاصر بين الملاحظة والتجربة, باعتبار ان التجربة هي اقتصار الباحث على مشاهدة سير الظاهرة كما تقع في الطبيعة لاكتشاف اسبابها وعلاقاتها , بينما يدخل الباحث في حالة التجربة عمليا في دراسة سير الظاهرة ومحاولة تغيرها او خلق ظاهرة موضوعة البحث في حالات شتى لاكتشاف اسبابها وعلاقاتها ( الصدر, 2002 ,ص. 25 ).

 

ثالثا \ المذهب الاقتصادي Economic doctrine

 

وهو الموقف الحاكم على نظام اقتصادي معين بالرفض او القبول او التفضيل على اساس تجريبي او عقلي او ذاتي دون قوانين مجردة يرتقي بها الى مستوى النظرية, فيكون اقرب الى الفلسفة الاجتماعية النقدية المتظمنة مجموعة من الاراء التي تنطلق من الواقع الاقتصادي في مرحلة زمنية معينة لتعبر عن اختيارات عقائدية في احيان كثيرة مثل النطام الاقتصادي في الاسلام , كما تستوحي حججها في احيان اخرى من مبادئ واحكام متعلقة بالنظريات الاقتصادية الكبرى او من الانظمة والبيانات الاقتصادية التاريخية مثل الراسمالية المتشددة التي ترفض اي شكل من اشكال تدخل الدولة في الاقتصاد الحر والمطلق ( المعموري, 2006 ,ص 21 ) .

 

رابعا \ الفلسفة الاقتصادية  Economic philosophy

اقترنت الفلسفة الاقتصادية بالفلسفة الاجتماعية العامة منذ العصور القديمة وعندما انقسمت الفلسفة اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد الى اتجاهين, الاول هو الاتجاه المثالي بدا من السوفسطائيين وكورجياس الى سقراط رائد المثالية الذاتية وافلاطون رائد المثالية الموضوعية , ومن بعض الرواقيين حتى  العصر الوسيط الوسطى  حيث اوغسطين وتوماس الاكويني وصولا الى عصر النهضة وبركلي وكانت وهيغل وكونت, ويتضمن هذا الاتجاه قدرة العقل الانساني المستقلة عن الظروف المادية والمرتبطة بالارادة المطلقة خارج الكون والتي خلقت العالم و تفرض النظم الاجتماعية والاقتصادية, حيث يتضمن هذا الاتجاه نسبية وذاتية الافكار الاقتصادية وعدم موضوعيتها , حيث يذهب المثاليون الى انكار اهمية القوانين في الحياة الاقتصادية, ويجعلون علم الاقتصاد في سياق فلسفة الفن عندما ينكرون وجود القوانين الاقتصادية اصلا ( شقير, 1986) , (دويدار واخرون, 1988 ).

 

بينما تمتد جذور الاتجاه الثاني وهو الاتجاه المادي الى ابعد من ذلك حيث المدرسة الايونية التي نشات في القرن السابع قبل الميلاد من باطليس الى هيرقديلس رائد المادية الدياليكتية حتى ابيقور صاحب المدرسة الابيقورية في القرن الثالث قبل الميلاد ورائد مذهب السعادة وفكرة العقد الاجتماعي فضلا عن فكرة ذرية الكون, ويتضمن هذا الاتجاه الايمان بالفردية والنظام الطبيعي وخضوع العقل الانساني دائما لمحيطه المادي, وعليه حتميةخضوع الافكار الاقتصادية لمجموعة من القوانين الطبيعية, و عندما انكر هذا الاتجاه في العصور العصور الحديثة نظم القرون الوسطى الدينية والسياسية والاخلاقية انكر كذلك الافكار الاقتصادية ذات الصلة بها معرفيا وفلسفيا حين اعتبر الفلسفة الاجتماعية تاخذ معناها الابستمولوجي فقط كونها نظرية عامة للمعرفة, يجب ان تكون محايدة للعلوم الطبيعية بما فيها علم الاقتصاد رغم اشكالية النظم المتتقدية System of Beliefs في العلاقة بين الفلسفة الاجتماعية والاقتصاد , والتي تعطي احكاما في الحقائق النهائية سواء كانت ثيولوجية او مادية فهي تشمل الاتجاهين المادي والمثالي ( ولعلو, 1981 ) , ( كبة, 1970 ) , ( المعموري, 2006 ,ص. 24).

 

خامسا \ السياسية الاقتصادية  Economic policy

 

وهي ىراسة افضل الوسائل الممكنة التي تنتهجها السلطات العامة لتحقيق اهداف او غايات معينة , وتشمل السياسية الاقتصادية في الشؤون الداخلية التي تتضمن التدخل الحكومي لتحقيق القسط الاكبرمن الاشباع للحاجات الاساسية للوصول الى قدر معين من الرفاهية, كما تتضمن دراسة افضل السبل الممكنة لكبح جماح التضخم باعتماد سياسات نقدية او سياسات مالية معينة, كذلك تشمل السياسات التي تعالج نسب البطالة في المجتمع المحلي , وتوصف السياسات الاقتصادية في الشؤون الداخلية بالاختلاف والنسبية في مستوى التدخل الحكومي فيها طبقا للافكار الاقتصادية التي تعتمدها السلطات العامة بين الواقعية واللبيرالية والريديكالية والبنائية, اما السياسية الاقتصادية في الشؤون الخارجية فهي جزء اساسي من الاستراتيجية العليا للدول بشكل مطلق لانها تمثل اهم الوسائل لتحقيق الاهداف الاسترتيجة باستغلال الفرص او درء التهديدات او ضمان المصالح, كذلك هي تعبر عن السياسة الاقتصادية في الشؤون الاخارجية في معظم الاحيان عن العقيدة السياسية والايديولوجية للدولة , ومن نافلة القول ان السياسة الاقتصادية المراد تطبيقها يجب ان تمتاز بالدقة والحيوية والتحليل ( كبة, 1970 ), ( المعموري, 2006 ,ص. 21 ).

وعلى ضوء جميع هذه العناصر الاساسية يمكن ان نعرف الافكار الاقتصادية بانها نتاج طبيعي عن وعي العقل الانساني بجوهر مكونات عالمه ذات الصلة بتطور الوقائع والاحداث الاقتصادية , وهي انعكاس للظواهر والمشكلات الاقتصادية في محاولات دينامية لتجسيدها او التعبير عنها من خلال الفلسفة الاجتماعية المعاصرة لها والمرتبطة بمنظومة قيمية معينة,اومن خلال التفاعل الجدلي بين نمو النظرية ونموالمنهج العلمي واساليبه لاعتماد سياسات اقتصادية تنسجم مع العقيدة السياسية للانطمة السياسية التي تحكم الممارسات الاقتصادية التي تضمن اشباع حاجات شعوبها وضمان مصالحها العليا.

 

 

المطلب الثاني \ الاسس النظرية للممارسة الاقتصادية في العلاقات الدولية

 

رغم ان تجار بلاد مابين النهرين والتجار الاغريق والفينقيين في العصور القديمة اول من ارسى اشكال الممارسة الاقتصادية في العلاقات بين الدول, الا ان التغيرات الرئيسية التي حدثت في الافكار والممارسات الاقتصادية منذ القرون الوسطى  حتى نهاية القرن الثامن عشر فضلا عن التقدم التكنولوجي بعد عصر النهضة هي من ارست الدعائم النظرية للممارسة الاقتصادية في العلاقات الدولية عندما بلورت النظريات الكبرى في العلاقات الدولية والتي تقوم في جزء كبير منها على الافكار والممارسات الاقتصادية, ويمكن البحث في هذه النظريات من خلال المنظورات المتنافسة التالية :

 

اولا \ المنظور اليبرالي

 

وهو من براهين ودوال ومصاديق النظرية الواقعية في العلاقات الدولية التي تعتبر نتاج تقاليد تاريخية وفلسفية عمقيقة رغم ان تطبيقها المباشر في القضايا الدولية حديث العهد, وتقوم هذه النظرية على ان كل دولة تتصرف بطريقة موحدة ومتكاملة تظمن حرية الافراد فيها في السعي نحو مصالحها الوطنية العليا من خلال قوة مواردها المادية الظرورية لفرض نظام توازن القوى الدولي يضمن مصالحها ويعزز فرصها ويدرء الاخطار والتهديدات عنها, وينقسم هذا المنظور من خلال النطرية الاقتصادية والتطبيق الى خيارين هما :

 

1 – الخيار العقلاني في العولمة

 

واول من نظر له الاقتصادي البريطاني ادم سميث على واقع ان الناس عقلانيون يعملون لتعظيم مصالحم الخاصة, وعندما يعمل الناس بهذه الطريقة تتطور وتتعزز الاسواق لوجود كثير من البائعين المتنافسين وكثير من المشترين الذين يسعون الى انجاز صفقاتهم الخاصة , عندها تنخفض الاسعار قدر الامكان لوجود منافسة حرة بعيدة عن اي تدخل حكومي , وهذة الاسعار المنخضة كفيلة بزيادة الرفاهية الاقتصادية التي تعزز النمو الاقتصادي باعتبار ان الاسواق هي محور الدورة الاقتصادية التي سرعان ماتحتاج الى اسواق اكبر للتنافس الحر في دول اخري دون اي تعريفات كمركية او كوابح سياسية او اجتماعية بما يضمن توزيع فعال للموارد يضمن  تنافس حر للتجارة العالمية, وهي افضل تعريف للعقلانية التي تعزز النظرية الليبرالية في الاقتصاد ( Friedman, 1999 ,p.257).

 

2 – الخيار الدولاني – المركانتيلية

 

عكست سياسات الدول الغربية في العصر الحديث خيار اخر للنمظور الليبرالي على اساس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية وهو المركانتلية او الدولانية التي تهدف الى بناء ثروة اقتصادية جبارة كاداة لقوة الدولة, ويمكن اعتبار الفرنسي جان بابتست كولبرت هو رائد هذا الخيار الميركانتيلي عندما كان احد مستشاري لويس الرابع عشر, وشملت السياسات المركانتيلية تحقيق الاكتفاء الذاتي عن طريق رفع التعريفات الكمركية وعدم تشجيع الاستثمار الاجنبي والاستيراد وحماية المنتوج الوطني , وايد الكسندر هاملتون وزير الخزانة الامريكي الاول واحد الاباء المؤسسين هذا الخيار الليبرالي العقلاني الدولاني رغم انتقاد المثاليين له, واشار المؤرخ الاقتصادي البريطاني جفري وليامسن الى هذا الخيار بالقيد المركانتلي      المضاد للعولمة رغم ازدهار حصة التجارة بشكل ملحوظ في الناتج العالمي الاجمالي وازدهار التجارة في العالم بشكل عام  Williamson,2006,p.9-13 ))

 

وعزز التوسع الاستعماري هذا الخيار في القرن الثامن عشر عندما كانت الدول الاوربية بحاجة المواد الاولية التي اكتشفت في المستعمرات , وكانت بريطانيا العظمى نموذجا حتى عرفت تلك الحقبة بالسلام البريطاني  حيث كانت الامبراطورية المهيمنة ومركز الثورة الصناعية ومركز راس المال الدولي فضلا عن الهيمنة السياسية والثقافية التي لم تنافسها انذاك الا فرنسا , وفي فرضيات هذا الخيار الليبرالي المركنتلي الحاجة الى وجود الدول المهيمنة لضمان الاستقرار وتوفير اقتصاد ليبرالي مفتوح وتسهيل عمل النظام الاقتصادي العالمي ( Kindleberger,1986 ,p.1-13).

 

ثانيا \ المنظور الريديكالي

 

يستند هذا المنظور الى مجموعة الكتابات الماركسية التي قسمت المجتمع الى طبقات تعاني الطبقة العاملة فيه ظروف قاسية في العيش بعد التوسع الراسمالي في العالم الغربي وانتشار التصنيع خلال القرن التاسع عشر , والذي جعل بدوره هوة كبيرة بين البلدان المتطورة والبلدان المتخلفة والنامية خلال القرن العشرين, وقسم الراديكاليون على اساسه النظام الدولي كذلك الى طبقات غير متكافئة وفقا لما تملكه مجموعات الدول المختلفة من مواد حيوية مثل الثروة النفطية او القوة العسكرية او القوة الاقتصادية, فالتركيب الطبقي هو احسن تعريف للمنظور الراديكالي للنظام الدولي عندما يجعل التقسيم الطبقي في العلاقات الدولية على اساس طبقات القوة والموارد , واحد هذه المقايس المعاصرة التي يطرحها انصار هذه النظرية هو ان ماتملكه الولايات المتحدة, المانيا, بريطانيا , اليابان, فرنسا, روسيا والصين هو نصف الانتاج الوطني العالمي (GDP) تقريبا, بينما تمتلك 180 دولة اخرى في النصف الاخر,, وان هذا العجز في الطبقية بين المجموعات الدوليه يبرره المنظور الرديكالي لوجود النظرية الراسمالية التي فرضت العلاقات الدولية بين الطبقات المستفيدة والطبقات غير المستفيدة ( منغنسنت, اريغوين , 2003 , ص. 60-61).

 

ثالثا \ المنظور البنائي

يرتبط هذاالمنظور بفلسفة مابعد الحداثة التي تفند النظريات الكبرى  في عصر الحداثة وتعتبرها افكار اوربية ومنها النظريات السياسية في العلاقات الدولية والنظريات الاقتصادية التي تبررها, فقد اشارت مارثا فينمور مثلا الى ان جميع الانظمة الدولية التي حكمت العالم اعتمدت طرق مختلفة للحفاظ على كينوناتها , فنظام توازن القوى في القرن الثامن عشر والفكر الراسمالي التجاري الكلاسيكي الماركنتلي الذي عبر بطرق غير مشروعة عن صيرورة البنى الفوقية باعتبارها استجابة لضرورات البنى التحتية, ونظام التوافق في القرن التاسع عشر الذي برر الفهم الراسمالي ذو الطابع اليميني في الحرية الفردية الذي يعادي اي تنظيم اجتماعي, كذلك نظام ثنائي القطبية التي افرزته الحروب الكونية في القرن العشرين الذي رسخ الانقسام بين المنظور الليبرالي الراسمالي والمنظور الراديكالي الشيوعي, ويعتقد انصار البنائية ان المعايير الاجتماعية هي التي تحكم تطور الافكار الاقتصادية باعتبارها معايير تحويلية فردية او جماعية تفرضها قوانيين الاكراه على المستوى الحاجات الفردية, اوعبر القوانين المحلية والمؤسسات الدولية والحركات الاجتماعية, او القدرات المادية ذات الاهمية في التغيير  (Fennimoer,2003,p.94-95).

 

المبحث الثاني

 

تطور الافكار الاقتصادية

 

يعتقد كثير من الباحثين والمختصين في تاريخ وفلسفة الافكار الاقتصادية ان هذه الافكار هي نتاج طبيعي للاحداث والوقائع الاقتصادية الناجمة من الحاجات الانسانية المتعددة والمتطورة والموارد المحدودة نسبيا, فهي انعكاس للظواهر والمشكلات الاقتصادية ( المعموري, 2006 ,ص. 18 ), وان تطور الافكار الاقتصادية مرتبط بشكل وثيق بتطور الفكر الانساني من خلال منظومة معرفية ذات ابعاد علمية وفلسفية وقيمية, وبتطبيق المنهج الوصفي التحليلي والمنهج التاريخي  يمكن دراسة تطور الافكار الاقتصادية بتقسيم ابعاد هذه المنظومة الى مرحلتين , المرحلة الاولى ترتبط بالبعد الفلسفي والقيمي وهي مرحلة العصور القديمة والوسيطة باعتبار ان الافكار الاقتصادية في هاتين المرحلتين كانت انعكاس للفلسفات الاجتماعية والرسالات السماوية, اما المرحلة الاخرى فان الافكار الاقتصادية ترتبط بالبعد العلمي في العصور الحديثة والمعاصرةعندما تحاكي النظريات الكبرى في السياسة والاقتصاد.

 

المطلب الاول \ تطور الافكار الاقتصادية في العصور القديمة والوسيطة

 

يمكن تتبع دينامية الحياة الاجتماعية والاقتصادية ووسائلها في العصور القديمة والوسيطة وادراج مايترشح عنها من انماط العلاقات الاقتصادية القائمة انذاك لعلها تساعدنا في ادراك التفكير الاقتصادي السائد في اهم الحضارات الانسانية التي ساهمت في تطور الافكار الاقتصادية.

 

اولا \ حضارة وادي الرافدين

 

يمكن اعتبار اختراع الكتابة المسمارية في القرن الثالث قبل الميلاد في بلاد وادي الرافدين وعصر فجر السلالات ونشوء اولى الحضارات الانسانية التي تجسد المعنى الموضوعي لماهية الحضارة الانسانية باعتبار ان الكتابة والتدوين هو الفيصل في ذلك عندما يسفر عن اخبارنا بشكل موضوعي عن طبيعة التنظيم الاجتماعي والعلاقات الاقتصادية, فمن خلال هذا التدويين عرفنا ان حضارة وادي الرافدين شملت خمسة عصور متوالية هي: العصر السومري, العصر البابلي القديم او مايعرف بالعصر الاموري, العصر الاشوري, العصر الكلداني اومايعرف بالعصر البابلي الحديث,عصر الانحطاط ( الهاشمي,  1993 ,ص.  7 8 ).

 

ففي العصر السومري كانت ملكية المدن السومرية الاربعة عشر تحت حماية الالهة بواقع الاه واحد لكل مدينة, وكان الملك المختار لكل مدينة من قبل الاه يسمى الكاهن الاعظم او الرجل العظيم ( ان-سي), وكان الملك هو مانح الارض للافراد او لبناء المعابد فضلا عن سلطاته السياسية والعسكرية الاخرى ( الهاشمي, 1931 , 87 ), اما الحكومة الاكدية فقد عززت الملكية الخاصة وحولت ملكية اراضي المعابد الى ملكية الحكومة, كذلك شكلت الامبراطورية الاكدية طبقة اجتماعية باسم طبقة العبيد من اسرى الحروب الكثيرة التي خاضتها ومنحتها طابع اقتصادي عندما جعلت منها قوة عمل رخيصة تم استغلالها لاول مرة في التاريخ( المعموري, 2006 , ص. 30 ).

 

وتطورت الافكار الاقتصادية في العصر البابلي القديم عندما شرع حمورابي مسلته القانونية المعروفة, والتي تشمل كثير من القوانين ذات الطابع الاقتصادي , وربما يكون قانون العرف  السائد من اهم تلك القوانين الذي فرض على القضاء تطبيق الاجراءت الاقتصادية التي تتناغم مع اوضاع المجتع انذاك بعدما ادمجت خمس ولايات لتشكيل الامبراطورية, ورغم عصور الفوضى التي مرت بها حضارة وادي الرافدين بعد سقوط المملكة البابلية وعودة سلطة المعابد في السيطرة على اوضاع الحرفيين والمزارعين , الا ان العصر الاشوي اعاد سلطة المبراطورية حيث استطاع الحكام الاشوريون تحصيل الاموال الكثيرة من خلال اجبار المدن والاقاليم الاخرى دفع اموال الجزية لتجنب الاحتلال والتدمير( الرشيد, 1985, ص. 105 ), ويمكن اجمال الانماط والعلاقات والاجراءات الاقتصادية التي يستنج منها تطور الافكار الافتصادية في حضارة وادي الرفدين بما يلي:

 

1 – ظهور طبقة العبيد كنمط اقتصادي باعتباره قوة عمل رخيصة, اما مصادر هذا النمط الاقتصادي فهي اسرى الحوب, العبودية بسبب الدين , الفقر والمجاعة, استيراد العبيد( Bernard,1949, p.8).

 

2- الملكية العامة والملكية الخاصة ومن اهم مظاهرها ملكية الارض للمعبد الذي يمثله رئيس اساقفة المعبد, ومن مظاهر الملكية الخاصة للارض والرقيق ( اوبنهايم, 1981 , ص. 105 ).

 

3 – الضرائب – وهي حق للملك باسم الالهة من فرض الاتاوات ومصادرة العبيد والدواب والعربات ( سميسم, 1999, ص. 34 ).

 

4 – القروض والربا – وهو الاقراض بنوعيه السلعي والنقودي , وتزداد فعاليته عند حدوث ظروف اقتصادية غير طبيعية مثل الحصار والمجاعات ( باقر, 1986, ص. 584-585 ).

 

5 – النقود – كانت اجور الحرفين والصناع من الفضة, بينما كانت اجور رجال الدولة والمزارعين من الشعير ( ساكس, 1979 , ص. 335 ).

 

6 – التجارة – كانت تجارة الخشب منذ عهد السومريين, وتطورت التجارة لتشمل انوع اخرى  مثل المعادن  والاحجار الكريمة, وتوسعت في العهد الاكدي والبابلي  وبالخصوص في زمن سرجون الاكدي عندما اقام شبكة من العلاقات التجارية مع البلدان والمناطق المجاورة ( الطعان, 1981 , ص. 126 ).

 

ثانيا \ الحضارة الاغريقية والرومانية

 

1 – الحضارة الاغريقية

 

رغم ماقدمته الحضارة الاغريقية من شذرات لامعة في صنوف المعرفة الانسانية مثل الفلسفة والسياسة والاخلاق كان التفكير الاقتصادي لايندرج ضمن المضاربة الفكرية في المشكلات العقلية والاخلاقية باعتباره من المشاغل الدنيوية التي لاتحتاج عمقا فلسفيا في التامل والبحث ولايمكن اعتباره فرعا مستقلا من فروع المعرفة, ولهذا كانت المشكلات الاقتصادية عند الاغريق محدودة جىا بسبب التفكير السياسي الطاغي الذي يهدف الى ارساء دعائم الحكم التي تضمن القوة والمنعة للمجتع الاغريقي امام التهديدات الخارجية , كذلك نتيجة احتقار اليونانين للنشاطات الاقتصادية القائمة على جهد العبيد بسبب واقع التقسيم والتمييز الطبقي الذي يعد من الملامح الاجتماعية في المدن الاغريقية ( رول, 1968 ,ص. 42  ).

 

الا ان بوادر التفكير الاقتصادي قد بدا عند الاغريق في القرن الخامس ق.م اثر بواعث النهضة في اثينا الظافرة انذاك حتى ان مصطلح اقتصادي هو كلمة يونانية استخدمها الفيلسوف الاغريقي كسينافون Xenophon في مؤلف له عن دراسة اسس الادارة المالية العامة ( الاثيني, 1935 , ص. 270 ), كذلك دشنت اثينا التقسيم الثنائي للعمل بعد اضمحلال مرحلة المشاعة وتبلور الملكية الخاصة عندما تمكن مالكي وسائل العمل من ارغام المحرومين على العمل لحسابهم ,كما ارست اثينا دعائم تقسيم المجتمع الى طبقات بعد بروز ظاهرة ازدياد اسرى الحروب التي وفرتها الانتصارات العسكرية المتكررة, حيث استغلت هذه الطبقة من الاسرى الى ارقاء مهدت لطبقة لتبلور طبقة العبيد وطبقة الاسياد,وبالخصوص مع تنامي ظاهرة النخاسة والمديونية ( دليلة, سفر, 1977 , ص. 14  ), كذلك شهدت اثينا البدايات الاولى للتبادل التجاري مع المناطق المجاورة لها. ( المعموري, 2006 , ص. 62 ), ومن اهم الانماط الاقتصادية الدالة على تطور الافكار الاقتصادية في الحضارة الاغريقية هي :

 

& – نظام العبودية \ لم ياتي الاهتمام الفكري باوضاع المجتمع الاغريقي من قبل كبار الفلاسفة اليونان امثال افلاطون وارسطو واكسينافون الا من واقع المجتمع المحلي الذي تتطابق فيه الفلسفة الاجتماعية السائدة في تكريس نظام العبودية الذي يقسم المجتمع الى عبيد ومواطنين واحرار, والتي بدات ملامحه بالظهور منذ نهايات القرن الخامس قبل الميلاد والفلاسفة السفسطائيون بعد الاضطربات التي اجتاحت اثينا وشيوع نزعة الاثراء الفردي ( المعموري, 2006 , ص. 66-69).

 

& – الملكية الخاصة \  تضع الفلسفة الاجتماعية اليونانية الملكية الفردية في خانة طبقة الحرفيين والصناع والمزارعين الذين لايستطيعون الارتقاء الى طبقة المواطنين الاحرار من الصفوة الحاكمة مثل القضاة والمحاربين والفلاسفة, وعليه فان طبقة النخبة يجب ان تترفع بكل مايحط من شانها وان تحرم من الملكية الخاصة وحتى من الاسرة وان تكون الاموال والنساء مشاعا بينهم , وهذا مايعده افلاطون من اهم الافكار في جمهوريته ( Blanqui,3 ), بينما ينتقد بعض الفلسفة هذة الافكار ومنم ارسطو الذي يعتقد بجدوى الملكية العامة ويعارض افكار استاذه افلاطون ويعتبرها تناقض ميول النفس البشرية ( رودك,1995 ).

 

& – النقد والقيمة التجارية \ رغم ان عموم الفلسفة الاجتماعية اليونانية لم تفطن الى جبرية الظواهر الاقتصادية, الا انها نادت بالادارة العقلانية للاقتصاد , فقد اطلقوا صفة الكسب الى كل شيء نافع للانسان, فعدوا النقود رمز لتسهيل التبادل بين الناس وفرقوا بين النقود المحلية والنقود العامة للتبادل التجاري وفرقوا بين القيمة الاستعمالية والقيمة التي تحملها ( كبة, 1990 ,ص. 163    ).

 

& – نقد الوسائل والظواهر الاجتماعية \ رغم ان الزراعة والصناعات الحرفية من اهم وسائل النشاط الاقتصادي في الحضارة الاغريقية الا انها صنفت باحتقار طبقيا بتبرير ذرائعي من قبل الفلاسفة اليونان بصورة عامة, كدلك استكرنت الفلسفة الاجتماعية بشكل عام بعض الظواهر الاقتصادية وعدتها سلبية في المجتمع مثل زيادة الضرائب والاحتكار والمعاملات الربوية النقدية باعتبارها فعاليات اقتصادية غير انتاجية تعزز المشكلات الاقتصادية ( الاثيني, 1935 , ص. 8  ).

 

2  – الحضارة الرومانية

 

لم تضع الحضارة الرومانية اضافات مميزة على الافكار الاقتصادية السائدة الا في جوانب محدود اهما الجانب القانوني Natural law ,والشؤون الزراعية, فعندما شرع الفقهاء الرومان القانون الطبيعي الذي كان يشمل جميع الكائنات الحية اثرهذا التشريع على تطور الفكار الاقتصادية بشكل ملحوظ حيث خلفت المؤسسات الحقوقية الرومانية اطارا نطريا للنطام الراسمالي عندما كرسوا الملكية الفردية بشكل قانوني حتى باتت مشروعة بصورة مطلقة باعتبارها حقوق مكتسبة فضلا عن الحرية غير المحدودة التي منحت للمالك في حق التصرف المادي والقانوني بشكل يخدم المذهب الفردي عندما يقرر النشاط الاقتصادي دون اي تدخل من الدولة ( دليلة, 1977 , ص. 37 ).

 

اما في الشؤون الزراعية فكان بروز عدد من رجال الدولة والعلماء والكتاب المهتمين في الاقتصاد والفن الزراعي ومجدوا مهنة الزراعة دون المهن الاخرى , فمثلا كاتون وهو من اعلام الدولة البارزين والكتاب في روما القديمة امتدح نظام الانتاج الزراعي القائم على الملكية الفردية بينما هاجم نطام الرق الذي تستغله الاقطاعيات الكبيرة في استغلال طبقة العمال والعبيد, كذلك فعل فارون وهو كاتب وعالم معروف في جوانب متعددة من المعرفة عندما اشار في مؤلف الاقتصاد الزراعي الى ضرورة انتشار العلاقات البضاعية والنقدية , كما دعا الى الاهتمام بتكثيف الزراعة واقامتها على اسس علمية والاهتمام بتقلبات اسعار السوق لضمان اكبر ارباح ممكنة , وايضا تضمن كتاب كالوميلا في الاقتصاد الزراعي ازمة نظام الاستغلال العبودي وحالة الزراعة في روما, وان تدهور الانتاج الزراعي يعود الى تناقص خصوبة الارض , كما اكد كالوميلا على العلاقات البضاعية -–النقدية حيث دعا الى عدم الاكتفاء باستهلاك المنتجات الزراعية وانتاج البضائع من اجل السوق, كذلك طالب بتقسيم العمل وحذر من توسيع ظاهرة ايجار الارض من اجل مزيدا من الريع ( المعموري, 2006, ص. 96-99 ).

 

واخيرا يمكن ان نقول ان فكرة القانون الطبيعي في الحضارة الرومانية اثرت بشكل كبير في تطور الافكار الاقتصادية عندما احتلت مكانة هامة في الفكر الاقتصادي منذ القرن الثامن عشر, كذلك مهدت مبادئ القانون الطبيعي في الحضارة الرومانية لنشوء المذهب الفردي في الملكية وحرية التعاقد وحرية التبادل التجاري وهو من ملامح وسمات الافكار الاقتصادية في الحضارة الرومانية, ومن نافلة القول ان نقارن هذا المذهب الفردي في الحضارة الرومانية مع مذهب الملكية الجماعية والاشتراكية الذى اشرنا اليه في الحضارة الاغريقية كدوال منهجية عن تطور الافكار الاقتصادية في تلك المراحل التاريخية.

 

ثالثا \ العصور الوسيطة

 

1 – العصر الاوربي الوسيط ( العصر الكنسي)

 

يجمع معظم الباحثين والمختصين ان الفترة الزمنية المقدرة بالف عام والممتدة منذ سقوط روما في القرن الخامس الميلادي على  ايدي القبائل الجرمانية الى سقوط القسطنطينية في القرن السادس عشرعلى ايدي الدولة العثمانية هي الاطار الزمني للعصر الاوربي الوسيط وهو مايعرف بالعصر الكنسي ( بروي, 1986, ص. 19 ), كما يجمع  الكثير من المختصين والباحثين ان العصر الوسيط في اوربا هو امتداد طبيعي للعصور القديمة وتمهيدا للعصور الحديثة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي , وذلك لان الفلسفة الاجتماعية والطبيعة الاقتصادية قد اكتسبت عناصرها الاساسية في نهاية العصر القديم عندما اصبحت العقيدة الكنسية هي الحاكمة على المستوى الاجتماعي بما انعكس ذلك على المستوى الاقتصادي وبالخصوص على توزيع الملكية وعلائق الاستثمار حتى باتت حالة تداخل النظم الاقتصادية بين هذه العصور امر مسلم به رغم حالات عدم الثبات في تطور الفعاليات والافكار الاقتصادية بين الحيوية والسبات الا انها لم تشكل فراغا في التاريخ والفكر الانساني ( كبة,1970 , ص. 389 ).

 

اما اهم الملامح المادية للافكار الاقتصادية في العصر الوسيط فهي طبيعة وبنية المجتمع الاقطاعي المنقسم بشكل كبير بين الملاكين Landlords وبين الاقنان Serfs سواء في نظام الطوائف والزراعة او المهن والحرف ذات الصلة في الصناعة والتجارة حتى تبلور نظام جديد من الرق افضى الى نوع اخر من الاستعباد يشبه الى حد ما نظام الرق في العصور القديمة رغم القواعد الاخلاقية التي يبشر بها الفكر الكنسي السكولائي والتي تستهدف ادارة النشاط الاقتصادي ادارة صالحة حسب الاهوت المسيحي , وهو ماعبرت عنه كتابات توماس الاكويني التي تتستند الى الرفض المسيحي والاوغسطيني للملكية الخاصة وحب التملك وعدم المساوات لانها تغيب السعادة العليا للانسان لانها مرتبطة بالرب الذي لايهبها الا لاصحاب القلوب السليمة ( جويك, ص.  1949 , 245 ), كما تركز الفلسفة الكنسية على حقوق العمل والاجر العادل واستنكار الثراء والتوفيق بين العقيدة اللاهوية والاحوال السلئدة في الحياة الاقتصادية ومنها العمل التجاري الخارجي بمقدار مايحققه من منفعة للدولة ( دليلة, 1977 , ص. 96 ).

 

2 – العصر الاسلامي

 

تميز العصر الاسلامي بقيام مذهب اقتصادي متفاعل ومستمرعلى اساس تشريعات واضحة تقنن الظواهر والوقائع الاقتصادية بصيغة مفروضة بحكم الفلسفة العقائدية التي تنتمي اليها على مبادئ الدين الاسلامي, ورغم جدلية انتماء المذهب الاقتصادي الاسلامي الى العصر الوسيط باعتبار مديات تطور الافكار الاقتصادية الحيوية التي تضمنها بحساب ظروف التاريخ والجغرافيا, الا اننا ادرجنا ملامح تطور الافكار الاقتصادية وفق المذهب الاسلامي في سياق العصر الوسيط بسبب مايفرضه منهج البحث التاريخي فضلا عن التفاعل بين نمو المنهج والنظرية العلمية من ناحية اخرى , باعتبار ان الافكار الاقتصادية الاسلامية لاتنتمي الى النطريات الاقتصادية الحديثة الكبرى وانما تعطي رؤئ نقدية على اساس التشريعات الاقتصادية التي تؤمن بها.

 

ومن اهم الانماط الاقتصادية التي تعبر عن الافكار الاقتصادية حسب الشريعة الاسلامية والمقاربات الفلسفية التي تفسرها هي :

 

& \ لايقر المذهب الاقتصادي الاسلامي اساسا بالمشكلة الاقتصادية باعتبار الوفرة بالموارد التي ضمنها الله سبحانه وتعالى ( الدوري, 1978 , ص. 7).

 

& \ الملكية في المذهب الاقتصادي الاسلامي هي وظيفة اجتماعية بمعنى الاستخلاف, ويعد ملكية وسائل الانتاج باشكالها العينية والنقدية تعود الى الله سبحانه وتعالى ( المعموري, 2006 , ص. 151 ).

 

& \ تخضع جميع قوانين الاسعار والاجور والتوزيع والاستهلاك والتكافل الاجتماعي الى فلسفة ومعايير الشريعة الاسلامية ( النبهان, 1983 , ص.   378 ).

 

& \ العلاقات الاقتصادية هي نتاج طبيعي لممارسة الدولة الاسلامية لوظائفها الرئيسية في تنظيم المجتمع من خلال الحكم والتشريع والرقابة ( مبارك ,  1986, ص . 10 ).

 

المطلب الثاني \ تطور الافكار الاقتصادية في العصور الحديثة والمعاصرة

 

مهد النظام الاقطاعي في العصر الوسيط في ظل طبيعة التنظيم الحرفي في المدن الاوربية او مايعرف بنظام الطوائف بظهور التجارة والعلاقات النقدية التي احدثت تغيرات في نمط الانتاج من خلال انجازها للتراكم السلعي والنقدي عبر الربا والتجارة, وتزامنت هذه الممارسات والافكار الاقتصادية مع عصر النهضة الاوربية في القرن السادس عشر الذي فجرته الاستكشافات الجغرافية التي عدها ادم سميث بانها اكبر الاحداث المسجلة في تاريخ الانسانية ,ومن اهم بواعث عصر النهضة وعصر التنوير الذي انعكس على تطور الافكار الاقتصادية وظهور النطريات الكبرى ,التي افضت بمجموعة عمليات تاريخية الى سيطرة الانتاج الصناعي والثورة الصناعية وسيادة اقتصاد السوق وتطور النظام الراسمالي فضلا عن ظهور النظام الاشتركي من خلال المراحل التالية :

 

اولا \ الراسمالية التجارية — الماركنتيلية

 

وهي السياسات والاراء الاقتصادية التي سادت في اوربا للفترة الممتدة من القرن السادس عشر الى القرن الثامن عشر, وتطورت هذة الافكار والسياسات الاقتصادية التي استرشدت بها معظم الدول الاوربية لتفضي الى المذهب التجاري الذي يضمن ثراء الدول التي تسعى لبناء قوتها العسكرية والسيايسة وتحقيق اهدافها القومية, ومن اهم عناصر الماركنتيلية هواعتبار التجارة اهم مصادر الثروة للدول وضرورة التدخل الحكومي في تطبيقها, وان بناء قوة الدولة هو الهدف الحقيقي للسياسة الاقتصادية, وان الشكل النقدي للثروة هو مقياس قوتها, وان التصدير الخارجي هو اهم نشاط اقتصادي بفروعه الرئيسية, كما ان الوسيلة الرئيسية لامتلاك الثروة هو التجارة الخارجية ( Gray, 1931, p .66 ) , اما اهم اعلام الماركنتيلية فهو توماس مان وافكاره في الميزان التجاري وحركة الاسعار, كذلك انطوان مونكريتيان وارائه في فضيلة الادخار, وانطونيو سيرا  وافكاره في الصناعة الوطنية, باالاضافة الى جون بودان والدولة المركزية, ووليم بتي ومفهوم القيمة, وريتشارد كانتيون وارائه في الدورة الاقتصادية والسياسة النقدية ( المعموري , 2006 , ص. 253-257 ).

 

ثانيا \  الفيزوقراطية – الطبيعية

 

تعد الفيزوقراطية انعطاقة مهمة في تطور الافكار الاقتصادية بعد عصر النهضة باعتبارها اول مدرسة اقتصادية تقوم على اساس نظري علمي عندما وضع فرانسوا كيناي وهو اشهر اطباء لويس الرابع عشر مؤلف الجدول الاقتصادي الذي ايده العديد من الكتاب والمختصين والمهتمين في الشؤون القتصادية فضلا عن كبار ملاك الاراضي الذين ارسوا دعائم طبقة جديدة من الراسمالين الزراعيين التي تعارض السياسات التجارية القائمة, واعلاء شان السياسات الزاعية من خلال افكار جديدة تؤمن بوجود نسق جوهري في جميع المجتمعات البشرية هو النسق الطبيعي, وان الزراعة هي نواة الاقتصاد وتفضيلها على التجار ة والصناعة باجراءات علمية مثل اصلاح النظام الضريبي الذي كان سائدا هو البداية باعتبار ان عناصر الانتاج الزراعي وطبقة المزراعين كفيلة بترسيخ نتاج اقتصادي صافي باعتبارها طبقة منتجة تختلف عن الطبقات العقيمة, ومن الجدير بالذكر الفيزوقرط  كلمة يونانية تعني حكومة الطبيعة , وبظهور هذه المدرسة دخلت الافكار الاقتصادية مرحلة النظريات الكبرى ( سول, 1962, ص42 – 51 ).

 

ثالثا \  الكلاسيكية

 

وظف ادم سميث ومالثوس وريكاردو القوانين الفيزوقراطية للانتقال بالافكار الاقتصادية من طور الفلسفة الاجتماعية الى علم مستقل تحكمه القوانين النظرية, فاسس المدرسة الكلاسيكة التي عدت سمة القرن الثامن عشر في تطور الافكار الاقتصادية الحديثة والمعاصرة عندما مهدت للثورة الصناعية وولادة الفكر الليبرالي الذي عبر عن الوجه المتطور للراسمالية التي نقلت الانتاج من الطابع الحرفي الى الانتاج النمطي واشاعت الليبرالية الاقتصادية السياسية فكرا ونمطا للانتاج, ومن اهم الخصائص الفكرية النظرية والمادية للمدرسة الكلاسيكية هو تقدم الحقائق العلمية والمنهج التجريبي Empirical Method امام النظرة الميتافيزيقية اللاهوتية في ذهنية الفرد والمجتمع, كذلك تقدم مفهوم شرعية الملكية الخاصة بفضل تطور التفكير السياسي وظهور الاطروحات الكبرى في الفلسفة السياسة الاجتماعية مثل اطروحات هوبز, لوك, هوبز, روسو, ومونتسكيو ….الخ, اما اهم الخصائص المادية فهو التحول في نظم الانتاج القائم على اساس التخصص وتقسيم العمل وتوسع السوق الداخلية في الانتاج والاستهلاك فضلا عن تزايد رسملة الانتاج الزرعي بظهور سوق العمل الزراعي على خلفية حركة النسج Unclosed Movement ( ولعلو, 1981 , ص. 57 ).

 

 

رابعا \ الرومانسية الاقتصادية والاصلاحية

 

تقوم الرومانسية الاقتصادية على نقد الافكار الكلاسيكية للراسمالية الى درجة الانشقاق عنها فهي تنتمي الى الرومانسية الاصلاحية عبر التاريخ باعتبارها حركة صوفية غير متماسكة منهجيا تدعوا الى اندماج الفرد في الدولة والمجتمع و ترفض التجريد والذرائعية في الاقتصاد السياسي( جالبريث, 2000 , ص. 111) , فمثلا ينقد سيسموندي وهو من اعلام هذه المدرسة افكار ونظريات ادم سميث وريكاردو في تفسير ظاهرة الفقر باعتبارها نظريات لاتتطابق مع الواقع ( سفر, دليلة, 1977, ص. 337 ), اما المذهب الاصلاحي فيبتغي معالجة ظاهرة الفقر بافكار المثاليين في رفض الملكية الخاصة واستبدالها بتنظيم الانتاج الصناعي والتوزيع القائمة على اساس الاشتراكية المثالية ونظرية النمو التاريخي لمعالجة الازمة الاقتصادية, ومن اهم رواد الاصلاحية سان سيمون وكارل رودبرتس ( ولسون, 1973 , ص. 76-131 ).

 

خامسا \ الاشتراكية

الاشتراكية هي نتاج الفلسفة الاجتماعية المثالية التاريخية منذ العصر الاغريقي , وهي كذلك نتاج الرومانسية الاقتصادية بعد عصر النهضة كبديل حضاري واصلاحي للراسمالية, ويمكن تقسيم الاشتراكية من منظور اقتصادي الى ثلاثة انماط منذ ان تم استعمالها في انكلترا وفرنسا عام 1835 , النمط الاول هو الاشتراكية المثالية وهي لاتعدوا كونها مبادئ وتجريدات عاطفية واساطير ضبابية غير محددة لا تلامس ارض الواقع الاقتصادي جل طموحها كبح نهوض الراسمالية بعد الثورة الصناعية في اوربا, ومن ابرز روادها روبيرت اوين الذي بلور الافكار الاقتصادية للاشتراكية المثالية في المجال التعاوني عندما انشا تعاونية الانسجام الجديد New Harmony في مشروعين احدهما في اسكتلندا والاخر في ولاية انديانا الامريكية مستوحيا افكار الفرنسي شارل فورييه في الامور الدينية, والملكية الخاصة, والشكل الاجتماعي للعائلة (  كول, 1963 , ص. 18 ).

 

اما النمط الثاني فهو الاشتراكية الفوضوية التي ولدت في منتصف القرن التاسع عشر تقريبا بمصطلح يوناني الاصل مشتق من كلمة تعني (بدون السلطة ), وترعرت الاشتراكية الفوضوية في البلدان ذات الانتاج البضائعي البسيط ( الماجد, 1977 , ص. 81 ), ويعد جوزيف برودون مؤسس اشتراكية الفوضى من خلال نظرية الخدمات المتبادلة التي استوحى فيها الديالكتيك الهيغلي ليطبقه على النظام الراسمالي عندما يقترح تخليص الملكية من مساوئها عن طريق انشاء مصارف التبادل لتعميم الاطلاق في الملكية الى الحيازة , كذلك عن طريق تقسيط الاموال التي تدفع الى ملاك الاراضي سنويا نظير استعمالها ( سفر, دليلة,1977 ص. 349 ).

 

واالنمط الثالث هو الاشتراكية العلمية او الماركسية وهي استنتاج لفشل الاشتراكية المثالية في امداد الانسان بالمبادئ العلمية لتحرير نفسه من الاستلاب والقهر الاقتصادي الذي تنتجه مخرجات الراسمالية في سعيها لبلترة Proletarilization المجتمع بشكل دائم, ومن ابرز رودها كارل ماركس وفريدريك انجلز عندما شرعوا العنف باعتباره مولد التاريخ ووسيلة لتغيير الاقتصاد السياسي ووجهة المجتمع من خلال ثورة الطبقة العاملة ودخول الناس مرحلة الانتاج الجماعي وتوافق علاقات الانتاج وفقا لقوانينن الديالكتيك التي تضمن  مجموع  التغيرات الكمية فيه التحولات الكيفية بوجود صراع الاضداد وفق منطق نقض النقض (جالبريث,2000,146 ), وتقوم الافكار الاقتصادية للماركسية على اعتماد المادية التاريخية وفق المنطق الجدلي في تحليل الظواهر الاقتصادية بدا من نقد  اسلوب الانتاج الراسمالي وطبيعته وقوانينه الحاكمة التي يصفها ماركس بالوثنية السلعية مرورا بنقد فائض القيمة وتكديس الثروة حسب الفهم الراسمالي وصولا الى نقد علاقات الانتاج الراسمالي التي تعبر عن التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج وبين الطابع الفردي لملكية وسائل الانتاج ( لانكة, كاليتسكي, 1967 , ص. 314 ).

 

سادسا \ الحدية

 

تقوم المدرسة الحدية على فكرة المنفعة الفردية التي شكلت محور نظريتها الاقتصادية في محاولة لتطوير الكلاسيكية في منظومة الفكر الاراسمالي التي وصلت الى مرحلة الشيخوخة والانحطاط حسب تعبير شومبيتر ( Schumpeter, 1976,P.5) بما ترتب عليها من اصطفاف طبقي حاد, وتتميز الحدية باهتمامها بالذاتي وهو الاستهلاك على حساب الموضوعي وهو القيمة او فائض القيمة من خلال منهج الاستنباط والتحليل الحسابي المجرد, وتعد الذاتية الفكرة المركزية المرتكزة على المنفعة الحدية  Marginal Utility التي تمنح الاهمية في تقرير سلوك الفرد منتجا او مستهلكا بما يحقق الاشباع الذي توفره الاضافة الاخيرة التي يحصل عليها الفرد من ذاك الاستهلاك خارج دائرة الاهتمام بالمنفعة الكلية Total Utility تعبيرا عن حرية التصرف الاقتصادي ( جالبريت, 2000 ,ص. 124 ), ومن اعلام المدرسة الحدية كارل منجر من التيار النمساوي في مؤلف اسس النظرية الاقتصادية ( شومبتير, 1968 ,ص. 114) , ووليم ستانلي جيفونر من التيار الحدي في لندن وكتابه نظرية الاقتصاد السياسي ( سلمان, 1966 ,ص. 293 ).

 

سابعا \ التوازن العام

 

وهي مدرسة اقتصادية انبثقت في الربع الاخير من القرن التاسع عشر من محاولات فكرية لتقريب التناقض بين المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الحدية في الفكر الراسمالي بعد ضعف الية التضبيط او الاصلاح الذاتي التي كان معولا عليها لاحداث التوازن الديناميكي, ويعد ليون والراس اهم رواد هذه المرسة عندما كان استاذا في جامعة لوزان حتى كرمته اخيرا عندما نقشت كلمات التوازن الاقتصادي على تمثاله ( شومبيتر, 1968 , ص. 106 ), ومن اهم الشروحات الجزئية التي جاء بها والراس هو تحليل ظاهرة تداخل النفعة والندرة عندما يلقيان بظلالهما على عملية التبادل في الاسواق لتحديد القيمة الفعلية للاشياء, فاشار الى مفموم المنفعة النادرة بعدها مزيج من المنفعة والندرة لاحداث التوازن العام ( رول, 1968 , ص. 384 ), كذلك اعتقد والراس بمفهوم المنفعة المتناقضة Diminishing Returns وهي التدرج في اشباع الحاجات دون الاهتمام بموضوعة القيمة باعتبار العلاقة التبادلية بين مختلف الظواهر الاقتصادية بعملية الفعل ورد الفعل مثل تحديد الاسعار من خلال علاقة العرض والطلب ( سفر, دليلة, 1977 , ص. 529 ).

 

ثامنا \ الكنزية

 

يعتبر مؤلف النظرية العامة لجون مينارد كينز جوهر المدرسة الكنزية عندما جاءت مخالفة لطبيعة  الراسمالية الكلاسيكية التي تحطمت اطروحاتها بصخور ازمة الكساد العظيم بعد الربع الاول من القرن العشرين, كذلك عندما هاجمت هيمنة منهجية ريكاردو على الواقع الاقتصادي الراسمالي لاكثر من مئة عام والتي اعترضت التقدم في علم الاقتصاد ( روبنسون, ايتول, 1980 ,ص. 82 ), فضلا عن معالجتها لازمة البطالة من خلال نقدها للسعي الدائم للراسماليين الكلاسيك بخفض الاجور والتركيز على الاجور الكفافية ومن ثم الاجور الحدية الذي سببت بشكل مباشر على خفض الطلب وهو اساس الازمة الاقتصادية , كما عالجت ظاهرة التوزيع من خلال مبدا المساواة والتدخل الحكومي في فرض الضرائب التصاعدية مصحوبة باجراءات التامين الاجتماعي والخدمات العامة, واعتماد سياسة حماية المنتج المحلي لزيادة الطلب وزيادة الانتاج, وتاكيدها على الجمع بين النظرية الاقتصادية والسياسة الاقتصادية من خلال تقرير الاسعار والتقلبات الاقتصادية فضلا عن تقرير مستوى الانفاق والدخل والاستخدام, وضمان الترابط العضوي بين السياسة النقدية والسياسة المالية للدولة بدينامية تقرير سعر الفائدة من خلال تقاطع منحنى عرض النقد Money Supply ومنحنى تفضيل السيولة Liquidity Preference, كذلك العمل على تحديد عرض النقد وتخفض قيمة العملة باستمرار لضمان عدم اكتناز السيولة , وفك ارتباط النقد بالمعادن والاستغناء عن الاساس الذهبي    Gold Standard ( اكلي, 1986 ).

 

تاسعا \ النقودية

 

وهي احدث المدارس الاقتصادية المعاصرة التي ظهرت منذ ستينات القرن العشرين على واقع ارتفاع مستويات التضخم – البطالة – ارتفاع اسعار الطاقة, وقامت المدرسة النقودية في تجاوز الافكار والاحداث الكنزية التي باتت عاجزة عن حل المشكلات الاقتصادية المعاصرة في المنظومة الراسمالية, وترتكز المدرسة النقودية على اطروحة بعنوان التاريخ النقدي للولايات المتحدة 1867 – 1960 اصدرها ميلتون فريدمان و انا ج شوارتز, وتظهر هذه الاطروحة ان سرعة تداول النقود بعد عام 1948 اشرت نمطا ثابتا من النمو المتوقع ,وهو تحدي للادعاء الكينزي في ضرورة الانفاق الحكومي والاصلاح النقدي في تحفيز الاقتصاد, واحياء للمذهب النقدي الذي يؤكد الارباك الذي يفرضه التدخل الحكومي على الاقتصاد باي شكل كان ( Maynard, 1973,P.294) .

 

وترسخت المدرسة النقودية من خلال تيارين رئيسيين, الاول هو تيار التوقعات العقلانية و ترجع اصوله دراسة قام بها جون موث عام 1961 في تطور الافكار الاقتصادية الحديثة والمعاصرة والتوقعات التي يمكن اضافتها الى النظرية الاقتصادية في حقول السياسة المالية والسياسة النقدية والتضخم واسواق الاسهم والسندات, وكرس هذا التيار مجموعة من الاقتصاديين من انصارهذه التوقعات في سبعينيات القرن العشرين بدراسات في حقل الاقتصاد الكلي ,حيث عملوا على التكامل المنهجي لمنظومته الفكرية , ورغم ان هذا التيار كان قد نما في رحم المدرسة النقودية واراء فريدمان الا انها عمدت احيانا الى تبني بعض الافكار الكنزية ( جالبيرث, 2000 , 21 ), اما التيار الاخر فهو تيا ر اقتصاديات جانب العرض  الذي يدعوا الى اعتماد سياسات مالية و نقدية تحفز النمو في العرض الكلي وتدعم الانتاج وتحقيق الاستخدام الكامل لتخفيض الاسعار ( Scott& Nigro,1982,P.805 ).

 

عاشرا \ التبعية

تتلخص فكرة المدرسة التبعية بانها محاولات نظرية نمت في احضان بلدان العالم الثالث لاعادة تعريف للمفاهيم الاقتصادية في النظريات الاقتصادية الكبرى مثل الراسمالية او الماركسية على خلفية مرحلة الاستعمار لرسم ملامح النهوض الاقتصادي او التنمية الاقتصادية في الدول المتخلفة في امريكا الاتينية   وافريقيا واسيا بعد الاستقلال عن الدول الراسمالية, والنظرية التبعية اكدت قصدية الاسس النظرية للراسمالية في خلق التبعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العلاقات الدولية, والتبعية ترفض نظرية التحديث Modernization  كون الاحتكاك المكثف بين الدول المتقدمة والبلدان المتخلفة كرس هذا التخلف ودعمه ( سنتتش, 1978 , ص. 18 ), وترتكز المدرسة التبعية على اطروحة روزا لوكسمبورغ التي ترى ان قيام علاقات اقتصادية بين الدول المتقدمة واقتصاديات متخلفة بوجود التبادل غير المتكافئ , ونظرية التجارة الدولية, والتقسيم الدولي للعمل هو تعظيم لمصالح الدول المتقدمة فقط ( امين , د.ت, ص. 143 ).

 

وشغلت هذه الافكار الاقتصادية مساحة واسعة في التفكير الاسترتجي المعاصر في الشؤون الخارجية كونها نسجت العلاقة النظرية بين النظريات الاقتصادية والنظريات السياسية في العلاقات الدولية في اطار مجارات تطور الافكار الاقتصادية لتعبر عن حاجات ومصالح الدول الصناعية المتقدمة في مراحل نضوج نمط انتاجها واستقرار بنائها الاقتصادي في نفس الوقت التي تطمح ان تلبي فيه حاجات ومصالح دول العالم الثالث في مراحل نموها الاقتصادي بعد الاستقلال, ويمكن ان يكون هذا مدخلا للمبحث الثالث في تحليل الممارسات الاقتصادية المعاصرة في العلاقات الدولية.

 

المبحث الثالث

 

الممارسات الاقتصادية المعاصرة في العلاقات الدولية

 

رغم انتصار الليبرالية الاقتصادية منذ  منتصف القرن العشرين  تقريبا حتى وقتنا الحاضرفي الربع الاول من القرن الحادي والعشرين على ضوء النجاحات التي حققتها معظم الدول الدول المنسجمة مع المنطق المركانتلي والمنظور الدولاني عندما استخدمت تلك الدول سلطاتها لتعزيز النمو الاقتصادي مثل اليابان وبلدان شرق اسيا المصنعة منذ عقد الستينات من القرن العشرين , كذلك عندما شجعت ودعمت التصدير على حساب الاستيراد, فضلا عن دعم البحث العلمي والتعليم من اجل المنافسة العالمية وتسخير الشركات متعددة الجنسيات لصالح دولها, رغم ذلك لايزال النقاد الاصلاحيون والراديكاليون كما كانوا في القرن التاسع عشر يثيرون الجدل والنقد الشديد لهذا النهج , وبالخصوص انصار نظرية التبعية عندما ينتقدون الممارسات والوقائع والقرارات الاقتصادية والمالية في العالم , ومن اهم الممارسات الاقتصادية الجدلية المعاصرة مايلي :

اولا \ الشركات متعددة الجنسيات

 

تاخذ الشركات متعددة الجنسيات MNCS اشكالا متعددة مثل الاستثمارات العابرة للحدود ,والتصدير والاستيراد,التصنيع والجميع, والترخيصات والبراءات, وهذه الشركات تجسيد للمثال الليبرالي في عولمة التجارة والمال والانتاج وفق الخيار العقلاني من المنظور الليبرالي الاقتصادي في العلاقات الدولية هذه الشركات عبارة عن افراد يعملون بشكل عقلاني لتضخيم مصالحهم الخاصة التي تنعكس على قوة الدولة  دون اي تدخل منها حسب النظرية العقلانية التي تضمن التنافس بين المجموعات لانتاج وتوزيع واستهلاك السلع بشكل افضل ( Gilpin,1975,P.39 ) , اما الخيار الدولاني من المنظور الليبرالي فيرى ان الميول المتنازعة للافراد يجعلهم عدائيون , وان عدم تدخل الدولة يجعل التنافس بين اصحاب الثروة والعمال تصادميا واستغلاليا, اما المنظور الراديكالي في العلاقات الدولية فيعتقد ان انسجام الافراد داخل هذه الشركات لايمنع تنازعهم كجماعات بما ينعكس على الاقتصاد الدولي ويجعله تصادمي وفوضوي وغير امن , ولذلك يسعى الى تغيير راديكالي في هذه الشركات, ( منغنت& اريغيون, 2013 , ص. 433-436).

 

ثانيا \ المنظمات الاقتصادية و المؤسسات المالية الدولية

 

ومن اهما منظمة التجارة العالمية WTO , والاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة GATT, ومؤسسة بريتن وودز Bratton Woods – صندوق النقد الدولي والبنك الدولي , وقد صممت هذه المنظمات والمؤسسات وفق المنظور اليبرالي الاقتصادي وعلى ضوء الخيار العقلاني في العلاقات الدولية الذي يحفظ مبادئ ليبرالية مثل دعم تحرير التجارة وعدم التمييز بينها على الخيار الدولاني, ودخول منتجات الدول النامية الى الاسواق المتطورة, ودعم المعاملة الوطنية للمشاريع الاجنبية, كذلك تشجيع التعاون النقدي وتوفير الاستقرار في معدلات الصرف في البورصات العالمية بضمان الدول الصناعية الكبرى( مجموعة السبع), وان يقدم صندوق النقد الدولي القروض للدول الاعضاء التي تواجه الصعوبات الانية في ميزان المدفوعات, ورغم التفاؤل الليبرالي بما يقوده هذا الاعتماد المتبادل التي توفره هذه المنطمات والمؤسسات الاقتصادية العالمية الى ازدهار اقتصادي يفضي الى سلام عالمي تشهده العلاقات الدولية تكون الحرب فيه شيئا من الماضي( Angell,1933,P.11), الا ان الراديكاليين واصحاب نظرية التبعية يرون عكس ذلك تماما, عندما يصف احدهم هذه المنظمات والمؤسسات الاقتصادية الدولية بانها تشعر عددا من القلوب بالدفء لاكنها لاتسبع البطون الجائعة ( Christy\ 2008 \ 24).

 

ثالثا \ العولمة الاقتصادية والاندماج الاقليمي

 

لما كانت العولمة الاقتصادية من مظاهر الخيار العقلاني للمنظور اليبرالي في العلاقات الدولية الذي يعارضه الخيار المركانتلي باعتباره يقوض من قوة الدولة , فان وقائع الاندماج الاقتصادي الاوربي  في السوق الاوربية المشتركة ومن ثم الاتحاد الاوربي  الذي فرضه التظام الدولي ابان الحرب الباردة كان خيارا ليبراليا ماركنتيليا فضلا عن كونه يعزز العولمة الاقتصادية , وذلك يشكل تطورا مهما تفرضه الممارسة الاقتصادية في العلاقات الدولية على تطور الافكار الاقتصادية رغم ان هذا الانسجام في الاقتصاديات الليبرالية الاوروبية كان على مستوى اقليمي ولم يكن على مستوى دولي, الا انه سرعان ماخلق ردود افعال لدى الدول الاخرى في شبكة تفضيلية للعلاقات الاقتتصادية عبر اتفاقيات ابرمتها دول المتوسط من المستعمرات السابقة, فضلا عن اتفاقيات تجارية اقليمية تشمل اتفاقية التجارة الحرة في امريكا الشمالية والمجموعة التجارية الامريكية في امريكا الجنوبية( Meunier&Nicolaidis,2005,P.65-264 ) , فضلا عن نحو 400 اتفاقية تفضيلية اخرى مثل اتفاقية اسيان ASEAN  , واتفاقية ابيك APEC, ومنطقة التجارة الحرة AFTA.

 

رابعا \ اسواق الطاقة

 

تشكل اسواق النفط والغاز تحديا حقيقيا للافكار اليبرالية العقلانية والدولانية على حد سواء في حرية التجارة والعولمة الاقتصادية عندما تفرض الدول المصدرة للنفط والغاز ارادتها السياسية  والعسكرية بسسبب الموارد المحلية الضئيلة في اكبر الاقتصاديات العالمية مثل الاتحاد الاوروبي والصين واليابان , مثلما تفعل روسيا اليوم وتقطع امدادات الغاز عن اوربا بسبب موقفها من الغزو في اوكرانيا, او مثلما فعلت الدول العربية من جعل النفط سلاح في المعركة في مطلع سبعينيات القرن العشرين على هامش الصراع العربي الاسرائيلي , وهو مايعزز نظرية التبعية والاشتراكية في الفكر الاقتصادي والنظرية الراديكالية في    العلاقات الدولية على حساب الراسمالية والنظرية الليبرالية في العلاقات الدولية وبروز محور الطاقة مقابل الهيمنة الامريكية والغربية (Leverette Noel\2006\P.62 ) .

 

خامسا \ الازمات الاقتصادية العالمية

 

وصف كارل ماركس الازمات الاقتصادية بانها نقطة الضعف القاتلة في النظام الراسمالي , ورغم ان اهم مباني النظرية الليبرالية الاقتصادية هي قدرة النظام الراسمالي على اصلاح ذاته في حالات الركود والكساد والانكماش التي يمكن ان تصيبه, الا ان ازمة الكساد الكبير التي اصابت النظام الرسمالي في ثلاثينيات القرن العشرين, والاصلاحات التي جرت وفقا للنظرية الكنزية, فضلا عن المعايير الجديدة في تطوير القواعد التنظيمية المصرفية ووكالات التقييم لتحسين المعلومات وضمان الشفافية اقتصرت في معظمها على الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى, حتى غدت الازمات ميزة متكررة في الاقتصاد العالمي , فمن ازمة الدين المكسيكية عام 1982 الى الازمة المالية الاسيوية في نهاية التسعينيات من القرن العشرين, ومن ازمات النمو والركود في اسواق النقط الى ازمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة عام 2008 ,( Naim,2005,)

 

وبفلسفة التفاعل الجدلي الذي تطورت فيه الافكار الاقتصادية يفسر انصار النظريات المتنافسة في العلاقات الدولية الازمات الاقتصادية العالمية المعاصرة , فيعتقد الليبراليون الاقتصاديون ان اصلاحات طفيفة بمزيد من الشفافية كفيلة بالتعافي من الازمة من خلال الدينامية الكامنة في النظام الراسمالي, بينما يرى انصار الميركانتلية ضرورة العودة الى سياسات حماية الدولة للتعافي من الازمات المتلاحقة, في حين يؤمن الرديكاليون ان نظاما يوفر العدالة هو الرباط الحاسم للتعافي من الازمات الاقتصادية العالمية, بينما ينظر البنائيون بان الاصلاح الاجتماعي كفيل بتطوير الافكار الاقتصادية للتعافي من هذه الازمات الاقتصادية.

 

الاستنتاجات

 

1 – تقارب الافكار الاقتصادية المعاصرة في النظام الدولي بعد الحرب الباردة نحو الليبرالية الاقتصادية العقلانية رغم النزعة الروسية الرديكالية وطموحها في الهيمنة على اسواق الطاقة وسلاسل التوريد العالمية.

 

2 – اظهرت ازمة الرهونات العقارية في عام 2008 خطورة النظرية الراسمالية الكلاسيكية بنموذجها الانكلوسكسوني وغياب الحد الادنى من التنظيم الحكومي للانفتاح المالي.

 

3 – عجز المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية التي قادت العولمة  في معالجة الازمات الاقتصادية بسبب عدم امتلاكها الادوات والموارد الكافية.

 

4 – لاتزال معظم الدول النامية تختبر مخاطر اندماجها بالنظام الاقتصادي العالمي بسبب هيمنة نظرية التبعية على عقول مجتمعاتها وفق النظرية البنائية في العلاقات الدولية.

 

5 – بقاء الازدواجية الراسمالية تحكم الممارسات الفعلية في الاقتصاد العالمي من خلال الادوار التي تلعبها المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية , والشركات متعددة الجنسية في الاقتصاد السياسي الدولي رغم مااحدثته اسواق الطاقة من تغيير في العولمة الاقتصادية بثبات الاختلاف بين الليبراليين الواقعيين , واليبراليين الماركنتليين.

 

التوصيات

 

لما كانت تطور الافكار الاقتصادية للمدرسة التبعية حصل جله في احضان بلدان امريكا اللاتينية عندما طور كتابها وباحثوها افكار رائد المدرسة التبعية  اندريه جوندر امثال شيسلو فورتادو وسانتوس وغيرهم حتى شغلت مساحة من تطور الافكار الاقتصادية المعاصرة في جانب التنمية, ولان  اوضاع الدول النامية متماثلة نوصي مراكز البحث العلمي في جامعات ومعاهد ومدارس الدول الاسيوية والافريقية محاولات البحث العلمي لتطوير الافكار الاقتصادية لهذه المدرسة بما ينسجم وظروف كل بلد على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي لخدمة عملية التنمية في بلدانهم , وعلى غرار تجربة المصري سمير امين في دراساته التي طورت الافكار الاقتصادية ضمن نظرية التبعية بما يخدم عملية التنمية في مصر والبلدان العربية, ومن اهم مؤلفاته في ذلك ,  التيارات النقدية والمالية في مصر, الامة العربية: القومية وصراع الطبقات , التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة, الاقتصاد العربي المعاصر………ومن الله التوفيق.

 

 

المصادر باللغة العربية

 

١-اوسكار لانكة ومايكل كالينسكي، الإقتصاد السياسي ، ترجمة محمد سلمان حسن ، دار الطليعة ، بيروت ، 1967.

٢- عبد علي المعموري ، تاريخ الأفكار الإقتصادية ، الجزء الاول ، كلية العلوم السياسية ، جامعة النهرين ، مطبعة الميناء ، بغداد ، ٢٠٠٦ .

٣- عبد الرسول سلمان ، معالم الفكر الاقتصادي ، الكتاب الأول ، شركة الطبع والنشر الأهلية ، ١٩٦٦ ، بغداد.

٤- محمد باقر الصدر الاسس المنطقية للاستقراء ، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر ، قم إيران ، ٢٠٠٢ .

٥- ابراهيم كبة ، دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي ، الجزء الاول ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ١٩٩٠.

٦- محمد حامد دويدار، واخرون ، اصول علم الاقتصاد السياسي ، الدار الجامعية ، القاهرة ،١٩٨٨ .

٧- لبيب شقير ما تاريخ الفكر الاقتصادي ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، بغداد ١٩٨٦ .

 

٨- فتح الله ، الاقتصاد السياسي ، دار الحداثة ، بيروت ، ١٩٨١ .

٩- كارين أ ، منغست وايفان م. أ ريموين ، مبادئ العلاقات الدولية ، ترجمة حسام الدين ، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع ، دمشق ،٢٠١٣ .

١٠- طه الهامشي ، تاريخ الشرق القديم ، مطبعة دار السلام ، بغداد ، ١٩٣١ .

١١- فوزي رشيد ، الشرائح العراقية القديمة ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، ١٩٨٥.

١٢- ليو او بنهايم ، بلاد ما بين النهرين ، ترجمة سعدي فيض عبد الرزاق ، منشورات وزارة الثقافة ، الإعلام ، بغداد ، ١٩٨٦.

١٣- سلام عبد الكريم سميسم ، السياسية المالية ، في الفكر الاقتصادي الإسلامي ، أطروحة دكتوراه ، ما معهد الشارع الغري ، ١٩٩٩.

١٤- طه باقر ، مقدمة في تاريخ المضارات القديمة ، دار الشؤون الثقافية ط ، ١٩٨٦.

١٥- اريك رول ، تاريخ الفكر الاقتصادي ، ترجمة راشد البراري ، دار الكتاب العربي ، القاهرة  ، ١٩٦٨ .

 

١٦- كيسنافون الاثيني ، النظام المنزلي بالروسية ، 1935 ، 270 .

17- رودك م. تشيزهولم . نظرية المعرفة ، ترجمة نجيب الحصادي ، الدار الدولية للنشر والتوزيع، مصر – كندا 1995 .

18- ادوار بروي وآخرون ، تاريخ الحضارات العام – القرون الوسطى ، ترجمة فريدم داغر ويوسف اسعد ، ط2،  باريس ، 1986 .

19- ه‍. سد جويك ، المجمل في تاريخ علم الاخلاق ، ترجمة توفيق الطويل ، وعبد الحميد مهدي ، الإسكندرية ، 1949 .

20- عبد العزيز الدوري ، مقدمة في تاريخ الاقتصاد العربي ، دار الطليعة ، ط2 ، بيروت ، 1978 .

21- محمد فاروق النبهان ، شرعية تدخل الدولة ، معهد البحوث والدراسات العربية ، بغداد ، 1983 .

22- محمد مبارك ، نظرات في التراث ، بغداد ، 1986 .

23- جورج سول ، المذاهب الاقتصادية الكبرى ، ترجمة راشد البراوي ، مكتبة النهضة ، القاهرة ، 1962

24- ادموند ولسون ، تاريخ الفكر الاشتراكي المعاصر من فيكو إلى لينين ، ترجمة يونس شاهين ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1973.

25- جون كينيث ، البريث، تاريخ الفكر الاقتصادي ، ترجمة احمد فؤاد بلبع ، عالم المعرفة ، الكويت 2000.

26- ج. ه‍. كول ، تاريخ الفكر الاشتراكي: الماركسية والفوضوية ، ترجمة عبد الكريم احمد ، المؤسسة المصرية العامة ، القاهرة ، ١٩٦٣ .

27- عبد الرزاق مسلم الماجد ، مذهب ومفاهيم في الفلسفة والاجتماع ، المكتبة العصرية بيروت 1977 .

28- اوسكار لانكة ، مايكل كاليتسكي، الاقتصاد السياسي ، ترجمة محمد سلمان ، ج، دار الطليعة ، بيروت ، 1967.

29- عارف دليلة وإسماعيل سفر ، تاريخ الأفكار الإقتصادية ، منشورات جامعة حلب ، 1979 .

30- جوزيف شو مبيتر ، عشرة اقتصاديين عصام ، ترجمة راشد البرواي ، دار النهضة ، القاهرة 1968.

31- عبد الرسول سلمان ، معالم الفكر الاقتصادي ، الكتاب الأول ، شركة الطبع والنشر الأهلية ، بغداد ، 1966.

32- جوان روبنسون وجون ايتويل ، مقدمة في علم الاقتصاد والحديث ، ترجمة فاضل عباس مهدي ، دار الطليعة ، بيروت ، 1980 .

33 – ج. أكلي ، الاقتصاد الكلي: النظريات و السياسات ، ترجمة عطية مهدي سليمان ، جامعة المستنصرية ، ١٩٨٦ .

34- توماس سنتش ، الاقتصاد السياسي للتخلف ، ترجمة فالح عبد الجبار ، ج، دار الفارسي، 1978 .

35- سمير امين ، التراكم على الصعيد العالمي ، ترجمة حسن قبيسي ، دار ابن فلدون، بدون تاريخ.

36- عبد علي المعموري ، تاريخ الأفكار الإقتصادية ، الجزء الثاني ، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، بغداد ، 2009

 

 

 

المصادر باللغة الإنكليزية

  1. Friedman, The Lexus and the olive Tree: Understanding Globalization (New York:fariar straus and Giroux , 1999).
  2. Jeffery G.williamson , Globalization, Income Distribution and History, in Inequality and Economic Integration, Francesco farina and Ernest to savaglio (New York: Routede , 2006 ).
  3. Gharles P. Kind berger , International public Good without International Government, American Eeo-nomic Review 16 (march1986).
  4. Martha Fennimore , The Purpose of International: changing Buliefs about the use of force ( Ithaca y : Cornall university press, 2003 ).
  5. Siegel , Bernard, slevery durig The third dynasty of America . Anthropologist, 1941 , Vol 49 No.1 .
  6. Adolph Blangui, History of Economics political Chapter -3 .
  7. Alex ander Gray , ( London: longmans, Green , 1931.
  8. Schnmpeter, J.A , Economic Doctrine and method, Oxford university press New York, 1976.
  9. John maynard Keynes , The collected writings of J.M. Keynes. Xxi, London Martin’s press for Royal Economic, so cite, 1973 .
  10. scottr, Nigro.N, Principles of Economics, Macmillan publishing Company, N . y , 1982.
  11. 1Robert Gilpin, Theree Models of the future, International Organizations 29 : ( winter 1975).
  12. Sir Norman Angell, the Great Illusion (New York:pantnern 1933).
  13. Davids . Chirsty, << Round and Round we co ,>> world policy January 25 : ( summer 2008).
  14. Flynt leveret and pleas Noel, The New A is of Oil , National Interest 84 ( summer 2006).
  15. shophine Meunier and Kalyp so Nicolaiadis, the European as a Trade power, ” in International Relations and the European Union, ed . Christopher Hill and Michaul Smith ( xofred : Xofred university press, 2005).
  16. Moises Naim, lllicit: How smugglers , Traffickers, and copy cats Are Hijackeing the Global economy (New York: Doubleday, 2005).

المواقع الإلكترونية

  1. https://www.thomaslfriedman.com/the-lexus-and-the-olive-tree/
  2. https://www.taylorfrancis.com/books/edit/10.4324/9780203325100/inequality-economic-integration-francesco-farina-ernesto-savaglio
  3. https://link.springer.com/chapter/10.1007/0-306-48082-4_6
  4. https://publications.iadb.org/en/publication/16810/illicit-how-smugglers-traffickers-and-copycats-are-hijacking-global-economy
  5. https://www.worldcat.org/title/205843

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *