أكتوبر 28, 2024 8:35 م
6

د. فنيس سعد العجمي

مدير إدارة الأمن والسلامة

الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب

منطقة الشويخ ــ الكويت

 Alktab@hotmail.com

+965 6502 4444

د. معاذ المـحالـبـي

كلية العلوم، جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المملكة المغربية

Muaadh1979@hotmail.fr

00212667601260

الملخص

تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات بيئية واجتماعية تتطلب تكاملاً بين التعليم والاستدامة. وتبرز المدارس الخضراء كحل مبتكر لتحقيق التعليم المستدام، حيث تسعى إلى تحسين البيئة التعليمية والحد من التأثيرات البيئية السلبية. تسلط هذه الدراسة الضوء على أهمية المدارس الخضراء في تحقيق التعليم المستدام وتبحث في تأثيراتها المحتملة على التنمية المستدامة في المنطقة.

مشكلة البحث: من خلال هذا البحث نحاول الإجابة عن الأسئلة التالية:

  • ما دور المدراس الخضراء في تعزيز التعليم المستدام؟
  • ما المشاكل التي واجهت التجارب العربية في تأسيس وتطوير المدارس الخضراء؟
  • ما العوامل التي يجب مراعاتها في تعزيز تجربة المدارس الخضراء وتوسيع رقعتها في الدول العربية؟

يهدف هذا البحث إلى:

  • استكشاف مفهوم المدارس الخضراء وتطبيقاتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
  • تقييم مدى تأثير المدارس الخضراء في تعزيز التعليم المستدام.
  • تحديد التحديات والفرص المرتبطة بتبني هذه المدارس في المنطقة.

تعتمد هذه الدراسة على منهج التحليل الوصفي وتشمل:

  • مراجعة الأدبيات المتعلقة بالمدارس الخضراء والتعليم المستدام.
  • تحليل البيانات الثانوية المتاحة من الدراسات السابقة والتقارير الرسمية حول تأثير المدارس الخضراء.
  • مقارنة وتحليل تجارب دولية في تبني المدارس الخضراء لتقديم توصيات قابلة للتطبيق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تشير النتائج الأولية إلى ما يلي:

  • مساهمة المدارس الخضراء في تحسين جودة التعليم من خلال توفير بيئة تعليمية صحية ومستدامة.
  • زيادة الوعي البيئي بين الطلاب والمعلمين في المدارس التي تتبنى النهج الأخضر.
  • تواجه بعض المدارس تحديات في التمويل والبنية التحتية لتنفيذ مبادرات خضراء فعالة.

يستخلص البحث أن:

  • تلعب المدارس الخضراء دوراً حيوياً في تحقيق التعليم المستدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
  • يتطلب تحقيق النجاح المستدام لهذه المبادرات تعزيز التعاون بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
  • من المهم أيضاً توفير الدعم المالي والتقني للمدارس لضمان استمرارية وتأثير البرامج الخضراء.

الكلمات المفتاحية: المدراس الخضراء، التعليم المستدام، التمكين الاقتصادي، التنمية المستدامة، الاستدامة البيئية.

Green Schools as a Tool for Achieving Sustainable Education in the MENA Region

Dr. Fnyees Saad Al-Ajmi

Director of Security and Safety Department, Public Authority for Applied Education and Training, Shuwaikh Area – Kuwait

Dr. Muaadh Almahalebi

Faculty of Science, Ibn Tofail University, Kenitra, Morocco

 

Aabstract

The Middle East and North Africa region faces environmental and social challenges that necessitate integration between education and sustainability. Green schools emerge as an innovative solution to achieve sustainable education, aiming to enhance the educational environment and mitigate negative environmental impacts. This study sheds light on the importance of green schools in achieving sustainable education and examines their potential effects on sustainable development in the region.

Research Problem: Through this research, we aim to answer the following questions:

  • What is the role of green schools in promoting sustainable education?
  • What challenges have Arab experiences faced in establishing and developing green schools?
  • What factors should be considered to enhance and expand the experience of green schools in Arab countries?

This research aims to:

  • Explore the concept of green schools and their applications in the Middle East and North Africa region.
  • Evaluate the impact of green schools on promoting sustainable education.
  • Identify the challenges and opportunities associated with adopting these schools in the region.

This study relies on the descriptive analysis approach and includes:

  • Reviewing literature related to green schools and sustainable education.
  • Analyzing secondary data available from previous studies and official reports on the impact of green schools.
  • Comparing and analyzing international experiences in adopting green schools to provide actionable recommendations applicable in the Middle East and North Africa.

Preliminary findings indicate that:

  • Green schools contribute to improving the quality of education by providing a healthy and sustainable learning environment.
  • There is an increase in environmental awareness among students and teachers in schools adopting green approaches.
  • Some schools face challenges in funding and infrastructure to implement effective green initiatives.

The research concludes that:

  • Green schools play a vital role in achieving sustainable education in the Middle East and North Africa.
  • Achieving sustainable success for these initiatives requires enhancing cooperation between governments, civil society, and the private sector.
  • It is also important to provide financial and technical support to schools to ensure the continuity and impact of green programs.

Keywords: Green schools, sustainable education, economic empowerment, sustainable development, environmental sustainability.

المقدمة

تجلى اهتمام المجتمع الدولي بالتربية البيئية نتيجة الشعور المتزايد بالحاجة إلى تعميق الفهم للعلاقة بين الإنسان والبيئة، وتنمية الاتجاهات الإيجابية نحوها. ويهدف هذا الاهتمام إلى تعزيز القيم التي تزيد من مشاعر الالتزام تجاه البيئة، وتزويد الأفراد والجماعات بالمهارات الضرورية للتفاعل الإيجابي معها. يأتي ذلك في ظل تعرض عناصر البيئة ومكوناتها لمشكلات متعددة، ناتجة عن الأنشطة البشرية التي تشمل استنزاف الموارد الطبيعية والطاقة والغذاء، بالإضافة إلى تلوث الهواء والماء والتربة، فضلاً عن التلوث الضوضائي والبصري، والتلوث الأخلاقي والثقافي. تشير هذه المشكلات مجتمعة إلى أن العلاقة التبادلية بين الإنسان والبيئة قد وصلت إلى مرحلة تستدعي التغيير الفوري.

التربية البيئية ليست مفهوماً حديثاً، بل لها جذور تاريخية عميقة في مختلف ثقافات الشعوب. لقد أسهمت الأديان السماوية بشكل كبير في تعزيز العلاقة بين الإنسان والبيئة. في المسيحية، تدعو التعاليم إلى الرحمة في التعامل مع الطبيعة واستغلالها بحكمة. أما في الإسلام، فإن استخلاف الإنسان على الأرض يستدعي الرحمة، وينبذ التخريب والفساد، كما ورد في قوله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (سورة الأعراف: 85). ومنذ حوالي 2500 سنة، تناول العلماء الإغريق العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة به، وكيف يمكن أن يؤثر الإنسان بسلوكه وأفعاله على البيئة سلباً أو إيجاباً. ففي حوالي عام 350 قبل الميلاد، أشار أفلاطون إلى أن معظم المشكلات الاجتماعية والبيئية التي يعاني منها الناس هي تحت سيطرتهم، شريطة أن يكون لديهم العزيمة والشجاعة لإحداث التغيير.

كان أفلاطون من أوائل من نادى بأن من يسبب تدهوراً في البيئة يجب أن يتحمل نفقات إعادة تأهيلها، كما جاء في كتابه “القوانين”: “يمكن تلويث الماء بسهولة، ومن يقوم بتلويث الماء عمداً، عليه أن ينظف البئر أو الجدول، بالإضافة إلى تعويض المتضررين من هذا التلوث”. وقد أصبح هذا المبدأ أساساً لما يُعرف اليوم بمبدأ “الملوث يدفع”.

يُعَدّ الوعي البيئي ومشكلاته موضوعاً قديماً، يرقى إلى قدم الإنسانية ذاتها. فمنذ زمن بعيد، أدرك الإنسان أن البيئة التي يعيش فيها ليست دائمة، بل معرضة للتهديد والفناء، خصوصاً في عناصرها الأساسية مثل الماء والتربة. وقد دفع ذلك الإنسان إلى التنقل والترحال بحثاً عن الأمان والغذاء، وبخاصة الماء الذي كان سبباً رئيسياً في معظم حالات التنقل عبر التاريخ. مع تطور الاهتمام البيئي، لا سيما بعد منتصف القرن الثامن عشر، ومع الثورة الصناعية في أوروبا وانتشار المصانع، بدأت مشكلات البيئة تتفاقم بسبب الاستغلال المفرط للموارد الأولية. كما أن حركة الاستعمار كانت في جوهرها بحثاً عن الموارد الضرورية للصناعة، مما أدى إلى استنزافها في المجتمعات الصناعية. ومع التقدم العلمي والصناعي، زاد استغلال الإنسان للبيئة ومواردها بشكل غير مستدام، مما نتج عنه تلوث بيئي واسع وانتشار أمراض مستعصية مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية.

استشعر الإنسان المخاطر البيئية التي تهدد حياته وصحته، مما دفعه إلى العمل على حماية البيئة وصيانة مواردها. أصبح من الضروري جعل البيئة موضوعاً للتربية والتعليم البيئي داخل المدارس وخارجها، مما يجعل التربية البيئية جزءاً أساسياً من العملية التربوية، وموضوعاً للتربية والممارسات السلوكية لدى الأفراد والمجتمعات.

في العصر الحالي، زاد اهتمام الإنسان بالتربية البيئية بشكل جدي، خاصةً بعد أن أفسد الإنسان البيئة في البر والبحر، وازدادت احتياجاته الغذائية والسكنية والمائية بشكل لم يسبق له مثيل. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الموارد الطبيعية واستنزافها، وزيادة الفضلات الإنسانية والحيوانية والصناعية، وتلوث البيئة الرئيسية بالملوثات المختلفة، مما أثر على توازنها. وقد دق ناقوس الخطر البيئي في البيئات الثلاث الرئيسية: الأرضية، المائية، والهوائية، وأصبح من الضروري مواجهة الأزمة البيئية على الصعيدين العالمي والإقليمي والمحلي. في ظل التحديات البيئية العالمية التي تواجهنا اليوم، أصبحت قضية الاستدامة محورية في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك التعليم. التعليم المستدام هو مفهوم يشمل التعليم البيئي والتربية على قيم الاستدامة، ويهدف إلى تمكين الأفراد من فهم القضايا البيئية والتفاعل معها بطرق إيجابية ومستدامة. في هذا السياق، برزت المدارس الخضراء كأحد الحلول المبتكرة التي تربط بين التعليم والاستدامة، مما يجعلها أداة قوية لتعزيز الوعي البيئي وتبني ممارسات مستدامة.

مشكلة البحث

تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات بيئية واجتماعية تستدعي تكاملاً بين التعليم والاستدامة. تُعد المدارس الخضراء حلاً مبتكراً لتحقيق التعليم المستدام، حيث تهدف إلى تحسين البيئة التعليمية وتقليل التأثيرات البيئية السلبية. تسلط هذه الدراسة الضوء على أهمية المدارس الخضراء في تحقيق التعليم المستدام، وتستعرض تأثيراتها المحتملة على التنمية المستدامة في المنطقة.

من خلال هذا البحث نحاول الإجابة عن الأسئلة التالية:

  • ما دور المدراس الخضراء في تعزيز التعليم المستدام؟
  • ما المشاكل التي واجهت التجارب العربية في تأسيس وتطوير المدارس الخضراء؟
  • ما العوامل التي يجب مراعاتها في تعزيز تجربة المدارس الخضراء وتوسيع رقعتها في الدول العربية؟

 

فرضية البحث

تفترض الدراسة ان المدارس الخضراء في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا لها أثر بالغ بتحقيق اهداف التنمية المستدامة، وأن تطويرها وتعزيز انتشارها عنصر أساسي في الرفع من مستوى التعليم المستدام. كمايمثل يمثل الاستثمار المدارس الخضراء مجالاً واعداً.

أهمية الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف أهمية المدارس الخضراء وتطبيقاتها في المنطقة، وذلك من خلال النقاط التالية:

  1. تحسين البيئة التعليمية: تسعى المدارس الخضراء إلى خلق بيئة تعليمية صحية وآمنة للطلاب، مما يعزز من قدرتهم على التعلم والتركيز. يشمل ذلك استخدام مواد بناء صديقة للبيئة، وإدخال مساحات خضراء، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة.
  2. تقليل التأثيرات البيئية السلبية: تعمل المدارس الخضراء على تقليل البصمة الكربونية من خلال تبني ممارسات مستدامة مثل إعادة التدوير، وتوفير استهلاك المياه والطاقة، وتعليم الطلاب أساليب العيش المستدامة.
  3. تعزيز الوعي البيئية: من خلال دمج مفاهيم الاستدامة في المناهج الدراسية، تُسهم المدارس الخضراء في تعزيز الوعي البيئي بين الطلاب، وتشجيعهم على تبني ممارسات صديقة للبيئة في حياتهم اليومية.
  4. التنمية المستدامة: تسهم المدارس الخضراء في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تحسين جودة التعليم وتعزيز الاستدامة البيئية. هذا يمكن أن يؤدي إلى تأثير إيجابي على المجتمع ككل، من خلال إعداد جيل جديد من المواطنين الواعين بيئياً والمجهزين بالمعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة التحديات البيئية المستقبلية.
  5. تحديات وفرص: على الرغم من الفوائد العديدة، تواجه المدارس الخضراء تحديات في التنفيذ مثل تكاليف الإنشاء والصيانة، والحاجة إلى تدريب المعلمين والطلاب على الممارسات البيئية المستدامة. ومع ذلك، فإن الفرص المتاحة من خلال التعاون بين الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص يمكن أن تساعد في التغلب على هذه التحديات وتعزيز تبني المدارس الخضراء في المنطقة.

تعتبر دراسة وتطبيق المدارس الخضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خطوة حيوية نحو تحقيق تعليم مستدام وتنمية بيئية شاملة، مما يسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.

أهداف الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى:

  1. استكشاف مفهوم المدارس الخضراء وتطبيقاتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
  2. تقييم مدى تأثير المدارس الخضراء في تعزيز التعليم المستدام.
  3. تحديد التحديات والفرص المرتبطة بتبني هذه المدارس في المنطقة.

منهجية الدراسة

تندرج هذه الدراسة ضمن إطار الدراسات الوصفية التحليلية، حيث تعتمد على جمع الحقائق وتحليلها وتفسيرها لاستخلاص دلالاتها والتعرف على خصائصها. وتشمل

  • مراجعة الأدبيات المتعلقة بالمدارس الخضراء والتعليم المستدام.
  • تحليل البيانات الثانوية المتاحة من الدراسات السابقة والتقارير الرسمية حول تأثير المدارس الخضراء.
  • مقارنة وتحليل تجارب دولية في تبني المدارس الخضراء لتقديم توصيات قابلة للتطبيق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

هيكلية الدراسة

لتقديم رؤية واضحة لمشكلة الدراسة وطبقاً لفرضية الدراسة قمنا بتقسيم الدراسة إلى أربعة مباحث أولها يتناول أهم المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في الدراسة، بينما المبحث الثاني يسلط الضوء على علاقة البيئة والتعليم. المبحث الثالث يركز على تاريخ نشأة المدارس الخضراء واهميتها يليه المبحث الرابع اخترنا فيه بعض التجارب العربية والدولية في مجال المدارس الخضراء واخيراً الخاتمة مزودة بالنتائج والتوصيات للدارسة.

 

المبحث الأول: مفاهيم ومصطلحات البحث

  1. المدارس الخضراء: لغوياً، تًعرف المدارس بأنها جمع مدرسة، وهي مكان مخصص لتعليم الطلاب وتقديم المعرفة والعلوم. اما لفظ “الخضراء” فهو مؤنث أخضر، وهو اللون الذي يرمز للطبيعة والنباتات ويُستخدم للتعبير عن البيئة والطبيعة والاستدامة. اصطلاحياً، فالمدارس الخضراء تُعرَّف على أنها مؤسسات تعليمية تلتزم بتطبيق مبادئ وممارسات الاستدامة البيئية بهدف تحسين جودة التعليم وتعزيز الوعي البيئي لدى الطلاب. تتبنى هذه المدارس تصميمات بنية تحتية صديقة للبيئة، مثل استخدام الطاقة المتجددة، وإدارة المياه بكفاءة، وتقليل النفايات، وزيادة المساحات الخضراء. بالإضافة إلى ذلك، تدمج المدارس الخضراء مفاهيم الاستدامة في المناهج الدراسية لتعزيز فهم الطلاب لقضايا البيئة وتشجيعهم على تبني أساليب حياة مستدامة.

بحسب اللجنة الأمريكية للأبنية الخضراء (USGBC)، تُعرف المدارس الخضراء بأنها منشآت تعليمية تُدار بطرق مستدامة بيئياً وتُصمم لتوفير بيئة تعليمية صحية ومريحة وتقلل من التأثير البيئي السلبي (المجلس الأمريكي للمباني الخضراء). ويُعرّف برنامج المدارس البيئية (Eco-Schools) المدارس الخضراء على أنها المدارس التي تتبنى منهجاً يركز على الاستدامة ويشمل الجميع في المجتمع المدرسي من أجل تحسين البيئة المدرسية وتعزيز الوعي البيئي.

  1. التنمية المستدامة:

التعريف اللغوي: في اللغة العربية، “التنمية” تعني “التطوير والنمو” أو “التحسين المستمر”. أما “المستدامة” فهي مأخوذة من “الاستدامة”، وتعني الاستمرارية والبقاء دون انقطاع. لذا، “التنمية المستدامة” تعني عملية تحسين وتطوير تستمر بفعالية دون الإضرار بالقدرة على الاستمرار في المستقبل.

التعريف الاصطلاحي: في السياق الاصطلاحي، “التنمية المستدامة” تشير إلى “العملية التي تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي مستدام، مع الحفاظ على البيئة وضمان عدم استنزاف الموارد الطبيعية لتلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية”. هذا التعريف يركز على التكامل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتحقيق تنمية طويلة الأمد ومستدامة.

المبحث الثاني العلاقة بين البيئة والتعليم

تعود العلاقة بين البيئة والمدارس والتعليم والمناهج إلى الثمانينات، بينما لا يوجد أصل واضح لأول استخدام للبيئة في سياق التعليم. ما كان مقصودًا بالتعليم البيئي كان يتماشى بشكل كبير مع الركائز الأربعة للأحزاب السياسية الخضراء وهي: الحكمة البيئية، العدالة الاجتماعية، الديمقراطية الشعبية، اللاعنف. هذه الركائز نشأت مع تأسيس حزب الخضر الألماني (Die Grünen) في عام 1980، ولكن هذا الحزب بُني على عمل أول مجموعة سياسية خضراء، وهي مجموعة تاسمانيا المتحدة United Tasmanian Group  التي تأسست في عام 1972 في أستراليا لمكافحة إنشاء سد بحيرة بيدر و”ألهمت إنشاء أحزاب خضراء في جميع أنحاء العالم” (وول، 2010). وعلى الرغم من أن البيئة تُعتبر عادةً القضية الأكثر تميزاً (وغالباً ما تكون موضع سخرية) في السياسة الخضراء، إلا أن السياسة الخضراء تهتم أيضًا بالقضايا الاجتماعية مثل التنمية الصناعية، السلام، العنصرية، العدالة الاجتماعية، النسوية والصحة، بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والاقتصادية والتعليمية لهذه القضايا. في عقد الثمانينات، كان يُنظر إلى التحول نحو مجتمع أكثر خضرة كجزء من “تغيير العقلية العالمية (هارمان ، 1988). تتداخل الحاجة إلى تغيير العقلية العالمية مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (الأمم المتحدة ، 2016) وإن كان ذلك غالبًا من منظور فلسفي مختلف. ونحتاج لفهم طريقة تفسير البيئة في حركات المدارس الخضراء المختلفة وفي الدول المختلفة ضمن سياق تطور العلاقة بين البيئة والسياسة والتعليم على مر العقود.

من المهم أن نلقي نظره على المواقف الفلسفية والسياسية التي كانت تُناقش في ذلك الوقت وما بعده فمن الممكن أن تساعد الأطر التي طورها أشخاص مثل جي. تايلر ميلر(1990)، تيموثي أوريوردان(1989)، أندرو دوبسون(1990) وغراهام دانكلي(1992) في فهم أنواع البيئية التي تُروج لها حركات المدارس الخضراء في القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال، استشهد جي. تايلر ميلر بقول إ.ف. شوماخر (مؤلف كتاب “الصغير جميل”): “التدهور البيئي لا ينبع من العلم أو التكنولوجيا، أو من نقص المعلومات، أو الأشخاص المدربين، أو المال للبحث. بل ينبع من نمط الحياة في العالم الحديث، والذي بدوره ينشأ من معتقداته الأساسية”. في حجته، والتي تتطلب منا بالتالي أن نراجع نمط حياتنا، وصف ميلر وقارن بين رؤية “العقلية الاستهلاكية المفرطة” ورؤية “الأرض المستدامة”، حيث يقود كل منهما إلى نوع معين من المجتمع. تشمل المعتقدات الشائعة في المجتمع الاستهلاكي أن البشر منفصلون عن الطبيعة وأسمى من الأنواع الأخرى، وأن دورنا هو قهر الطبيعة وخضوعها، وأن الموارد غير محدودة بفضل براعتنا في جعلها متاحة أو في إيجاد بدائل. على النقيض من ذلك، في مجتمع الأرض المستدامة، فإن المعتقدات العامة هي أن البشر جزء من الطبيعة، وعلى الرغم من قيمتنا، نحن لسنا أسمى من الأنواع الأخرى. دورنا هو فهم وبناء علاقة تكاملية مع الطبيعة وليس قهرها. ويطرح ميلر وجهة نظر أن التحدي هو إعادة تعلم رؤية الأرض المستدامة حيث نميز بين رغباتنا غير المحدودة واحتياجاتنا الحقيقية.

شهدت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين ارهاصات وخطوات حثيثة نحو تحويل التعليم إلى نهج بيئي. كان واضحًا أن “البيئة” المشار إليها لم تكن تقتصر فقط على البيئة الطبيعية بل اتخذت نظرة أوسع للقضايا، بما يتماشى مع الديباجة وأحد المبادئ الإرشادية للتعليم البيئي.

  1. مؤتمر ستوكهولم: في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية الذي انعقد في مدينة ستوكهولم بالسويد في يونيو عام 1972، اعترف العالم بالدور المهم للتربية والتعليم البيئي في حماية البيئة وصيانة مواردها. وضع المؤتمر تصوراً شاملاً لمشكلات البيئة الراهنة والمستقبلية، ومن أبرز ما صدر عنه هو الاعتراف بأن التشريعات البيئية وحدها لا تكفي لحماية البيئة من التدهور، بل لابد من إيجاد “وعي بيئي” لدى سكان العالم جميعاً لحماية البيئة من التلوث بأشكاله المختلفة وترشيد استهلاك مواردها الطبيعية.

أصدر المؤتمر توصية تحمل الرقم 95 تدعو منظمة اليونسكو ووكالات الأمم المتحدة الأخرى لاتخاذ التدابير اللازمة لإعداد برنامج شامل متعدد التخصصات للتربية البيئية، سواء داخل المدارس أو خارجها، على أن يشمل جميع مراحل التعليم، ويستهدف كافة الأفراد (المتعلمين) والمجتمعات البشرية لإدارة شؤون البيئة، والمحافظة عليها، وصيانة مواردها في حدود الإمكانات المتاحة.

  1. ورشة عمل بلغراد: بعد مؤتمر ستوكهولم، نظمت هيئة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤتمراً دولياً للتربية في مدينة بلغراد، على شكل ورشة عمل خلال الفترة من 13 إلى 22 أكتوبر عام كانت الأهداف الرئيسية لهذا المؤتمر كما يلي:
    • دراسة اتجاهات قضايا التربية البيئية ومراجعتها.
    • بناء إطار للتربية البيئية على المستوى العالمي بهدف الحفاظ على البيئة الإنسانية كجزء رئيسي من نظام القيم الاجتماعية، وبالتالي تعزيز هذا الجانب القيمي على المستويات العقلية والعاطفية والسلوكية.

وقد تمخضت ورشة عمل بلغراد عن وثيقة تربوية دولية عرفت بميثاق بلغراد، حيث حددت هذه الوثيقة إطاراً       مرجعياً علمياً شاملاً للتربية البيئية. اعتبرت هذه الوثيقة من الناحية العملية أساساً للأعمال اللاحقة في مجال التربية البيئية على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية.

  1. مؤتمر تبليسي: كاستجابة لميثاق بلغراد، انعقد المؤتمر الدولي الحكومي الأول للتربية البيئية في مدينة تبليسي بالاتحاد السوفيتي سابقاً خلال الفترة من 14 إلى 26 أكتوبر عام نظمت اليونسكو هذا المؤتمر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبدعم من حكومة اتحاد جمهوريات الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت. كان مؤتمر تبليسي تتويجاً للمرحلة الأولى من البرنامج الدولي للتربية من جهة، ونقطة انطلاق دولية للتربية البيئية التي تبنتها الدول الأعضاء بالإجماع من جهة أخرى. وقد صدر عن هذا المؤتمر إعلان مؤتمر تبليسي حول التربية البيئية الذي تضمن النقاط التالية:
    • توضيح طبيعة التربية البيئية من خلال تحديد دورها وغاياتها وخصائصها والاستراتيجيات التي ينبغي اتباعها دولياً ووطنياً لتطوير هذا المجال التربوي المهم.
    • التأكيد على أن التربية البيئية ينبغي أن تسهم في توجيه النظم التربوية نحو المزيد من الفاعلية والواقعية لتحقيق تفاعل أكبر بين البيئة الطبيعية والبشرية والاجتماعية، سعياً لتحسين حياة الإنسان والمجتمعات البشرية.
    • لتأكيد على أن التربية البيئية ليست مادة جديدة تضاف إلى البرامج الدراسية الحالية، بل تقتضي دمج فروع العلم والمعرفة الإنسانية. وبالتالي، ينبغي وجود تعاون وثيق بين الفروع العلمية والإنسانية المختلفة لإدراك تعقيدات المشكلات البيئية بأشكالها المختلفة وإيجاد الحلول الناجحة لها.
    • ملاحظة أن التربية البيئية وحدها قد لا تكون كافية لحل كافة المشكلات البيئية التي تعزى إلى مجموعات من العوامل الطبيعية والبيولوجية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أنها، بمساعدة العلم والتكنولوجيا، تسهم في وضع حلول مقترحة بديلة أساسها العدالة والتضامن، خصوصاً أنها تتناول مشكلات بيئية مشتركة، ولو كانت متباينة الأخطار، بين العديد من دول العالم الصناعية.

باختصار، أكد مؤتمر تبليسي على أهمية إحلال التربية البيئية في الممارسات التربوية، لإفساح المجال للحوار البناء بين الإنسان والطبيعة بشقيها الحي وغير الحي، وبين الإنسان وبيئته النفسية والإنسانية المهددة دوماً بإفرازات التقدم الصناعي والتكنولوجي.

  1. مؤتمر موسكو: بعد عشر سنوات من مؤتمر تبليسي، عقد مؤتمر دولي حول البيئة والتدريب البيئي في موسكو عام 1987، والذي نتج عنه وضع استراتيجية بيئية للتربية البيئية والتدريب البيئي لعقد التسعينات. تم التأكيد في هذا المؤتمر على أن الأنشطة المتخذة في هذا المجال أثبتت عدم كفاءتها في وقف التدهور المتزايد الذي تعاني منه البيئة بصورها المختلفة. فالتكنولوجيا وحدها لا تستطيع تفادي وقوع المزيد من المشكلات. لذا فإن مفتاح الحل يكمن في تعديل قيم الأفراد والجماعات، ومن ثم مواقفهم وسلوكهم تجاه البيئة. هذا لن يتحقق إلا بتغيير نظم المعرفة والقيم السائدة، والتعليم والتدريب هما الأدوات الأكثر فعالية لتحقيق ذلك. لذا، يجب على التعليم والتدريب وضع الأهداف وتطبيق طرق جديدة تكون قادرة على تكوين أفراد واعين وملتزمين ومعدين إعداداً جيداً لمواجهة التحديات التي يفرضها الواقع البيئي.
  2. مؤتمر ريو دي جانيرو: في عام 1992، انعقد مؤتمر ريوديجانيرو في البرازيل، والذي سمي بـ “مؤتمر الأرض”. أقر الإعلان الصادر عن هذا المؤتمر، الذي تكون من 12 فقرة، برنامج عمل المستقبل لتحقيق التنمية المستدامة. وعُدَّ هذا المؤتمر الخطوة الأولى نحو التأكيد على أن العالم سوف يصبح موطناً أكثر عدلاً وأماناً ورخاءً لكل البشر. أكد المؤتمر على ضرورة توجيه التعليم نحو التنمية المستدامة وتطوير البرامج التدريسية وتنشيطها، وزيادة الوعي العام لمختلف القطاعات لتوجيه سلوك الإنسان محلياً وعالمياً. ازدادت أهمية دراسة علوم البيئة لتحقيق أهداف التربية البيئية، لذا يجب تضمين المناهج الدراسية هذه الأهداف، مع إعطاء النواحي المعرفية في التعليم البيئي أهمية خاصة.
  3. مؤتمر جوهانسبورغ: انعقد مؤتمر جوهانسبورغ وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى المدينة التي احتضنته في الفترة من 26 أغسطس إلى 4 سبتمبر عام اتخذ المؤتمر شعار “القمة العالمية للتنمية المستدامة” كاختيار استراتيجي، حيث اكتسب مفهوم التنمية إجماعاً دولياً في المؤتمر، إذ وقعت أكثر من 182 دولة على وثيقة تربط بين التنمية والبيئة والتنمية الاجتماعية، مما يعكس الترابط بين الاقتصاد والإيكولوجيا والثقافة. وأكد المؤتمر أن تحقيق تطور في البنية الاجتماعية لأي مجتمع يتطلب تطوراً في مجالاته المتعددة. ومن أبرز ما صدر عن مؤتمر جوهانسبورغ:
    • حماية الموارد البيئية.
    • اعتماد مبدأ الوقاية البيئية كجزء رئيسي في التنمية.
    • تحمل جميع الدول مسؤولية مشتركة في محاربة الاختلالات البيئية.

أقر المؤتمر ضرورة إشراك المواطنين في نشر الوعي البيئي، خاصة في وضع القوانين، مع التركيز على مشاركة النساء والشباب والهيئات البيئية، غير المرتبطين بالصراعات السياسية والاقتصادية، والتأكيد على ضرورة احترام قواعد البيئة حتى أثناء الحروب.

لم يكن الوطن العربي بمعزل عن هذه النشاطات، ففي عام 1987 عقدت الجامعة العربية المؤتمر الوزاري الأول حول البيئة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة “الإسكوا”. صدر عن هذا المؤتمر 22 توصية، وتشير هذه التوصيات إلى أهمية التربية البيئية.

 

المبحث الثالث: نشأة وأهمية المدارس الخضراء

بينما تبقى أصول مصطلح “المدارس الخضراء” غير واضحة تمامًا، فإن الأفكار الرئيسية التي تشكل أساس ما نعرفه الآن كمدارس خضراء تأتي من تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية(برونتلاند، 1987) الذي روج لمبادئ الحفاظ على التنوع البيولوجي، مبدأ الحذر، مبدأ العدالة بين الأجيال، ومبدأ محاسبة التكلفة البيئية(إيوان ، راو ، 2017).

تم توسيع هذه الأفكار في مؤتمر الأمم المتحدة لعام 1992 بشأن البيئة والتنمية، المعروف أيضًا بقمة الأرض، التي شكلت برنامج العمل(الأمم المتحدة، 1993) . وقامت مؤسسة التعليم البيئي FEE التابعة للأمم المتحدة بتطوير برنامج المدارس البيئية كأداة لتنفيذ طويل الأمد لمشاركة الشباب والمعلمين والمشاركة النشطة في اتخاذ القرار، والتحفيز، ورفع الوعي المتعلق بالبيئة. وقد تم اختبار البرنامج في الدنمارك لمدة عامين، ثم تم إطلاقه في عام 1994 في الدنمارك وألمانيا واليونان والمملكة المتحدة وحالياً يتواجد البرنامج في 68 دولة حول العالم. وقد دعمت منظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات التربوية الدولية فكرة المدارس الخضراء لتكون هي اللبنة الأساسية لغرس الوعي البيئي لدى طلبة المدارس وتنشئة جيل بمبادئ وقيم عليا مرتبطة بالتنمية المستدامة مما يولد لديهم سلوك إيجابي نحو صحة البيئة وسلامتها. فقد أطلقت اليونسكو جاكرتا(اليونيسكو، 2017) مشروعاً تجريبياً للمدارس الخضراء في إندونيسيا. كما أعادت اليونسكو توجيه شبكتها المدرسية المنتسبة، التي أنشئت منذ عام 1953، نحو الهدف 4.7 من أهداف التنمية المستدامة(الأمم المتحدة، 2016)  بشأن التعليم من أجل المواطنة العالمية والتعليم من أجل التنمية المستدامة.

ينص الهدف 4.7 على “ضمان أن يكتسب جميع المتعلمين المعارف والمهارات اللازمة لدعم التنمية المستدامة، بما في ذلك بجملة من السُبل من بينها التعليم لتحقيق التنمية المستدامة واتّباع أساليب العيش المستدامة، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والترويج لثقافة السلام ونبذ العنف، والمواطنة العالمية، وتقدير التنوع الثقافي، وتقدير مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة، بحلول عام 2030.”

أهمية المدارس الخضراء

تركز مشاريع المدارس الخضراء على نهج شامل يهدف إلى إشراك الجميع، الطلاب والمعلمين والمجتمع المحلي، لتحسين بيئات المدارس، بما في ذلك استخدام الموارد والبصمة البيئية للمدرسة، لتحفيز الطلاب على مواجهة المشاكل البيئية والبحث عن حلول خاصة على المستوى المحلي وأيضًا التفكير بشكل عالمي، ولتحسين مواقف وسلوكيات الطلاب كجزء من تطوير عقلية مستدامة.

المدارس الخضراء ليست مجرد مبانٍ تستخدم تقنيات صديقة للبيئة، بل هي منظومة تعليمية متكاملة تهدف إلى خلق بيئة تعليمية مستدامة تُشجع على التعلم الفعال وتُعزز الوعي البيئي بين الطلاب والمعلمين. تعتمد هذه المدارس على مبادئ العمارة المستدامة التي تتضمن استخدام مواد بناء صديقة للبيئة، توفير استهلاك الطاقة والمياه، تحسين جودة الهواء الداخلي، وتطبيق ممارسات إعادة التدوير. يتجاوز التعليم المستدام مجرد التعليم البيئي ليشمل تنمية المهارات والمعرفة اللازمة لفهم التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية المتداخلة. يهدف التعليم المستدام إلى إعداد الأجيال القادمة لتكون قادرة على اتخاذ قرارات مستنيرة تساهم في بناء مجتمع أكثر استدامة. تساهم المدارس الخضراء في تحقيق أهداف التعليم المستدام من خلال دمج مبادئ الاستدامة في المناهج الدراسية والنشاطات المدرسية. وتُعتبر المدارس الخضراء نموذجاً عملياً لتطبيق مفاهيم التعليم المستدام. فهي توفر بيئة تعليمية تعزز من فرص التعلم العملي والتجريبي، حيث يمكن للطلاب التعرف على ممارسات الاستدامة من خلال الأنشطة اليومية في المدرسة. هذا النهج يساهم في بناء وعي بيئي عميق ويشجع الطلاب على تبني ممارسات مستدامة في حياتهم اليومية. علاوة على ذلك، فإن المدارس الخضراء تُعزز من جودة التعليم من خلال تحسين البيئة المدرسية وجعلها أكثر صحية وجاذبية. الفصول الدراسية المضيئة جيدة التهوية، والمساحات الخضراء المفتوحة، والمرافق المستدامة، كلها عوامل تساهم في تحسين الأداء الأكاديمي والصحة النفسية للطلاب. يمكن القول إن المدارس الخضراء تُشكل جزءًا لا يتجزأ من حركة التعليم المستدام، حيث تسهم في تحقيق التوازن بين النمو التعليمي والحفاظ على البيئة. إن تبني هذا النموذج يُعزز من قدرة الأجيال القادمة على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية بكفاءة واستدامة. ويمكن القول أن تطوير المدارس الخضراء يهدف إلى تحقيق ثلاثة أغراض رئيسية:

  1. تنمية المواهب عالية الجودة اللازمة للتنمية الاجتماعية للبلاد: يُستند هذا الهدف إلى نظريات حماية البيئة والتنمية المستدامة، حيث يسعى لتطوير جودة الطلاب الشاملة وقدرتهم على الابتكار من خلال تنظيم منهجي للممارسات التعليمية واستخدام نهج متعدد التخصصات في التعليم البيئي.
  2. دمج التعليم البيئي مع التدريس وإدارة المدرسة: يهدف إلى تحقيق التكامل بين أنشطة التعليم البيئي وأساليب التدريس وإدارة المدرسة، مما يعزز من فعالية البرامج البيئية ويجعلها جزءاً أساسياً من النظام التعليمي.
  3. تحسين جودة البيئة الجامعية تدريجياً: يشمل هذا الهدف إنشاء حرم جامعي معاصر ومواكب للتطورات الحديثة، مما يسهم في بناء مدارس حضارية وعصرية تدعم بيئة تعليمية صحية وجاذبة.

 

المبحث الرابع: تجارب عربية ودولية

هناك تجارب عديدة في عدة دول عربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكننا سنكتفي بذكر تجربتين على سبيل المثال لا الحصر.

تجربة دولة قطر: تسعى قطر بجهد لتطوير المدارس الخضراء والبيئية كجزء من رؤيتها الوطنية 2030، التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتلبية احتياجات الأجيال الحالية دون التأثير سلبًا على الأجيال القادمة. هذا يتضمن مجموعة من المبادرات والبرامج التي تركز على التعليم البيئي والاستدامة.

تشمل رؤية قطر الوطنية 2030 أربعة ركائز رئيسية، منها التنمية البيئية، التي تهدف إلى حماية البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال تعزيز الوعي البيئي وتشجيع استخدام التقنيات الصديقة للبيئة. لتحقيق ذلك، تم إدراج موضوعات كفاءة الطاقة والمياه، ومصادر الطاقة المتجددة، وتغير المناخ، والنباتات والحيوانات المحلية في المناهج الدراسية في المدارس(الشراكة العالمية للتعليم البيئي GEEP). وكذلك تلعب مؤسسة قطر دوراً كبيراً في دعم الاستدامة من خلال العديد من مبادراتها التعليمية والبحثية التي تركز على الطاقة المستدامة والبيئة. الجامعات المنضوية تحت مظلة مؤسسة قطر تقدم برامج تعليمية متقدمة في العلوم البيئية والاستدامة(مؤسسة قطر). يُعد مجلس قطر للمباني الخضراء (QGBC)، الذي تأسس في عام 2009، جزءاً من مؤسسة قطر، يلعب دورًا حيويًا في تعزيز ممارسات البناء البيئي المستدام في البلاد. يقدم المجلس العديد من البرامج التدريبية وورش العمل للمهنيين والمعلمين لتعزيز ممارسات الاستدامة في المدارس والمجتمعات (Q Life). برنامج المدارس البيئية الذي يديره QGBC، هو جزء من برنامج عالمي يهدف إلى تعزيز التعليم البيئي بين الطلاب من خلال دمج ممارسات الاستدامة في الحياة المدرسية اليومية. ويشارك في هذا البرنامج العديد من المدارس القطرية، مما يساعد في بناء جيل واعٍ بيئياً. هذه الجهود تبرز التزام قطر العميق بتعزيز الوعي البيئي والاستدامة من خلال التعليم، مما يساهم في تحقيق أهدافها الوطنية المستقبلية.

توجد في قطر عدة أمثلة بارزة للمدارس الخضراء التي تهدف إلى تعزيز التعليم المستدام والبيئي. من بين هذه المدارس:

  1. مدرسة غرينوود الدولية (Greenwood International School): تقع في منطقة الثمامة في الدوحة، وتقدم برامج تعليمية تركز على الاستدامة البيئية. المدرسة تستخدم تقنيات بناء مستدامة وتنفذ ممارسات صديقة للبيئة مثل إعادة التدوير واستخدام الطاقة المتجددة(المدارس في قطر).
  2. أكاديمية جيمس الأمريكية قطر (GEMS American Academy Qatar): تُعرف هذه المدرسة بكونها واحدة من المدارس الرائدة في مجال التعليم المستدام في قطر. حصلت على جائزة “العلم الأخضر” من برنامج Eco-Schools، وهي تعمل على تعزيز الوعي البيئي بين طلابها من خلال مناهج دراسية تركز على التعليم البيئي والتعلم التجريبي. كما تتميز بوجود دفيئة زراعية تعتمد على نظام الأحياء المائية (Aquaponic) ومرافق تعليمية مستدامة(أكاديمية جيمس الأمريكية ـ قطر).
  3. مدرسة قطر الأكاديمية – الريان (Qatar Academy – Al Rayyan): تعد هذه المدرسة جزءًا من مؤسسة قطر، وهي ملتزمة بتعزيز الاستدامة من خلال استخدام تقنيات البناء المستدامة وتنفيذ مشاريع بيئية مثل حدائق المدارس وأنظمة إعادة التدوير. المدرسة تدمج التعليم البيئي في مناهجها وتشارك في مبادرات المجتمع لتعزيز الوعي البيئي(موقع زرع شجرة واحدة).
  4. أكاديمية قطر للقادة (Qatar Leadership Academy – QLA) : حصلت هذه المؤسسة التعليمية على جائزة المدارس الخضراء لعام 2023، مما يعكس التزامها بالاستدامة والمساهمات التي تقدمها في مجال الحفاظ على البيئة. تم تقديم الجائزة للأكاديمية خلال المؤتمر السابع للمدارس الخضراء في نيويورك، الذي عُقد بالتزامن مع الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة. من بين المبادرات البيئية التي تقوم بها الأكاديمية:
  • ترشيد استهلاك الطاقة والمياه: تنفذ الأكاديمية سياسات تهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة والمياه بشكل فعال.
  • تقليل النفايات وتشجيع إعادة التدوير: تساهم الأكاديمية في تقليل النفايات من خلال تشجيع إعادة التدوير وتطبيق سياسات صديقة للبيئة.
  • تثقيف الطلاب حول الاستدامة: تؤكد الأكاديمية على أهمية تعليم مبادئ الاستدامة وجعلها جزءاً لا يتجزأ من منهج الحياة اليومي للطلاب.

هذه المدارس تقدم نماذج متميزة في التعليم البيئي وتسعى إلى إعداد جيل واعٍ بالبيئة وقادر على مواجهة التحديات البيئية المستقبلية.

تجربة جمهورية مصر العربية: تجربة مصر في المدارس الخضراء تشمل مجموعة من المبادرات والمشاريع التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة البيئية في المؤسسات التعليمية. هذه المبادرات تتضمن الجوانب التالية:

  1. مشروع المدارس الخضراء التابع لوزارة التربية والتعليم: وتم ذلك من خلال
  • التوعية البيئية: قامت وزارة التربية والتعليم المصرية بتنفيذ برامج توعية بيئية تهدف إلى تعليم الطلاب أهمية الحفاظ على البيئة وتشجيعهم على تبني ممارسات صديقة للبيئة في حياتهم اليومية(برامج التوعية البيئية والأنشطة المدرسية).
  • الأنشطة المدرسية: تم دمج الأنشطة البيئية في المناهج الدراسية لتعزيز الوعي البيئي بين الطلاب.
  1. الشراكة مع المنظمات الدولية والمحلية: عملت الحكومة المصرية على عدة خطوات في سبيل توسيع وانجاح تجربة المدارس الخضراء.
  • برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP): شاركت مصر في برامج مدعومة من قبل UNEP لتعزيز التعليم البيئي في المدارس(برنامج الأمم المتحدة للبيئة).
  • المبادرات المحلية: العديد من المنظمات غير الحكومية (NGOs) المصرية تعمل على مشاريع لزيادة الوعي البيئي وتطوير البنية التحتية للمدارس لتكون أكثر استدامة.
  1. مشاريع الطاقة المتجددة: بعض المدارس في مصر بدأت في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، مما يقلل من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية ويعزز استخدام الطاقة النظيفة.
  2. إدارة النفايات: وذلك من خلال
  • إعادة التدوير: قامت بعض المدارس بتطبيق برامج لإعادة التدوير، حيث يتم فصل النفايات وتشجيع الطلاب على إعادة تدوير المواد القابلة لإعادة الاستخدام.
  • التوعية حول النفايات: حملات توعية بين الطلاب حول أهمية تقليل النفايات وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها.
  1. البناء الأخضر: صممت بعض المدارس الجديدة في مصر بطرق تساهم في تقليل استهلاك الطاقة والمياه، وتشمل هذه التصاميم استخدام العزل الحراري والإضاءة الطبيعية والتهوية الجيدة.

من الأمثلة البارزة للمدارس الخضراء في مصر نذكر ما يلي:

  1. مدرسة الرقي للبنات في القاهرة: تعتبر هذه المدرسة من أوائل المدارس في القاهرة التي تبنت مبادرات بيئية واسعة النطاق. تشمل المشاريع تركيب أنظمة الطاقة الشمسية على أسطح المباني، وتطبيق برامج إعادة التدوير، وزراعة الحدائق المدرسية.
  2. مدرسة الشروق الدولية في القاهرة: تتميز هذه المدرسة بدمج التعليم البيئي في المنهج الدراسي واستخدام تقنيات البناء الأخضر. تستخدم المدرسة تقنيات لتقليل استهلاك الطاقة والمياه، مثل الإضاءة الطبيعية وأنظمة التهوية الفعالة.
  3. مدرسة الألسن بالشيخ زايد: تعتمد المدرسة على نظام متكامل لإعادة التدوير وتشجع الطلاب على المشاركة في أنشطة زراعة الحدائق المدرسية. بالإضافة إلى ذلك، تم تركيب أنظمة للطاقة الشمسية لتلبية جزء من احتياجات الطاقة.
  4. مدرسة النيل الدولية ببورسعيد: تركز هذه المدرسة على تعليم الطلاب أهمية الاستدامة من خلال مناهج دراسية متكاملة، بالإضافة إلى مشاريع زراعة النباتات المحلية وتطبيق أنظمة إدارة المياه الذكية لتقليل الاستهلاك.
  5. مدرسة سانت فاتيما بمدينة نصر: تبنت المدرسة مشاريع بيئية متعددة، بما في ذلك تركيب وحدات للطاقة الشمسية، وتطبيق نظام صارم لإعادة التدوير، وتنظيم ورش عمل للتوعية البيئية للطلاب(اليونيسكو).

هذه الأمثلة توضح كيفية تبني المدارس المصرية لمفاهيم الاستدامة البيئية وتعليم الطلاب أهمية الحفاظ على البيئة من خلال مبادرات ومشاريع متنوعة.

تجربة الصين في المدارس الخضراء: تعد الصين من الدول الرائدة في مجال التعليم الأخضر، وحرصنا أن نتحدث عنها بإسهاب كون الدراسات متعمقة في هذا الجانب وكون التجربة فريدة وقابلة للتوءمة في الدول العربية حالما نتخلص من كل المعوقات والتحديات التي تقف أمام مثل هكذا مشاريع. نعتمد في هذا القسم على عدة مقالات كتبت في هذا الموضوع.

تطور مفهوم المدارس الخضراء في البر الرئيسي الصيني تحت تأثير التعليم البيئي (EE) وموجة التعليم من أجل الاستدامة (ESD) الدولية. استلهمت الصين البر الرئيسي هذه المبادرة من الوثائق الإرشادية للمنظمات الدولية وبدأت في تطوير التعليم البيئي والمدارس الخضراء منذ عام 1973. خلال الفترة من 1973 إلى 1992، تطورت مفاهيم التعليم البيئي تدريجياً وتم إصدار سلسلة من الوثائق الإرشادية التي حصلت على حماية قانونية. بالإضافة إلى ذلك، توسع نطاق التعليم البيئي ليشمل التعليم الأساسي بجانب التعليم العالي، وأصبح جزءاً أساسياً من الخطة التعليمية الوطنية. في عام 1992، أثرت اتجاهات التعليم من أجل التنمية المستدامة (ESD) بشكل أكبر على تعزيز مضمون التعليم البيئي، مما أرست أساساً متيناً لتأسيس المدارس الخضراء.

بعد المرحلة التحضيرية (1973-1992)، تطور التعليم البيئي بسرعة، مما وفر بيئة خصبة لنمو المدارس الخضراء المحلية. في ديسمبر 1996، أصدرت وزارة البيئة الإيكولوجية، دائرة الدعاية للحزب الشيوعي الصيني، ووزارة التعليم “خطة العمل الوطنية للدعاية والتثقيف البيئي (1996-2010)”. لأول مرة، ذكرت هذه الخطة أنها ستقوم بإنشاء “مدارس خضراء” في جميع أنحاء البلاد بحلول عام 2000. كما تم تحديد خصائص “المدارس الخضراء” بوضوح، والتي تشمل: فهم الطلاب الشامل لمحتوى حماية البيئة المدرج في المواد الدراسية المختلفة؛ زيادة الوعي لدى المعلمين والطلاب بأهمية حماية البيئة؛ المشاركة النشطة في الإشراف الاجتماعي وتعزيز الأنشطة التعليمية؛ والحفاظ على حرم المدرسة نظيفاً وجميلاً.

في أبريل 2000، اقترح مركز الدعاية والتثقيف البيئي لإدارة حماية البيئة الحكومية (SEPA) مفهوماً جديداً لـ “المدارس الخضراء”، مميزاً عن “المخطط” الذي تم إصداره في عام 1996. في ديسمبر 2000، صدر “قرار الاعتراف بالمدارس الوطنية المتقدمة والوحدات التنظيمية الممتازة لإنشاء أنشطة المدارس الخضراء”، حيث تم تكريم 105 مدارس خضراء وطنية لأول مرة. بالإضافة إلى ذلك، تم تقديم ملخص دوري للأعمال التي أنجزتها المدارس الخضراء الوطنية، وتم الترويج لهذه الأعمال لتشجيع المدارس على بذل جهود مستمرة والتحسين المستدام. كان من المتوقع أن تسهم مثل هذه الأنشطة التكريمية في تحفيز المزيد من المدارس على المشاركة في تطوير أنشطة “المدارس الخضراء”، واعتبار التعليم البيئي كعنصر أساسي من عناصر التعليم النوعي، بهدف رفع مستوى الوعي البيئي لدى الطلاب في المراحل الابتدائية والثانوية(مركز التعليم البيئي والاتصالات التابع لوزارة حماية البيئة، 2000).

في عام 2002، أعد مركز التعليم والاتصال البيئي بوزارة حماية البيئة “دليل المدارس الخضراء”، الذي يوضح المبادئ الأساسية وخطوات التطوير وإرشادات الإدارة ومعايير التقييم، ليكون إطاراً شاملاً لإنشاء المدارس الخضراء. يشجع الدليل المدارس على تبني وإعلان قرارات علنية بشأن تحولها إلى مدارس خضراء. كما ينسق الدليل بين قادة المدارس لتطوير وتنفيذ خطط خاصة بالمدارس الخضراء، ويشمل إجراء فحوصات ذاتية منتظمة والتعديلات اللازمة، فضلاً عن التقدم للحصول على القبول والتسمية كمدارس خضراء(مركز التعليم البيئي والاتصالات التابع لوزارة حماية البيئة، 2003). يمكن لأي مدرسة مهتمة بالانضمام إلى برنامج المدارس الخضراء الحصول على لقب “مدرسة خضراء” بعد الموافقة على عملية التقديم. عقب تأسيس وضع “المدرسة الخضراء”، شهدت أنشطة تطوير المدارس الخضراء نمواً ملحوظاً. اعتباراً من 31 ديسمبر 2002، بلغ عدد المدارس الخضراء في جميع أنحاء البلاد 13,183 مدرسة، مقارنة بـ 105 مدارس في عام 2000. كانت مقاطعة قوانغدونغ هي الأكثر احتواءً للمدارس الخضراء، حيث وصل عددها الإجمالي إلى 2,628 مدرسة.

في نوفمبر 2003، أصدرت وزارة التعليم “إرشادات تنفيذ التعليم البيئي في المدارس الابتدائية والثانوية (تجريبي)”، مما عزز من مكانة التعليم البيئي باعتباره جزءاً من “التعليم البيئي من أجل التنمية المستدامة”. لم يكن هذا الموقف فقط استجابة لاستراتيجية التنمية المستدامة “جدول أعمال 21” لعام 1992، بل أظهر أيضاً تعمق فهم الصين البر الرئيسي للتعليم البيئي.

في عام 2005، أشار “قرار مجلس الدولة بشأن تنفيذ النظرة العلمية على التنمية وتعزيز حماية البيئة” إلى ضرورة تنفيذ أنشطة تنموية متنوعة تشمل تطوير المقاطعات والمدن البيئية، المدن النموذجية لحماية البيئة، الشركات الصديقة للبيئة، المجتمعات الخضراء، والمدارس الخضراء. قدم هذا القرار دعماً سياسياً لبناء المدارس الخضراء. منذ ذلك الحين، أصبح إنشاء المدارس الخضراء إجراءً ذاتياً للعديد من المدارس، حيث شارك المعلمون والطلاب بنشاط في أنشطة حماية البيئة وساهموا بفعالية في التنمية المستدامة(هِي وآخرون، 2017)

في عام 2009، أصدر مركز التعليم والاتصال البيئي بوزارة حماية البيئة في الصين دليلاً جديداً بعنوان “دليل المدارس الخضراء”، الذي يركز على تطوير مجتمع متحضر بيئياً وصديق للبيئة ويقدم الموارد اللازمة لهذا الهدف. يُعنى الدليل بتوجيه المدارس نحو المشاركة الديمقراطية، التطوير الشامل، التكيف مع الظروف المحلية، تحقيق الفوائد البيئية، والتحسين المستدام. كما يدعم نشر تطوير المدارس الخضراء في جميع أنحاء البلاد من خلال توفير مرجع لصياغة معايير تقييم المدارس الخضراء المحلية، وتوجيه إنشاء المدارس الخضراء وتعليم البيئة في المدارس. يوفر الدليل أيضاً الأدوات اللازمة للمدارس لتنفيذ التعليم البيئي وإدارة المبادرات البيئية، بالإضافة إلى منصة معلومات وشبكات تبادل لدعم تطوير المدارس الخضراء.

منذ عام 2000، قامت مجموعة قيادة التكريم الوطني للمدارس الخضراء، التي كانت بقيادة الإدارة السابقة لحماية البيئة الحكومية ووزارة التعليم، بمنح الاعتراف الوطني للمدارس الخضراء وتكريم الفرق القيادية الوطنية كل سنتين. تم إنشاء مكتب تحت مركز التعليم والاتصال البيئي للإدارة السابقة لحماية البيئة الحكومية لإدارة الأعمال اليومية المتعلقة بهذا الموضوع. منذ عام 2001، قام مركز التعليم والاتصال البيئي (CEEC) بتطوير شبكة لقادة المشاريع على مستوى المحافظات والبلديات، وعقد مؤتمرات تنفيذية وطنية سنوية للمدارس الخضراء. مع توسع نطاق الشبكة، استمر تطور المدارس الخضراء بشكل نشط على مستوى المناطق، رغم أن جميع المدارس المشاركة كانت ملزمة بجمع الأموال لتنفيذ الأنشطة. اعتباراً من عام 2008، بلغ العدد الإجمالي للمدارس الخضراء أكثر من 42,000، منتشرة في 31 مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية، مع وجود المدارس الخضراء في أكثر من 90% من المدن في البر الرئيسي الصيني. حصلت أكثر من 9,000 مدرسة على مستوى المقاطعة على الاعتراف، بما في ذلك 705 مدارس ابتدائية وثانوية ورياض أطفال تلقت الاعتراف المشترك من الإدارة السابقة لحماية البيئة ووزارة التعليم.

في عام 2009، تم تقديم مشروع المدارس البيئية من قبل مؤسسة التعليم البيئي إلى الصين، وبدأت المدارس في تطوير هذا النموذج الجديد من برامج المدارس الخضراء. اعتباراً من عام 2016، شاركت أكثر من 3,000 مدرسة في جميع أنحاء البلاد في أنشطة التدريب والتبادل للمشروع، وحصلت 450 مدرسة على الأعلام الخضراء. لتجنب الارتباك، حظرت وزارة البيئة ووزارة التعليم منذ عام 2009 الاعتراف بالمدارس الخضراء، وعلقت أنشطة التأسيس والاختيار والتكريم للمدارس الخضراء الوطنية. ومع ذلك، استمرت بعض المقاطعات والمناطق مثل قوانغشي وهوبي وجيانغسو وشاندونغ وشانشي في تطوير المدارس الخضراء على مستوى المناطق، مما أدى إلى تواجد “المدارس الخضراء” و”المدارس البيئية” جنباً إلى جنب تحت مشروع المدارس الخضراء في البر الرئيسي الصيني.

من 1996 إلى 2010، شهدت المدارس الخضراء تطوراً سريعاً، وفي عام 2011، لتعزيز التعليم البيئي بشكل أكبر، وتنمية الوعي الاجتماعي بأهمية حماية البيئة، وإنشاء هيكل عمل اجتماعي يشمل جميع المواطنين في حماية البيئة، قامت وزارة البيئة البيئية، دائرة الدعاية للحزب الشيوعي الصيني، وزارة التعليم، مكتب الحضارة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، اتحاد النساء الصينيات، ورابطة الشبيبة الشيوعية الصينية بإعداد “خطة العمل الوطنية للدعاية والتعليم البيئي (2011-2015)”. قدمت هذه الخطة توجيهات عملية لتعزيز التعليم البيئي وتطوير المدارس الخضراء، مع التركيز على استخدام أساليب ترويج مبتكرة وتنفيذ التعليم البيئي لجميع المواطنين، وتطوير صناعة الثقافة البيئية. تم تشجيع المدارس الابتدائية والثانوية على تنفيذ فصول تعليم بيئي متنوعة، بينما يعتبر التعليم البيئي مكوناً أساسياً من التعليم النوعي في التعليم العالي، وتم تنظيم أنشطة لتطوير “الجامعات الخضراء”. كما كانت الحكومة المحلية مطالبة باستخدام الموارد الاجتماعية لتنفيذ مشاريع ترويجية للتعليم البيئي، وإنشاء قاعدة ممارسة اجتماعية للتعليم البيئي، واستكشاف “المدارس الصديقة للبيئة” بنشاط.

في عام 2016، أعدت وزارة البيئة البيئية، وزارة التعليم، دائرة الدعاية للحزب الشيوعي الصيني، مكتب الحضارة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، اتحاد النساء الصينيات، ورابطة الشبيبة الشيوعية الصينية “برنامج العمل الوطني للدعاية والتعليم البيئي (2016-2020)” لتسريع خطوات تطوير التعليم البيئي في المدارس وتعزيز الوعي البيئي للشباب. تم تعديل الوثائق الإرشادية مثل “المنهج الدراسي للتعليم البيئي في المدارس الابتدائية والثانوية” و”إرشادات تنفيذ التعليم البيئي في المدارس الابتدائية والثانوية (تجريبي)” بانتظام. سيتم تعزيز عناصر حماية البيئة ومعرفة الحضارة البيئية في التدريس والمواد التعليمية، وتدريب المعلمين على التعليم البيئي، وتنفيذ الأنشطة التعليمية البيئية اللاصفية. يوفر هذا البرنامج التوجيه للاتجاهات المستقبلية في تطوير التعليم البيئي والمدارس الخضراء في الصين.

في 18 أكتوبر 2017، أبلغ الرئيس شي جين بينغ الجمعية العامة في المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني عن تعزيز “نمط حياة أخضر ومنخفض الكربون، ومكافحة الإسراف والهدر والاستهلاك غير المعقول، وإنشاء مؤسسات تركز على الحفاظ على الموارد، العائلات الخضراء، المدارس الخضراء، المجتمعات الخضراء، والسفر الأخضر”، مما يعزز بناء الحضارة البيئية ويوجه التنمية الخضراء للصين في المستقبل.

بشكل عام، لا يمكن فصل إنشاء المدارس الخضراء في البر الرئيسي الصيني عن صعود حركة التعليم البيئي الدولية. كجبهة جديدة في التعليم البيئي، نمت المدارس الخضراء المحلية تدريجياً، مستلهمة من التعليم من أجل التنمية المستدامة والاتجاهات الدولية للتعليم البيئي. بعد سنوات من التطور، شكلت نموذجاً لإنشاء المدارس الخضراء في الصين، بقيادة قسم حماية البيئة وتعاون فعال مع أقسام التعليم في مختلف المناطق.

الخاتمة

اتضح من هذه الدراسة أنه بغض النظر عما إذا كانت المدارس الخضراء تقع في منطقة متقدمة أو منطقة غير متقدمة، فإن ممارساتها الخضراء شاملة إلى حد ما، كما أن المدارس الخضراء بارعة في تعبئة مشاركة الطلاب من خلال استغلال وتطوير الموارد المحلية للتعليم البيئي واعتماد أساليب تعليمية متنوعة بما في ذلك التعليم بالانغماس، والتعلم القائم على المشاريع، والتعلم الاستقصائي والجمع بين المناهج الدراسية والممارسة. المدارس الخضراء قادرة على تحقيق أهدافها في تنمية المواهب الخضراء وزيادة وعي الطلاب بحماية البيئة والتنمية المستدامة. ومع ذلك، نظراً لاختلاف الظروف الاقتصادية والجغرافية والثقافية للمدارس، هناك فجوة في تنفيذ الممارسات الخضراء. تعكس الفروق بشكل رئيسي في الإدارة البيئية وتطوير المواد التعليمية.

فيما يتعلق بالإدارة البيئية، يمكن للمدارس في المناطق المتقدمة تلقي أحدث الأفكار ودمجها في الإدارة البيئية للمدرسة، مثل بناء نموذج إدارة من الأسفل إلى الأعلى. يسمح ذلك للطلاب بالمشاركة في عملية صنع القرار؛ على عكس المدارس الخضراء في المناطق غير المتقدمة، حيث تميل الإدارة البيئية إلى البقاء على مستوى كبير. في هذه المدارس الخضراء، تُتخذ القرارات بشأن الإدارة البيئية الشاملة بشكل رئيسي من قبل قادة المدرسة والمعلمين. المدارس في المناطق المتقدمة تركز على تطوير المواد التعليمية وتنفيذ التعليم البيئي بنهج منهجي قائم على المناهج الدراسية. ومع ذلك، تفتقر المدارس في المناطق غير المتقدمة إلى الخبرة اللازمة لتأليف وتطوير مواد التعليم البيئي. على الرغم من أن الموارد البيئية المحلية وفيرة، إلا أنهم ينفذون التعليم عادة من خلال استخدام التعليم بالانغماس والمناهج العملية.

تتأثر تنمية المدارس الخضراء بالعوامل الاقتصادية والثقافية والجغرافية للموقع. رقعة الوطن العربي تمتد على مساحة واسعة وهناك اختلافات واضحة بين المناطق المختلفة، مما يؤدي إلى فجوة في التنمية بين المدارس الخضراء المختلفة.

مقترحات وتوصيات لتعزيز تطوير المدارس الخضراء

لتطوير المدارس الخضراء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ينبغي أن يكون الحفاظ على المزايا وتجنب العيوب هو الأساس. يجب اتخاذ إجراءات مناسبة في خمس مجالات: صياغة السياسات، البحث النظري، تدريب الأفراد، تبادل المعلومات والإرشاد من قبل الخبراء، وذلك لإنشاء نظام دعم خارجي شامل وفعّال للمدارس الخضراء.

  1. قيام مبادرة عربية برعاية جامعة الدول العربية لتوحيد الجهود في اتجاه تفعيل دور التعليم البيئي في المدارس العربية.
  2. استحداث منظمة تابعة لجامعة الدول العربية تعني بالمدارس الخضراء وتفعيل الشراكات بين الدول العربية التي خاضت هذه التجربة وبين الدول التي نستهدف جميعاً نشر المدراس الخضراء فيها، وفق خطة عشرية أو خمسية.
  3. صياغة وتحسين وتوضيح السياسات المتعلقة بالمدارس الخضراء على المستوى العام لتوفير اتجاه تطوير واضح ودعم جيد لتطويرها.
  4. إجراء مزيد من الأبحاث لتعزيز الفهم النظري للعلاقة بين المدارس الخضراء والتعليم البيئي، والتنمية المستدامة، والإصلاحات التعليمية الجديدة كجزء من التحقيق في بناء المدارس الخضراء.
  5. إنشاء نظام تدريبي منهجي وطويل الأمد للمعلمين والمديرين في المدارس الخضراء. هذا سيسهم في القضاء على الالتباس حول مفهوم المدرسة الخضراء، وتحسين قدرات المعلمين في التعليم البيئي، وضمان توافر الموارد البشرية الكافية لبناء المدارس الخضراء.
  6. تعزيز تبادل المعلومات بين المدارس الخضراء الحالية، وتعزيز الخبرات المفيدة والقضاء على تأثيرات “السياسات المنفصلة” في بناء المدارس الخضراء.
  7. تشكيل فريق من الخبراء القريبين من المدارس لتقديم إرشادات فردية حول أنشطة بناء المدارس الخضراء بشكل مناسب وفعال وعملي.
  8. تشجيع مشاركة المنظمات المدنية والاجتماعية واستغلال الموارد الاجتماعية بالكامل للمشاركة في أنشطة تأسيس المدارس الخضراء.

قائمة المراجع:

  1. Wall, D. (2010). The no nonsense guide to green politics. Oxford, UK: New Internationalist.
  2. Harman, W. W. (1988). Global mind change: The promise of the last years of the twentieth century. Indianapolis, IN: Knowledge Systems.
  3. Miller, G. T., Jr. (1990). Living in the environment (6th ed.). Belmont, CA: Wadsworth.
  4. O’Riordan, T. (1989). The challenge for environmentalism. In R. Peet & N. Thrift (Eds.), New models in geography Volume 1 (pp. 77–102). London: Unwin Hyman.
  5. Dobson, A. (1990). Green political thought. London: Harper Collins.
  6. Dunkley, G. (1992). The greening of the red: Sustainability, Socialism and the environmental crisis. Sydney: Pluto Press in association with the Australian Fabian Society and the Socialist Forum.
  7. Brundtland, G. H. (1987). Our common future: Report of the World Commission on environment and development. Oxford: Oxford University Press.
  8. Smith, S. T. (2006). Sustainable schools. In D. Tilbury & K. Ross (Eds.), Living change: Documenting good practice in education for sustainability in NSW. Sydney, NSW: Macquarie University and Nature Conservation Council.
  9. Iwan, A., & Rao, N. (2017). The green school concept: Perspectives of stakeholders from awardwinning green preschools in Bali, Berkeley, and Hong Kong. Journal of Sustainability Education.
  10. Centre for Environmental Education and Communications of the Ministry of Environmental (2000). Rules of Green School logo in China (Discussion Paper)
  11. Centre for Environmental Education and Communications of Ministry of Environmental Protection. (2003). China Green school guide. China Environmental Science Press.
  12. He, Y., Huang, D., & Du, Y. (2017). Exploration on the construction of Green Schools in China. Journal of Kaifeng University, 31(3), 52–57.
  13. United Nations. (1993). Agenda 21: Earth Summit: The United Nations Programme of Action from Rio.
  14. UNESCO Jakarta, Regional Science Bureau for Asia and the Pacific. (2017). Promoting Adiwiyata Green schools and empowering low income communities for sustainable future of Indonesia. http://www.unesco.org/new/en/jakarta/education/education-for-sustainable-development/promoting-adiwiyata-green-schools/
  15. الأمم المتحدة ، 2016 ، أهداف التنمية المستدامة: 17 هدفاً لتحويل عالمنا https://www.un.org/sustainabledevelopment/sustainable-development-goals/
  16. المجلس الأمريكي للمباني الخضراء ـ المدارس الخضراء 2017 https://www.usgbc.org/articles/what-are-green-schools
  17. الشراكة العالمية للتعليم البيئي.

https://thegeep.org/learn/countries/qatar

  1. مؤسسة قطر.

https://www.qf.org.qa/ar/research/environmental-sustainability

  1. Q Life https://qlife.com/qgbc/
  2. المدارس في قطر

https://www.schoolsinqatar.net/school/greenwood-international-kg-al-thumama/

  1. أكاديمية جيمس الامريكية ـ قطر    https://www.gemsamericanacademy-qatar.com/en
  2. موقع زرع شجرة واحدة (One Tree Planted) https://onetreeplanted.org/blogs/stories/green-school
  3. برامج التوعية البيئية والأنشطة المدرسية.    https://moe.gov.eg
  4. برنامج الأمم المتحدة للبيئة https://www.unep.org
  5. منظمة اليونيسكو  https://www.unesco.org

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *