نوفمبر 23, 2024 4:14 ص
1

أ.د حيزومه شاكر رشيد صالح

كلية العلوم الاسلامية /جامعة بغداد /العراق

hazomasaleh@cois.uobaghdad.edu.iq

009647700670760

ا.م.د عمار باسم صالح

كلية العلوم الاسلامية /جامعة بغداد /العراق

amar.saleh@cois.uobaghdad.edu.iq

9647904219659+

الملخص

إن فهم النص الديني ضرورة معرفية  لتوحيد الخطاب الديني وهو أمر ميسور وسهل ولا يصعب إلا على معرض عنه  لم يجهد نفسه في البحث والاستقصاء عن أساليب فهمه وفهم قضاياه  معتمداً الطرق السليمة لمعالجة ألازمات الفكرية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية اليوم.

بين البحث  أن يتصف الخطاب الديني بالعقلانية، فلا يمكن للشخص أن يتحدث بأحكام الإسلام ويُلقي بها على المسامع دون أن يفكّر في تحليلها وتفسيرها وإيصالها إلى أذهان الناس بالوسائل والأساليب المناسبة .

اكد البحث ان وحدة الخطاب الديني تحث  على العدالة في الحقوق والواجبات لكل فرد من افراد المجتمع ،ومن غير تفضيل لفرد على آخر تحت  مسوغ كان، وهدفها الأساس هو تحجيم التعصب الديني لدى أتباع المعتقدات  المختلفة في المجتمع الواحد.

حاول البحث ان يبين ان هناكالكثير من المصطلحات المتداولة في عصرنا الحاضر فمصطلح الخطاب الديني يحاول البعض تعميمه لعولمة الفكرة وتأطيرها بإطار مقدس وصولا إلى تبنيه قانونا يقدم على أي نزعة دينية أو مذهبية أو أثنية أو عرقية ونحوها.

وفي اتجاه  اخر في بعض وسائل الإعلام هناك محاولةلجعل الخطاب الديني هدفا للفرد في المجتمع وصولا إلى محو الفوارق الثقافية بين إفراد المجتمع وانتهاءا إلى طمس الهويات الفرعية  .

وقد خلص البحث  انه يجب على الخطاب الديني المعاصر الابتعاد عن  النَفَس الطائفي ويدعو إلى الوحدة والتقريب بين جميع المذاهب الإسلامية، تحت مظلة حب الوطن والتعايش السلمي.

الكلمات المفتاحية : التكامل .المعرفة.الخطاب.الدين.الفكر

 

The importance of cognitive integration in unifying religious discourse according to the intellectual perspective

Prof. Dr. Haizoumah Shaker Rashid Saleh

Prof. Ammar Bassem Saleh

College of Islamic Sciences / University of Baghdad / Iraq

 

Abstract

Understanding the religious text is an epistemological necessity to unify the religious discourse, which is easy and easy. It is not difficult except for those who reject it, who did not strain themselves in researching and investigating methods of understanding it and understanding its issues, adopting sound methods to address the intellectual crises that Islamic societies suffer from today.

The research confirmed that the unity of religious discourse urges equality in the rights and duties of every member of society, without giving preference to one over another under a religious, ethnic, intellectual, behavioural or societal justification.

The research tried that among the terms that have become widely circulated in our time is the term religious discourse, which some are trying to generalize and frame with a sacred framework to adopt a law that precedes any religious, sectarian, ethnic or racial tendency and the like.

The research concluded that the contemporary religious discourse should move away from the sectarian self and call for unity and rapprochement between all Islamic sects, under the umbrella of patriotism and peaceful coexistence.

Keywords (integration, knowledge, discourse, religion, thought)

مقدمة البحث

إن فهم النص الديني ضرورة معرفية  لتوحيد الخطاب الديني وهو أمر ميسور وسهل ولا يصعب إلا على معرض عنه  لم يجهد نفسه في البحث والاستقصاء عن أساليب فهمه وفهم قضاياه  معتمداً الطرق السليمة لمعالجة ألازمات الفكرية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية اليوم.

ان فكرة اعتدال وتوحيد الخطاب  بلا شك فكرة جميلة وبخاصة بعد الويلات التي جرتها الهويات الفرعية من اصطراع داخلي احرق الحرث والنسل، اصطراع مدروس يدفع باتجاه سمو مبدأ المواطنة و التعايش.

بين البحث  أن يتصف الخطاب الديني بالعقلانية، فلا يمكن للشخص أن يتحدث بأحكام الإسلام ويُلقي بها على المسامع دون أن يفكّر في تحليلها وتفسيرها وإيصالها إلى أذهان الناس بالوسائل والأساليب المناسبة .

وقد خلص البحث انه يجب على الخطاب الديني المعاصر الابتعاد عن  النَفَس الطائفي ويدعو إلى الوحدة والتقريب بين جميع المذاهب الإسلامية، تحت مظلة حب الوطن والتعايش السلمي.

حاول البحث ان كثيرا من المفاهيم تناولت في عصرنا الحاضر مصطلح الخطاب الديني، الذي يحاول البعض تعميمه في محاولة منه لعولمة الفكرة وتأطيرها بإطار مقدس وصولا إلى تبنيه قانونا يقدم على أي نزعة دينية أو مذهبية أو أثنية أو عرقية ونحوها.

وهناك اتجاه في بعض وسائل الإعلام يحاول جعل الخطاب الديني هدفا للفرد في المجتمع وصولا إلى محو الفوارق الثقافية بين إفراد المجتمع وانتهاءا إلى طمس الهويات الفرعية  .

من أجل ما تقدم اخترنا هذا البحث، محاولين إماطة اللثام عن الموضوع بتجرد كبير.

واقتضت منهجية البحث تقسيمة على مقدمة و مطلبين وخاتمه، تناولنا في مقدمة البحث السبب من وراء اختيار العنوان ، وخصصنا المطلب الأول  لإعطاء فكرة عن مفهوم الخطاب الإسلامي مع بيان أهميتها للفرد والمجتمع، وجعلنا المطلب الثاني مخصصا لأهمية المعرفة في فهم الخطاب الديني،  وأما الخاتمة فقد أوجزنا فيها أهم نتائج البحث وما توصلنا إليه ، وأخيرا فهذا جهد المقل  فان وفقنا فهو محض فضل من الله وان كانت الأخرى فمنا ومن الشيطان، والله تعالى  ورسوله صلى الله عليه واله وسلم براء منه.

الباحثان

 

المطلب الاول

مفهوم الخطاب الاسلامي

لإعطاء فكرة عن مفهوم الخطاب الاسلامي نرى من المناسب ان نعرِّف الخطاب بانه بيان يوجّه إلى الناس كافة البشرباسم الإسلام ،وذلك لدعوتهم إلى الإسلام، أو تعليمه لهم، وتربيتهم عليه بعقيدةً أو شريعةً، عبادة  كانت ام  معاملة، فكراً أو سلوكاً، أو لشرح موقف الإسلام من قضايا الحياة والإنسان والعالم، فردية أو اجتماعية، روحية أو مادية، نظرية أو عملية(بوطنة،2006،15،).

واللافت للنظر في هذه المسالة لابد للتوقف لتبيان هذه المفاهيم ،ولتبيان هذه الموضوع لابد ان نتطرق لتبيان هذه  المفاهيم او المصطلحاتاذ يطلق عليها بخطاب الإسلام اوالخطاب الإسلامي ،او الخطاب الديني، أو خطاب المسلمين، اذن فمصطلحخطاب الإسلامينصرف إلى خطاب الوحي،وهو الخطاب المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأما فيما يخص خطاب المسلمينفهو ذلك الإنتاج الفكري والفقهي والعلمي،والتعبير عن سائر الفهوم والجوانب المعرفية،ويمثل ايضا بالدرجة الاساس خطاب المسلمين واجتهادهم وفهمهم في التعامل مع خطاب الإسلام في الكتاب والسنة والسيرة، ومحاولاتهم تنزيله على واقع الحياة في كل زمان ومكان،والانسان بطبيعة مصدرهمحل الخطأ والنسيان، وهو بطبيعته قابل للمراجعة، والمناقشة ، والتقويم،والاختبار،والتعديل،والإلغاء،فالخطاب بهذه النسبة هو المنتج البشري الاجتهادي المرتكز إلى قيم الإسلام(حسنة،22،2011).

والخطاب الإسلامي المعاصر يعاني من غربة الزمان والمكان لدرجة كبيرة، وعدم إدراك حال المخاطبين وحاجاتهم وكيفية التعامل معهم وإيصال الخير إليهم، فالعالم يتطور بشكل سريع ومتزايد، والدنيا حولنا تتغير بحاجاتها ومشكلاتها فمن المنطقي أن لا تتم معالجتها بنفس الوسائل ونفس الطرح ونفس المنطق والتصور والخطاب(حسنة،2011،103،)

وللخطاب عدة اساليب فمنها القديمة ومنهاالحديثة،ومنها الخطبة والمحاضرة والدرس والحديث والمقالة والرسالة والكتاب والندوة والبحث الميداني، والتحقيق الصحفي والبرنامج الإذاعي أو التلفزيوني والعمل الدرامي، ويمكن أن يستخدم فيه النثر والشعر والزجل والقصة والمسرحية، كما يمكن أن يستخدم فيه كل أجهزة الإعلام المعاصر وآلياته: المكتوبة والمسموعة والمرئية، محلية واقليمية وعالمية؛ من الإذاعات الموجهة إلى القنوات الفضائية إلى شبكة الانترنت(بوطنة،2006،16).

فالخطاب الإسلامي يتبين لنا بانه  خطاب الدعاة والوعاظ والخطباء والمفتين والباحثين، في حين يقدم إلى جمهور الناس على أنه الوصف السليم والفهم الصحيح للإسلام في عقيدته ونظامه الأخلاقي وآدابه وشريعته، ولهذا لعب الخطاب الإسلامي دور أساسي في تكوين العقل المسلم والوجدان المسلم، ومنه يتلقى عامة الناس تصورهم للإسلام وللعالم في ظله،ومن الامور التي اهتم بها الاسلام وجعلها من ضمن القيم العليا التي لا نقاش واختلاف فيها المساواة، حيث وردت في نصوص صريحة في الصحيفة مثلا ( ان ذمة الله واحدة)، وفي موضع اخر ذكر (وان بعضهم موالي بعض دون الناس) وهذا يعني انهم يتناصرون في السراء والضراء ، وتضمنت الصحيفة ان (المؤمنين يبني بعضهم على بعض بما نال دمائهم في سبيل الله) ،ومعنى قوله يبنى هو من البواء ، أي المساواة(السهيلي،17).

ان مبدأ المساواة من اهم  المبادئ التي تساهم في بناء لمجتمع وتحصينه وقد اهتم به الاسلام وله الصدارة في منظومة المفاهيم قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى…)). وقال رسول الله (r) ((يا ايها الناس الان ربكم واحد ، وان اباكم واحد ، الا لا فضل لعربي على اعجمي ، ولا عجمي على عربي ولا احمر على اسود ، ولا اسود على احمر الا بالتقوى ، ابلغت))(ابن حنبل،1984،411).

حيث نقصد بالمساواة المساواة امام الشرع والقانون وكافة الاحكام

الاسلامية(الصلابي،2006،432) وليس المساواة في جميع شؤون الحياة كافة وهذا غير معقول ومن البديهيات اختلاف الناس في قابلياتهم وكفاءاتهم بل الاختلاف والتفاوت في الخلقة الذي يقتضي عدم المساواة بل اعطاء كل ذي حقاً حقه من السنن الالهية بل هي غاية الخلق(الكيلاني،1989،179).

المطلب الثاني: أهمية المعرفة في توحيد الخطاب الإسلامي

ان للمعرفة اهمية لجميع مناحي الحياة ، ولها معاني عدة فهي العرفان والعلم والعريف والعارف بمعنى مثل عليم وعالم(ابن منظور،2898،1995)، وهي علِم وأدرك بتفكرٍ وتدبرٍ لأمره(رضا،1960،77).

ونجد ان إدراك الشيء على ما هو عليه  هي المعرفة، فهي مسبوقة بنسيان بعد العلم، بخلاف العلم ولذلك يسمى الحق تعالى بالعالم دون العارف(الجرجاني2007،236)، فالعرفان والمعرفة  إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره وهو أخص من العلم ويضاد الإنكار، اذن فالعلم إدراك الشيء بحقيقته(الاصفهاني،1992،331) .

وتقالايضا والحديث هنا عن المعرفة انها تدرك آلاثار وإن لم تدرك ذاته ،والعلم يندر أن يقال إلا فيما يدرك ذاته وحقيقته، فالعلم  يتطلب الإحاطة بأحوال المعلوم على وجه التمام لذا تتصل المعرفة في التصورات،و يستعمل العلم ايضا في التصديقات، ووفق هذا السياق نجد ان مفهوم نظرية المعرفة في إطار الدراسات الفلسفية يراد به بصورة أساسية البحث المنظم في الوجود الذهني للمدركات والقوالب الذهنية(شورش،2002،21).

والإنسان المسلم عندما يبرع في نوع معين من العلم ويرتبط بشأن من شؤون الحياة،فهنا برع الانسان في هذا المجال ، ثم يكون جاهلاً فيما عداه، وليست الغاية من التعليم الوقوف بظاهر العلم عند حدود القشور وتحصيل العائد المادي، فهذه نظرة مبتورة لن تحقق للفرد أمنه العقلي والنفسي، ولن تجلب للمجتمع أمنه الاجتماعي، إذ أن الوسائل فيها قد قطعت عن الغايات، فلم يعد للعلم عوائد على مستوى الفرد أو المجتمع، وبقيت النفوس بظلامها الدامس حتى ولو بدّلت في عيشها من سكن الكهوف إلى سكن ناطحات السحاب، فهو لا يعني إلا تقدم الآلة وتأخر الإنسان، بينما المنهج الإسلامي في التعليم يطلب من الإنسان أن يتزود بالعلم ليعرف كيف يتعامل مع السنن الكونية وسنن الحياة فتتحول العمليهالتعليميه إلى وسيلة لغاية أعظم وهي معرفة خالق الكون وواهب الحياة(ابومحمد،2002،11).

لذلك نجد ان علماء الإسلام في عصور الازدهار الحضاري الإسلامي لم يعرفوا ذلك الانفصام بين علوم الدنيا وعلوم الدين، إذ كان العالم منهم يبرع في العلوم الشرعية كما يبرع في المجالات العلمية والفلسفية والاجتماعية وغيرها(ابوريان،44،1997)، وانطلاقاً من توجيهات القرآن الكريم التي كما حثت على التفقه في الدين وتعلّم التأويل؛ حثت على النظر في ملكوت السموات والأرض واكتشاف سنن الأنفس والآفاق، ولمّا ابتعد المسلمون عن توجيهات القرآن الكريم في عصور التخلف الإسلامي، حدث ذلك الانفصام بين علوم الدين وعلوم الدنيا، إذ أصبح لعلوم الدين مجالاتها المنفصلة عن مجالات علوم الدنيا، مما فاقم كثيراً من أزمة التخلف والتأخر الحضاري للمسلمين.

ذلك أن بعض المسلمين قد اندفعوا نحو تيار النهضة الغربية الحديثة التي أسست حضارتها على أنقاض الدين والكنيسة؛ التي كانت تحارب العلماء وتضطهدهم، ولم يمعنوا النظر في أصول هذه النهضة العلمية الحديثة المستمدة جميعها من ثمار المعرفة الإسلامية في عصور الحضارة المجيدة، عن طريق الأندلس أو بغداد أو إبان الحروب الصليبية، وكل العلم المنقول عن الإسلام كان علماً شمولياً قائماً على ضبط المناهج مع ارتباطه بقاعدة الإيمان، إذ أن العلم عند المسلمين كان مرتبطاً بالدين في عصور النهضة الإسلامية ارتباطاً وثيقاً، وهذا هو سر ازدهاره وتقدمه العظيم في تلك العصور الخوالي(ابوريان،3،1997).

ومن أجل النهوض حضارياً بواقع العالم الإسلامي، ينبغي تطوير المفهوم السائد للدراسات الإسلامية، والمنحصر في دائرة مواد بعينها هي ما يحتاج إليه الناس في المفهوم الضيّق لمعرفتهم بالله(U)؛ والمشتملة في الأغلب على المفردات الآتية: القرآن وعلومه، التفسير، الحديث وعلومه، الفقه، العقيدة، التصوف، السيرة والتاريخ الإسلامي، ويضاف إلى ذلك أن جميع هذه المفردات تفتقر إلى التدريب العملي، على اعتبار أن العلوم الإسلامية ليس لها صلة بالتدريب، وفي مقابل ذلك إخراج الكثير من المواد العلمية والأدبية كالطب والهندسة والزراعة والعلوم والفلك والاقتصاد والفن وغيرها عن نطاق العلوم الإسلامية(الفاتح،1992،13).

فينبغي على المؤسسات التعليمية أن تنطلق بمناهجها التعليمية إلى رحاب أوسع في ضوء تعاليم القرآن الكريم، وهدي السنة النبوية المطهرة والسيرة العلمية للسلف الصالح من الأمة الإسلامية، الذين فهموا الدين منهجاً للحياة وأسلوباً للعمل، فكيّفوا عليه تصورهم للعلم والمعرفة والبحث والتدريب(الفاتح،1992،14).

وفي تطوير البحث العلمي لم يعد النظر إلى العلم بكونه المحتوى المعرفي لمجموعة المقررات الدراسية التي يدرسها التلاميذ في مختلف المراحل التعليمية كافياً في فهم طبيعة العلم وتعلّمه، إذ أن النظرة إلى العلمكمحتوى معرفي أو مادةدراسية فحسب تعكس فهماً محدوداً لطبيعة العلم وتجعله منحصراً في الجانب المعرفيوتهمل جانباً على درجة كبيرة من الأهمية ألا وهو الجانب السلوكيالمتمثل في النشاط الفكري القائم على التفكير السليم والتقصي العقلي والبحث والخيال الخصب ومهارات التفكير العلمي وحل المشكلات، فالبحث العلمي يؤكد أهمية أساليبالملاحظة الدقيقة وفرض الفروض والتحقق من صحتها عن طريق التجربة العلمية(خفاجة،2002،41).

و الجزء المهم والحيوي من رسالة مؤسسات التعليم هو البحث العلمي، اذ به تلتمس طريقها نحو العمل الأفضل في المستقبل، وبه كذلك تتوصل إلى صواب أو خطأ تجربتها في الماضي، فالبحث العلمي هو الجزء الخلاّق والمبدع في العمل الجامعي، وهو الذي يعمل على تنمية المعرفة؛ وإثراء الفنون الانتاجية وزيادة رصيد التراث العلمي والحضاري للإنسانية، فعملية التقدم والتطور في شتى المجالات الدينية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية إنما يكون طريقها من خلال البحث العلمي، فإذا توقف البحث العلمي أصيبت جميع جوانب الحياة بالجمود والتصلب وعجزت المجتمعات عن تحقيق أي تطور أو تقدم(الفاتح،1992،18).

اما في ما يخص الابداع أو التفكير الإبداعي فالعملية الذهنية التي نستخدمها للوصول إلى الأفكار والرؤى الجديدة، أو التي تؤدي إلى الدمج والتأليف بين الأفكار أو الأشياء التي يعتبر سابقاً أنها غير مترابطة(الحيزان،2009،24) فالإبداع هو قدرة عقلية تدفع بالفرد إلى السعي والبحث عن جديد، وهو ليس شيئاً بعيداً عن تناول الكثيرين من الأشخاص إذ يستطيع اي فرد من المجتمع  أن يكون مبدعاً حتى لو  اكتسب المعارف والمهارات التي  توهله وتقوده إلى ذلك ،وعمل على تنميتها في نفسه(هلال،1997،53).

ولابد من الانتقال الى  ثقافة التلقين والذاكرة إلى ثقافة الإبداع، والتي تدفع بالمتعلم نحو إدراك لعلاقات جديدة من أجل تغيير الواقع، وذلك يستلزم إعداد نظام تعليمي يسعى إلى مساعدة المتعلمين بكافة مستوياتهم على إدراك علاقات جديدة، وكشف التناقضات السائدة في الواقع، في سبيل تغيير للواقع المعاش، ومحاولة صياغة واقع جديد يحقق مطالب ومصالح المسلمين، وذلك من خلال تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع مشكلات واقعنا وتداعيات العصر ومشكلاته، وتقديم قدراً من المعارف والعلوم التي تنمي قدرات الإبداع لديهم، مثل القدرة على حل المسائل والمشكلات وليس تحصيل المعارف فحسب(بدران،2020،52).

فالتفكير الابداعي هو أن يأتي الطالب بأفكار أو آراء أو حلول لمشاكل أو اكتشاف جديد لم يسبق اليه أحد، وهذا المستوى من التفكير إنما يأتي من خلال تدريس المناهج بطريقة ابداعية، أما الطرق الروتينية التقليدية فالاستمرار بها يؤدي إلى التوقف؛ وبالتالي التراجع عن الركب المتسارع، فإما أن نتقدم أو نتقادم.. فلابد من التجديد المستمر للنفس والفكر والطموحات، ويجب أن يدرك الطالب أن الدراسة ليست مجرد اجتياز مرحلة والحصول على شهادة؛ بل إن المناهج الدراسية هي لبناء نفسية الطالب وشخصيته وفكره وتفجير الطاقة الابداعية الكامنة بداخله وتوظيفها في تحقيق المقصد العام للشريعة الاسلامية ألا وهو عمارة الأرض والاستخلاف فيها.

وفي ظل النظام العالمي المعقد الذي يعيش فيه العالم الإسلامي لم تعد الفتاوى الفقهية التي تخص الأفراد بكافية في معالجة الأزمات المتعددة التي تهدد وجود المسلمين وكيانهم، فالأمة أضحت بحاجة إلى فقه حضاري يحسن فهم المسألة الحضارية بمجملها، والمسائل المتفرعة عنها، وما تشتمل عليه من تكليف كلي وتنظيمات وتأسيسات داخل الحضارة الواحدة وفيما بين الحضارات، ومن أجل اظهاردور الحضارة الإسلامية كحالة أصيلة ،من الممكن ان نقدم إلامكانياتالعليا على مستوى التأصيل والقواعد،بل ايضا على مستوى المسائل والقضايا والأفكار والقيم والمبادئ، وعلى مستوى السنن والنواميس التي تؤكدها وتقررها من الاختلاف والتنوع الحضاري، فالتعارف والتحاور، فالتوازن الحضاري المأخوذ من الميزان السماوي والمناقض للطغيان الدولي والحضاري، وسنن التداول والإبدال الحضاري، وكذلك سنن التدافع الحضاري، تلك السنن والقيم التي تواجه مقولات راجت في الساحة العالمية من قبيل صدام الحضارات وصراعها، وحروب الثقافات)(اسماعيل،،2014،522).

 

النتائج

بعد هذه الرحلة الماتعة في ثنايا الكتب والدراسات الفكرية والفلسفية نذكر اهم ما تم تحقيقه في هذا البحث وما توصلنا إليه من نتائج، فنقول:

1-إن توحيد الخطاب الإسلامي (خطاب المسلمين) ينبغي أن يقترب كثيراً من خطاب الإسلام (خطاب الوحي) حتى يتمكّن هذا الخطاب من معالجة أزماتنا الفكرية ،  باحترام أهل الأديان الأخرى وعدم محاربتهم في عقائدهم وسلوكياتهم مع مراعاة خصائص أفراد المجتمع الآخرين.

2-ينبغي أن يتصف الخطاب الديني بالعقلانية، فلا يمكن للشخص أن يتحدث بأحكام الإسلام ويُلقي بها على المسامع دون أن يفكّر في تحليلها وتفسيرها وإيصالها إلى أذهان الناس بالوسائل والأساليب المناسبة .

3–يتصف الخطاب الديني بالوسطية، وهي عدم التعصّب لمذهب معين، بل الأخذ بالنافع من تراثنا الإسلامي.

4-تتمثل الوسطية في الموازنة بين العقل والقلب، فلا يتحدّث بالعقل المجرّد عن العاطفة، ولا بالعاطفة البعيدة عن العقل، بل يمازج بينهما كي يتصل العقل مع القلب في الخطاب الإسلامي.

5-يتصف الخطاب الديني بالموازنة بين المادية والروح، فكما يهتم ويحثّ الناس على العبادة والأعمال القلبية والتعلّق بالآخرة، يدعو إلى عمارة الدنيا والاستمتاع بطيباتها بما يرضي الله تعالى.

6- يجب على الخطاب الديني المعاصر الابتعاد عن  النَفَس الطائفي ويدعو إلى الوحدة والتقريب بين جميع المذاهب الإسلامية، تحت مظلة حب الوطن والتعايش السلمي.

7- أما الخطاب الديني الموجّه إلى غير المسلمين فينبغي أن يتّسم بالتآلف والتعايش والمحبة لا التصادم والتشنيع، لأن ذلك سوف يصمّ الآذان عن سماع كلمة الحق، ويغلق القلوب عن أن يدخلها نور الهداية.

8-الخطاب الإسلامي المعاصر يعاني من غربة الزمان والمكان لدرجة كبيرة، وعدم إدراك حال المخاطبين وحاجاتهم وكيفية التعامل معهم وإيصال الخير إليهم، فالعالم يتطور بشكل سريع ومتزايد، والدنيا حولنا تتغير بحاجاتها ومشكلاتها فمن المنطقي أن لا تتم معالجتها بنفس الوسائل ونفس الطرح ونفس المنطق والتصور والخطاب

المصادر

القران الكريم

  1. ابن حنبل،أحمد ،1984،المسند،بيروت، منشورات دار صادر.
  2. ابن منظور،أبو الفضل محمد بن مكرم ، ،1994، لسان العرب،بيروت، دار صادر.
  3. ابو ريان،محمد علي،1997، أسلمة المعرفة_ العلوم الانسانية ومناهجها من وجهة نظر إسلامية ،مصر، دار المعرفة الجامعية.
  4. أبو محمد،ابراهيم ،2002م من قضايا التحديات في القرن الواحد والعشرين_ التعليم في ضوء فكر سعيد النورسي، القاهرة، شركة سوزلر.
  5. الأصفهانى ،ابو القاسم الحسين بن محمد ،1992 المفردات في غريب القرآن ، المحقق: صفوان عدنان الداودي: دمشق بيروت ،دار القلم، الدار الشامية .
  6. بواطنة،جمال محمد ، تجديد الخطاب الديني المعاصر ضرورة ملحة، بحث ضمن المؤتمر العام الواحد والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلاميةـ القاهرة .
  7. الجرجاني،محمد الشريف ،2007 ، التعريفات، تحقيق وزيادة: عبد الرحمن المراعشلي،بيروت،  دار النفائس.
  8. حسنة،عمر عبيد ، 1988،الاجتهاد للتجديد سبيل الوراثة الحضارية ،القاهرة، المكتب الإسلامي.
  9. حسنة،عمر عبيد ،2005، الخطاب الإسلامي وقفة للمناصحة، القاهرة، المكتب الإسلامي.
  10. الحيزان،عبد الإله بن إبراهيم ،2009، لمحات عامة في التفكير الابداعي ،الرياض، مجلة البيان .
  11. خفاجة، ميرفت علي ،2002، أسس ومبادئ البحث العلمي ،الاسكندرية،مكتبة ومطبعة الاشعاع الفنية.
  12. رضا،احمد:1960 معجم متن اللغة، بيروت، منشورات دار ومكتبة الحياة .
  13. شورش،عبد الكريم،2002، القبض والبسط في الشريعة، ترجمة دلال عباس، بيروت،دار الجديد .
  14. الصلابي،علي محمد ،2006، ، فقه التمكين عند دولة المرابطين ، القاهرة،مؤسسة أقرأ للنشر والتوزيع والترجمة  .
  15. عبد الفتاح،سيف الدين ،2004، الفكر الإسلامي المعاصر مفهوماته ومجالاته التداولية، عقدتها مجلة قضايا إسلامية معاصرة،بغداد، مركز دراسات فلسفة الدين، السنة 8، العدد 26.
  16. الفاتح،حسن الشيخ،1992، دور مؤسسات التعليم العالي في التدريب والبحوث في مجال الدراسات الإسلامية،بيروت ،المكتبة الثقافية.
  17. الكيلاني،ماجد عرسان،1989 ، فلسفة التربية الاسلامية ، مكة،مكتبة هادي
  18. هلال،محمد عبد الغني ،1997، مهارات التفكير الابتكاري؛ كيف تكون مبدعاً ،القاهرة، مركز تطوير الأداء والتنمية .

2 thoughts on “اهمية التكامل المعرفي في توحيد الخطاب الديني وفق المنظور الفكري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *