نوفمبر 23, 2024 3:45 ص
6

الباحثة / إيمان خياتي

طالبة باحثة في  سلك الدكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس

 تخصص نقد حديث ومعاصر/ المملكة المغربية

أستاذة اللغة العربية وباحثة تربوية في مجال توظيف التكنولوجيا في التعليم المدرسي بالمملكة المغربية.

Imanekhayati1982@gmail.com

00212678932212

الملخص:

يعتبر الذكاء الاصطناعي نقطة تحول كبرى في تاريخ الثورات التكنولوجية المتلاحقة التي عرفتها البشرية. يستحق منا هذا العلم الذي يشكل قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا، منذ خمسينات القرن الماضي، الوقوف أمامه بالتأمل والمساءلة كلٌّ في مجال اشتغاله وتخصصه، حتى نكتشف أكثر عطاءه الغير المحدود في جميع الميادين المعرفية والسياسية والاقتصادية والرقمية أيضا.

تطمح هذه الدراسة إلى الجمع بين قضيتين أساسيتين تشغلان الساحتين العلمية والأدبية، وتطرحان مجموعة من التساؤلات في العديد من المجالات. وقد يبدو الجمع بين نقد النقد والذكاء الاصطناعي أمرا محيرا ومعقدا في ذات الآن؛ لأن مجال اشتغال كل واحد منهما يختلف تماما عن الآخر. لكن لدينا ما يعلل هذا الجمع ويبرر اختيار هذه الدراسة، التي تهدف إلى المقارنة بين وظيفة ناقد النقد وبين محرك chat Gpt؛ كما تهدف إلى الإجابة عن إشكالية يمكن صياغتها كالتالي: هل يمكن لآليات الذكاء الاصطناعي القيام بمهمة ناقد النقد؟ وماهي القيمة المضافة التي يمكن لهذه التقنية الحديثة تقديمها لهذا المجال؟ وهل سيلجأ مجال نقد النقد أو الميتانقد يوما ما إلى الذكاء الاصطناعي للتأكد من موضوعية أحكام نقدية أصدرها صاحبوها، إما لاختلاف في المرجعيات النظرية المعرفية والفلسفية المعتمدة أو في الآليات الإجرائية المطبقة؟ أم أن هذا المجال المعرفي بالذات سيوقف هذا الزحف الخطير لهذه التقنية الحديثة وذلك بإثبات فشله بالقيام بمهمة ناقد النقد؟.

ستجيب الدراسة عن هذه الأسئلة باعتماد المنهج المقارن حتى نتمكن منالخروج بنتائج وتوصيات. ومن بين النتائج المتوصل إليها في نهاية الدراسة، تحديد مدى قدرة محرك “شات جيبيتي –chat Gpt” على إصدار أحكام نقدية موضوعية حول دراسات نقدية سنقدمها إليه، ومقارنة نفس الدراسات النقدية مع أحكام ميتانقدية أصدرها ناقد نقد آخر. ترتبط هذه الدراسة بالهدف الثالث من أهداف المؤتمر وهو تسليط الضوء على الأدوات والتقنيات الحديثة التي يمكن استخدامها لجمع وتحليل البيانات في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية. وتحديد اهم القضايا الاجتماعية الملحة  والراهنة في المجتمعات في الوقت الحالي.

الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي- النقد الأدبي- الميتانقد–الذاتية والموضوعية في الأحكام النقدية والأحكام الميتانقدية.

Metacritical and artificial intelligence

A comparative study between the criticism critic and CHAT GPT

Imane khayati

A doctoral research student at Sidi Mohammed Ben Abdullah University in Fez. Specialization in modern and contemporary criticism – Kingdom of Morocco

Abstract:

Artificial intelligence is considered a major turning point in the history of successive technological revolutions that humanity has known. This science, which constitutes a qualitative leap in the field of technology, since the fifties of the last century, deserves us to stand in front of it with reflection and accountability, each in his field of work and specialization, so that we discover more of his unlimited giving in all fields of knowledge, political, economic and digital as well.

This study aspires to combine two basic issues that occupy the scientific and literary arenas and raise a set of questions in many fields. The combination of criticism and AI can be confusing and complicated because their fields of operation are very different. But we have a reason for this combination and justification for the choice of this study, which is to compare the function of a critic with the chat Gptengine, and also aims to answer a problem that can before mulated as follows: Can artificial intelligence mechanisms do the job of a critic of criticism? What is the added value that this modern technology can provide to this field? Will the field of criticism or criticism one day resort to artificial intelligence to verify the objectivity of critical judgments issued by their authors, either because of a difference in the theoretical references of knowledge and philosophy adopted or in the procedural mechanisms applied? Or will this particular field of knowledge stop this dangerous creep of this modern technology by proving its failure to carry out the task of critic criticism?

The study will answer questions by adopting a comparative approach that can come up with conclusions and recommendations. Among the findings at the end of the study is to determine the extent to which Chat can make objective critical judgments about critical studies that we will present to it, and to compare the same critical studies with the metacritical judgments of another critical critic. This study is related to the third objective of the conference, which is to highlight modern tools and techniques thatcanbeused to collectand analyze data in the fields of humanities and social sciences. Identify the most pressing and current social issues in societies at the present time.

Keywords: artificial intelligence – literary criticism – metacritical – subjectivity and objectivity in critical judgments and metacritical judgments.

 مقدمة

يُعتبر الذكاء الاصطناعي نقطة تحول كبيرة في تاريخ الثورات التكنولوجية المتلاحقة التي عرفتها البشرية. فقد ظهر هذا العلم،الذي شكل قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا،منذ خمسينات القرن الماضي، منذ أن “كانت فكرة صنع حاسبة ذكية ومنزلية صغيرة الحجم مجرد خيال علمي”(اسطيفان،1995،ص.21)، فلم يكن من السهل الاعتقاد بإمكانية تحققها في عصرنا الراهن. “ولم يكن بمقدورهم آنذاك جعلها تقوم بعمليات أكثر تعقيدا مثل لعب الشطرنج. أما الآن فإن هذه الأجهزة قادرة على مبارزة أقوى أبطال هذه اللعبة بل والتفوق عليهم أيضا”(اسطيفان،1995،ص21) مخاوف التفوق هذه، التي شغلت الدارسين في هذا المجال من جهة؛ واقتحام الذكاء الاصطناعي لجميع المجالات، بما فيها المجالات الحساسة، كالسياسة والاقتصاد والصحة من جهة ثانية، هي التي دفعتنا إلى التفكير في إنجاز هذه الدراسة التي سنقف من خلالها بالمساءلة والمقارنة بين مجال نقد النقد وبين آليات اشتغال الذكاء الاصطناعي؛أي بالقيام بمقارنة بسيطة بين الدور الذي يقوم به ناقد النقد، وبين إمكانية قيام محرك الشات جيبي تي(CHAT GPT) بنفس هذا الدور، بعد تزويده بقاعدة البايانات المعرفية المناسبة لذلك؟

تطمحهذه الدراسة إلى الجمع بين قضيتين أساسيتين تشغلان الساحتين العلمية والأدبية، وتطرحان مجموعة من التساؤلات في العديد من المجالات المعرفية والسياسية والاقتصادية والرقمية. وقد يبدو الجمع بين مجال نقد النقد أو الميتانقد وبين الذكاء الاصطناعي أمرا محيرا ومعقدا في ذات الآن. وذلك لأن مجال اشتغال كل واحد منهما يختلف تماما عن الآخر، لكن لدينا ما يعلل هذا الجمع وما يبرر اختيار هذه الدراسة.

بناء على ماسبق يمكن صياغة سؤال إشكالية الدراسة كالتالي: هل يمكن لآليات الذكاء الاصطناعي القيام بمهمة ناقد النقد؟ وماهي القيمة المضافة التي يمكن لهذه التقنية الحديثة تقديمها لهذا المجال؟ وهل سيلجأ مجال النقد الأدبي أو المجال الميتانقدي يوما ما إلى آلية الذكاء الاصطناعي للتأكد من مدى صحة أحكام نقدية، أصدرها صاحبوها إما لاختلافٍ في المرجعيات النظرية المعرفية والفلسفية المعتمدة أو في الآليات الإجرائية المطبقة؟ أم أن هذا المجال المعرفي بالذات سيوقف الزحف الخطير لهذه التقنية الحديثة، وذلك بإثبات فشله في القيام بعمل ناقد النقد؟

ستجيب الدراسة عن هذه الإشكالية من خلال اعتماد خطة واضحة المعالم تتجلى في:

  • التعريف الموجز بنقد النقد والذكاء الاصطناعي.
  • تحديد وظيفة ناقد النقد وآليات اشتغال محركات الذكاء الاصطناعي.
  • إجراء مقارنة بسيطة بين موضوعية محرك “الشات جيبي تي” في إجراء دراسته الميتانقدية وبين الدراسة الميتانقدية التي أجراها الميتاناقد.
  • نتائج .
  • اقتراحات وتوصيات.
  • خاتمة.

قبل البدء في محاور الدراسة لابد من الإشارة إلى غياب تام لأي دراسة من الدراسات السابقة التي جمعت بين نقد النقد ومحركات الذكاء الاصطناعي وبعد بحث مستفيض نجد دراسات تناولت نقد النقد ودراسات أخرى تنتولت الذكاء الاصطناعي، لكن الجمع بينهما في إطار القيام بدراسة مقارنة هو أمر تنفرد به دراستنا.

أولا: نقد النقد والذكاء الاصطناعي: البدايات والموضوع

أ- لمحة تاريخية موجزة عن نقد النقد:

يرى بعض الدارسين أن نقد النقد أو الميتانقد هو الضابط الحقيقي لانفلات النقد الأدبي من آثاره العلمية التي وُجد من أجلها. وهو تصور يدفعنا إلى الوقوف بالمساءلة أمام هذا المجال المعرفي الذي اختلف المنظرون حول استقلاليته كعلم بعيدا عن النقد الأدبي، وبين اعتباره فرعا من فروعه.وتَتَبُّع التصورات السائدة في الساحة الأدبية وتقريبها لقارئ هذه الدراسة.

إن الدراسات في هذا الصدد مازالت كما يصفها النقاد بالمحتشمة رغم وجود آثار نقد النقدالمفهومي في أعمال الغربيين والعرب قديما. حيث يُرجع الدارسون والنقاد بدايات نقد النقد المفهومية لا الاصطلاحية  -والفرق بينهما شاسع- إلى فلاسفة الفكر اليوناني الذين ساهموا في وضع الأساس للمناقشات المستقبلية حول النقد.وذلك من خلال فحص وتقييم طرق النقد نفسه وممارساته ونظرياته بالتفكير في القيود وأوجه القصور التي قد تعتري المناهج النقدية والتشكيك في الافتراضات الكامنة وراءها. ففي انتقاد أرسطو لنظرية المحاكاة عند أفلاطون، أكبر ممارسة لنقد النقد دون الإشارة إلى المصطلح. حيث يرى باقر جاسم محمد: “أن نظرية أرسطو في المحاكاة هي البذرة الجنينية الأولى التي وصلتنا، مما يمكن عده نوع من نقد النقد النظري غير المباشر على نظرية أستاذه أفلاطون في المثل”(باقر،2009،ص.45)إلا أن معالم نقد النقد في الغرب لم تتضح ولم تتحدد معالمها وحدودها إلا في العصر الحديث، دون إغفال الدور الكبير الذي لعبه فلاسفة عصر التنوير في القرنين السابع والثامن عشر الذي ساهم في فتح أوجه البحث الفكري والشك والتأملات النقدية،والتي وقفت بالتأمل والمساءلة والشك حول دور النقد نفسه. وقد منح الناقد الفرنسي-البلغاري تزفيتان تودوروف-حسب إجماع النقاد والدارسين- الإطار المنهجي لنقد النقد من خلال كتابه نقد النقد: رواية تعلم.

يقوم نقد النقد باعتباره نشاطا معرفيا وُجِّه أصلا لتتبع النقد الأدبي ومدار حركته على تفكيك النص النقدي من أجل إعادته إلى عناصره المشكلة له. وذلك من خلال كشف معايير القراءة النقدية الأولى وسبر أغوارها والوقوف على مبادئها النظرية وأدواتها التحليلية، مما يفرز لنا” نصا يخضع في سيرورة تشكله إلى منهجية نوعية وشبكة مفاهيمية تضبط تحققه وتكفل له التميز الخاص عن النص الإبداعي والنص النقدي”(التمارة،2016،ص.203) يقودنا هذا التصور إلى أهمية هذا المجال في حمولته المعرفية وإبرازوظيفته الفكرية.وسنعمل على تخصيص دراسات مستفيضة للبحث في مدى أحقية هذا العلم بالاستقلالية الذاتية التي دعا إليها مجموعة من النقاد و الدارسين، الذين يرون ضرورة استقلالية نقد النقد عن النقد الأدبي، ويؤكدون على أهمية التأسيس لنظرية جديدة تدعم استقلالية نقد النقد وعلى رأسهم الناقد العراقي باقر جاسم محمد.فماهي المراحل التي مر منها تأسيس هذا المجال المعرفي عند العرب؟

عُرف العرب خصوصا في العصر العباسي بالدقة والموضوعية في إطلاق الأحكام النقدية مقارنة مع المراحل السابقة، وذلك بعد ازدهار حركة التأليف والنقد العربيين.وقد برز مفهوم نقد النقد بمعناه الاصطلاحي وليس المفهومي، ودون تحديد لوظيفته أو استقلال عن النقد الأدبي.

تكمن بدايات نقد النقد إذن، حسب مجموعة من الدارسين والنقاد في تصويب الأحكام النقدية، من خلال نقد النظريات السابقة والوقوف على أوجه القصور التي أغفلتها الأولى وتحاول الثانية التي جاءت بعدها أن تتجاوزها. يؤكد لنا كل ماسبق الطرح القائلبأن نقد النقد في جوهره هو تطوير للنظرية النقدية، مما يعزز فكرة أن موضوع نقد النقد وأهدافه وآليات اشتغاله تختلف عن النقد الأدبي، وهو ماسيدفعنا للإشارة بشكل موجز إلى الفرق بينهما في هذه الدراسة.

أما في العصر الحديث فقد أرجع الدارسون بداياته إلى الناقد طه حسين في محاولته التي قام بها حول الشعر الجاهلي. وذلك في طليعة أعماله التي يصطلح عليها بنقد النقد حيث بدأت”ارهاصاته حسب عبد النبي اصطيف أواخر القرن التاسع عشر، ثم تعززت بكتاب طه حسين في الشعر الجاهلي الذي يعد أول مشروع عملي يؤسس لبداية نقد النقد دون أن يستعمل المصطلح”(الموسوي،2014،ص7).

ب-  نقدالنقد: الماهية والموضوع

اختلفت وجهات نظر الدارسين في تحديد ماهية نقد النقد مما عدَّد تعاريفه ومفاهيمه. إلا أن تعريفه رهين بتحديد الفرق الجوهري بينه وبين النقد الأدبي؛ أي رهين بتحديد ماهية الفعل النقدي وجوهره الفعلي والنوعي التي تحدث عنها تيري إيغلتون(ايغلتون،2006،ص.147)في تعريفه للنقد، باعتباره كينونة ابستمولوجية بضوابط خاصة، قائلا :”ما يعد نقدا أدبيا هو أمر تحدده المؤسسة الأدبية”(مساعدي،2019،ص.35) لذلك فإن نقد النقد مجال معرفي مؤطر بخصائص هذه “الكينونة وضوابطها.بهذا المعنى، فإن كان للنقد الأدبي استقلاليته المحددة لوجوده المعرفي”(ايغلتون،2006،ص.147)، باعتباره العملية النقدية الأولى التي تمثل العملية الوسطى المرتبطة بشكل مباشر مع العمل الإبداعي؛ فإن “نقد النقد يمتلك وجودا معرفيا نوعيا، فيتحدد كيانه في تميزه الكيفي في بناء خطابه (التمارة،2016،ص.203). يبرز لنا الناقد إذن- إلىجانب مجموعة من النقاد الآخرين- أهمية الفصل بين المؤسسة الأدبية التي تسهم في تحديد الوجود الفعلي للنقد الأدبي،والتي يستمد منها سلطته، “هذه السلطة هي التي تضفيالمشروعية على خطاب الناقد الأدبي، لأنها تزوده بذلك الرأسمال الرمزي –بتعبير بيير بورديو-الذي يخول له تصنيف النصوص إلى أدبية أو غير أدبية، أو الحكم عليها بالجودة أوالرداءة”(مساعدي،2019،ص.35)،وبينالمؤسسة النقدية التي تسهم في تحديد الوجود الفعلي لنقد النقد، وضبط محدداته الخاصة به.

في نفس الصدد، يمكن القول أن كينونة نقد النقد رهينة بوجود المؤسسة النقدية التي ستعمل على تحقيق وجوده، والتي ستساهم في “تأسيس وعي جديد يسعى إلى التفريق بين النقد بصفته موضوعا ونقد النقد بصفته فعلا، يختبر ذلك الموضوع ويدرسه ولا يقول بوجود تطابق بينهما”(الدغمومي،2012،ص.113)، بل باستقلالية كل واحد عن الآخر مما يفرض ضرورة وضع أساس نظري لهذا النشاط المعرفي في معزل عن النقد الأدبي.

تماشيا مع ما تم ذكره، يتضح لنا أن نقد النقد “بصفته مبحثا لدراسة النقد الأدبي”(المرابط،2019،ص.43)، يحاول كشف معايير القراءة النقدية الأولى، والوقوف على مبادئها النظرية وأدواتها التحليلية. وهو حسب الناقد باقر جاسم قراءة مخصوصة لأنه ينتج قراءة نقدية مغايرة، أي أنه “خطاب يبحث في مبادئ النقد ولغته الاصطلاحية وآلياته الإجرائية وأدواته التحليلية”(القسنطيبي2009،ص.35).كلها تعاريف تتفق على أن موضوع نقد النقد هو النقد الأدبي الذي يتخذ النص الإبداعي موضوعا له، لذلك ينبغي الإقرار بأن الميتانقد هو ممارسة فكرية كتابية مختلفة في آلياتها الإجرائية وفي غاياتها عن النقد الأدبي، ومرد ذلك إلى أن “نقد النقد هوقول آخر في النقد يدور حول مراجعة القول النقدي ذاته” (عصفور،1992،ص.22).

تتكون العملية الميتانقدية إذن من: النص الإبداعي من جهة و النص النقدي أو المقالة النقدية من جهة أخرى وهو ما تمثله الترسيمة الآتية:

 

 

العملية الميتانقدية:

النص الإبداعي                                          النص النقدي ناقد النقد.

مما يضفي على النقد الأدبي حسب رينيه ويليك طابعا شموليا يجعله يُستخدم بشكل يشمل “النص الإبداعي والنظرية الأدبية أيضا”(رينيه،1987،ص.28). لأنه حين انطلق من أسئلة نقدية في كتابه “تاريخ النقد الأدبي الحديث” (1955) “وجد نفسه في صلب قضايا نظرية وجمالية، مما دفعه إلى توسيع مفهوم النقد ليشمل مبادئ الأدب ونظريته وطبيعته ومعياره ووظيفته وتأثيراته وعلاقاته بأوجه النشاط الأخرى للإنسان وأنواعه…”(مساعدي،2019،ص.35). وبالعودة إلى مفهوم النقد الأدبي الكلاسيكي نجد بأنه فن تقويم النص وذلك بتمييز جيده من رديئه.فهو الفن الذي يختص بالأدب وحده ويقوم بفهمه وتفسيره وتحليله، ويعنى بتحقيق النصوص وشرحها وتفسيرها والحكم عليها. وحسب دراسة مستفيضة أجراها المنظر محمد مساعدي تحمل عنوان:”النظرية والمنهج بين الإمكان والتحقق، مدخل ابستمولوجي”، يشرح من خلالها العلاقة الجدلية بين النظرية الأدبية والمنهج النقدي، وذلك من خلال استخلاص البناء الداخلي لكل واحد منهما، وقد توصل من جملة ما توصل إليه في دراسته، أن المنظر غراهام هو ” قد وسع حقل النقد الأدبي ليشمل تاريخ الأدب والأنواع الأدبية وطبيعة الأدب ووظيفته وصلته بالعلوم الإنسانية” (مساعدي 2019،ص.30)، مما يؤكد سمة الشمولية والتداخل بين هذه العمليات.

 

موضوع نقد النقد:

اختلفت رؤى الباحثين والدارسين حول تحديدهم لموضوع نقد النقد، لكن استطاع الناقد عبد الواحد لمرابط في دراسته المهمة، جمع هذه التصورات في موقفين كبيرين: يتجلى الموقف الأول في أن “موضوع نقد النقد يتمحض للنقد وحده دون الأدب، وذلك على أساس أن النقد معرفة ونقد النقد معرفة للمعرفة، خاضعة لمقياس الابستمولوجيا وضوابطها، وكل خلط بينهما سيجعل ناقد النقد شريكا للناقد في دراسة الأدب”(المرابط،2019،ص.65). وهو موقف الناقد حميد لحمداني وأحمد بوحسن ومحمد مفتاح ومحمد الدغمومي وباقر جاسم محمد وعبد السلام المسدي، وغيرهم من النقاد الذين عرضهم بتفصيل دقيق صاحب الدراسة.ثم الموقف الثاني الذي يرى أن موضوع نقد النقد قد يتسع ليشمل النقد والأدب معا إما وفق تراتبية تجعل الأول موضوعا مباشرا والثاني موضوعا غير مباشر؛ ضمن دائرة تأويلية واحدة. وهو موقف الناقد سلطان القحطاني وجابر عصفور ونجوى الرياحي ونبيل سليمان وروحي خالد وغيرهم من النقاد. وللتعمق أكثر في هذا الموضوع ينصح بالاطلاع على الدراسة.

لايسعنا بعد الإحاطة بتعريف كل من النقد الأدبي ونقد النقد إلا التأكيد على ما وصلت إليه العديد من الدراسات والأبحاث في أن النقد الأدبي يستقي مناهجه من احتوائه للنظريات الأدبية وصلته بالمرجعيات الفلسفية؛ وهو مايؤكد توجه التنظير إلى شمولية النقد الأدبي.  ومادام النقد الأدبي بشموليته هو المادة البحثية التي يشتغل عليها نقد النقد، فما هي الوظيفة التي يقوم بها ناقد النقد وماهي المناهج التي يعتمد عليها؟ هل هي نفس مناهج الناقد الأدبي التي تجعل منه “نصا محكوما نظريا، بفعالية معرفية تتجلى معالمها في كينونة خاصة لنقد النقد، وملاءمة منهجية مناسبة لهذه الكينونة، ونسقية للمفاهيم الضابطة لاشتغال خطاب نقد النقد”(التمارة،2016،ص.204). أم أن ناقد النقد عليه اتباع ماوصفه مجموعة من الدارسين بالكينونة الابستمولوجية ويمكن اعتبارها من تجليات الفاعلية النقدية المابعد حداثية.(الحمداني،2023،ص22)

 

ج- الذكاء الاصطناعي : البدايات والماهية والموضوع

يهتم علم الذكاء الاصطناعي بالعمليات المعرفية التي يستخدمها الإنسان في تأدية الأعمال التي نعدُّها ذكية، وتختلف هذه الأعمال اختلافا بينا في طبيعتها، فقد تتجلى طبيعتهافي”فهم نص لغوي منطوق أو مكتوب، أو لعب شطرنج أو حل لغز أو مسألة رياضية أو كتابة قصيدة شعرية أو القيام بتشخيص طبي”(بونيه،1993،ص.11).يعود مصطلح الذكاء الاصطناعي إلى عالم الحاسوب الأمريكي جون ماكارثي(1927-2011) الذي صاغه عام (1956)، والذي يدل على آلة ذكية قادرة على تقليد ومحاكاة عمل البشر.فقد عُرِّف الذكاء بأنه “الجزء الحسابي من القدرة على تحقيق الأهداف في العالم”(الدمرداش،2023،ص.3). هو علم صناعة الآلات الذكية التي تمثل الروبوتات أحد أهم مظاهرها.

تُعرِّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD  الذكاء الاصطناعي، بأنه “نظام قائم على الآلة يمكنه -وفق مجموعة معينة من الأهداف المحددة من قبل الإنسان-وضع تنبؤات أو توصيات أو قرارات تؤثر على البيئات الحقيقية أو الافتراضية”(الشوري،2022،ص.10). تماشيا مع ما تم ذكره في هذا التعريف، يمكن القول أن الذكاء الاصطناعي مجموعة آلات ذكية وبرامج تعمل على محاكاة سلوك البشر وتطمح إلى تجاوزه. هي تقنيات تعتمد على تحليل البيانات التي تم تزويده بها من قبل. وتعتمد فلسفة الذكاء الاصطناعي على “عدد من النظريات الفلسفية بما في ذلك الإيمان بأن الذكاء الاصطناعي يمكن تحقيقه بالتنظيم المنطقي للمعلومات والبيانات، ويمكن إعطاء الآلات القدرة على الاستنتاج واتخاذ القرارات الذاتية”(الدمرداش،2023،ص.5).

نفهم من هذه التعاريف أن هذه الآلات تتميز بالقدرة على الفهم والتعلم ومعالجة تعليمات معينة، كما أنها تركز أساسا على القدرة على محاكاة سلوك البشر من خلال أداء المهام التي يقوم بها كالاستنتاج واتخاذ القرارات. الشيء الذي يجعل الهدف الأسمى من هذا العلم في بداياته يتجلى في محاكاة  السلوك الإنساني، ليصبح فيما بعد علما قائما بذاته يجمع بين العديد من العلوم الأخرى كالبرمجة والمنطق والرياضيات وحتى علم النفس والفلسفة وغيرها من العلوم الإنسانية. بل وقد استطاع في سيرورته التطويرية أن يصل إلى “تطوير آلات قادرة على فهم المشاعر الإنسانية بغية تحسين الذكاء الاصطناعي وتوسيع نطاق استخدامه. مما يجعل أداء الروبوتات  لا يقتصر على تحليل الجوانب المعرفية /المنطقية والتفاعل معها فحسب، بل والامتداد بالتحليل والتفاعل إلى الجوانب العاطفية للتواصل البشري” (عثمان،2013،ص.10).

بعد اطلاعنا الدقيق على هذه الدراسة التي جعلت آلة الذكاء الاصطناعي قادرة على قراءة ردود الفعل العاطفية بل وجعلت أداء الروبوتات يصل إلى التحليل العاطفي البشري. وقفنا بالمساءلة حول مدى صحة فرضية”قدرة محركات الذكاء الاصطناعيعلى قراءة ردود الفعل العاطفية ومدى مطابقة القراءة للفهم”؛ معنى ذلك هل ستتمكن الآلة من اختبار تجربة المشاعر مثلما يختبرها جميع البشر؟ لعل السبب راجع في ذلك إلى زيادة قاعدة البيانات المتاحة لأجهزة الحاسوب بالإضافة إلى تحسين قوة هذه الأجهزة في المعالجة.لكن ومن يدري ربما قد أجاب التطور العلمي عن سؤالناهذا، في الوقت الذي مازلنا نكتب فيه هذه الأسطر؛لا سيما في ظل هذا التسارع الخطير الذي يعرفه هذا المجال. فبالأمس القريب سمعنا بخبر ظهور ربوت صحافي ينضاف إلى ربوت المذيع، مما زاد من حجم التساؤلات المطروحة حول قدرة هذا المحرك على اكتساح جميع المجالات دون استثناء.

استطاع علم الذكاء الاصطناعي إذن رغم حداثة سنه أن تكون له جذور راسخة في مجموعة من المجالات، فهو مواكب للتطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم، وتتشكل تطبيقاته من مجموعة من التقنيات المختلفة سواء كانت برامج أو أجهزة أو مزيجا بين الاثنين. فبعض هذه التقنيات قائمة على البرمجيات وبعضها الآخر هو محاولة تصنيع أدمغة الكترونية قادرة على التعلم والتطور كالدماغ البشري. لكنه بات يشكل خطرا كبيرا على الإنسان؛ رغم تصريح الربوتات الأخير في المؤتمر الذي انعقد في جنيف، وهو أول مؤتمر صحفي للربوتات والبشر في العالم، الذي أكدت فيه الربوتات نواياها الحسنة  اتجاه البشر وعدم تشكيلها خطرا عليه وإنما جاءت لمساعدته وتيسير مهامه في الحياة. ولأن الدراسة لاتتسع للإحاطة أكثر بهذا المجال فإنه يمكن الرجوع إلى مجموعة من المصادر والمراجع المتخصصة، لفهم هذا العلم أكثر.

ثانيا: مقارنة بين ناقد النقد و محرك شات جيبي تي : الوظائف والمهام.

لا يمكن البدء في إجراء المقارنة بين ناقد النقد ومحرك الذكاء الاصطناعي دون الإشارة إلى طبيعة الأدوار التي يقوم بها كل واحد منهما. وفحص الأهداف التي يسعى كل واحد منهماإلى تحقيقها.فماهي الوظيفة التي يقوم بها ناقد النقد، وهل يمكن لمحرك شات جيبي تي القيام بها؟

  • وظيفة الذكاء الاصطناعي:

تعد الثورة الصناعية الرابعة(الشاهر،2021)،لمعزَّزة بقوة الذكاء الاصطناعي، من الابتكارات التي ستعيد كتابة التاريخ بمداد رقمي ثائر على كل قديم. فهي من الابتكارات المدمرة لكل شيء تقليدي لذلك فإن الحاجة إلى فلسفة جديدة مختلفة هو مطلب أساسي تقتضيه حاجة العصر في جميع الميادين بما فيها الإبداعية.

يُقصد بالشات جيبي تي “الذكاء الاصطناعي التوليدي المعتمِد على التدريب المسبق”. تم تصميمه لتقليد الطريقة التي يستخدم بها البشر اللغة من خلال التعرف على الأنماط في النص واستخدام هذه الأنماط لتقديم التوقعات أو إنتاج نص جديد.

من الوظائف والمهام التي يمكن أن يقوم بها  في المجال الأدبي نجد :

  • القدرة على فهم سياق المحادثة وتوليد ردود ذات صلة بهذا السياق.
  • الدقة اللغوية من خلال توليد ردود صحيحة من الناحية النحوية الدقيقة.
  • القدرة على إتمام المهمة والاجابة عن الأسئلة وتقديم التوصيات؛ وكذا توليد الشعر والموسيقى وكتابة القصص والروايات والرسم.
  • تعزيز مهارات الكتابة وتحريرالنصوص .
  • القدرة على الإعداد الدقيق للمبانيوتصحيح القواعد واللغة.
  • توسيع المفردات واستكشاف أسلوب الكتابة.
  • التغذية الراجعة والتحرير.
  • الرواية وتطوير السرد.
  • دعم المراجعة والتحرير.
  • الإرشاد والتوجيه في الكتابة.
  • الترجمة السليمة.
  • المساعدة في تطوير المناهج التعليمية”.

بعد حضورنا لمجموعة من الورشات والدورات التكوينية الخاصة بالذكاء الاصطناعي خصوصا المتعلقة منها بمناهج البحث العلمي أو الخاصة بتوظيفه في المجال التعليمي أو الإبداعي. لم نجد ذكرا لمجال النقد الأدبي أو توظيفا له في علاقته بمحركات الذكاء الاصطناعي؛ رغم اهتمام هذ المجال بشكل مباشرة بالأثر الإبداعي، مما يعطينا تصورا أوليا حول صعوبة هذا المجال بالذات لاشتغاله على أكثر  الظواهر تعقدا حسب غراهام هو، ألا وهي الظاهرة الأدبية “فالنقد الأدبي عند هذا الأخير منفتح على النقاش العقلي  ويسعى إلى الاستقلال عن الحقول المجاورة”(مساعدي،2019،ص.29). حيث  يتحكم  العقل في الذوق ويحرص على تقنينه. وهنا نجد أنفسنا أمام أحد أهم العناصر التي تشكل إشكالا كبيرا لمحركات الذكاء الاصطناعي ألا وهي الذوق والتي تعتبر أساس العملية النقدية. فماذا عن العملية الميتانقدية التي تفحص الدراسات النقدية التي يصدرها النقاد في علاقتهم بالنص الإبداعي ومدى تعليل هؤلاء النقاد لأحكامهم النقدية؟ وهو ماكان دافعنا الأساسي لإجراء هذه الدراسة، بغية التحقق من مدى قدرة محركات الذكاء الاصطناعي على اقتحام هذا المجال في منافسة مع ناقد الناقد الأدبي.

  • – وظيفة ناقد الناقد

بعد تتبع واستقراء تصورات الأبحاث والدراسات التي تناولت مجال نقد النقد وخصصت حيزا مهما منها للحديث عن وظائف الميتاناقدحيث تتحدد مهامه عند مجموعة من الدارسين (المرابط،2019،ص.50)فيما يلي:

  • استحضار الأبعاد الأدبية والتاريخية والعلمية للأعمال النقدية المدروسة.
  • قراءة مزدوجة الهدف بين العمل الإبداعي والعمل النقدي.
  • فحص القراءة النقدية الـأولى، وكشف معاييرها، وسبر خباياها.
  • تفكيك مقولات النقد الأدبي من أجل إعادته إلى عناصره المشكلة له.
  • تحديد طبيعة الأنساق المضمرة الذاتية والنفسية والثقافية، التي جعلت الناقد يتبنى منهجا معينا دون سواه.
  • الكشف عن صيرورة النقد الأدبي وتحولاته.
  • دراسة لغة النقد الأدبي وآلياته.
  • العمل على إعادة تشكيل وعي القارئ غير المنتج.
  • الأخذ ب”الأقرب فالأقرب، ويقرأ الإثنين معا”(باقر،2009،ص44)
  • يرسم لعمله غاية تحدو به نحو مقاربة من المقاربات الميتانقدية إما مقاربة حوارية […]أو مقاربة تاريخية[…]أو مقاربة ابستمولوجية.
  • إبراز وظيفته الفكرية القائمة على البحث في علاقة الخطاب النقدي المضمرة غالبا بالمجال الإنساني العام”(التمارة،2016،ص.203).

لامناص من القول إذن أن ناقد النقد “ملزم بتتبع النقد الأدبي وطرق اشتغاله، مما سيجعله ملزما بتفحص الفكر النقدي على اختلاف تياراته ومشاربه”(الشندودي،ص.19). ومن هذا المنطلق فإن عمل ناقد النقد يختلف عن عمل الناقد الأدبي الذي يقف أمام العمل الإبداعي؛فالثاني عليه أن يقيد دراسة النقاد ويناقشها، مما سيمكنه فيما بعد من أن يفرض رقابة خاصة على النقد الأدبي وعلى ما كتبه الناقد الأدبي، وذلك من خلال فحص وتتبع مدى التزامه بما صرح به. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل جميع الأحكام الميتانقدية –باستثناء الدراسات الجادة التي وُسمت بموضوعيتها-  هي أحكام تتسم بالموضوعية والحياد التام، أم أن بعضها يحتكم للمزاجية والذاتية والرغبة في المعارضة؛ و أن البعض الآخر يحتكم إلى الإغراق في المجاملة؟فلا نسمع إلا “كلمات الثناء والإطراء تكال جزافا دون حساب إلا للمجاملة والمداراة، فهذا عملاق، وهذا كاتب مبرز، وهذا…وإذا فتشت عن آثارهبعين نافذة لا تكاد تجد شيئا، لأنها خواء”(عفيفي،ص.22).وهنا نتساءل في دراستنا هذه عن أهمية النقد الموضوعي الذي سيجنب القارئ مثل هذه المجاملات التي سماها نجيب محفوظ بالضجة؛ بقوله”أن الضجة اليوم حول كتاب ما تخيفنا لدرجة التردد في شرائه…اليوم يكتبون كلاما لبعضهم البعض. أما القارئ ففي واد آخر”(شكري،). وفي هذا القول الحكيم إقرار ببعض الاستعمالات المؤسفة لقلم النقد أو الميتانقد للمجاملة أو المضايقة.

نماذج من دراسات ميتانقدية:

يقول صاحب كتاب الرسائل مونتين LES ESSAIS إن قضية تفسير التفسيرات أصبحت تشغلنا أكثر من تفسير الأشياء ذاتها. فقد أصبح هناك كتب حول الكتب أكثر من الكتب حول أي موضوع آخر” ويتابع قائلا: “إننا لا نكف عن شرح بعضنا البعض فكل شيء يغص بالتعليقات، أما المؤلفون فهم قلة”.

نجد على الطرف النقيض لأصحاب الدراسات المجامِلة -التي أشار إليها نجيب محفوظ-، من النقاد”مَن يحطب في حبل التعسف، وكأن بينه وبين النص أو صاحب النص عداوة، وإذا محصت الأثر وجدت شيئا جديرا بالتقدير”(عفيفي ص،22)؛ ممايسهم في ضياع الرسالة السامية التي يحملها النقد الأدبي. وهو نفس مايؤكد عليه الناقد في قوله:”أن رسالة النقد تضيع بين هذا وذاك طالما غابت عنها الموضوعية”. وهنا نضم صوتنا لصوت الناقد حميد لحمداني الذي يرى أن موضوع الإبداع الأدبي يتجلى في سحره الخاص به، فالمبدع “نفسه ينقاد إلى موضوعاته بملكاته الواعية وحدها.إنه على الأصح ينجذب إليها بقوة لا يطال معرفة طبيعتها الخفية”(الحمداني،1990،ص.3). هو نفس السحر الذي ينبغي أن يقود الناقد في اختياره لموضوع دراسته الميتانقدية؛ وهنا تكمن أهمية “النقد الموضوعاتي الذي يبقى مرتبطا بالعمل الإبداعي محاولا إدراك التجربة الماثلة فيه حسب رأي هوسرل. و النقد الموضوعاتي الذي يستفيد من البعد الميتافيزيقي الذي أضافه هايدجر وسارتر عند تأكيدهما على أهمية وراديكالية الوعي، فيستطيع أن يتحرر من النص أي من التجربة الإبداعية وحدها ليجول في عالم خارج النص”. وهو مايقسم النقد، باعتبار انفتاحه على باقي المناهج، إلى قسمين: قسم قصر النقد الأدبي على مافي النص من مميزات، مقصورا على تحليله تحليلا داخليا. وقسم يذهب إلى إضاءة العمل الأدبي بغيره من المجالات المعرفية كالفلسفة وعلم الاجتماع وعلم الجمال والبلاغة. إلا أن الأهم من هذا وذاك كما أشار إلى ذلك مجموعة من النقاد هو الاهتمام بالرسالة النقدية والتزام الموضوعية والحياد، كما يفعل العديد من النقاد المشهود لهم بالكفاءة العلمية والموضوعية والدقة في إصدار أحكامهم النقدية وهم يشكلون الاستثناء الكبير الذي أشرنا إليه في مستهل هذه الدراسة.

أما النموذج الميتانقدي الذي قررنا الإشارة إليه في دراستنا، فهو مقالة ميتانقدية موسومةب”نقد النقد حول كتاب النقد والنقاد المعاصرون”: لمحمد مندور،أشار صاحبها في بدايتها إلى عدم قدرته على إتمام قراءة كتاب “النقد والنقاد المعاصرون”، فقرر كتابة مقالة ميتانقدية  تناول فيها الخطأ الذي ارتكبه صاحب الكتاب قائلا في بداية مقاله :”لا أزعم أني قد قرأت الكتاب كله، ذلك أني في الحقيقة لم أستطع؛ وجدت نفسي مضطرا أن أتركه جانبا-وإلى حين- لكي أحرر هذه المقالة التي عنونتها بنقد النقد، وإن كانت في الحقيقة نقد لبعض صفحاته”.وهو إقرار من الميتاناقد بنفسه أنه لم يستطع الانتظار إلى حين انتهاء قراءة الكتاب، وإنما تصفح فقط بعض صفحاته، وللإشارة فكتاب النقد والنقاد المعاصرون” كتاب نقدي وازن في الساحة النقدية العربية،وقد صُنف ضمن الدراسات الأولى في مجال نقد النقدمفهوما لا اصطلاحا، لأن صاحبها الدكتور محمد مندور قد قام بدراسة ميتانقدية  وصفت بالجادة دون ذكرهللمصطلح . لكن ما أثارني في هذه المقالة هو أن صاحبها وبمجرد اكتشافه لخطأ ارتكبه الناقد، حيث وقع في خلط بين قول هو في الأصل لابن خلدونالمذكور في مقدمته الأزهرية ونسبَه إلى الشيخ المرصفي في  كتابه الوسيلة الأدبية للعلوم العربية؛ لدرجة جعلت ناقد النقد يصف الكاتب بالمستعجل في تأليف الكتاب حين قال:” القارئ لا يكاد يفرغ من قراءة مقدمة كتاب نقد النقد، حتى يشعر بطابع الاستعجال وربما الارتجال في طبع الكتاب وإخراجه للوجود، قبل التمكن من مواد الموضوع خصوصا وأن الكتاب كتاب نقد وتمحيص وتمييز للغث من السمين”.

إن ارتكاب ناقد كبير مثل محمد مندور لخطأ بسيط دفع ناقد النقد الذي كتب هذه المقالة إلى ترك الكتاب جانبا، وكتابة مقال يشير فيه إلى موضع الخطأ و أهمية نسبة الأقوال لأصحابها. كل هذا جميل ولن نختلف في أهميته؛ ذلك أن الأمانة العلمية والوقوف عند الخطأ وتصحيحه هي مهمة الدارسين والعلماء، وهو أمر لايجب السكوت عنه أو المجاملة فيه. لكن الذي أثار انتباهنا هو وصفه للناقدبالمتسرع، وأن كتابة الكتاب جاءت متسرعة وأن الهدف هو الرغبة في الإسراع بإخراج الكتاب للوجود؛ وعدم التمكن من موضوعه رغم أن مهمته تتجلى في تمييز الغث عن السمين. فكيف له أن يخلط بين السمينين؛ لأن الشيخ المرصفي الأديب المتوفى نهاية القرن التاسع عشر أو ابن خلدون المتوفى في القرن الثامن الهجري كلاهما سمين، لا يمكن وصف أحدهما بالغث. إلا أن حكم الميتاناقدعلى العمل بأكمله ومن صفحات معدودة، بأنه عمل غير متحكَّم في مادته، والحكم عليه بعدم القدرة على التمييز بين الكلام الجديد كل الجدة في عالم الأدب العربي-يقصد هنا كلام الشيخ المرصفي-باعتباره من رواد الأدب المعاصر، وبين الكلام الذي مر على قوله مئات السنين وتدارسه الكتاب والباحثون في أقطار المشرق والمغرب، ويقصد هنا كلام ابن خلدون. وأردف قائلا: “ألم يكن في مقدور الدكتور مندور أن يتأتى قليلا ويرجع إلى المظان والمراجع الأصلية. ويقارن بينها فيقع على الحقيقة الناصعة… هذا ما أغفله للأسف، ويظهر أن العصر عصر السرعة وأن الفكرة المسيطرة كانت هي طبع الكتاب وإخراجه ونشره كيفما كان الأمر، حتى لو كانت نسبة كلام ابن خلدون على الشيخ المرصفي”.مما يجعلنا نتساءل كيف حكم صاحب المقالة على الدكتور محمد مندور أن هدفه كان هو الإسراع في طبع ونشر الكتاب، في ضرب سافر منه للحكمة والتأني التي عُرف بها الناقد،لمجرد وقوعه في خطأ بسيط كان من الممكن الإشارة إليه في مقال ميتانقدي موضوعي يشير فيه بشكل مباشر إلى الخطأ والدعوة إلى تصويبه. بدل الدعوة إلى إعادة النظر في أسباب التسرع في نشره وطبعه.وهذا هو الغرض الحقيقي من دراستنا هو محاولة القضاء على كل مايخرج في الدراسات الميتانقدية عن الموضوع، والوصول في نهاية المطاف إلى النقد الموضوعي.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو ما هي الضوابط التي يمكن الاحتكام إليها أثناء إصدار أحكام نطلق عليه اسم ميتانقديةأو نقد نقدية دون السقوط في شرك الذاتية؟

رابعا : دراسة مقارنة بين ناقد النقد ومحرك الذكاء الاصطناعي CHAT GPT

تتجلى الحاجة من وراء القيام بدراسة نوعية تهدف إلى المقارنة بين وظيفة ناقد  النقد ومحرك الذكاء الاصطناعي إلى وضع هذا المجال المعرفي الحديث اصطلاحا والقديم معرفة، أمام التحديات التي تطرحها الساحة العلمية. وهو بالذات مانجده في مجموعة من الدول عبر العالم، فمنها من أجرت اختبارات مقارنة بين آلة الذكاء الاصطناعي وبين الانسان في مختلف مجالاته بغية اختبار نسبة التحكم في هذه الآلات. ونذكر على سبيل المثال اختبار الفلسفة الذي  أجري مؤخرا في إحدى الدول الأوروبية والذي تفوق فيه أستاذ الفلسفة على الآلة ويرجع السبب في ذلك إلى عدم قدرة الآلة على تركيب وتجميع المعطيات …..وغيرها من الدراسات المقارنة التي تهدف أساسا إلى اختبار نسبة تفوق كل واحد منهما على الآخر في تحد مستمر بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي وقياس درجات التقدم بينهما.

أهمية الذكاء الاصطناعي في القضاء على الأحكام الذاتية وترسيخ النقد الموضوعي:

يتجلى دور الذكاء الاصطناعي في إصدار أحكام نقدية تتسم بالموضوعية. حيثطلبنامنCHAT GPT إصدار أحكام نقدية على نص من النصوص الإبداعية وأخرى على نص من النصوص النقدية. فأجاب بكل موضوعية تحيط بالعمل الإبداعي من جميع جوانبه، متبعا المنهج الذي طُلب منه اتباعه. وقد استطاع هذا المحرك بعد تزويده بالبيانات الأساسية لإتمام هذه العملية، أن يفي بالمطلوب فيما يتعلق بدراسة النص الإبداعي؛ إلا أنه-أي محرك الذكاء الاصطناعي- تعثر في القيام بذلك فيما يتعلق بالممارسة الميتانقدية؛ حيث أعاد نفس التحليل النقدي الخاص  بالعمل الإبداعي، ولم يستطع التمييز بين تطبيق الممارسة النقدية والممارسة الميتانقدية؛ التي مادة موضوعها هي النصوص النقدية التطبيقية الصادرة أساسا عن مناهج معينة تم تطبيقها على نصوص إبداعية.وعندما نبهته إلى الأمر أخبرني بأن قاعدة البيانات التي يعتمد عليها ترجع إلى ماقبل سنة 2021، أي أنه لا علم له بما جاء بعد هذه الفترة ، وللإشارة فقد اعتمدت على النسخة الرابعة منه.

تتوفرهذه الآلة التي هي من صنع الذكاء البشري على باقي الذكاءات و تحتكم إلى الموضوعية في إصدار الأحكام النقدية الخالية من الافتراضات التي قد لا تكون صحيحة مما يوقع النقاد في الخطإ.ولنا في الحملات العنيفة التي يشنها بعض النقاد على بعضهم البعض خير مثال، حيث نجد السبب راجع إلى اختلاف في المرجعيات النظرية والمنهجية أو الأيديولوجية، مما قد يؤدي إلى الرغبة في الحكم بالفشل على الدراسة بأكملها رغم جدتها أو العكس. ولنا في تراثنا مواقف كثيرة لنقاد كبار يتشددون في أحكامهم بغية الحفاظ على نقاء المشهد النقدي العربي خاليا من الهنات والأخطاء، نذكر منهم العلامة الأستاذ “عبد الرحمان الفاسي وتشدده في حملته ضد العلامة الأستاذ عبد الله كنون التي كانت تدور في جملتها على إغفال مرجع من المراجع، لم يذكر في ذيل الصفحة، وإنما ذكر في قائمة المراجع الواردة في آخر الكتاب، وحول صحة شكل اسم من الأسماء وكيف ينطق هل هو زهير بفتح الزاي أو زهر بضم الزاي”(محمد الصادق عفيفي،ص23،1971).ويشهد الناقد محمد الصادق عفيفي في نهاية قوله أن الاستاذ الفاسي كان يمسك هراوة ليحطم بها… ، ليصل بعد ذلك الى الناقد المنصف “الذي يعتصم بقوة الخلق ويستطيع أن يكبح جماح عواطفه، وأن ينزع إلى الحقيقة ويعايشها دون هدم أو إغراق”( محمد الصادق عفيفي،ص23،1971).وقد يكون هذا الناقد الموضوعي المنصف في ظل التطور التكنولوجي المهول الذي نعرفه اليوم هو محركات الذكاء الاصطناعي.

وهذا كان دافعنا من الإشارة إلى الفرق بين الدراسات الميتانقدية التي يقوم بها CHAT GPT، أي محرك  الذكاء الاصطناعي وبين الدراسات الميتانقدية التي يقوم بها بعض النقاد. فالآلة كما سبقت الإشارة إلى ذلك استطاعت أن توصلنا إلى دراسة نقدية حول نص إبداعي، بعد تزويدها بقاعدة البيانات اللازمة مع تحديد المنهج الذي نريد اتباعه في دراستنا . واستطاعت أن تصل إلى دراسة موضوعية متكاملة. ربما قد يجيب البعض بأن الآلة ليس لديها مرجعية ثقافية أو خلفية فلسفية في إصدار أحكامها، مما يجعلها بعيدة عن الإحاطة بجوانب وخلفيات الدراسة النقدية فكيف لها أن تصدر حكماميتانقديا إذا؟ وهو ما استعصى على الشات جيبي تي القيام به في  دراستنا؛ ومن المؤكد أنه سيقوم به يوما ما في ظل هذه التحديات. لكن طالما تحضر المعرفة بقوة في صميم العملية الميتانقديةفقد يتساءل آخركيف يمكن لمحرك الذكاء الاصطناعي معرفة المعرفة؟

هل يمكن القول  بعد الانتهاء من المقارنة بين الدراسات النقدية بفشل محرك الذكاء الاصطناعي في القيام بمهام الناقد أو ناقد النقد؛ من هذا المنطلق إذا شئنا يَسهل تزويد الآلة ببيانات تعتمد أساسا على قوانين علمية تقنن إصدارها لأحكام موضوعية تمثل صميم النقد الموضوعي. لكن للناقد “غراهام هو” رأي آخر حيث انتهى في نهاية كتابه “مقالة في النقد” إلى أن الحوار النقدي لا يرتكز على منهج علمي أو قواعد واضحة المعالم؛ بل إن جزءا منه يعود إلى الخبرة الأدبية والجزء الآخر يعود إلى الذوق والبراعة الشخصية التي يمتلكها الناقد” مما سيجعل الأمر شاقا على محرك الذكاء الاصطناعي للقيام بدور الناقد الأدبي أو بدور الميتاناقد. ويضيف المنظر محمد مساعدي في عرض تحليله أنه وحتى لايقع- أي غراهام هو-  في شرك فوضى الأحكام النقدية وارتباطها بأمزجة القراء وأذواقهم الخاصة، أقر بأن الغاية القصوى التي يسعى إلى تحقيقها الناقد الأدبي والمتمثلة في إصدار الأحكام الأدبية، هي موضوعية من حيث المبدأ؛ مبررا ذلك بأن التفاضل بين الأشياء واقع مسلم به. أما الأساليب والمناهج المستعملة لتحقيق هذه الغاية  فهي مسألة شخصية إلى حد كبير؛ بما أنها مرتبطة بكفاءات الناقد وخبرته الأدبية ومهاراته الإقناعية”(غراهام هو،1973،ص 211).

يمكن القول إذن أن آليات الذكاء الاصطناعي لايمكنها أن تكون بديلا يصدر أحكاما نقدية فما بالك بالاحكامالميتانقديةأو التنظيرية؛ كما فعل الذكاء الاصطناعي مع المترجم ومع المدقق اللغوي ومع المذيع والصحافي. والسبب في ذلك راجع إلى حساسية هذا المجال المعرفي الذي من المؤكد أن آليات الذكاء الاصطناعي قد تكتسحه يوما فيكون الاحتكام إلى موضوعيته أمر ضروري في التحقق من موضوعية الأحكام الميتانقدية. أما اليوم  فيمكن أن تكون محركات الذكاء الاصطناعي مكملة لعمل الميتاناقدمثلا لتحليل كميات كبيرة من البيانات بهدف دعم دراسته النقدية، أو تقديم رؤى وتصورات قائمة على البيانات لإثراء التقييمات النقدية. إلا أن مسألة الاحتكام لمحرك الذكاء الاصطناعي لإنصاف دراسات نقدية قد تعرضت لأحكام ميتانقدية مؤسفة هو أمر قد يلجأ إليه التطور التكنولوجي في ثورته عندما تكتسح المجال النقدي في كل مكوناته.

خاتمة:

تأسيسا على ما سبق يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي نقطة تحول كبيرة في تاريخ التورات التكنولوجية المتلاحقة التي عرفتها البشرية منذ خمسينات القرن الماضي ؛ وأن الروبوت أصبح يحل محل البشر حتى في الأمور الإبداعية كالرسم، الموسيقى، كتابة قصص، ومسرحيات….”فمن المتوقع أنه في العام 2049 سيكتب الذكاء الاصطناعي أفضل الكتب ويجري العمليات الجراحية”( شاهر إسماعيل الشاهر،ص.14)، إلا أن السؤال الذي دفعنا إلى التفكيربشكل جدي في هذه الدراسة هو هل سيستطيع أن يقوم بالقضايا التنظيرية وأن يحل محل الناقد أو ناقد النقد؛أم أن التجديد الذي سيصل إليه ميدان البحث العلمي بسبب الثورة الصناعية سيذهب بالبحث الأكاديمي ويقضي على النظرية العلمية؛ التي حسب دراسات حديثة قد تكون في طريقها الى الانقراض، نتيجة ما تعرفه وتتميز به الثورة الصناعية الرابعة  من سرعة عالية في الظهور والتطبيق، مما يسم هذا العصر بعصر الآلة المفكرة الذكية التي تواجه المشكلات وتقدم الحلول دون الرجوع الى الانسان.

يستقي الناقد منهجياته من معرفته بالنظريات الأدبية وصلتها الوثقى بالمرجعيات الفلسفية؛ بما يمنحه القدرة على امتلاك أدوات تسهم في إعانته على قراءة النصوص وتحليل أنساقها وأبنيتها؛ فضلا عن تحليه بالذائقية والعلمية اللتان تؤهلانه لقراءة النصوص وتحليلها وتأويلها.أما ناقد النقد فيتجاوز ذلك باعتباره قارئا متلقيا للنقد الأدبي بتخصصية عالية؛ طالما يعتبر نقد النقد نشاطا معرفيا وُجِّه أصلا لتتبع النقد الأدبي ومدار حركته على تفكيك النص النقدي، من أجل إعادته إلى عناصره المشكلة له. وذلك من خلال كشف معايير القراءة النقدية الأولى وسبر أغوارها والوقوف على مبادئها النظرية وأدواتها التحليلية.

 

ومن النتائج المتوصل إليها في نهاية هذه الدراسة:

  • إن مجال النقد الأدبي يلعب دورا حاسما في فهم وتفسير الأعمال الإبداعية؛ كما يلعب مجال نقد النقد نفس الدور في قراءة الأعمال النقدية وقد أدى في السنوات الأخيرة ظهور تقنية الدردشة GPT( المحولات التوليدية المدربة مسبقا) إلى تقديم إمكانيات وتحديات جديدة لهذين المجالين لا يمكن تجاهلها.
  • يعتمد نقد النقد على الخبرة والتحليل وتعليل الاحكام النقدية،حيث ينخرط العلماء في القراءة الدقيقةوتحليل السياق التاريخي؛ والتفكير النقدي؛ يسمح هذا النهج المرتكز على الانسان بفهم أعمق للأعمال الأدبية، مع مراعاة الفروق الثقافية الدقيقة، والقصد المؤلفي، والسياق الاجتماعي والسياسي الأوسع.وهو ما سيتعثر فيه محرك دردشة GPT، حيث قد يفتقر هذا المحرك إلى نفس المستوى من الفهم السياقي والتحليل النقدي الذي يجلبه الباحثون البشريون إلى الميدان؛ دون أن ننسى أن دردشة GPT تعتمد على تقديم منظور فريد من خلال الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن توفر دردشة GPTرؤى قيمة تساعد في تطوير الأفكار في النقد الأدبي ومجال الميتانقد. وذلك من خلال معالجة كميات كبيرة من البيانات النصية، وتوليد ردود بناء على الأنماط والسياق، فضلا عن تقديم تفسيرات بديلة وإثارة طرق جديدة للفكر.
  • تقتصر دردشة GPT على المعلومات التي تم تدريبها عليها، وقد لا يكون لديهم القدرة على الوصول إلى النظريات والفلسفات الأدبية المعقدة أو تفسيرها. على الرغم من هذه القيود، لايزال بإمكان دردشة GPTأن تكون أداة لها راهنيتها في مجالي النقد الادبي والميتانقدي. وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن قدرتها على توليد أفكار ووجهات نظر حول نصوص إبداعية وأخرى نقدية، لم يتم أخذها في الاعتبار من قبل مما يمكن أن يحفز في خلق طرق جديدة للبحث والتحليل.
  • إن دمج تقنية CHAT GPT في المجال المعرفي أو في مجال معرفة المعرفة، سؤدي لا محالة إلى تعزيز المجالين من خلال توفير تفسيرات بديلة وتوليد أفكار جديدة،قد تقضي على بعض الأحكام الذاتية التي يعتقد أصحابها أنها أحكام نقدية أو ميتانقدية. لكنه يمثل أيضا تحديات بسبب الحاجة المستمرة إلى التحسين والصيانة، ومخاوف الخصوصية والأمن.بشكل عام، لذلك فإن استخدام دردشة GPT في المجالات المعرفية له تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية، ويمثل مزايا وتحديات.

ومن التوصيات التي خلصت إليها الدراسة مايلي:

  • الانفتاح أكثر على محركات الذكاء الاصطناعي في التعليم الجامعي، وتخصيص حصص للطلبة للتعامل الإيجابي معه وحسن الاستفادة منه.
  • اعتماد الموضوعية في الاحكام الميتانقدية من طرف نقاد النقد وعدم الحكم على المقالة النقدية انطلاقا من مواقف ورؤى ذاتية قد تسهم في القضاء على أعمال تستحق تشجيعها بدل الحكم عليها انطلاقا من اسم او منهج او انتماء صاحبها.
  • اعتماد محركات الذكاء الاصطناعي بعد تزويدها بالبيانات اللازمة حَكما للتحقق من مصداقية بعض الاحكام الميتانقدية التي تغلب عليها الذاتية.
  • توظيف هذه الثورة العلمية الصارخة المتمثلة في الذكاء الاصطناعي في المجالات المعرفية ومجالات معرفة المعرفة.

المصادر والمراجع

  1. اسطيفان، جين حليل،(1995)،الذكاء الاصطناعي: هل يمكن أن يحل محل الذكاء البشري، مجلة الحاسبات الالكترونية، المركز القومي للحاسبات الالكترونية.
  2. إيغلتون،تيري،(2006)،نظرية الأدب، ترجمة: ثائر ديب، ط.1، دمشق، دار المدى.
  3. مساعدي، محمد،(2019)،”النظرية الأدبية والمنهج النقدي، الحدود والامتدادات”، ضمن كتاب جماعي:” التنظير الأدبي من الورقي إلى الرقمي” تنسيق وتقديم محمد مساعدي، منشورات مختبر اللغة والأدب والتواصل، مطبعة أنفو برانت، فاس.
  4. التمارة،عبد الرحمان،(2016)،نقد النقد: الفعالية المعرفية، ضمن كتاب “النظرية الأدبية والمنهج النقدي: قضايا وإشكالات”، تنسيق محمد مساعدي وعبد الواحد المرابط وإبراهيم عمري، منشورات مختبر اللغة والأدب والتواصل، مطبعة أنفو برانت، فاس.
  5. الدغمومي،محمد،(2012)، نقد النقد وتنظير النقد المعاصر العربي، منشورات كلية الآداب الرباط، سلسلة أطاريح44، ط1.
  6. المرابط،عبد الواحد(2019) “نقد النقد الأدبي في الدراسات العربية الحديثة”، تصورات ومقاربات وقضايا، ضمن كتاب جماعي:” التنظير الأدبي من الورقي إلى الرقمي، محمد مساعدي، التنظير الأدبي من الورقي إلى الرقمي، منشورات مختبر اللغة والأدب والتواصل، مطبعة أنفو برانت، فاس.
  7. باقر، جاسم محمد،(2009)،نقد النقد أم الميتانقد(محاولة في تأصيل المفهوم)، مجلة عالم الفكر، العدد 3، يناير.
  8. غني الموسوي،أنور،(2014)،نقد النقد، الأسس والغايات، مقال علمي نُشر في جريدة الملتقى.كوم،
  9. القسنطيبي،-نجوى الرياحي(2009،، يوليوزسبتمبر) في الوعي بمصطلح نقد النقد وعوامل ظهوره، مجلة عالم الفكر، المجلد28، العدد1 ص 35-58
  10. عصفور،جابر،(1992) قراءة في التراث النقدي، دار سعاد الصباح، الصفاة.
  11. ويليه رينيه،(1987، فبراير) “مفاهيم نقدية”، ترجمة جابر عصفور، سلسلة عالم الفكر،عدد110، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
  12. عبد الحكيم الشندودي، نقد النقد:حدود المعرفة النقدية.
  13. آلان بونيه،(1993، أبريل) الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله، ترجمة علي صبري فرغلي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 172.
  14. الدمرداش،خديجة ربيع عبد الغفار ،(2023، يوليه)، فلسفة الذكاء الاصطناعي، مجلة متون عن كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية-جامعة سعيدة، المجلد 16، العدد03.
  15. الشورى أبو زيد،-أحمد،(2022،أكتوبر) الذكاء الاصطناعي وجودة الحكم، مجلة دراسات، المجلد 23، العدد، 4.
  16. عثمان،صلاح،(2014)،الذكاء الاصطناعي العاطفي، مقالة منشورة في مجلة مشورعنا.كوم
  17. عفيفي، محمد صادق(1971)، النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي، مدارسه، طرائقه، قضاياه، ط.2، دار الفكر، مكتبة الرشاد،
  18. شكري، غالي، “نجيب محفوظ من الجمالية إلى النبل”، حوار أجراه مع نجيب محفوظ منشور في مجلة عالم الفكر، العدد،
  19. مجموعة من الكتاب، مدخل إلى مناهج النقد الادبي، ترجمة د.رضوان ظاظا، مراجعة د. المنصف الشنوفي، ط.1 ،الكويت
  20. حميد لحمداني،(1990)، سحرالموضوع، دراسات سيميائية أدبية لسانية، مطبعة النجاح الجديدة.
  21. اسم المؤلف غير مذكور،العدد 77 من مجلة دعوة الحق الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية.
  22. هو، غراهام،( 1973)،مقالة في النقد ص 211، ماخوذة عن مقالة الدكتور محمد مساعدي التنظيرالأدبي،
  23. الشاهر إسماعيل شاهر، الثورة الصناعية الرابعة ونهاية العصر الأكاديمي.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *