نوفمبر 23, 2024 4:47 ص

م.د.هيفاء رشيد حسن خشان

جامعة كركوك /كلية القانون والعلوم السياسية- العراق

dr.hayfaa74@gmail.com

الملخص

إن فيروس كورونا العالمي سيغير بشكل كبير في الخريطة السياسة الدولية بعد انحساره ؛ وذلك لما أفسده من تداعيات سلبية على الأصعدة كافة ، حيث ستتجه الدول إلى العمل بمفردها، والاهتمام بالأبحاث العلمية الطبية لمواجهة الكوارث قبل وقوعها، مؤكدين أن العالم سيشهد نظام عالمي جديد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.وأن الكوارث تخلق عالما جديدا متغيرا يؤثر على لعبة التوازنات الإقليمية والدولية، وسيصعد مفهوم الأمن الإنساني العالمي، مؤكدين أن العالم بعد كورونا مختلفا.، إن العالم ما بعد كورونا سيشهد العديد من التغيرات وبالفعل سيتشكل نظام جديد يعرف بالنظام الدولي الإنساني الذي كان غائبا وليس نظاما دوليا ذات قطب واحد، إذ إن الصين ومجموعة شرق آسيا ستحتل مكانة كبيرة في النظام الدولي على حساب أمريكا والاتحاد الاوروبي.، أن كل دولة ستتجه للعمل بمفردها لحماية أمنها الخاص، ولن تهيمن السياسة ولكن يكون الاقتصاد هو المؤثر وسيصعد مفهوم الامن الإنساني العالمي، ويزداد دور الدولة الوطنية بالأساس، وستعيد أجهزة المخابرات العالمية تقييماتها الدورية بعد فشلها الذريع في التنبؤ بالأزمات غير التقليدية ومنها أزمة الفيروسات الجديدة، مؤكدا أنه ارتفعت شعبية بعض الرؤساء ورؤساء بعض الوزارات في العالم جراء التعامل مع الأزمة وتداعياتها.

وفي ظل صعود دول واقتصاديات مثل الصين والهند واليابان، أنه ستكون هناك أولويات بصحة المواطن العالمي ولم يتم التركيز على الحروب، ولن يكون الصراع على ما يسمى بالنووي أو التسليح اوغيره، ولكن سيكون هناك اهتمام بتبادل المعلومات والبيانات العلمية وتطوير المجمعات الطبية في العالم، و سيحدث تغييرات في أجندة بعض المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، لافتا إلى أن العالم بعد كورونا سيكون مختلفا تماما في سياساته،

الكلمات المفتاحية:كورونا,الليبرالية ,الجيوسياسية ,النيوريبرالية ,الحداثة.

Abstract

That the global Coronavirus will significantly change the map of international politics after its decline due to its negative repercussions on all levels, as countries will go to work on their own and pay attention to medical scientific research to face disasters before they occur, stressing that the world will witness a new world order politically, economically and socially. And that disasters create a new, changing world that affects the game of regional and international balances, and the concept of global human security will escalate, stressing that the world after a different corona. The world after Corona will witness many changes and indeed a new system will be formed known as the

international humanitarian system that was absent and not an international system One-pole, As China and the East Asian Community will occupy a large position in the international system at the expense of America and the European Union., That every country will go to work on its own to protect its security, and policy will not dominate but the economy will affect The global intelligence services have their periodic assessments after their catastrophic failure to predict unconventional crises, including the new virus crisis, stressing that the popularity of some presidents and heads of some ministries in the world has increased due to dealing with the crisis and its repercussions.

In light of the rise of countries and economies such as China, India and Japan, there will be priorities on the health of the global citizen and there is no focus on wars, and the conflict will not be over the so-called nuclear or armaments or others, but there will be an interest in the exchange of information and scientific data and the development of medical complexes in the world and will happen Changes in the agenda of some international institutions, especially the United Nations, pointing out that the world after Corona will be completely different in its policies.

Key words: Corona, liberalism, geopolitical, neoliberal, modernity.

المقدمة:

لقد كشفت المصائب والأزمات على مرّ العصور عن قدرة الإنسان على عبور أكثر الطرق وعورةً في صراعه مع تحديات الحياة، لقد واجه حروبا كونية، وكوارث طبيعية مبيدة، ومجاعات وحروب عنصرية، و واجه أوبئة حصدت وقت انتشارها الملايين، لأنه لم يكن من علاج لها، وتتذكر البشرية كم حصدت الإنفلونزا، الجدري، الطاعون.. إلخ. لكن كل ذلك مرّ كما ستمرّ هذه المحنة  ولكن للأسف الشديد  كشفت أزمة كورونا العالمية عن إفلاس النظام العالمي القائم، على جميع المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والأخلاقية والعلمية!و كيف تهاوت قيم ومبادئ كثيرة قام عليها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، فقد غاب التضامن بين الدول والحكومات، وعادت الشوفينية الوطنية في أبشع صورها، وقد كشف زلزال كورونا عن كثير من عيوب هذا العالم فقد عرّى بالكامل عيوب “النموذج الحالي  للعولمة ” وبسبب هزّات زلزال كورونا العالمي، سقطت شعارات كثيرة عن العولمة التي كانت تبشر بتحول العالم إلى قرية صغيرة وأظهر قصور النظام العالمي الحالي الذي تجاوزه الزمن، نتيجة التحلل الذي أصابه طوال العقود الماضية, فعلى الرغم من أن وباء كورونا لا يُقارَن بطاعون جستنيان ولا بطاعون الموت الأسود من حيث الفتك بالناس، فإن تأثيره الاقتصادي والاستراتيجي سيكون هائلاً، لأنه يحمل في عالمية انتشاره السريع مثالاً حياً على روح العصر الذي نعيشه، فنحن نعيش عصر العولمة بأبعادها المختلفة، وكورونا يمتطي صهوة هذه العولمة ليصل إلى كل أرجاء الكوكب، ويهدد جميع سكانه على قدر المساواة ولا يوجد حل الآن إلا انتظار انتصار العقل البشري و انتصار العلم على فيروس كورونا ووضع حد لهذا التهديد حيث أن  التأثير الصحي لجائحة كورونا سوف يزول مع الزمن، وسوف تتجاوز البشرية خطرها كما تجاوزت أوبئة وطواعين وحروباً سابقة، لكن الأثر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي سيبقى سنوات، وربما عقوداً قادمة.

وقد يكون فايروس كوروناأحد نواتج الحرب الصامتة بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسياوايران من جهة ثانية حيث يمكن أن يكون فيروسا مصنعا في أحد المختبرات الصينية من أجل ضرب الأقتصاد العالمي بصورة عامة والأمريكي بصورة لاسيما من أجل أن تظهر الصين هي المنقذ العالمي من هذه الأزمة بعدما أحتوت الفيروس بفترة قياسية وهذا غير منطقي في ظل هذه الأزمة ومعطياتها كي تظهر الصين قوة عالمية تضاهي الولايات المتحدة الأمريكية وتفرض إرادتها ووجودها، وتضع أقدامها على الطاولة.

إن تناقضات المصالح تفرّق الدول والشعوب، فكل يبحث عن تحقيق مصالحه التي عادة ما تكون على حساب آخرين. وفي الحروب ثمة منتصرون ومهزومون. لكن في مواجهة كورونا ليس هناك مهزوم ومنتصر ، فلا أحد بمنأى عن الخطر، ووصوله إلى أي دولة مسألة وقت ليس إلا لذا يبدو أن متغيرات كبرى ستلحق بعالم ما بعد كورونا، وقد تفضي إلى زعزعة ركائز النظام الدولي الراهن، ليفسح المجال واسعًا لإرساء نظام دولي جديد فمن الواضح ان النظام العالمي الجديد قد يجد له في فيروس كورونا وجهة جديدة لإعادة تحديد و رسم المواقع للقوى الكبرى و إعادة تحديد لهذه القوى.

نحن مقبلون على تغييرات عميقة ستخلط الأوراق وتتسبب في إعادة التفكير في المسلمات والنظريات الفلسفية والتاريخية والمقولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تمهيدا لبناء نظام عالمي جديد.. وستهتز الثقة في كثير من الشعارات. وسيواجه خطاب السياسيين والمفكرين وصناع القرار في كل المجالات تحديات جديدة، قد تصل حد بروز تيار يؤمن بانهيار “الثوابت” و”المسلمات” و”الأسس” التي بني عليها الخطاب السياسي الدولي المعاصر.

ستؤدي هذه الأزمة إلى مراجعات للأولويات العالمية والإقليمية في المجالات الطبية والسياسية والفلسفية والخيارات الاقتصادية. وستفرز إعادة نظر واسعة في التوجهات العامة للخطاب السياسي العالمي وشعارات العولمة والتقدم والازدهار والعيش الكريم والتفوق والأولويات الأمنية والعسكرية والتنموية.. الخ.

 والأشكالية المطروحةهنا: هل سيقضي كورونا على العولمة الأمريكية؟ويولد نظام دولي جديد؟وماهي المتغيرات الأقليمية والدولية في ظل مواجهة جائحة كورونا ؟

فرضيات البحث :- يبنى البحث على مجموعة من الفرضيات مفادها:-

  1. سقوط العديد من الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها العلاقات الدولية .وأن ازمة كورونا ستؤدي الى ظهور نظريات جديدة في تفسير وتحليل العلاقات الدولية وفق ماأفرزته الأزمة.
  2. هناك تحولات محتملة على النظام العالمي وعلاقات القوة وتوازناتها وانتقالات مركزها.
  3. جائحة كورونا علامة فارقة في التاريخ ,ستترك اثارها وتداعياتها مثلما فعل سقوط جدار برلين,واجتياح “البيروسترويكا”الأتحاد السوفيتي ,وكان مسمارا أخيرا في نعشها.

منهجية البحث:-  يعتمد البحث في مفاصله على المنهج التاريخي والمنهج الأستقرائي والمنهج التحليلي.

هيكلية البحث :- أرتأينا الى تقسيم البحث على  ثلاثة مباحث :

المبحث الأول :- سقوط أوهام الرأسمالية والعولمة.

 المبحث الثاني:- المتغيرات الجيوسياسية لفيروس كورونا وأفول النيوليبرالية.

المبحث الثالث:- قراءة استشرافية لتطور العالم في مابعد كورونا.

المبحث الأول:- سقوط أوهام الرأسمالية والعولمة.

في ظل فرحة عارمة عمت البورجوازية العالمية، والغرب خاصة، إثر تفكك الاتحاد السوفياتي وإنهيار جدار برلين، بدايات العقد التاسع من القرن العشرين، في رمزية تم تسويقها بشكل هستيري لاستعادة أوروبا الشرقية إلى الحاضنة الرأسمالية الغربية، تبلورت فرضية قائلة: “الآن بعد أن فشلت الاشتراكية (في شخص الاتحاد السوفياتي)، فإن النظام الاجتماعي والاقتصادي الوحيد الممكن هو الرأسمالية، أو (اقتصاد السوق الحرة)”، أراد إحكامها المنظر الأميركي، الياباني الأصل، “يوشيه يرو فرنسيس فوكو ياما”، في نظريته التي نالت من الشهرة أقل ما نالته من سوء السمعة حول نهاية التاريخ والإيديولوجيات.. “تنبأ المدافعون عن الرأسمالية بأن فوز الليبرالية سيفتح الباب أمام مستقبل مضمون من السلام والإزدهار. تحدث الاقتصاديون عن توزيع الثروة بسلام. فالآن وقد انتهت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، ستكون الحكومات الرأسمالية قادرة على إنفاق مبالغ طائلة من المال لبناء المدارس والمستشفيات والمنازل وكل الأشياء الأخرى التي هي الشرط الأساس للوجود الحضاري. (1).

(1)آلان وودز , (فوكو ياما يُعيد النظر في أفكاره: “الاشتراكية يجب أن تعود”) ,موقع ماركسي , 24 تشرين أول/أكتوبر 2018

    العالم اليوم يشهد تسلط الرأسمالية العالمية على جميع المؤسسات المالية والاقتصادية وهي التي تحتكر التكنولوجيا المتقدمة وتمتلك تقنيات تصنيع وتطوير الاسلحة التقليدية وغير التقليدية وتمتلك الثروات السيادية في العالم بالشكل الذي جعل عالم الشمال المتقدم يهيمن على العالم على حساب عالم الجنوب المستغل والتابع والمهمش الذي اشغلته الرأسمالية بالأزمات والحروب الداخلية المفتوحة حتى أصبح العالم يعيش حالة من الفوضى الدولية في ظل القيادة الامريكية.

أن منطق القوة والتسلط الذي تنتهجه الولايات المتحدة ولقرابة الثلاثين عاما التي خلت قد قادت العالم إلى فوضى دولية حتى أصبح العالم اليوم أقرب إلى الحالة التي وصفها المفكر البريطاني ( توماس هوبز) الذي عاش في القرن السابع عشر وسيادة نزوع وسلوك والذي اسماه( ذئبية الإنسان) وعدم شعوره بالغير والبقاء للأقوى.

 أراد “فوكو ياما” تدشين نظريته في كتاب: (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، واستهله ببيان دعائي يؤكد: “إن ما نشهده … هو نهاية التطور الإيديولوجي للجنس البشري؛ وعولمة الديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الشكل النهائي للحكومة البشرية”. ضرب وباء كورونا العالم في مكامن قوته ومفاصله الحيوية وانتشر في وقت والعالم يعيش في ظل تناقضات كبيرة بسيادة حالة اللامساواة والتعامل الدولي الإزدواجي وتسخير قواعد القانون الدولي ومقدرات الأمم المتحدة لمصلحة الاقوياء بما يحقق نفوذهم وتطلعاتهم في استمرارية الهيمنة الرأسمالية على المقدرات الدولية، فأصبح القانون الدولي كما يشير أحد خبراء القانون الإنكليز ((أصبح القانون الدولي في ظل الهيمنة القطبية الأحادية الأمريكية كنسيج العنكبوت تمزقه الطيور الكبيرة وتقع فيه ميتة الحشرات الصغيرة)).

نظريًا؛ يرى أستاذ الفلسفة المصري، “د. محمد دوير”، أن: “من المؤكد تاريخيًا أن الإيديولوجيا كانت من المفاهيم التي طورها أتباع ماركس، أفضل من قام بتوظيف دلالاتها المعرفية من بين مدارس الفكر الفلسفي في أوروبا. وذلك أن الفكر الماركسي استطاع أن يقف في مواجهة الفكر البورجوازي والتصورات الليبرالية التي جاهدت من أجل حصار الماركسية بمقولات عامة ومطلقة كالمساواة والعدالة والحرية والتقدم والحقوق، فلم يكن أمام الماركسيين سوى مواجهة هذا الفكر الليبرالي بنظرية إيديولوجية بديلة تواجه التحول الرأسمالي الذي طرح نفسه كحل أخير للبشرية، أي كيوتوبيا وإيديولوجيا في آن واحد. وهذا ما أكد عليه أيضًا عبدالإله بلقزيز بقوله: لا يمكن النظر إلى أطروحة نهاية الإيديولوجيا ونهاية التاريخ إلا كدعوى إيديولوجية جديدة” (1).

ولكن؛ فوجيء القاريء الليبرالي المؤمن  بمقولات “فوكو ياما”، بمقال تحليلي مطول للأخير نشرته  مجلة (the New Statesman)، يوم 17 تشرين أول/أكتوبر 2018، يعزف “فوكو ياما” فيه لحن التراجع والانقلاب، قائلًا: “ما قلته آنذاك، (1992)، هو أن إحدى المشاكل المتعلقة بالديمقراطية الحديثة هي أنها توفر السلام والإزدهار، لكن الناس يريدون أكثر من ذلك … من جهته، قال الناشط اليساري الشهير وعالم اللسانيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نعوم تشومسكي إن جائحة COVID-19 مثال صارخ على قصور النظام الاقتصادي الرأسمالي السائد وعجزه عن خدمة المصلحة العامة، وكشفت عن الضعف المتأصل في نظام قائم علي الأرباح.

اكتسبت “النيوليبرالية” كمفهوم اقتصادي متطور زخمًا في ندوة دولية عُرفت باسم “ملتقى والتر ليبمان”، دعا إليها الفيلسوف الفرنسي (لويس روجير) في باريس عام 1938. وكان ليبمان صحفيًّا أميركيًّا نشر كتابًا جيد الانتشار بعنوان “تحقيق في مبادئ المجتمع الصالح” عام 1937. وكان الهدف من الندوة هو بناء نظرية ليبرالية جديدة كرفض للمنحى الجماعي أو الاشتراكي. وتوصَّل المشاركون إلى تعريف “النيوليبرالية”، أو “الليبرالية الجديدة”،وقتها بأنها تنطوي على أولوية “آلية تحديد السعر، والمشاريع

(1) د. محمد دوير , (ماركس ضد نيتشه.. الطريق إلى ما بعد الحداثة) ,روافد للنشر والتوزيع , القاهرة 2020.

الحرة، ونظام المنافسة، ودولة قوية ومحايدة”(1). في سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، استخدم المنظِّر الليبرالي الكلاسيكي( ميلتون فريدمان )المصطلح في مقاله المنشور عام 1951 بعنوان “الليبرالية الجديدة وآفاقها”(2 (؛ فرفض ما اعتبره عندئذ “إيمانًا واسع النطاق، وإن كان ساذجًا، بين الطبقات المثقفة بأن التأميم سيحلُّ محلَّ الإنتاج من أجل الربح بمقولة الإنتاج من أجل الاستخدام”. كما اعترض على ما اعتبره تراجعًا للمنحى الجماعي، في إشارة ضمنية إلى الاشتراكية والأشكال الأخرى للديمقراطية الاجتماعية. وقال: “من المرجح أن يثبت أن المنحى الجماعي أكثر صعوبة في عكس التيار أو تغييره بشكل أساسي مقارنة مع نظرية عدم التدخل، خاصة إذا كانت تذهب إلى حد يقوض أساسيات الديمقراطية السياسية. ومن المؤكد أن هذا الاتجاه، الذي سيكون موجودًا على أي حال، سيزداد تسارعه بسبب الحرب الباردة، ناهيك عن البديل الأكثر رعبًا وهو حرب واسعة النطاق.. لكن إذا كان يمكن تجاوز هذه العقبات، فإن الليبرالية الجديدة تقدِّم أملًا حقيقيًّا بمستقبل أفضل، وهو أمل يمثِّل بالفعل تيارًا تتقاطع حوله الآراء وهو قادر على إثارة الحماس في كل مكان، وبالتالي يصبح التيار الرئيسي للرأي العام (3). مع ذلك، فإن أي اتجاه للفلسفة النيوليبرالية يدعو إلى ما يعتبرونه “حكمة” أربع ركائز معينة، وهي “الخصخصة”، و”إلغاء القيود”، و”الأسواق الحرة”، و”النزعة الفردية”، باعتبارها بناءًا مضادًّا لحماية مصالح المجموعة أو المنحى الجماعي أو الاشتراكي.

وعلى مدى العقود الآتية ، لم يتم تبنِّي النيوليبرالية من قبل المحافظين أو الجمهوريين في الغرب فحسب، بل وأيضًا بين العمال في بريطانيا والديمقراطيين في الولايات المتحدة بمن فيهم بيل كلينتون. ويقول (جوزيف ستيجليتز)، أستاذ الاقتصاد والحائز على جائزة نوبل، إنه لا ينبغي أن تؤدي الرأسمالية إلى عدم المساواة، بل إن عدم المساواة هي نتيجة الخيارات التي تتخذها الدول الرأسمالية.

ويمكن، بسهولة، ملاحظة عودة الصوت الاشتراكي بمضمون ديمقراطي إنساني إلى الواجهة، في العقدين الأخيرين، خاصة في الغرب وتحديدًا بين الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة، والتي اكتسبت زخماً، في أواخر التسعينات (والتي تراجعت بعد فترة وجيزة)، على خلفية تعاظم الفجوات الاجتماعية، وبعد أن تناثرت أوهام نهاية التاريخ الفوكويامية ومقولة انتصار الرأسمالية النهائي، التي ازدادت انفلاتًا وشراسة وقسوةً، بعد تفرد الرأسمالية الإمبريالية الأميركية في الهيمنة على النظام العالمي، منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. وتمظهر سقوط هذه الأوهام، في فشل هذا النظام في تحقيق ما وعد به من تعميم الديمقراطية والرخاء والسلام، وفي تصاعد الحروب العدوانية الخارجية، وفي تدمير الدول، وفي تجويف مؤسسات الديمقراطية الغربية المؤسساتية (البرلمان والصحافة والقضاء) والشعبية (النقابات العمالية، والتنظيمات المهنية الأخرى) من بُعدها التمثيلي للشعب.

وعليه ، تحولت الشركات الكبرى غير المنتخبة إلى القوة التي تُملي على الناس نمطا حياتيا استهلاكيًا فردانيًا غير عادل وغير إنساني، وتوسع نطاق اللامساواة تجاه غالبية المواطنين، وبات اصطلاح سيطرة 1٪ مقابل 99٪ ، متداولاً في خطاب حركات الاحتجاج العالمية. وقد أعادت ثورات الشعوب العربية، التي كان باعثها ولا يزال، توأم الاستبداد والفقر، الابن الشرعي للنظام الرأسمالي

_______________________________________________

(1)Philip Mirowski, Dieter Plehwe, The road from Mont Pèlerin: the making of the neoliberal thought collective, Harvard University Press, 2009,

(2)Milton Friedman “Neo-Liberalism and its Prospects”, Farmand, 17 February 1951, pp. 89-93.

(3)Ibid,pp.89-93 .

النيوليبرالي، تسليط الأنظار إلى عطب هذا النظام العالمي، من خلال انتقال عدوى هذه الثورات والانتفاضات إلى دول الجنوب الأوروبي، والى داخل أميركا نفسها  حركة “احتلوا وول ستريت” مثالاً. زخرت محطات التلفزة والصحف والمواقع الالكترونية في الآونة الأخيرة بنقاشات بحثت  بعمق الليبرالية الاقتصادية التي حكمت العقود الماضية وبمطالبات بتصحيح النيوليبرالية وبناء نظام ديموقراطي اجتماعي ذي بعد انساني يخلق مجتمعا رحيما أكثر عدلا يعطي للمجتمع أسبقية وأولوية على الاقتصاد القائم على النمو والربح.

وعندما تنبأ البروفيسور فرانسيس فوكوياما في أطروحته: (نهاية التاريخ) في أواخر القرن الماضي، وقال إن الديمقراطية الرأسمالية هي النموذج النهائي للتطور البشري الأيديولوجي للإنسانية  وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ، فإنه لم يكن يدرك أن هذا الطرح الأيديولوجي أيضا لم ينطلق من رؤى واستقراءات عميقة في التاريخ والصيغ والنماذج البشرية، وأنه ربما سيفاجأ بما حدث للنظام المالي الرأسمالي في الولايات المتحدة الذي أعتبره نهاية النهايات لكل الفلسفات والأفكار الإنسانية، وأصبحت الاقتصاديات العالمية تعيش زوابعه السلبية وأثرها على الأمم في عيشها واستقرارها، آخرها الأزمة المالية التي عصفت بالغرب منذ عدة سنوات وما صاحب ذلك من ظاهرة الشعبوية وصعود اليمين ومرورا بالتحدي الصيني الروسي والأن جائحة كورونا التي ظهرت كأزمة من الازمات التي تواجه النموذج الليبرالي .وتساءلت الكاتبة عديلة نورين قائلة: إذا اعتبرت الليبرالية الاقتصادية علاجا لجميع المشاكل التي تواجهها البشرية، فلماذا تدخلت الدول في إيطاليا وأسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وحتى في جنوب آسيا وأفريقيا لمحاربة وباء الفيروس التاجي، ولماذا دولة اشتراكية مثل الصين هي أفضل حالا في مكافحتها لهذا الوباء؟

إن هذه الأزمة التي يعيشها العالم اليوم، قد تعصف بكل مكتسبات الليبرالية، وتجعلها على المحك، لاسيما مفهوم الدولة والنظام العالمي، بعبارة أخرى، إن أي تغيير يمس بُنية النظام العالمي في هذه اللحظة، قد يؤدي، في الأخير، إلى اشتعال العالم بالحروب والفوضى الهدامة، وعليه، كما يقول هنري كيسنجر، «ينبغي لديمقراطيات العالم الدفاع والحفاظ على القيم التي ورثناها من فترة الأنوار». يبدو أن توجس كيسنجر من العودة إلى حالة الطبيعة في محله، فأحداث التاريخ تدل على أن الأوبئة لطالما ساهمت، بشكل أو بآخر، في نشوب الحروب والكوارث الاقتصادية المدمرة، كالمجاعات والصراع على الغذاء، وما يؤكد هذا الرأي أكثر هو انتهاج الدول الإغلاق العام، كإجراء وقائي، بحيث باتت دول العالم، بين عشية وضحاها، قرى منفصلة، بعد أن كانت قرية صغيرة، لا قانون يحكمها إلا قانون الغاب، حيث الصراع على الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي في عرض البحر، يتصدر الأخبار في وكالات الأخبار العالمية.(1) ذلك الواقع الصادم للنيوليبرالية والرأسمالية العالمية الذي أفرز لها زلزال (كوفيد-19)، بعد أقل من سنتين، رغم اختلاف التحليلات والنظريات حول دوافعه وتبعاته الاقتصادية/الاجتماعية، إلا وأنه نجح في تعرية تلك المنظومة الرأسمالية الهشة وأسقط عنها كافة الأقنعة بداية من تردي البنية ومنظومة الرعاية الصحية إلى سقوط رطانة الحقوق الإنسانية في العلاج والسلام والرفاه التي طالما يثرثر بها الغرب.“جان دومينيك ميشال”، عالم اجتماع وإنثروبولوجيا صحيّة، وخبير صحّةٍ عامة مقيم في سويسرا، أنكبّ منذ أكثر من ثلاثين عامًا على دراسة أنظمة الرعاية الصحيّة وتطبيقها، انتقد في مقاله العلمي الإجراءات الإحترازية ورد فعل أغلب دول العالم المتقدم الغير علمي حيال الجائحة الوبائية؛ قائلًا: “نحن عالقون بين فكَّي كمّاشة، تتجلّى في الضرر الكبير الذي يتسبّب به الفيروس للسواد الأعظم من الناس وخطورته الشديدة في حالاتٍ معيّنة. ما تمّ اعتماده على أرض الواقع من تدابير، بعيدٌ كل البُعد عن الممارسة المثالية: إذ أن عدم التقصّي عن المرض كما يجب، والإبقاء على السكان في حالة حجر لوقف انتشار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سعدون يخلف,كيسنجر والوباء:كورونا سيغير العالم الى اللأبد,صحيفة القدس العربي ,الأربعاء 24يونيو,2020:البريد الألكترونيhtpps://www.alquds.ro.uk/category         :

الفيروس، يُعد الإستراتيجية الأكثر هشاشةً في مواجهة أي وباء، لا بل الاحتمال الأخير ـ وربما الأضعف ـ عندما تعجز كل الوسائل الأخرى عن السيطرة الفعّالة على الوباء، إذ أننا لا نقوم إلا بإبطاء انتشاره والحد من آثاره الإرتدادية وحسب”. (1)

مُجيبًا على سؤال طرحه عن الأسباب وراء هذا الوضع السيء: “الجواب ببساطة هو أننا فشلنا في إيجاد الإجابات الصحيحة في الوقت المناسب. ويتجلّى مدى غرقنا في هذه الأزمة، من خلال إفتقارنا للعدد اللازم من اختبارات التقصّي عن الإصابة بفيروس (كورونا)، ففي الوقت الذي جعلت فيه بلدان: ككوريا وهونغ كونغ وتايوان وسنغافورة والصين؛ من اختبارات تقصّي المرض أولويةً قصوى، تجد غالبية البلدان واقفةً موقف المتفرّج، عاجزة بسلبيتها عن ترتيب أبسطاولوياتها على وجه الخصوص لرسم مسارات الانتقال الممكنة لدى كلّ حالة تثبت إيجابيتها، فبالاستعانة بالهواتف الذكية، يمكن إجراء جرد لتنقلات هذه الحالات والأشخاص الذين تواصلوا معهم في الـ 48 ساعة التي سبقت ظهور الأعراض”.لا يختلف الفيروس بين بلد وآخر، ما يختلف ببساطة هو خصائص الاستجابة الصحية له، وهو ما يصنع كل الفرق بين آلاف الوفيات في بعض البلدان، وحالات معدودة في بعضها الآخر.(2)

وبينما يرى الكاتب والمؤرخ الأميركي، “مايك ديفيس”، أن انتشار الفيروس لم يكن مثيرًا للدهشة؛ حيث أن فكرة انتشار وباء وشيك كانت تهيمن على أذهان علماء الأوبئة منذ تفشي مرض “سارس” في عام 2003، مؤكدًا على أنه بعد ظهور “إنفلونزا الطيور” في عام 2005، نشرت الإدارة الأميركية “إستراتيجية وطنية طموحة لمواجهة جائحة الإنفلونزا”، تستند إلى اكتشاف أن جميع المستويات من نظام الصحة العامة الأميركي غير مستعدة تمامًا لأي تفشي فيروسي واسع النطاق, بعد الذعر من “إنفلونزا الخنازير” في 2009، جرى تحديث الإستراتيجية. وفي 2017، قبل أسبوع من تنصيب “ترامب”، أجرى مسؤولو إدارة “أوباما”، بالتعاون مع مسؤولي إدارة “ترامب” الجدد، محاكاة واسعة النطاق لاختبار استجابة الوكالات الفيدرالية والمستشفيات في مواجهة جائحة قد تنشأ في ثلاثة سيناريوهات مختلفة، من “إنفلونزا الخنازير” أو فيروس “إيبولا” أو فيروس “زيكا,أخفق النظام بالطبع ,في منع تفشي المرض. تُمثل جزءً من المشكلة, في الكشف عن الفيروسات والتنسيق. وتُمثل الجزء الآخر, في عدم كفاية المخزون وعدم كفاءة سلاسل التوريد، التي تُعاني من اختناقات واضحة، مثل الإعتماد على عدد قليل من المصانع الخارجية لإنتاج معدات الحماية الحيوية. علاوة على ذلك، هناك إخفاق في الاستفادة من التقدم الثوري في التصميم البيولوجي على مدى العقد الماضي من أجل تخزين ترسانة من الأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات الجديدة. (3)

ويوضح “ديفيس” العلاقة الطردية بين العولمة الرأسمالية وحماية البيئة وخلق صحة عامة سليمة للإنسان، بأن العولمة الاقتصادية؛ وهي الحركة الحرة المُتسارعة للتمويل والاستثمار داخل سوق عالمية واحدة تعجز فيها القوى العاملة نسبيًا عن الحركة وتُحرم من القدرة التقليدية على المساومة، تختلف عن الترابط الاقتصادي الذي تُنظمه الحماية العالمية لحقوق العمال وصغار المنتجين.(4)

بدلًا من ذلك، نرى نظامًا عالميًا تراكميًا، يكسر الحدود التقليدية بين الأمراض الحيوانية والبشر في كل مكان، ويزيد من قوة احتكار العقاقير الطبية، ويضاعف من حجم النفايات المسببة للسرطان، ويدعم سيطرة الأقلية الرأسمالية، ويقوض الحكومات

  • جان دومينيك ميشال , (“كوفيد-19”.. هل هي نهاية اللعبة ؟) , صحيفة (الأخبار) اللبنانية ,الخميس 9 نيسان/أبريل 2020
  • آلان وودز ,مصدر سبق ذكره.

(2) (عن الأوبئة والرأسمالية الفائقة وصراعات المستقبل.. حوار مع مايك ديفيس) – (مدى مصر) – شريف عبدالقدوس – ترجمة نصر عبدالرحمن – 3 نيسان/أبريل 2020.

(4) (عن الأوبئة والرأسمالية الفائقة وصراعات المستقبل.. حوار مع مايك ديفيس) ,مصدرسبق ذكره.

التقدمية الملتزمة بالصحة العامة، ويُدمر المجتمعات التقليدية (الصناعية وما قبل الصناعية على حد سواء)، ويجعل من المحيطات مكبًا للنفايات(1). هذا وقد أجمل البروفسور الإيطالي، “ستيفانو مونتاناري”، وجهة نظره المتشككة في الحملات الإعلامية والدعائية والإجراءات الإحترازية التي انتهجتها أغلب الدول حيال جائحة الفيروس التاجي، والتي يراها تضخيمًا وتهويلًا دعائيًا له مأرب أخرى تتمحور حول الاستفادة الاقتصادية لصالح أطراف على حساب أطراف أخرى في اللعبة الرأسمالية العالمية الكبرى. موضحًا أن كل شيء الآن مُغلق، باستثناء “البورصة”، ويمكن لأصحاب الملايين شراء المؤسسات بأمها وأبيها بأسعار منخفضة للغاية. وعندما سيتم إعطاء الإشارة لإنهاء “العملية”، سيتحولون فجأة إلى أصحاب ثروات ضخمة. سيُصبح أصحاب الملايين من أصحاب المليارات، وسيُصبح الأغنياء أكثر غنى، وستُصبح الطبقة الوسطى فقيرة.

وختم “مونتاناري” كلامه قائلًا: “أعتقد أن كل شيء تم ترتيبه لأجل ذلك. ومن أجل ربح المليارات مستقبلاً من بيع اللقاح الذي يزعمون أنه سيكون لقاحًا عجيبًا. سيكون لقاحًا مخصصًا ليُشفي من فيروس متغير، فيروس لا يمكن أن تكون هناك مناعة حياله، وهذا يعني أنه لا يمكن أن يُقي من فيروس متغير، فيروس لا يمكن أن تكون هناك مناعة حياله، وهذا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك لقاح…”. (2)

أما البروفسور الروسي، “فالنتين كاتاسونوف”، أستاذ الاقتصاد بجامعة العلاقات الدولية بموسكو، فقد حرص على بناء رؤية شاملة حول أزمة الرأسمالية العالمية الحالية والمترجمة في عدة ظواهر تراكمية منذ انفجارها عام 2008؛ كان أبرزها مؤخرًا الصراع “الأميركي-الصيني” والجائحة الوبائية (كوفيد-19)، تلك الأجواء الآنية التي يراها “كاتاسونوف” مشابهة لحد التطابق لأجواء سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية وتحديدًا للحظات تفجر الأزمة الرأسمالية نهايات العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي والمعرفة بـ”الكساد الكبير”، وبالتالي يستخلص البروفسور الروسي من تحليله أن الجائحة الفيروسية جاءت كبديل موضوعي عن نشوب حرب عالمية جديدة, وبناءً على نظرية الدورة الرأسمالية عادة ما يُشار إلى أربعة مراحل هي: “الركود؛ الكساد؛ الإنتعاش؛ والذروة”، والأخيرة هي أعلى نقطة في نهوض الاقتصاد. إنها الأزمات الدورية في ظل الرأسمالية.. آنذاك كان الجميع ينتظرون أن ينتهي التدهور وأن يبدأ إنتعاش الاقتصاد بمرور الوقت، ولكن لم يأتي الإنتعاش.. بذلت كل الجهود الممكنة بغية إنتعاش الاقتصاد بما في ذلك اللجوء إلى أفكار الاقتصادي الإنكليزي، “جون كينز”، في تدخل الدولة الحديدي في القطاع الاقتصادي، وبرنامج “روزفلت” الذي أعلن

في الولايات المتحدة تحت عنوان (New Deal-النهج الجديد)، الذي خفف نسبيًا من وطئة الركود، ولكنه لم ينتشل الاقتصاد الأميركي من الوضع الذي كان فيه، ولم تتحول مرحلة “الركود” إلى “إنتعاش” يتبعه نهوض، حينها أصبحت الحرب، الحرب العالمية الثانيةهي الطريقة الوحيدة للخروج من ذلك الوضع. يؤكد “كاتاسونوف” بأن: “وضعًا مثل هذا تقريبًا؛ بل وأسوأ منه ينشأ في

العالم اليوم، لأن أزمة 2007/2008 انتهت، ولكن الركود مازال مستمرًا حتى الآن.. حتى عام 2020”.(3)

متابعًا: “في عام 2009؛ انتهت الأزمة، ولكن الركود مازال مستمرًا حتى الآن؛ أي أكثر من عشرة سنوات، وهذا غير طبيعي، وإذا قارنا هذا الوضع بدورات أزمات أخرى، نجد أن آمد الركود الحالي طال كثيرًا، و أن مفاوضات ما جرت خلف الكواليس للخروج

  (1)“مشعل يسار” ترجمة  بعنوان: (لا حاجة للأقنعة ولا للقفازات ولا للإنحباس في المنزل، ولن يكون   هناك لقاح)، وهي ترجمة لحوار متلفز أجري مع البروفسور الإيطالي، “ستيفانو مونتاناري”، مع قناة (byoblu24)، يوم 2 نيسان/أبريل.

(2) (عن الأوبئة والرأسمالية الفائقة وصراعات المستقبل.. حوار مع مايك ديفيس) – (مدى مصر) – مصدر سبق ذكره.

(3) مقابلة أجرتها قناة (روسيا اليوم) “RT”؛ ضمن برنامج “رحلة في الذاكرة”، مع البروفسور، “فالنتين كاتاسونوف” – نيسان/أبريل 2020.

من الوضع الحالي بإشعال حرب جديدة، ولكن في هذا الوقت؛ الجميع يعلم أن إشعال حرب صغيرة ينطوي حتمًا على خطر تصاعدها وتحولها إلى حرب كبيرة قد تغدو حربًا نووية تقضي على البشرية، لذا من يعملون خلف الكواليس العالمية تخلوا عن فكرة شن حرب كبيرة كوسيلة لإنتشال الاقتصاد من دائرة الكساد، ولكن الحرب في حقيقة الأمر دائرة الآن وسوف تستمر، والفرق أنها حرب باردة، كما كان يقال في القرن العشرين؛ ويسمونها الآن (الحرب الهجينة).

أما جائحة فيروس كورونا فقد سعرت هذه الحرب الهجينة، فقد ظهرت في الوقت المناسب للنظام الرأسمالي العالمي.. ولكن الحروب عادة ما تجعل أحد المشاركين فيها منتفعًا، وثمة ما يكون في عداد الخاسرين عندما تنتهي الحرب، وقد يختفي آخرون من خارطة العالم السياسية. الحرب عادة ما تلغي الديون الكبيرة، فبعد الحرب ما إن يزول الدائن، وهذا ما حدث في السابق، وإما أن يتحول المدين إلى دائن، “أميركا” مثالًا على ذلك؛ فبعد أن كانت أكبر مدين في العالم إنخرطت في الحرب العالمية الأولى فأصبحت أكبر دائن.

ويرفض “فالنتين كاتاسونوف”؛ وضع أي تنبؤات بما ستأول إليه أزمة الرأسمالية العالمية فيما بعد الجائحة الفيروسية “الاقتصادية”، لافتًا إلى الوضع الحالي لأميركا التي يرى أنها تُعاني حربًا أهلية اقتصادية في جوهر الأمر، قائلًا: “ربما يبدو هذا الأمر مبالغة فاقعة، ولكن أميركا تشهد الآن صراعًا بين ترامب وأولائك الذين يسمون الدولة العميقة، ونتيجة هذا الصراع الداخلي سيتحدد موقع الولايات المتحدة في العالم، يُحاول ترامب عمليًا أن يُعيد الجن إلى الزجاجة التي أطلق منها عام 1944، عند إقامة نظام بريتين وودز المالي العالمي، آنذاك بالتحديد إتخذ القرار بأن يُصبح الدولار المرتبط بمكافيء ذهبي عُملة دولية، وهكذا ظهر معيار الدولار الذهب،  أن قرارات مؤتمر بريتين وودز عام 1944 قد لاقت رفضًا شديدًا في الكونغرس الأميركي”. (1) أما “مايك ديفيس” فيرى في الأزمة الحالية أنها تُجبر رأس المال، كبيرًا وصغيرًا، على مواجهة الإنهيار المحتمل لسلاسل الإنتاج العالمية وعدم القدرة على إعادة توفير إمدادات أرخص من العمالة الأجنبية باستمرار. في الوقت نفسه، تُشير إلى أسواق جديدة مهمة أو قابلة للإتساع للقاحات وأنظمة التعقيم وتكنولوجيا المراقبة وتوصيل البقالة للمنازل، وما إلى ذلك. ستؤدي المخاطر والفرص مجتمعة إلى إصلاح جزئي: المنتجات والإجراءات الجديدة التي تُقلل من المخاطر الصحية الناجمة عن استمرار ظهور الأمراض، بينما تُحفز في نفس الوقت زيادة تطوير “رأسمالية المراقبة”. لكن من شبه المؤكد أن هذه الحماية ستكون محدودة – إذا تُركت للأسواق والأنظمة القومية الاستبدادية – وسوف تقتصر على الدول والطبقات الثرية. سوف يعززون الجدران بدلًا من إزالتها، ويعمقون الانقسام بين إنسانيتين: إحداهما تمتلك الموارد اللازمة لتخفيف تبعات تغير المناخ والأوبئة الجديدة والأخرى لا تمتلكها. ومن المحتمل أن الأزمة الحضارية في عصرنا مُحددة بعدم قدرة الرأسمالية على توفير الدخل لغالبية البشرية، أو توفير الوظائف أو الأدوار الاجتماعية الهادفة، كما أنها عاجزة عن وقف إنبعاثات الوقود الإحفوري، وترجمة التقدم البيولوجي الثوري إلى ما يخدم الصحة العامة. هذه أزمات متداخلة، لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ويجب النظر إليها ككل متراكب, وليس كقضايا منفصلة. ويمكن القول إن الرأسمالية الفائقة أصبحت في الوقت الراهن قيدًا يُكبل محاولات تطوير قوى الإنتاج اللازمة لبقاء جنسنا البشري على قيد الحياة”. (2)

   من ناحية ثانية، ترى بعض التقارير المهمة أنه بينما كانت العولمة تخدم أنظمة رأسمالية دولية على حساب الفقراء فى العالم الثالث، فإن كورونا قد تخطى تلك الفوارق الطبقية وأوجد ما يمكن تسميته بـ«اشتراكية المرض»؛ بحيث أصبح الفقير والغني معرضين بنفس

_____________________________________________________

(1)مقابلة أجرتها قناة (روسيا اليوم) “RT”؛ ضمن برنامج “رحلة في الذاكرة”، مع البروفسور، “فالنتين كاتاسونوف”,مصدرسبق ذكره.

(2)عن الأوبئة والرأسمالية الفائقة وصراعات المستقبل.. حوار مع مايك ديفيس) – (مدى مصر) – مصدر سابق.

  الدرجة لهذا الوباء الذى أصبح عابرا للطبقات الاجتماعية بكل درجاتها وتصنيفاتها (بى بى سى، 28 مارس 2020). هذا الوضع قد جعل الجميع متساوين، من حيث العجز، أمام مواجهة هذا الوباء.(1)

 أظهر وباء كورونا مدى عجز وعدم اتزان بعض جوانب النموذج النموذج الليبرالي الغربي خصوصا أمام قضايا الصحة والسلامة والوعي البيئي فالصحة من منظور السياسة الاقتصادية والعامة مصلحة عامة عالمية لا يمكن انتاجها كسلعة وبيعها للمستهلكين الأفراد فقد أظهر وباء كورونا التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الافتقار الى نظم الصحة والرعاية في جميع الدول وغياب القواعد العالمية لحماية الصحة .

فقد كشفت الجائحة الوبائية هذه عن خلل في الأيديولوجيا الليبرالية التي يتبعها النظام العالمي ذا أثرفي نمط التفكير بالمنفعة الاقتصادية  لدى قادة هذه الدول إلى تأخير إجراءات الحجر خشية أن تؤدي هذه الإجراءات إلى خسائر اقتصادية كما أدى انتشار الجائحة في أوروبا إلى غياب مفردات التكامل والتعاون الأوروبية لتحل محلها مفردات السيادة والقومية والأمن القومي كما وحلت سياسات الحدود المغلقة بدل سياسات الحدود المفتوحة التي كانت سائدة فيما بين دول الاتحاد الأوروبي بفعل منظومة التكامل الأوروبية . (2)

وفي خضم هذه التحولات أصبحت الليبرالية الغربية أمام تحد وجودي فمع انتشار الأثار الصحية والاقتصادية بسبب تفشي وباء كورونا عبر أرجاء العالم تنزلق الإنسانية الى أسفل عام 2020 ويتحول الشعار الشهير لآدم سميث ” دعه يمر دعه يعمل ” الى شعار مأساوي ” ابقى في بيتك ومت في بيتك ”.

المبحث الثاني:- المتغيرات الجيوسياسية لفيروس كورونا وأفول النيوليبرالية.

عالم ما قبل وباء «كورونا» ليس عالم ما بعد الوباء. التعرف على هذا العالم الجديد في ظل التطورات الراهنة يبدو صعباً، ولكنه يستحق المجازفة الفكرية. المؤشرات الأولية توحي بتوقعات واستنتاجات سيكون لها دور في كتابة تاريخ جديد للعالم المعاصر. هناك من كشف وباءُ «كورونا» ثغراته وحدودَه وقدراته في الحفاظ على الإنسان كمرتكز للحياة بكل أبعادها، وهناك من أظهر الوباء إمكاناته التي تؤهله لقيادة العالم والتربع على قمته بعض الوقت، ليس لأنه يمتلك تقنيات حديثة وذكاءً صناعياً قابلاً للاستخدام في مجالات لا حصر لها وحسب، بل لأنه وضع حماية الإنسان على قمة أولوياته.

يرى العديد من الخبراء  أن الصين تحاول التموقع كزعيم عالمي بديل و ربما تعتبر بيكين إن فشل الولايات المتحدة حتى الآن في الحرب المعلنة على كورونا و مواقف الرئيس الأمريكي الفجة  يؤهلها لهذا التموقع الجديد  لقد وُلِدَ النظام الدولي الحالي بعد الحرب العالمية الثانية، فعلى إثرها انهارت الإمبراطورية البريطانية، وحلت مكانها “الإمبراطورية” الأمريكية، لقد بلغت بريطانيا في أوج قوتها مرتبة

 (1)عنترعبد العال ابوقرين ,عالم ما بعدكورونا:رؤية استشرافية,جريدة الشروق,13يونيو2020,الموقع الألكتروني:http//shorouknews.com

(2) حسن فاضل ، النظام المريض: أزمة النظام العالمي في ظل جائحة كورونا ، مركز أوراسيا للدراسات السياسية: https://katehon.com/ar

 “أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ”، واحتلت طوال قرن لقب “القوة العالمية الأولى”، ومع أنها خرجت منتصرة في الحرب فإنها كانت قد هَرمَت، فجاءت الحربان العالمية الأولى والثانية لكي تُطيحا بها، فما لبثت أن تخلت عن مستعمراتها التي لم تغب عنها الشمس.

كانت أمريكا قُبَيل دخولها الاضطراري في الحرب تُفضل العزلة الدولية، مستندة إلى عقلية الجزيرة الحصينة البعيدة عن مواطن النزاع في أوروبا، ولم يزد تعداد جيشها قبل الحرب على 174 ألفاً، ليحتل بذلك المرتبة الرابعة عشرة على مستوى العالم. إن الذي ساعد الولايات المتحدة على تحقيق قفزات إستراتيجية سريعة هو الطبيعة الديناميكية المنفتحة للمجتمع الأمريكي، فهو مجتمع مهاجرين، شديد التنوع، يحتفي بالنجاح والابتكار كذلك التفوق العسكري الأمريكي صاحبه تفوق دبلوماسي واقتصادي، فغنائم ما بعد الحرب صبّت جميعاً في مصلحة أمريكا، فتأسست الأمم المتحدة وجُعِل مقرها في نيويورك، وأصبح الدولار المرتبط بالذهب عملة عالمية قياسية بفضل اتفاقية بريتون وودز، وتأسس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومقرهما في واشنطن لقد صارت الولايات المتحدة صاحبة اليد العليا، وتخلّت أوروبا عن كبريائها التاريخي، وقبلت أن تسير خلف القيادة الأمريكية.(1)

إن التغيرات العالمية لا تحصل دفعة واحدة، إنما بشكل ممهد، ولا شك أن التمهيد لهذه التغيرات بدأ منذ أحداث 11 سبتمبر، ومن ثم انتشار الإرهاب في الشرق الأوسط، ومن ثم سيطرة تنظيم “داعش” على سوريا والعراق، في مقابل فشل الولايات المتحدة الأميركية في قيادة هذه الملفات وسط تقدم روسي صيني في صورة التفاعل الدولي، كما أن انتشار الوباء الجديد لا يشبه ما قبله من أحداث بل هو أكثر فتكاً وتطوراً بشكل يفضح ترهل الدول الأوروبية وفقدان الولايات المتحدة الأميركية على السيطرة، في مقابل تطور صيني في طرق القيادة والإدارة والمساعدة أذهل العالم، وقدرة روسيا على التعامل بشكل أفضل من الإدارة الأميركية، كل هذا ما يبنأ بتغيرات لكن في وقت يرتبط بما سترسمه خارطة انتشار الكورونا وتفاعلها.

المؤكد الآن أن جائحة فايروس كورونا من حيث النتائج أصبحت حدثا عالميا ومتغيرا جديدا ستكون له تأثيراته الحتمية وانعكاساته المتباينة على كافة أنشطة وتفاعلات السياسة الدولية حاضرا ولأجل غير قصير مستقبلا على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الثقافية وسيشهد العالم متغيرات جيو سياسية غير معهودة.(2)

ولا شك أن الأحداث الانفة الذكر سبّبت تغييرات جيوستراتيجية كبرى في العلاقات الدولية وسياسات الدول.

وفي حدث تاريخي يحمل معنى عميق، هبطت طائرة صينية في روما، عاصمة إيطاليا، التي أصحبت مركز أوروبا لانتشار فيروس كورونا، في الثاني عشر من مارس/آذار 2020، وهي تحمل تسعة خبراء في مجال الصحة العامة و31 طنًا من الإمدادات الطبية بما فيها وحدة العناية المركزة، ومعدات الحماية الطبية، والأدوية المضادة للفيروسات. في الوقت ذاته، عرض رجل الأعمال الصيني جاك ما، مؤسِّس مجموعة علي بابا، التبرع بتقديم 500 ألف وحدة لاختبار الإصابة بفيروس كورونا ومليون كمامة طبية للولايات المتحدة التي أعلنت حالة طوارئ عامة بسبب تفشي الوباء في الأسبوع الثاني من شهر مارس/آذار. كانت الصين بمثابة “ورشة العالم” خلال العقود الثلاثة الماضية لكونها وفَّرت ربع المصنوعات في العالم، كما يقول أستاذ الاقتصاد والحائز على جائزة نوبل بول كروجمان

 (1)عنترعبد العال ابوقرين ,عالم ما بعدكورونا:رؤية استشرافية,جريدة الشروق,13يونيو2020,الموقع الألكتروني:http//shorouknews.com

(2)Jeffrey D. Sachs, “Will America Create a Cold War With China?”, Horizons, Journal of International Relations and Sustainable Development, No.13, Winter 2019, p. 28-39

 (Paul Krugman). واليوم تنصِّب الصين نفسها الطبيب ومختبر الصحة العامة بالنسبة للغرب.(1)ومنذ بداية انتشار الوباء ولحد الان ، تشير الجهود المتعثرة لاحتواء وباء كورونا في أوروبا ومناطق أخرى إلى الحاجة لتحوُّل نَسَقِي في إدارة الصحة العامة والاستراتيجيات الاقتصادية والأمن البيولوجي ومراجعة محتملة لليبرالية الجديدة.

البريد الالكتروني:https//albasbernewspaper.com

في وقت سابق من فبراير/شباط، طلب ممثل إيطاليا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، ماوريتسيو ماساري، المساعدة من الأوروبيين عبر مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ. . وقال: “لقد طلبنا إمدادات المعدات الطبية، وأحالت المفوضية الأوروبية الاستئناف إلى الدول الأعضاء، لكن ذلك لم يلق أي استجابة”(2)يعمل مركز التنسيق كوحدة للأزمات في الاتحاد الأوروبي، ويرصد الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان على مدار الساعة، ويدير حاجة أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي التي لا يمكنها التعامل مع الأزمة بمفردها، ويوجه النداء إلى الدول الأعضاء الأخرى التي يمكنها بعد ذلك التطوع بتقديم المساعدة.أثار التجاهل الأوروبي لكارثة إيطاليا، وهي في قلب القارة، مشاعر الاستياء بين الإيطاليين الذين شعروا أنهم خُذِلوا من قِبَل الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي عدة مرات، وذلك في أوج هجمة فيروس كورونا وفي ذروة أزمة اللاجئين عام 2015، عندما وصل حوالي 1.7 مليون فرد إلى المناطق الجنوبية للاتحاد الأوروبي. وينطوي تصريح المندوب الإيطالي على مذاق المرارة لغياب التضامن في أوروبا. فهو يقول: “إن أزمة فيروس كورونا شبيهة بأزمة اللاجئين، فالبلدان التي لم تتأثر على الفور ليست في الغالب على استعداد لتقديم المساعدة. ومن الواضح أن لدى هذه الدول تصورات مختلفة بشأن التهديد القائم. نحن نشعر أن فيروس كورونا يمثل تهديدًا عالميًّا وأوروبيًّا يحتاج إلى استجابة أوروبية، لكن الدول الأخرى لا ترى ذلك بهذه الطريقة”(3). أثار هذا الموقف السلبي في بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، حيرة المراقبين السياسيين. وأثار أسئلة جديدة حول الغاية من الاتحاد الذي كان يُنظر إليه في وقت من الأوقات على أنه أكثر تحالف موحَّد وأكثر استراتيجية ما فوق بنية الدولة في العالم. وتلاحظ إليزابيث براو , مديرة مشروع الردع الحديث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، أن دول الاتحاد الأوروبي “بتنازلها المخزي عن المسؤولية، فشلت في تقديم المساعدة الطبية والإمدادات لإيطاليا أثناء تفشي المرض. والآن الصين تملأ ذلك الفراغ”(4). ترددت في بعض الأوساط الإعلامية والسياسية تفسيرات تآمرية لانتشار مرض كورونا، على الرغم من أن الفيروس أثبت قدرته على إصابة الجميع، سياسيين وغير سياسيين، وعبر العالم، حيث لا يمتلك أحد، إلى الآن، القدرة على التحصين منه بلقاح أو الدفاع المسبق ضد العدوى.

ومع ذلك، لم يسلم كورونا من تسييس حينما أخذ “يتم تصوير التهديد القادم من الفيروس بأنه أجنبي”(5)، وهو ما ظهر على الخصوص مع تبادل الاتهامات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية حول أصل الفيروس القاتل.

________________________________________________________.

(1) د.عبد الرحمن الخزرجي: المتغيرات العالمية الجديدة بعد جائحة كورونا,25,ابريل,2020

(2)Elizabeth Braw, “The EU Is Abandoning Italy in Its Hour of Need”, Foreign Policy, March 14, 2020, https://foreignpolicy.com/2020/03/14/coronavirus-eu-abandoning-italy-china-aid/

(3)Ibid.                                                                                                                                      

(4)Ibid.

(5) محمد الشرقاوي، “التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 2)”، مركز الجزيرة للدراسات، 30/3/2020، ص 8، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/3bVbez0

وقد تحوّل سؤال منشأ الفيروس الجديد إلى أداة للوصم وحملة للتشويه المتبادل بين الولايات المتحدة والصين، حيث زعم المتحدث باسم الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، أن “الجيش الأميركي جلب فيروس كورونا إلى مدينة ووهان” التي ظهر بها أول مرة. وفي مقابل ذلك، استخدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبارة “الفيروس الصيني”، وبدوره سعى وزير خارجيته، مارك بومبيو، لتحميل الصين مسؤولية تفشّي الوباء، وأطلق عليه مرارًا تسمية “فيروس ووهان”(1). وتعكس هذه التسمية ما ذهب إليه تقرير لصحيفة ذاديلي ميل البريطانية The Daily Mail احتملت فيه أن يكون اندلاع الفيروس ناتجًا من تسرب بيولوجي من مختبر ووهان الوطني للسلامة الأحيائية الذي يهتم بدراسة مسببات الأمراض الأكثر خطورة(2). غير أن انعدام الثقة بين الولايات المتحدة والصين في مجال التسلح البيولوجي، أو حتى بالنسبة إلى الحوادث البيولوجية، ليس بالجديد؛ فقد استمر في الحضور حتى بعد انضمام البلدين معًا إلى معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية، حيث سبق للأميركيين أن اتهموا الصين في تسعينيات القرن الماضي بزراعة داء البروسيلات*.

وفي المقابل، احتمل خبراء عسكريون صينيون أن تكون جراثيم الجمرة الخبيثة في هجمات عام 2001 على مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين قد تسربت من معامل الجيش الأميركي، بل أكثر من ذلك، ذهب البعض الآخر منهم إلى أن الولايات المتحدة هي من قامت بتسليح مرض “سارس” وإنفلونزا الطيور في عامي 2002 و2003.

وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات المتبادلة بين الطرفين لم يتم إثباتها من قبلُ بأدلة موثوقة، فإن المنشورات العلمية الرسمية لنتائج الأبحاث الجارية في مختبرات الكيمياء البيولوجية لديهما تشير بالفعل إلى نشاط بحثي مستمر ومنظم يتعلق في بعض أبعاده بسباق تسلّح بيولوجي من خلال السعي لتطوير التقنيات البيولوجية وتخليق الفيروسات أو تعديلها وراثيًا.

وفي ظل استمرار عدم الثقة المتبادل بوصفه رمزًا إلى معضلة أمنية كلاسيكية بين الطرفين، فإن الادعاء بأن الفيروس التاجي الجديد هو سلاح بيولوجي يظل غير مدعوم علميًا، لكن نقيضه مدعوم تمامًا من الناحية العلمية كما سيرد تاليًا؛ فقد أشار العلماء إلى أن الطفرات في الفيروس “تتوافق تمامًا مع التطور الطبيعي”. ووفقًا لـمجلة ذا لانسيتThe Lancet، استنتج علماء من دول متعددة على نحو ساحق “أن الفيروس التاجي الجديد نشأ في الحياة البرية”(3)

ويردِّد الجدل السياسي الحالي في الولايات المتحدة وأوروبا حول فيروس كورونا صدى الانعزالية وسياسة الأبواب المغلقة. ويستغل الأميركيون ذوو العقلية الترمبية وأيضًا بعض الأوروبيين المتشكِّكين في الوحدة الأوروبية عامل الخوف من الوباء لفرض المزيد من

الحواجز وأمن الحدود. وخلال جدلهم بشأن الهجرة والإرهاب، يجادل هؤلاء اليمينيون والشعبويون بأن فيروس كورونا يبرِّر مخاوف القلق بشأن الحاجة لحماية حدود بلادهم. ويتمُّ تصوير التهديد القادم من الفيروس على أنه “أجنبي، وأن الرد هو بناء الجدران ووقف الرحلات الجوية.

____________________________________________

 (1)”فيروس كورونا: اتهامات بشن حملات تشويه بين واشنطن وبكين وترامب يدافع عن عبارة ’الفيروس الصيني‘”، فرانس 24، 17/3/2020، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/2V33p3F

(2)هل هرب فيروس كورونا القاتل من مختبر بيولوجي صيني؟”، الجزيرة نت، 25/1/2020، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/2x3JlpS

 (3)Yanzhong Huang, “U.S.-Chinese Distrust is Inviting Dangerous Coronavirus Conspiracy Theories,” Foreign Affairs, 5/3/2020, accessed on 5/4/2020, at: https://fam.ag/2UHd9lg

*هو مرض حيواني المنشأ شديد العدوى، ينتج من تناول حليب غير مبستر أو لحم غير مطهو جيدًا، من منتجات الحيوانات المصابة، أو من الاتصال المباشر بإفرازاتها. كما يعرف أيضًا بـ الحمى المتماوجة والحمى المالطية وحمى البحر المتوسط.

ووفقًا لهذه السردية، تزيد العولمة في التسريع من نطاق التهديد”(1).في فرنسا، دعت مارين لوبان (Marine Le Pen) زعيمة “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، المعروف سابقًا باسم “الجبهة الوطنية”، لإغلاق حدود فرنسا مع إيطاليا. وعقب اجتماعها مع رئيس الوزراء إدوارد فيليب، قالت للصحافيين: “إنني أطلب فرض السيطرة على حدودنا. أشعر وكأنني أسأل عن القمر، بينما ينبغي أن يكون إجراء الفحوصات في الواقع على حدود البلاد أول فعل من قبيل المنطق السليم”.

وحذَّرت زميلتها (أوريليا بكينيو )من أن “التداول الحر للسلع وحركة الأشخاص وسياسات الهجرة والضوابط الضعيفة على الحدود تسمح بانتشار هذا النوع من الفيروسات”(2) وقد تكون المدن العالمية شديدة الارتباط بقوى الاقتصاد المتعاظمة، ولكنها تظل أيضًا نقاط ومرافئ دخول العدوى. ويقول البعض إن العيش في “مدن تربطها جسور جوية هو موقف تحسد عليه”( (3

ويرى الدكتور سالم بأن الطلب على النفط سيقل بشكل كبير حتى في الفترة المقبلة، وأن الاقتصاد العالمي سينكمش كثيراً، وأن الامريكان يشعرون بقلق على وظائفهم وعلى رواتبهم. ويرى أيضاً بأن هناك مشكلة بين الولايات المتحدة والخليج في الوقت الراهن؛ بسبب ما تقوم به السعودية من مضاربات في اسعار النفط العالمية.

أما بشأن رؤيته للنظام العالمي ما بعد كورونا، فيراه بأنهُ متعدد الاقطاب، وسيكون هناك دور كبير للصين وروسيا. وقد عرج عن رؤيته لتأثير جائحة كورونا على المنطقة، قائلاً: هناك خطر كبير ايضاً في الدول التي تعيش عدم الاستقرار مثل (العراق والجزائر واليمن ولبنان ومصر)، واصفاً أزمة كورونا، بانها اكبر ازمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية وهي ازمة تاريخية، إذ يعتقد، بان الضغوط التي تسببت بها هذه الازمة في جميع البلدان ستجلب الأولويات الوطنية، ناصحاً زعماء العالم والمنطقة، بان يغتنموا الفرصة لتقويض النزاعات في المنطقة في اليمن والتوصل الى تسوية في ليبيا، والوضع المعقد في سوريا. فضلاً عن العلاقة المعقدة بين امريكا وايران وهشاشة الوضع في العراق ولبنان وبعض دول المنطقة، قائلاً: الناس لا يمكنهم المكوث في منازلهم اكثر من هذا، وقد تكون هناك احتجاجات كبيرة، ستحرج الحكومات والانظمة الحاكمة في بعض دول المنطقة.(4)

الجوع والفقر واليأس، بعيداً عن الاهداف السياسية. ويرى بأنه اصبح واضحاً، ان الولايات المتحدة تركز داخليا، وقد تقوم إدارة بايدن “في حال فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية” بالتفاوض مع ايران على غرار إدارة أوباما.(5)

وبشأن اجابته عن موجة الاحتجاجات بعد كورونا في المنطقة، ولاسيما في البلدان التي تعاني من مشاكل مالية وصحية وسياسية؟.  يقول بأن هذه الازمة ستفّجر الصراعات والاحتجاجات في كثير من هذه البلدان، وقد نشهد احتجاجات في الاشهر المقبلة نتيجة

أما بشأن تأثير الفيروس في علاقات الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية، يعتقد السيد بول بأن هناك ثمة قلق كبير اتجاه تزايد

______________________________________________

 (1)Anthea Roberts and Nicolas Lamp, “Is the Virus Killing Globalization? There’s No One Answer”, Barron’s, March 15, 2020https://www.barrons.com/articles/is-the-virus-killing-globalization-the…

(2)Anthea Roberts and Nicolas Lamp, “Is the Virus Killing Globalization? There’s No One Answer”, Barron’s, March 15, 2020, https://www.barrons.com/articles/is-the-virus-killing-globalization-the…

   (3)Anthea Roberts and Nicolas Lamp, op. cit.                                                                    

(4) د.بول سالم: التحولات الجيوسياسية المحتملة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ما بعد كورونا,مركزالدراسات الستراتيجية ,جامعة كربلاء,مايو,2020م.البريد الألكتروني:-http://kerbalacss.uokerbala.edu.iq

(5)      د.بول سالم:مصدر سبق ذكره.

نفوذ الصين في المنطقة، وما نخشاه من وجود فراغ، قد تستغله الصين في بغداد والرياض والقاهرة. أما بالنسبة لتأثير فيروس كورونا على المجموعات المتطرفة والعصابات، فقد يرى، بأن الازمة ربما تتيح للمجموعات المتطرفة والعصابات والمافيات، نشاط أكبر، وقد تصبح أكثر تمرداً، ولاسيما أن هذه الجماعات تعاني من سوء تمويل نتيجة هذا الازمة. وبشأن تأثير فيروس كورونا على ميزان القوى في الشرق الاوسط، يقول، بأن اثر ازمة كورونا قد يستمر لسنوات، وسيخلق ضغوطات في تركيا وإيران والسعودية وسوف تنكمش هذه الدول إلى القضايا الداخلية.

ويعتقد روبرت ساتلوف بان ايران تعاني اسوء تداعيات هذه الجائحة، لكن دورها الإقليمي لم يتأثر كثيراً بعد، ولاسيما دورها في العراق ولبنان واليمن ولم يؤثر أيضاً على برنامجها النووي. وكذلك الحال بالنسبة لتركيا التي تتصرف في ليبيا. أما بشأن إسرائيل، فأنه يرى بانها ستطرح قضايا اكثر اهمية في الضفة الغربية للتصدي إلى فيروس كورونا والقضايا الداخلية. اما بالنسبة للسعودية، فقد يرى ساتلوف بأن هناك عملية تغيير ربما نشاهدها بالنسبة لسياساتها في المنطقة اتجاه الدول العربية والاسلامية، وقد تركز اهتماماتها على الداخل في الايام القادمة اكثر مما ينبغي؛ نتيجة هذا الفيروس؛ لأن ما يهم الشعوب هو سبل العيش (الغذاء على الطاولة والوظائف والتعليم والصحة)، وهي قضايا مهمة ما بعد كورونا، ويعتقد بأن اقوى الاحتجاجات في مرحلة ما بعد كورونا، هي احتجاجات الخبز.

وبشأن المنافسة الاقليمية والجيوسياسية وصفقة القرن التي من شأنها ان تؤثر على امن المنطقة، يرى ساتلوف بأن تحدي إيران في المنطقة في مناطق (الشام والخليج) من ابرز التحديات التي من الممكن ان تزعزع امن المنطقة، فضلاً عن دورها الكبير في العراق، الذي من الممكن أن ينقل إلى الداخل العراقي، ولاسيما في ظل قواعد الاشتباك التي منحتها الإدارة الأمريكية لقواتها في مياه الخليج. وبذات السياق ادان السيد بول، سلوك السعودية في اليمن ودورها في انخفاض اسعار النفط، ويرى بان الطموحات الإيرانية والتركية والسعودية في المنطقة ستكون عامل تهديد لأمن المنطقة أيضاً.(1)

قد يؤدي صعود تيار القومية إلى إنهاء الوحدة المتوترة أصلًا داخل الاتحاد الأوروبي على نظام شنغن (Schengen) في حين لم يستقر الجدل بعد بين الأوروبيين حول “حكمة” خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي ظل المخاوف الراهنة، أقرَّت تسع دول، بما فيها ألمانيا وفرنسا، العمل بأحكام الطوارئ لإعادة بعض الضوابط في أوقات مختلفة(2). وتشير (ماري دي سوم )، رئيسة برنامج الهجرة في مركز السياسة الأوروبية، وهو مركز أبحاث مقره بروكسل، إلى أن “نظام شنغن في حالة سيئة للغاية ومثيرة للمشاكل”، وأن استعادته لكامل وظائفه يتوقف على “تغيير قواعد اللجوء والهجرة داخل دول الكتلة”(3).

في ظل أزمة «كورونا» تبدو فكرة جاذبية النظام الليبرالي، وما يرتبط بها من أفكار أخرى كالسلام الديمقراطي والتضامن الإنساني، وعدم كفاءة نظم الضبط الاجتماعي بالمطلق، بحاجة إلى المراجعة استناداً إلى تطبيقات الدول الغربية مقارنةً بالتطبيق الصيني في مواجهة فيروس «كورونا». ونشير هنا إلى ثلاث ملاحظات أولية؛ الأولى أن نظم الصحة العامة في البلدان الرأسمالية أثبتت أنها أقل كفاءة مقارنةً بمثيلتها في الصين، حيث الدولة تسيطر تماماً على منظومة الصحة العامة. والفارق هنا أن النظم الرأسمالية تعتمد على

  • د.روبرت ساتلوف: التحولات الجيوسياسية المحتملة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ما بعد كورونا,مركزالدراسات الستراتيجية ,جامعة كربلاء,مايو,2020م.البريد الألكتروني:-http://kerbalacss.uokerbala.edu.iq                             (2)Lionel Laurent, “Salvini and Le Pen Don’t Have a Coronavirus Cure, Bloomberg, February 25, 2020, https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2020-02-25/salvini-and-le-pe                                         
    • (2)                (3) Lionel Laurent,op.cit                                                                                                        .         

منظومة صحية تقوم على الربحية والمنافسة بين الشركات المقدمة للخدمة أو المنتجة للدواء من أجل تعزيز المكاسب على حساب صحة الإنسان، ويظهر ذلك في عدم فاعلية نظم التأمين الصحي وعدم شمولها قطاعات كبيرة من المجتمع. ونتيجة لذلك واجه كثيرون انتشار الوباء وهم غير مشمولين بأي نوع من الرعاية الصحية، ومن لا يملك أموالاً كافية فليس أمامه سوى الموت في الشارع أو على عتبة باب بيته.التطبيق الصيني أظهر سلوكاً مغايراً، فكل إمكانات الدولة الصحية والعلمية والتكنولوجية سُخرت من أجل حماية حياة الصينيين عبر تقديم خدمة صحية كفؤة، استطاعت أن تحاصر الوباء في مدى زمني قصير، وتجتهد بحماس كبير لإنتاج لقاح يحمي الناس ويحافظ على حياتهم. في المقابل نجد تخبطاً في السلوك الأميركي وعدم قدرة النظام الصحي العام، الهشّ أصلاً، أو حتى الخاص مرتفع التكلفة على احتواء الوباء.

فضلاً عن تدخلات الرئيس الأميركي ترمب لدى كبريات الشركات الدوائية لحثها على العمل المشترك من أجل إنتاج لقاح يقي الأميركيين، بما يعكس اليأس من قدرة نظم الربحية الصحية على مواجهة مخاطر كبرى كفيروس «كورونا». هكذا أثبتت فكرة الربحية عند تقديم الخدمة الصحية وهي السائدة في الغرب أنها نموذج مناهض لمبدأ الحق في الحياة، ما يعني أنها ليست تطبيقاً إنسانياً يصلح لأن يكون نهاية التاريخ.

الملاحظة الثانية تستند إلى ذلك البيان الشهير للرئيس الصربي الذي انتقد فيه دول الاتحاد الأوروبي التي امتنعت عن تقديم الدعم والمساندة لحكومته لمواجهة وباء «كورونا»، معتبراً أن المبادئ التي يتغنى بها الغرب عن التضامن الإنساني هي كلام فارغ لا يوجد إلا على الورق ولا أثر له في الواقع، حيث امتنعت تلك الدول عند تقديم المساعدة لبلاده، مشيراً إلى أن المساعدة ستأتي من الصين، فهي الصديق وليست دول أوروبا التي يشاركها منظومة إقليمية واحدة.

هذا الانكشاف الغربي إنسانياً يقابله سلوك صيني تضامني بدا جلياً في إرسال أطباء ومعاونين وأجهزة إلى إيطاليا لمعاونتها لمواجهة الوباء الذي قصم ظهرها على نحو غير متوقع.

الملاحظة الثالثة تتعلق بدور التكنولوجيا الحديثة المصحوبة بفكرة الدولة الفاعلة والمجتمع المنضبط في مواجهة وباء شرس وخطير يمكنه في حالة ضعف المواجهة أن يقضي على ملايين البشر. وهنا تبدو الدولة التي يراها الغرب مستبدة أو على الأقل مسيطرة على حركة المجتمع من خلال آليات غير ديمقراطية، أكثر فاعلية في حالات الخطر الوجودي. ففي حالتي إسبانيا وإيطاليا وإلى حدٍّ ما بريطانيا والولايات المتحدة، فإن أسلوب المواجهة في مرحلة احتواء الفيروس الذي يعتمد على إجراءات ذات طابع اختياري، أثبت فشله التام، وهي حالات رغم تقدمها الاقتصادي بوجه عام فقد ثبت أن أنظمتها التكنولوجية غير مؤهلة للمساعدة في تقديم خدمة طبية كفؤ على المستوى المجتمعي، إذ ليست لديها أنظمة التعرف على الوجه، ولا قدرة لها على التعامل مع «البغ داتا»، التي هي أصل مجتمع المعلومات وبناء المعرفة، على الأقل في المجال الصحي العام، وذلك على عكس الحالة الصينية. مع الأخذ في الاعتبار أن تطبيقات التعرف على الوجه تشكل تحدياً لحرية الإنسان في ظل الظروف العادية، ولكنها أثبتت فعاليتها في ظل ظرف استثنائي تمر به البشرية كلها.

ولعل المرحلة المقبلة تشهد جدلاً فكرياً وفلسفياً حول كيفية توظيف تلك التقنيات لحماية الإنسان وفي الآن نفسه الحد من توظيفها لتقييد حريته . (1) في الوقت ذاته، تستفيد بعض الأنظمة الاستبدادية، مثل الصين، من تفشي بعض الأوبئة والجائحات. ويفاخر القادة الصينيون تاريخيًّا بقدرتهم “على التغلب على الوباء كعلامة على القوة.

(1)حسن أبو طالب، عالم ما بعد «كورونا» ودورة جديدة للتاريخ https://aawsat.com/home/article

فقد عزَّز الرئيس شي جين بينغ صلاحياته وقوته، مما قد يجعله هدفًا أكثر عرضة للوم جماعي من شعب غاضب وخائف إذا فشلت التجربة. ولعل هذا هو السبب في تراجعه عن أعين الجمهور مؤخرًا، مما سمح لضباطه بإدارة الوضع الراهن”(1).وأمابشأن تأثير كورونا على الداخل الأمريكي فبحلول السادس عشر من مارس/آذار، عانت أسواق المال العالمية، بما فيها وول ستريت في نيويورك، خسارات قياسية عقب انخفاض مؤشر داو جونز بنسبة 13 في المائة تقريبًا في أسوأ نسبة انتكاسة منذ الانهيار المالي يوم “الاثنين الأسود” عام 1987. والمفارقة أن الرئيس ترامب الذي كان منشرحًا في بدايات الأزمة، عندما أبلغ مواطنيه الأميركيين بأن “فيروس كورونا سيزول، لا تقلقوا، فقط حافظوا على هدوئكم”، هو نفسه الذي أصبح يقرُّ أنهم في مواجهة “عدو غير مرئي”، وأن هذا الفيروس يمكن أن يدفع الولايات المتحدة إلى حالة الركود، مضيفًا أنها “محنة سيئة، سيئة للغاية”(2).

وتثير هذه التحولات السلبية التي تنتجها فيروسات كورونا أسئلة ملحة جديدة حول السياسة الاقتصادية التي تتبعها حكومة ترامب، والتي استرشدت بنظرية اقتصاديات الانتشار العمودي أو الاقتصاديات الريغانية ,والتي تمَّ الاحتفاء بها كمنقذ للأنظمة الاقتصادية الغربية من ركود بدايات الثمانينات خلال رئاسة ريغان في البيت الأبيض. فمن خلال اعتماد بعض الامتيازات، مثل: التخفيضات الضريبية على التزامات الشركات والأشخاص ذوي الدخل المرتفع ومكاسب الرأسمال المُستَثمر والأرباح على المدخرات، لوَّحت هذه السياسة بأن فوائد تلك الامتيازات بالنسبة للأثرياء ستتدفق نزولًا إلى بقية الفئات الوسطى والفقيرة في المجتمع.

ويكمن جوهر هذا الادِّعاء بإمكانية حركة عمودية من أعلى إلى أسفل في نمو الاقتصاد في الضبابية بين براغماتية العلم ومغالطة الأيديولوجية الرأسمالية. وقضت خطة ترامب الضريبية أيضًا بتخفيض معدلات الضريبة على الدخل الفردي، وضاعفت الخصم الاعتيادي، وألغت الإعفاءات الشخصية. وفي ضوء القرار بأن التخفيضات الضريبية بالنسبة للشركات ستظل دائمة، تنتهي التغييرات الضريبية بالنسبة لدخل الأفراد بنهاية عام 2025(3).

وإذا تكشّف مع أزمات صحية عالمية سابقة استعداد المجموعة الدولية لإدارة المخاطر التي تهدد الصحة العامة والاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي، فإن فيروس كورونا أظهر مدى انخفاض التعاون الدولي وأن القوى الكبرى على استعداد للتعاون فقط عندما تعاني دولٌ أخرى الأوبئة، أما عندما تختبر كل دولة منها قصة لمحنة خاصة، فإنها تنشغل بالتنافس على الموارد، ومن ثم العودة إلى الاقتصاد الطبيعي والتحرك نحو الاكتفاء الذاتي ومنع تصدير الإمدادات الحيوية نتيجةً لاتباع سياسة الاعتماد على الذات، بل بلغ الأمر أحيانًا حد اندلاع صراع على هذه المواد، حيث “فجّرت أزمة كورونا حربًا وتهافتًا غير مسبوقين بين دول غربية على استيراد

الكمامات، وأجهزة التنفس الصناعي لمواجهة المرض، بل اتهمت دولٌ دولًا أخرى بالاستيلاء على شحنات معدات طبية كانت موجّهة إليها”(4). عادة ما تنتج الأمراض المُعدية فرصًا للتعاون الدولي؛ إذ خلال حقبة الحرب الباردة، قام العلماء في الاتحاد

________________________________________________

(1)Laura Spinney, “Coronavirus and the Geopolitics of Disease”, The Statesman, February 19, 2020, https://www.newstatesman.com/politics/health/2020/02/coronavirus-and-ge…

(2)Ben White, “How ugly could it get? Trump faces echoes of 1929 in coronavirus crisis”, POLITICO, March 16, 2020, https://www.politico.com/news/2020/03/16/trump-faces-1929-save-economy

(3)Kimberly Amadeo, “Why Trickle-Down Economics Works in Theory But Not in Fact”, The Balance, October 27, 2019 https://www.thebalance.com/trickle-down-economics-theory-effect-does-it…;

بلاكمامات وأجهزة تنفس.. كورونا تضع الدول الغربية وجها لوجه”، الجزيرة نت، 4/4/2020، شوهد في 5/4/2020، في:(4) https://bit.ly/2UKagjr

السوفياتي السابق والولايات المتحدة بتطوير وتحسين لقاح شلل الأطفال، كما أدت روح التعاون نفسها إلى تنشيط الاستجابة الأميركية – الصينية لتفشي فيروس “سارس”(1). أما أوروبا التي ترزح في قبضة الوباء الفتاك وبدت أضعف بكثير من وحدتها الظاهرة، فقد أخذ منها فيروس التفكك ما أبقاه فيروس المرض؛ ذلك أن “إغلاق الحدود الفاصلة بين الدول الأوربية، وعدم تمكّن الاتحاد من إنقاذ الدول الأكثر تضررًا بسبب تفشّي كورونا، يثير انتقادات حادة حول جدوى وجود الاتحاد ذاته، والتضخم الحاد في البيروقراطية والمؤسسات التابعة له، والقيود المالية التي يفرضها على الدول الأعضاء”(2). وقد ظهر أن القوتين اللتين كان من الممكن التعويل عليهما لمواجهة أزمة الوباء العالمي الحالي، لم تدركا حجم المخاطر المشتركة ولم ترتقيا فوق خلافاتهما.

فقد “أدى افتقار بكين إلى الشفافية إلى تفاقم الأزمة الصحية العالمية والتعاون المحدود، في حين أن تركيز واشنطن على المنافسة قد زاد من عدم الثقة”,ولذلك فالتوترات بين الصين والولايات المتحدة تعرقل التقدم في البحث عن الدفاعات الدوائية المطلوبة لمكافحة الفيروس القاتل، خاصة أن التعاون العلمي بين البلدين قد خمد قبل سنوات في ظل مخاوف الولايات المتحدة بشأن التجسس الصيني ونقل التكنولوجيا. فى ضوء هذه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى والمتسارعة التى أحدثها وباء كورونا، تتشكل عالميا ظاهرتان مهمتان لهما أثر كبير على العالم النامى، وهما: تصاعد صراع القوى الكبرى على قيادة العالم، وانشغال تلك القوى بنفسها وانغلاقها، إلى حد كبير، نحو الداخل.تشير العديد من التقارير إلى أن صراع القوى الكبرى قد ازدادت حدته بعد هذا الوباء؛ نظرا للتفاوت الكبير فى حجم الضرر المتوقع أن يلحق بهذه القوى، وفى مدى قدرة المجتمعات على تحمل تبعات هذه الأضرار، نظرا للتفاوت الكبير فى طبيعة نظمها السياسية والاقتصادية. وترى تلك التقارير بأن من يخرج أولا من محنة كورونا سيتمكن من تحقيق نقاط هائلة على سلم السيطرة. وهو ما ستتبدل معه الكثير من التحالفات وظهور تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة. (BBC ــ 1 إبريل 2020). من ناحية ثانية، فقد جعل كورونا تلك القوى مشغولة بنفسها، إلى حد كبير. كما أنه قد قلص تطلعاتها وقدراتها الاستعمارية؛ فبجانب انشغال الجيوش فى المشاركة فى عمليات مجابهة الوباء داخليا، فإن انتشار الوباء داخل الجيوش، وخاصة على حاملات الطائرات، يحد بشكل كبير من سطوتها العسكرية الخارجية. ويكفى هنا الاشارة إلى ما قامت بهد العديد من هذه القوى من سحب قواتها من الخارج. وعليه، فمن المتوقع أن تتقلص الأطماع الاستعمارية للقوى الكبرى لصعوبة تحقيقها. كما أنها قد صارت أكثر حاجة إلى التعاون لتحقيق نمو اقتصادى أفضل. كما أن الخيار العسكرى فى حل نزاعاتها، أو تحقيق أطماعها، قد صار أبعد مما كان عليه فى أى وقت مضى. وإن الفجوة التنموية بين العالمين، المتقدم والنامى، قد بدأت فى التناقص نتيجة لانخفاض انتشار كورونا وانخفاض كلفته الاقتصادية فى العالم النامى مقارنة بالعالم المتقدم.هذه المتغيرات توفر فرصة نادرة لصياغة نظام عالمى جديد أكثر عدلا؛ إذا إن التفاوض فى هذه الحالة لن يكون بين منتصر ومهزوم، كما كانت الحال عند صياغة النظام العالمى الحالى، بل سيكون

بين مهزوم ومهزوم جدا. هذا الوضع يوفر فرصة نادرة للعالم النامى للضغط لصياغة نظام دولى أكثر عدلا من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية.

 (1)Yanzhong Huang, “The U.S. and China Could Cooperate to Defeat the Pandemic, Instead, Their Antagonism Makes Matters Worse,” Foreign Affairs, 24/3/2020, accessed on 5/4/2020, at: https://fam.ag/3dW5siM

(2) محمد عبد الله يونس، “كيف ترسم المفاهيم المتداولة ملامح ’عالم ما بعد كورونا‘؟”، دراسات خاصة (مركز المستقبل للدراسات المتقدمة – أبوظبي)، العدد 2 (آذار/ مارس 2020)، ص 9، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/2ReQgU1

المبحث الثالث:- :- قراءة استشرافية لتطور العالم في مابعد كورونا.

على مرِّ التاريخ، كانت الديمقراطية غير مفيدة في حقب انتشار الجائحات. وعلى غرار حالات انتشار الأوبئة السابقة، يتسبب فيروس كورونا في اضطراب كبير في الحياة العامة في جميع أنحاء العالم. ويؤكد( فرانك سنودن )، الأستاذ الفخري لتاريخ الطب في جامعة ييل الأميركية، أنه “ليس هناك مجال رئيسي من حياة الإنسان لم يتأثر بشكل عميق بانتشار الأوبئة؛ إذ أن لها آثارًا هائلة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي. لقد حددت مآل الحروب، ومن المحتمل أيضًا أنها كانت من العوامل التي أدت إلى اندلاع الحروب في بعض الأحيان “(1). خلال العقدين الماضيين، تعرَّض البشر لموجات سريعة ومكثفة من الأوبئة والجائحات مثل سارس، وميرس، وإيبولا، وأنفلونزا الخنازير، والآن فيروس كورونا. إنها طريقة مروِّعة لإعادة صياغة “كيف نفكر في تاريخ البشرية، ليس كتسلسل العصور والعهود، ولكن من نذير الموت المرعب والانهيارات المجتمعية”(2). يقول( كورت كامبل ),مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون آسيا والمحيط الهادئ، و(توماس ورايت)، الباحث في معهد بروكنجز، “لقد نما العالم خلال العقد الماضي أكثر استبدادية، وقومية، وكراهية للأجانب، وأحادية المنحى، ومعاداة للمؤسسة، ومناهضة لأهل المعرفة والخبرة. وتؤدي الحالة الراهنة للسياسة والجغرافيا السياسية إلى تفاقم الأزمة، وليس إلى استقرارها”(3).وخلال العقود الثلاثة الماضية، كان للنظام النيوليبرالي كلمته في توجيه السياسات العامة في الدول، ولم يكن أمام العمال اليائسين أي خيار سوى “العمل لفترة أطول وأصعب، والوفاة في سن مبكر”(4).

وإذا استمر الوباء الجديد حتى أواخر صيف 2020، فلن يتمكن العمال من تغطية نفقاتهم المعيشية، وقد لا يحصلون على فرص مواتية للتعويض عما خسروه من مصدر دخل. سيضطر عدد كبير من الشركات الصغيرة إلى إعلان الإفلاس. وسواء في الغرب أو في الدول النامية، تقلص دور الدولة إلى مجرد وكالة لتنظيم الخوف ومنع التجمعات العامة. وأصبحت منظمة الصحة العالمية مؤسسة عالمية لا تقدِّم بحكم الواقع سوى إحصاءات عن حالات الإصابة والوفيات ونطاق انتشار فيروس كورونا. ومع ذلك، فإن مثل هذه الأوبئة والجائحات تكشف عما “يهمُّ حقًّا المواطنين، وما هو على المحك، ولاسيما مَنْ وماذا تُقدِّر هذه المجتمعات”.(5) لم يعد بمقدور معظم المنظمات الدولية أكثر من القيام بتدبير العلاقات العامة.

كعلم اقتصادي. في مقاله “الطاعون النيوليبرالي” (The Neoliberal Plague)، يلاحظ روب يوري أن الوحشية الجاهلة

(1)Ishaan Tharoor, “How epidemics have changed the world,” The Washington Post, March 8, 2020, https://www.washingtonpost.com/world/2020/03/06/how-epidemics-have-chan…

  (2)Ibid.

(3)Thomas Wright & Kurt M. Campbell, “The Coronavirus Is Exposing the Limits of Populism”, The Atlantic, March 4, 2020,  https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2020/03/geopolitics-coronavir

(4)Rob Urie, “The Neoliberal Plague”, March 6, 2020, Counterpunch, https://www.counterpunch.org/2020/03/06/the-neoliberal-plague/

(5)Ann Scott Tyson and Sara Miller LIana, “Containing coronavirus: Where democracy struggles – and thrives”, The Christian Science Monitor, March 2, 2020 https://www.csmonitor.com/World/2020/0302/Containing-coronavirus-Where-…

لهذا النظام تبدو في طريقها إلى “الكشف عن حقيقتها من خلال انتشار فيروس صغير”(1).

 وتلوح في الأفق أسئلة أخرى ذات صلة: ما الذي يجب أن يأتي في المقام الأول: المجتمع أم الاقتصاد، الصحة العامة أم الربح، رفاهية المواطنين أم البلوتوقراطية (حكم الأثرياء)؟ هل حان الوقت أن تظهرقوة جديدة من حطام فيروس كورونا؟ من المؤكد أن وعود الدولة الحديثة التي تأسست في ضوء فلسفة اتفاقية ويستفليا عام 1648 و”العقد الاجتماعي” الحديث كانت مخيبة للآمال بتغييب واحدة من الاحتياجات الإنسانية الأساسية: الصحة العامة. وقت لتغيير نموذجي في السياسات العامة؟ وما نوع الرؤية أو النسق النقدي الجديد اللذي كان ولا يزال يتردد صدى أحد الأقوال الشهيرة لمارغريت تاتشر: “لا يوجد شيء اسمه المجتمع”. ونتيجة لذلك، تمَّ تحويل البشر إلى متنافسين اقتصاديين. وكما يلاحظ ويليام بيرس (William  Pearse) ، فإن “النيوليبرالية من خلال عقلانيتها الباردة التي لا ترحم قد أثارت البشر ضد بعضهم بعضًا، مهرولين نحو فكرة “المضي إلى الأمام”. (2).

ويقول إيان بريمر (Ian Bremmer)، أستاذ الجيوسياسة التطبيقية في جامعة كولومبيا، “إن التحدي الذي يواجهنا اليوم هو انحلال النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، وغياب القيادة العالمية للتدخُّل وتولِّي دورها. نحن نعيش في عالم فراغ الزعامة (G-Zero)، أي وجود فراغ للقوى في السياسة الدولية بسبب تراجع دور الولايات المتحدة وتركيز الدول النامية على أوضاعها الداخلية، وسط حالة جديدة من الركود الجيوسياسي واتساع نطاق تأثيرها. في حالة الركود الجيوسياسي هذه، يؤدي انكسار السياسات العالمية إلى تأجيج المخاطر العالمية بدلًا من المساعدة في حلها”(3). وترسل لحظة فيروس كورونا إشارة أخرى حول الاختلال الوظيفي للسياسة العالمية التي تحرِّكها الواقعية السياسية. ومن المؤكد أنه ستكون هناك نزعة قومية تكنولوجية وحمائية اقتصادية ضمن دائرة التنافس الأميركي الأوروبي الصيني(4). ويحدد بريمر أربعة عوامل تساهم في ذلك التحوُّل، والتي ينبغي معالجتها قبل أن يتمكن العالم من الخروج من حالة فراغ زعامة العالم:

1-عدم المساواة والاضطرابات الاقتصادية الأخرى الناتجة عن العولمة؛ إذ يتزامن صعود سياسة “بلدي أولًا” في الديمقراطيات الصناعية المتقدمة في العالم مع نزع الشرعية المحلية عن المؤسسات السياسية في الديمقراطيات وامتداده إلى المجال الدولي.

2- -ميول بعض الدول العظمى والقوى الإقليمية الناشئة نحو تقويض جهود أكثر الديمقراطيات تقدمًا ونجاحًا اقتصاديًّا في القرن العشرين في التعامل مع أزماتها الوجودية الحقيقية للغاية هنا في القرن الحادي والعشرين. ويعتبر بريمر روسيا من بين دول الفئة الأولى “التي تبحث، بعد ثلاثين عامًا من نهاية الحرب الباردة، عن طرق لزعزعة استقرار الغرب مع تعزيز ثرواتها الجيوسياسية”(5).

3-تراجع كفاءة وفعالية النظام الدولي. وأصبحت المؤسسات متعددة الأطراف الموجودة في العالم حاليًّا للمساعدة في إدارة السياسة العالمية والتنسيق بين الدول غير صالحة لهذا الغرض.

(1)Nicolas LePan, A visual history of pandemics”, Word Economic Forum March 15, 2020, https://www.weforum.org/agenda/2020/03/a-visual-history-of-pandemics

  (2)Rob Urie, “The Neoliberal Plague”, March 6, 2020, Counterpunch, https://www.counterpunch.org/2020/03/06/the-neoliberal-plague/

(3)William Pearse, “A Critique of Neoliberalism”, ECONOMICS, April 9, 2019, https://inomics.com/insight/a-critique-of-neoliberalism-1379580

 (4)Patrick M. Cronin, Michael Doran & Peter Rough, “Geopolitical Implications of the Coronavirus”, March 13, 2020, https://www.hudson.org/research/15816-geopolitical-implications-of-the-…

(3) Ian Bremmer, op.cit.(5)

لا يمكن المبالغة في قرار اللامبالاة لدى أميركا ترامب بالتراجع عن قيادة العالم. ويشعر الأميركيون بشكل متزايد أن الولايات المتحدة كانت تتحمَّل الكثير من الناحية العسكرية وغيرها من أجل الآخرين.

لقد اتضح أن القوة الأولى في العالم لم تكن رائدة في الاستجابة العالمية للفيروس التاجي الجديد، وتنازلت تحت ضغط قبضة الفيروس نفسه عن هذا الدور لغريمتها. ففي مقابل التركيز الداخلي لسياسة الولايات المتحدة، الذي تعلَّق إلى حد بعيد بالإدارة المحلية لأزمة تفشّي الفيروس بدلًا من منظور الجغرافيا السياسية، تريد الصين أن تبدو قادرة على إدارة تفشّي الوباء من تلقاء نفسها، وبوصفها زعيمًا عالميًا في الاستجابة للوباء، حيث تعمل على تقديم المساعدة المادية للبلدان الأخرى، خاصة أن الكثير مما يعتمد عليه العالم لمكافحة كورونا يُنتَج في الصين. وهكذا، وفي الوقت الذي شرعت فيه الصين تتخلص من سوء إدارتها لأزمة اندلاع وتفشّي الفيروس في البداية، وحيث أخذت تسيطر على الوضع الوبائي، فإنها تعمل على تحويل علامات هذا النجاح المبكر إلى رواية أكبر لبثّ الأمل إلى بقية العالم، وهي الرواية التي ستجعل الصين اللاعب الأساسي في الانتعاش العالمي القادم.

الآن، ومع استشراء هذا التهديد الصحي الشامل والمدمر، وحيث بدت حركة العولمة هشة، سيكون من الصعب إعادة تشغيل اقتصاد عالمي مترابط. ولن يبدأ هذا الاقتصاد في التعافي إلا عندما تتأكد لدى الناس حصانتهم ضد الفيروس بعد احتوائه على أيدي مسؤولي الصحة العامة. وفي الانتظار، مع ما تبقى من دبيبٍ في الحياة الاقتصادية في إطار ما يسمى اقتصاد الأزمة “ينبغي أن يكون الهدف الرئيس (وربما الوحيد) للسياسة الاقتصادية اليوم هو منع الانهيار الاجتماعي … حيث أهم دور يمكن أن تؤديه السياسة الاقتصادية الآن هو الحفاظ على الروابط الاجتماعية قويةً تحت هذا الضغط الاستثنائي”(1)، لأن الخسائر البشرية المتواصلة سوف لن تكون، على فداحتها، سوى التكلفة التي قد تؤدي إلى ما هو أكثر فداحة منها في صورة تفكّك مجتمعي؛ ذلك أن هاجس الإصابة بالمرض والخوف من الموت هما اللذان يفرضان توقف مجموعة من الناس عن العمل، على خلفية الحجر الصحي، وفقدانهم لدخولهم، ومن ثمّ عجزهم عن تأمين حاجاتهم.

وفي نهاية المطاف، يجدر التأكيد أن معركة كل دولة ضد عدوى سريعة الانتقال ترتبط بطبيعتها منذ البداية بمكافحة الفيروس بالتعاون مع جيرانها، سواء الأصدقاء أم الأعداء، ولذلك فالجميع يحتاج إلى كسب المعركة، حيث في ظل تمدد حالة الجائحة العالمية الراهنة، فإن أفق قيمة التعاون يظل مفتوحًا بوضوح. وهو ما يمكن فقط أن يرجِّح، بخصوص توقعات مسار الأزمة، السيناريو “القائم على فرضية نجاح إجراءات الاحتواء في الحد من انتشار الفيروس خلال الربع الثاني من العام والبدء في الرفع من الحظر وإجراءات الاحتواء تدريجيًا. ليبدأ النشاط الاقتصادي في استعادة عافيته تدريجيًا في الربع الثالث من العام”(2).

في حين يلحظ الباحث الاقتصادي المصري، “مجدي عبدالهادي”، تضارب آراء الخبراء مختلفي التخصصات حول الآثار الهيكلية بعيدة المدى للأزمة مما يمس قواعد وآليات عمل النظم الأساسية بالأخص، ويرى أن أغلبها اتفق على بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية الإستراتيجية حال استطالت أزمة “كورونا” لما يصل لعام أو عام ونصف؛ كما ترى بعض التوقعات، من أهمها :

أولًا: تراجع كبير في الثقة العامة بالقطاع الخاص وتغليب منطق الربح في القطاعات الاجتماعية الأساسية.

 (1)Branko Milanovic, “The Real Pandemic Danger Is Social Collapse: As the Global(Economy Comes Apart, Societies May, Too,” Foreign Affairs, 19/3/2020, accessed on 5/4/2020, at: https://fam.ag/39KCwHd

(2)”وباء فيروس كورونا المستجد: نماذج من استجابات الدول للوباء وتداعياته على الاقتصاد العالمي”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تقارير، العدد 2 (نيسان/ أبريل 2020)، ص 34، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/3e68eSC

ثانيًا: هزّة قوية في الإيمان بنجاعة ومتانة نظام التجارة الدولية وسلاسل التوريد والقيمة العالمية الكبيرة والمعقدة.

ثالثًا: إتجاهات للإنغلاق وتعزيز الدول القومية، تدعمه خبرة الدول حاليًا مع ميل كلٍّ منها للحلول الفردية وضعف التعاون الدولي.

رابعًا: ستتغيّر أساليب الإنتاج الزراعي والحيواني الكبير، ومعها أنماط الاستهلاك الغذائي والاشتراطات الصحية، كما ستتعزّز برامج البحث العلمي المشتبكة مع جوانبها الاجتماعية والبيئية، … ستتغيّر أنماط العمل، ويزداد الإتجاه للاستفادة من التقنيات الحديثة للعمل عن بُعد، خصوصًا بعد اتساعها وتجربتها عمليًا وإجباريًا في خضم الأزمة.

خامسًا: ستزداد المخاوف من الهيمنة المالية والمصرفية الهائلة، بما يتصل بها من هشاشة اقتصادية تُهدِّد بالإنهيارات السريعة دومًا مع كل صدمة عرض أو طلب فعلية أو لمجرد مخاوف استثمارية.

سادسًا: ربما تتراجع جزئيًا النزعة الاستهلاكية التي سادت منذ السبعينيات مع التجربة المؤلمة للركود وإنقطاع الدخول وفقدان الأمان الوظيفي، فتزداد الميول الإدخارية ونزعات “المينيماليزم” أو التقليل من الاستهلاك والشراء قدر الإمكان.

وعليه؛ يحاول “عبدالهادي” استنتاج تفتّح إمكانات لبعض التحوّلات النوعية في الوعي الاجتماعي، أي تحوّلات على مستوى الإيديولوجية تتماشى مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، بما يفتح أبوابًا لتغيرات حقيقية أوسع في كامل حياتنا، إنها الرؤية الجديدة للاقتصاد التي يمكن لـ”كورونا” أن يهبها للعالم ، والتي ستشمل غالبًا تغيّرات جذرية في المواقف تجاه “أبقار الرأسمالية المقدسة”. (1)

ومع انتشار فيروس كورونا الراهن في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة لاحتوائه أو العلاج منه، يحتاج العالم للعودة مجدَّدًا إلى لوحة التخطيط والتصميم بعد أربعين عامًا من تيار العولمة والتجارة الحرة وغيرها من التركيبات الأيديولوجية التي لوَّحت بها النيوليبرالية. للتفكير في الأمر، هناك حاليًّا فرصة لليسار، ودعاة الإنسانية، والمثقفين، ومجموعات الدعوة للصالح العام، والمجتمع المدني العالمي، لبدء نقاش حول مرحلة ما بعد فيروس كورونا، وفوق مرحلة النيوليبرالية لإعادة التنظيم السياسي والاقتصادي الجديد للمجتمع.

وبرغم اعتقاد وودز في عدم وجود خطر نشوب حرب “أميركية-صينية”، رغم كافة التناقضات السياسية والإستراتيجية الآنية، متنبئًا بإشتعال “حروب صغيرة طوال الوقت مثل تلك الحروب التي نراها في العراق وسوريا”. تأتي جائحة (كوفيد-19) في الربع الأول من العام 2020، وتظهر آراء وتنظيرات عديدة تدور حول هذا التفوق البارز لـ”النموذج الصيني” وتبعاته من احتمالية التصاعد الدرامي لوتيرة الصراع “الأميركي-الصيني” لدرجة التدخل العسكري بينهما؛ وكذا تراجع الهيمنة الأميركية ومدى فرص عودة الولايات المتحدة لحالة عزلتها الأولى، زمن ما قبل العالمية الأولى، ونهاية ما يُطلق عليه بـ”العصر الأميركي”،(2) في حين أصر بعض الاقتصاديون والمحللون التقدميون على أن تكون تكهناتهم أكثر واقعية وتركيزها على ملاحظة الخطوات البطيئة لـ”حرب العولمة والعولمة المضادة” داخل منظومة رأسمالية عالمية واحدة..ويرصد الكاتب المصري، “إبراهيم نوار”، بأنه: في سياق حملة الهجوم الأميركي على الصين … تعُتبر إمتدادًا لمدرسة الحرب الباردة السابقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وتسعى الولايات المتحدة من خلال استخدام أسلحة الحرب الباردة المعروفة، وإبتكار أسلحة جديدة، إلى تخريب الصين من الداخل، وتكوين رأي عام يُحاصر الصين عالميًا. وفي سياق هذه الحرب الباردة، تقوم الولايات المتحدة بزيادة مجهودها العسكري في “المحيط الهادي”، وتحريك الكثير من قطع الأسطول السابع إلى بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي و”مضيق تايوان” و”مضيق ملقا”، إضافة إلى تكثيف الطلعات الجوية،

  • مجدي عبدالهادي – (أبقار الرأسمالية المقدسة.. هكذا سيغير “كوفيد -19” نظرتنا للاقتصاد العالمي) – موقع (الجزيرة نت) – إصدار (الميدان) – نيسان/أبريل 2020.
  • آلان وودز,مصدرسبق ذكره.

ونشر صواريخ “باليستية” متوسطة المدى في بلاد تحيط بالصين مثل، أستراليا وكوريا الجنوبية. (1)

التاريخ يعيد نفسه، هذا ما يريد أن يبوح به لنا هنري كيسنجر في مقاله الأخير المعنون بـسيغير (كورونا العالم إلى الأبد)، عندما شبّه صورة العالم هذه الأيام مع فيروس كورونا، بما حدث له خلال الحرب العالمية الثانية، وبالضّبط سنة 1944، حالة من اللايقين والشعور بالخطر الذي يتعذر الإمساك به تسود العالم، إلا أن هذه الإعادة، في نظره، ليست صورة مطابقة للأصل، فهناك أوجه تباين واختلاف بين اليوم وتلك الحقبة البعيدة، تتجلى في الأمس البعيد في «قدرة الأمريكيين على المقاومة عبر السّعي نحو خلق هدف وطني رفيع»(2)، أمّا اليوم، فالبلد يعيش حالة من الانقسام المجتمعي، وحتى يتم تجاوز هذه العائق، يجب أن يستند الفعل الحكومي إلى الفعالية والتّبصر، و ينبغي «الحفاظ على ثقة الرأي العام» من أجل تعزيز «التّضامن المجتمعي، والعلاقة بين المجتمعات، ثم السّلام والاستقرار الدوليين» , وفيروس كورونا من المنعرجات الخطيرة في تاريخ البشرية ، الذي قد يؤدي إلى تشكيل عالم جديد، بحسب الخبراء والسّاسة، الذين يكادون يجمعون على أنّ العالم بعد وباء كورونا لا يشبه، في أي حال من الأحوال، العالم قبله، ومن هؤلاء، بطبيعة الحال، كيسنجر الذي قرر، كما أشرنا سابقاً، أنّ كورونا «سيغير العالم إلى الأبد».(2)

ويرى الباحث في الشؤون السياسية والثقافية الدكتور حازم نهار أن الارتكاسة الأولى تجاه التحدي الذي خلقه فيروس كورونا طبيعية، فالخوف أمر طبيعي تجاه الكوارث الصحية والطبيعية، ومثلهما الخوف في زمن الحروب. ويستطرد نهار في حديثه للجزيرة نت أنه “يمكن أيضًا أن نشهد انتعاشا في الأصوات الدينية المتطرفة أو الأصوات الانعزالية والشوفينية”، لذلك يرى أنه من الطبيعي أيضًا أن تفكر الدول والجهات المعنية بالصحة الإنسانية في الطرق الإسعافية والسريعة أولا لمواجهة المخاطر المترتبة على انتشار الفيروس. وبسؤاله إن كانت الدول الغربية، أو الدول التي حصلت فيها عمومًا ثورات ثقافية كبرى عبر التاريخ، تستطيع أن تعيد ترتيب شكل مواجهتها للمخاطر بعد تجاوز اللحظة الإسعافية، أوضح الدكتور نهار أنها تستطيع ذلك، وأن مجتمعات هذه الدول ستعيد “قراءة الأزمة وأسبابها وتجلياتها بعد تجاوز الأخطار السريعة”. وقال إنه ستترتب على ذلك تغييرات في بعض المسائل، مثل الأنظمة الصحية، وطرق المواجهة الجماعية للكوارث على مستوى العالم، وأنظمة المطارات والسفر، ويمكن أن يفرض ذلك أيضًا إجراء تغييرات محدودة في سياسات عدد من الدول المتقدمة لمصلحة نظرة أكثر إنسانية، على اعتبار أن البشرية تعيش في عالم واحد، وأن أي خطر في أحد أجزائه يمكن أن يصيب بقية الأجزاء، إن كان على مستوى الصحة أو البيئة أو بؤر الصراع المنتشرة، “لكنها لن تصل في الحصيلة إلى مرحلة هدم النظام الليبرالي، وهو الذي لا يختزل فحسب بمظاهره الاقتصادية الجائرة”.(3)

حازم نهاريرى أن التغيرات في السياسات الأوروبية ستكون محدودة وأكثر إنسانية.أما الباحثة السورية سارة العظمة تجد أن جائحة كورونا فرضت معطيات جديدة على العالم بأسره، “ستكون بدون شك نقطة انطلاق لنقاشات عديدة في المستقبل عند انحسار الطوفان”. وتستشرف ذلك منذ الآن من خلال ضروب التراشق الكلامي الذي يصل مستوى الحرب الإعلامية بين دول تمثل منظومات سياسية مختلفة وتبين ربطها ذلك من خلال حادثة تناقلتها الصحف مفادها أنه “مرت عدة أسابيع بين تحذير الطبيب الذي اكتشف ظهور الفيروس الجديد لي وين ليانغ، وقرار القيادة الصينية في بكين اتخاذ أي إجراءات وقائية.. ما حدث أن السلطات اعتقلت الطبيب المذكور ومنعت ما وصفته بإشاعات تضعف الروح الوطنية وتضر بسمعة البلاد. أن السيناريو نفسه حدث في أزمة وباء سارس 2003 التي انطلقت أيضا من الصين إلى الخارج عن طريق السفر”.(4)

  • إبراهيم نوار – (لمن ستكون الغلبة في الصراع على النفوذ في العالم بعد وباء كورونا ؟) – صحيفة (القدس العربي) – 31 آذار/مارس 2020
  • سعدون يخلف,كيسنجر والوباء:كورونا سيغير العالم الى اللأبد,صحيفة القدس العربي ,الأربعاء 24يونيو,2020:البريد الألكترونيhtpps://www.alquds.ro.uk/category
  • سعدون يخلف,مصدر سبق ذكره. (1)سعدون يخلف,مصدر سبق ذكره.
  • عارف حمزة ,الليبرالية والفردانية في زمن كورونا,مصدرسبق ذكره. https://www.aljazeera.net/news/cultureandart

على الطرف المقابل، وفي القارة الأوروبية التي تحولت الآن إلى بؤرة للوباء، تعتمد الحكومات على مبدأ الشفافية التامة، ويقوم الإعلام الحر بمهمته في نشر المعلومات ونقل الأخبار المستجدة وتجد سارة أنه رغم الأجواء الاستثنائية من حجر عام وتوقف جزئي لحركة المجتمع وانتشار تنبؤات بأزمة اقتصادية عارمة، “إلا أن النظام الديمقراطي الليبرالي يبقى متفوقا من الناحية العملية والأخلاقية”.(1)

من جهته، يعتقد نهار أن الليبرالية نظام كوني يخص العالم كله، “لأن تأثيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية تطال كل بقعة في العالم حتى لو حاولت أن تكون بمنأى عنه”.ويقول إن هذا النظام قدم للبشرية خدمات جليلة في العلم والحريات والثقافة والاقتصاد ونظم الحكم، “وإلى اليوم لا يوجد نظام آخر تجاوزه بصورة جدلية إلى نظام أكثر تطورًا وأقل ظلمًا”.ويجد صاحب كتاب “مسارات السلطة والمعارضة في سوريا” أن في النظام الليبرالي كثيرا من الظلم، لكن “لا يوجد نظام عبر التاريخ لم يكن الظلم إحدى ركائزه أو تجلياته، لكن تختلف درجة الظلم هذا ومستواه ونوعيته، مثلما تختلف الفئات التي يقع عليها هذا الظلم اجتماعيا وجغرافيا”. ويستطرد نهار في حديثه للجزيرة نت أن في هذا النظام مراكز وأطرافا، منتجين ومستهلكين، أغنياء وفقراء، “وهذا كله انعكس في الحقل السياسي ظلما وتحكما في الدول والشعوب إلى أن غابت حقوق الإنسان الجماعية”.دفاع الدكتور نهار هذا يستند إلى الرؤية التي كان ينبغي العمل في ضوئها بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، بألا تكون تلك التي تصب في خانة الوقوف ضد النظام الليبرالي، بل الرؤية التي تنطلق من هدف تحسين وتفعيل حقوق الإنسان الفرد، وحقوق الإنسان الجماعية، أي حقوق الجماعات والشعوب، “فالتغيير المحتمل والممكن والمأمول هو الذي يبنى من داخل النظام هذا، لا التغيير الذي يبنى على أنقاضه أو بالتضاد الكلي معه، على شاكلة التجارب الاشتراكية السابقة، فهذا النمط الأخير لا يصب إلا في إطار الوهم والأيدولوجيات المضللة”.(2)

من جانبها، ترى سارة أن منع الحريات الفردية بشكل مؤقت ولسبب معلن “ليس إثباتا على وهن في النظام الليبرالي، بل على مرونته وقدرته على التكيف”. وتبرر ذلك بأن لكل قاعدة استثناءات، والاستثناءات التي نشهدها اليوم في القارة الأوروبية لا تدعو إلى “إعادة النظر في منظومة سياسية فلسفية يكمن نجاحها في أنها لا تضحي بالفرد وتمنح كل إنسان الإحساس بالأمان”.تتحدث سارة وتدافع عن الليبرالية الاجتماعية، فالليبرالية التي لا تعني الأنانية، “بل كانت الأساس التي قامت عليه مؤسسات التعليم والصحة المجانية أو شبه المجانية في دول أوروبا”. وبالتالي هي الإطار السياسي الذي يمتلئ بمضامين مختلفة بين فترة وأخرى، وحسب تطورات المجتمع وحاجاته وخيارات العدد الأكبر من أفراده.

من جهته، يؤكد نهار أن حقوق الإنسان منظومة عالمية، وإذا قامت في البدايات على ركيزة الفرد، فإنها أيضًا طورت نفسها على مستوى الاعتراف بالحقوق الجماعية للبشر، “وما ينقصها فعلا في الحالتين، هو الآليات الإلزامية بعيدًا عن مصالح الدول، وهذا يحتاج من جانب أول إلى العمل – من داخل النظام الليبرالي وخارجه- على تطوير نظام عمل الأمم المتحدة ليخدم مصالح الشعوب عمومًا، لا المتحكمين سياسيا واقتصاديا وعسكريا في العالم”. ويرى -من جانب آخر-ضرورة إعادة النظر أيضًا في مبدأ سيادة الدول، “فليس من الحكمة الإقرار مثلا بعدم التدخل في شؤون الدول المحكومة بأنظمة استبدادية أو بأنظمة لا تكترث لصحة مواطنيها، وغيرها، بل لا بد للأمم المتحدة أن تتدخل استنادًا إلى معايير حقوق الإنسان، لا إلى معايير مصالح وصراعات الدول الكبرى، وربما يكون ذلك عبر إعطاء الجمعية العامة للأمم المتحدة دورًا أكبر على حساب مجلس الأمن”(3).كلام كثير سيقال عن

(1) عارف حمزة ,الليبرالية والفردانية في زمن كورونا,مصدرسبق ذكره.

(2)المصدر نفسه.

(3)المصدر نفسه.

منع الحريات الفردية من أجل مصلحة عموم البشر، في الطريق إلى إعادة التفكير في ثقافة واحدة، هي ثقافة الحفاظ على الإنسانية وكوكب الأرض.

أن تفكير كيسنجر متمركز، في الأساس، على بقاء أمريكا قوة عظمى تقود العالم، وأطروحته ترافع من أجل بقاء القيم الأمريكية متسيدة ومهيمنة على العالم، ومن ثمّ، فإنه عند أي أمر خطير، من شأنه أن يعيد ترتيب القوى العالمية من جديد، يخرج لكي يدق ناقوس الخطر، مدلياً برأيه، ناصحاً تارةً، ومحذراً تارةً أخرى، لأنّه لا يستطيع أن يتصور عالماً آخر تقوده دولة أخرى غير أمريكا.

لا يعطي كيسنجر اللحظة، على الرّغم من مأساويتها وعبثيتها، أي أهمية، فتفكيره منصبٌ «هناك» على ما تفرزه اللحظة من آثار في المستقبل، إذ أنّ ما يفرزه هذا الوباء من ضحايا ومصابين، لا يدخل في دائرة اهتماماته، بل قد ينظر إليه على أنّه من الآثار الجانبية المفيدة، لتجديد النظام العالمي، أو هو ضرورة في التّطور التّاريخي للبشرية ,لذلك فهو يطلب من قادة الدول التّفكير في المستقبل، ولا يبقى تفكيرهم لصيق هذه اللحظة، وينبغي على قادة العالم المنخرطين بقوة في مجابهة تفشي وباء كورونا، العمل على إطلاق «مبادرة موازية تركز اهتمامها على ضمان الانتقال إلى النظام الجديد لما بعد كورونا».(1)

ويحذر، في هذا الصدد، الدول من مغبة التّعاطي مع هذه الأزمة بجهد وطني محض، بما في ذلك الولايات المتحدة، فهذا الاعتقاد حتى لو استطاع أن يحقق نتائج مثمرة في المدى القريب، فإنه قد تترتب عنه آثار وخيمة في المستقبل القريب، فمن أجل التخلص من إكراهات لحظة كورونا، «يلزم أن ترافق ذلك رؤية ومخطط مشتركان على المستوى العالمي»،

للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر يقترح كيسنجر على الإدارة الأمريكية الاشتغال على ثلاثة مستويات رئيسية. يتمثل المستوى الأول في ضرورة تعزيز الكفاءة العالمية للتصدي للأمراض المعدية، وذلك بالاستعانة بالتقنيات والتكنولوجيات الجديدة. أما المستوى الثاني، فيدعو من خلاله إلى ضرورة تضميد جروح الاقتصاد العالمي، الذي تعرض لضربات قوية، بسبب فيروس كورونا، نتيجة إجراءات الحجر الكلي والإغلاق العام. بينما يطالب في المستوى الأخير، وهذا هو الأهم ، الولايات المتحدة بضرورة الحفاظ على مبادئ النظام الليبرالي العالمي، لأن هدف كيسنجر، في نهاية المطاف، هو تجديد النظام القديم حتى يتماشى ومتطلبات المرحلة الجديدة.

يوجه كيسنجر، في الأخير، في ما يشبه رسالة تحذير إلى زعماء العالم الأقوياء، عندما يستحضر في مقاله «الأسطورة المؤسسة للدولة الحديثة» التي كانت ثمرة «عصر الأنوار»، بحيث نقلت البشرية من حالة الطبيعة «حرب الكل ضد الكل»، بحسب تعبير توماس هوبز، إلى عالم يسوده الأمن والاستقرار والنظام. إن هذه الأزمة التي يعيشها العالم اليوم، قد تعصف بهذه المكتسبات، وتجعلها على المحك، لاسيما مفهوم الدولة والنظام العالمي، بعبارة أخرى، إن أي تغيير يمس بُنية النظام العالمي في هذه اللحظة، قد يؤدي، في الأخير، إلى اشتعال العالم بالحروب والفوضى الهدامة، وعليه، كما يقول، «ينبغي لديمقراطيات العالم الدفاع والحفاظ على القيم التي ورثناها من فترة الأنوار»(2). يبدو أن توجس كيسنجر من العودة إلى حالة الطبيعة في محله، فأحداث التاريخ تدل على أن الأوبئة لطالما ساهمت، بشكل أو بآخر، في نشوب الحروب والكوارث الاقتصادية المدمرة، كالمجاعات والصراع على الغذاء، وما يؤكد هذا الرأي أكثر هو انتهاج الدول الإغلاق العام، كإجراء وقائي، بحيث باتت دول العالم، بين عشية وضحاها، قرى منفصلة، بعد أن كانت قرية صغيرة.

لا قانون يحكمها إلا قانون الغاب، حيث الصراع على الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي في عرض البحر، قد تكون هذه الرّسالة موجهة، في الأساس، إلى الصين، التي تزاحم الولايات المتحدة على زعامة العالم، من ثمّ، فهو يريد أن يقول لها، إما الاتفاق

(1)سعدون يخلف,مصدرسبق ذكره.

(2)المصدرنفسه.

والرضا بقيادة أمريكا، وإما السقوط في وحل الفوضى والحروب المدمرة، التي من خلالها ستخسر الصين أكثر مما تربح، وستفقد كل ما بنته طيلة سنوات في لحظات معدودة. من ناحية أخرى، يدعو ثعلب الدبلوماسية الدول الديمقراطية إلى التحالف من أجل المحافظة على القيم الموروثة من عصر الأنوار، في التأسيس لأي نظام عالمي جديد، بمعنى آخر أن يكون الغرب جبهة موحدة في حالة إذا ما اندلعت حرب مع الصين.

ومن هنا يبدو أن مستقبل النموذج الليبرالي وهيمنته على العالم مرهون بثلاثة سيناريوهات أساسية تكاد تكون هي المتحكمة بمصيره . وفيما يلي أهم هذه السيناريوهات :

1 – استمرار النموذج الليبرالي الغربي بإعتباره المهيمن على العالم منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي :

وتقوم فكرة هذا السيناريو أن نفهم و ندرك تمام الإدراك أن تفوق الليبرالية الرأسمالية الغربية على النموذج الاشتراكي الشرقي ليس لقوتها الفكرية و التنظيرية و إنما قدرتها على تجاوز المشاكل و تكيفها معها و تعمل على إعادة تعريفها للواقع ، فيوجد داخل الليبرالية آلية نقدية مع الاستفادة من النقد الموجه لها و تعمل على تحسين و تجاوز الإشكاليات الدولية و هذا ما سيحدث لما بعد الكورونا فإن الدول الليبرالية القوية القدرة على المناورة وإعادة تأهيل اقتصادياتها والرجوع إلى ساحة الصراع و المنافسة والقيادة . (1)

2 – القدرة على التطور ومواكبة المتغيرات : ووفقا لهذا السيناريو فإن قدرة الليبرالية على الاستمرار تتوقف على قدرتها على تطوير نفسها نحو مرحلة أكثر تقدما تجاه ما يمكن تسميته رأسمالية الناس حيث يتم توزيع الدخل بطريقة اكثر عدالة وهو الأمر الذي يتطلب توسيع نطاق ملكية رأس المال في المجتمع بما يتجاوز القيمة الحالية التي تبلغ 10% في يد الأثرياء ,كما يجب على الدول اعادة توجيه ميزانيتها الى الرعاية الصحية لمواطنيها وكذلك الأبحاث الطبية واعلاء المبادئ الإنسانية فوق كل المصالح السياسية والعسكرية .

______________________________________________________________

(1) قميتي بدر الدين ،كورونا جلد أفعى جديد لنظام دولي قديم ، المركز الديمقراطي العربي: https://democraticac.de/?p=66155

 (2)إسراء أحمد إسماعيل، مخاوف “البلوتوقراطية” مستقبل الرأسمالية العالمية بين النموذجين الأمريكي والصيني مركز المستقبل، مرجع سبق ذكره .

4- سقوط الليبرالية : والتحول إلى نظام غير ليبرالي يقوم على أساس الدول القومية السيادية القوية والمنفصلة التي لكل واحدة منها هوية مميزة وفي النظام غير الليبرالي ستحترم كل دولة هوية وسيادة جيرانها وبالتالي قد تعيش بسلام بل وتتاجر الواحدة مع الأخرى ولكن هذا النظام يتنكر لفكرة حقوق الفرد والمواطن الكونية التي تتجاوز الحدود والثقافات ويفضل الدول القومية على المؤسسات الدولية

 يبدو أنه لم تعد هناك حاجة للهيمنة في كل أشكالها وتلويناتها، إن البشرية  ليست بحاجة إلى الكونية الأيديولوجية (العولمة) التي تُسَيِّد العقل الأداتي (المصلحة)، من أجل فرض هيمنة على جميع الأصعدة قانونية، واقتصادية، وثقافية، وسياسية، وأخلاقية؛ وتقدم نفسها كمنظومة قيم متعالية تنبئ بأزمة تواصل وتبشر بالصدام، مما يقحم العالم ضمن معادلة حضارية: «بقدر ما تشتد أساليب الهيمنة بقدر ما تشتد مقاومة الخصوصيات ومبررات انغلاقها»، وهذا ما يبرر حتمية الصدام بين الأصوليات كما بشر به «صامويل هانتنغتن». إن الكونية الأيديولوجية (الكوسموبوليتانية) تبحث عن التناقضات بدل البحث عن التجانس، أي بالبحث عن أوجه الاختلاف وما يفرق بين الثقافات، بدل البحث عن أوجه الالتقاء والبحث في إمكانية التواصل والتعارف.

ولكن الرأي الأكثر منطقية بماسيؤول اليه النظام العالمي بعد طوفان كورونا أن النظام الليبرالي سوف يعيد ترتيبه من الداخل ويقضي على كل التناقضات التي تجتاحه ويعيد توازنه وستبقى القيادة العالمية بيد الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم مما سببه وباء كورونا من ارباك في الداخل الأمريكي ,لأن العالم لايمكن أن يسلم القيادة العالمية بيد الصين وداعميها مثل روسيا لأن سبب انتشارالفايروس هو الصين سواء كان الفيروس طبيعي او مصنع في أحد المختبرات الصينية فأن سبب أنتشاره هو التهاون الصيني في احتواء الفيروس سواءهذا التهاون متعمدا أم لا, والتعمد في اخفاء المعلومات حول ظهورالفيروس هذا سبب,والسبب الاخر ان هذه الأنظمة شوفينية لاتسعى الى تحقيق السلم العالمي ولاترقى لقيادة العالم .

الخاتمة

لا نستطيع الجزم بطبيعة النظام العالمي الجديد بعد انتهاء جائحة كورونا حيث لايزال مصير الحرب مع الوباء ومصير العالم نتيجته غير واضحة وتتوقف على المدى الزمني الخاص بانتشار الوباء والتعامل معه ولكن ما نستطيع قوله ان الأفكار الليبرالية لها فضائل سياسية واجتماعية ساعدت في اكتسابها سمعة ايجابية على مدى عقود ولكن السياقات التي عايشتها الدول الغربية خلال السنوات الأخيرة انطوت على ضغوط حادة على الليبرالية وأثيرت الكثير من الشكوك حيال قدرتها على الاستمرار فقد ظهرت فجوات هائلة داخل المجتمعات الغربية في ظل بزوغ مجموعة من النخب لا تهتم سوى بمصالحها الضيقة على حساب مساحات واسعة من المجتمع فضلا عن ظاهرة الشعبوية واليمين والتخبط داخل أروقة الاتحاد الأوروبي وصعود قوى دولية غير ليبرالية مثل الصين وروسيا كلها معطيات تعقد من مستقبل الليبرالية وان كان البعض يراهن على قدرتها على التصحيح الذاتي وتجربتها التاريخية في معالجة أخطائها .

الاستنتاجات:

1-إن هذه الأزمة ستشهد تحولاً جيو – سياسياً عميقاً، سيعيدنا إلى أطروحة سبينغلر «Oswald Spengler» المبشرة بأزمة المركزية الأوروبية وأفول الحضارة الغربية، ليس كقوة تَهْدِيديّة عسكرياً أو اقتصادياً، بل كصورة تسويقية للقيم الإنسانية، قيم الحداثة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.

2-لقد عرّت الأزمة عورة هذه الأيديولوجية، وأبانت عن حقيقتها التي عبّر عنها «باسكال بروكنر» ببؤس الرفاهية وديانة السوق، التي قد تحدد معنى الإنسانية والإنسان فيما قد يصلح كقوة احتياطية، ولا تتوانى عن التضحية بالكائنات غير المنتجة.

3-أن ماأتضح من أزمة كورونا هوأفول الإنسانية على حد تعبير «كوت بينتوس»، وهْم القيم الكونية، وتحطّم تمثال الحرية. أن تصبح الإنسانية مختزلة في صورة مناعة القطيع، كما عبّرت عنها المستشارة الألمانية، وأن تتم التضحية بالشيوخ والعجزة كقربان لسياسات الموازنات العامة والحوكمة. كل هذا يعيدنا إلى تفاهة الشر الذي وصفت به «حنا أرندت»(Hannah Arendt) محاكمات النازية، فهذا الشر الذي أبانت عنه الأيديولوجية النيولبيرالية أكثر فتكاً؛ لأنه لا يستهدف مجرد البشر، إنه شر ضد كل شيء ومن أجل لا شيء، إنه شر مطلق، متعيّن في نمط الإنسانية المأزومة. إ

4-العالم بحاجةإلى أن تتعافي البشرية والطبيعة من هذا الشر، بمناعة من كل العقائد الفاسدة، وكل الأيديولوجيات الشمولية مهما ادعت من براءة وإنسانية. إن الدعوة إلى استبدال قيادة العالم من الهيمنة الغربية إلى الهيمنة الصينية، هو استبدال شر معلوم بشر مجهول ليس إلا. لسنا بحاجة إلى هيمنة أي قوة، ما نحن بحاجة إليه كشعوب، هو بناء كونية إيتيقية «Éthique»، بدل الكونية الأيديولوجية التي أعلنت نهاية التاريخ بانتصار الليبرالية

قائمة المصادر:

المصادر العربية

ا-الكتب

(1)د. محمد دوير – (ماركس ضد نيتشه.. الطريق إلى ما بعد الحداثة) – روافد للنشر والتوزيع – القاهرة 2020.

ب- المواقع الأخبارية

(1)آلان وودز – (فوكو ياما يُعيد النظر في أفكاره: “الاشتراكية يجب أن تعود”) – موقع ماركسي – 24 تشرين أول/أكتوبر 2018.

(2) مجدي عبدالهادي – (أبقار الرأسمالية المقدسة.. هكذا سيغير “كوفيد -19” نظرتنا للاقتصاد العالمي) – موقع (الجزيرة نت) – إصدار (الميدان) – نيسان/أبريل 2020.

ج- الصحف

(1)      جان دومينيك ميشال – (“كوفيد-19”.. هل هي نهاية اللعبة ؟) – صحيفة (الأخبار) اللبنانية – الخميس 9 نيسان/أبريل 2020

(2) إبراهيم نوار – (لمن ستكون الغلبة في الصراع على النفوذ في العالم بعد وباء كورونا ؟) – صحيفة (القدس العربي) – 31 آذار/مارس 2020.

د-القنوات الاخبارية

(1) “مشعل يسار” ترجمة  بعنوان: (لا حاجة للأقنعة ولا للقفازات ولا للإنحباس في المنزل، ولن يكون هناك لقاح)، وهي ترجمة لحوار متلفز أجري مع البروفسور الإيطالي، “ستيفانو مونتاناري”، مع قناة (byoblu24)، يوم 2 نيسان/أبريل 2020.

(2) مقابلة أجرتها قناة (روسيا اليوم) “RT”؛ ضمن برنامج “رحلة في الذاكرة”، مع البروفسور، “فالنتين كاتاسونوف” – نيسان/أبريل 2020.

المواقع الألكترونية

(1)إسراء أحمد إسماعيل، مخاوف “البلوتوقراطية” مستقبل الرأسمالية العالمية بين النموذجين الأمريكي والصيني مركز المستقبل: https://futureuae.com/ar

(2) د.بول سالم: التحولات الجيوسياسية المحتملة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ما بعد كورونا,مركزالدراسات الستراتيجية ,جامعة كربلاء,مايو,2020م.البريد الألكتروني:-http://kerbalacss.uokerbala.edu.iq

(3) حسن فاضل ، النظام المريض: أزمة النظام العالمي في ظل جائحة كورونا ، مركز أوراسيا للدراسات السياسية: https://katehon.com/ar

(4)      د.روبرت ساتلوف: التحولات الجيوسياسية المحتملة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ما بعد كورونا,مركزالدراسات الستراتيجية ,جامعة كربلاء,مايو,2020م.البريد الألكتروني:-http://kerbalacss.uokerbala.edu.iq

(5) سعدون يخلف,كيسنجر والوباء:كورونا سيغير العالم الى اللأبد,صحيفة القدس العربي ,الأربعاء 24يونيو,2020:البريد الألكترونيhtpps://www.alquds.ro.uk/category        

(6)عارف حمزة ,الليبرالية والفردانية في زمن كورونا,الجزيرة,23/3/2020

https://www.aljazeera.net/news/cultureandart

(7) د.عبد الرحمن الخزرجي: المتغيرات العالمية الجديدة بعد جائحة كورونا,25,ابريل,2020

البريد الالكتروني:https//albasbernewspaper.com

 (8)عنترعبد العال ابوقرين ,عالم ما بعدكورونا:رؤية استشرافية,جريدة الشروق,13يونيو2020,الموقع الألكتروني:http//shorouknews.com

(9) قميتي بدر الدين ،كورونا جلد أفعى جديد لنظام دولي قديم ، المركز الديمقراطي العربي:

https://democraticac.de/?p=66155

(10)محمد الشرقاوي، “التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (الجزء 2)”، مركز الجزيرة للدراسات، 30/3/2020، ص 8، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/3bVbez0

(11) محمد عبد الله يونس، “كيف ترسم المفاهيم المتداولة ملامح ’عالم ما بعد كورونا‘؟”، دراسات خاصة (مركز المستقبل للدراسات المتقدمة – أبوظبي)، العدد 2 (آذار/ مارس 2020)، ص 9، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/2ReQgU1

(12)بلاكمامات وأجهزة تنفس.. كورونا تضع الدول الغربية وجها لوجه”، الجزيرة نت، 4/4/2020، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/2UKagjr

 (13) (عن الأوبئة والرأسمالية الفائقة وصراعات المستقبل.. حوار مع مايك ديفيس) – (مدى مصر) – شريف عبدالقدوس – ترجمة نصر عبدالرحمن – 3 نيسان/أبريل 2020.

(14)”فيروس كورونا: اتهامات بشن حملات تشويه بين واشنطن وبكين وترامب يدافع عن عبارة ’الفيروس الصيني‘”، فرانس 24، 17/3/2020، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/2V33p3F

(15)هل هرب فيروس كورونا القاتل من مختبر بيولوجي صيني؟”، الجزيرة نت، 25/1/2020، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/2x3JlpS

(16)”وباء فيروس كورونا المستجد: نماذج من استجابات الدول للوباء وتداعياته على الاقتصاد العالمي”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تقارير، العدد 2 (نيسان/ أبريل 2020)، ص 34، شوهد في 5/4/2020، في: https://bit.ly/3e68eSC

 (17) (عن الأوبئة والرأسمالية الفائقة وصراعات المستقبل.. حوار مع مايك ديفيس) – (مدى مصر) – شريف عبدالقدوس – ترجمة نصر عبدالرحمن – 3 نيسان/أبريل 2020.

المصادر الأجنبية

ا-الصحف

 (1)Jeffrey D. Sachs, “Will America Create a Cold War With China?”, Horizons, Journal of International Relations and Sustainable Development, No.13, Winter 2019, p. 28-39/

(2)Philip Mirowski, Dieter Plehwe, The road from Mont Pèlerin: the making of the neoliberal thought collective, Harvard University Press,                                                                                       2009.

ب-المواقع الألكترونية

(1)Ann Scott Tyson and Sara Miller Liana, “Containing coronavirus: Where democracy struggles – and thrives”, The Christian Science Monitor, March 2, 2020, https://www.csmonitor.com/World/2020/0302/Containing-coronavirus-Where-…

(2)Anthea Roberts and Nicolas Lamp, “Is the Virus Killing Globalization? There’s No One Answer”, Barron’s, March 15, 2020, https://www.barrons.com/articles/is-the-virus-killing-globalization-the…

(3)Ben White, “How ugly could it get? Trump faces echoes of 1929 in coronavirus crisis”, POLITICO, March 16, 2020, https://www.politico.com/news/2020/03/16/trump-faces-1929-save-economy-…;-

(4)Branko Milanovic, “The Real Pandemic Danger Is Social Collapse: As the Global(1) Economy Comes Apart, Societies May, Too,” Foreign Affairs, 19/3/2020, accessed on 5/4/2020, at: https://fam.ag/39KCwHd

(5) Bjarke Skærlund Risager, “Neoliberalism Is a Political Project: An Interview with David Harvey”, Jacobin, https://www.jacobinmag.com/2016/07/david-harvey-neoliberalism-capitalis

 (6)Branko Milanovic, “The Real Pandemic Danger Is Social Collapse: As the Global(1) Economy Comes Apart, Societies May, Too,” Foreign Affairs, 19/3/2020, accessed on 5/4/2020, at: https://fam.ag/39KCwHd

(7)Charles Peters, “A Neo-Liberal’s Manifesto”, The Washington Post, September 5, 1982, https://www.washingtonpost.com/archive/opinions/1982/09/05/a-neo-libera

(8) Elizabeth Braw, “The EU Is Abandoning Italy in Its Hour of Need”, Foreign Policy, March 14, 2020, https://foreignpolicy.com/2020/03/14/coronavirus-eu-abandoning-italy-china-aid/

(9)Ishaan Tharoor, “How epidemics have changed the world,” The Washington Post, March 8, 2020, https://www.washingtonpost.com/world/2020/03/06/how-epidemics-have-chan…

(10)John Detrixhe, “Nobel prize-winning economist Robert Shiller says this economic disruption is different”, Quartz, March 13, 2020, https://qz.com/1818061/robert-shiller-says-the-coronavirus-disruptio

(11)Kimberly Amadeo, “Why Trickle-Down Economics Works in Theory But Not in Fact”, The Balance, October 27, 2019, https://www.thebalance.com/trickle-down-economics-theory-effect-does-it…;

(12)Laura Spinney, “Coronavirus and the Geopolitics of Disease”, The Statesman, February 19, 2020, https://www.newstatesman.com/politics/health/2020/02/coronavirus-and-ge

(13)Lionel Laurent, “Salvini and Le Pen Don’t Have a Coronavirus Cure, Bloomberg, February 25, 2020, https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2020-02-25/salvini-and-le-pe

(14)Milton Friedman “Neo-Liberalism and its Prospects”, Farmand, 17 February 1951, pp. 89-93                                                                               

https://inomics.com/insight/a-critique-of-neoliberalism

(15)Nicolas LePan, A visual history of pandemics”, Word Economic Forum March 15, 2020, https://www.weforum.org/agenda/2020/03/a-visual-history-of-pandemics

(16) Patrick M. Cronin, Michael Doran & Peter Rough, “Geopolitical Implications of the Coronavirus”, March 13, 2020, https://www.hudson.org/research/15816-geopolitical-implications-of-the

(17)Rob Urie, “The Neoliberal Plague”, March 6, 2020, Counterpunch, https://www.counterpunch.org/2020/03/06/the-neoliberal-plague

(18) Robert Reich: “Coronavirus won’t respond to trickle-down economics”, Salon, March 11, 2020, https://www.salon.com/2020/03/11/robert-reich-coronavirus-wont-respond

(19)Thomas Wright & Kurt M. Campbell, “The Coronavirus Is Exposing the Limits of Populism”, The Atlantic, March 4, 2020,  https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2020/03/geopolitics-coronavir

(20)William Pearse, “A Critique of Neoliberalism”, ECONOMICS, April 9, 2019, https://inomics.com/insight/a-critique-of-neoliberalism-1379580

(21) WHO, “ICC-WHO Joint Statement: An unprecedented private sector call to action to tackle COVID-19”, March 16, 2020, https://www.who.int/news-room/detail/16-03-2020-icc-who-joint-statement…

(22)William Pearse, “A Critique of Neoliberalism”, ECONOMICS, April 9, 2019, https://inomics.com/insight/a-critique-of-neoliberalism-1379580

(23)Yanzhong Huang, “U.S.-Chinese Distrust is Inviting Dangerous Coronavirus Conspiracy Theories,” Foreign Affairs, 5/3/2020, accessed on 5/4/2020, at: https://fam.ag/2UHd9lg

(24)Yanzhong Huang, “The U.S. and China Could Cooperate to Defeat the Pandemic, Instead, Their Antagonism Makes Matters Worse,” Foreign Affairs, 24/3/2020, accessed on 5/4/2020, at: https://fam.ag/3dW5siM

  (25) Zack Beauchamp, “The deep ideological roots of Trump’s botched coronavirus response”, VOX, Mar 17, 2020, https://www.vox.com/policy-and-politics/2020/3/17/21176737/coronavirus

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *