نوفمبر 23, 2024 3:36 ص
1

أ.د. حسين عبدعلي عيسى

كلية القانون/ جامعة السليمانية

Email: husseinissa@hotmail.com

 009647702100958

الملخص:

شكلت العقوبة على مر التأريخ الإنساني النتيجة الحتمية المترتبة على ارتكاب الجريمة. وقد تنوعت العقوبة وتدرجت شدتها تبعاً لدرجة جسامة الأفعال التي تشكل خطورة على أمن المجتمع واستقراره. وإذا كانت العقوبة في المراحل الأولى من تطور المجتمع الإنساني تتصف بقسوتها البالغة وارتبطت بالثأر والانتقام الفردي من الجاني، ولاحقاً بالانتقام الجماعي منه، فأن أغراضها في الوقت الراهن أصبحت تنحصر في تحقيق العدالة والردع الخاص والعام.

وقد لعب المذهب الإنساني (الأنسنة)، الذي ظهر في القرون الوسطى، وتطور لاحقاً، وكذلك المذاهب الجنائية المختلفة، دوراً بارزاً في أنسنة العقوبة الجزائية، وهو ما وجد انعكاساته في التشريعات العقابية لعدد كبير من الدول، ومن ثم فقد باتت أنسنة العقوبة الجزائية في العصر الراهن من مرتكزات السياسة العقابية المعاصرة، وفي ضوئها تغيرت التصورات المتعلقة بالجاني والعقوبة المفروضة عليه وأغراضها. وهذا ما يستدعي من المشرع العراقي مراعاته من خلال أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي.

ومن ثم فأن مشكلة البحث تنحصر في دراسة مفهوم أنسنة العقوبة الجزائية، وكذلك الإجابة على عدد من التساؤلات المتعلقة بأصولها الفلسفية والقانونية، ومظاهرها في التشريعات العقابية المقارنة، ومرتكزات تجسيدها في التشريع العقابي العراقي.

وتنحصر أهمية البحث في أن الدراسة تركز الضوء على أحد المحاور المعاصرة في السياسة الجنائية الذي يحظى بعناية المجتمع الدولي، كما أن نتائجه والتوصيات النابعة منه يمكن أن تكون موضع اهتمام المشرع العراقي بغية الاستفادة منها في أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي العراقي.

وتتمثلالأهداف الرئيسة للبحث في التعريف بأنسنة العقوبة الجزائية، وتوضيح جذورها الفلسفية وأسسها القانونية، ومرتكزاتها في السياسة الجنائية المعاصرة، ومظاهرها في التشريعات العقابية المقارنة، وكيفية تجسيدها في التشريع العقابي العراقي استناداً إلى التوصيات النابعة منه.

وتستند الدراسة إلى عدة مناهج، وبخاصة: المنهج التأريخي، وذلك من خلال الدراسة التأصيلية لمفهوم الأنسنة وأنسنة العقوبة الجزائية، وكذلك المنهج الوصفي والتحليلي والمقارن في دراسة المواثيق الدولية ذات الصلة والتشريعات العقابية العراقية والمقارنة بخصوص تجسيد أنسنة العقوبة الجزائية فيها.

ويقسم البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة. ويتناول المبحث الأول الجذور الفلسفية والقانونية لأنسنة العقوبة الجزائية، ويعالج المبحث الثاني أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي العراقي والمقارن. وتتضمن الخاتمة أهم الاستنتاجات والتوصيات المتوصل إليها.

الكلمات المفتاحية:السياسة الجنائية، الأنسنة، العقوبة الجزائية، التشريع العقابي العراقي، التشريعات العقابية المقارنة.

Humanizing criminal punishment – a study in criminal policy

Prof. Dr. Hussein Abd Ali Issa

College of Law/University of Sulaymaniyah

Abstract

The penalty has been a historical consequence of committing a crime throughout human history. The penalty varied and its severity escalated depending on the gravity of actions that posed a threat to the security and stability of society. In the early stages of human societal development, the penalty was characterized by its severity and was associated with individual retaliation and revenge against the wrongdoer. Later on, collective revenge emerged, and eventually, its purposes in the contemporary era have become focused on achieving justice and both specific and general deterrence.

The humanistic approach (humanization) that emerged in the Middle Ages, as well as various criminal doctrines, played a significant role in humanizing criminal penalties. This influence was reflected in the penal legislation of many countries. As a result, humanizing criminal penalties has become a cornerstone of modern penal policies, leading to shifts in perceptions regarding the offender, the imposed penalty, and its objectives. This calls for consideration from the Iraqi legislator in terms of humanizing criminal penalties within penal legislation.

Thus, the research problem is centred around studying the concept of humanizing criminal penalties, along with addressing several questions related to its philosophical and legal foundations, its manifestations in comparative penal legislation, and its embodiment in Iraqi penal legislation.

The significance of this research lies in shedding light on a contemporary aspect of criminal policy that has garnered international attention. The research outcomes and resulting recommendations could be of interest to the Iraqi legislator, aiming to benefit from them in humanizing criminal penalties within Iraqi penal legislation.

The main objectives of the research are to define humanizing criminal penalties, clarify their philosophical roots and legal foundations, explore their manifestations in contemporary criminal policies, compare them in comparative penal legislations, and illustrate their embodiment in Iraqi penal legislation based on derived recommendations.

The research employs various methodologies, primarily the historical approach by theoretically studying the concept of humanization and humanizing criminal penalties. Additionally, descriptive, analytical, and comparative methodologies are employed in the study of relevant international agreements, and Iraqi and comparative penal legislations, focusing on the embodiment of humanizing criminal penalties.

The research consists of an introduction, two main sections, and a conclusion. The first section delves into the philosophical and legal roots of humanizing criminal penalties, while the second section discusses the embodiment of humanizing criminal penalties in both Iraqi and comparative penal legislations. The conclusion summarizes the key findings and recommendations.

Keywords: Criminal Policy, Humanization, Criminal Penalties, Iraqi Penal Legislation, Comparative Penal Legislation.

 

المقدمة

لعبالمذهب الإنساني (الأنسنة)، الذي يعود في جذوره الفلسفية إلى القرون الوسطى، دوراً بارزاً في تطور مفهوم العقوبة الجزائية وأغراضها، فبعدما كانت العقوبة في المراحل الأولى من تطور المجتمع الإنساني تتصف بقسوتها البالغة وارتبطت بالثأر والانتقام الفردي من الجاني، ولاحقاً بالانتقام الجماعي منه، باتت أغراضها اليوم تنحصر في تحقيق العدالة وردع ارتكاب المحكوم عليه لجريمة جديدة (الردع الخاص) وردع ارتكاب الأشخاص الآخرين لجرائم مماثلة (الردع العام).

وقد لعبت المذاهب الجنائية المختلفة دوراً كبيراً في أنسنة القانون الجنائي بصفة عامة والعقوبة الجزائية بصفة خاصة، فعلى أساسها تغيرت التصورات المتعلقة بالجاني والعقوبة المفروضة عليه وأغراضها مما كان له الأثر في أنسنة التشريعات العقابية لعدد كبير من الدول، وهذا ما جرى تجسيده أيضاً في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969، إذ تجلت مظاهر أنسنة العقوبة الجزائية في التزام المشرع العراقي بكثير من توجهاتها في مختلف نصوصه.

ونظراً لمرور مدة ليست بالقصيرة على صدور قانون العقوبات العراقي لعام 1969 وفي ضوء التطورات المعاصرة في توجهات السياسة الجنائية، وبخاصة في نطاق أنسنة العقوبة الجزائية، بات من البديهي أن يبادر المشرع العراقي بدوره إلى تحديث هذا القانون، ولاسيما من خلال اعتماد التوجهات الحديثة في أنسنة العقوبة الجزائية.

أولاً: مشكلة البحث: يتناول البحث دراسة أنسنة العقوبة الجزائية في السياسة الجنائية المعاصرة، وذلك من خلال البحث في الإجابة على عدد من التساؤلات بخصوص الجذور الفلسفية والقانونية لأنسنة العقوبة الجزائية، ومظاهرها في الوقت الراهن في كل من التشريع العقابي العراقي والتشريعات العقابية المقارنة، وكيفية تحديث قانون العقوبات العراقي لعام 1969 فيما يتعلق بأنسنة العقوبة الجزائية فيه.

ثانياً: أهمية البحث: تنحصر أهمية البحث على الصعيد النظري في تسليط الضوء على الجذور الفلسفية والتاريخية لأنسنة العقوبة الجزائية في نطاق المذاهب الرئيسة في القانون الجنائي، مع التطرق إلى تجلياتها في قانون العقوبات لعام 1969 وفي التشريعات العقابية المقارنة، مما يشكل إضافة نظرية مهمة إلى الدراسات المكرسة للعقوبة الجزائية في نطاق السياسة الجنائية المعاصرة، لاسيما وأن أنسنة العقوبة الجزائية تعدّ من أهم التوجهات فيها. كما تتمثل أهمية البحث على الصعيد التطبيقي في أن النتائج التي سيتمخض عنها هذا البحث يمكن أن تسهم في تطوير قانون العقوبات العراقي لعام 1969، وبخاصة فيما يتعلق بأنسنة العقوبةالجزائية فيه.

ثالثاً: نطاق البحث: سيقتصر موضوع البحث على دراسة أنسنة العقوبة الجزائية في قانون العقوبات العراقي لعام 1969، ومن ثم سوف لن يجري التطرق إلى القوانين العقابية العراقية الأخرى (الخاصة أوالتكميلية)، كما سيكرس البحث لدراسة كل من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 وقانون العقوبات الروسي لعام 1996 بوصفهما انموذجين على التشريعات العقابية المقارنة، وفيما يتعلق بموضوع البحث.

رابعاً: مناهج البحث:تعتمد الدراسة على عدد من المناهج، وعلى رأسها المنهج التأريخي والوصفي والتحليلي والمقارن،في دراسة الجذور الفلسفية والقانونية لأنسنة العقوبة الجزائية وتجلياتها في المذاهب الجنائية المختلفة، وكذلك مظاهر أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي العراقي والتشريعات العقابية المقارنة.

خامساً: خطة البحث:يتوزعالبحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة، وسيخصصالمبحث الأوللدراسة الجذور الفلسفية والقانونية لأنسنة العقوبة الجزائية وسيكرس المبحث الثاني لبيانمظاهر أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي العراقي والمقارن. وستدرج في خاتمة البحث أبرز الاستنتاجات والتوصيات المتوصل إليها.

المبحث الأول

الجذور الفلسفية والقانونية لأنسنة العقوبة الجزائية

لتسليط الضوء على الجذور الفلسفية والقانونية لأنسنة العقوبة الجزائية يقسم هذا المبحث على مطلبين، ويكرس المطلب الأول للتأصيل التأريخي والفلسفي لأنسنة العقوبة الجزائية، ويخصص المطلب الثاني لبيان أهمية المذهبين الأنتربولوجي والاجتماعي في أنسنة العقوبة الجزائية، وعلى الوجه الآتي:

المطلب الأول

التأصيل التأريخي والفلسفي لأنسنة العقوبة الجزائية

يطلق مصطلح (الأنسنة) أو (النزعة الإنسانية) أو (الإنسانوية) على حركة التنوير التي ضمت مفكري عصر النهضة (بترارك، دانتي، بوغاشو، دافينشي، إبرازموس أوف روترادا، برونو ، رابيليه، مونتي، كوبرنيك، شكسبير، بيكون، مور، كامبانيلا، أولريخ هوتن، وغيرهم)، والتي دعتإلى حرية الفرد ومعارضة القهر البدني والديني ودافعت عن حق الإنسان في التمتع وفي إشباع الرغبات والحاجات الدنيوية(روزنتال، يودين، 1997، 468). و (الأنسنة)بوصفها مصطلحاً فلسفياً: هي مركزية الإنسان، وموضوعها تقويم الإنسان وتقييمه واستبعاد كل ما من شأنه تغريبه عن ذاته، سواءً بإخضاعه لحقائق أو لقوى خارقة للطبيعة البشرية أم تشويهه من خلال استعماله استعمالاً دونياً يناقض الطبيعة البشرية(لالاند، ، 1996، ص 569).ومن ثم يرىأنصار (النزعة الإنسانية) “إن الإنسان معيار كل شيء، وإن كل إنسان معيار ذاته”(كرين، 2001، ص 41).

وتعود أنسنة العقوبة الجزائية بوصفها من التوجهات المعاصرة والرئيسة في السياسة الجنائية المعاصرة في جذورها الفلسفية والتأريخية إلى عصر التنوير أيضاً، إذ نادى بها أبرز ممثلوه في نطاق الفكر القانوني، وبخاصة: مونتسكيو وروسو وفولتير وبيكاريا وغيرهم، الذين، كما يرى البعض(رشيتنيكوف، 1965، ص 5-6)،كان لهم الدور البارز في تأسيس (المذهب الإنساني التنويري) في القانون الجنائي، الذي تطلق عليه تسمية (المذهب التقليدي أو الكلاسيكي)، والذي مهد لتأسيس المذاهب الجنائية اللاحقة.

ويعدّ مونتسكيو (1689-1755)أبرز المنورين الفرنسيين في نطاق المذهب الإنساني التنويري، وعبر عن آرائه القانونية بصفة خاصة في مؤلفه (الرسائل الفارسية) الصادر عام 1721، وكذلك في مؤلفه (روح القوانين) الصادر عام 1748، وفي كليهما وجه انتقاداً لاذعاً إلى القانون الجنائي وكذلك القضاء، كما وأدرج في مؤلفه الثاني تصوراته عن إصلاح القانون الجنائي، وكرس أبواباً كاملة فيه للعقوبة الجزائية، وفيه دعا الى تقليص حلقة الأفعال المعاقب عليها كجرائم، من خلال إلغاء الجرائم الدينية ولاسيما ما يتعلق بالسحر والهرطقة، وكذلك الجرائم الواقعة على (الملك)، ومنها جريمة إهانة الملك، مما يعني المطالبة بالغائها ومن ثم عدم العقاب عليها. كما دعا إلى فرض العقاب في قانون العقوبات على الأفعال وليس الأقوال أو النوايا التي لا تجد تجسيدها بأفعال. وأن تحدد كل جريمة في القانون بشكل دقيق ومحدد، وذلك (كيلا يخرج القاضي عن حدود القانون). وهنا تأكيد على مبدأ لا جريمة الا قانون، وكذلك تقييد لسلطة القاضي في ممارسة دور السلطة التشريعية في تجريم الأفعال والعقاب عليها على هواه. ودعا كذلك إلى الالتزام بمبدأ التناسب بين العقوبة والجريمة التي ارتكبها الجاني. ومن أجل تسبيب رأيه أشار إلى أمثلة من الصين وروسيا بقوله بأنه في (الصين) يجري تقطيع مرتكبي جرائم السطو إلى أجزاء، في حين لا يجري ذلك بالنسبة للصوص، ولذلك فهناك يرتكبون جرائم السرقة ولا يرتكبون جرائم السطو. أما في (موسكو)فيعاقب اللصوص والقتلة على حد سواء.فمن خلال إشارته إلى (الصين) يؤكد على أهمية التناسب بين الجريمة والعقوبة، وعلى سبيل المقارنة يشير إلى انتفاء مثل هذا التناسب في قوانين (موسكو)، إذ يعاقب فيها على جريمتي السرقة والقتل بشكل متماثل. وفي هذا المؤلف عارض بشدة فرض عقوبة الإعدام، التي كانت واسعة الانتشار آنذاك، ودعا بشكل خاص إلى عدم فرضها في الجرائم الدينية، والجرائم الماسة بالملك(ناعوموف، 2017، ص 736-737).

ويرى جان جاك روسو (1712-1778)، الذي يعدّ من أبرز مفكري العلوم الاجتماعية والسياسية، أن المصدر الرئيس للشر الاجتماعي، وبضمن ذلك الإجرام، كما كتب في مؤلفه (أصل التفاوت بين الناس) إنما ينحصر في إنعدام المساواة الاجتماعية، الذي يعود سببها إلى وجود الملكية الخاصة، وأنه كان بإمكان البشرية أن تتجنب الجرائم والحروب والقتل والكوارث لولا وجودها،ومن ثم فقد طالب بأن تكون الخيرات متاحة للجميع، وألّا تكون الأرض لأحد. ومن أجل ردع مختلف الاضطرابات، وما يقوم به الأغنياء من استيلاء، والفقراء من سطو، ومن أجل تجنب الفوضى في المجتمع ، يتوجب في رأيه تأسيس دولة تحمي المواطنين كافة تقوم على العقد الاجتماعي (روسو، 2013، ص 66-68).

وأولى روسوفي مؤلفاته، وخاصة في مؤلفه الأبرز (العقد الاجتماعي)،اهتماماً كبيراً بعدد من المسائل القانونية، ففيهقسم القوانين إلى أربعة أنواع: السياسية والمدنية والجنائية، والنوع الرابع أهمها، وينحصر في: (الرأي العام والأخلاق والأعراف)، ويكون الهدف منها جميعاً الحريةوالمساواة، فالحرية في رأيه لا يمكن أن تتحقق على وجه العموم من دون المساواة، والحرية صفة أساسية للإنسان وحق غير قابل للتصويت عليه، فإذا تخلى الإنسان عن حريته فقد تخلى عن إنسانيته وعن حقوقه كإنسان، وهي تعني تمتع الفرد بحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار قانوني(سيتنيكوفا، 2006، ص 60).

وقد شكلت أفكار (روسو) المتمثلة في (الأخاء والحرية والمساواة) شعارات للثورة الفرنسية عام 1789، وكذلك جسدت في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789، الذي بات أحد عناصر ديباجة الدستور الفرنسي لعام 1958. في حين أن آراءه بخصوص العقد الاجتماعي شكلت أساساً لغيره من المنورين، وخاصة تشارلي بيكاريا، فيما طرحوه من آراء، ولاسيما فيما يتعلق بالعقوبة الجزائية وأنسنتها.

وعارض بيكاريا (1738-1794) في مؤلفه (عن الجرائم والعقوبات) الصادر عام 1764 فكرة عدّ العقوبة الجزائية انتقاماً منالمجرم، ففي رأيه “إن الغرض من العقوبة ليس التعذيب وايلام الكائن الحساس، ولا عرقلة جريمة سبق حدوثها. إن الغرض يمكن أن يتحدد فقط في منع المجرم من إحداث أضرار جديدة بحق المواطنين، ولإثناء الآخرين من مقارفة أفعال مماثلة. وكي تتوصل العقوبة إلى أغراضها، فأن الضرر الناجم عن العقوبة ينبغي فقط أن يتجاوز المنفعة التي يستحصل عليها من الجريمة، وفي هذا التجاوز للضرر، فأن بوسع المرء أن يضمن فعالية العقوبة وأن يقصد المنفعة التي تتحقق من الجريمة”(بيكاريا، 1985، ص 70-72).

ويعدّ بيكاريا من أشد معارضي عقوبة الإعدام وفي مؤلفه عارض هذه العقوبة مبيّناً طبيعتها غير الردعية، ففي رأيه أن عقوبة الإعدام نفسها تعطي الناس أنموذجاً على القسوة، كونها تجعلهم قساة القلب، ومن ثم تدفعهم إلى ارتكاب جرائم جديدة(بيكاريا، مصدر سابق، ص 75-76).

وفي ضوء مؤلفه (في الجرائم والعقوبات) يمكن تحديد عدد من المبادئ التي طرحها لأنسنة القانون الجنائي بصفة عامة والعقوبة الجزائية بصفة خاصة، والتي اعتمدتها التشريعات العقابية وهي:

  • مبدأ الشرعية: ففي معرض الحديث عن خصائص العقوبة الجزائية يشير إلى الخاصية الأساسية لها “والتي هي بالذات تبرز في أن ينص القانون، وحده، على الأحوال التي ينبغي أن توقع فيها على الفرد، ولذلك، فأنه تقع على عاتق القانون مهمة استجلاء الجوانب الجرمية في الفعل التي يبرر توقيعها على المتهم”، وفي رأيه:”إن القوانين وحدها تنص على العقوبات للجرائم، فالسلطة في تحديد ذلك تعود فقط إلى المشرع الذي يمثل كل المجتمع الذي يستند إلى العقد الاجتماعي”(بيكاريا، مصدر سابق، ص 38، 32).
  • مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة: ناقش بيكاريا هذا المبدأً في باب خاص من مؤلفه وتحت عنوان (التناسب بين الجرائم والعقوبات)، طارحاً خلال ذلك كثيراً من الأمثلة، مطالباً بأنه: “يجب أن يقوم التناسب الدقيق بين الجرائم وبين العقوبات”، “وإذا سببت جريمتان، بشكل مختلف، أضراراً للمجتمع، ووقعت عليهما عقوبة واحدة، فأن الأفراد لن يرتدوا عن ارتكاب جرائم أشد إذا وجدوا فائدة كبرى قد تنجم عنها لهم”، ومن ثم ففي رأيه أن قساوة العقوبة يجب أن ترتبط بجسامة الجريمة(بيكاريا، مصدر سابق، ص 91).
  • مبدأ حتمية العقوبة الجزائية: إذ يشير بهذا الصدد إلى أنه: “لا تعتبر قسوة العقوبات من بين الكوابح للجرائم، ولكن هذا الكابح الأكبر يتمثل في نجاح هذه العقوبات…إن يقين أي عقوبة، ولو كانت معتدلة، من شأنه أن يترك دوماً، انطباعاً أقوى من أي شيء آخر يكون مقترناً برعب أشد ولكنه مرتبط بوجود الأمل في عدم العقاب فيه”(بيكاريا، مصدر سابق، ص 85).
  • سرعة فرض العقوبة الجزائية: إذ يرى: “كلما كانت العقوبة على نحوفوري وبشكل متقارب من الجريمة من الناحية الزمنية، كلما كانت هذه العقوبة أكثر عدلاً ونفعاً”، ومن ثم “فأن المحاكمة نفسها يجب أن تستكمل في أقصر وقت ممكن”، كما “أن فورية العقوبات تكون أكثر نفعاً، لأنه حينما يكون طول الوقت الذي يمر بين العقوبة وبين الفعل الآثم أقل، فإن اجتماع هاتين الفكرتين، الجريمة والعقوبة، يكون أقوى وأكثر استمرارية في الذهن الإنساني، وعندئذ تصبحان متلازمتان في الاعتبار، وتصبح إحداهما بمثابة السبب، وتصبح الأخرى بمثابة نتيجة ضرورية غير قابلة للدفع أو الرد”(بيكاريا، مصدر سابق، ص 82).
  • مبدأ عدم العقاب على الأفكار: ففي رأيه إن “القوانين لا تعاقب على النوايا”.وتطويراً لفكرة مونتسكيو المتعلقة بأن المسؤولية الجزائية يمكن أن تترتب على أفعال الناس وليس على نواياهم أو اقوالهم، ففي رأيه “إن مقياس العقوبات لا يكمن في درجة إحساس الجاني، ولكنه يكمن في حجم الضرر العام الواقع على المجتمع”(بيكاريا، مصدر سابق، ص 63، 101).

لقد كانت لأفكار بيكاريا الأثر الكبير في تجسيد النزعة الإنسانية في صياغة العقوبة الجزائية في قانون العقوبات الفرنسي لعام 1791، ومن ذلك أنهألغى أنواعاً من عقوبة الإعدام، ومنها الحرق والإعدام على الدولاب وغيرها، كما لم ينص على عقوبتي السجن مدى الحياة وقطع الأعضاء، واستبعد العقاب على الجرائم الدينية.

وقد كان لأفكار مونتسكيو وبيكاريا صداها في إنكلترا فقد تبناها الفيلسوف الإنكليزي بنتام (1748-1832)، الذي عمل في مؤلفاته العديدة على تطوير ما يتعلق منها بتناسب الجريمة والعقوبة وسعى لوضع معياراً لذلك، كما وضعأانموذجاً للإنسان المجرم، ودرس عملية اتّخاذه القرار بارتكاب الجريمة. ففي رأيه أن المجرم يجري قبل ارتكاب الجريمة تقييماً للجوانب السلبية والإيجابية لذلك(ناعوموف، مصدر سابق، ص 817).وانطلق في نظريته في العقوبة من فكرة (المنفعة الاجتماعية) التي سبق أن نادى بها بيكاريا، ففي رأيه أن العقاب وأسلوبه يتحددان على هدى المصلحة، فلا معنى للقسوة حيث لا توجد مصلحة، ومن ثم فأن عقوبة الحبس تعدّ أكثر العقوبات تجاوباً مع المصلحة الاجتماعية، ذلك لأن الألم الناشئ من الحبس في صورة فقدان الحرية والمتميز بالامتداد الزمني يكفي زاجراً للمجرم ومانعاً له من الإجرام(بهنام، 1997، ص 137). وقد وجدت هذه الأفكار تجسيداً واضحاً لها في قانون العقوبات الفرنسي لعام 1810 (قانون نابليون)، من حيث تحقيق المصلحة الاجتماعية عن طريق الإرهاب، مما ترتب عليه النص فيه على العقوبات المؤبدة والمصادرة وزيادة حالات الحكم بعقوبة الإعدام، وباتت المصلحة ومعيارها الضرر أساساً للتجريم والعقاب(الحديثي، 2007، ص 7).

وبوصف فولتير (1694-1778) واسمه الحقيقي (فرانسوا ماري آروويه) حقوقياً محترفاً فقد أولى في مؤلفاته الاهتمام بقضايا القانون الجنائي، بشقيه الموضوعي والإجرائي، ولاسيما في مؤلفه (شروحات لكتاب عن الجرائم والعقوبات) الصادر عام 1766، الذي تضمن آراءه بخصوص مؤلف بيكاريا (عن الجرائم والعقوبات)، وكذلك في مؤلفه (مكافأة عن العدالة والإنسانية) الصادر عام 1777. وفي هذين المؤلفين وغيرهما عارض بشدة الكنيسة الكاثولوكية متهماً إياها بملاحقة الناس بسبب معتقداتهم الدينية، مدللاً على أن ذلك يتعارض مع العقل الإنساني، مديناً عقوبات الإعدام الصادرة عن محاكمها إزاء معارضيها والمتهمين من طرفها بالسحر والهرطقة وما شابه.لقد كان فولتير مدافعاً صلباً عن الحريات المدنية وخاصة حرية العقيدة والمساواة وكرامة الإنسان. أما على صعيد السياسة الجنائية فقد ربط فولتير بين تطوير التشريع الجنائي ومدى استناده إلى نظام متطور لردع الجرائم، كما وقف مثل مونتسكيو وبيكاريا مع تناسب الجريمة والعقوبة ومع تناسب الجريمة مع جسامة العقوبة، كما عارض بشدة عقوبة الإعدام(ناعوموف، مصدر سابق، ص 738-739).

وقدشكلت الأفكار التي طرحها (كانت وفيورباخ وهيغل) الأساسالفلسفي للتطوير اللاحق للمذهب التقليدي وتعزيز دوره نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في معالجة كثير من المسائل المرتبطة بالقانون الجنائي. إذ لعبت أفكار كانت (1724-1804) دوراً مهماً في أنسنة العقوبة الجزائية، وإليه يعود الفضل في الكشف عن مبدأ الإكراه القانوني، ففي رأيه “أن كل ما هو خاطئ يعوق الحرية، في حين يعوق الإكراه الحرية أو يكافحها”، كما أشار إلى أن “العقوبةالتي تفرضها المحكمة على المجرم وذلك لأنه ارتكب جريمة، وليس من أجل التعامل معه على أنه وسيلة لتحقيق أغراض شخص آخر”، كما طور ما يسمى نظرية العقوبة المطلقة، فالعقوبة الجزائية تعدّ جزاءاً عادلاً على الجريمة إذا تسببت في معاناة محددة للمجرم كمقابل عن ارتكاب الجريمة، فمن أجل تحقيق العدالة يتوجب أن تقوم العقوبة على معيار وحيد هو مبدأ المساواة(سيميكين، 1999، ص 114-117).

وعمل فيورباخ (1775-1833) على تطوير الأفكار الفلسفية لكانت في نطاق القانون الجنائي، كما وضع نظريتهالخاصة في القانونالجنائي، والتي وجدت انعكاساً لها في مشروع قانون العقوبات البافاري لعام 1813، وإليه يعود الفضل في صياغة المبادئ الأساسية للقانونالجنائي: لا عقاب الا بقانون، لا جريمة الا بقانون، لا جريمة الا بعقوبة قانونية، والتي دمجت لاحقاً في مبدأ واحد هو مبدأشرعية الجرائم والعقوبات (لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون)، والذي شكل الأساس لإصدار التشريعات العقابية في كثير من بلدان العالم.

كما وضع فيورباخ نظرية الإكراه المعنوي بوصفه غرضاً للعقوبة، وفي رأيه أن العقوبة تكون على نوعين: عقوبة المجرم، التييكون الغرض منها استعراض نفاذ القانون، وعقوبة الأشخاص المحيطين، التي يكون الغرض منها الإخافة أو الترويع من ارتكاب الجريمة. أما الغرض الرئيس من العقوبة فهو ردع الأشخاص كافة من ارتكاب الجريمة، في حين تتمثل أغراضها الأخرى في حماية أمن الدولة من المجرم وإصلاحه. وفي رأيه أن العقوبة يجب أن تسبب ألماً للمجرم، والا فأنها تتعارض مع نظرية العقوبة. ومن ثم فقد عدّ العقوبة انتقاماً من المجرم لقاء ارتكابه للجريمة. كما رأى أنه من غير الجائز فرض العقوبة على غير المذنبين من الأشخاص “فالعقوبة يجب أن تتعلق بأفراد المجتمع الذين اقترفوا الجريمة فقط”. وكان لفيورباخ الدور الأبرز في وضع الأساس النظري لعدد من الأبواب الرئيسة في القانون الجنائي، وبخاصة: الخطأ والشروع في الجريمة وأركان الجريمة والمساهمة وغيرها. وهو من أكد على الفصل بين الأساس المادي (الفعل الإجرامي الذي يحرمه قانون العقوبات) والأساس المعنوي للمسؤولية الجزائية، كما حدد الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي بوصفهما الشكلين الرئيسين للخطأ، واللذين قسمهما بدورهما إلى عدة أنواع(كمساروف، كريلفا، تشاكوفا، 2012، 819-820).

وتنحصر الفكرة الرئيسة لهيغل (1770-1831) فيما يتعلق بنظريته حول الجريمة والعقوبة بأن القوانين كلما كانت أكثر عدالة كلما اعترف بأنها عادلة أكبر عدد من المواطنين، ومن ثم يقل عدد الراغبين في انتهاكها، وينخفض مستوى الإجرام. فالعقوبة هي قبل كل شيء انعكاس للعدالة(سيميكين، مصدر سابق، ص 303). فالعقوبة، كما يرى، تظهر عندما يوجد انتهاك وسلب للحق، وفي هذه الحالة تعود إلىالحق مكانته، ولكن بغض النظر عما تحققه العقوبة من أغراض نفعية فأن القانون المطلق للحق يحتم أن يعقب الجريمة ألم وعقاب، فالعقاب فعل مطلق من أفعال العدالة. ومن ثم فقد كان مؤيداً لعقوبة الإعدام، الا أنه كان ميالاً في الوقت نفسه إلى حصرها في نطاق ضيق(هيغل، 2007، ص 37-39).

لقد كان هيغل مناصراً لفكرة أن العيب العقلي يعدّ سبباً لنفي المسؤولية الجزائية، ومن ثم فقد طالب بالتعامل الإنساني مع الأشخاص المصابين بأمراض عقلية وعدم اتّخاذ العقوبة الجزائية بحقهم، واستبدالها بتدابير ذات طبيعة طبية. كما دعا إلى استبعاد حالة الدفاع الشرعي في حالة الاعتداء على ممتلكاتالغير إن كان الباعث على ذلك هو الموت من الجوع، مما كان يتعارض مع القانون الجنائي آنذاك. كما ويعود إلى هيغل تحديداً الفضل في صياغة مبدأ العدالة وتطويره(ناعوموف، مصدر سابق، ص 742-743).

 

المطلب الثاني

أهمية المذهبين الأنتربولوجي والاجتماعي في أنسنة العقوبة الجزائية

لقد ظهر المذهب الانتربولوجي في إيطاليا، إذ يعدّ الإيطالي تشارلز لومبروزا (1836-1909) مؤلف كتاب (الإنسان المجرم) الصادر عام 1876 مؤسساً له. وقد سعى إلى إثبات وجود أسباب بيولوجية للإجرام، ولذلك فقد أجرى دراسات كبيرة كان محلها الإنسان المجرم،وذلك من أجل البحث عن (نمط انتربولوجي معين) يمكن على وفقه تمييز الإنسان المجرم عن غيره من الأشخاص، وعلى أساس ذلك وضع تصنيفاً للمجرمين إلى: قتلة ولصوص ومغتصبين ومحتالين وغيرهم. وفي رأيه أن الإنسان يلد مجرماً(إبراهيم، 1998، ص 8-10)،ولذلك لا يمكن إصلاحه، وتجعل الخصائص الأنتربولوجية التي يتمتع بها من غير الممكن مساءلته بأي نوع من المسؤولية الأخلاقية، ولكن انتفاء المسؤولية لا يعني إنعدم خطورته بالنسبة للمجتمع، ومن ثم يتعين استبعاده بطريقة أو أخرى(الشاذلي، 1993، ص 92)، ويرى ضرورة تطبيق عقوبات بحق مخالفي القانون تتمثل في الإعدام وقيد الحرية والتعقيم والإخصاء وما شابه.كما اقترح اتّخاذ (تدابير الأمن) أو (التدابير الاحترازية) لمواجهة الإجرام، ودعا إلى استبدال القضاء الجنائي بهيئات إدارية متخصصة تعمل على استظهار سمات (الإنسان المجرم) في هذا الشخص أو ذاك وتنظر في مسألة اتّخاذ هذه التدابير بحقه(الدرة، 1990، ص 45-48).

وكان الحقوقي الإيطالي أنريكو فيري (1856-1928)، الذي وضع كتاب (علم الاجتماع الجنائي) عام 1881، يرى أن الإجرام هو نتاج التأثيرات المتبادلة لمجموعة من العوامل الموضوعية والانتربولوجية والاجتماعية، فالعوامل الموضوعية تتمثل في المناخ والظروف الجوية وفصول السنة والموقع الجغرافي، والتي تؤثر في المجرمين كافة وعلى حد سواء، في حين تؤثر العوامل الانتربولوجية في نشاط المجرمين بالولادة والمجرمين العاطفيين، ويكون تأثير العوامل الاجتماعية كبيراً في سلوك المجرمين بالصدفة والمجرمين بالاعتياد. وفي ضوء نظريته الخاصة بعوامل الإجرام طرح أفكاره بخصوص إعادة النظر في القانون الجنائي وأن يعاقب فيه على أساس الخطأ وأن يتحول إلى قانون الدفاع الاجتماعي.(كمساروف، كريلفا، تشاكوفا، مصدر سابق، ص 822-823).ومن ثم فقد نادى بفكرة تفريد الجزاء الجنائي استناداً إلى التصنيف الخماسي الذي وضعه للمجرمين (ارتباطاً بالميلاد، أو بوجود الخلل العقلي، بالاعتياد، أو بالصدفة، أو العاطفة)من خلال اقتراح صور من الجزاء تختلف باختلاف كل طائفة، وتتفق مع طبيعة العوامل الإجرامية التي تفسر إجرام أفرادها. وفي رأيه أن هدف الجزاء بالنسبة للمجرمين بالصدفة هو إعادة تأهيلهم مع المجتمع، ويوصي بالنسبة للمجرمين العاطفيين أن تتسم الجزاءات الموقعة عليهم بقدر كبير من التسامح، ومن ذلك إلزامهم بإصلاح الضرر الناشئ عن جرائمهم(سليمان، 1995، ص 300-301).

ولم تختلف أفكار علماء الاجتماع البلجيكي (برنس) والنمساوي (فون ليست) والهولندي (فان هامل) بخصوص عوامل الإجرام عن أفكار (فيري) إذ حصروا عوامل الإجرام في عوامل فردية وموضوعية واجتماعية. وقد درس (برنس) أثر مختلف الظواهر الاجتماعية مثل الفقر والتسول والنزوح من الريف إلى المدينة وغيرها في الإجرام ملتزماً في ذلك بالمنهج الاجتماعي. وفي كتابه (الإجرام والقمع) الصادر عام 1886 أكد على أن الإجرام ليس ظاهرة فردية، بل هو ظاهرة اجتماعية. وفي عدد من مؤلفاته اللاحقة أشار إلى أن الإجرام ظاهرة أزلية تعود في ظهورها إلى بداية المجتمع البشري. وطالب بإجراء إصلاحات اجتماعية واسعة النطاق في ثلاثة اتجاهات: اجتماعية وقضائية وفي مجال السجون. وطرح فيما يتعلق بالسجون فكرة تصنيف السجناء إلى سجناء قابلين للإصلاح وسجناء غير قابلين للإصلاح(كمساروف، كريلفا، تشاكوفا، مصدر سابق، ص 826).

أما (ليست) فعارض استبدال القانونالجنائي بالانتربولوجيا الجنائية للومبروزا أو بعلم الاجتماع الجنائي لفيري، إذ كان من أنصار الإبقاء على القانون الجنائي والقضاء الجنائي، كما طرح فكرة (علم القانونالجنائي الموحد) الذي يشكل من القانون الجنائي وعلم الإجرام والسياسة الجنائية. وأهم ما يميّز أفكاره نظريته بخصوص أغراض العقوبة الجزائية، ففي رأيه أن الغرض الرئيس من العقوبة هو الوقاية من الإجرام من خلال استخدام القمع. كما أخذ بتصنيف المجرمين إلى مجرمين بالصدفة ومجرمين دائميين. وقسم المجرمين الدائميين إلى مجرمين قابلين للإصلاح ومجرمين غير قابلين للإصلاح ومجرمين بالولادة، كما حدد التدابير العقابية الواجب اتخاذها إزاء كل مجموعة. وفي رأيه أن أغراض الردع  العام أو الخاص تجسد على حسب كل مجموعة، ففيما يتعلق بالمجرمين بالصدفة يطبق غرض التخويف، وبالنسبة للمجرمين الدائميين يطبق العزل وذلك من أجل ألّا يرتكبوا جرائم جديدة(كمساروف، كريلفا، تشاكوفا، مصدر سابق، ص 823-824).

وقد انتقد ممثلو المذهبين الانتربولوجي والاجتماعي المذهب التقليدي، وخاصة من خلال النظر إلى عدد من المفاهيم الجنائية مثل الجريمة والعقوبة والخطأ وسلامة العقل وغيرها، بأنها غير ذات فائدة تذكر، ذلك لأن الجريمة في ذاتها تنبع من (الحالة الخطرة للمجرم)، التي تتطلب اتّخاذ (تدابير الدفاع الاجتماعي) أو (تدابير الأمن) لمواجهتها، ففي رأيهم أن في المجتمع أشخاصاً يشكل نمطهم الحياتي أو خصائصهم البدنية أو النفسية خطورة على المجتمع، وهذه الخطورة لا ترتبط بارتكابهم للجريمة، ولكن لحالتهم الخطرة يتوجب اتّخاذ تدابير الأمن بصرف النظر عن إقدامهم على الجريمة أم لا(كمساروف، كريلفا، تشاكوفا، مصدر سابق، ص 826-827).

وفي رأينا، إن فكرة (الحالة الخطرة) تتعارض مع أنسنة العقوبة الجزائية فاستبدال تدابير العقوبة الجزائية بما يسمى (تدابير الأمن)، يعني شطب المبادئ والأحكام الرئيسة في القانون الجنائي، وبضمنها على وجه الخصوص مبدأ المسؤولية الجزائية القائم على خطأ المجرم، فلا جريمة الا بخطأ.

وقد وجدت الأفكار التي دعى إليها المذهب الاجتماعي تجسيدها في قانون العقوبات الإيطالي لعام 1930، وكذلك في قانون العقوبات الروسي لعام 1922، الذي نص على تطبيق عقوبتي النفي والإبعاد بالنسبة لمرتكبي الجرائم وكذلك الأشخاص الذي يعدّون (خطرين)، كما وأدرجت فيه (تدابير الدفاع الاجتماعي)، ومن ذلك حرمان الأشخاص من حقوقهم الانتخابية في حالة كونهم أفراد عائلة المدان بجريمة خيانة الوطن، كما جسدت كذلك في أسس التشريع الجنائي للاتّحاد السوفيتي لعام 1934.

وفي الأحوال كافة يعود إلى هذا المذهب الفضل الكبير في إثارة الاهتمام بدراسة شخصية الإنسان المجرم، من خلال الدراسات العلمية للمجرم وكذلك الجريمة والإجرام على أساس المناهج الاحصائية والساسالوجية، وبخاصة دراسة أسباب الإجرام والعوامل المهيئة له، سواءً أكانت بيولوجية أم اجتماعية، كما كان له الدور الكبير في طرح فكرة الأحكام القضائية غير المحددة المدة التي طبقت على سبيل المثال في السبعينات من القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك اقتراح نظام المحاكم الخاصة بالأحداث ونظامي الإفراج الشرطي وقيد الحرية مع وقف التنفيذ(ناعوموف، مصدر سابق، ص 746-747).

وبعد الحرب العالمية الثانية ظهر في القانون الجنائي اتّجاه جديد في السياسة الجنائية حمل تسمية (مدرسة الدفاع الاجتماعي) الذي ينقسم إلى مدرسة الإيطالي (غراماتيكا) ومدرسة الفرنسي (مارك آنسل). وتشكل الأولى الجناح المتطرف في هذا الاتجّاه، ففي كتابه (مبادئ الدفاع الاجتماعي) طرح غراماتيكا مسألة إلغاء القانون الجنائي واستبداله بتدابير الدفاع الاجتماعي. كما دعا إلى إلغاء المفاهيم التقليدية في القانون الجنائي:(الخطأ والمسؤولية الجزائية والعقوبة الجزائية والمجرم) واستبدالها بمفاهيم أخرى، ومن ذلك استبدال مصطلح (المجرم) بمنتهك القاعدة ومصطلح (المسؤولية الجزائية) بالادماج الاجتماعي(ناعوموف، مصدر سابق، ص 751-752).

وبخلاف ذلك تهدف مدرسة (الدفاع الاجتماعي الجديد أو الحديث) أو (الإنسانية) كما يطلق عليها مؤسسها (مارك آنسل) في مؤلفه الذي يحمل التسمية نفسها، إلى إعادة النظر في الأحكام الرئيسة للقانون الجنائي والاجراءات الجنائية على أساس صياغة سياسة جنائية عقلانية، مما يعني رفض الجزء الأكبر من الأفكار النظرية للتوجهات الأنتربولوجية والسيسولوجية والنيوكلاسيكية والأخذ بفكرة علماء الاجتماع بخصوص الدفاع الاجتماعي، مع تأييد فكرة رفض المفهوم الكلاسيكي للعقوبة بوصفها المسؤولية عن الخطأ (الإثم) المعنوي. ومن ثم فأن هذه المدرسة تعارض موقف (مدرسة الدفاع الاجتماعي) المتطرف فيما يتعلق بالإلغاء الكامل للقانون الجنائي، فهي مع فكرة الإبقاء عليه ولكن في ظل عدد من الشروط، (الدرة، مصدر سابق، ص 51).

لقد طالب (آنسل) بالإبقاء على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وكذلك مبدأ لا جريمة الا بخطأ، وفي الوقت نفسه دعا إلى أنسنة العقوبة الجزائية، وفي رأيه أن تحقيق ذلك يتطلب تعزيز السلطة التقديرية للقاضي في تحديد العقوبة الجزائية، وكذلك دور الخبراء في مسألة تطبيق تدابير الإصلاح والتربية على المحكوم عليه، مع تقليص نسبة التوازن بين أطراف الخصومة الجزائية والاعتراف بالأحكام القضائية غير المحددة المدة.

وعلى الرغم من أهمية فكرة الاندماج الاجتماعي التي تنادي بها مدرسة الدفاع الاجتماعي، والتي يمكن أن يساندها المشرع في كثير من دول العالم، كما ويمكن أن تكون أداة قوية في تنفيذ السياسية الجنائية المعاصرة، وخاصة فيما يتعلق بأنسنة العقوبة الجزائية، الا أن الأخذ بفكرة (التدابير اللاجنائية) قد يتعارض مع توجهات مكافحة الإجرام، وانتهاك حقوق الإنسان في هذا المجال، وبخاصة حقوق المجنى عليه.

إن الاهتمام الذي يحظى به المذهب الاجتماعي في الوقت الراهن في نطاق السياسة الجنائية المعاصرة لا يعني على الإطلاق أن له الأولوية في الوقت الراهن مقارنة بالمذهبين التقليدي والأنتربولوجي، ففي الوقت الذي لا يوجد في التشريعات العقابية المقارنة في الوقت الراهن أي أثر للمذهب الأنتربولوجي، فأن مثل هذا الاستنتاج لا يمكن أن ينطبق على المذهب التقليدي أو المذهب الاجتماعي، فهناك شبه توافق على الأخذ بهما معاً في هذه التشريعات. ولكن ما هي مظاهر الأخذ بهما في التشريعات العقابية المعاصرة؟

ففيما يتعلق بالمذهب التقليدي يمكن ملاحظة مظاهره من خلال النص في هذه التشريعات على مبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون ومبدأ لا جريمة الا بخطأ، وهما من بنات أفكار بيكاريا وفيورباخ وهيغل، ومبدأ المسؤولية الجزائية عن الأفعال وعدم العقاب على النوايا،الذي طرحه مونتسكيو، كما أن هذه التشريعات تقوم على عدد من المفاهيم والأبواب الجنائية مثل رابطة السببية والشروع في الجريمة والمساهمة وغيرها، التي صاغها وطورها فيورباخ. ولكن بخلاف ذلك فأن (حرية الاختيار) التي تعدّ بحسب المذهب التقليدي أساس المسؤولية الجزائية لم تعدّ في الوقت الراهن كذلك، إذ أن سلوك الجاني تحدده الظروف والشروط المحيطة به، وهو ما يؤخذ به في التشريعات العقابية المعاصرة. كما دحضت فكرة كانت وهيغل بأن العقوبة هي الجزاء المترتب على ارتكاب الجريمة.

وفي الوقت نفسه يلاحظ أن التشريعات العقابية المعاصرة تستند إلى عدد من الأفكار التي طرحها المذهب الاجتماعي، ويمكن توضيح ذلك على الوجه الآتي:

أولاً: تقوم نظرية المسؤولية الجزائية في هذا المذهب، ليس على حرية الاختيار، بل على نظرية (عوامل الإجرام) مع استبعاد الأفكار المتعلقة بالمدارس الأنتربولوجية بخصوص العوامل البيولوجية والمناخية في ذلك. ويعتمد على هذه النظرية في الوقت الراهن في تجريم الأفعال أو الحدّ من التجريم، وكذلك في صياغة تدابير العقوبة الجزائية وفي تفريدها. أي أن أساس المسؤولية الجزائية لا يقوم على حرية الاختيار لدى المجرم أو إرادته، ومن ثم فأن جسامة العقوبة الجزائية لا تكون مرتبطة بمقدار الضرر الذي أحدثته الجريمة، وإنما تقوم على دراسة شخصية المجرم والظروف التي حتمت ارتكابه للجريمة.، كما نصت على ذلك مثلاً المواد (60-68) من قانون العقوبات الروسي لعام 1996.

ثانياً: تستبعد في بيان أغراض العقوبة الجزائية الإشارة إلى غرض (الانتقام) من المجرم، في حين تحدد هذه الأغراض بردع ارتكاب الجريمة من طرف المجرم أو غيره وكذلك إصلاح المجرم وإعادة تربيته.

وفي الوقت الذي دحضت السياسة الجنائية المعاصرة نظرية (الحالة الخطرة للمجرم) بوصفها أساس المسؤولية الجرائية، هذا على الرغم من النص عليها في عدد من التشريعات الإيطالية والنمساوية والسوفيتية. بمعنى إن الخلاف بين المذهب التقليدي والمذهب الاجتماعي قد حسم لصالح المذهب الأول، فأنه لا يجب إنكار تأثير المذهب الاجتماعي بالنسبة لأساس فرض العقوبة الجزائية وتنفيذها في التشريعات العقابية المعاصرة لكثير من دول العالم، ويلاحظ هذا على سبيل المثال في النص على (تدابير الأمن) في الأحكام الصادرة بالنسبة للمجرمين العائدين، ومن ذلك تدابير المراقبة الإدارية المتخذة بعد تمضيتهم العقوبة الجزائية، وكذلك فيما يتعلق بالتدابير الاصلاحية والتربوية المتخذة إزاء الأحداث، وبعض العقوبات الجزائية التكميلية.

كما ويمكن ملاحظة الدمج بين موقفي المذهب التقليدي والمذهب الاجتماعي، وخاصة مدرسة الدفاع الاجتماعي الجديد، فيما يتعلق بالأخذ بالتدابير اللاجنائية المأخوذة من المذهب الاجتماعي في ظل الإبقاء على مبدأ (لا جريمة الا بقانون) ومبدأ المسؤولية الجزائية على أساس الخطأ المأخوذين من المذهب التقليدي.

وفي ضوء ما تقدم فأن توجهات السياسة الجنائية المعاصرة، وبضمن ذلك التوجهات في نطاق أنسنة العقوبة الجزائية، لا تقوم على هذا المذهب الجنائي أو ذاك، فانطلاقاً من كونها تعتمد العلمية والحداثة فهي تأخذ بأفضل الأفكار النابعة من المذهبين التقليدي والاجتماعي وتعمل على تحديثها بما يواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية في نطاق المجتمع.

المبحث الثاني

مظاهر أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي العراقي والمقارن

لغرض بيان مظاهر أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي العراقي والمقارن نوزع هذا المبحث على مطلبين، ونبيّن في المطلب الأول أنسنة العقوبة الجزائية في قانون العقوبات العراقي لعام 1969، ونستعرض في المطلب الثاني أنسنة العقوبة الجزائيةفي التشريعات العقابية المقارنة، وعلى الوجه الآتي:

المطلب الأول

أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي العراقي

راعى المشرع العراقي في تحديده تدابير العقوبة الجزائية في أحكامقانون العقوبات لعام 1969 الموقف الإنساني من الجاني، كما انطلق في ذلك من التطورات التي تحققت في نطاق السياسة الجنائية(الأسباب الموجبة، قانون العقوبات العراقي)، ولاسيما الأفكار التي نادى بها كل من المذهب التقليدي، وبخاصة المذهب التقليدي الحديث(الحديثي، مصدر سابق، ص 9)، وكذلك المذهب الاجتماعي، وبخاصة مدرسة الدفاع الاجتماعي الجديد، فيما يتعلق بأنسنة العقوبات الجزائية والتعامل الإنساني مع الجاني، سواءً أكان ذلك في نطاق تحديد تدابير العقوبة الجزائية في أحكام قانون العقوبات لعام 1969، أم كان ذلك فيما يخص تفريد العقوبة الجزائية على الجاني. وسنسلط الضوء على أبرز التوجهات التي اتبعها المشرع العراقي في أنسنة هذا القانون بصفة عامة وفي أنسنة العقوبة الجزائية بصفة خاصة،وعلى الوجه الآتي:

أولاً: الحماية الجزائية العامة للإنسان: أولى المشرع العراقي في كثير من مواد قانون العقوبات لعام 1969عناية كبيرة لتوفير الحماية الجزائية للإنسان على وجه العموم، وذلكمن خلال فرضهالعقاب على الجرائم الواقعة على الأشخاص في المواد (393-404)، والجرائم الماسة بالحياة وسلامة البدن وحرية الإنسان وكرامته وأسراره في المواد (405-438) وشعوره الديني وحرمة موتاه في المادتين (372-373) وأمواله في المواد (439-450، 456-459)، وكذلك مختلف الجرائم الاجتماعية في المادتين (370-371) والجرائم المضرة بالصحة العامة في المادتان (368-369).

ثانياً: الحماية الجزائية الخاصة للمرأة: مما لا يحسب للمشرع العراقي عدم التزامه بكفالة المساواة بين الجنسين في الحماية الجزائية، وانتهاكه لهذا المبدأ الدستوري في النص على (حق الزوج تأديب زوجته) في المادة (41) من قانون العقوبات لعام 1969، وكذلك انتهاكه هذا المبدأ في عدد من مواد هذا القانون(عيسى، 2021، ص 23-25)، الا أنه فيالوقت نفسه كفل في كثير من المواد العقابية الحماية الجزائية الخاصة لحقوق المرأة في نطاق جرائم الأشخاص أو الماسة بالأسرة أو غيرها(عيسى،مصدر سابق، ص 18-23)، كما في المواد (376،384، 393/1، 394/1، 395، 396/1، 399، 400، 402، 417-419، 423).

ثالثاً: الحماية الجزائية الخاصة للأحداث:أولى المشرع العراقي عناية فيما يتعلق بتحميل الأحداث المسؤولية الجزائية، وذلك من خلال النص على (مسؤولية الأحداث) في المواد (66-79)، مع تكريس قانون خاص بذلك هو قانون رعاية الأحداث العراقي رقم (76) لعام 1983، الذي نص على اتّخاذ تدابير ذات طبيعة تربوية وإصلاحية تستهدف إعادة تربية الأحداث وإعادة ادماجهم في المجتمع. كما كفل لهم الحماية الجزائية الخاصة في أحكام القسم الخاص من قانون العقوبات لعام 1969 في نطاق جرائم الأشخاص أو الواقعة على الطفولة أو غيرها، وذلك في المواد (371، 381، 384، 385، 387، 388/2، 393/2/أ، 394/1، 396/2، 397، 399، 407، 422). ومما يحسب للمشرع العراقي نصه في نطاق القسم العام من القانون نفسه على على عدم سريان أحكام العود على الأحداث، وعدم خضوعهم للعقوبات التبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية عدا المصادرة وحظر إرتياد الحانات، وإذا صدر حكم بحقكم بالغرامة لا يجوز حبسهم لاستيفائه وإنما ينفذ على مالهم، فأن تعذر ذلك تستوفى منهم عند ميسرتهم (المادة 78).

رابعاً: الحماية الجزائية الخاصة لشرائح معينة: في نطاق الحماية الجزائية الخاصة لشرائح معينة تنص المادة (79) من قانون العقوبات لعام 1969 على عدم تطبيق عقوبة الإعدام على فئات عمرية معينة، وذلك بنصها: “لا يحكم بالإعدام على من يكون وقت ارتكاب الجريمة قد أتم الثامنة عشرة من العمر ولم يتم العشرين سنة من العمر،ويحل السجن المؤبد محل عقوبة الإعدام في هذه الحالة”. وعدّ المشرع في نص المادة (135/ 2) القانون نفسه “ارتكاب الجريمة بانتهاز فرصة ضعف إدراك المجنى عليه أو عجزه عن المقاومة…” من ضمن الظروف المشددة العامة، التي تؤخذ بعين الاعتبار في الجرائم التي ينص عليها القانون كافة، شاملاً بالحماية الجزائية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من ضعف الإدراك أو العجز البدني لمختلف الأسباب، مثل المرض أو السن أو الإعاقة أو غير ذلك. كما عاقبت المادة (371) من القانون نفسه من امتنع عن القيام بواجبه في رعاية الشخص (العاجز) “بسبب صغر سنه أو شيخوخته أو بسبب حالته الصحية أو النفسية أو العقلية”، شاملاً بالحماية الجزائية الخاصة كل شخص عاجز لصغر سنه أو شيخوخته أو حالته الصحية أو النفسية أو العقلية.

خامساً: الحماية الجزائية للأسرة والطفولة: اختص المشرع العراقي الأسرة والطفولة بالحماية الجزائية من خلال فرض العقاب على عدد من الجرائم التي تمس الأسرة في المواد (376-380)، والتي تعتدي على الطفولة في المواد (381-385، 390-393).

سادساً: تفريد العقوبة الجزائية وتنفيذها: استناداً إلى مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات فقد بيّن المشرع العراقي في قانون العقوبات لعام 1969 أنواع الجرائم التي يعاقب عليها بمقتضاه (مواد القسم الخاص منه)، وكذلك أنواع العقوبات الجزائية التي يمكن للمحكمة فرضها على من يرتكبها (المواد 85-123) ، كما أولى عناية خاصة لمختلف المسائل المتعلقة بفرض العقوبة الجزائية، من خلال بيان أثر الظروف المشددة والأعذار القانونية والظروف القضائية وتعدد الجرائم والمساهمة في الجريمة في عقوبة المحكوم عليه (المواد 128-143، 47-59)، مع بيان موانع المسؤولية الجزائية ارتباطاً بفقد الإدراك والإرادة أو الإكراه أو الضرورة أو السن(المواد 60-64)، وسقوط العقاب بالوفاة أو العفو العام أو الخاص أو لصفح المجنى عليه (المواد 150-155)، وكذلك في حالتي الإفراج الشرطي (المادة 100/ فقرة ب)، ووقف تنفيذ العقوبة (المواد 144-149).

الا أنه وعلى الرغم من تعدد التوجهات التي سار على وفقها المشرع العراقي في أنسنة العقوبة الجزائية في قانون العقوبات لعام 1969 ومظاهر ذلك في مواده، الا أنه يمكن أن يتخذ إلى جانب ما تقدم عدداً من التدابير في المسار نفسه والتي نوجز أهمها على الوجه الآتي:

أولاً: التوجه نحو الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام: وذلك من خلال التقليل بصورة عامة من فرض عقوبة الإعدام في قانون العقوبات، وفي حالة فرضها على عدد من الجرائم الخطيرة يتوجب ألّا تكون عقوبة مطلقة، بل بتحديد هذه العقوبة إلى جانب العقوبات المقيدة للحرية الطويلة المدة (السجن المؤبد أو السجن المؤقت)، وذلك على أساس اتباع النظام التخييري للعقوبة الجزائية، مع عدم فرضها على شرائح معينة، ولاسيما النساء الحوامل، والرجال البالغين لسن (65) سنة، والأحداث، وذوو الاحتياجات الخاصة.

ثانياً: التوجه نحو التقليل من تطبيق العقوبات الجزائية السالبة للحرية القصيرة المدة من خلال النص فيهعلى العقوبات البديلة، مثل: العمل للمصلحة العامة (العمل للنفع العام) أو المراقبة الالكترونية أو الغرامة اليومية أو التعويض الجنائي أو الحرمان من الحقوق أو فرض القيود أو غيرها. ومنح المحكمة صلاحية استبدالها على أساس دراسة شخصية الجاني ودرجة خطورة الجريمة وكذلك إمكانية تحقيق أغراض العقوبة الجزائية على أساسها.

ثالثاً: اتباع نظام التخفيف التخييري على وجه العموم في قانون العقوبات من خلال تحديد عدة تدابير عقابية في نصوص قسمه الخاص مما يكون بمستطاع المحكمة وفي نطاقها اختيار العقوبة الجزائية الملاءمة. ومن المحبذ التوسع في النص في نطاق هذه التدابير العقابية على عقوبة الغرامة بشكل خاص، وخاصة في الجرائم غير الخطيرة، التي يعاقب عليها بالعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة.

رابعاً: من الأهمية بمكان النص في القسم العام من قانون العقوبات على مبادئ القانون الجنائي، وتحديد مضامينها، إذ أن قانون العقوبات لعام 1969 ينص في المادة الأولى منه على مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات (مبدأ الشرعية) وحده، في حين يغفل الإشارة إلى المبادئ الأخرى، ومنها على وجه الخصوص: مبدأ المساواة أمام القانون، ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بخطأ، ومبدأ العدالة، وكذلك مبدأ الإنسانية. مع أهمية وضع تعريف لكل منها. فهذه المبادئ هي من أهم المبادئ التي يجب أن يعتمدها المشرع في الصياغة التشريعية لنصوص قانون العقوبات أو المحكمة في تفريدها للعقوبة الجزائية، وعلى أساسها تتحقق أنسنة العقوبة الجزائية في قانون العقوبات.

خامساً: إن القسم العام من قانون العقوبات لعام 1969 يخلو من بيان أغراض العقوبة الجزائية، في حين أن لذلك أهميته بالنسبة لتوضيح مدى التزام المشرع العراقي بأنسنة العقوبة الجزائية، ومن ثم نرى من الضروري النص في القانون على أن المحكمة تتخذ العقوبة الجزائية الملاءمة إزاء المحكوم عليه على أساس مراعاة خطورة الجريمة المقترفة وشخصية المحكوم عليه والظروف المشددة والمخففة المرتبطة بالجريمة وبما يحقق أغراض العقوبة الجزائية المتمثلة في تحقيق العدالة وإصلاح المحكوم عليه وإعادة اندماجه الاجتماعي وردع ارتكاب الجريمة من طرف الأشخاص الآخرين.

سادساً: يتوجب أن يحتوي قانون العقوبات لعام 1969 على تحديد الظروف التي تلزم المحكمة في حالة توافرها بتخفيف العقوبة الجزائية (الأعذار القانونية). أي ألّا يترك البت في هذه المسألة لتقدير المحكمة، وألّا تكون هذه الظروف مقتصرة على (البواعث الشريفة لدى الجاني أو تحقق الاستفزاز الخطير من المجنى عليه) التي تنص عليها الفقرة الأولى من المادة (128) من قانون العقوبات لعام 1969 فحسب، ذلك أن هذه الظروف عديدة ومتنوعة، وعلى رأسها: كبر السن، حمل المرأة، الحاضن سواءً أكان إمرأة أم رجلاً لطفل لم يبلغ بعد سن الثانية عشرة أو الرابعة عشرة من عمره، الندم الايجابي، صغر السن، ارتكاب الجريمة لأول مرة، ارتكاب الجريمة بباعث الرحمة أو الشفقة، ارتكاب جريمة غير جسيمة، وغيرها. وهذا ما يستدعي النص عليها في القانون بوصفها ظروف إلزامية بالنسبة للمحكمة.

سابعاً: من الأهمية بمكان إعادة تحديد سن المساءلة أو المسؤولية الجزائية، أي السن التي مع بلوغها يمكن أن يساءل مرتكب الجريمة جزائياً.فمن المعلوم أن هذه السن حددتها المادة (64) من قانون العقوبات لعام 1969 بنصها: “لا تقام الدعوى الجزائية على من يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم السابعة من عمره”، وعلى غيرها نصت المادة (43/ أولاً) من قانون رعاية الأحداث العراقي رقم (83) لعام 1971 بنصها: “لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم التاسعة من عمره”. ونرى أن تكون هذه السن (14) سنة، وذلك انطلاقاً من أن العقوبة الجزائية المتخذة على من بلغ هذه السن يمكن أن تحقق أغراضها، وخاصة فيما يتعلق بإصلاحه وإعادة اندماجه في المجتمع.

ثامناً: مازال قانون العقوبات العراقي منذ إصداره عام 1969 وحتى اليوم يعاقب على (المخالفات) في الباب الخامس من قسمه الخاص (المواد 487-503)، وقد حدد المشرع عقوبة الحبس لأغلب هذه المخالفات الى جانب عقوبة الغرامة. الا أن مثل هذه المخالفات، كما يرى الباحثون يمكن مواجهتها عن طريق فرض العقوبات الإدارية، إذ أن خطورتها البسيطة لا تسوغ اللجوء إلى العقوبات المقيدة للحرية مثل الحبس(البريفكاني، 2020، ص 26). كما أن هناك من يرى أن المشرع العراقي لابد أن يعتمد التقسيم الثنائي للجريمة، ومن ثم فأنه سيخرج المخالفات من نطاق قانون العقوبات، وسيدرجها ضمن قوانين أخرى إدارية أو مدنية على حسب الأحوال ويفرض على ارتكابها عقوبة الغرامة لا غير، فهي لا تنطوي على خطورة إجرامية لمرتكبها(إبراهيم، 1999، ص 20-21).ومن ثم نرى أهمية عدم العقاب على المخالفات في نطاق قانون العقوبات لعام 1969، وذلك لخطورتها البسيطة، ولكذلك لعدم ضرورة اتّخاذ العقوبات الجزائية والاكتفاء بعقوبة الغرامة وفي نطاق القانون الإداري.

تاسعاً: تأجيل تنفيذ العقوبة الجزائية أو تقسيط تنفيذها: وذلك من خلال النص في قانون العقوبات لعام 1969 على تأجيل تنفيذ العقوبة السالبة للحرية بالنسبة للمرأة الحامل أو الحاضن حتى بلوغ طفلها سن الثانية عشرة أو الرابعة عشرة من العمر، أو عدم تنفيذ هذا النوع من العقوبة بالنسبة للزوجين في آن واحد في حالة وجود أطفال لديهما (أي توسيع حدود المادة 276 من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لعام 1971 بخصوص ذلك)، أو أو تقسيط تنفيذها بأن يكون ذلك على دفعات وذلك بناءً على أسباب عائلية أو مهنية أو دراسية، أو تقسيط دفع الغرامة أو تأجيل دفعها أو استبدالها بالعقوبات البديلة مثل العمل للمصلحة العامة أو الغرامة اليومية التي تستوفى في اليوم الأخير منها، وهذا ما يقتضي أيضاً إلغاء نص المادة (93 فقرة 2) من قانون العقوبات لعام 1969 التي تقضي بتشديد العقوبة الجزائية من خلال تحويل الغرامة الى عقوبة سالبة للحرية في حالة عدم دفعها، بنصها: “وإذا كانت الجريمة معاقباً عليها بالغرامة فقط فتكون مدة الحبس الذي تقضي بها المحكمة في حالة عدم دفع الغرامة يوماً عن كل نصف دينار على ألّا تزيد مدة الحبس في جميع الأحوال على سنتين”(داود، رضا، 2021، ص 317).

عاشراً: الإعفاء من العقاب: من الأهمية النص في قانون العقوبات لعام 1969 على هذا النظام الذي ينحصر في إعفاء الشخص المدان من العقوبة الجزائية في ظل عدد من الحالات، وعلى رأسها: تقادم العقوبة الجزائية الذي لا ينظمه القانون، والعدول الاختياري، والإفراج الشرطي الذي نظمته المواد (331-337) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لعام 1971، مع أهمية توسيع دائرة اللجوء إليه، وكذلك الإفراج عن المحكوم عليه في حالة إصابته بمرض وبيل أو عند بلوغه سن (65) سنة، أوفي حالة ارتكاب الجريمة لأول مرة، أو في حالة تعويض المجنى عليه عن الأضرار المترتبة على الجريمة، أو غير ذلك.

المطلب الثاني

أنسنة العقوبة الجزائية في التشريع العقابي المقارن

لقد وجدت التوجهات الإنسانية تجسيداً لها في كثير من التشريعات العقابية المقارنة، وخاصة منها التي صدرت في العقود الأخيرة، وبغية إلقاء الضوء على مظاهر أنسة العقوبة الجزائية فيها والاستفادة من تجربة المشرع فيها سنسلط الضوء على كل من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 وقانون العقوبات الروسي لعام 1996 بهذا الخصوص، وعلى الوجه الآتي:

أولاً: قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992:إن هذا القانون يجسد في كثير من أحكامه الموقف الإنساني للسياسة الجنائية التي اتبعها المشرع الفرنسي، وتتجلى أبرز مظاهر ذلك على الوجه الآتي:

  • إن المشرع الفرنسي لا ينص في قانون العقوبات الفرنسي على أغراض العقوبة الجزائية، وبخلاف ذلك ينص عليها فيقانونالإجراءات الجنائية الفرنسي لعام 1958، ويحصرها في “التربية المهنية والاجتماعية للمحكوم عليه والحفاظ على روابطه الأسرية ومنحه إمكانية القيام بأية التزامات تتطلب وجوده” (المادة 723-3)، كما ينص القانون نفسه في عدد من مواده، ومنها المادتان (720-4، 721-1)، على (إعادة الاندماج الاجتماعي) مما يشير إلى تأثير مدرسة الدفاع الاجتماعي الجديد في القانون الجنائي الفرنسي.ولكن من خلال دراسة أحكام قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 يلاحظ أنهمقارنة بقانون العقوبات الفرنسي لعام 1810 الملغى، التي جعلت أحكامه الأولوية لحماية الدولة والملكية الفردية، إلى جانب حماية المؤسسات والسلم العام والأموال والمصالح الاقتصادية، أعطى الأولوية لحماية حقوق الإنسان، وهذا ما يفسر تخصيص الكتاب الأول من قسمه الخاص للجنايات والجنح ضد الأشخاص، وفي مقدمتها الجرائم ضد الإنسانية(كامل، 1998، ص 17). ومن ثم تتمثل الغاية الأولى والرئيسة من إصداره في حماية الإنسان من كل صور المساس بحقوقه الأساسية، مثل حقه في الحياة وفي سلامة جسمه وحرياته وأمنه وكرامته وبيئته.
  • إلغاء العقاب على عدد من الجرائم التي عاقب عليها قانون العقوبات لعام 1810 الملغى،مثل التشرد والتسول، وإلغاء عقوبة الحبس في مجال المخالفات، والنص على الاضطراب العقلي والعصبي باعتباره أحد أسباب انتفاء المسؤولية الجزائية، كما أن القانون اقتصر على ذكر الحد الأقصى للعقوبة دون أن يشير عند تحديد العقوبات المقررة للجرائم إلى حدها الأدنى (المادة 122-1/ ثانياً)، ففي الوقت الذي لا يجوز فيه للمحكمة تجاوز الحد الأقصى للعقوبة فأنه يجوز لها الحكم بأقل منه، مع استثناء ما ورد في المادة (132-18)، المتعلقة بمواد الجنايات، التي تنص: “إذا كانت الجريمة معاقباً عليها بالسجن المؤبد فيجوز للمحكمة أن تقضي بعقوبة السجن المؤقت أو بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تقل مدتها عن سنتين. وعندما تكون الجريمة معاقباً عليها بالسجن المؤقت فيجوز للمحكمة أن تقضي بعقوبة السجن لمدة أقل من تلك المقررة لها أو بعقوبة الحبس الذي لا يجوز أن تقل مدته عن سنة”. وهذا ما يعني أن المحكمة لا تكون مقيدة في مواد الجنح والمخالفات بأي حد أدنى(كامل، مصدر سابق، ص 17-18).
  • ينص قانون العقوبات لعام 1992 على عدد من بدائل العقوبة الجزائية التي تطبق في مواد الجنح، التي عرفتهاالمادة (131-4) منه بأنها الجرائم التي عقوبتها الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات أو الغرامة التي لا يقل مقدارها عن ثلاثة آلاف يورو. وتنحصر بدائل العقوبة المحددة عنها في: عقوبة الغرامة اليومية (المادة 131-5)، وعقوبة العمل للمصلحة العامة (المادة 131-8)، والعقوبات السالبة أو المقيدة للحرية (المادة 131-6)، وعقوبة تدريب المواطنة (المادة 131-5-1)، وعقوبة التعويض (المادة 131-8-1). وقد نظم قانون العقوبات الفرنسي بشكل تفصيلي الضوابط المعتمدة في اتّخاذها.
  • الإعفاء من العقوبة: أجاز قانون العقوبات لعام 1992 للمحكمة في الجنح والمخالفات إذا توافرت شروط معينة أن تقرر بعد ثبوت مسؤولية المتهم عن الجريمة المرتكبة والحكم بمصادرة الأشياء الخطرة أو الضارة إذا كان لذلك محل، إما إعفاء المتهم من أية عقوبة اخرى أو تأجيل النطق بها، على أن تفصل في الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة إذا كانت مرفوعة أمامها (المادة 132-58). وعلى وفق المادة (132-59) من القانون يتطلب تحقق الإعفاء من العقوبة توافر ثلاثة شروط هي: إثبات صلاح المتهم، وتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة ووقف الاضطراب المترتب عليها. كما أجاز القانون أن تقرر المحكمة عدم ذكر الحكم الصادر في صحيفة سوابق المتهم. وهذا النظام يطبق على الشخص الطبيعي والاعتباري على حد سواء.
  • تأجيل النطق بالعقوبة: يتحقق هذا النظام من خلال إدانة المتهم مع تأجيل اختيار العقوبة الملاءمة أو الإعفاء منها في وقت لاحق. وهذاالنظام يتوزع بدوره على التأجيل البسيط (في الجنح والمخالفات) والتأجيل مع الوضع تحت الاختبار (في الجنح وحدها) والتأجيل مع الالزام بواجبات معينة (في حالة مخالفة القوانين واللوائح). ويطبق النوعان الأول والثالث على الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري على حد سواء، في حين يطبق النوع الثاني على الشخص الطبيعي وحده. وارتباطاً بأن هذا النظام يسهم بشكل كبير في تأهيل المتهم وإصلاحه ويدفعه إلى الالتزام بشروطه فهذا ما يجعل المحكمة تعفيه في الغالب من العقاب.
  • استبدال العقوبة الجزائية: يجوز للمحكمة على وفق قانون العقوبات لعام 1992 في جرائم الجنح التي يعاقب عليها بالغرامة أن تحكم بعقوبة أو أكثر تحرم المحكوم عليه من عدد من الحقوق أو تفرض عليه عدداً من القيود، مثل الحرمان من إجازة السوق أو الحرمان من قيادة نوع معين من المركبات لمدة تصل إلى خمس سنوات أو الحق في حيازة سلاح أو حمله للمدة نفسها أو مصادرة السلاح أو غير ذلك (المادة 131-6). وعندما تكون العقوبة المحددة على هذه الجرائم عقوبة مقيدة للحرية يجوز للمحكمة استبدالها بالعمل للمصلحةالعامة أو الغرامة، كما يمكن في المخالفات من الدرجة الخامسة (التي لا يزيد مقدارها على ألف وخمسمائة يورو) تحديد عقوبة بديلة أو أكثر مثل الحرمان من الحقوق لمدة تصل إلى سنة واحدة أو مصادرة الأشياء المستخدمة في ارتكاب الجريمة أو التحضير لها أو المتحصل عليها نتيجة لها، ومصادرة الأسلحة وغير ذلك.
  • نظام شبه الحرية: تجيزالمادة (132-25) من القانون للمحكمة إذا حكمت بعقوبة الحبس لمدة سنة أو أقل أن تقرر تنفيذ العقوبة وفقاً لنظام شبه الحرية، إذا كان لدى المحكوم عليه ما يبرر ممارسته لنشاط مهني أو تلقي العلم أو الاستمرار في تدريب أو عمل مؤقت بقصد اندماجه بالمجتمع، وإما لمشاركته الضرورية في حياة أسرته أو لضرورة خضوعه لعلاج طبي. ويلتزم المحكوم عليه بالعودة إلى المؤسسة العقابية وفقاً للقواعد التي يحددها قاضي تطبيق العقوبات، مع مراعاة الأوقات الضرورية لممارسة نشاطه خارج المؤسسة العقابية.
  • نظام تجزئة تنفيذ العقوبة: تجيز المادة (132-27) من القانون للمحكمة في مواد الجنح تنفيذ عقوبة الحبس المحكوم بها التي لا تزيد مدتهاعلى السنة بصورة مدد متقطعة لا تقل كل منها عن يومين، وذلك خلال مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وذلك في حالة توافر أسباب ذات طبيعة مهنية أو تعليمية أو عائلية أو اجتماعية. ويجوز للمحكمة بموجب المادة (132-28) من القانون في مواد الجنح والمخالفات أن تقرر تنفيذ عقوبة الغرامة، بما في ذلك عقوبة الغرامة اليومية، وكذلك الحرمان من رخصة القيادة، بالتقسيط أيضاً وخلال مدة لا تزيد على ثلاث سنوات.

ثانياً: قانون العقوبات الروسي لعام 1996: تنص المادة الثانية من دستور الاتّحاد الروسي لعام 1993على مبدأ الإنسانية بنصها: “يجب أن تعطى القيمة العليا للإنسان وحقوقه وحرياته. من واجب الدولة الاعتراف بحقوق الإنسان والحقوق المدنية والحريات واحترامها وحمايتها”. كما وجد هذا المبدأ تجسيده في المادة السابعة من قانون العقوبات لعام 1996، التي تحمل عنوان (مبدأ الإنسانية)، وتنص فقرتها الأولى على أن: “يكفل التشريع العقابي للاتّحاد الروسي أمن الإنسان”، كما تنص الفقرة الثانية منها على أن “العقوبة والتدابير الأخرى ذات الطبيعة الجنائية المتخذة إزاء مرتكب الجريمة لا يجب أن تكون الغاية منها تسبيب المعاناة البدنية له أو التحقير من كرامته الإنسانية”.

وفي ضوء ذلك حددت الفقرة الثانية من المادة (43) منه أغراض العقوبة الجزائية بنصها: “تتخذ العقوبة بهدف استعادة العدالة الاجتماعية، وكذلك بهدف إصلاح المحكوم عليه وردع ارتكاب جرائم جديدة”، ومن ثم فأن تحقيق العدالة الاجتماعية تكون لها الأولوية بالنسبة لأغراض العقوبة، وهي تعني على وفق القانون نفسه تحديد عقوبة الجاني بما يتناسب مع جسامة الجريمة التي اقترفها ويحدد مقدارها بالتوافق مع طبيعة الجريمة ودرجة خطورتها وشخصية الجاني والظروف المشددة والمخففة مع الأخذ بعين الاعتبار أثر العقوبة المحددة في إصلاحه وفي ظروف أسرته (المادة 60)، كما ترتبط العقوبة المحددة بشكل الخطأ (المادة 53)، ومراحل النشاط الاجرامي المقترف (المادة 66).

وتتجلى أبرز مظاهر أنسنة العقوبة الجزائية في قانون العقوبات الروسيلعام 1966 في النص فيه على عدد من تدابير العقوبة التي تجسد ذلك، وعلى الوجه الآتي:

أ) العمل للمصلحة العامة: ويطلق عليه القانون تسمية (الأعمال الإلزامية)، التي عرفتها المادة (49) من القانون بأنها الأعمال المجانية النافعة اجتماعياً التي ينفذها المحكوم عليه خارج أوقات عمله الأساس أو دراسته، وتحدد نوعها ومكان القيام بها هيئات الحكم المحلي بالاتفاق مع المؤسسات الإصلاحية. وتعدّ عقوبة (الأعمال الإلزامية) عقوبة جديدة في هذا القانون، وهي تتصف بأنها (إلزامية)، فلا مجال فيها للاختيار، أو افتراض رضاء المحكوم عليه، فهو يكون ملزماً بالقيام بالعمل المحدد له، كما أن العمل يجب تنفيذه في وقت لا يتعارض مع عمله الأساس أو دراسته. وإضافة إلى ذلك أن المحكوم عليه يقوم بهذا العمل مجاناً، إذ لا يتلقى أي مقابل نقدي عنه أو مكافأة. ويحدد العمل لمدة لا تقل عن (60) ساعة ولا تقل عن (240) ساعة، وبما لا يزيد على أربع ساعات يومياً. وهذا ما يعني أن المحكوم عليه ليس بمستطاعه الإسراع في تنفيذ العقوبة مما يرفع من فاعليتها ويكون له أثره في تجسيد أحكام الفقرة (2) من المادة (49) من القانون بخصوص تحقيق العدالة الاجتماعية وإصلاح المحكوم عليه. كما وتعدّ هذه العقوبة من العقوبات الأصلية، وينص عليها القانون في الجرائم غير الخطيرة. وهي لا تحدد بالنسبة لذوي الإعاقة من الدرجة الأولى أو النساء الحوامل أو النساء الحاضنات لأطفال تقل أعمارعم عن الثالثة من العمر أو المجندين (المادة 49 فقرة 4). وبموجب الفقرة الثالثة من المادة (49) من القانون تستبدل هذه العقوبة بعقوبات مقيدة للحرية وذلك بما يساوي يوماً واحداً عن كل ثماني ساعات عمل، وذلك في حالة عدم إيفاء المحوم عليه بالتزاماته من خلال عدم الذهاب إلى العمل لأكثر من مرتين في الشهر من دون أعذار أو انتهاك قواعد العمل لأكثر من مرتين في الشهر أو الهرب إلى جهة غير معلومة بهدف الامتناع عن تنفيذ العقوبة.

ب) العمل الإصلاحي: وهذه العقوبة هي نوع من الإلحاق الاجباري بالعمل، إذ تُتخذ إزاء المحكوم عليه العاطل عن العمل للمدة التي تحددها المحكمة مع استقطاع جزءمن أجره لميزانية الدولة، وهي تُمضى في الأماكن التي تحددها هيئات الحكم المحلي بالاتفاق مع المؤسسات الإصلاحية وذلك في مكان إقامة المحكوم عليه (المادة 50). ويلزم المحكوم عليه بموجب المادة (42) من قانون تنفيذ العقوبات للاتحّاد الروسي لعام 1997بالعمل لمدة لا تقل عن شهرين ولا تزيد على سنتين، ويمكن أن تقل عن شهرين عندما تكون بديلاً عن الغرامة وعلى وفق الفقرة الثالثة من المادة (50) من قانون العقوبات تستقطع الدولة نسبة 5-20% من الأجر يحددها الحكم الصادر. وهذا النوع من العقوبات يعدّ عقوبة أصلية فيما يتعلق بالجرائم ذات الخطورة غير الجسيمة أو المتوسطة الجسامة، كما أنها مثلها مثل العقوبة السابقة (الأعمال الإلزامية) لا تطبق على الفئات المذكورة سابقاً. وعلى وفق الفقرة الرابعة من المادة (50) من القانون تستبدل هذه العقوبة بعقوبة مقيدة للحرية بما يساوي يوماً واحداً عن كل يومين إلى ثلاثة أيام عمل وذلك في حالة امتناع المحكوم عليه عن الالتزام بضوابط هذه العقوبة.

ت) الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام: أخذت روسيا الاتّحادية بتوجه الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام وذلك بناءً على مرسوم رئيس الاتّحاد الروسي رقم (724) الصادر في 16 مايو 1996(المرسوم)، ومن ثم تتخذ هذه العقوبة على وفق المادة (59) من قانون العقوبات الروسي لعام 1996 في الجرائم البالغة الخطورة الواقعة على حياة الإنسان فقط، والجرائم البالغة الخطورة، كما عرفتها الفقرة الخامسة من المادة (15) من القانون،هي الجرائم التي تزيد فيها العقوبة المقيدة للحرية على عشر سنوات. وفي الوقت نفسه تنص الفقرة الثانية من المادة (59) من القانون على عدم فرض هذه العقوبة على النساء والأشخاص دون سن الثامنة عشرة سنة والرجال الذين بلغوا سن (65) سنة من العمر،مع استبدالها بعقوبة السجن مدى الحياة.

ث) تخفيف العقوبة: تنص الفقرة الأولى من المادة (64) من قانون العقوبات الروسي لعام 1996 على جواز اتّخاذ عقوبة أخف مما تنص عليه أحكام القسم الخاص من القانون، وذلك بتحديد عقوبة تقل عن حدها الأدنى أو العقوبة الأخف في نطاق العقوبات المحددة أو بعدم اتّخاذ العقوبات التبعية استناداً إلى توافر الظروف الاستثنائية المرتبطة بغايات الجريمة المرتكبة وبواعثها وعلى أساس دراسة شخصية الجاني ومختلف الظروف التي تقلل من درجة خطورة الجريمة المقترفة.

كما ينص القانون على عدد كبير من الظروف المخففة العامة التي حددها المشرع في الفقرة الأولى من المادة (61) منه، والتي على أساسها يجوز للمحكمة تخفيف العقوبة باتّخاذ عقوبة تقل عن الحد الأدنى للعقوبة المخففة أو اختيار العقوبة الأخف في نطاق العقوبات المحددة في القانون أو وقف تنفيذها. وتنحصر هذه الظروف المخففة على وفق الفقرة الأولى من المادة (61) من القانون في: ارتكاب جريمة غير جسيمة أو متوسطة الجسامة لأول مرة نتيجة ظروف عارضة أو عندما يكون الجاني دون سن (18) سنة أو حمل المرأة الجانية أو عندما يكون لدى الجاني أطفال دون سن (14) سنة أو ارتكاب الجريمة ارتباطاً بظروف حياتية قاهرة أو بدافع المعاناة أو في ظل الإكراه المادي أو المعنوي أو التبعية المادية أو المهنية أو في حالات انتهاك شروط الدفاع الشرعي أو القبض على الأشخاص أو المخاطرة المسببة أو حالة الضرورة أو تنفيذ الأمر أو التوجيه الصادر من الرئيس، أو نتيجة السلوك المخالف للقانون أو اللاأخلاقي من طرف الجاني، أو في حالة تسليم الجاني نفسه أو مساهمته في الكشف عن الجريمة وظروفها وفي ملاحقة المساهمين الآخرين فيها أو تقديم العون الطبي للمجنى عليه بعد ارتكاب الجريمة مباشرة والتعويض الطوعي عن الأضرار المادية أو المعنوية المترتبة على الجريمةأو القيام بأية أفعال أخرى لجبر الضرر.كما يجوز للمحكمة على وفق تقديرها عدّ غيرها من الظروف ظروفاً مخففة للعقاب (الفقرة الثانية من المادة نفسها).

  • الإعفاء من المسؤولية الجزائية: يحدد قانون العقوبات الروسي لعام 1996 عدداً من الحالات التي في حالة توافرها يجوز للمحمة إعفاء الجاني من المسؤولية الجزائية وهي تتمثل في: الندم الإيجابي (المادة 75)، التصالح مع المجنى عليه (المادة 76)، في حالة تعويض الأضرار (المادة 76 مكرر)، عند الاكتفاء بعقوبة الغرامة (المادة 76 مكرر لمرتين)، أو في حالات التقادم (المادة 78)، أو صدور قرار بالعفو (المادة 84)، أو اتّخاذ تدابير الإصلاح إزاء الأحداث (المادة 90).
  • نظام الإعفاء من العقوبة: ينص قانون العقوبات الروسي لعام 1996تحقق الإعفاء من العقاب في حالات وقف تنفيذ العقوبة (المادتان 73، 74)، أو الإفراج الشرطي (المادتان 79، 93)، أو تغيّر الظروف (المادة 80 مكرر)، أو بسبب المرض (المادة 81)، أو تقادم العقوبة (المادة 83)، أو صدور قرار بالعفو العام أو الخاص (المادتان 84، 85).

خ) تأجيل تنفيذ العقوبة: تنص الفقرة الأولى من المادة (82) من قانون العقوبات الروسي على تأجيل تنفيذ العقوبة فيما يتعلق بالمرأة الأم التي لديها أطفال دون سن (14) سنة وكذلك الرجل إذا كان الحاضن الوحيد لمثل هؤلاء الأطفال. وفي حالة عدم اعتراف المحكوم عليه بالطفل أو عدم قيامه بواجبات الحضانة، فأن للمحكمة صلاحية إصدار قرار بإلغاء قرارها بتأجيل تنفيذ العقوبة وتتخذ قراراً جديداً بتنفيذها. ولكن في حالة بلوغ الطفل سن (14) سنة مع التزام المحكوم عليه بواجباته فأن للمحكمة إصدار قرار بالغاء تنفيذ العقوبة أو استبدال العقوبة المؤجل تنفيذها بعقوبة أخف (الفقرتان الثانية والثالثة من المادة نفسها). أما في حالة ارتكاب المحكوم عليه جريمة جديدة فأن العقوبة عليها تحدد وفقاً لقواعد تعدد الجرائم بموجب المادة (70) من القانون.

ومن ثم فأن النظم العقابية التي اعتمدها كل من المشرع الفرنسي في قانون العقوبات لعام 1992 وكذلك المشرع الروسي في قانون العقوبات لعام 1996 تشير إلى التزامهما بالتوجهات المعاصرة في السياسة الجنائية فيما يتعلق بأنسنة العقوبة الجزائية، لاسيما وأن النظم العقابية المعتمدة تستهدف إصلاح المجرم وإعادة إدماجه مواطناً صالحاً في المجتمع.

 

الخاتمة

توصلنا من خلال هذا البحث إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات التي نوجزها على الوجه الآتي:

أولاً: الاستنتاجات:

  • كان لتطور النزعة الإنسانية منذ عصر التنوير في أوربا حتى الوقت الراهن وفي مختلف جوانب حياة المجتمع أثره الكبير في أنسنة القانون بصفة عامة، والقانون الجنائي بصفة خاصة، كما كان للمذاهب الجنائية المختلفة دورها البارز في الدعوة إلى أنسنة القانون الجنائي، وبخاصة في نطاق العقوبة الجزائية.
  • أجرت أغلب الدول تغييرات جوهرية في سياساتها العقابية من خلال إضفاء البعد الإنساني عليها لغرض أنسنتها، وذلك بتغيير المنظور التقليدي لمعاملة الجاني،الذي استند إلى تعمد إيذائه، الى صون كرامته وحماية حقوقه وحرياته وإعادة تأهيله وإصلاحه. ومن ثم باتت أنسنة العقوبة الجزائية من التوجهات الحديثة والمعاصرة للسياسة الجنائية، التي تعتمدها مختلف الدول لتطوير قوانينها العقابية بما يتلاءم مع حقوق الإنسان.
  • اتّخذ المشرع العراقي موقفاً إنسانياً واضحاً في صياغته للنصوص في قانون العقوبات رقم (111) لعام 1969، وقد تجلى ذلك بصفة خاصة فيما يتعلق بتدابير العقوبة الجزائية التي حددها فيها، منطلقاً في ذلك من التطورات الحاصلة في نطاق السياسة الجنائية والمذاهب الجنائية، وبخاصة منها المذهب التقليدي الجديد والمذهب الاجتماعي، ولاسيما مدرسة الدفاع الاجتماعي الجديد.
  • نظراً لمضي مدة ليست بالقصيرة على صدور قانون العقوبات رقم (111) لعام 1969 وتغيّر توجهات السياسة الجنائية فيما يتعلق بالعقوبة الجزائية، واعتماد معظم الدول أنظمة عقابية جديدة تقوم على أنسنة العقوبة الجزائية، مثل التناسب بين الجريمة والعقوبة، وإلغاء العقوبات الجزائية القاسية أو تخفيفها، وتبني العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، يتوجب على المشرع العراقي يعيد النظر بدوره في سياسته الجنائية وأن يجري تحديثاً على قانون العقوبات العراقي بصفة عامة، وعلى العقوبة الجزائية فيه بصفة خاصة.

ثانياً: التوصيات:

  • نوصي المشرع العراقي باعتماد (مبدأ الإنسانية) في تحديد العقوبة الجزائية في التشريعات العقابية بصفة عامة، وقانون العقوبات لعام 1969 بصفة خاصة، وذلك انطلاقاً من أن أنسنة العقوبة الجزائية باتت من التوجهات المعاصرة في السياسة الجنائية.
  • نوصي المشرع العراقي بأنسنة العقوبة الجزائية في قانون العقوبات لعام 1969 من خلال اعتماد النظم العقابية التي أخذت بها التشريعات العقابية الحديثة، وبخاصة الحدّ من العقاب، وبدائل العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، والعدالة التصالحية، وغيرها.
  • نوصي المشرع العراقي بإعادة النظر في تدابير العقوبة الجزائية المحددة في نصوص قانون العقوبات لعام 1969 بما يتماشى مع أنسنة العقوبة الجزائية، وبخاصة من خلال إلغاء العقوبات الجزائية القاسية أو تخفيفها أو استبدالها.

قائمة المصادر

أولاً: الموسوعات الفلسفية:

  • أندريه لالاند، (1996)، موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب خليل احمد خليل، المجلد الأول، منشورات العويدات، بيروت- باريس.
  • روزنتال م. ، يودين ب. (1997)، الموسوعة الفلسفية، تعريب: سمير كرم، دار الطليعة، بيروت.

ثانياً: الكتب:

  • باللغة العربية:
  • إبراهيم، أكرم نشأت، (1998)، علم الاجتماع الجنائي، ط2، مطبعة نيزك، بغداد.
  • إبراهيم، أكرم نشأت، (1999)، السياسة الجنائية، دراسة مقارنة، شركة آب للطباعة الفنية المحدودة، بغداد.
  • البريفكاني، دلشاد عبد الرحمن يوسف، (2020)، الملائمة في إطار سياسة العقاب، مكتبة القانون المقارن، بغداد.
  • بهنام، رمسيس، (1997) ، النظرية العامة للقانون الجنائي، منشأة المعارف، الإسكندرية.
  • بييكاريا، تشيزاري، (1985) ، الجرائم والعقوبات، ترجمة: يعقوب محمد حياتي، مؤسسة الكويت للتقدم العلمين الكويت.
  • الحديثي، فخري عبدالرزاق صلبي، (2007) ، شرح قانون العقوبات، القسم العام، المكتبة القانونية، بغداد.
  • الدرة، ماهر عبد شويش، (1990)، الأحكام العامة في قانون العقوبات،جامعة الموصل، الموصل.
  • روسو، جان جاك، (2013)، أصل التفاوت بين الناس، ترجمة عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة.
  • سليمان، سليمان عبدالمنعم،(1995)، أصول علم الإجرام القانوني، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية.
  • الشاذلي، فتوح عبدالله ، دراسات في علم الإجرام، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1993.
  • كامل، شريف سيد، (1998)، تعليق على قانون العقوبات الفرنسيي الجدي، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة.
  • كرين، برينتون، (2001)، تشكيل العقل الحديث، تعريب: شوقي جلال، مكتبة الأسرة، القاهرة.
  • هيغل، أصول فلسفة الحق، (2007)، ترجمة إمام عبدالفتاح إمام، دار التنوير والنشر والتوزيع، بيروت.
  • باللغة الروسية:
  • رشيتنيكوف ف.م. (1965)، القانون الجنائي للبلدان البرجوازية، المذهب التنويري-الإنساني، موسكو.
  • سيميكين غ. يو. (1999)، مختارات من الفكر القانوني العالمي في خمس مجلدات، المجلد الثالث، أوربا وأمريكا، القرون (18-19)، موسكو.
  • كمساروف ف. س. كريلفا ن.إ.تشاكوفا إ.م.(2012)، القانون الجنائي الروسي، القسم العام، موسكو.
  • ناعوموف أ.ب. (2017)، القانون الجنائي الروسي، المجلد الأول، القسم العام، موسكو.

ثالثاً: البحوث:

  • باللغة العربية:
  • عيسى، حسين عبدعلي، (2021)، الحماية الجزائية للمرأة والتنمية المستدامة ، ( دراسة في قانون العقوبات العراقي لعام 1969)، المجلة الأمريكية الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، الأكاديمية الأمريكية الدولية للتعليم العالي والتدريب، العدد (7)، ج 1.
  • داود، صباح سامي، رضا، صابرين إبراهيم (2021)، عقوبة الغرامة البديلة لسلب الحرية، كلية القانون، جامعة بغداد، عدد خاص، ج 2، المجلد (36).

(ب) باللغة الروسية:

  • سيتنيكوفا يو.ف. (2006) الأفكار السياسية لروسو والوقت المعاصر، دورية جامعة أومسك، 2006، العدد الأول.

رابعاً: التشريعات القانونية:

  • التشريعات القانونية العراقية:
  • قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969.
  • قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (83) لعام 1971.
  • قانون رعاية الإحداث العراقي رقم (76) لعام 1983.
  • التشريعات القانونية الأجنبية:
  • دستور الجمهورية الفرنسية لعام 1958.
  • دستور الإتحاد الروسي لعام 1993.
  • قانون العقوبات الفرنسي لعام 1810.
  • قانون العقوبات الروسي لعام 1922.
  • قانون العقوبات الإيطالي لعام 1930.
  • أسس التشريع الجنائي للاتّحاد السوفيتي لعام .1934
  • قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي لعام 1958.
  • العقوبات الفرنسي لعام 1992.
  • قانون العقوبات الروسي لعام 1996.
  • قانون تنفيذ العقوبات للاتّحاد الروسي لعام 1997.
  • مرسوم رئيس الاتّحاد الروسي رقم (724) الصادر في 16 /5/1996.

خامساً: اعلانات حقوق الإنسان:

  • إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1798.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *