نوفمبر 23, 2024 4:51 ص
4

د . عماد فاضل فيصل

المديرية العامة لتربية محافظة الديوانية في جمهورية العراق \ اعدادية الشامية المهنية المختلطة

Imadfadhil099@gmail.com

009647815992551

تبحث هذه الدراسة موضوع العقوبات الاقتصادية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية, فتبدا من ملخص تنفيذي يتضمن مقدمة منهجية تبرز اهم الدراسات السابقة في موضوع البحث فضلا عن اهمية الدراسة و الحاجة اليها , واشكالية البحث, ومنهج البحث وهيكليته, وقد تناولت الدراسة في المبحث الاول مفهوم الادوات الاقتصادية في سياسة الشؤون الخارجية الامريكية, والتي تندرج العقوبات الاقتصادية ضمن ادواتها , فكرس المبحث الاول لتفكيك مفهوم اداة المساعدات الخارجية الامريكية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر باعتبارها اهم المفاهيم المقاربة والمقارنة لموضوع العقوبات الاقتصادية.

وكان ذلك من خلال البحث في تصنيف المساعدات الخارجية, وجدلية المساعدات الخارجية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر فضلا عن المقاربات الاستراتيجية للمفهوم, ودينامية المساعدات الخارجية الامريكية, ومحاولات التأثير من خلالها, واغراضها التجارية,  واهم المشكلات العالمية والازمات الدولية التي تكون عاملا مساعدا في ادارتها, ودور المساعدات الخارجية الامريكية في تكوين البيئة الدولية فضلا  عن ما يمكن ان تعالجه من اهداف مزدوجة.

وفي المبحث الثاني تناولت الدراسة اداة العقوبات الامريكية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر

ومستويات التحليل الاستراتيجي من خلال مطلبين, بحث المطلب الاول موضوع العقوبات الاقتصادية في مراكز التفكير الاستراتيجي والدراسات الاكاديمية, ومفهومها بين التكتيك والاستراتيجية في التجريد  والجمع, كذلك بحث في مستوى القوة الاقتصادية للطرف المستهدف من العقوبات, ونوع العقوبات الاقتصادية الامريكية, ومديات تطبيقها, والتنسيق بين تلك العقوبات, وتقييم فعالية اداة العقوبات الاقتصادية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر.

وفي المطلب الثاني تناولت الدراسة مستويات التحليل من خلال التحليل على مستوى الفرد, والتحليل على مستوى الدولة, والتحليل على مستوى النظام الدولي , واختتمت الدراسة بعدد من الاستنتاجات وعدد من التوصيات, وكان من اهم الاستنتاجات هي ان العقوبات الاقتصادية الامريكية المعاصرة اجراءات خطيرة  بحاجة  الى التقييم في مراكز التفكير الاستراتيجي قبل استخدامها واثناء استخدامها, اما اهم التوصيات فهو تجنب اداة العقوبات الاقتصادية قدر الامكان لانها اكثر خطرا من الادوات الاقتصادية الاخرى فضلا عن الادوات الدبلوماسية والسياسية رغم انها اقل خطرا من الادوات العسكرية, فالعقوبات الاقتصادية تهدد سلاسل التوريد العالمية والامن الغذائي العالمي فضلا على تهديدها لامن الطاقة بما ينعكس في انكماش الاقتصاد العالمي.

الكلمات المفتاحية

الادوات الاقتصادية – المساعدات الخارجية – مراكز التفكير الاستراتيجي – العقوبات الاقتصادية – مستويات التحليل.

 

Economic sanctions and contemporary American strategic thinking in foreign affairs

Dr . Imad Fadel Faisal

The General Directorate of Education of Diwaniyah Governorate in the Republic of Iraq \ Al-Shamiya Mixed Vocational Preparatory School

 

Abstract

 This study examines the issue of economic sanctions in the contemporary.

American strategic thinking in foreign affairs. It begins with an executive

summary that includes a methodological introduction that highlights the

most important previous studies on the subject of the research, as well as the importance and need for the study, the research problem, the research

 methodology and its structure.  The first is the concept of economic tools in the US foreign affairs policy, of which economic sanctions are included

 within its tools. The first topic was devoted to dismantling the concept of

the US foreign aid tool in contemporary US strategic thinking as the most

 important approach and comparative concepts to the subject of economic sanctions.

 This was done by researching the classification of foreign aid, the

dialectic of foreign aid in contemporary American strategic thinking, as well as the strategic approaches to the concept, the dynamism of US foreign aid attempts to influence it, its commercial purposes, the most important global problems and international crises that are a catalyst in its management, and the role of  US foreign aid in the formation of the

international environment, as well as the dual objectives that can be dealt with. In the second section, the study dealt with the tool of US sanctions in contemporary US strategic thinking and the levels of strategic analysis through two requirements.  Sanctions, the type of US economic sanctions, the extent of their application, the coordination between those sanctions, and the evaluation of the effectiveness of the economic sanctions tool in contemporary US strategic thinking. In the second requirement, the study dealt with the levels of analysis through analysis at the individual level, analysis at the state level, and analysis at the level of the international system. The study concluded with several conclusions and several recommendations.  Strategic thinking centres before and during their use. The most important recommendation is to avoid the economic sanctions tool as much as possible because it is more dangerous than other economic tools as well as diplomatic and political tools, although it is less dangerous than military tools. Economic sanctions threaten global supply chains and global food security as well as threatening them.  Energy security is reflected in the global economic downturn.

key words

Economic tools – foreign aid – strategic thinking centres – economic sanctions – levels of analysis.

المقدمة

يسبق التفكير الاستراتيجي في  الشؤون الخارجية سياسة الشؤون الخارجية حيث ينتقل الخبير الاستراتيجي من التحليل المبني على حقائق وتعميمات ذات صلة بالسياسة كدليل لاختيار الادوات وتباينات استعماالى التخطيط لتنفيذ استعمالها, وبعبارة اخرى ينتقل من التفكير بالاستراتيجية الى فعلها بادوات مختلفة يمكن تصنيفها الى ادوات عسكرية وادوات سياسية وادوات اقتصادية, وتاتي الادوات الاقتصادية في موقع الوسط بين الادوات العسكرية والادوات السياسية من حيث الاثر والتكلفة والاخطاراذا مااستثنينا منها العقوبات الاقتصادية, ورغم عديد الدراسات المعاصرة التي برهنت عدم الفعالية النسبية للعقوبات الاقتصادية في

سياسة الشؤون الخارجية الامريكية بالمقارنة مع الادوات الاقتصادية الاخرى مثل التجارة والتمويل والمساعدات الاقتصادية فضلا عن الادوات العسكرية والادوات السياسية حيث لم تزود هذه العقوبات الادارات الامريكية التي سخرتها تلك الفائدة المرجوة للمساومة في تحقيق اهدافها الاستراتيجية حيث اظهرت نتائجها السلبية عندما اخضعت للقياس المقارن بالنتائج المواتية للادوات الاخرى ,كذلك اظهرت ضعف العلاقة التبادلية في مستوى درجات العقوبات المسببة ومستوى نجاحها في الحصول على تنازلات

تحقق المطالب ذات الصلة ومحدودية منافعها في تحقيق اهداف السياسة الخارجية فضلا عن فشلها بالانسجام مع ميول الراي العام الامريكي المفعم بالقيم الامريكية في الحرية و حقوق الانسان , ورغم كل ذلك لازال اصحاب القرار الاستراتيجي الامريكي في الشؤون الخارجية من الجمهوريين والديمقراطيين في الادارات المتعاقبة ينزعون في ولع الاجبار والاكراه الاقتصادي لاستهداف خصومهم من خلال اجراءات تستخدم القوة الاقتصادية في تعكيير الظروف الاقتصادية داخل الدول او قطع العلاقات

الاقتصادية العادية بين الدول لاغراض متصلة باستراتيجية الشؤون الخارجية.واذا كان ذلك نتاج التفكير الاستراتيجي التقليدي المرتبط تاريخيا بفكر الاباء المؤسسين بعد الجدالات بين هاملتون وجيفرسون بين الواقعية والمثالية في نهايات القرن الثامن عشر , و منذ حرب الاستقلال وفرض الحظر على الصادرات الاوروبية حتى حرب عام 1812 مرورا بدبلوماسية كينغ كوتن  King Cotton خلال الحرب الاهلية الامريكية متصلا بحظر تصدير البضائع الى اليابان قبل الحرب العالمية الثانية والرقابة الاقتصادية المشددة على الصادرات الى الاتحاد السوفياتي السابق والصين وكوريا الشمالية ابان الحرب الباردة , والحظر الاقتصادي على ايران بعد الثورة على نظام الشاه عام 1979 وصولا الى العقوبات الراهنة على ايران ذات الصلة بازمة برنامجها النووي وحزم العقوبات المتوالية على روسيا منذ الازمة الاوكرانية عام 2014 والتي كرست بشكل غير مسبوق بعد الغزو الروسي لاوكرانيا في مارس

عام 2022, ونحاول في هذه الدراسة تقييم دور مراكز التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية  من ادراج خيار العقوبات الاقتصادية كاولوية ضمن الادوات الاقتصادية ؟ وماهي مستويات تحليل النظم التي يمكن تبرر سلوك صناع القرار في هذا الشان؟

الدراسات السابقة والمعاصرة في الموضوع

ومن اهم الدراسات السابقة والمعاصرة التي تناولت جوانب رئيسية من موضوع البحث التي اطلع عليها  الباحث هي دراسة لكاري كولد واخرون تحمل عنوان Economic Sanctions Reconsidered , كذلك دراسة استطلاعية لمورغن وفيلير تحت عنوان الاغبياء يتالمون بسرور ,ودراسة روبيرت بيبي الموسومة لماذا لاتنجح العقوبات الاقتصادية , فضلا عن عدد من البحوث والمؤلفات التي اقتربت كثيرا من موضوع البحث والتي اشرت في قائمة المصادر.

اهمية البحث والحاجة اليه

يعيش العالم اليوم تداعيات العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على خصومها السياسيين كأداة في استراتيجية الشؤون الخارجية حيث لامست اثارها تفاصيل الحياة اليومية لمعظم سكان الكوكب حتى باتت شبحا وجوديا يهدد امنها الغذائي.

 

اشكالية البحث

تكمن اشكالية هذا البحث في مدى ادراك حقول التقارب والتباعد فضلا عن التناقض والمفارقة بين الاثار الاجتماعية للعقوبات الاقتصادية ودور مراكز التفكير الاستراتيجي في ترتيب الاولويات بالنسبة للادواتالاستراتيجية في الشؤون الخارجية بالانسجام  مع المصالح العليا للدولة وروح القيم الامريكية, وهل ان النتائج المتحققة تبرر لاصحاب القرار تفعيل اداة العقوبات الاقتصادية كخيار عن الادوات الاخرى؟.

منهج البحث

استخدم الباحث منهج تحليل النظم باستخدام ثلاث مستويات من التحليل وهي التحليل على مستوي النظام الدولي – ومستوى الدولة- ومستوى الفرد, كذلك استخدم الباحث المنهج المقارن فضلا عن المنهج التاريخي.

هيكلية البحث

تبنى هيكلية البحث على مبحثين, كرس المبحث الاول لدراسة مفهوم الادوات الاقتصادية في سياسة الشؤون الخارجية الامريكية بشكل عام واهم الادوات المقاربة والمقارنة لمفهوم للعقوبات الاقتصادية  وهي المساعدات الخارجية, اما المبحث الثاني فدرس العقوبات الاقتصادية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر من خلال مطلبين كان الاول عن مفهوم العقوبات الاقتصادية في مراكز التفكيير الاستراتيجي الامريكي وجدلية فاعليتها بين التكتيك والاستراتيجية, ونوع العقوبات والتنسيق بينها ومديات تطبيقها, فضلا عن تقييمها كادة استراتيجية في الشؤون الخارجية, وكرس المطلب الثاني لمستويات التحليل الاسترتتيجي المقارن بالنتائج المؤاتية ,حيث كان التحليل بثلاث مستويات , الاول على مستوى الفرد , والثاني على مستوى الدولة, والثالث على مستوى النظام الدولي, واختتمت الدراسة بعدد من الاستنتاجات وعدد من التوصيات.

المبحث الاول

الادوات الاقتصادية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجية تندرج العقوبات الاقتصادية ضمن الادوات الاقتصادية كاحد انماط الوسائل لتحقيق اهداف استراتيجية الشؤون الخارجية, والتي تحاكي مفهوم القوة كخيار بديل عن مفهوم القوة العسكرية سواء على مستوى الردع او مستوى المباشرة( Baldwin,1985 ,77 ), وتشمل هذه الادوات المساعدات الخارجية فضلا عن العقوبات الاقتصادية.

وتعرف المساعدات الخارجية في الفكر الاستراتيجي بانها انتقال الاموال والبضائع والتكنولوجيا  والمستشارين الفنيين من دول مانحة الى دول او منظمات او هيئات او جماعات ممنوحة ( Holsti, 1992,192 ), اوهي الاموال او السلع او الخدمات التي تحول وفق شروط  امتيازيه من حكومات دول غنية الى حكومات الدول الفقيرة(Mosley, 1987, 21 )وتعرف كذلك بانها انتقال للاموال والبضائع والخدمات من بلد الى اخر(  Morgenthau, 1962, 301) , الا انا موضوع

المساعدات الخارجية مشكوك فيه بدلالة التأثير السياسي على الدول الممنوحة من قبل الدول المانحة رغم المصالح الاقتصادية الرأسمالية التي تمثل الولايات المتحدة نموذجها الواقعي, والتي برهنت بما لا يقبلالشك نجاحها في تعزيز التنمية مع شركائها في الدول النامية, حيث تدل الشواهد التاريخية ان الدول الممنوحة التي اعتنقت الديمقراطية المنتظمة رأسماليا والمنخرطة في النظام التجاري العالمي قد شهدت نسبا عالية من النمو في بلدانها( Panagariya , 1989 ,20-22 ). ويمكن ادراك هذا التعريف من خلال ما يلي:

اولا \ تصنيف المساعدات الخارجية

يمكن تصنيف المساعدات الخارجية في الولايات المتحدة الى مساعدات انسانية بنسبة 20% , ومساعدات تنموية بنسبة 34% , واخرى مخصصة لاغراص سياسية بنسبة 24 % او عسكرية بنسبة 25%, وتشمل المساعدات الانسانية ملف الهجرة واللاجئين والاغاثة من الكوارث والمعونات الغذائية فضلا عن مشوع مكافحة مرض الايدز( HIV \ AIDS ) , بينما تشمل المعونات التنموية برنامج ( USAID ) , وفرقة السلام DA , اما المساهمات في المنظمات الدولية والمؤسسات المالية فتشمل المساعدات المخصصة للاغراض السياسية والامنية برنامج FSU , في حين تشمل المساعدات العسكرية تدريب وتعليم عسكري

دولي ضمن برنامج SA فضلا عن التمويل العسكري الخارجي ( ديبل, 2009 , 435 )

ثانيا \ جدلية المساعدات الخارجية

يخلق هذا التصنيف للمساعدات الخارجية جدلية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر بين الاسرة الاكاديمية ومراكز الدراسات من جهة وبين الادارات الحكومية ومؤسساتها في الشؤون الخارجية وصناع القرار من جهة اخرى, وتتبلور هذه الجدالات في رائيين متناقضين بين الواقعيين المدافعين عن المصالح الذاتية العليا للدولة وبين المثاليين البعيدين عن الانانية ولاللذين يؤمنون بالتنمية العالمية بحد ذاتها باعتبارها هدف انساني يعود بالفائدة العالمية الشاملة فضلا عن ضمانها لمصالح الولايات المتحدة باعتبارها اكبر الشركاء الدوليين, فعلى سبيل المثال يذهب المسؤولون في وكالة التنمية الدولية الامريكية ( USAID ) على تشجيع التنمية في دول العالم الثالث من خلال تدفق المساعدات اليها بما يخدم الاهداف الامنية والسياسية للولايات المتحدة ( Caro, Other,2001,2 ) , بينما تعتبر الاسرة الاكاديمية تلك المساعدات المتدفقة اداة سياسية تضع اكثر الناس ضعفا في هذا الكوكب لتوجيه مسارناالبراغماتي(Papstein,1999,35 ) .

وفي سياق هذه الجدلية يرى بعض الاكاديمين المثاليين ضرورة ان تكرس المساعدات الخارجية الامريكية للتنمية وتخفيف الفقر في العالمة دون الالتفات الى مصالح واهداف السياسة الخارجية, وان تكون هناك استجابة امريكية اكثر سخاء واكثر قربا لاحتياجات الدول الفقيرة غير مرتبطة بالمصالح القومية للولايات المتحدة ( Curry, 1999,822 ), بينما يعتقد مستشارو السياسة الخارجية في البيت الابيض من اصحاب المقاعد الخلفية في الادارات المتعاقبة ان الاختبار الوحيد للمساعدات الخارجية هو المصلحة القومية للولايات المتحدة , وهو امر يتماشى مع القانون في حسن التصرف باموال دافعو الضرائب على اعتبار

ذلك  انجازحكومي ليست شيئا ينجز اكراما لذاتها او اكراما للاخرين , فحكومة الولايات المتحدة ليست مؤسسة خيرية تقدم المعونات للفقراء( Liska,1960 ,122 ).

ثالثا \ المقاربة الاستراتيجية

في المنظور الاستراتيجي الامريكي المعاصر هناك تفسير للمساعدات الخارجية كونها اداة في ادارة الشؤون الخارجية تخدم المصالح القومية العلياعلى ان تكون مسوغا جيد الاستخدام المساعدات بطريقة طويلة الاجل وعريضة بما يكفي للتاثير في الحكومات الاخرى بتشجيع وتعزيز التنمية المستدامة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما يعود مستقبلا على الاقتصاد الامريكي بالازدهار بعدتوثيق الشراكات الاحتوائية مع حكومات وشعوب تلك البلدان عندما تكون الاسواق الامريكية الخيار

الاقضل لها في جميع المستويات بعد ان تتحرر من الركود الاقتصادي فضلا عن ضمان توريد سلاسل المواد الاولية التي تحتاجها الولايات المتحدة في صناعتها,ومن الناحية الاجتماعية فان التنمية المستدامة في هذه الدول تبعدها بشكل كبير عن تجارة المخدرات والاسلحة ورعاية الارهاب او ان تكون مصدرا او جسرا للمهاجرين غير الشرعيين على السواحل الامريكية , ومن منظور اجتماعي اخر تكون القيم الامريكية حاضرة في قلوب وعقول شعوب تلك الدول بما يعززالسبيل المستدام للمصالح العليا للولايات

المتحدة في الشؤون الخارجية( Morgenthau,1962 ,309 ).

رابعا \ الدينامية

وهي تصور اقتصادي في امكانية خلق دينامية لعلاقة تبادلية في مجتمع بدائي من خلال دمج راس المال والتكنولوجيا يمكن ان ينتج عنها تنمية مستدامة في هذا المجتمع تمكنه من الاستقرار السياسي وبناء المؤسسات الديمقراطية تضمن في احد جوانبها سياسة خارجية سليمة تنسجم بصورة مثالية في العلاقات الدولية , وتكون جذابة لصاحب القرار الامريكي في زرع تاثير منسجم ومفعم بالمصالح المتبادلة ( Morgenthau,1962,305 ) ,وتضيف فضلا عن ذلك الى العامل الاقتصادي عوامل ثقافية

واجتماعية عندما تزيح هذه الشعوب من ذاكرتها السياسية اي مخلفات راسمالية محفورة من الحقب الاستعمارية, حيث ترسخ هذه المساعدات مقاربات بديلة محفزة لابابتكاراتها وحيويتها ( Donald, 1983, 9-10 )

خامسا \ محاولات التاثير

يتبادر الى ذهن المتلقي من هذا العنوان هو الرشا الاقتصادية من اجل تحقيق اهداف سياسية, ويعني ذلكدعم التنمية في بلدان العالم الثالث لاغراض المصلحة القومية بعيدا عن روح القيم الامريكية بمبررات براغماتية يؤمن بها اغلب صناع القرارفي سياسة الشؤون الخارجية , الا ان التاثير النسبي لبعض اعضاء الكنونغرس المثاليين يفرضون في بعض الاحيان التصويت على قرارات مساعدات خارجية خارج هذا السياق, وبطريقة تجعل هذه المساعدات ذات فائدة اقتصادية قصيرة الامد يفترض ان تؤمنها بغض النظر عن مردوداتها السياسية او العسكرية, وعلى سبيل المثال لا الحصر تتلقي الوكالة الامريكية للتنمية الدوليةتوصياتها من الكونغرس بشكل مباشر لتبرمج المساعدات الخارجية بصيغة تخدم اهداف الدول او الجهات الممنوحة بغض النظر عن تاثيرها السياسي او العسكري( Morgenthau, 1962, 9 ) .ولو سلمنا جدلا ان المساعدات الخارجية الامريكية اداة لاحداث تاثير سياسي او عسكري فأنها لابد انتسترشد بثلاثة دوال, الدالة الاولي كلما ابتعد الهدف عن الغاية الاقتصادية المرجوة ضعفت احتمالاتتحقيق هذا الهدف بمعني ان اهداف التنمية الاقتصادية لايمكن تحديدها بالأهداف السياسية او العسكرية المتغيرة, والدالة الثانية الخطر الذي تتعرض له اهداف التنمية الاقتصادية في احيان كثيرة بسبب اهداف استراتيجية غير اقتصادية تقلل من فرص تحقيق تلط الاهداف وربما تخرب ذلك الهدف من خلال اضعاف اي تاثير سياسي تحدثه تلك المساعدات , اما الدلة الثالثة فهي مايعرف بصدقية الصنوبر الذي يعبر عنالتاثير السياسي او العسكري الذي تحدثه المساعدات الخارجية الامريكية والمرتبط ارتبطا مباشرا برغبة المانح وقدرته على تنظيم تدفق تلك المساعدات استجابة لسلوك المتلقي ( Stanton H, 1991, 2-16 ).

وعليه ربما يكون التاثير السياسي او العسكري للمساعدات الخارجية اقل مستوى كأداة استراتيجية في المستقبل المنظور من حيث تراجع هيمنة الولايات المتحدة بعدها الدولة المانحة الوحيدة امام الاتحاد الاوربي واليابان( Wright, 2005, 15-18 ), كذلك ارتفاع نسبة النمو في عديد الدول الممنوحة حيث باتت المساعدات الامريكية بالنسبة لها لاتمثل اولوية في ميزانياتها العامة ويمكن الاستغناء عنها لابسط الظروف السياسية( Krueger,1992, 49 ), فضلا عن ازدهار التجارة وتفوقها على المساعداتمن حيث دعم التنمية في بلدان العالم الثالث, ومن نافلة القول ان مساعدات ODA اغرقتها التجارة

والاستثمارات الاجنبية وشروط تسديد الديون في اثرها على LDC ( ديبل, 2009 , 445 ).سادسا \ الاغراض التجارية والازدهار الامريكيويمكن ان تفتح المساعدات الخارجية بابا لدعم الاقتصاد الامريكي عندما تكون الاغراض التجارية ترتبط

مباشرة بمشتريات السوق المحلية الامريكية فتخلق فرص العمل بميزان افضل للمدفوعات , حيث ورد في بعض التقديرات ان تقديم مساعدات خارجية لاغراض تجارية مقدرة بمليار دولار يمكن ان تقدم 20000 فرصة عمل رغم ان التكلفة على البلد الممنوح نتيجة الاستخدام عير الفعال للموارد تصل في بعضالاحيان عن 20%(  Krueger, 1992, 56-58 ), كذلك فان الاستثمارات الامريكية في البلدان الممنوحة بالمجالات المدنية والعسكرية بغرض توطيد العلاقات التجارية تعزز تسويق السلع والخدمات بمواصفات امريكية , فمثلا يعتمد استمرار صناعة الطائرات الامريكية بكاملها على اقتصادات القياس فلا

تكون ممكنة الا من خلال المبيعات التي تتلقى الدعم المالي من تخصيص المساعدات الخارجية ( Donald, 1983, 4).

سابعا \ الازمات الدولية

ظلت المساعدات الاقتصادية في احيان كثيرة احد وسائل ادارة الازمات الدولية التي تهدد على نحو معين الامن او الازدهار الامريكي حيث يكون التعامل مع هذه الاخطار والتهديدات بالتعاون مع احد اطراف الازمة او مع طرفي الازمة في بعض الاحيان باجراءات اقتصادية فعالة ومؤثرة عندما يكون التأثير السياسي فيها مستحيلا , فعلى سبيل المثال تعتبر رزمة المساعدات التي قدمتها ادارة الرئس كلنتون الى المكسيك عام 1995 بقيمة 25 مليلر دولار فعلت اعجوبة في تجنب البلاد فوضى سياسية واقتصادية يمكن ان تطال اثارها الازدهار الامريكي مباشرة , وذلك عندما جعلت الدبلوماسيون الامريكيون يقنعون حكومة

المكسيك بالتخلي عن قيادة مناهضة التمديد الامحدود لمعاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية عند انعقاد مؤتمر تجديد المعاهدة في الثلث الاخير من عام 1995 ( Smith, 1995,7 ).

ثامنا \ تكوين البيئة الدولية الاستراتيجية

تعد المساعدات الاقتصادية دعامة رئيسية في تكوين البيئة الدولية الاستراتيجية على اساس النظرياتالجيوسياسية الكبرى فامتلاك قلب العالم وفق الماكندرية الجديدة هو تعزيز القوة الاقتصادية للدول بين المانيا وروسيا حتى لاتعود الطموحات الاستعمارية نتيجة وجود مناطق فراغ استراتيجي تعيد تغيير موازين القوى لصالح دولة ما يرجع اشعال التنافس العنيف بينها, فيطمح التفكير الاستراتيجي المعاصر من جعل المساعدات الاقتصادية تساعد في خلق وتكوين بيئة دولية يكون العالم المحتاج للمساعدات مجال

حيوي للولايات المتحدة عندما تستطيع تلك المساعدات  ان تصنع اقتصاديات نامية بنظام السوق تكون ماركتها   الاساسية المنتج الامريكي باعتباره نموذج تقديم القيم الايديولوجية حيث تساهم المساعدات من فرص نشر الديمقراطية في العالم عبر دعم الانتخابات وتدريب الشرطة والمشرعين او دعم تطوير المجتمع المدني ( Lancaster, 2005, 81-82 ).

تاسعا \ ازمة التفكير الاستراتيجي

لايزال العجز في توصيف المساعدات الخارجية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر يعيش ازمةمنهجية بسبب الضبابية في حسم الاهداف الاستراتيجية لتلك المساعدات بين الواقعية والمثالية نظريا, وبين الحكومة والراي العام على مستوى التطبيق , فمن جانب نرى فيه مسؤلو السياسة الخارجية في البيت الابيض مع وزارة الخارجية وفي الحكومات المتعاقبة من الجمهوريين والديمقراطيين ان المساعدات الخارجية طريقة لشراء النفوذ لدى الحكومات الاجنبية بحيث يكون قطعها معاقبة لاي سلوك يبدر من هذه

الدول ويضر بمصالح الولايات المتحدة, وان معظم السفراء الامريكيين في دول العالم يحبذون دبلوماسية دفتر الشيكات كما يصفها مورغنثاو ( Morgenthau, 1962, 302 ).نلاحظ على جانب اخر اهتمام الراي العام الامريكي اسوة بالراي العام الغربي في المساعدات الخارجية لأسباب تتعلق بالإيثار والقيم الانسانية , او على اهداف قادرة على تحفيز التنمية والتخفيف من الام الفقراء , فمثلا يعمل نجوم الفن والموسيقى على رعاية حفلات يذهب ريعها الى مساعدات الى الدول الفقيرة , كذلك تعمل مؤسسات مثل مؤسسة بيل غايت على التبرع بأموال ضخمة لمكافحة الامراض في الدول الفقيرة , فضلا عن العديد من الاكاديميين اللذين ينشرون مؤلفات متواصلة في هذا السياق كذلك المشاريع اليوتيوب الهادفة الى وضع حد للفقر في العالم عن طريق مساعدات خارجية وخلق تنمية مستدامة في الدول الاكثر فقرا (Blustein, 2005, 14 ).

 

المبحث الثاني \ العقوبات الاقتصادية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر ومستويات التحليليشير مصطلح العقوبات الاقتصادية في العلاقات الدولية الى الاجراءات التي تستخدم القوة الاقتصادية من قبل دولة معينة او مجموعة دول او منظمات دولية على دولة او اكثر لتغيير سياساتها تجاه قضية مختلف عليها او عدد من القضايا, والتي غالبا ماتكون بذريعة مخالفة القانون الدولي او القانون الانساني باعتباره الناظم في العلاقات الدولية المعاصرة, وتختلف نقاط قوة العقوبات الاقتصادية ومكامن ضعفها حسب نوع العقوبة المستخدمة, والتي يمكن ان تبين كذلك فوائد هذه الاجراءات او مساوئها, والعقوبات الاكثر شيوعا دائما ماتكون لها علاقة بالتجارة والتمويل كالحظر على الصادرات او مقاطعة الاستيراد او حظر الاقراض والاستثمار, وتوجد ايضا عقوبات نقدية تهدف الى زعزعة قيم العملات كذلك عقوبات تفرض علىالاصول والاسهم او الحسابات المصرفية العائدة للدولة المستهدفة من البلدان الاخرى (Kirshner, 1997, 40-63 ).

المطلب الاول \ العقوبات الاقتصادية في التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر في الشؤون الخارجيةي الحالة الامريكية تعد العقوبات الاقتصادية الاكثر جدلا من بين الوسائل الاستراتيجية في الشؤونالخارجية حيث يمتد ذلك من فكر الاباء المؤسسين والجدالات بين هاملتون وجيفرسون في نهاية القرن الثامن عشرالتي اصلت للواقعية والمثالية في التفكير الاستراتيجي الامريكي بصورة عامة وفي سياسة الشؤون الخارجية بصورة خاصة, حيث يمتد ولع الاجبار والاكراه الاقتصادي عند رجال السياسة

الامريكيون منذ حرب الاستقلال وحفلة شاي بوسطن, والذي استمر من خلال الحظر على الصادرات ومقاطعة الاستيرادات حتى حرب عام 1812 , وتواصل ابان الحرب الاهلية ودبلوماسية كينغ كوتون,والذي استمر الى حظر تصدير البضائع الى اليابان قبل الحرب العالمية الثانية, والرقابة المشددة على الصادرات الى الاتحاد السوفياتي السابق والصين وكوريا الشمالية وغيرها من الدول الشيوعية ابان الحرب الباردة (Lopez, Cartwright, 1995, 65-85) .

واستمرت تلك السياسة بالحظر الاقتصادي على ايران بعد الثورة على نظام الشاه عام 1979 وصولا الى العقوبات الاقتصادية الراهنة عليها ذات الصلة ببرنامجها النووي, كذلك حزم العقوبات المتوالية على روسيا منذ الازمة الاوكرانية عام 2014 , والتي كرست بشدة بمساعدة الحلفاء بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في مارس من عام 2022 , ورغم استمرار جدلية العقوبات الاقتصادية الامريكية في مراكز التفكير الاستراتيجي , الا ان انها تختلف من حيث الموضوع عن الجدلية التاريخية , فالجدل المعاصر لايبحث في

الواقعية او المثالية للعقوبات  بقدر بحثه في فاعلية تلك العقوبات من عدمها في سياسة الشؤون الخارجية, حيث اكدت عديد الدراسات الاستراتيجية الامريكية المعاصرة عدم الفعالية النسبية للعقوبات الاقتصادية في سياسة الشؤون الخارجية بالمقارنة مع الادوات الاقتصادية الاخرى كالمساعدات الخارجية والتجارة والتمويل والاستثمارفضلا عن الادوات العسكرية والادوات الاجتماعية والسياسية مثل الدبلوماسية والتفاوض, فعندما اخضعت للقياس المقارن اظهرت النتائج المؤاتية ضعف العلاقة التبادلية في مستوى

الدرجات ومستوى نجاحها في الحصول على التنازلات التي تحقق المطالب ذات الصلة بالأهداف الاستراتيجية ومعدل نجاحها فضلا عن فشلها بالانسجام مع ميول الراي العام المحلي المفعم بالقيم الامريكية في الحرية وحقوق الانسان, الا ان نزعة اصحاب القرار الاستراتيجي في الشؤون الخارجية باستهداف خصومهم من خلال اجراءت العقوبات الاقتصادية سواء بتعكير الظروف الاقتصادية داخل بلدانهم او من خلال قطع العلاقات الاقتصادية بين بلدانهم وبين دول العالم بتفعيل وسائل الحظر والمقاطعة

(Pape, 1999, 99-136 ). ويمكن تفكيك جدلية العقوبات الاقتصادية في التفكير الاستراتيجي

الامريكي المعاصر من خلال مايلي:

اولا \ الدراسات الاكاديمية والبحوث الاستراتيجية

برهنت العديد من الدراسات الاكاديمية والبحوث الاستراتيجية لمختصين في ممارسة السياسة الرياضية الاستطلاعية في مراكز التفكير الاستراتيجي على مؤشرات سلبية في موضوع فعالية العقوبات الاقتصادية كاداة استراتيجية في سياسة الشؤون الخارجية, ففي دراسة لكاري كلود و جيفري جي وسكوت واخرون بعنوان( اعادة النظر في القوبات الاقتصادية) والتي تعتبر من اكثر الدراسات استشهادا بوقائع حالاتالعقوبات الاقتصادية منذ الحرب العالمية الاولى الى عام 1990, اشرت هذه الدراسة ان ثلث تلك العقوبات فقط كانت ناجحة جزئيا وان معدل النجاح هذا كان متارجحا وضعيفا بمرور الايام , كما استنتجت هذه

الدراسة محدودية العقوبات الاقتصادية في تحقيق اهداف السياسة الخارجية ( Hafabauer,Schott,1990,92-106 )

واظهرت دراسة اخرى لروبيرت بيبي تحت عنوان ( لماذا لا تنجح العقوبات الاقتصادية) ضعف العلاقة التبادلية بين درجة العقوبات ودرجة التنازلات التي يقدمها الطرف الذي فرضت عليه تلك العقوبات (Pape, 1999, 105-130 ) ,كما توصلت دراسة استطلاعية لمورغان وشيباك بعنوان ( الاغبياء يتالمون بسرور) محدودية الفائدة التي تقدمها تلك العقوبات لمستخديميها في المساومة التي يمكن اخضاعها للقياس من حيث النتائج المؤاتية ( مورغان وشفيباك, 1997 ,41 -45 ).

ثانيا \ الجمع والتجريد

الا ان تلك الدراسات يمكن ان تعتريها اشكالية التجريد او الجمع عند الاخذ بنتائجها في حالة مجردة او في حالة جمع وترميز بغرض الحكم عليها, بمعنى اذا نظر الى نتائج كل حالة على انفراد فأنها تختلف في درجة التقييم من النظر الى نتائجها مجتمعة , فعلى سبيل المثال عندما فشلت العقوبات الاقتصادية التيفرضت على بنما وهاييتي بهدف تغيير سياستهما في اوائل التسعينات من القرن العشرين حتى استخدمت الاداة العسكرية التي نجحت في بلوغ الاهداف عند التهديد بها او استخدامها , بينما بان نجاح العقوبات الاقتصادية التي فرضت على النظام العراقي في نفس الفترة تقريبا حين منعت نظام صدام من  اعادةتطوير برنامجه الصاروخي او اسلحة الدمار الشامل , بل ان تلك العقوبات ادت دورا هاما في القرار الذي اتخذه القذافي في ليبيا في التخلي عن محاولته للحصول على الاسلحة النووية بعد عقد من الزمان (Cortright,2004, 90-103 ).

ثالثا \ بين الاستراتيجية والتكتيك

وتبدو هناك قضية كثيرة الاهمية عند الخبراء والمختصون في استراتيجية الشؤون الخارجية كمعيار لفعالية العقوبات الاقتصادية بين الاهداف التكتيكية قصيرة الامد والاهداف الاستراتيجية طويلة الامد , فرغم ان العقوبات الاقتصادية كنظيراتها من الادوات الاقتصادية ملائمة للمشاريع الاستراتيجية طويلةالامد , الا ان هناك مشاريع عقوبات تكتيكية لأغراض دفاعية او تفاعلية قصيرة الامد (Shubik, Brcaken, 1983, 583 ), وتوصف العقوبات التكتيكية بانها غالبا ما تكون ردود افعال لكنها لها فوائد قد تلبي توجهات الراي العام بان تكون هناك ردود حاسمة للازمات الدولية التي تشكل هذا الراي تجاه هذه الازمة, كذلك  ترسل هذه العقوبات رسائل شديدة الى الخصوم اقوى من الدبلوماسية ,ونذكر في هذا السياق العقوبات التي فرضها الرئيس الاسبق جيمي كارتر على ايران خلال ازمة الرهائن الامريكيين, كذلك العقوبات ضد الاتحاد السوفياتي السابق بسبب غزوه لأفغانستان , والعقوبات التي فرضها الرئيس الاسبق دولاني ريغان على بولاندا بسبب عمليات القمع, وتجميد الرئيس الاسبق جورجبوش الاب للأموال العراقية عقب غزو العراق للكويت, والعقوبات التي فرضها الرئيس الاسبق كلنتونعلي هاييتي بعد الانقلاب الذي اطاح بحكومة بر تراند اريستيد( Haass, 1998, 197 ).بينما تنعقد فعالية العقوبات الاستراتيجية طويلة الامد  بمستخدميها في اغلب الاحيان فهي تحتاج الى رجالسياسة يمتازون بالصبر والاناة في رصدهم لاي تغيرات في محيط الازمة واطرافها على مستوى السلوك او القدرات وعلى المدى الطويل ( هافبوير وشوت وايليوت, 1990 , 1), ويمكن ان تحظى العقوبات  الاستراتيجية المصممة للعقاب في فرصة من النجاح افضل من العقوبات المصممة على الجبر والاكراه والردع, حيث تضع العقوبات الاولى الخيارات الاخيرة بيد صانع القرار الفارض للعقوبات في الاستمرار او التخفيف او الالغاء , وهي بذلك تعبر جميع العقوبات التيقد تصادفها في التسبب بألم انساني حقيقي رغم الضرر الكافي الذي تسببه تلك العقوبات بهذا الزمن الطويل من ادارة الصراع وانها تجتاز كثيرا الاهداف الرمزية , بينما تكون التغيرات الاخيرة بيد الطرف المفروض عليه اما في الاستسلام او التصعيد او اللجوء للادوات العسكرية فتكون العقوبات هنا اداة غير معروفة النتائج ( Haass, 1998,199 ).

رابعا \ مستوى القوة الاقتصادية المستهدفة

ومن العوامل التي ربما تضمن نجاح العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة حسب راي بعض من الخبراء الاستراتيجيين والمختصين في سياسة الشؤون الخارجية هي المستوى الاقتصادي للدول المستهدفة  بتلك العقوبات من حيث الاعتماد الكبير على التجارة والتمويل ومستوى الحد الادنى للبقاء في دورة الاعمال , كذلك مستوى تطور نظامها الاقتصادي وانخراطه في نظام السوق وميزانها التجاري وحجم اقتصادها الصناعي والزارعي, فضلا عن طبيعة احتكارها لسلعة معينة لايمكن الاستغناء عنها او

انها سلعة ضرورية للتاثير على المستوى المحلي او الاقليمي او العالمي, لذلك يوصي هولاء الخبراء الاستراتيجيون بتوخي الحذر من المبالغة في تقدير ضعف الدول المستهدفة من قبل صناع القرار وعدم اعتبار الدول العصرية الحديثة دولا هشة ( Drezner, 1998, 74 ).وما يعزز هذه العوامل هي التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة على معظم دول العالم حيث يفيد ذلك عندما

تكون الدولة الدولة فارضة العقوبات اعظم قوة اقتصادية من الطرف المستهدف من العقوبات او ما يرتبط بها لكي تطبق رافعة تتمكن من تحمل تكلفة الاثار العكسية لتلك العقوبات, وتشير احدى الدراسات في هذا السياق من ان اكثر الدول نجاحا في فرض العقوبات الاقتصادية هي الدول التي تحافظ على اثر العقوبات على الدول المستهدفة بما لايقل عن  2% من ناتجها القومي الاجمالي وعلى مدى ثلاث سنين, وعليه فهيتحتاج الى تفوق بما يعدل 10% في نتاتجها القومي الاجمالي لكي تحقق ذلك الاثر ( هافبوير وشوت واليوت, 1990 , 71- 72 ).اما الاخطار المحتملة التي يمكن ان تضعف من اثار هذه العوامل في ان تؤدي العقوبات الاقتصادية الى تعزيز وتقوية الموقف المحلي للخصم المستهدف من خلال تبيان الاثر العكسي للالتفاف على اثار تلك

العقوبات سيما في القاطعات الاقتصادية التي تضررت حيث تستفيد حكومة تلك الدولة باستخدام صلاحياتها لتعيد توجيه تكاليف العقوبات  نحو خصومها ( Rowe, 2001, 17 ).

خامسا \ طريقة التطبيق

يعتقد عدد اخر من الخبراء الاستراتيجين ان طريقة تطبيق العقوبات من اهم اشتراطات نجاحها, فالعقوبات متتعددة الجوانب تمتلك فرصا اكبر للنجاح من العقوبات احادية الجانب بسبب وفرة السلع والخدمات والتمويل والاستثمار على المستوى الدولي وان ثروات الدول موزعة على نطاق واسع رغم تفوق الولايات المتحدة في جميع تلك الموارد بشكل كبير, حيث تمنح العقوبات احادية الجانب خيارات عديدة للدولة التي فرضت عليها العقوبات الامريكية في الالتفاف عليها, وقد عبرت عن ذلك المندوبة الامريكية السابقة كارلا هيلز حين قالت ان العقوبات الاقتصادية الامريكية احادية الجانب لايمكن ان تؤتي اكؤلها بينما تتيح العقوبات متعددة الجوانب فرص اكبر للنجاح( Thomas W, Lippman, 1998, A6 ).وتحتاج العقوبات الامريكية متعددة الجوانب الى تحالفات قوية لضمان نجاحها حسب راي بعض الخبراء الاستراتيجيين وانها ملائمة جدا للتحالفات والائتلافات والتكتلات حيث تكون اجراءتها اكثر فعالية عندما تتفق بشانها دول ذات مصالح مختلفة( Lopez, Cartwright, 1995, 67-75 ) ,  وربما تكون هذه الاختلافات في المصالح مدعاة لتماسك التحالف للمساعدة في نجاح العقوبات لضمان مصالح اقتصادية استراتيجية عليا ( Haass, 1998, 205 ), كما عبر عن ذلك دانيال در يزنر بمقولة ان العقوبات الاقتصادية متعددة الجوانب تحتاج في اغلب الاحيان الى مادة غروية اضافية تشد المنطمات الدولية الى بعضها شدا محكما لتدوم عندما تستطيع مؤسساتها ان تقدم الالية التنسيقية والرقابية والتنفيذية المناسبة لتعزيز فعالية المقاطعة الاقتصادية ومساعدة الحلفاء للتخفيف من فاتورة التكليف الذين يدفعونها جراء تلك العقوبات كمتطلبات للامن الجماعي التعاوني , والذى يفرض بدوره ضغطا دبلوماسيا وسيكولوجيا على الدولة المستهدفة, فضلا من ان فرض العقوبات الاقتصادية عن طريق التحالفات والائتلافات والمنطمات الدولية تساهم في اضفاء الشرعية على اجراءاتها كما انها تساهم كذلك في الحصول على دعم الراي العام المحلي لها  لتسهل المصاعب ذات الصلة بالعقوبات على الدول التي تطبقها  ( Drezner,2000, 73-102 ).

سادسا \ نوع العقوبات

تعتبر العقوبات التجارية والعقوبات المالية ابرز انواع العقوبات الاقتصادية المعاصرة التي تفرضها الولايات المتحدة على خصومها الدوليين بغرض الضغط عليهم لتغيير سياساتهم تجاه قضية معينه واعدة قضايا, وقد اثبت الاختبار الميداني التفوق النسبي للعقوبات المالية على العقوبات التجارية في نسب النجاح في تحقيق اهدافها بسبب ان العقوبات التجارية غالبا ما تكون عرضة للالتفاف عليها بينما تكون العقوبات الخاصة بالاموال والاصول اقل عرضة للالتفاف عليها لانها تفرض عادة من خلال مصادرة او حجز

بصورة مباشرة عندما تعتمد جدواها على مكان تواجد تلك الاصول , كذلك علنية العقوبات التجارية تجعل اجراءاتها بطيئة وعرضة للتراكم مع مرور الزمن, بينما تسير العقوبات المالية بهدوء عن طريق البنوك المركزية بسرعة واستدامة ( Kirshner, 2002, 38-40 ).كما تكون العقوبات المالية اكثر تاثيرا وفعالية من العقوبات التجارية من حيث سرعة اجراءات فرضها وان

تنال من النخب صاحبة القرار في الطرف المستهدف (  Lopes, Cartwright, 1995, 82 ), ومن نافلة القول ان نذكر في نفس السياق ما يعتقده بعض المختصين من الاثار العكسية للعقوبات التجارية عندما تمنح المسؤولين في الدول الشمولية المستهدفة فرصا للتربح وزيادة ثرواتهم , فعلى سبيل المثال تجعل بعض العقوبات التجارية من التهريب ومن عمليات السوق السوداء عملا مربحا من خلال قطع عمليات الاستيراد العادية بما يتيح للمتنفذين والمسؤولين مزيدا من النهب عندما تكون اجراءات العقوبات المطبقة ضيقة الهدف وغير قوية بما يكفي لنجاحها , ويقترح بعض الخبراء عقوبات ملحقة على المجال الخاص السيئ بالمسؤولين والمتنفذين في الدول المستهدفة من تلك العقوبات ( Haass, 1998, 202-208 ).

سابعا \ قوة التطبيق

وهناك مسالة مهمة يؤكد عليها بعض الخبراء الاستراتيجيين والمختصين في هذا الشأن وهي مديات قوة تطبيق العقوبات الاقتصادية, حيث ان العقوبات الكلية والجزئية يجب ان تكون فورية وسريعة وصلبة مع الاهداف بعيدة الامتداد في الدول القوية الاقل عرضة للاذى ( Oudraat, 2000, 117-118 ), فمثلا يؤكد لوبيز و كارترايت على ضرورة ان تكون العقوبات الاقتصادية قاسية وشاملة وفورية ومتعددة الجوانب اذا اريد لها ان تكون مؤثرة وناجحة في تحقيق اهدافها ووضع حد للسياسات غير المقبولة التي تتبعها الدولة المستهدفة من العقوبات ( Lopez, Cartwright, 1995,88 ) ,  وتقديرا لما يسببه هذا الحسم القوي والفوري في التطبيق من تقليل فرص التفاوض , او ربما يدعو الطرف المستهدف التفكير في ردود انتقامية ينصح عدد اخر من المختصين بالتطبيق التدريجي للعقوبات بما يمنح الطرف الاخر الوقت لتعديل مواقفه كما يمنحه حيزا للمناورة وهامش من احتواء الصدمات النفسية للقيم, وبعد مرور الوقت تكون الظروف مؤاتيه لتطبيق العقوبات بصورة فورية وسريعة وبالغاية المقصودة الممكنة ( Haass, 1998, 208-209 ).

ثامنا \ العقوبات المركبة

مصطلح العقوبات المركبة تعبير عن التنسيق بين العقوبات الاقتصادية من جهة وسائر الادوات الاستراتيجية الاخرى بهدف تحقيق الاهداف التي من اجلها فرضت تلك العقوبات , وتشمل عادة الادوات الاجتماعية السياسية والادوات العسكرية , ومن الراجح ان تعطي العقوبات الاقتصادية تأثرا اكثر فعالية ان استخدمت الى جانب عقوبات اخرى مثل سحب الدبلوماسين الوطنيين او طرد الدبلوماسيين الخصوم , او انهاء المبادلات الاجتماعية ووقف التعاون في كافة المجالات السياسة والاجتماعية, او حظر تصدير الاسلحة وغيرهاBlnachard, Ripsman, 1999\20000 ,225) ).

ورغم ان العقوبات الاقتصادية تعتبر بديلا سلميا عن الوسائل العسكرية الا ان التنسيق بينها هو الاكثر اهمية في العقوبات المركبة حيث يمكن اللجوء في بعض الاحيان الى القوة العسكرية لتطبيق العقوبات الاقتصادية فيكون موضوع القوة هو العامل المشترك في العقوبات المركبة كما عبر ذلك روبيرت بيب عندما قال هناك اخفاق منهجي في دراسة فعالية العقوبات الاقتصادية باعتبارها بديل عن القوة , فقد تصبح تلك العقوبات مقدمة للحرب , اما بسبب رد فعل انتقامي من الدولة المستهدفة او بسبب شعور الدولة  التي فرضت العقوبات بالاحباط فتقرر تصعيد الوسائل بدلا من التخلي عن الاهداف ( Pape, 1997, 106 ), وربما يكون ما فعله جورج بوش الاب في حرب الخليج الاولى عام 1991 , وما فعله كلنتون في كوسوفو وهاييتي احسن مثال على تلك الحالة (, 2000, 72 Drezner).ويمكن القول في هذا الصدد ان العقوبات المركبة ربما تعزز الصدقية للاستجابة عند الطرف المستهدف في الحالات التي تكون خطيرة وحادة , فتكون الادوات السياسية حاضرة بابلاغ الدولة المستهدفة بوضوح عن امكانية استخدام القوة العسكرية لتنفيذ العقوبات الاقتصادية وتعزيز اثارها الاستراتيجية , وبذلك تفرض العقوبات الاقتصادية بديلا لاستخدام القوة عندما تكون الارادة السياسية بخصوص استخدام القوة العسكرية مرشحة للتصديق عند الطرف المستهدف ( Elliott, 1998, 51-58 ).

تاسعا \ تقييم فعالية العقوبات الاقتصادية

تجمع العقوبات الاقتصادية في طياتها كاداة استراتيجة في الشؤون الخارجية عناصر السلمية والعدائية وتظهر الالتزام والتحفظ معا , فهي ذات عدائية اعلى من الادوات الدبلوماسية والسياسية والاجتماعية, وذات سلمية اعلى من الادوات العسكرية , ولذلك فهي عرضة للتشكيك في مديات فعاليتها من قبل الخبراء الاستراتيجيين اذا طبقت بصفة مجردة ودون الادوات الاخرى , وعرضة للانتقاد من قبل المثاليين لانها متصلة بالقسوة والشدة اذا طبقت بصفة مركبة مع الادوات الاستراتيجة الاخرى, الا انها مقبولة عند صناع السياسة والقرار الحازميين والعقلانيين باعتبارها مصممة للردع والطمانة في ان واحد, فهي اداة محفوفة بالاخطار بنسبة اعلى من  الادوات السياسية والدبلوماسية والاعلامية بيد انها اقل استفزازا للرد من قبل الطرف المستهدف من الادوات العسكرية ( Baldwin, 1985, 104-110 ).ويبدو ان العلاقة بين الاكراه العسكري والعقوبات الاقتصادية في التفكير الاستراتيجي  الامريكي المعاصر اكثر دقة ودهاء في الفصل بين العقوبات المجردة والعقوبات المركبة ( ديبل, 2009 , 465 ) , فالعقوبات

الاقتصادية خيار متقدم في نطرهم لانها تقع في منطقة بين الحرب والسلام في سلسلة متصلة تستمد قوتها من ابعاد متعددة وبصيغ مختلفة تخضع لطبيعة النظام الدولي الذي تقوده بجدارة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين, كما تخضع هذه السلسلة المتصلة الى الطبيعة البيروقراطية للولايات المتحدة الامريكية وطريقة صنع القرار الاستراتيجي في الشؤون الخارجية فضلا عن دور الراي العام في ذلك , وتخضع هذه السلسلة ايضا الى الطبيعة السيكولوجية لأصحاب القرار الاستراتيجي سواء في الولايات المتحدة او في الدول المستهدفة , وعلية فان التحليل السياسي لدراسة العقوبات الاقتتصادية في التفكير الاستراتجي في الشؤون الخارجية يجب ان ياخذ جميع هذه العوامل بنظر الاعتبار , وهذا مانسعى اليه في المطلب الثاني.

المطلب الثاني \ مستويات التحليل

يعتقد عدد من الباحثين المعاصرين ان هناك اسباب منهجية للاهتمام بمستويات التحليل حيث تساعدنا على صنع استنتاجاتنا المنطقية , الا انهم يختلفون في عدد هذه المستويات, بيد ان تعميم كنيت والتز عندما قدم ثلاث مستويات من التحليل ودعمه في ذلك ديفيد سنجر ساهمت في اعطاء تفسيرات محتملة و مختلفة وكافية لنموذج مهم لسياسة الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية, وهو قراءة الولايات المتحدة لغزو العراق في عام 2003  من خلال ثلاث مستويات هي مستوى الفرد, ومستوى الدولة, ومستوى النظام الدولي  ( منغست,اريغيون, 2013 , 108).

اولا \ التحليل على مستوى الفرد

تقدم مراكز التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة علاقة تبادلية دقيقة بين الاهداف المرجوة والعقوبات الاقتصادية بما يعني ضمنا القدرة على وضع تقديرات لابأس بها من الدقة للاحتمالات المستقبلية, الا انه بسبب عدم ضمان ردود افعال الطرف المستهدف يجب ان يكون رجال السياسة وصناع القرار على مستوى كبير من امكانية وضع معيارا مثاليا للتكلفة والاخطار يضمن توازن واقعي بين فرص النجاح والفشل بحيث تكون النتائج ضمن حدود الاهداف الاستراتيجية حتى لو كانت انطلاقا من تقييمات لايمكن اثبات صحتها عندما تجري)   Kissinger,1979, 914 ), واذا اريد للعقوبات الاقتصادية ان اثرا اقتصاديا حقيقيا على دولة ما فينبغي ان يستخدم تلك العقوبات رجال سياسة يتمتعون بالصبر والاناة في متابعتهم لاي تغيرات في السلوك اوالقدرات من قبل نظرائهم من صناع القرار من الطرف المستهدف ( Haass, 1998, 199 ).وعلى سبيل المثال عندما قام الجيش الهاييتي بانقلاب عسكري في الثلاثين من سبتمبر عام 1991 قامت ادارة جورج بوش الاب بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على الانقلابيين بهدف اعادة الحكومة المنتخبة الى السلطة , وعندما جاء كلتنون الى ادارة البيت الابيض وقع في فخ شعاراته باستخدام القوة العسكرية ,وحينها بدات استراتيجيته بالترنح على مدى عام كامل لانها كانت تفتقر الى الوسائل الكفيلة بإنجازها, في وقت كان اثر العقوبات الاقتصادية كارثي على السكان الفقراء في ذلك البلد, حتى باتت ازمة هاييتي عند التحليل تحت الاستراتيجية بسبب التقييم الخاطى لادارة كلنتون التي شكلت اخطارا محلية لأدارته, فعندما يكون صاحب القرار الاستراتيجي مترددا بشان تقصير اداة العقوبات الاقتصادية فينتقل من اداة الى اخرى دون اعادة تقييم للتكاليف والاخطار الجديدة كما هو مدون في مراكز التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة في الصومال وهاييتي وكوسوفو ( ديبل, 2009, 602 ).

ثانيا \ التحليل على مستوى الدولة

هناك خصائص اقتصادية واجتماعية وسياسية للطرف المستهدف على مستوى الدولة من العقوبات الاقتصادية حاضرة في مراكز التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة , والتي يمكن تصنيفها للأقل قابلية للصمود بوجه العقوبات الاقتصادية الامريكية , او الاكثر قابلية في الصمود بوجه تلك العقوبات , فمن الخصائص الاقتصادية الاكثر قابلية للصمود هي الاقتصاد عالي التطور الذي يقوم على اقتصاد السوق وهو اقتصاد صحي ومعافى ويعتمد اعتماد شديد على التصدير والاستيراد الى دول مختلفة من خلال دورة دولية لراس المال وبسلاسل توريد عالمية, اما الخصائص الاقتصادية للطرف المستهدف الاقل قابلية في الصمود بوجه العقوبات الامريكية فهي ذات الاقتصاد الريعي الموجه مركزيا ودون المتطور , وضعيف عن التصدير والاستيراد , وضعيف الاعتماد على الاسواق المحلية ( Oudraat, 2000,16 ).اما الخصائص الاجتماعية والسياسية للطرف المستهدف الاكثر صمودا بوجه العقوبات الاقتصادية الامريكية فهي الدول ذات المجتمع الصناعي متجانس الاعراق ومتماسك داخليا بمعارضة سياسية برلمانية

قوية في نظام ديمقراطي, بينما تكون الخصائص الاجتماعية والسياسية للطرف المستهدف الاقل صمودا ذات مجتمع ريفي مختلط الاعراق غير متماسك داخليا يحكمه نظام شمولي دون معارضة برلمانية. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق ان معظم دول العالم الثالث مرشحة لان تكون اهداف استراتيجية ناجحة اذاطالتها العقوبات الاقتصادية الاميريكة بغض النظر عن المعاناة التي يمكن ان تصيب شعوب تلك الدول والتي اثبتت المراجعة التاريخية حجم مرارتها.

ثالثا \ التحليل على مستوى النظام الدولي

توضح لنا الاعتبارات التي درسناها ان العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على خصومها قد تنجح نجاحا افضل عندما تكون مدعومة من الحلفاء, فالعقوبات الاقتصادية ملائمة جدا للائتلافات والتكتلات لان اجراءاتها تكون اكثر فعالية عندما تجعل الطرف المستهدف اقل ضعفا على المستوى الدولي عندما يستهدف من اطراف متعددة تربطه بها مصالح مختلفة , ولقد منح نظام القطب الواحد المعاصر الولايات المتحدة فرصة مثالية في هذا السياق حيث بات من غير الممكن التخلي عن دعم اي عقوبات تفرضها على اي دولة من قبل حلفائها , فضلا عن الدول المرتبطة معها باي شراكة اقتصادية او سياسية ضمن العلاقات الدولية في ظل هذا النظام الدولي, حيث تتاثر العلاقات السياسية لدولة ما او مجموعة دول بنظام العقوبات الاقتصادية وفق منطق الحكم الامريكي من زاوية مدى ارتباط اقتصادها بالاقتصاد العالمي من خلال سلاسل التوريد والتركيب الاقتصادي الداخلي ( النعمة, 1979 ,131).وتعتبر العقوبات المالية التي تفرضها وزارة الخزانة الامريكية المعاصرة من اشد العقوبات الاقتصادية كادة  استراتيجية في الشؤون الخارجية تاثيرا على الدول والكيانات والافراد المستهدفين بسبب الهيمنة المصرفية للولايات المتحدة وحلفائها الغربيون التي تفرضه الانظمة الالكترونية العالمية المشفرة  مثل نظام سويفت هذا من جهة, والنفوذ المالي غير المحدود الذي تفرضه منطقة الدولار فضلا عن النفوذ المالي للحلفاء في منطقة اليورو من جهة اخرى , الا ان مايثير الجدل في اروقة مراكز التفكير الاستراتيجي الامريكي بهذا الصدد هو الاثار السلبية الجانبية لهذا النظام المحكم من العقوبات الاقتصادية من قبيل سرعة رواج العملات الرقمية غير الشرعية ودورها في تغطية عمليات غسيل الاموال وتجارة المخدرات لدعم العمليات الارهابية حول العالم, وهو مايهدد القيم الامريكية باعتبرها قلعة الفكر والمؤسسات الاقتصادية الراسمالية ( الموند, بأول, 1998 , 953 ).

وهناك قلق يساور بعض الخبراء والمحليين في مراكز التفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر من افادة الصين من العقوبات الاقتصادية الامريكية المتعددة في مناطق الإستراتيجية حول العالم , فضلا عن تعزيز نفوذ الاتحاد الاوربي  واليابان المتصاعد حيث لم يعد

الاقتصاد الامريكي اليوم هو المهيمن على العالم كما كان قبل ربع قرن , رغم ان الولايات المتحدة تنتجحوالي 25% من الانتاج الصناعي العالمي , والمواد الزراعية ,والخدمات , الا ان دول العالم المتقدمة هي التي لحقت بها او على الاقل سدت الفجوة التي كانت تفصلها عنها , ومع كل ذلك فبعد مرور اكثر من قرن على تصدر الولايات المتحدة كونها اكبر قوة اقتصادية في العالم لايزال انتاجها الكلي اكثر من ضعفي منافستيها الاقرب وهما الصين واليابان ( ستيفنسون, 2001, 73-74 ), وهو مايجعل قلق بعض الخبراء الاستراتيجيين غير مبرر حسب راي البعض الاخر من الخبراء في مراكز التفكير الالستراتيجي الامريكي المعاصر , بما يعقد الجدالات الممتدة حول  مدى فعالية اداة العقوبات الاقتصادية لتحقيق اهدافها في استراتيجية الشؤون الخارجية الامريكية المعاصرة.

الاستنتاجات

توصلت هذه الدراسة الى امكانية تحقيق نسب من نجاح  العقوبات الاقتصادية في تحقيق اهدافها كإدة استراتيجية في الشؤون الخارجية الامريكية اذا ما اخذت بالخطوات المرشحة في مراكز التفكيرالاستراتيجي الامريكي المعاصر والمنتخبة من الخبراء الاستراتيجين من المثاليين والواقعيين رغم الجدلات المستمرة بينهم بخصوص الاولويات بين المصالح العليا للدولة وبين الحفاظ على روح القيم الامريكية, ويمكن ان نلخص هذه الخطوات المرشحة بالاتي:

1 – ان العقوبات الاقتصادية هي اجراءات خطيرة تحتاج دقة التقييم قبل استخدامها واثناء استخدامها, بحيث لاتقترب او تتجاوز الخسائر التي تسببها تلك العقوبات في البلدان المستهدفة من الضحايا المدنيين نسب الخسائر التي تسببها العمليات الحربية بحساب عامل الزمن, كذلك يجب لاتنهك هذه العقوبات الاقتصاد الامريكي المحلي من تقليل فرص العمل , او اعباء ثقيلة على دافعي الضرائب .

2 – ان تكون الدولة او الطرف المستهدف  بالعقوبات الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة مرتبط بعلاقات متعددة بالاقتصاد الامريكي , وان يكون اقتصاد الهدف اضعف بدرجة كبيرة من الاقتصاد الامريكي.

3 – ان تكون العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة مدعومة من الحلفاء بشكل تنظيم متعدد الاطراف يتاح له قدر كاف من الزمن.

4 – ان تطبق العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة على الهدف بصورة سريعة وكاملة من اجل تضخيم اثرها السايكولوجي في نفوس اصحاب القرار  الطرف المستهدف.

5 – ان لاتواجه العقوبات الاقتصادية الامريكية المرشحة معارضة شديدة من الراي العام المحلي او الراي العام الدولي.

 

التوصيات

1 –  العقوبات الاقتصادية اداة محفوفة بالاخطار اكثر من الادوات الدبلوماسية والسياسية رغم انها اقل خطورة من الادوات العسكرية.

2 – تجنب العقوبات الاقتصادية قدر الامكان لما تمثله من تهديد لسلاسل التوريد العالمي بما يشكل خطرا محدقا على الامن الغذائي في معظم دول العالم الثالث.

3 – تمثل العقوبات الاقتصادية تهديدا حقيقيا لامن الطاقة, وزيادة في اسعارها بما ينعكس سلبا على الاقتصاد العالمي, لذا نوصي بتجنبها.

4 – تمنح العقوبات الاقتصادية فرصا حقيقية لعمليات التهريب وتجارة المخدرات, فنوصي بتقدير ذلك.

5 – توفر العقوبات المالية والمصرفية سبيلا لعمليات غسيل الموال وتداول العملات المشفرة غير الشرعيه واالتي يمكن ان توفر تمويلا للحركات الارهابية حول العالم, لذا نوصي بتقدير ذلك.

المصادر باللغة العربية

١- تيري ل. ديبل ، استراتيجية الشؤون الخارجية ، ترجمة وليد شحادة ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 2009 .

٢- جابر بيل إيه الموند ، جي بنجهام ياويل الابن ، السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر ، ترجمة هشام عبدالله ، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ، عمان – الاردن 1998 .

٣- دوغلاس ك سنتيفنسون ، الحياة و المؤسسات الأمريكية ، ترجمة ، امل سعيد ، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ، عمان – الاردن ، ٢٠٠١ .

٤- كارين أ . منغنست ، إيفان م. أريغوين ، ، مبادئ العلاقات الدولية ، ترجمة حسام الدين خضور ، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع ، دمشق – سوريا ، ٢٠١٣ .

٥- كاظم هاشم نعمة ، العلاقات الدولية ، مراجعة مندوب الشالجي ، الجزء الاول ، كلية القانون ، العلوم السياسية ، جامعة بغداد ، بغداد – العراق ، ١٩٩٩ .

 

المصادر باللغة الانكليزية

1 – DauidA. Baldwin, Eoonom, Estate ( Princeton, NJ: Princeton University Press, 1985) p. 9 note 6

2- Arvind panagariya, Think Agains International Trade, foreign policy 13

 ( November/ December 2003)

3- Kal Halosti, International Politics: A . Framework for Analysis (Englewood Cliffs, N): Prentice – Hall, lnc. 1992

4- peulnosley, Foreign Aid: lots Detunse and Retorm, ( Lexington, Ky: the University of Kentucky Press, 1987)

5- Hans Morgenthau, A political theory of Foreign Aid, American political science. Review 56 1962

6- Thomas Carothers, Democracy state and AID A Tale of two. cultures, foreign service Journal (February 2001)

7- Ethan B . Kapstein, Reviving Aid: Or does charity Begin at Home?” word Dolicy ”, (January Fall 1999)

8- Robert L. Curry, Ji, a review of contemporary us foreign Aid policies, Journal of Economic Issues 24 ( September 1999).

9- George Liska, the new statecraft: foreign, Aid in America Foreign Policy (Chicago, IL: University of Chicago, 1960) p- 127

10 – Cordon Donald,u.s.foreiga Aid and The National interest (Washington, Dc: National Planning Associaton), 1983.

11- Stantontls. Barnett, Investing in security: Economic Aid For No economic purposes, Significant issues, vol,14, No. 8 (Washing ton, Dc: centre for strategic and international steadies. 1992, 69FF.

12-Robin Write, Did to poorest Nations Trails Global Goal, washing to post (January 15, 2005).

13- Anne Krueger, Economic policies at Cross – purposes: The United States and

Deve/ oping couriers ( Washington, DC: Brookings International, 1992).

14-R.Jeffery Smith, permanent Nuclear Treaty Retention may Be Approved by census Vote, Washington Post (May 8, 1995 ).

15-Carol Lancaster, Redesigning Foreign Aid, Foreign Affairs, (September/ 153).

( October 2000).

16-Paul Blustein, After G-8 Pledas, Doubts of poing H ⁶⁶  Washington post (July 10, (158) 2000) A- 14.

 17-  Jonathan Kirshner, The security Economic Sanctions, 1997.

18- George A. Lopez and David cartwright, The sanctions Fletcher foram ( fall 1995 ).

19- Rohert A. Pape, why Economic sanctions “Do not work” International Security 22 ( Fall 1999).

20- T.Clifton Morgan and Valerie L. Schebach, Fools suffer Gladly. The use of Economic sanctions international Crisis, International Studies Quarterly 41 ( March 1991 ).

21 -Gray Clyde Hufbauer, Jeffery j. Schott, and Kimberly Ann Elliott, Economic Sanctions Reconsidered, indexed, 2 Vols ( Washington, Dc: Institute for International Economics, 1990.

22-David Cortright, Containing Iraq: sanctions worked, Foreign Affairs 83

(  July/August 2004 ) .

23-Martin shabic and Paul ( Bracken, Strategic Purpose and The International Economy, Drbis ( Fall 1983 ).

24- Haass, ed, Economic sanctions and American, Diplomacy (New York: Council Foreign Relations, 1998.

25- Jonathan Kirshner, Economic Sanctions: The state of the Art, security Stadies//(summer 2002).

26- Chantal de Jonge OData, Making Economic Sanctions work, survival 42 (Autumn 2000).

27-Norrin M . Ripsman, Asking The Right Question: When Do Economic sanctions

work Best? Security studies ( Autumn – Winter 1999/2000 ).

28- Kimberly Ann Elliott, The Sanctions Glass: It Fall or Completely Empty?

 International security 23 ( Summer 1998).

29-David Baldwing Economic statecraft ( prin carton, N . J: Princeton university

Press, 1985).

30-Daniel W. Drezner, Serious About Sanctions, National (Fall 1998).

31-David M.Rowe, Manipulating the Market, Understanding Economic sanctions,

international Change and the political unit of white Rhodesia (Ann Arbor, M 1: the University of Michigan Press, 2001 ).

32-Thomas w.lippman Us. Rethinking Economic Sanctions, Washington post

 ( January 26, 1998) .

33-George A . Lopez and David Cartwright, the sanctions Era: An Alternative to

 Military international tion, Fletcher Form (Fall 1995).

34-Daniel W. Drezner, Bargaining Enforcement, and Multilateral Sanctions: When

is cooperation a Country productive? International organization 54 ) Winter 2000).

35-Kissi ginger, White House Years (Boston: Little Brow, 1999).

المواقع الإلكترونية

1_ https://dbaldwin.scholar.princeton.edu

2_ https://www.kentuckypress.com/9780813116082/foreign-aid/

3_https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/000271626033100153

4_ https://www.jstor.org/stable/3647732

5-https://www.jstor.org/stable/23016144

6-https://www.washingtonpost.com/world/national-security/iran-may-have-sent-libya-shells-for-chemical-weapons/2011/11/18/gIQA7RPifN_story.html

7-https://www.sid.ir/fileserver/je/1035820150201

8-https://www.jstor.org/stable/2539262

9_https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/0963641990842940

10- https://www.armscontrol.org/magazine-sections/arms-control-print

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *